اللهم

اللهم اشفني شفاءا لا يغادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني رحمة واسعة مباركة طيبة واكفني همي كله وفرج كربي كله واكشف البأساء والضراء عني واعتقني من كل سوء في الدارين يا ربي

الجمعة، 12 يناير 2024

ج18وج19وج20.الموسوعة التاريخية{من وَفاة مُحمَّد بن الحَنَفِيَّة .}

 

ج18وج19وج20.الموسوعة التاريخية

 

وَفاة مُحمَّد بن الحَنَفِيَّة .

 

العام الهجري : 81 الشهر القمري : صفر العام 

الميلادي : 700

 

تفاصيل الحدث:

 

هو محمَّد بن عَلِيٍّ بن أبي طالِب، أُمُّهُ خَوْلَةُ بِنتُ جَعفَر مِن بني حَنِيفَة مِن سَبْيِ اليَمامَة، نُسِبَ إليها تَمييزًا له عن أَخَوَيْهِ الحسن والحُسين وَلَدَي فاطِمَة رضي الله عنهم أجمعين، كانت الشِّيعَة في زَمانِه تَتَغالى فيه، وتَدَّعِي إمامَتَه، وأوَّل مَن دَعا إلى ذلك المُخْتار الثَّقَفِيُّ، ولَقَّبُوه بالمَهْدِيِّ، ويَزعُمون أنَّه لم يَمُت، كان أحدَ الأبطال الشُّجْعان، وكان كثيرَ العِلْم والوَرَع، تُوفِّي في المدينة ودُفِنَ في البَقيع كما قال وَلدُه عبدُ الله، وله خَمْسٌ وسُتُّون سَنَة.

بِدايَة فِتنَة عبدِ الرَّحمن بن الأشعث .

العام الهجري : 81 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 701

تفاصيل الحدث:

 

لمَّا بُعِثَ عبدُ الرَّحمن بن محمَّد بن الأشعث على الجيشِ إلى بِلادِ رتبيل فدَخَلها وأَخَذ منها الغَنائِمَ والحُصونَ كَتَب إلى الحَجَّاج يُعَرِّفُه ذلك، وأنَّ رَأْيَه أن يَتْرُكوا التَّوَغُّلَ في بِلادِ رتبيل حتَّى يَعرِفوا طَريقَها ويَجْبُوا خَراجَها، فكَتَب إليه الحَجَّاجُ أن يَتَوَغَّلَ ويَسْتَمِرَّ في الحَربِ؛ ولكنَّ ذلك لم يَرُق لِعبدِ الرَّحمن، فحَرَّضَ النَّاسَ وبَيَّنَ لهم خُطورَة التَّوَغُّلِ، وأنَّ الحَجَّاج إنَّما يُريد أن يُقاتِلَ بِهِما مهما كانت النَّتائِج، فَرَضوا بِقَوْلِ ابنِ الأشعثِ وثاروا معه ضِدَّ الحَجَّاجِ، فصَالَح رتبيل على أنَّه إن اسْتَطاع أن يُزيلَ الحَجَّاج فليس على رتبيل شيءٌ مِن الخَراجِ، وإن هُزِمَ فعليه مَنْعُه، فسار ابنُ الأشعث بالجُنودِ الذين معه مُقْبِلًا مِن سجستان إلى الحَجَّاج لِيُقاتِلَه ويَأخُذ منه العِراقَ.

وَقْعَة الزَّاوِيَة بين أهلِ الشَّامِ وابنِ الأشعث .

العام الهجري : 82 العام الميلادي : 701

تفاصيل الحدث:

 

لمَّا سَمِعَ الحَجَّاجُ بِتَمَرُّدِ ابنِ الأشعث جَهَّزَ جُيوشًا وطَلَب مِن عبدِ الملك إمْدادَه فكان ذلك، ثمَّ الْتَقى الطَّرَفان في تُسْتَر واقْتَتَلوا قِتالًا شَديدًا فهَزَمَهُم ابنُ الأشعث ودَخَل البَصْرَةَ فبايَعَهُ أهلُها، وكان ذلك في ذي الحجَّة، ثمَّ في أواخر مُحَرَّم حصَل قِتالٌ شديدٌ آخر انْهزَم فيه أيضًا أصحابُ الحَجَّاج، فحمَل سُفيانُ بن الأبرد الكَلْبِيُّ على المَيْمَنَةِ التي لِعبدِ الرَّحمن فهَزَمها، وانْهزَم أهلُ العِراق وأقبلوا نحو الكوفَة مع عبدِ الرَّحمن، وقُتِلَ منهم خَلْقٌ كثيرٌ، ولمَّا بلَغ عبدُ الرَّحمن الكوفَة تَبِعَهُ أهلُ القُوَّةِ وأصحابُ الخَيْلِ مِن أهلِ البَصْرَة، واجتمع مَن بَقِيَ في البَصْرَة مع عبدِ الرَّحمن بن عبَّاس بن رَبيعَة بن الحارث بن عبدِ المُطَّلِب فبايَعُوه، فقاتَل بهم الحَجَّاجَ خَمْسَ ليالٍ أشدَّ قِتالٍ رآه النَّاسُ، ثمَّ انْصَرف فلَحِقَ بابنِ الأشعث ومعه طائفةٌ مِن أهلِ البَصْرَة، وهذه الوقعة تُسَمَّى: يومَ الزَّاوِيَة، اسْتَبْسَلَ فيها القُرَّاءُ -وهُم العُلَماء- وكان عليهم جَبَلَةُ بن زُحَر فنادَى فيهم: أيُّها النَّاس، ليس الفِرار مِن أَحَدٍ بأقْبَح منه منكم، فقاتِلُوا عن دِينِكم ودُنياكُم. وقال سعيدُ بن جُبير نحو ذلك، وقال الشَّعْبِيُّ: قاتِلُوهم على جَوْرِهِم، واسْتِذْلالِهِم الضُّعَفاء، وإماتَتِهِم الصَّلاة. ثمَّ حَمَلَت القُرَّاءُ على جيشِ الحَجَّاجِ حَمْلَةً صادِقَة، فبَدَّعُوا فيهم، وكان ابنُ الأشعث يُحَرِّض النَّاسَ على القِتال، فلمَّا رأى ما النَّاس فيه أَخَذ مَن اتَّبَعَه وذَهَب إلى الكوفَة، فبايَعَه أهلُها. ثمَّ إنَّ عبدَ الملك عرَض على أهلِ العِراق أن يَخْلَعَ الحَجَّاج ويَعودوا كما كانوا حَقْنًا للدِّماء فأبوا لمَّا رأوا بأَنفُسِهم قُوَّةً وكَثْرَةً وخلعوا عبدَ الملك أيضًا فخَلَّى بين الحَجَّاجِ وبينهم.

وَفاة المُهَلَّب بن أبي صُفْرَة .

العام الهجري : 82 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 702

تفاصيل الحدث:

 

هو المُهَلَّب بن أبي صُفْرَة ظالم، أبو سَعيد الأَزْدِيُّ، الأميرُ البَطَل، قائدُ الكَتائِب أحدُ أَشْرافِ أهلِ البَصْرَةِ، ووُجَهائِهِم ودُهاتِهِم وأَجْوادِهِم وكُرَمائِهِم، وُلِدَ عامَ الفَتْح، نَزَل المُهَلَّبُ البَصْرَة وغَزا في أيَّام مُعاوِيَة أرضَ الهِنْد سنةَ أربع وأربعين، ووَلِيَ الجزيرةَ لابنِ الزُّبير سنةَ ثمانٍ وسِتِّين، ثمَّ وَلِيَ حَربَ الخَوارِج أوَّلَ دَولةِ الحَجَّاج، وقَتَل منهم في وَقعةٍ واحدة أربعةَ آلاف وثمانمائة، فعَظُمَت مَنزِلتُه عندَ الحَجَّاج, وكان فاضلًا شُجاعًا كريمًا، وله كلامٌ حسن، منه: نِعْمَ الخَصْلَة السَّخاء، تَسْتُر عَورةَ الشَّريف، وتَلْحَق خَسِيسَة الوَضِيع، وتُحَبِّب المَزْهُود فيه. وقال: يُعْجِبُني في الرَّجُل خَصْلَتان: أن أرى عَقْلَه زائِدًا على لِسانِه، ولا أرى لِسانَه زائدًا على عَقْلِه. تُوفِّي المُهَلَّبُ غازيًا بِمَرْو الرُّوذ، وعُمُرهُ سِتَّة وسبعون سنة رَحِمَه الله، وكان مِن الشُّجْعان، وله مَواقِف حَميدة، وغَزَوات مَشْهورة في التُّرْك والأَزارِقَة وغَيرهِم مِن أنواعِ الخَوارِج، وجَعَل الأمرَ مِن بَعدِه لِوَلَدِه يَزيدَ بن المُهَلَّب على إِمْرَةِ خُراسان، فأَمْضَى له ذلك الحَجَّاجُ وعبدُ الملك بن مَرْوان.

وَقعَة دَيْر الجَماجِم ونِهايَة فِتنَة ابنِ الأشعث .

العام الهجري : 83 العام الميلادي : 702

تفاصيل الحدث:

 

اسْتُهِلَّ هذا العام والنَّاسُ مُتَواقِفون لِقتال الحَجَّاج وأصحابه بِدَيْرِ قُرَّة، وابنُ الأشعث وأَصحابُه بِدَيْرِ الجَماجِم، والمُبارَزة في كُلِّ يَومٍ بينهم واقِعَة، وفي غالبِ الأيَّامِ تكون النُّصْرَة لأهلِ العِراق على أهلِ الشَّام، إذا حصَل له ظَفَرٌ في يوم مِن الأيَّام يَتقدَّم بجَيشِه إلى نَحْرِ عَدُوِّهِ، وكان له خِبرَةٌ بالحربِ، وما زال ذلك دَأْبُه ودَأْبُهم حتَّى أَمَر بالحَمْلَةِ على كَتيبةِ القُرَّاء; لأنَّ النَّاس كانوا تَبَعًا لهم، وهُم الذين يُحَرِّضُونهم على القِتال، والنَّاس يَقْتَدُون بهم، فصَبَر القُرَّاء لِحَمْلَةِ جَيشِه، ثمَّ جمَع الحَجَّاجُ الرُّماةَ مِن جَيشِه وحَمَل بهم على كَتيبةِ القُرَّاء، وما انْفَكَّ حتَّى قَتَل منهم خَلْقًا كثيرًا، ثمَّ حَمَل على جَيشِ ابن الأشعث فانْهَزَم أصحابُ ابن الأشعث وذَهَبوا في كُلِّ وَجْهٍ، وهَرَب ابنُ الأشعث ومَن معه إلى بلادِ رتبيل مَلِك التُّرْك فأَكْرَمَهُم, كان الحَجَّاجُ يومَ ظَهَرَ على ابن الأشعث بِدَيْرِ الجَماجِم نادَى مُنادِيه في النَّاس: مَن رَجَع فهو آمِن، ومَن لَحِقَ بِقُتَيْبَة بن مُسلِم بالرَّيِّ فهو آمِن. فلَحِقَ به خَلْقٌ كثيرٌ ممَّن كان مع ابنِ الأشعثِ، فأَمَّنَهم الحَجَّاجُ، ومَن لم يَلْحَق به شَرَعَ الحَجَّاجُ في تَتَبُّعِهِم، فقَتَل منهم خَلْقًا كثيرًا.

الحَجَّاجُ بن يوسُف يبدأ ببِناء مَدينة واسِط في العراق .

العام الهجري : 83 العام الميلادي : 702

تفاصيل الحدث:

 

قام الحَجَّاجُ بن يوسُف الثَّقفيُّ بعدَ أن اسْتَتَبَّ له العِراق ببِناء مَدينة واسِط، وسُمِّيَت بذلك لتَوَسُّطِها بين البَصْرَة والكوفَة، وجَعَلَها مَعْقَلَهُ وقاعِدَةَ حُكْمِه، وأَسْكَنَها الجُنْدَ الشَّامِيَّ العَربيَّ وأَتْراكَ ما بين النَّهْرَيْنِ الذين قَدِموا أَسْرَى حَرْبٍ أو مَنْفِيِّين أو مِن تِلْقاءِ أَنْفُسِهم فأَضْحَت قاعِدَة للعِراق.

اسْتِيلاء الأُمَويِّين على جُزُرِ دَهْلَك وتَطْهِيرها مِن القَراصِنَة (جزر إرتريا) .

العام الهجري : 83 العام الميلادي : 702

تفاصيل الحدث:

 

جُزُر أرخبيل دَهْلَك: مُدُن حَبَشِيَّة ساحِلِيَّة في البَحرِ الأحمر، وبها أكثر مِن مائتي جَزيرَة، وهي عبارة عن جُزُر صَحراوِيَّة بتُرْبَتِها الصَّلْبَة وقِلَّةِ مِياهِها العَذْبَة, لَعِبَت هذه الجُزُر دَوْرًا هامًّا كنُقْطَةِ تَجَمُّعٍ وانْطِلاقٍ للهِجْرات العَربِيَّة القَديمَة المُتَّجِهَة صَوْبَ ساحِل أفريقيا, وعن طَريقِها كان يَتِمُّ نَقْل التِّجارَة واسْتِقبالها, ثمَّ أصبحت جُزُر دَهْلَك مَرْكَزًا للقَراصِنَة الذين كانوا يُهَدِّدُون المِلاحَة, وبَدَأوا بِغاراتٍ على سَواحِل المسلمين، وهَدَّدوا بِتَدْمِير مَكَّة، فَجَرَّدَ أُمَراءُ الأُمَويِّين حَمَلَات تَمَكَّنُوا مِن الاسْتِيلاء عليها وتَطْهِيرها مِن القَراصِنَة، وبعَد الفَتْحِ الإسلاميِّ ازْدَهرت جُزُر دَهْلَك حتَّى كان لها شأنٌ كبيرٌ شَجَّعَ المسلمين على اسْتِيطانِها وتَعْميرِها، كما أصبحت مَوْطِنًا للتِّجارَةِ وطَلَبِ الرِّزْق، أو لاتِّخاذِ مَوْطِنٍ جديدٍ هَرَبًا مِن الحُروبِ والمَجاعات، فَنَقَل هؤلاء إليها الحَضارَة والعِلْم حتَّى أصبحت مَرْكَزَ إِشْعاعٍ لِتَعليم فِقْه الدِّين واللُّغَة، ووَفَد إليها طُلَّاب العِلْم مِن مُخْتَلَف أَنْحاء مَنْطِقة شَمال أفريقيا، كما اتَّخَذَها بَعضُ الخُلَفاء المسلمين مَنْفًى للمَغْضُوب عليهم كَنَوْعٍ مِن العِقاب، وبالذَّاتِ الشُّعَراء الذين عُرِفوا في شِعْرِهِم بالمُجون والتَّشْبِيب بالنِّساء؛ وذلك لِبُعْدِها عن الجَزيرَةِ العَربيَّة ولِشِدَّةِ حَرِّها، وقد عَنِيَ سَلاطِينُ دَهْلَك بعِمارَةِ المَساكِن، والقُصُورِ، ومَنابِر المَساجِد، ومَداخِل القُصُور، والنُّقوش الكِتابِيَّة بالخَطِّ الكوفيِّ.

فَتْحُ يَزيد بن المُهَلَّب قَلْعَة نَيْزَك بِباذَغِيس .

العام الهجري : 84 العام الميلادي : 703

تفاصيل الحدث:

 

فَتَحَ يَزيدُ بن المُهَلَّب قَلْعَةَ نَيْزَك، وكان يَزيد قد وَضَع على نَيْزَك العُيونَ، فلمَّا بَلَغَهُ خُروجُ نَيْزَك عنها سار إليها فحاصَرَها فمَلَكَها وما فيها مِن الأموال والذَّخائِر، وكانت مِن أَحْصَن القِلاعِ في زَمانِها، وكان نَيْزَك إذا رآها سَجَدَ لها تَعْظِيمًا لها، كَتَبَ يَزيدُ بن المُهَلَّب إلى الحَجَّاجِ بالفَتْحِ: أَنَّا لَقِينَا العَدُوَّ فمَنَحَنا اللهُ أَكْتافَهُم، فقَتَلْنَا طائِفَة، وأَسَرْنا طائِفَة، ولَحِقَت طائِفَة بِرُؤوسِ الجِبال وعَراعِر الأَوْدِيَة، وأَهْضام الغِيطان وأَثْناء الأَنْهار.

فَتْحُ عبدِ الله بن عبدِ الملك المَصِّيصَة في بلاد الروم .

العام الهجري : 84 العام الميلادي : 703

تفاصيل الحدث:

 

غَزا عبدُ الله بن عبدِ الملك الرُّومَ ففَتَح المَصِّيصَة وبَنَى حِصْنَها، ووَضَع بها ثلاثمائة مُقاتِل مِن ذَوِي البَأْسِ، ولم يكُن المسلمون سَكَنوها قبلَ ذلك، وبَنَى مَسجِدَها.

غَزْوُ محمَّدِ بن مَرْوان أرمينية .

العام الهجري : 84 العام الميلادي : 703

تفاصيل الحدث:

 

قام محمَّدُ بن مَرْوان وهو أَميرُ الجَزيرَة بِغَزْوِ أرمينية وحَرْقِ كَنَائِسِهِم، وتُسَمَّى هذه السَّنَة بِسَنَةِ الحَرْق.

وَفاةُ عِمْران بن حِطَّان الخارجيِّ .

العام الهجري : 84 العام الميلادي : 703

تفاصيل الحدث:

 

هو عِمْرانُ بن حِطَّان بن ظَبْيان، السَّدُوسيُّ البَصريُّ، نَشَأ في البَصْرَة، حَدَّثَ عن عائِشَة، وأبي موسى الأشعريِّ، وابن عَبَّاس، ورَوَى عنه ابنُ سِيرين، وقَتادَة، ويحيى بن أبي كَثير. كان مِن أَهلِ السُّنَّةِ والجَماعَة، فتَزَوَّج امْرأَةً مِن الخَوارِج حَسَنَةً جَميلةً جِدًّا فأَحَبَّها، وكان هو دَمِيمُ الشَّكْل، فأَرادَ أن يَرُدَّها إلى السُّنَّةِ فأَبَتْ، فَارْتَدَّ معها إلى مَذْهَبِها. وقد كان مِن الشُّعراء المُطْبِقِين، وهو القائِلُ في قَتْلِ عَلِيٍّ وقاتِلِه:

يا ضَرْبَةً مِن تَقِيٍّ ما أراد بها... إلَّا لِيَبْلُغَ مِن ذي العَرْشِ رِضْوانا

إنِّي لأَذْكُرُه يومًا فَأَحْسَبُه... أَوْفَى البَرِيَّةِ عندَ الله مِيزانا

أَكْرِم بِقَوْمٍ بُطون الطَّيْر قَبْرُهم... لم يَخْلِطُوا دِينهم بَغْيًا وعُدْوانا

وقد رَدَّ عليه بَعضُ العُلَماء في أَبياتِه المُتَقَدِّمة في قَتْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه بأبياتٍ على قافِيَتِها ووَزْنِها:

بَل ضَرْبَةً مِن شَقِيٍّ ما أراد بها... إلَّا لِيَبْلُغَ مِن ذي العَرْشِ خُسْرانا

إنِّي لأَذْكُرُه يومًا فأَحْسَبُه... أَشْقَى البَرِيَّةِ عندَ الله مِيزانا

إِنْشاء حَسَّان بن النُّعْمان جامِع الزَّيْتونَة بالقَيْرَوان .

العام الهجري : 84 العام الميلادي : 703

تفاصيل الحدث:

 

بعدَ فَتْحِ تُونُس اقْتَضَتْ الحاجَةُ لِبِناءِ مَسجِد للصَّلاة ونَشْر الدِّين الإسلاميِّ بين أهالي تُونُس، بَنَي أوَّلَ مَسجِد فيها الشَّيْخُ الأمينُ حَسَّان بن النُّعْمان الغَسَّانيُّ فاتِحُ تُونُس وقَرْطاجَنَّة، وسُمِّيَ بـ (جامِع الزَّيْتونَة) لأنَّ مَوْقِعَه كانت به شَجَرَة زَيْتون عندَ صَوْمَعَة كان يَتَعَبَّد فيها راهِبٌ نَصْرانيٌّ، وقِيلَ: إنَّ السَّبَب في تَسْمِيَتِه بهذا الاسم هو لِكَثْرَةِ شَجَر الزَّيْتون بالقُرْبِ مِن مَكان الجامِع عندَ بِنائِه، ثمَّ في سنة 116هـ قام والي أفريقيا الأميرُ عُبيدُ اللّه بن الحَبْحاب بِتَوْسِعَة وإِعْمار الجامِع، وأَحْكَم وَضْعَه على أساسٍ فَخْمٍ، وزاد في ضَخامَتِه. وفي سنة 250هـ بَنَى أبو إبراهيم أحمدُ الأَغْلَبِيُّ في عَهْدِ الخَليفَة المُسْتَعين باللّه قُبَّةَ الجامِع. وفي سنة 381هـ قام أبو الفَتْح المَنْصور بن أبي الفُتُوح يُوسُف بن زِيرِي ثاني مُلوك الصَّنْهاجِيِّين بِتَرْمِيم قُبَّةِ بَهْوِ الجامِع. وفي سنة 747هـ في أيَّام محمَّد المُسْتَنْصِر بن أبي زكريَّا زُوِّدَ الجامِع بالماءِ عن طَريقِ بِناء قَناطِر، وقام أُمَراءُ الشِّيعَة المَهْدِيَّة وبَنُو حَفْص سَلاطين تُونُس بالاهْتِمام بهذا الجامِع، وكان الانْتِهاء من العَمَل به في عَهْد الحاكِم الأغلبيِّ زِيادَة اللّه الثَّاني. وفي سنة 1312هـ /1894م بُنِيَت مِئْذَنَة الجامِع مَكانَ المِئْذَنَة القَديمَة مِن قِبَلِ المُهَنْدِس سُليمان النيقرو. وفي سنة 1357هـ /1939م حَصَل آخِرُ تَرْمِيم للجامِع.

وَفاةُ عبدِ الرَّحمن بن الأشعث .

العام الهجري : 84 العام الميلادي : 703

تفاصيل الحدث:

 

هو عبدُ الرَّحمن بن محمَّد بن الأشعث بن قَيْس الكِنْدِيُّ، أَميرُ سِجِسْتان كان قائدًا أُمَوِيًّا مِن أهلِ الكوفَة وأَشرافِها، بَدَأ عبدُ الرَّحمن كَأَيِّ قائِدٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ، وضَمَّ عددًا كبيرًا مِن البُلدان لِصالِح الدَّولَةِ الأُمويَّة، ولم تكُن أسباب خُروجِه دِينيَّة على الإطلاق. وُلِدَ عبدُ الرَّحمن في الكوفَة في بَيتٍ مِن أَشرافِها، فأَبُوه محمَّدُ بن الأشعث، أَحَدُ وُجوهِ كِنْدَة. كانت عِلاقَةُ الحَجَّاج بن يوسُف به سَيِّئَةً للغايَةِ، وكان الحَجَّاج كلمَّا رأى عبدَ الرَّحمن قال: يالِخُيَلائِه! أنظُر إلى مِشْيَتِه، والله لهَمَمْتُ أن أَضرِب عُنُقَه. فلمَّا انْهَزَم ابنُ الأشعث وَفَرَّ إلى رتبيل مَلِك التُّرْك كَتَب الحَجَّاجُ إلى رتبيل يَقول له: والله الذي لا إله إلَّا هو، لَئِن لم تَبْعَث إِلَيَّ بابنِ الأشعثِ لَأَبْعَثَنَّ إلى بِلادِك ألفَ ألفَ مُقاتِل، ولَأُخَرِّبَنَّها. فلمَّا تَحَقَّق الوَعيدُ مِن الحَجَّاج اسْتَشار في ذلك بعضَ الأُمراء فأشار عليه بِتَسليم ابن الأشعث إليه قبل أن يُخَرِّب الحَجَّاجُ دِيارَه، ويأخذ عامَّة أَمْصارِه، فأرسَل إلى الحَجَّاج يَشترِط عليه أن لا يُقاتِل عشرَ سِنين، وأن لا يُؤَدِّي في كُلِّ سَنة منها إلَّا مِائَة ألف مِن الخَراجِ، فأجابه الحَجَّاجُ إلى ذلك، وقِيل: إنَّ الحَجَّاج وَعَدَه أن يُطلِق له خَراجَ أَرضِه سبعَ سِنين، فعند ذلك غَدَر رتبيل بابن الأشعث، فقَبَضَ عليه وعلى ثلاثين مِن أَقرِبائِه فَقَيَّدَهم في الأَصفادِ، وبَعَث بهم مع رُسُلِ الحَجَّاج إليه، فلمَّا كانوا بِبَعضِ الطَّريق بِمَكان يُقالُ له: الرُّخَّج، صَعَد ابنُ الأشعث وهو مُقَيَّد بالحَديدِ إلى سَطْحِ قَصْرٍ، ومعه رجل مُوكل به; لِئَلَّا يَفِرَّ، وألقى نَفْسَه مِن ذلك القَصْر، وسَقَطَ معه المُوكل به فماتا جَميعًا، فعَمَد الرَّسول إلى رأسِ ابن الأشعثِ فاحْتَزَّهُ، وقَتَل مَن معه مِن أصحابِ ابن الأشعث، وبَعَث بِرُؤوسِهم إلى الحَجَّاج، فأَمَرَ فَطِيفَ بِرَأْسِه في العِراق، ثمَّ بَعَثَه إلى أميرِ المؤمنين عبدِ الملك فَطِيفَ بِرَأْسِه في الشَّام، ثمَّ بَعَث به إلى أَخيهِ عبدِ العزيز بِمِصْرَ فَطِيفَ بِرَأْسِه هُنالِك، ثمَّ دَفَنوا رَأْسَه بِمِصْرَ وجُثَّتَه بالرُّخَّج, وقِيلَ إنَّه مات عامَ 85 هـ. قال عنه ابنُ كثير: "والعَجَبُ كُلُّ العَجَب مِن هؤلاء الذين بايَعُوه بالإمارَةِ وليس مِن قُريشٍ، وإنَّما هو كِنْدِيٌّ مِن اليَمَن، وقد اجْتَمَع الصَّحابَةُ يومَ السَّقِيفَة على أنَّ الإمارَة لا تكون إلَّا في قُريشٍ، واحْتَجَّ عليهم الصِّدِّيقُ بالحديث في ذلك، حتَّى إنَّ الأنصار سألوا أن يكون منهم أَميرٌ مع أَميرِ المُهاجرِين فأَبَى الصِّدِّيقُ عليهم ذلك. فكيف يَعْمِدون إلى خَليفَة قد بُويِعَ له بالإمارةِ على المسلمين مِن سِنين فيَعْزِلونه وهو مِن صُلْبِيَّةِ قُريشٍ ويُبايِعون لِرَجُلٍ كِنْدِيٍّ بَيْعَةً لم يَتَّفِق عليها أَهلُ الحَلِّ والعَقْدِ؟! ولهذا لمَّا كانت هذه زَلَّة وفَلْتَة نَشَأ بِسَبَبِها شَرٌّ كَبيرٌ هَلَكَ فيه خَلْقٌ كَثيرٌ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجِعُون".

فَتْحُ المُفَضَّل بن المُهَلَّب باذغيس .

العام الهجري : 85 العام الميلادي : 704

تفاصيل الحدث:

 

ثمَّ لمَّا وَلِيَ المُفَضَّل بن المُهَلَّب خُراسان غَزَا باذغيس ففَتَحَها وأصاب مَغنمًا فقَسَّمَه، فأصاب كُلُّ رَجُلٍ ثماني مائة. ثمَّ غَزَا آخرون وشومان فغَنِمَ وقَسَّمَ ما أصاب، ولم يكُن للمُفَضَّل بيتُ مَالٍ، كان يُعطِي النَّاس كُلمَّا جاء شيءٌ، وإن غَنِمَ شَيئًا قَسَّمَه بينهم.

بَيْعَة عبدِ المَلِك بن مروان لِوَلَدَيْهِ الوَليد ثمَّ سُليمان .

العام الهجري : 85 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 704

تفاصيل الحدث:

 

أراد عبدُ الملك بن مَرْوان أن يَخْلَع أخاه عبدَ العزيز مِن وِلايَة العَهْد ويُبايِع لابنِه الوَليد بن عبدِ الملك، فنَهاهُ عن ذلك قَبِيصَةُ بن ذُؤَيْب وقال: لا تَفعَل؛ فإنَّك تَبْعَث على نَفْسِك صَوتَ عَارٍ، ولَعَلَّ الموتَ يأتيه فتَسْتَريح منه. فَكَفَّ عنه ونَفْسُه تُنازِعُه إلى خَلْعِه. فدَخَل عليه رَوْحُ بن زِنْباع، وكان أَجَلَّ النَّاس عند عبدِ الملك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، لو خَلعتَه ما انْتَطَح فيه عَنْزان، وأنا أوَّلُ مَن يُجيبُك إلى ذلك. قال: نُصْبِح إن شاء الله. ونام رَوْحٌ عند عبدِ الملك، فدَخَل عليهما قَبيصةُ بن ذُؤَيب وهُما نائِمان، وكان عبدُ الملك قد تَقَدَّم إلى حُجَّابِه أن لا يَحْجِبوا قَبيصةَ عنه، وكان إليه الخاتَم والسِّكَّة، تَأتيهِ الأخبارُ والكُتُبُ قبلَ عبدِ الملك، فلمَّا دَخَل سَلَّم عليه، قال: آجَرَك الله في أَخيك عبدِ العزيز. قال: وهل تُوفِّي؟ قال: نعم. فاسْتَرْجَع عبدُ الملك، ثمَّ أقْبَل على رَوْح، فقال: كَفانا الله ما كُنَّا نُريد، وكان ذلك مُخالِفًا لك يا قَبيصة. فقال قَبيصةُ: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ الرَّأْي كُلَّه في الأَناةِ، فقال عبدُ الملك: ورُبَّما كان في العَجَلة خَيْرٌ كَثيرٌ، رَأيتَ أَمْرَ عَمرِو بن سَعيد، ألم تكُن العَجَلَةُ فيه خيرًا مِن الأَناةِ؟ وكانت وَفاةُ عبدِ العزيز في جُمادَى الأُولى في مِصْرَ، فضَمَّ عبدُ الملك عَمَلَه إلى ابنه عبدِ الله بن عبدِ الملك ووَلَّاه مِصْرَ. فلمَّا مات عبدُ العزيز قال أهلُ الشَّام: رُدَّ على أَميرِ المؤمنين أَمْرُهُ. فلمَّا أَتَى خَبَرُ مَوْتِه إلى عبدِ الملك أَمَر النَّاسَ بالبَيْعَة لابْنَيْهِ الوَليد وسُليمان، فبايَعوا، وكَتَبَ بالبَيْعَة لهما إلى البُلْدان.

غَزْوُ قُتيبَة بن مُسلِم أَرض التُّرْك .

العام الهجري : 86 العام الميلادي : 704

تفاصيل الحدث:

 

قَدِمَ قُتيبةُ خُراسان أميرًا عليها للحَجَّاج، فقَدِمَها والمُفَضَّل يَعرِض الجُنْدَ للغَزَاةِ، فخَطَب قُتيبةُ النَّاسَ وحَثَّهُم على الجِهاد، ثمَّ عَرَضَهم وسَارَ، وجَعَل بِمرو على حَرْبِها إياس بن عبدِ الله بن عَمرٍو، وعلى الخَراجِ عُثمان السعيدي. فلمَّا كان بالطَّالقان أتاهُ دَهاقِين بَلْخ وساروا معه، فقَطَع النَّهْر، فتَلَقَّاه مَلِكُ الصَّغَانِيَان بِهَدايا ومَفاتِيح مِن ذَهَبٍ، ودَعاهُ إلى بِلادِه فمضى معه، فسَلَّمَها إليه لأنَّ ملك آخْرُونَ وشُومان كان يُسيءُ جِوارَه. ثمَّ سَارَ قُتيبةُ منها إلى آخْرُون وشُومان، وهما مِن طخارستان، فصالَحَهُ مَلِكُهُما على فِدْيَة أَدَّاها إليه فَقَبِلَها قُتيبةُ ثمَّ انْصَرف إلى مرو واسْتَخْلف على الجُنْدِ أَخاهُ صالحَ بن مُسلِم، ففَتَح صالحٌ بعدَ رُجوعِ قُتيبةَ كاشان وأورشت، وهي مِن فَرْغانَة، وفَتَح أخشيكت، وهي مدينة فَرْغانَة القديمة، وكان معه نَصرُ بن سِيار فأَبْلَى يَومئذٍ بلاءً حسنًا.

غَزْوُ مَسْلَمة بن عبدِ الملك بِلاد الرُّوم وهَلَاك ملكها .

العام الهجري : 86 العام الميلادي : 704

تفاصيل الحدث:

 

غَزَا مَسلَمةُ بن عبدِ الملك الرُّومَ فقَتَل منهم عددًا كبيرًا بسوسنة مِن ناحِيَة المَصِّيصة وفَتَح حُصونًا. وقِيلَ: إنَّ الذي غَزَا في هذه السَّنَة هِشامُ بن عبدِ الملك ففَتَح حِصْنَ بولق، وحِصْن الأخرم، وحِصْن بولس وقمقم، وقَتَل مِن المُتَعَرِّبَة نحوًا مِن ألفِ مُقاتِل وسَبَى ذُرِّيَّتَهم ونِساءَهم.

وَفاةُ الخَليفَة عبدِ الملك بن مَرْوان .

العام الهجري : 86 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 705

تفاصيل الحدث:

 

هو عبدُ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاصِ بن أُمَيَّة، أبو الوَليد الأُمَويُّ أَميرُ المؤمنين، وُلِدَ سنة سِتٍّ وعشرين بالمدينة, شَهِدَ الدَّارَ –يعني يومَ مَقْتَل عُثمان-مع أبيه، وله عَشْرُ سِنين، وهو أوَّلُ مَن سَارَ بالنَّاس في بِلاد الرُّوم سنة ثنتين وأربعين، وكان أَميرًا على أهلِ المدينة وله سِتَّ عَشرةَ سنة، وَلَّاهُ إيَّاها مُعاوِيَةُ، وكان يُجالِس الفُقَهاء والعُلَماء والعُبَّاد والصُّلَحاء, بُويِعَ بالخِلافَة في سنة خَمس وسِتِّين في حَياةِ أبيهِ، في خِلافَة ابن الزُّبير، وبَقِيَ على الشَّامِ ومِصْرَ مُدَّة سَبْعِ سِنين، وابن الزُّبير على باقي البِلاد ثمَّ اسْتَقَلَّ بالخِلافَة على سائِر البِلاد والأقاليم بعدَ مَقْتَل ابنِ الزُّبير، وقد كان عبدُ الملك قبلَ الخِلافَة مِن العُبَّاد الزُّهَّاد الفُقَهاء المُلازِمين للمَسجِد، التَّالِين للقُرآن، وكان رِبْعَةً مِن الرِّجال أَقْرَب إلى القِصَر. قال عنه نافعٌ: رَأيتُ المدينةَ وما فيها شَابٌّ أَشَدُّ تَشْميرًا، ولا أَفْقَهُ ولا أَقْرَأُ لِكِتابِ الله مِن عبدِ الملكِ بن مَرْوان. قال عبدُ الملك: كُنتُ أُجالِس بَرِيرَةَ قبلَ أن أَلِيَ هذا الأَمْرَ، فكانت تَقولُ: يا عبدَ الملك، إنَّ فِيكَ خِصالًا، وإنَّك لَجَدِيرٌ أن تَلِيَ أَمْرَ هذه الأُمَّةِ، فاحْذَر الدِّماء ; فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ الرَّجُلَ لَيُدْفَع عن بابِ الجَنَّة أن يَنْظُرَ إليها على مِحْجَمَةٍ مِن دَمٍ يُريقُه مِن مُسلِم بِغيرِ حَقٍّ. كان فُقَهاء المَدينة أَربعَة: سَعيدُ بن المُسَيِّب، وعُرْوَةُ، وقَبيصَةُ بن ذُؤَيْب، وعبدُ الملك بن مَرْوان قبلَ أن يَدخُل في الإمارة. لم يَزَلْ عبدُ الملك مُقيمًا بالمدينة حتَّى كانت وَقْعَة الحَرَّةِ، واسْتَولى ابنُ الزُّبير على بِلادِ الحِجازِ، وأَجْلَى بَنِي أُمَيَّة منها، فقَدِمَ مع أَبيهِ الشَّامَ، ثمَّ لمَّا صارَت الإمارةُ مع أَبيهِ وبايَعه أهلُ الشَّام أَقامَ في الإمارةِ تَسعةَ أَشهُر، ثمَّ عَهِدَ إليه بالإمارةِ مِن بَعدِه. بُويِعَ عبدُ الملك بالخِلافَة في مُسْتَهَلِّ رَمضانَ سنة خَمسٍ وسِتِّين، واجْتَمع النَّاسُ عليه بعدَ مَقتلِ ابنِ الزُّبير سنة ثلاث وسَبعين. كان عبدُ الملك له إقْدامٌ على سَفْكِ الدِّماء، وكان عُمَّالُه على مَذهَبِه; منهم الحَجَّاجُ، والمُهَلَّبُ، وغيرُهم، وكان حازِمًا فَهِمًا فَطِنًا، سَائِسًا لِأُمُور الدُّنيا، لا يَكِلُ أَمْرَ دُنياهُ إلى غَيرِه، وكان عبدُ الملك يقول: أَخافُ المَوتَ في شَهْرِ رَمضان، فيه وُلِدْتُ وفيه فُطِمْتُ وفيه جَمَعْتُ القُرآنَ، وفيه بايَعَ لِيَ النَّاسُ، فمات في النِّصف مِن شَوَّال حين أَمِنَ الموتَ في نَفسِه. وكان عُمُرُهُ سِتِّين سنة، وقِيلَ: ثلاثًا وسِتِّين سنة. وكانت خلافَتُه مِن لَدُن قَتْلِ ابنِ الزُّبير ثلاث عَشرةَ سنةً وأربعة أَشهُر إلَّا سبع ليالٍ، وقِيلَ: وثلاثة أَشهُر وخمسة عَشرَ يومًا. ودُفن خارِجَ بابِ الجابِيَة. صلَّى عليه ابنُه الوَليدُ ووَلِيَ عَهْدَهُ مِن بَعدِه.

الوَليد بن عبدِ الملك يَتَوَلَّى الخِلافَة .

العام الهجري : 86 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 705

تفاصيل الحدث:

 

لمَّا دُفِنَ عبدُ الملك بن مَرْوان انْصَرَف الوَليدُ عن قَبرِه فدَخَل المَسجِد وصَعَد المِنْبَر واجْتَمع إليه النَّاسُ فخَطَبَهم وقال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجِعون، والله المُستعان على مُصِيبتِنا لِمَوتِ أَميرِ المؤمنين، والحمدُ لله على ما أَنْعَمَ علينا مِن الخِلافَة، قوموا فبايِعُوا، فكان أوَّلَ مَن عَزَّى نَفْسَه وهَنَّأَهَا؛ وكان أوَّلَ مَن قام لِبَيْعَتِه عبدُ الله بن هَمَّام السَّلُولِيُّ.

وَضْعُ أُسُسِ بِناءِ المَسجِد الأُمَويِّ الجامِع بِدِمَشْق .

العام الهجري : 87 العام الميلادي : 705

تفاصيل الحدث:

 

شَرَعَ الخَليفةُ الوَليدُ بن عبدِ الملك بن مَرْوان في بِناءِ جامِع دِمَشق الأُمَويِّ؛ وكان نِصْفُه كَنيسةَ النَّصارَى، وعلى ذلك صَالَحَهم أبو عُبيدةَ بن الجَرَّاح؛ فقال لهم الوَليدُ: إنَّا قد أَخَذنا كَنيسةَ مَريمَ عَنْوَةً فأَنَا أَهْدِمُها، فَرَضوا بِهَدْمِ هذه الكَنيسَة وإبْقاء كَنيسَة مَريم؛ والمِحْراب الكبير هو مكان بابِ الكَنيسَة.

=========================================

ج19.

 

تَوَلِّي عُمَرَ بن عبدِ العزيز إِمارَة المدينة .

العام الهجري : 87 العام الميلادي : 705

تفاصيل الحدث:

 

عَيَّنَ الوَليدُ بن عبدِ الملك عُمَرَ بنَ عبدِ العزيز على إِمارَةِ المَدينَة بعدَ أن عَزَلَ هِشامَ بن إسماعيلَ عن وِلَايَتِها، ثمَّ ضَمَّ إليه وِلايَةَ الطَّائِف سنة 91هـ، وبذلك صار وَالِيًا على الحِجازِ كُلِّها, وكانت إمارتُه عليها أربعَ سِنين غير شَهرٍ أو نَحوِه، فقَدِمَها وَالِيًا وثَقَلُه على ثلاثين بَعِيرًا، فنَزَل دارَ مَرْوان، وجَعَل يَدخُل عليه النَّاسُ فيُسَلِّمون، فلمَّا صلَّى الظُّهْرَ دَعَا عَشرةً مِن الفُقَهاء الذين في المدينة: عُرْوَةَ بن الزُّبير، وأبا بَكْر بن سُليمان بن أبي خَيْثَمَة، وعُبيدَ الله بن عبدِ الله بن عُتْبَة بن مَسْعود، وأبا بَكْر بن عبدِ الرَّحمن بن الحارِث، وسُليمان بن يَسار، والقاسِم بن محمَّد، وسالِم بن عبدِ الله بن عُمَرَ، وعبدَ الله بن عُبيدِ الله بن عُمَرَ، وعبدَ الله بن عامِر بن ربِيعَة، وخارِجَة بن زَيدٍ، فدَخَلُوا عليه، فقال لهم: إنَّما دَعَوْتُكم لِأَمْرٍ تُؤْجَرُون عليه, وتَكُونون فيه أَعوانًا على الحَقِّ، لا أُريدُ أن أَقْطَعَ أَمْرًا إلَّا بِرَأْيِكم، أو بِرَأْيِ مَن حَضَر منكم، فإن رَأيتُم أَحدًا يَتَعَدَّى, أو بَلَغَكُم عن عامِلٍ لي ظُلْمٌ، فأُحَرِّجُ اللهَ على مَن بَلغَهُ ذلك إلَّا بَلَّغَنِي. فخَرجُوا يَجْزُونَهُ خَيْرًا وافْتَرقوا.

غَزْوُ قُتيبةَ بن مُسلِم لِبِيكَنْد (أَدْنَى مَدائِن بُخارَى) .

العام الهجري : 87 العام الميلادي : 705

تفاصيل الحدث:

 

غَزَا قُتيبةُ بِيكَنْد وهي أَدْنَى مَدائِن بُخارَى إلى النَّهْر، فلمَّا نَزَل بهم اسْتَنْصَروا الصُّغْدَ واسْتَمَدُّوا مَن حَولهم، فأَتوهم في جَمْعٍ كَثيرٍ وأَخَذوا الطُّرُقَ على قُتيبَة، فلم يَنْفَذ لِقُتيبَة رَسولٌ ولم يَصِل إليه خَبَرٌ شَهْرَيْنِ، وأَبطأَ خَبرُه على الحَجَّاج فأَشفَق على الجُنْدِ فأَمَر النَّاس بالدُّعاء لهم في المَساجِد وهُم يَقْتَتِلُون كُلَّ يومٍ. وكان لِقُتيبةَ عَيْنٌ مِن العَجَمِ يُقالُ له: تَنْدُر، فأَعطاهُ أهلُ بُخارَى مَالًا لِيَرُدَّ عنهم قُتيبة، فأَتاه فقال له سِرًّا مِن النَّاس: إنَّ الحَجَّاج قد عُزِلَ وقد أَتَى عامِل إلى خُراسان فلو رَجَعْتَ بالنَّاس كان أَصْلَح. فأَمَر به فقُتِلَ خَوفًا مِن أن يَظهَر الخَبَرُ فيَهْلك النَّاس، ثمَّ أَمَرَ أَصحابَه بالجِدِّ في القِتال فقَاتَلهم قِتالًا شَديدًا، فانْهَزَم الكُفَّارُ يُريدون المدينةَ وتَبِعَهم المسلمون قَتْلًا وأَسْرًا كيف شَاؤُوا، وتَحَصَّنَ مَن دَخَل المدينةَ بها، فوَضَع قُتيبةُ الفَعَلَةَ لِيَهْدِمَ سُورَها، فَسَألُوه الصُّلْحَ فصَالَحَهم واسْتَعْمَل عليه عامِلًا وارْتَحَل عنهم يُريد الرُّجوعَ, فلمَّا سَارَ خَمسةَ فَراسِخ نَقَضُوا الصُّلْحَ, وقَتَلوا العامِلَ ومَن معه، فرَجَع قُتيبةُ فنَقَبَ سُورَهم فسَقَطَ فَسألوه الصُّلْحَ فلم يَقبَل، ودَخَلها عَنْوَةً وقَتَل مَن كان بها مِن المُقاتِلَة، وأصابوا فيها مِن الغَنائِم والسِّلاح وآنِيَة الذَّهَب والفِضَّة ما لا يُحْصَى، ولا أصابوا بخُراسان مِثلَه، فقَوِيَ المسلمون، ووَلِيَ قَسْمَ الغَنائِم عبدُ الله بن وَأْلَان العَدَوِيُّ أَحَدُ بَنِي نلكان، وكان قُتيبةُ يُسَمِّيه الأَمين ابن الأَمين، فإنَّه كان أَمِينًا. فلمَّا فَرَغ قُتيبةُ مِن فَتْح بِيكَنْد رَجَع إلى مَرْو.

الوليد بن عبد الملك يُدْخِل حُجْرَةَ عائِشَة رَضِيَ الله عنها في المَسجِد النبوي .

العام الهجري : 88 العام الميلادي : 706

تفاصيل الحدث:

 

كَتَبَ الوَليدُ إلى عُمَرَ بن عبدِ العزيز في رَبيعٍ الأوَّل يَأمُره بِإدْخال حُجَرِ أَزواجِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مَسجِد رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأن يَشتَرِي ما في نَواحِيه حتَّى يكون مِائَتَي ذِراع في مِائَتَي ذِراع، ويَقول له: قَدِّم القِبْلَةَ إن قَدَرْتَ، وأنت تَقْدِر لِمَكان أَخوالِك، وإنَّهم لا يُخالِفُونك، فمَن أَبَى منهم فقَوِّمُوا مُلْكَهُ قِيمَةَ عَدْلٍ واهْدِم عليهم وادْفَع الأثمانَ إليهم، فإنَّ لك في عُمَرَ وعُثمان أُسْوَةً. فأَحْضَرَهُم عُمَرُ وأَقْرَأَهم الكِتابَ، فأجابوه إلى الثَّمَنِ، فأَعطاهُم إِيَّاهُ، وأَخَذوا في هَدْمِ بُيوتِ أَزْواجِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبَنَى المَسْجِدَ، وقَدِمَ عليهم الفَعَلَةُ مِن الشَّام، أَرْسَلَهم الوَليدُ، وبَعَثَ الوَليدُ إلى مَلِك الرُّوم يُعْلِمُه أنَّه قد هَدَمَ مَسجِدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِيُعَمِّرَهُ، فبَعَث إليه مَلِكُ الرُّومِ مِائَة ألف مِثْقال ذَهَب، ومِائَة عامِل، وبَعَثَ إليه مِن الفُسَيْفِسَاء بِأَربعين جَمَلًا، فبَعَثَ الوَليدُ بذلك إلى عُمَرَ بن عبدِ العزيز، وحَضَر عُمَرُ ومعه النَّاسُ فوَضَعوا أَساسَه وابْتَدَأوا بِعِمارَتِه.

مَعرَكة حِصْن الطُّوانَة وهَزيمَة الرُّوم بِشَمال الشَّام بِقِيادَة مَسلمَة بن عبدِ الملك .

العام الهجري : 88 العام الميلادي : 706

تفاصيل الحدث:

 

غَزَا مَسلمةُ بن عبدِ الملك والعَبَّاس بن الوَليد بن عبدِ الملك بِلادَ الرُّومِ، وكان الوَليدُ قد كَتَبَ إلى صاحِب أرمينية يَأمُره أن يَكتُب إلى مَلِك الرُّوم يعرفه أن الخَزَر وغيرهم مِن مُلوك جِبال أرمينية قد اجتمعوا على قَصْدِ بِلادِه، ففَعَل ذلك، وقَطَعَ الوَليدُ البَعْثَ على أهلِ الشَّام إلى أرمينية وأَكْثَرَ وأَعْظَمَ جِهازَهُ، وساروا نحو الجَزيرَة ثمَّ عَطَفوا منها إلى بَلَدِ الرُّوم فاقْتَتَلوا هُم والرُّوم، فانْهَزَم الرُّومُ ثمَّ رَجَعوا فانْهَزَم المسلمون، فبَقِيَ العَبَّاس في نَفَرٍ، منهم ابنُ مُحَيْرِيز الجُمَحِيُّ، فقال العَبَّاسُ: أين أهلُ القُرآن الذين يُريدون الجَنَّة؟ فقال ابنُ مُحَيْرِيز: نَادِهِمْ يَأْتُوك. فنَادَى العَبَّاسُ: يا أهلَ القُرآن! فأَقْبَلوا جَميعًا، فهَزَمَ اللهُ الرُّومَ حتَّى دَخَلوا طُوانَة، وحَصَرَهم المسلمون، وفَتَحوها في جُمادَى الأُولى. كما غَزَا مَسلمةُ بن عبدِ الملك الرُّومَ أيضًا ففَتَحَ ثَلاثَة حُصونٍ: أَحَدها حِصْن قُسْطَنْطِين وغَزَالَة وحِصْن الأَخْرم، وقَتَل مِن المُسْتَعْرِبَة نَحوًا مِن ألف، وأَخَذ الأَموال.

الأمويون يتوغلون في بلاد الروم ويفتتحون عَمُّورِية وهِرْقَلَة وقَمُونِيَة .

العام الهجري : 89 العام الميلادي : 707

تفاصيل الحدث:

 

غَزَا مَسلمةُ والعَبَّاس بن الوَليد بن عبدِ الملك الرُّومَ، فافْتَتَح مَسلمةُ حِصْنَ سُورِيَة، وافْتَتَح العَبَّاسُ مَدينَة أذرولية، ثمَّ إنَّ مَسلمةَ قَصَد عَمُّورِيَة فلَقِيَ بها جَمْعًا مِن الرُّوم كثيرًا فهَزَمَهم وافْتَتَح هِرْقَلَة وقَمُونِيَة، وغَزَا العَبَّاس الصَّائِفَة مِن ناحِيَة البَذَنْدُون.

غَزْوُ محمَّد بن القاسِم بِلاد السِّنْد .

العام الهجري : 89 العام الميلادي : 707

تفاصيل الحدث:

 

سَارَ محمَّدُ بن القاسِم بن محمَّد بن الحَكَم بِأَمْرٍ مِن الحَجَّاج بِجَيْشٍ مُجَهَّزٍ بالكامِل إلى مُكْران فأَقام بها أيَّاما ثمَّ أَتَى قَنَّزْبُور ففَتَحَها، ثمَّ سَارَ إلى أَرمائِيل ففَتَحَها، ثمَّ سَارَ إلى الدَّيْبُل فقَدِمَها يومَ جُمُعَة، ووافَتْهُ سُفُنٌ كان حَمَلَ فيها الرِّجالَ والسِّلاحَ والأَداةَ فخَنْدَقَ حين نَزَل الدَّيْبُل, وكان بالدَّيْبُل بُدٌّ عَظيمٌ عليه دَقَلٌ عَظيمٌ وعلى الدَّقَلِ رَايةٌ حَمراء إذا هَبَّت الرِّيحُ أَطافَت بالمَدينة، وكانت تَدور، والبُدُّ صَنَمٌ في بِناء عَظيمٍ تحتَ مَنارَةٍ عَظيمةٍ مُرتَفِعَة، وفي رَأسِ المَنارَة هذا الدَّقَل، وكُلُّ ما يُعْبَد فهو عندهم بُدٌّ. فحَصَرها وطال حِصارُها، فرَمَى الدَّقَل بِحَجَر العَرُوس فكَسَرَه، فتَطَيَّر الكُفَّارُ بذلك، ثمَّ إنَّ محمَّد أَتَى ونَاهَضَهُم وقد خَرَجوا إليه فهَزَمَهم حتَّى رَدَّهُم إلى البَلَدِ وأَمَرَ بالسَّلالِيم فنُصِبَت وصَعَد عليها الرِّجالُ، وكان أوَّلَهم صُعودًا رَجُلٌ مِن مُراد مِن أَهلِ الكوفَة، ففُتِحَت عَنْوَة وقَتَّلَ فيها ثَلاثَةَ أيَّام، وهَرَب عامِلُ ذاهر عنها وأَنزَلها محمَّدٌ أَربعةَ آلافٍ مِن المسلمين، وبَنَى جامِعَها وسَارَ عنها إلى البِيرُون، وكان أَهلُها بَعَثوا إلى الحَجَّاج فصالَحوه، فلَقوا محمَّدًا بالمِيرَةِ وأَدخَلوه مَدينَتَهم، وسَارَ عنها وجَعَل لا يَمُرُّ بمدينة إلَّا فَتَحَها حتَّى عَبَرَ نَهْرًا دون مِهْران، فأَتاهُ أَهلُ سَرْبَيْدِس فصالَحوه، ووَظَّفَ عليهم الخَراجَ وسَارَ عنهم إلى سَهْبان ففَتَحَها، ثمَّ سَارَ إلى نَهْرِ مِهْران فنَزَل في وسَطَهِ، وبَلَغ خَبرُه ذاهر فاسْتَعَدَّ لِمُحارَبَتِه وبَعَثَ جَيْشًا إلى سَدُوسْتان، فطَلَبَ أَهلُها الأَمانَ والصُّلْحَ، فآمَنَهُم ووَظَّفَ عليهم الخَراجَ، ثمَّ عَبَرَ محمَّدُ مهران مما يَلِي بِلادَ راسِل الملك على جِسْر عقده وذاهِر مُسْتَخِفٍّ به، فلَقِيَه محمَّد والمسلمون وهو على فِيلٍ وحَولَه الفِيَلَةُ، ومعه التَّكاكِرَة، فاقتتلوا قِتالًا شديدًا لم يُسمَع بِمثلِه، وتَرَجَّلَ ذاهر فقُتِلَ عند المَساءِ، ثمَّ انْهَزَم الكُفَّار وقَتَلَهم المسلمون كيف شاؤوا، فغَلَبَ محمَّدٌ على بِلادِ السِّنْدِ وفَتَحَ مدينةَ راوَرَ عَنْوةً ثمَّ سار إلى بِرْهَمِناباذ العَتيقَة، وهي على فَرْسَخَيْنِ مِن المَنْصُورة، ولم تكُن المَنْصُورة يَومئذٍ، كان مَوْضِعُها غَيْضَةً، وكان المُنْهَزِمون مِن الكُفَّار بها، فقاتَلوه ففَتَحَها محمَّدٌ عَنْوةً وقَتَل بها بَشَرًا كَثيرًا وخُرِّبَت. وسَارَ يُريدُ الرُّورَ وبَغْرورَ فلَقِيَه أهلُ ساوَنْدَرَى فطَلَبوا الأمانَ فأَعطاهُم إيَّاهُ واشْتَرَط عليهم ضِيافَة المسلمين، ثمَّ أَسلَم أَهلُها بعدَ ذلك. ثمَّ تَقدَّم إلى بِسْمَد وصالَح أَهلَها، ووَصَل إلى الرُّور، وهي مِن مدائن السِّنْدِ على جَبَل، فحَصَرَهم شُهورًا فصالَحوه، وسارَ إلى السِّكَّة ففَتَحَها، ثمَّ قَطَع نَهرَ بَياس إلى المُلْتان فقاتَلَه أَهلُها وانْهَزَموا، فحَصَرَهم محمَّدٌ فجاءَه إِنسانٌ ودَلَّهُ على قَطعِ الماء الذي يَدخُل المَدينَة فقَطَعَه، فعَطِشوا فأَلْقوا بِأَيديهم ونَزَلوا على حُكمِه، فقَتَل المُقاتِلَة وسَبَى الذُّرِّيَّة وسَدَنَة البُدِّ.

تَوْلِيَة موسى بن نُصَير غَزْو بِلادِ المَغرِب .

العام الهجري : 89 العام الميلادي : 707

تفاصيل الحدث:

 

كان موسى بن نُصَير ذا رَأْيٍ وتَدْبيرٍ وحَزْمٍ و خِبْرَةٍ بالحَرْبِ، فوَلَّاهُ عبدُ العزيز بن مَرْوان والي مِصْر على أفريقيا خَلَفًا لِحَسَّان بن النُّعْمان في خِلافَة الوَليدِ بن عبدِ الملك بن مَرْوان، فعَمِل موسى بن نُصَير على تَثْبيت دَعائِم الإسلام في إقليم أفريقيا، الذي ارْتَدَّ أَهلُه عن الإسلام أَكثرَ مِن مَرَّة؛ فاسْتَطاع موسى أن يُخْمِد ثَوْرات البَرْبَر المُتَعاقِبَة، ويُعيد فَتْحَ المَناطِق التي كان البَرْبَر قد انْتَزَعوها مِن المسلمين بعدَ فَتحِها أوَّلَ مَرَّةٍ، كما شَرَع موسى في بِناءِ دارِ صِناعَة قُرْبَ قَرْطاجَنَّة لِبِناءِ أُسْطولٍ قَوِيٍّ لِحِمايَة الثُّغور. ثمَّ توَجَّه موسى بن نُصَير ناحِيَة المَغرِب فافْتَتَح بِلادًا كَثيرةً جِدًّا.

إخماد موسى بن نصير ثورات البَرْبَر نهائيا .

العام الهجري : 89 العام الميلادي : 707

تفاصيل الحدث:

 

لمَّا وَصَل موسى إلى أفريقيا وبها صالِحٌ الذي اسْتَخْلَفَه حَسَّانُ على أفريقيا، وكان البَرْبَر قد طَمِعوا في البِلاد بعدَ مَسير حَسَّان عنها، فلمَّا وَصَل موسى عَزَل صالِحًا، وبَلَغَه أنَّ بأَطْرافِ البِلادِ قومًا خارجِين عن الطَّاعَة، فوَجَّه إليه ابنَه عبدَ الله فقاتَلَهم فظَفَر بهم، وسَبَى منهم ألفَ رَأسٍ، وسَيَّرَه في البَحرِ إلى جَزيرَة مَيُورْقَة، فنَهَبَها وغَنِمَ منها ما لا يُحْصَى وعاد سالِمًا، فوَجَّه ابنَه هارونَ إلى طائِفَة أُخرى فظَفَر بهم وسَبَى منهم نحوَ ذلك، وتَوَجَّه هو بِنَفسِه إلى طائِفَة أُخرى فغَنِمَ نحوَ ذلك، فبَلَغ الخُمُسُ سِتِّين ألف رَأسٍ مِن السَّبْيِ، ولم يَذكُر أَحَدٌ أنَّه سَمِعَ بِسَبْيٍ أَعظَم مِن هذا. ثمَّ قام موسى بن نُصَير بإخْلاءِ ما تَبَقَّى مِن قَواعِد للبِيزَنطيِّين على شَواطِئ تُونُس كما اسْتَعاد المَناطِق التي كان البَرْبَر قد انْتَزَعوها من المسلمين بعدَ فَتْحِها أوَّلَ مَرَّةَ، واهْتَمَّ موسى بِنَشرِ الإسلام بين البَرْبَر ومُسالَمَتِهم واسْتِمالَة رُؤوسِهم، لِيَضْمَن ألَّا يَنْزَعوا للثَّوْرَةِ مُجدَّدًا، فانْضَمَّ إلى جَيشِه الآلافُ منهم بعدَ إسلامِهِم.

فَتْحُ عبدِ الله بن موسى جَزائِر البِلْيار وطَنْجَة .

العام الهجري : 89 العام الميلادي : 707

تفاصيل الحدث:

 

وَجَّه موسى ابنَه عبدَ الله لِغَزْو جُزُر البِلْيار، فافْتَتَح مَيورْقَة ومَنورْقَة وإيبيزا وأَدْخَلَها تحتَ حُكْم الدَّولة الأُمَويَّة، كما أَرسَل حَمَلات لِغَزْو سِرْدانِيَة وصِقِلِّيَّة، عادَت مُحَمَّلَة بالغَنائِم. كما اسْتَطاع فَتْحَ طَنْجَة، ولم يُبْقِ بذلك في المَغرِب الأقصى سِوَى سَبْتَة التي كانت تحت حُكْم يُولْيان القُوطي, واسْتَعمَل مَولاهُ طارِقَ بن زِياد على طَنْجَة.

غَزْو قُتيبَة بن مُسلِم بِلاد الصُّغْد ومُحاوَلَة فَتْح مَدينَة بُخارَى .

العام الهجري : 89 العام الميلادي : 707

تفاصيل الحدث:

 

غَزَا قُتيبَةُ بن مُسلِم بِلادَ الصُّغْد ونَسَف وكِشّ وقد لَقِيَه هنالك خَلْقٌ مِن الأَتراك فظَفَر بهم فقَتَلَهم، وسارَ إلى بُخارَى فلَقِيَه دونها خَلْقٌ كَثيرٌ مِن التُّرْك فقاتَلَهم يَوْمَين ولَيْلَتين عندَ مَكانٍ يُقالُ له خَرْقان وظَفَر بهم, ثمَّ قَصَد قُتيبةُ وَرْدانَ خُذاه مَلِك بُخارَى فقاتَلَه وَرْدان قِتالًا شَديدًا فلم يَظْفَر به قُتيبةُ، فرَجَع عنه إلى مَرْو فجاءَهُ البَريدُ بكِتابِ الحَجَّاج يُعَنِّفُه على الفِرار والنُّكول عن أَعداءِ الإسلام، وكَتَب إليه أن يَبْعَث بِصُورَة هذا البَلَد يعني بُخارَى، فبَعَث إليه بِصُورَتِها، فكَتَب إليه: أن ارْجِع إليها وتُبْ إلى الله مِن ذَنْبِك وائْتِها مِن مكان كذا وكذا، ورُدَّ وَرْدانَ خُذاه، وإيَّاكَ والتَّحْوِيط، ودَعْنِي وبُنَيَّات الطَّريق.

فَتْحُ قُتيبَة بن مُسلِم بُخارَى .

العام الهجري : 90 العام الميلادي : 708

تفاصيل الحدث:

 

سارَ قُتيبةُ بن مُسلِم إلى بُخارَى مَرَّةً أُخرى, فأَرسَل مَلِكُها يَسْتَنْصِر مَن حَولَه، ولكنَّ قُتيبةَ اسْتَطاع فَتْحَها هذه المَرَّة، ولمَّا فَتَحَها اسْتَأْذَنه نَيْزَك طَرْخان في الرُّجوع إلى بِلادِه -وكان نَيْزَك قد أَسلَم وسُمِّيَ بعبدِ الله- فأَذِنَ له، فرَجَع إلى طُخارِستان، فعَصى وكاتَبَ مَن حَولَه، وجَمَع الجُموعَ، فزَحَف إليه قُتيبةُ، وانْتَصَر عليهم بعدَ قِتالٍ شَديدٍ وحَرْبٍ يَشيبُ لها الوَليد، وذلك أنَّ مُلوكَهم كانوا قد اتَّعَدوا مع نَيْزَك في العام الماضي أن يَجْتَمِعوا ويُقاتِلُوا قُتيبةَ، وأن لا يُوَلُّوا عن القِتال حتَّى يُخْرِجوا العَربَ مِن بِلادِهم، فاجْتَمَعوا اجْتِماعًا هائِلًا لم يَجْتَمِعوا مِثلَه في مَوْقِف، فكَسَرَهُم قُتيبةُ وقَتَلَ منهم أُمَمًا كَثيرَة، وَرَدَّ الأُمورَ إلى ما كانت عليه، ثمَّ لا يَزال يَتَتَبَّع نَيْزَك خان مَلِكَ التُّركِ الأَعظَم مِن إقْليم، إلى إقْليم، ومِن كَوْرَة إلى كَوْرَة، ومِن رِسْتاق إلى رِسْتاق، ولم يَزَل ذلك دَأْبُه حتَّى حَصَرَه في قَلعَةٍ هنالك شَهرَين مُتَتابِعَين، حتَّى نَفَذَ ما عند نَيْزَك خان مِن الأَطْعِمَة، وأَشرَف هو ومَن معه على الهَلاكِ، فبَعَث إليه قُتيبَة مَن جاء به مُسْتَأْمِنًا مَذْمومًا مَخْذولًا، فسَجَنَه عنده ومَن معه, فاسْتَشار قُتيبةُ الأُمَراء في قَتْلِه، فاخْتَلَفوا عليه، فقائِلٌ يقول: اقْتُلْهُ. وقائِلٌ يقول: لا تَقْتُلْهُ. فقال له بَعضُ الأُمَراء: إنَّك أَعْطَيْتَ اللهَ عَهْدًا أنَّك إن ظَفَرت به لتَقْتُلَنَّه، وقد أَمْكَنَك اللهُ منه، فقال قُتيبةُ: والله إن لم يَبْقَ مِن عُمُري إلَّا ما يَسَعُ ثلاثَ كَلِمَات لأَقْتُلَنَّه، ثمَّ قال: اقْتُلوه. فقُتِل، جَزاءَ غَدْرِه ونَقْضِه الصُّلْحَ.

غَزْو موسى بن نُصَير جَزيرَتي مَيُورْقَة ومَنُورْقَة .

العام الهجري : 91 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 709

تفاصيل الحدث:

 

افتتح موسى بن نصير جزيرتي مَيُورْقَة ومَنُورْقَة، وهما جَزيرَتان في البَحر بين جَزيرَة صِقِلِّيَّة وجَزيرَة الأَندَلُس؛ وتُسَمَّى هذه الغزوة غَزوَة الأَشْراف لِكَثرَة الأَشْراف الذين كانوا بها مِن أَشْراف العَرَب.

طَريف بن مالِك يُمَهِّد لِفَتح الأَندَلُس .

العام الهجري : 91 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 710

تفاصيل الحدث:

 

كانت بِدايَة فَتْح الأَندَلُس بأن يُولْيان حاكِم الجَزيرَة الخَضْراء غَضِبَ مِن لُذْريق (رُودْريغُو) مَلِك الأَندَلُس فاتَّفَق مع موسى بن نُصَير على أن يَدُلَّه على عَوْراتِهم ويُدْخِلَه الأَندَلُس, فكَتَب موسى إلى الوَليد يَسْتَأْذِنُه في غَزْو الأَندَلُس, فكَتَب إليه الوَليدُ: خُضْها بِالسَّرايا، ولا تُغَرِّر بالمسلمين في بِحْرٍ شَديدِ الأَهوال. فكَتَب إليه موسى: إنَّه ليس بِبَحْرٍ مُتَّسِع، وإنَّما هو خَليجٌ يَبِينُ ما وَراءَه. فكَتَب إليه الوَليدُ: أن اخْتَبِرْها بالسَّرايا، وإن كان الأَمْرُ على ما حَكَيْتَ. فبَعَث موسى رَجُلًا مِن مَوالِيه يُقالُ له طَريف بن مالِك أبو زُرْعَة في أربعمائة رَجُل ومعهم مائة فَرَسٍ، وهو أوَّلُ مَن دَخَل الأَندَلُس مِن المسلمين، فسار في أربع سَفائِن، فخَرَج في جَزيرَة بالأَندَلُس، سُمِّيَت جَزيرَة طَريف لِنُزولِه فيها، ثمَّ أَغارَ على الجَزيرَة الخَضْراء، فأَصابَ غَنيمَةً كَثيرَة، ورَجَع سالمَّا. فلمَّا رأى النَّاسُ ذلك تَسَرَّعوا إلى الغَزْو.

غَزْوُ قُتيبةَ بن مُسلِم سِجِسْتان .

العام الهجري : 92 العام الميلادي : 710

تفاصيل الحدث:

 

غَزَا قُتيبةُ بن مُسلِم سِجِسْتان، وأَراد قَصْدَ رتبيل الأعظَم، فلمَّا نَزَل قُتيبةُ سِجِسْتان أَرسَل رتبيل إليه رُسُلًا بالصُّلْح، فقَبِلَ ذلك وانْصَرف واسْتَعمَل عليهم عبدَ رَبِّه بن عبدِ الله اللَّيْثِيَّ.

غَزْوُ موسى بن نُصَير جَزيرَة سَرْدانِيَة .

العام الهجري : 92 العام الميلادي : 710

تفاصيل الحدث:

 

جَزيرَة في بَحرِ الرُّوم، وهي مِن أَكبَر الجَزائِر ما عَدا جَزيرَة صِقِلِّيَّة وأَقْرِيطِش، وهي كَثيرَة الفَواكِه، ولمَّا فَتَح موسى بِلادَ الأَندَلُس سَيَّرَ طائِفَةً مِن عَسكَرِه في البَحرِ إلى هذه الجَزيرَة فدَخَلوها، وعَمَدَ النَّصارى إلى ما لهم مِن آنِيَة ذَهَب وفِضَّة فأَلْقوا الجَميعَ في المِيناء الذي لهم، وجعلوا أَموالَهم في سَقْفٍ بَنوه للبَيْعَة العُظمى التي لهم تحت السَّقْف الأوَّل، وغَنِمَ المسلمون فيها ما لا يُحَدُّ ولا يُوصَف.

انْتِصار المسلمين على الأَسْبان في مَوقِعَة وادِي لَكَّة (شَذُونَة) .

العام الهجري : 92 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 711

تفاصيل الحدث:

 

بعدَ نَجاح غَزوَة طَريف بن مالِك بَعَث موسى بن نُصَير مَولاهُ على طَنْجَة طارِقَ بن زِياد في سَبعةِ آلاف مُقاتِل فسار فنَزَل في جَبَل مُنِيف يُعرَف إلى اليومِ بِجَبَلِ طارِق، ثمَّ دَخَل الجَزيرَة الخَضْراء ثمَّ تابَع مَسيرِه ومعه يُولْيان يَدُلُّه على طُرُق الأَندَلُس, ولمَّا بَلَغ لُذْرِيق (رودريغو) غَزْو طارِق بِلاده عَظُمَ ذلك عليه، وكان غائِبًا في غَزاتِه، فرَجَع منها وطارِق قد دَخَل بلاده، فجَمَع له جَمْعًا يُقالُ بَلَغ مائةَ ألف، فلمَّا بَلَغ طارِقًا الخَبَرُ كَتَب إلى موسى يَسْتَمِدُّه ويُخْبِرُه بما فَتَح، وأنَّه زَحَف إليه مَلِكُ الأندَلُس بما لا طاقةَ له به. فبَعَث إليه بخمسةِ آلاف، فتَكامَل المسلمون اثني عَشر ألفًا، ومعهم يُولْيان يَدُلُّهم على عَوْرَةِ البِلادِ، ويَتَجَسَّس لهم الأَخبارَ. فأَتاهُم لُذْرِيق في جُنْدِه، فالْتَقوا على نَهرِ لَكَّة مِن أَعمالِ شَذُونَة لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتا مِن رَمضان سنة اثنتين وتِسعين، واتَّصَلت الحَرْبُ ثَمانِيَة أيَّام، فانْهَزموا وهَزَم اللهُ لُذْرِيق ومَن معه، وغَرِقَ لُذْرِيق في النَّهرِ، وسار طارِق إلى مَدينَة إسْتِجَة مُتَّبِعًا لهم، فلَقِيَه أَهلُها ومعهم مِن المُنهزِمين خَلْقٌ كَثيرٌ، فقاتَلوه قِتالًا شَديدًا، ثمَّ انْهَزَم أَهلُ الأندَلُس ولم يَلْقَ المسلمون بعدَها حَربًا مِثلَها. ونَزَل طارِق على عَيْن بينها وبين مَدينَة إسْتِجَة أَربعَة أَميال فسُمِّيَت عَيْن طارِق إلى الآن. لمَّا سَمِعَت القُوط بهاتين الهَزِيمَتَين قَذَف الله في قُلوبِهم الرُّعْبَ. فَرَّقَ طارِقُ بن زِياد جَيْشَه لِفَتْح المُدُن مِن مَدينَة إسْتِجَة، فبَعَث جَيْشًا إلى قُرْطُبَة، وجَيْشًا إلى غَرْناطَة، وجَيْشًا إلى مالَقَة، وجَيْشًا إلى تُدْمِير، وسار هو ومُعظَم الجَيْش إلى جَيَّان يُريدُ طُلَيْطُلَة، فلمَّا بَلَغَها وَجَدَها خالِيَة فَضَمَّ إليها اليَهودَ، وتَرَك معهم رِجالًا مِن أَصحابِه، ثمَّ مَضَى إلى مَدينَة ماية، فغَنِمَ منها ورَجَع إلى طُلَيْطُلة في سنة ثلاث وتِسعين. وقِيلَ: اقْتَحَم أَرضَ جِلِّيقِيَّة، فخَرَقَها حَتَّى انْتَهى إلى مَدينَة إِسْتَرْقَة، وانْصَرَف إلى طُلَيْطُلَة، ووافَتْهُ جُيوشُه التي وَجَّهَها مِن إسْتِجَة بعدَ فَراغِهم مِن فَتْحِ تلك المُدُن التي سَيَّرَهم إليها.

فتح قتيبة بن مسلم سمرقند .

العام الهجري : 93 العام الميلادي : 711

تفاصيل الحدث:

 

أَمَر قُتيبَة بن مُسلِم أخاه عبدَ الرحمن بالسَّيْرِ إلى الصُّغْد (سَمَرْقَنْد) وكانوا قد نَكَثوا العَهْد, ثمَّ لَحِقَ قُتيبةُ بِأَخيهِ فبَلَغَها بعدَه بثلاثٍ أو أَربَع، وقَدِمَ معه أَهلُ خَوارِزْم وبُخارَى فقاتَلَه أَهلُ الصُّغْد شَهْرًا مِن وَجْهٍ واحِد وهُم مَحْصورون، وخاف أَهلُ الصُّغْد طُولَ الحِصار فكَتَبوا إلى مَلِك الشَّاش وخاقان وأَخْشاد فَرْغانَة لِيُعينوهم، فلمَّا عَلِمَ بذلك قُتيبةُ أَرسَل إليهم سِتِّمائة يُوافونَهُم في الطَّريق فقَتَلوهُم ومَنعوهُم مِن نُصْرَتِهم ولمَّا رَأَى الصُّغْد ذلك انْكَسَروا، ونَصَبَ قُتيبةُ عليهم المَجانِيقَ فَرَماهُم وثَلِمَ ثُلْمَةً، فلمَّا أَصبَح قُتيبةُ أَمَر النَّاسَ بالجِدِّ في القِتالِ، فقاتَلوهُم واشْتَدَّ القِتالُ، وأَمَرهُم قُتيبةُ أن يَبْلُغوا ثُلْمَةَ المَدينَة، فجَعَلوا التِّرَسَةَ على وُجوهِهم وحَمَلوا فبَلَغوها ووَقَفوا عليها، ورَماهُم الصُّغْد بالنِّشابِ فلم يَبْرَحوا، فأَرسَل الصُّغْد إلى قُتيبةَ فقالوا له: انْصَرِف عَنَّا اليومَ حتَّى نُصالِحَك غَدًا. فقال قُتيبةُ: لا نُصالِحُهم إلَّا ورِجالُنا على الثُّلْمَة. وقِيلَ: بل قال قُتيبةُ: جَزَعَ العَبيدُ، انْصَرِفوا على ظَفَرِكُم. فانْصَرَفوا فصالَحَهم مِن الغَدِ على ألفي ألف ومائتي ألف مِثْقال في كُلِّ عامٍ، وأن يُعْطوه تلك السَّنَة ثلاثينَ ألف فارِس، وأن يُخْلُوا المَدينَة لِقُتيبةَ فلا يكون لهم فيها مُقاتِل، فيَبْنِي فيها مَسجِدًا ويَدخُل ويُصَلِّي ويَخْطُب ويَتَغَدَّى ويَخْرُج، فلمَّا تَمَّ الصُّلْحُ وأَخْلوا المَدينةَ وبَنوا المَسجِدَ دَخَلَها قُتيبةُ في أَربعَة آلاف انْتَخَبَهم، فدَخَل المَسجِد فصَلَّى فيه وخَطَب وأَكَل طَعامًا، ثمَّ أَرسَل إلى الصُّغْد: مَن أَراد مِنكم أن يَأخُذ مَتاعَه فَلْيَأْخُذ فإنِّي لَسْتُ خارِجًا منها، ولَستُ آخُذ منكم إلَّا ما صالَحْتُكم عليه، غيرَ أنَّ الجُنْدَ يُقيمون فيها. وقِيلَ: إنَّه شَرَطَ عليهم في الصُّلْحِ مائة ألف فارِس، وبُيوت النِّيران، وحِلْيَة الأَصْنام، فقَبَضَ ذلك، وأُتِيَ بالأصنامِ فكانت كالقَصْرِ العَظيمِ وأَخَذَ ما عليها وأَمَر بها فأُحْرِقَت. فجاءه غَوْزَك فقال: إنَّ شُكْرَكَ عَلَيَّ واجِبٌ، لا تَتَعَرَّض لهذه الأَصنامِ فإنَّ منها أَصنامًا مَن أَحْرَقَها هَلَكَ. فقال قُتيبةُ: أنا أَحْرِقُها بِيَدِي، فدَعَا بالنَّارِ فكَبَّر ثمَّ أَشْعَلَها فاحْتَرَقَت، فوجدوا مِن بَقايا مَسامِير الذَّهَب خَمسين ألف مِثْقال.

موسى بن نُصَير يَأْمُر بالتَّوَقُّف عن التَّوَغُّل في بِلادِ الأندَلُس .

العام الهجري : 93 العام الميلادي : 711

تفاصيل الحدث:

بعدَ أن تَوَغَّل طارِقُ بن زِياد في الأَندَلُس وفَتَحَ الله على يَديهِ ما شاء الله كَتَبَ بذلك إلى موسى بن نُصَير فأَمَرَهُ أن يَبْقى مَكانَه حتَّى يَأتِيَه.

موسى بن نُصَير يستأنف فُتوحات بَقِيَّة مُدُن الأَندَلُس .

العام الهجري : 93 العام الميلادي : 711

تفاصيل الحدث:

 

كان موسى بن نُصَير قد غَضِبَ على مَولاهُ طارِق بِسَبَب تَوَغُّلِه في أَرضِ العَدُوِّ, فاسْتَخْلَف على أفريقيا ابنَه عبدَ الله بن موسى، ثمَّ دَخَل الأَندَلُس وبَقِيَ فيها سَنتَيْنِ يَفتَح البُلْدان ويَغْنَم حتَّى صارت الأَندَلُس تحت سَيْطَرَتِه, عَبَرَ موسى إلى الأَندَلُس في جَمْعٍ كَثيرٍ قِوامُه ثَمانِيَة عشر ألفًا، فتَلَقَّاهُ طارِق وتَرَضَّاهُ، فرَضِيَ عنه وقَبِلَ عُذْرَه وسَيَّرَهُ إلى طُلَيْطُلَة، وهي مِن عِظام بِلادِ الأَندَلُس، وهي مِن قُرْطُبَة على عِشرين يومًا، ففَتَحَها ثمَّ فَتَحَ المُدَنَ التي لم يَفتَحها طارِق كشَذونَة، وقَرْمونَة، وإشْبِيلِيَة، ومارِدَة.

وَفاةُ أَنَس بن مالِك رَضِيَ الله عنه .

العام الهجري : 93 العام الميلادي : 711

تفاصيل الحدث:

 

هو أَحَدُ المُكْثِرين مِن الرِّواية عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وليس بِغَريبٍ فهو خادِمُ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، دَعَا له النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِطُولِ العُمُر والبَرَكَة في المالِ والوَلَدِ، فكان له الكَثيرُ مِن الأوَّلادِ زادوا على المائة، وقِيلَ: كان له بُستانٌ يُثْمِرُ مَرَّتَيْنِ في السَّنَة. وكان سَكَنَ البَصْرَةَ وبَقِيَ فيها إلى أن تُوفِّي فيها، وهو آخِرُ الصَّحابَة مَوْتًا فيها، وكان قد آذاهُ الحَجَّاجُ فكَتَبَ إلى عبدِ الملك يَشْتَكِيه فكَتَبَ عبدُ الملك إلى الحَجَّاجِ فاعْتَذَر له وأَحسَن إليه، فرَضِيَ اللهُ عن أَنَسٍ خادِم النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَرْضاهُ.

==================

ج20.

 

 

الوَليد بن عبد الملك يعزل عُمَر بن عبدِ العزيز عن وِلايَة المَدينَة .

العام الهجري : 93 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 712

تفاصيل الحدث:

 

كان سَبَب ذلك أنَّ عُمَر بن عبدِ العزيز كَتَبَ إلى الوَليد يُخْبِرُه عن أَهلِ العِراق أنَّهم في ضَيْمِ وضِيقٍ مع الحَجَّاجِ مِن ظُلْمِه وغَشْمِه، فسَمِع بذلك الحَجَّاجُ فكَتَبَ إلى الوَليد: إنَّ عُمَر ضَعيف عن إِمْرَةِ المَدينَة، وإنَّ جماعَة مِن أَهلِ الشِّقاق مِن أهلِ العِراق قد لَجَأوا إلى المَدينَة ومَكَّة، وهذا وَهْنٌ وضَعْفٌ في الوِلايَة، فاجْعَل على الحَرَمَيْنِ مَن يَضْبُط أَمْرَهُما. فكَتَبَ الوَليدُ إلى الحَجَّاج: أن أَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلينِ. فكَتَب إليه يُشِيرُ عليه بعُثمان بن حَيَّان، وخالِد بن عبدِ الله، فوَلَّى خالِدًا مَكَّة، وعُثمانَ المَدينَة، وعَزَل عُمَر بن عبدِ العزيز، فخَرَج عُمَرُ بن عبدِ العزيز مِن المَدينَة في شَوَّال فنَزَلَ السُّويْداء، وقَدِمَ عُثمانُ بن حَيَّان المَدينَة لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتا مِن شَوَّال مِن هذه السَّنَة.

وَفاةُ أبي بَكْرِ بن عبدِ الرَّحمن أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة .

العام الهجري : 94 العام الميلادي : 712

تفاصيل الحدث:

 

هو أبو بَكْرِ بن عبدِ الرَّحمن بن الحارِث بن هِشام أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة بالمَدينَة، كان ثِقَةً، فَقِيهًا، عالِمًا سَخِيًّا، كَثيرَ الحَديثِ، حَدَّث عن عَدَدٍ مِن الصَّحابَة كأَبيهِ، وعائِشَةَ، وأبي هُريرَةَ، وعَمَّارِ بن ياسِر، وغَيرِهم، جَمَعَ العِلْمَ والعَمَل والشَّرَف، وكان ممَّن خَلَفَ أَباهُ في الجَلالَة، كان يُقالُ له: رَاهِب قُريشٍ. لِكَثْرَةِ صَلاتِه، وكان مَكْفوفًا كَثيرَ الصَّوْم، تُوفِّي في المَدينَة.

فَتْحُ قُتيبةَ بن مُسلِم كابُل .

العام الهجري : 94 العام الميلادي : 712

تفاصيل الحدث:

 

بعدَ أن غَزَا قُتيبةُ بن مُسلِم الشَّاش وفَرْغانَة، وفَرَغَ مِن الصُّغْد، وفَتَحَ سَمَرْقَنْد، خاض بِلادَ التُّرْك يَفتَح فيها حتَّى وَصَل إلى كابُل فحاصَرَها وافْتَتَحَها، وقد لَقِيَه المُشرِكون في جُموعٍ هائِلَة مِن التُّرْك فقاتَلَهم قُتيبةُ عندِ خُجَنْدَة فكَسَرَهم مِرارًا وظَفَر بهم، وأَخَذ البِلادَ منهم، وقَتَل منهم خَلْقًا وأَسَر آخَرِين وغَنِمَ أَموالًا كَثيرةً جِدًّا.

وَفاةُ زَيْنِ العابِدِين عَلِيِّ بن الحُسين .

العام الهجري : 94 العام الميلادي : 712

تفاصيل الحدث:

 

هو عَلِيّ زَيْنُ العابِدِين بن الحُسين بن عَلِيِّ بن أبي طالِب، أُمُّهُ بِنتُ يَزْدَجِرْد آخِر مُلوك فارِس، مِن الفُقَهاء الحُفَّاظ كان مَضْرَب المَثَلِ في الحِلْمِ والوَرَعِ والجُودِ والتَّواضُع، مَدَحَهُ الفَرزدَقُ بالقَصيدَة المَشهورَة التي مَطلعُها: هذا الذي تَعرِف البَطحاءُ وَطأتَهُ والبَيتُ يَعرِفُه والحِلُّ والحَرَمُ، تُوفِّي في أوَّلِ هذه السَّنَة يعني سَنَة 94هـ، وصُلِّيَ عليه بالبَقيعِ ودُفِنَ فيه، فرَحِمَه اللهُ رَحمةً واسِعَة، وجَزاهُ الله عن المسلمين خيرًا.

وَفاةُ عُرْوَة بن الزُّبير أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة .

العام الهجري : 94 العام الميلادي : 712

تفاصيل الحدث:

 

هو عُروَة بن الزُّبير بن العَوَّام، أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة، كان عالِمًا كَريمًا، رَوَى الحَديثَ عن كَثيرٍ مِن الصَّحابَة، تَفَقَّه على خالَتِه عائِشَة رَضِيَ الله عنها، انْتَقَل إلى البَصْرَة ثمَّ إلى مِصْرَ ثمَّ عاد إلى المَدينَة وتُوفِّي فيها، وهو الذي أُصِيبَت رِجْلُهُ بِمَرَضِ الآكال (الغرغرينا) فنُشِرَت وقُطِعَت وهو يَقرأُ القُرآن، وتُوفِّي له بِنَفْسِ اليَومِ أَحَبُ أوَّلادِه، فما تَسَخَّطَ ولا تَضَجَّرَ رَحِمَه الله تعالى.

وَفاةُ سَعيد بن المُسَيِّب أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة في المَدينَة .

العام الهجري : 94 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 713

تفاصيل الحدث:

 

هو أَحَدُ الفُقَهاء السَّبْعة في المَدينَة (ومنهم مَن يَعُدُّ بَدَلَهُ سالِمَ بن عبدِ الله بن عُمَرَ)، سَيِّد التَّابِعين، جَمَع بين الحَديثِ والفِقْهِ والوَرَعِ والزُّهْدِ، رَوَى مَراسِيل عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كَثيرةً، كان الحَسَنُ البَصريُّ إذا أُشْكِلَ عليه شَيءٌ كَتَبَ إليه يَسألُه، كان يَحفَظ أَحكامَ عُمَرَ بن الخَطَّاب وأَقْضِيَتَهُ، كان مَهِيبًا عند الخُلَفاء، تَعَرَّض للأَذَى بسَببِ البَيْعَة بِوِلايَة العَهْد للوَليد بن عبدِ الملك، وضُرِبَ بِسَببِ ذلك بالسِّياطِ، وتُوفِّي في المَدينَة رَحِمَه الله تعالى وجَزاهُ عن المسلمين خيرًا.

مَقْتَل سَعيد بن جُبَير .

العام الهجري : 94 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 713

تفاصيل الحدث:

 

هو سَعيدُ بن جُبَير بن هِشام الأَسَدِيُّ الوالِبِيُّ مَوْلاهُم الكوفيُّ، أبو محمَّد، كان وِعاءًا مِن أَوْعِيَة العِلْم, قال خُصَيف: كان أَعْلَمَهم بالقُرآن مُجاهِد، وأَعْلَمَهم بالحَجِّ عَطاء، وأَعْلَمَهم بالحَلال والحَرام طاووس، وأَعْلَمَهم بالطَّلاق سَعيد بن المُسَيِّب، وأَجْمَعَهم لِهذه العُلوم سَعيد بن جُبير. لقد مات سَعيد بن جُبَير وما على ظَهْر الأرضِ رَجُل إلَّا يَحتاجُ إلى عِلْمِ سَعيد, وكان ابنُ جُبَير يقول بعدَ أن تَخَفَّى عن الحَجَّاج: (وَدِدْتُ لو أنَّ النَّاس أَخَذوا ما عِندي مِن العِلْم فإنَّه ممَّا يُهِمُّني). كان سَبَبَ قَتْلِ الحَجَّاج لابنِ جُبَير خُروجُه مع عبدِ الرَّحمن بن محمَّد بن الأشعث، وكان الحَجَّاج قد جَعَله على عَطاء الجُنْد حين وَجَّه ابنَ الأشعث إلى مَلِك التُّرْك رتبيل لِقِتالِه، فلمَّا خَلَعَ ابنُ الأَشعث الحَجَّاجَ كان سَعيدُ بن جُبَير فيمَن خَلَعَ، فلمَّا هُزِمَ ابنُ الأشعث ودَخَل بِلادَ رتبيل هَرَب سَعيد بن جُبَير إلى أَصْبَهان، فكَتَب الحَجَّاجُ إلى عامِلِهِ بِأَخْذِ سَعيد بن جُبَير، فخَرَج العامِل مِن ذلك بأن أَرسَل إلى سَعيد يُعَرِّفُه ذلك ويَأمُره بمُفارَقَتِه، فسارَ عنه فأَتَى أَذْرَبِيجان فطالَ عليه القِيامُ فاغْتَمَّ بها، وقد تَخَفَّى ابنُ جُبَير عن الحَجَّاج اثنا عَشَر سَنَةً، كان يَحُجُّ ويَعْتَمِر في كُلِّ سَنَةٍ فَتْرَةَ تَخفِّيه إلى أن خرج في مكَّة, فكان بها إلى أن وَلِيَها خالدُ بن عبد الله القَسري، فأشار مَن أشار على سَعيد بالهَرَب منها، فقال سَعيدٌ: والله لقد اسْتَحْيَيْتُ مِن الله، مم أَفِرُّ، ولا مَفَرَّ مِن قَدَرِهِ. فأَرسلَه خالدٌ القَسري إلى الحَجَّاج، ثمَّ إنَّ الحَجَّاج قَتَلَه، وقِصَّتُه مَشهورَة، ولم يَبْقَ الحَجَّاج بعدَ قَتلِه كَثيرًا، وكان يقول بعدَ ذلك: مالي ولابنِ جُبَير. فرَحِمَ الله سَعيدَ بن جُبَير.

المسلمون يَفْتَحون بِلادَ السِّنْد .

العام الهجري : 95 العام الميلادي : 713

تفاصيل الحدث:

 

لمَّا مات الحَجَّاجُ بن يُوسُف كان محمَّد بن القاسِم بالمُلْتان، فأتاهُ خَبَرُ وَفاتِه، فرَجَع إلى الرُّور والبَغْرور، وكان قد فَتَحَهُما، فأَعْطَى النَّاسَ، ووَجَّهَ إلى البَيْلَمان جَيْشًا فلم يُقاتِلوا وأَعطوا الطَّاعَةَ، وسَألَه أَهلُ سُرَشْت، وهي مَغْزَى أَهلِ البَصْرَة، وأَهلُها يَقطَعون في البَحرِ، ثمَّ أَتَى محمَّدٌ الكَيْرَجَ فخَرَج إليه دَوْهَر فقاتَلَه فانْهَزَم دَوْهَر وهَرَب، وقِيلَ: بل قُتِلَ. ونَزَل أَهلُ المَدينَة على حُكْم محمَّدٍ فقَتَل وسَبَى.

وَفاةُ الحَجَّاجِ بن يُوسُف الثَّقَفي .

العام الهجري : 95 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 714

تفاصيل الحدث:

 

 

هو أبو محمَّد الحَجَّاجُ بن يُوسُف الثَّقَفي، قائِدٌ أُمَوِيٌّ، داهِيَة، سَفَّاك، خَطِيب، وُلِدَ وَنَشأَ في الطَّائِف، وانْتَقَل إلى الشَّام فلَحِقَ بِرَوْحِ بن زِنْباع نائِب عبدِ الملك بن مَرْوان فكان في عِدادِ شُرْطَتِه، ثمَّ ما زال يَظهَر حتَّى قَلَّدَهُ عبدُ الملك أَمْرَ عَسْكَرِهِ, ثمَّ أَصبَح والِيًا على العِراق مِن قِبَل عبدِ الملك بن مَرْوان، أَصلَح البِلادَ في العِراق واعْتَنَى بها، وازْدَهَرَت في عَصرِه التِّجارَة والصِّناعَة، وكان مَعروفًا بالظُّلْمِ، وسَفْكِ الدِّماء، وانْتِقاص السَّلَف، وتَعَدِّي حُرُماتِ الله بأَدْنَى شُبْهَة، وقد أَطْبَقَ أَهلُ العِلْم بالتَّارِيخ والسِّيَر على أَنَّه كان مِن أَشَدِّ النَّاس ظُلْمًا، وأَسْرَعِهم للدَّمِ الحَرامِ سَفْكًا، ولم يَحفَظ حُرْمَةَ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في أَصحابِه، ولا وَصِيَّتَه في أَهلِ العِلْم والفَضْل والصَّلاح مِن أَتْباعِ أَصحابِه. وكان جَبَّارًا عَنيدًا. قالت أَسماءُ بِنتُ أبي بَكْرٍ رضي الله عنها للحَجَّاجِ: إنَّ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حَدَّثَنا «أنَّ في ثَقِيفٍ كَذَّابًا ومُبِيرًا». فأمَّا الكَذَّابُ فقد رَأَيْناهُ -تَعْنِي المُخْتار- وأمَّا المُبِيرُ فأَنت هو. والمُبِيرُ: المُهْلِك، الذي يُسْرِف في إِهْلاكِ النَّاس. نَشأَ الحَجَّاجُ شابًّا لَبِيبًا فَصيحًا بَليغًا حافِظًا للقُرآن، وكان يُكْثِر تِلاوَةَ القُرآن، ويَتَجَنَّب المَحارِم، ولم يَشْتَهِر عنه شَيءٌ مِن التَّلَطُّخ بالفُروج، وإن كان مُتَسَرِّعًا في سَفْكِ الدِّماءِ، كان فيه سَماحَةً بإعطاءِ المالِ لِأَهلِ القُرآن، فكان يُعطي على القُرآن كَثيرًا، ولمَّا مات لم يَتْرُك فيما قِيلَ إلَّا ثلاثمائة دِرْهَم. بَلَغَ ما قَتَل الحَجَّاجُ صَبْرًا مائة ألف وعشرين ألف، قال عنه الذهبي: "نَسُبُّهُ ولا نُحِبُّه؛ بل نُبْغِضُه في الله؛ فإنَّ ذلك مِن أَوْثَقِ عُرَى الإيمان, وله حَسَنات مَغْمورة في بَحْرِ ذُنوبِه، وأَمْرُهُ إلى الله. وله تَوْحِيد في الجُمْلَة، ونُظَراء مِن ظَلَمَةِ الجَبابِرَة والأُمَراء" لمَّا حَضَرتُه الوَفاةُ اسْتَخْلَف على الصَّلاةِ ابنَه عبدَ الله، واسْتَخْلَف على حَربِ الكوفَة والبَصْرَة يَزيدَ بن أبي كَبْشَة، وعلى خَراجِهِما يَزيدَ بن أبي مُسلِم، فأَقَرَّهُما الوَليدُ بعدَ مَوتِه، ولم يُغَيِّر أَحَدًا مِن عُمَّالِ الحَجَّاج.

غَزْوُ قُتيبةَ بن مُسلِم بِلاد الصِّين وفرض الجِزْيَة على مَلِكِها .

العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714

تفاصيل الحدث:

 

غَزَا قُتيبةُ بن مُسلِم كاشْغَر, وهي أَدْنَى مَدائِن الصِّين، وحَمَل مع النَّاسِ عِيالَهُم لِيَضَعَهُم في سَمَرْقَنْد فلمَّا بَلَغ النَّهْرَ اسْتَعمَل رَجُلًا مِن مَوالِيه يُقالُ له الخَوارِزْمي على مَقْطَع النَّهْر، وقال: لا يَجُوزَنَّ أَحَدٌ إلَّا بِجَوازٍ منه، ومَضَى إلى فَرْغانَة، وأَرسَل مَن يُسَهِّل له الطَّريقَ إلى كاشْغَر، وبَعَث جَيْشًا مع كَبيرِ بن فُلان إلى كاشْغَر، فغَنِمَ وسَبَى سَبْيًا، فخَتَمَ أَعْناقَهُم، وأَوْغَل حتَّى بَلَغ قَرِيبَ الصِّين، ثمَّ بَعَث قُتيبةُ إلى مَلِك الصِّين رُسُلًا يَتَهَدَّدُه ويَتَوَعَّدُه ويُقْسِم بالله لا يَرجِع حَتَّى يَطَأَ بِلادَه ويَخْتِم مُلوكَهُم وأَشْرافَهُم، ويَأخُذ الجِزْيَةَ منهم أو يَدخُلوا في الإسلام. فكَتَب إليه مَلِكُ الصِّين: أن ابْعَث إِلَيَّ رَجُلًا شَريفًا يُخْبِرُني عنكم وعن دِينِكُم. فانْتَخَب قُتيبةُ عَشرةً لهم جَمالٌ وأَلْسُن وبَأْسٌ وعَقْلٌ وصَلاحٌ، فأَمَر لهم بِعُدَّةٍ حَسَنَة، ومَتاعٍ حَسَن مِن الخَزِّ والوَشْي وغَيرِ ذلك، وخُيولٍ حَسَنَة، وكان منهم هُبيرَةُ بن مُشَمْرِج الكِلابي، فقال لهم: إذا دَخَلْتُم عليه فأَعْلِموه أَنِّي قد حَلَفْتُ أَنِّي لا أَنْصَرِف حَتَّى أَطَأَ بِلادَهم، وأَخْتِم مُلوكَهُم وأَجْبِي خَراجَهُم. سار الوَفْدُ وعليهم هُبيرَة، فلمَّا دَخَلوا على المَلِك وَجَدوا مَمْلَكَة عَظِيمَة حَصِينَة ذاتَ أَنهارٍ وأَسواقٍ وحُسْنٍ وبَهاءٍ، فدَخَلوا عليه في قَلْعَة عَظِيمَة حَصِينَة، بِقَدْرِ مَدينَةٍ كَبيرَة، فقال المَلِكُ لِتُرْجُمانِه: قُل لهم: ما أنتم؟ وما تُريدون؟ فقالوا: نحن رُسُل قُتيبةَ بن مُسلِم، وهو يَدعوك إلى الإسلامِ، فإن لم تَفعَل فالجِزْيَة، فإن لم تَفعَل فالحَرْب, فأَعطَى الجِزْيَة فقَبِلَها منه قُتيبةُ.

وَفاةُ إِبراهيمَ النَّخَعِيِّ .

العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714

تفاصيل الحدث:

 

هو إِبراهيمُ بن يَزيدَ بن قَيسٍ النَّخَعِيُّ، فَقِيهُ العِراق وأَحَدُ الأئِمَّة المَشهورين، تابِعِيٌّ أَدرَك عَددًا مِن الصَّحابَة لكن لا يُعرَف له سَماعٌ عنهم، وأَخَذ عن كِبارِ التَّابِعين، تَزَعَّمَ مَدرَسةَ ابنِ مَسعودٍ في الكوفَة، حيث أَخَذ عن خالِه الأَسوَدِ بن يَزيدَ تِلميذ ابنِ مَسعود، وعن عَلْقَمَة، ومَسروق، وعبدِ الرَّحمن بن عبدِ الله بن مَسعود، وعليه تَتَلْمَذ حَمَّادُ بن سُليمان شَيخُ أبي حَنيفَة، وتَأَثَّر به وبِفِقْهِهِ أبو حَنيفَة، كان مُفْتِي أَهلِ الكوفَة هو والشَّعْبِيّ في زَمانِهِما، وكان رَجُلًا صالِحًا، فَقِيهًا، مُتَوَقِّيًا، قَليلَ التَّكَلُّف، كان سعيدُ بن جُبَير يقول: أَتَسْتَفْتُوني وفِيكُم إِبراهيمُ. وكان الشَّعْبِيُّ يقول: والله ما تَرَكَ بَعدَه مِثلَه، تُوفِّي وهو ابنُ تِسْعٍ وأَربعين سَنَة. وقِيلَ: ابنُ نَيْفٍ وخَمسين سَنَة.

وفاةُ الوليد بن عبد الملك وتولِّي أخيه سليمان الخِلافَة .

العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714

تفاصيل الحدث:

 

توفي الوليد بن عبدالملك في هذا العام وتولَّى أخوه سليمان من بعده الخلافة وبُويع له في اليوم الذي توفِّي فيه الوليد، وكان قويًا كريمًا محبوبًا.

تَمَرُّد قُتيبةَ بن مُسلِم الباهِلِي .

العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714

تفاصيل الحدث:

 

لمَّا أَرادَ الوَليدُ بن عبدِ المَلِك أن يَنْزِع أَخاهُ سُليمان مِن وِلايَة العَهْد ويَجعَل بَدَلَه ابنَه عبدَ العَزيز، أَجابَه إلى ذلك الحَجَّاجُ وقُتيبةُ على ما تَقَدَّم، فلمَّا مات الوَليدُ ووَلِيَ سُليمانُ خافَهُ قُتيبةُ، وخاف أن يُوَلِّي سُليمانُ يَزيدَ بن المُهَلَّب خُراسان، فكَتَب قُتيبةُ إلى سُليمانَ كِتابًا يُهَنِّئُه بالخِلافَة، ويَذكُر بَلاءَهُ وطاعَتَه لِعبدِ الملك والوَليدِ، وأنَّه له على مِثلِ ذلك إن لم يَعْزِله عن خُراسان، وكَتَب إليه كِتابًا آخَر يُعلِمه فيه فُتوحَه ونِكايَتَه، وعِظَمَ قَدْرِهِ عند مُلوكِ العَجَم وهَيْبَتَه في صُدورِهِم، وعِظَمَ صَوْلَتِه فيهم، ويَذُمُّ أَهلَ المُهَلَّب ويَحلِف بالله لَئِن اسْتَعمَل يَزيدَ على خُراسان لَيَخْلَعَنَّه. وكَتَب كِتابًا ثالِثًا فيه خَلْعُه، ثمَّ أَعلَن قُتيبةُ خَلْعَ سُليمان، ثمَّ صار بينه وبين قُوَّادِ جُيوشِه خِلافٌ، فقام وَكيعُ بن حَسَّان التَّميمي بِقَتْلِه وقَتَلَ معه أَحَدَ عشر مِن أَهلِ بَيتِه.

تَكامُل بِناء الجامِع الأُمَوِيِّ .

العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714

تفاصيل الحدث:

 

كان الوَليدُ بن عبدِ الملك قد بَدَأَ بِتَأْسِيس البِناء للمَسجِد الأُمَوي في 87هـ إلى أن اكْتَمَل بِناؤُه في هذه السَّنَة, وكان أَصْلُ مَوضِع هذا الجامِع قَديمًا مَعْبَدًا بَنَتْهُ اليُونان الكُلْدَانِيُّون الذين كانوا يُعَمِّرون دِمَشْق، وهُم الذين وَضَعوها وعَمَّروها أوَّلًا، فَهُم أوَّلُ مَن بَناها، وقد كانوا يَعبدون الكَواكِب السَّبعَة المُتَمَيِّزَة، ثمَّ إنَّ النَّصارَى حَوَّلوا بِناءَ هذا المَعْبَد الذي هو بِدِمَشق مُعَظَّمًا عند اليُونان فجَعَلوه كَنيسَةَ يُوحَنَّا، وكان المسلمون والنَّصارَى يَدخُلون هذا المَعْبَد مِن بابٍ واحِد، وهو باب المَعْبَد الأَعلى مِن جِهَة القِبْلَة، مَكانَ المِحْراب الكَبير الذي في المَقْصورَة اليومَ، فيَنْصَرِف النَّصارَى إلى جِهَة الغَربِ إلى كَنيسَتِهم، ويَأخُذ المسلمون يَمْنَةً إلى مَسجِدِهم، ولا يَستَطيع النَّصارَى أن يَجْهَروا بِقِراءَة كِتابِهِم، ولا يَضْرِبوا بِناقُوسِهِم، إِجلالًا للصَّحابَة ومَهابَةً وخَوْفًا، ثمَّ قام الوَليدُ بِتَوسيعِها آخِذًا القِسْمَ النَّصراني وحَوَّلَه إلى مَسجِد كما هو معروف اليوم، وأَنْفَق في ذلك الأَموالَ الكَثيرَة جِدًّا، واسْتَعمَل العُمَّال والبَنَّائِين المَهَرَة, والمَقصود أنَّ الجامِع الأُمَوي لمَّا كَمُلَ بِناؤُه لم يكُن على وَجْهِ الأَرضِ بِناءٌ أَحْسَن منه، ولا أَبْهَى ولا أَجْمَل منه، بحيث إنَّه إذا نَظَر النَّاظِرُ إليه أو إلى جِهَةٍ منه أو إلى بُقْعَةٍ أو مَكانٍ منه تَحَيَّر فيها نَظَرُهُ لِحُسْنِه وجَمالِه، ولا يَمَلُّ نَاظِرُهُ؛ بل كُلمَّا أَدْمَنَ النَّظَرَ بانَت له أُعْجوبَة ليست كالأُخرَى.

وَفاةُ قُتيبةَ بن مُسلِم الباهِلِي .

العام الهجري : 96 العام الميلادي : 714

تفاصيل الحدث:

 

هو الأَميرُ أبو حَفْص قُتيبةُ بن مُسلِم بن عَمرِو بن حُصَين بن رَبيعَة الباهلي، أَحَدُ الأَبطال والشُّجْعان، ومِن ذَوِي الحَزْمِ والدَّهاءِ والرَّأْيِ والغَنَاءِ، كان مِن سادات الأُمَراء وخِيارِهم، وكان مِن القادَة النُّجَباء الكُبَراء، والشُّجْعان وذَوِي الحُروبِ والفُتوحات السَّعيدَة والآراء الحَميدَة، وهو الذي فَتَح خَوارِزْمَ وبُخارَى، وسَمَرْقَنْد، وكانوا قد نَقَضوا وارْتَدُّوا، ثمَّ إنَّه افْتَتَح فَرْغانَة، وبِلادَ التُّرْك، وقد هَدَى الله على يَديهِ خَلْقًا لا يُحصِيهم إلَّا الله، فأَسلَموا ودانوا لله عَزَّ وجَلَّ، وفَتَح مِن البِلادِ والأقاليم الكِبار والمُدُن العِظام شَيْئًا كَثيرًا، والله سُبحانَه لا يُضَيِّع سَعْيَهُ ولا يُخَيِّب تَعَبَه وجِهادَه, وكانت وَفاتُه بِفَرْغانَه مِن أَقصى بِلادِ خُراسان، كان قُتيبَة يَفتَح في بِلادِ المَشرِق, وموسى بن نُصيَر يَفتَح في بِلادِ المَغرِب، فجَزاهُما الله خيرًا، فكِلاهُما فَتَح مِن الأقاليم والبُلْدان شَيْئًا كَثيرًا، كان فيمَن قُتِلَ أَبوهُ مع مُصعَب بن الزُّبير، وكانت وِلايتُه على خُراسان عَشر سِنين، وله رِوايَة عن عِمْران بن حُصَين، وأبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ. لمَّا بَلَغَه مَوتُ الوَليد نَزَعَ الطَّاعَة، فاخْتَلَفَ عليه جَيْشُه، وقام عليه وَكيعُ بن حَسَّان التَّميمي وأَلَّبَ عليه، ثمَّ شَدَّ عليه في عَشرة مِن فُرْسان تَميم فقَتَلوه, وكان عُمُرُهُ ثَمانِيًا وأربعين سَنَة، وقد سَبَق له مِن الأعمال الصَّالِحَة ما قد يُكَفِّر الله به سَيِّئاته، ويُضاعِف به حَسَناته، والله يُسامِحه ويَعفُو عنه، ويَتَقَبَّل منه ما كان يُكابِده مِن مُناجَزة الأعداء.

الأمويون يبدأون بتَجْهيز الجُيوش لِغَزْو القُسطنطينيَّة .

العام الهجري : 97 العام الميلادي : 715

تفاصيل الحدث:

 

جَهَّزَ سُليمانُ بن عبدِ الملك أَميرُ المؤمنين أَخاهُ مَسلمَة بن عبدِ الملك لِغَزْوِ القُسطنطينيَّة وَراء الجَيْش الذين هُم بها، فسار إليها ومعه جَيْشٌ عَظيمٌ.

وَفاةُ موسى بن نُصَير .

العام الهجري : 97 العام الميلادي : 715

تفاصيل الحدث:

 

هو أبو عبدِ الرَّحمن موسى بن عبدِ الرَّحمن بن زَيْدٍ اللَّخْمِيُّ، صاحِبُ فُتوحات الغَربِ، يُقالُ: إنَّه كان أَعْرَجًا. قِيلَ: أَصلُه مِن عَيْنِ التَّمْرِ، وقِيلَ: هو مَوْلًى لِبَنِي أُمَيَّة، وقِيلَ: لامْرَأَةٍ مِن لَخْمٍ وُلِدَ بِقَريَةِ كفرتُوثا مِن قُرَى الجَزيرَة, كان شُجاعًا مِقْدامًا جَوادًا، أَحَد قادَة الدَّولَة الأُمَويَّة، وَلَّاهُ مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان غَزْوَ البَحرِ، فغَزَا قُبْرُص وبَنَى بها حُصونًا ثمَّ غَزَا غَيرَها؛ وطالَت أيَّامُه وفَتَح الفُتوحات العَظيمَة بِبِلادِ المَغرِب، وغَنِمَ منها أَموالًا لا تُعَدُّ ولا تُوصَف، وله بها مَقامات مَشهورَة هائِلَة، واسْتَطاع أن يُنْهِي نَزَعات البَرْبَر المُتَوالِيَة للخُروج على حُكْم الأُمَويِّين. أَرسَلَ مَوْلاهُ طارِقَ بن زِياد لِفَتْحِ الأندَلُس،ثمَّ شارَكَهُ في إتمام فَتحِها, وهي بِلاد ذات مُدُن وقُرَى ورِيف، فسَبَى منها ومِن غَيرِها خَلْقًا كَثيرًا، وغَنِمَ أَموالًا جَزيلةً، مِن الذَّهَب والجَواهِر النَّفِيسَة والدَّوابِّ والغِلْمان والنِّساء الحِسان شَيْئًا لا يُحْصَى ولا يُعَدُّ، حتَّى قِيلَ: إنَّه لم يُسْبِ أَحَدٌ مِثلَه مِن الأعداء، وأَسلَم أَهلُ المَغرِب على يَديهِ، وبَثَّ فيهم الدِّينَ والقُرآنَ، وكان إذا سار إلى مَكانٍ تُحْمَل الأَموالُ معه على العَجَلِ لِكَثْرَتِها وعَجْزِ الدَّوابِّ عنها. كان موسى بن نُصَير هذا يَفتَح في بِلادِ المَغرِب، وقُتيبَة يَفتَح في بِلادِ المَشرِق، فجَزاهُما الله خيرًا، فكِلاهُما فَتَح مِن الأقاليم والبُلْدان شَيْئًا كَثيرًا.

حِصارُ مَسلمَة بن عبدِ الملك للقُسطنطينيَّة .

العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716

تفاصيل الحدث:

 

أَمَرَ سُليمانُ بن عبدِ الملك أَخاهُ مَسلمَة بالسَّيْرِ إلى القُسطنطينيَّة وألَّا يَعود حتَّى يَفتَحها، فَجَهَّزَهُ بمائةٍ وعشرين ألفًا في البَرِّ، ومائةٍ وعشرين ألفًا مِن المُقاتِلَة في البَحْرِ، وأَخرَج لهم الأُعْطِيات، وأَنفَق فيهم الأَموالَ الكَثيرَة، وأَعلَمَهم بِغَزْوِ القُسطنطينيَّة والإقامَة عليها إلى أن يَفتَحوها، ولمَّا اجْتَمَع العَساكِر عند سُليمان أَمَّرَ عليهم أَخاه مَسلمَة، وكان معه داودُ بن سُليمان بن عبدِ الملك, فسار الجَيْش إلى أن نَزلُوا على القُسطنطينيَّة فحاصَرَها عامًا كامِلًا فشَتَوْا وصافُوا بها، حتَّى عَرَضَ أَهلُها الجِزْيَةَ على مَسلمَة، فأَبَى إلَّا أن يَفتَحها عَنْوَةً, وبَقوا مُحاصِرين القُسطنطينيَّة دون جَدْوَى إلى أن تُوفِّيَ سُليمان بن عبدِ الملك في العاشِر مِن صَفَر سَنَة 99هـ، وتَوَلَّى عُمَرُ بن عبدِ العزيز الخِلافَةَ، فعادوا إلى الشَّامِ دون أن يَفتَحوا القُسطنطينيَّة.

فَتْحُ يَزيدَ بن المُهَلَّب طَبَرِسْتان .

العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716

تفاصيل الحدث:

 

لمَّا فَتَح يَزيدُ بن المُهَلَّب قُهِسْتان وجُرْجان طَمِعَ في طَبَرِسْتان أن يَفْتَحها، فَعَزَم على أن يَسيرَ إليها، فاسْتَعمَل عبدَ الله بن المُعَمَّر اليَشْكُرِيَّ على السَّاسان وقُهِسْتان، وخَلَّفَ معه أَربعةَ آلاف، ثمَّ أَقبَل إلى أَدانِي جُرجان مما يَلِي طَبَرِسْتان، فاسْتَعمَل على أَيْذُوسا راشِدَ بن عَمرٍو، وجَعَلَه في أَربعةِ آلاف، ودَخَل بِلادَ طَبَرِسْتان، فأَرسَل إليه الإِصْبَهْبَذ صاحِبُها يَسألُه الصُّلْحَ وأن يَخرُج مِن طَبَرِسْتان، فأَبَى يَزيدُ، ورَجَا أن يَفْتَتِحَها، ووَجَّه أَخاهُ أبا عُيَينَة مِن وَجْهٍ، وابنَه خالدَ بن يَزيدَ مِن وَجْهٍ، وأبا الجَهْم الكَلْبِيَّ مِن وَجْهٍ، وقال: إذا اجْتَمعتُم فأَبُو عُيينَة على النَّاس. فسار أبو عُيينَة وأقام يَزيدُ مُعَسْكِرًا, واسْتَجاش الإصْبَهْبَذ أَهلَ جِيلان والدَّيْلَم، فأَتوه فالْتَقوا في سَفْحِ جَبلٍ، فانْهَزَم المشركون في الجَبلِ، فاتَّبَعهُم المسلمون حتَّى انْتَهوا إلى فَمِ الشِّعْبِ، فدَخلَه المسلمون وصَعَد المشركون في الجَبلِ واتَّبَعَهم المسلمون يَرومُون الصُّعود، فرَماهُم العَدُوُّ بالنِّشابِ والحِجارَةِ، فانْهَزَم أبو عُيينَة والمسلمون يَركَب بَعضُهم بَعضًا، يَتَساقَطون في الجَبلِ حتَّى انْتَهوا إلى عَسْكَرِ يَزيدَ، وكَفَّ عَدُوُّهم عن اتِّباعِهم، وخافَهُم الإصْبَهْبَذ، فكان أَهلُ جُرجان ومُقَدِّمُهم المَرْزبان يَسأَلُهم أن يُبَيِّتُوا مَن عندهم مِن المسلمين، وأن يَقطَعوا عن يَزيدَ المادَّةَ والطَّريقَ فيما بينه وبين بِلادِ الإسلام، ويَعِدُهم أن يُكافِئَهم على ذلك، فثاروا بالمسلمين، فقَتَلوهُم أَجمعين وهُم غارُون في لَيلةٍ، وقُتِلَ عبدُ الله بن المُعَمَّر وجَميعُ مَن معه فلم يَنْجُ منهم أَحَدٌ، وكَتَبوا إلى الإصْبَهْبَذ بِأَخْذِ المَضايِق والطُّرُق. وبَلَغ ذلك يَزيدَ وأَصحابَه فعَظُمَ عليهم وهالَهُم، وفَزِعَ يَزيدُ إلى حَيَّان النَّبَطِي وقال له: لا يَمنَعك ما كان مِنِّي إليك مِن نَصيحَة المسلمين، وقد جاءَنا عن جُرجان ما جاءَنا، فاعْمَل في الصُّلْح. فقال: نعم. فأَتَى حَيَّانُ الإصْبَهْبَذ فقال: أنا رَجُلٌ منكم، وإن كان الدِّينُ فَرَّقَ بيني وبينكم، فأنا لكم ناصِح، فأنت أَحَبُّ إِلَيَّ مِن يَزيدَ، وقد بَعَث يَسْتَمِدُّ وأَمْدادُه منه قَريبَة، وإنَّما أصابوا منه طَرَفًا، ولست آمَن أن يأتيك مَن لا تقوم له، فأَرِحْ نَفسَك وصالِحْه، فإن صالَحتَه صَيَّرَ حَدَّهُ على أَهلِ جُرجان بِغَدْرِهِم وقَتْلِهم أَصحابَه. فصالَحَهُ على سَبعمائة ألف، وقِيلَ: خَمسمائة ألف، وأربعمائة وَقْرِ زَعْفَران، أو قِيمتِه مِن العَيْنِ، وأَربعمائة رَجُلٍ، على كُلِّ رَجُلٍ منهم تُرْسٌ وطَيْلَسان، ومع كُلِّ رَجُل جامٌ مِن فِضَّة وخِرْقَة حَرير وكُسْوَة. ثمَّ رَجَع حَيَّانُ إلى يَزيدَ، فقال: ابْعَث مَن يَحْمِل صُلْحَهُم. فقال: مِن عندهم أو مِن عندنا؟ قال: مِن عندهم. وكان يَزيد قد طابت نَفسُه أن يُعطِيَهم ما سَأَلوا ويَرجِع إلى جُرجان، فأَرسَل إلى يَزيد مَن يَقبِض ما صالَحَهم عليه حَيَّان.

فَتْحُ يَزيد بن المُهَلَّب جُرجان الفَتْح الأوَّل .

العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716

تفاصيل الحدث:

 

كان سُليمان بن عبدِ الملك كُلَّما فَتَح قُتيبةُ بن مُسلِم فَتْحًا في عَهدِ الوَليد يقول لِيَزيد بن المُهَلَّب: ألا تَرَى إلى ما يَفتَح الله على قُتيبَة؟ فيقول يَزيدُ: ما فَعَلَت جُرجان التي قَطَعَت الطَّريقَ، وأَفْسَدت قُومِس ونَيْسابور. ويقول أَيضًا: هذه الفُتوح لَيسَت بِشَيءٍ، الشَّأنُ هي جُرجان. فلمَّا وَلَّاهُ سُليمانُ خُراسانَ لم يكن لِيَزيد هِمَّة غَير جُرجان، فسار إليها في مائةِ ألف مِن أَهلِ الشَّام والعِراق وخُراسان سِوَى المَوالِي والمُتَطَوِّعَة، ولم تكُن جُرجان يَومئذٍ مَدينَة إنَّما هي جِبالُ ومَخارِم وأَبواب يقوم الرَّجُلُ على بابٍ منها فلا يُقْدِم عليه أَحَدٌ. فابْتَدَأَ بقُهِسْتان فحاصَرَها، وكان ذلك، فإذا هُزِمُوا دَخَلوا الحِصْنَ. فخَرَجوا ذات يَومٍ وخَرَج إليهم النَّاسُ فاقْتَتَلوا قِتالًا شديدًا، فحَمَل محمَّدُ بن سَبْرَة على تُرْكِيٍّ قد صَدَّ النَّاسَ عنه فاخْتَلَفا ضَرْبَتينِ، فثَبُتَ سَيفُ الترُّكي في بَيْضَة ابنِ أبي سَبْرَة، وضَرَبَه ابنُ أبي سَبْرَة فقَتَلَه، ورَجَع وسَيفُه يَقطُر دَمًا وسَيفُ الترُّكي في بَيْضَتِه، فنَظَر النَّاسُ إلى أَحسَن مَنظَرٍ رَأَوْهُ. وخَرَج يَزيدُ بعدَ ذلك يَومًا يَنظُر مَكانًا يَدخُل منه عليهم، وكان في أربعمائة مِن وُجوهِ النَّاسِ وفُرسانِهم، فلم يَشعروا حتَّى هَجَم عليهم التُّركُ في نحو أربعةِ آلاف فقاتَلوهُم ساعَة، وقاتَلَ يَزيدُ قِتالًا شديدًا، فسَلِمُوا وانْصَرَفوا، وكانوا قد عَطِشُوا، فانْتَهوا إلى الماءِ فشَرِبوا، ورَجَع عنهم العَدُوُّ. ثمَّ إنَّ يَزيدَ أَلَحَّ عليهم في القِتال وقَطَع عنهم المَوادَّ حتَّى ضَعُفوا وعَجَزوا. فأَرسَل صُول دِهْقان قُهِسْتان إلى يَزيدَ يَطلُب منه أن يُصالِحَه ويُؤَمِّنَه على نَفسِه وأَهلِه ومالِه لِيَدفَع إليه المَدينَة بما فيها، فصالَحَه ووَفَّى له، ودَخَل المَدينَة فأَخَذ ما كان فيها مِن الأَموالِ والكُنوزِ والسَّبْيِ ما لا يُحصَى، وقَتَل أَربعةَ عَشر ألف تُرْكِي صَبْرًا، وكَتَب إلى سُليمان بن عبدِ الملك بذلك، ثمَّ خَرَج حتَّى أَتَى جُرجان، وكان أَهلُ جُرجان قد صالَحَهم سَعيدُ بن العاص، وكانوا يَجْبُون أَحيانًا مائة ألف، وأَحيانًا مائتي ألف، وأَحيانًا ثلاثمائة ألف، ورُبَّما أَعطوا ذلك ورُبَّما مَنَعوه، ثمَّ امْتَنَعوا وكَفَروا فلم يُعْطوا خَراجًا، ولم يَأْتِ جُرجانَ بعدَ سَعيدٍ أَحَدٌ ومَنَعوا ذلك الطَّريق، فلم يكُن يَسلُك طَريقَ خُراسان أَحَدٌ إلَّا على فارِس وكَرْمان. وبَقِيَ أَمرُ جُرجان كذلك حتَّى وَلِيَ يَزيدُ خُراسان وأَتاهُم فاسْتَقبَلوه بالصُّلْح وزادوه وهابوه، فأَجابَهم إلى ذلك وصالَحَهم. وقد أَصابَ يَزيدُ بجُرجان تاجًا فيه جَوْهَر، فقال: أَتَرَوْنَ أَحدًا يَزهَد في هذا؟ قالوا: لا. فدَعا محمَّد بن واسِع الأزدي فقال: خُذْ هذا التَّاجَ. قال: لا حاجَة لي فيه. قال: عَزَمْتُ عليك. فأَخَذه، فأَمَر يَزيدُ رَجُلًا يَنظُر ما يَصنَع به، فلَقِيَ سائِلًا فدَفَعَه إليه، فأَخَذ الرَّجُلَ السَّائِلَ وأَتَى به يَزيدَ وأَخبَره، فأَخَذ يَزيدُ التَّاجَ وعَوَّضَ السَّائِلَ مالًا كَثيرًا. الي هنا والباقي بمشيئة الله يستكمل💥💥

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق