الكتاب : الفوائد
المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله
الناشر : دار الكتب العلمية - بيروت
الطبعة الثانية ، 1393 - 1973
عدد الأجزاء : 1
قال الشيخ محي الدين السنة قامع البدعة أبو عبد الله الشهير بابن قيم الجوزية رحمه الله ورضى عنه
قاعدة جليلة اذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه
والق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه اليه فانه خاطب منه لك على لسان رسوله قال تعالي ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد وذلك ان تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ومحل قابل وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد فقوله ان في ذلك لذكري اشار الى ما تقدم من أول السورة الى ههنا وهذا هو المؤثر وقوله لمن كان له قلب فهذا هو المحل القابل والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى إن هو الا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا أي حي القلب وقوله أو ألقى السمع أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه الى ما يقال له وهذا شرط التأثر بالكلام وقوله وهو شهيد أي شاهد القلب حاضر غير غائب قال ابن قتيبة استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه وهو اشارة الى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله فاذا حصل المؤثر وهو القرآن والمحل القابل وهو القلب الحي ووجد الشرط وهو الاصغاء وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه الي شيء آخر حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكر
أو القى السمع والموضع موضع واو الجمع لا موضع أو التي هي لأحد الشيئين قيل هذا سؤال جيد والجواب عنه أن يقال خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو فأن من الناس من يكون حي القلب واعيه تام الفطرة فإذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن وأنه الحق وشهد قلبه بما أخبر به القرآن فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة وهذا وصف الذين قيل فيهم ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق وقال في حقهم الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء فهذا نور الفطرة على نور الوحي وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي قال ابن القيم وقد ذكرنا ما تضمنت هذه الآية من الأسرار والعبر في كتاب اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كتبت فيه فهو يقرأها عن ظهر قلب ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد واعي القلب كامل الحياة فيحتاج الى شاهد يميز له بين الحق والباطل ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي فطريق حصول هدايته ان يفرغ سمعه للكلام وقلبه لتأمله والتفكير فيه وتعقل معانيه فيعلم حينئذ انه الحق فالأول حال من رأى بعينه ما دعى اليه وأخبر به والثاني حال من علم صدق المخبر وتيقنه وقال يكفيني خبره فهو في مقام الايمان والأول في مقام الاحسان هذا قد وصل الى علم اليقين وترقي قلبه منه الى فنزلة عين اليقين وذاك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به في الاسلام فعين اليقين نوعان نوع في الدنيا ونوع في الآخرة فالحاصل في الدنيا نسبته الى القلب كنسبة الشاهد
فصل وقد جمعت هذه السورة من أصول الايمان ما يكفي ويشفي ويغني عن
كلام أهل الكلام ومعقول أهل المعقول فانها تضمنت تقرير المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوة والايمان بالملائكة وانقسام الناس الى هالك شقي وفائز سعيد وأوصاف هؤلاء وهؤلاء وتضمنت اثبات صفات الكمال لله وتنزيهه عما يضاد كمله من النقائص والعيوب وذكر فيها القيامتين الصغرى والكبرى والعالمين الأكبر وهو عالم الآخرة والأصغر وهو عالم الدنيا وذكر فيها خلق الانسان ووفاته واعادته وحاله عند وفاته ويوم معاده واحاطته سبحانه به من كل وجه حتى علمه بوساوس نفسه واقامة الحفظة عليه يحصون عليه كل لفظة يتكلم بها وانه يوافيه يوم القيامة ومعه سائق يسوقه اليه وشاهد يشهد عليه فاذا أحضره السائق قال هذا ما لدى عتيد أي هذا الذي أمرت باحضاره قد احضرته فيقال عند احضاره القيا في جهنم كل كفار عنيد كما يحضر الجاني الي حضرة السلطان فيقال هذا فلان قد أحضرته فيقول اذهبوا به الى السجن وعاقبوه بما يستحقه
وتأمل كيف دلت السورة صريحا على أن الله سبحانه يعيد هذا الجسد بعينه الذي أطاع وعصى فينعمه ويعذبه كما ينعم الروح التي آمنت بعينها ويعذب التي كفرت بعينها لا انه سبحانه يخلق روحا أخرى غير هذه فينعمها ويعذبها كما قاله من لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل حيث زعم ان الله سبحانه يخلق بدنا غير هذا البدن من كل وجه عليه يقع النعيم والعذاب والروح عنده عرض من أعراض البدن فيخلق روحا غير هذه الروح وبدنا غير هذا البدن
عيوا بأمرهم كما ... عييت ببيضتها الحمامة ومنه قوله تعالى ولم يعي بخلقهن قال ابن عباس يريد افعجزنا وكذلك قال مقاتل قلت هذا تفسير بلازم اللفظة وحقيقتها أعم من ذلك فان العرب تقول أعياني أن اعرف كذا وعييت به اذا لم تهتد له لوجهه ولم تقدر على معرفته وتحصيله فتقول أعياني دواؤك اذا لم تهتد ولم تقف عليه ولازم هذا المعنى العجز عنه والبيت الذي استشهدوا به شاهد لهذا المعنى فان الحمامة لم تعجز عن
ولهذا أخبر نبيه أنه يحكم بين الناس بما سمعه من اقرارهم وشهادة البينة لا بمجرد علمه فكيف يسوغ لحاكم أن يحكم بمجرد علمه من غير بينة ولا اقرار ثم أخبر سبحانه ان الانسان فى غفلة من هذا الشأن الذى هو حقيق بأن لا يغفل عنه وان لا يزال على ذكره وباله وقال فى غفلة من هذا ولم يقل عنه كما قال وانهم لفى شك منه مريب ولم يقل فى شك فيه وجاء هذا فى المصدر وان لم يجىء فى الفعل فلا يقال غفلت منه ولا شككت منه كأن غفلته وشكه ابتداء منه فهو مبدأ غفلته وشكه وهذا أبلغ من أن يقال فى غفلة عنه وشك فيه فإنه جعل ما ينبغى أن يكون مبدأ التذكرة واليقين ومنشأهما مبدأ للغفلة والشك ثم أخبر أن غطاء الغفلة والذهول يكشف عنه ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ وعن العين فتنفتح فنسبه كشف هذا الغطاء عن العبد عند المعاينة كنسبه كشف غطاء النوم عنه عند الانتباه ثم أخبر سبحانه أن قرينه وهو الذى قرن به فى الدنيا من الملائكة يكتب عمله وقوله يقول لما يحضره هذا الذى كنت وكلتنى به في الدنيا قد أحضرته وأتيتك به هذا قول مجاهد وقال ابن قتيبة المعنى هذا ما كتبته عليه وأحصيته من قوله وعمله حاضر عندى والتحقيق ان الآية نتضمن الأمرين اى هذا الشخص الذي وكلت به وهذا عمله الذي أحصيته عليه فحينئذ يقال ألقيا فى جهنم وهذا اما أن يكون خطابا للسائق والشهيد
قول النبى لعمر وما يدريك ان الله اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أشكل علي كثير من الناس معناه فأن ظاهره
فائدة جليلة قوله تعالى
هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور أخبر سبحانه أنه جعل الارض ذلولا منقادة للوطء عليها وحفرها وشقها والبناء عليها ولم يجعلها مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك منها واخبر سبحانه انه جعلها مهادا وفراشا وبساطا وقرارا وكفاتا وأخبر أنه دحاها وطحاها واخرج منها ماءها ومرعاها وثبتها بالجبال ونهج فيها الفجاج والطرق وأجرى فيها الأنهار والعيون وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ومن بركتها ان الحيوانات كلها وأرزاقها وأقواتها تخرج منها ومن بركاتها انك تودع فيها الحب فتخرجه لك أضعاف أضعاف ما كان ومن بركاتها انها تحمل الأذى علي ظهرها وتخرج لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها فتواري منه كل قبيح وتخرج له كل مليح ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه وتواريها وتضمه وتؤويه وتخرج له طعامه وشرابه فهى أحمل شىء للأذى وأعوده بالنفع فلا كان من التراب خير منه وأبعد من الأذى وأقرب الى الخير
فائدة للانسان قوتان قوة علمية نظرية وقوة عملية ارادية وسعادته
التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية الارادية واستكمال القوة العلمية انما يكون بمعرفة
فكمال الانسان وسعادته لا تتم الا بمجموع هذه الأمور وقد تضمنتها سورة الفاتحة وأنتظمتها أكمل انتظام فان قوله الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين يتضمن الاصل الاول وهو معرفة الرب تعالى ومعرفة اسمائه وصفاته وأفعاله والأسماء المذكورة في هذه السورة هي أصول الاسماء الحسنى وهي اسم الله والرب والرحمن فأسم الله متضمن لصفات الألوهية واسم الرب متضمن الربوبية واسم الرحمن متضمن لصفات الاحسان والجود والبر ومعاني أسمائه تدور لى هذا وقوله إياك نعبد وإياك نستعين يتضمن معرفة الطريق الموصلة اليه وانها ليست الا عبادته وحده بما يحبه ويرضاه واستعانته على عبادته وقوله إهدنا الصراط المستقيم يتضمن بيان ان العبد لا سبيل له الى سعادته الا باستقامته على الصراط المستقيم وانه لا سبيل له الي الاستقامة الا بهداية ربه له كما لا سبيل له الى عبادته بمعونته فلا سبيل له الي الاستقامة علي الصراط الا بهدايته وقوله غير المغضوب عليهم ولا الضالين يتضمن بيان طرفي الانحراف عن الصراط المستقيم وان الانحراف الى احد الطرفين انحراف الي الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد والانحراف الى الطرف الآخر انحراف الي الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل
فائدة الرب تعالى يدعو عباده في القرآن الي معرفته من طريقين احدهما
النظر في مفعولاته والثاني التفكر في آياته وتدبرها فتلك آياته المشهودة وهذه آياته المسموعة المعقولة فالنوع الأول كقوله ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس الي آخرها وقوله إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب وهو كثير في القرآن والثاني كقوله أفلا يتدبرون القرآن وقوله أفلم يدبروا القول وقوله كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته وهو كثير أيضا
فأما المفعولات فأنها دالة على الأفعال والأفعال دالة على الصفات فان المفعول يدل علي فاعل فعله وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه لاستحالة صدور الفعل الاختيارى من معدوم أو موجود لا قدرة له ولا حياة ولا علم ولا ارادة ثم ما في المفعولات من التخصيصات المتنوعة دال على ارادة الفاعل وان فعله ليس بالطبع بحيث يكون واحدا غير متكرر وما فيها من المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على حكمته تعالى وما فيها من النفع والاحسان والخير دال على رحمته وما فيها من البطش والأنتقام والعقوبة دال
فائدة في المسند وصحيح أبي الحاتم من حديث عبد الله بن مسعود قال
قال رسول الله ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك وابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت
ولما كان القضاء هو الاتمام والاكمال وذلك انما يكون بعد مضيه ونفوذه قال عدل في قضاؤك أي الحكم الذي أكملته وأتممته ونفذته في عبدك عدل منك فيه واما الحكم فهو ما يحكم به سبحانه وقد يشاء تنفيذه وقد لا ينفذه فان كان حكما دينيا فهو ماض فى العبد وان كان كونيا فان نفذه سبحانه مضي فيه وان لم ينفذه اندفع عنه فهو سبحانه يقضى ما يقضى به وغيره قد يقضي بقضاء ويقدر أمر ولا يستطيع تنفيذه وهو سبحانه يقضي ويمضى فله القضاء والامضاء وقوله عدل فى قضاؤك يتضمن جميع أقضيته فى عبده من كل الوجوه من صحة وسقم وغني وفقر ولذة وألم وحياة وموت وعقوبة وتجاوز وغير ذلك قال تعالي وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم وقال وان تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فان الانسان كفور فكل ما يقضى علي العبد فهو عدل فيه
فان قيل فالمعصية عندكم بقضائه وقدره فما وجه العدل فى قضائها فان العدل فى العقوبة عليها ظاهر قيل هذا سؤال له شأن ومن أجله زعمت طائفة ان العدل هو المقدور والظلم ممتنع لذاته قالوا لان الظلم هو التصرف فى ملك الغير والله له كل شيء فلا يكون تصرفه فى خلقه الا عدلا وقالت طائفة بل العدل انه لا يعاقب على ما قضاه وقدره فلما حسن منه العقوبة على الذنب علم انه ليس بقضائه وقدره فيكون العدل هو جزاؤه علي الذنب بالعقوبة والذم إما فى الدنيا وإما فى الآخرة وصعب على هؤلاء الجمع بين العدل وبين القدر فزعموا ان من أثبت القدر لم يمكنه ان يقول بالعدل ومن قال بالعدل لم يمكنه ان يقول بالقدر كما صعب عليهم الجمع بين التوحيد واثبات الصفات فزعموا انه لا يمكنهم اثبات التوحيد الا بانكار الصفات فصار توحيدهم تعطيلا
والمقصود أن قوله ماض فى حكمك عدل فى قضاؤك رد على الطائفتين القدرية الذين ينكرون عموم أقضية الله فى عبده ويخرجون أفعال العباد عن كونها بقضائه وقدره ويردون القضاء الى الأمر والنهى وعلى الجبرية الذين يقولون كل مقدور عدل فلا يبقى لقوله عدل فى قضاؤك فائدة فان العدل عندهم كل ما يمكن
ولما كان الصدر أوسع من القلب كان النور الحاصل له يسري منه الى القلب لأنه قد حصل لما هو أوسع منه ولما كانت حياة البدن والجوارح كلها بحياة القلب تسري الحياة منه الي الصدر ثم الى الجوارح سأل الحياة له بالربيع الذي هو مادتها ولما كان الحزن والهم والغم يضاد حياة القلب واستنارته سأل أن يكون ذهابها بالقرآن فانها أحرى أن لا تعود وأما اذا ذهبت بغير القرآن من صحة أو دنيا أو جاه أو زوجة أو ولد فانها تعود بذهاب ذلك والمكروه الوارد على القلب ان كان من أمر ماض أحدث الحزن زان كان من مستقبل أحدث الهم وان كان من أمر حاضر أحدث الغم والله أعلم
وأوسعها عرش الرحمن جل جلاله ولذلك صلح لاستوائه عليه وكل ما كان أقرب الى العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفها وأنورها وأجلها لقربها من العرش اذ هو سقفها وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير وخلق الله القلوب وجعلها محلا لمعرفته ومحبته وارادته فهي عرش المثل الأعلى الذي هو معرفته ومحبته وارادته قال تعالى للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم وقال تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم وقال تعالى ليس كمثله شيء فهذا من المثل الأعلى وهو مستو علي قلب المؤمن فهو عرشه وان لم يكن أطهر الأشياء وأنزهها وأطيبها وأبعدها من كل دنس وخبث لم يصلح لاستواء المثل الأعلي عليه معرفة ومحبة وارادة فاستوى عليه مثل الدنيا الأسفل ومحبتها وارادتها والتعلق بها فضاق وأظلم وبعد من كماله وفلاحه حتي تعود القلوب علي قلبين قلب هو عرش الرحمن ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير وقلب هو عرش الشيطان فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم فهو حزين علي ما مضى مهموم بما يستقبل مغموم في الحال وقد روى الترمذي وغيره عن النبي أنه قال اذا دخل النور القلب انفسخ وانشرح قالوا فما علامة ذلك يا رسول الله قال الانابة الى دار الخلود والتجاني عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله والنور الذي يدخل القلب انما هو آثار المثل الأعلى فلذلك ينفسخ وينشرح واذا لم يكن فيه معرفة الله ومحبته فحظه الظلمة والضيق
فائدة قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده وهذا كما انه
في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والارادات فاذا كان القلب ممتلئا بالباطل اعتقادا ومحبة لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبته موضع كما ان اللسان اذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه الا اذا فزع لسانه من النطق بالباطل وكذلك الجوارح اذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة الا اذا فرغها من ضدها فكذلك القلب المشغول بمحبة غير الله وارادته والشوق إليه والأنس به إلا يمكن شغله بمحبة الله واردته وحبه والشوق الى لقائه لا بتفريغه من تعلقه بغيره ولا حركة اللسان بذكره والجوارح بخدمته الا اذا فرغها من ذكر غيره وخدمته فاذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق والعلوم التي لا تنفع لم يبقى فيها موضع للشغل بالله ومعرفة اسمائه وصفاته وأحكامه وسر ذلك ان اصغاء القلب كاصغاء الأذن فاذا صغى الى غير حديث الله لم يبق فيه اصغاء ولا فهم لحديثه كما اذا مال الى غير محبة الله لم يبق فيه ميل الى محبته فاذا نطق القلب بغير ذكره لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان ولهذا في الصحيح عن النبي انه قال لان يمتلىء جوف احدكم قيحا حتي يريه خير له من أن يمتلىء
نزه فؤادك من سوانا تلقنا ... فجنابنا حل لكل منزه
والصبر طلسم لكنز وصالنا ... من حل ذا الطلسم فاز بكنزه وبالله التوفيق
فائدة قوله تعالى ألهاكم التكاثر الى آخرها أخلصت هذه السورة للوعد
الوعيد والتهديد وكفى بها موعظة لمن عقلها فقوله تعالى ألهاكم أي شغلكم على وجه لا تعتذرون فيه فان الالهاء عن الشيء هو الاشتغال عنه فان كان بقصد فهو محل التكليف وان كان بغير قصد كقوله في الخميصة انها ألهتني آنفا عن صلاتي كان صاحبه معذورا وهو نوع من النسيان وفي الحديث فلها عن الصبي أي ذهل عنه ويقال لها بالشيء أي اشتغل به ولها عنه اذا انصرف عنه واللهو للقلب واللعب للجوارح ولهذا يجمع بينهما ولهذا كان قوله ألهاكم التكاثر ابلغ في الذم من شغلكم فان العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه غير لاه به فاللهو هو ذهول واعراض والتكاثر تفاعل من الكثرة أي مكاثرة بعضكم لبعض واعرض عن ذكر المتكاثر به ارادة لاطلاقه وعمومه وان كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر فالتكاثر في كل شيء من مال او جاه او رياسة او نسوة او حديث او
من لم ينتفع بعينه لم ينتفع باذنه للعبد ستر بينه وبين الله وستر بينه وبين الناس فمن هتك الستر الذى بينه وبين الله حقك الله الستد الذي بينه وبين الناس للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه فينبغى له ان يسترضى ربه قبل لقائه ويعمر بيته قبل انتقاله اليه اضاعة الوقت اشد من الموت لان اضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا واهلها الدنيا من أولها الى آخرها لا تساوى غم ساعة فكيف بغم العمر محبوب اليوم يعقب المكروه غدا ومكروه اليوم يعقب المحبوب غدا أعظم الربح في الدنيا ان تشغل نفسك كل وقت بما هو أولي بها وأنفع لها فى معادها كيف يكون عاقلا من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين بكاؤه على نفسه وثناؤه على ربه المخلوق اذا خفته استوحشت منه وهربت منه والرب تعالى اذا خفته أنست به وقربت اليه لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب ولو نفع العمل بلا اخلاص لما ذم المنافقين دافع الخطرة فان لم تفعل صارت فكرة فدافع الفكرة فان لم تفعل صارت شهوة فحاربها فان لم تفعل صارت عزيمة وهمة فان لم تدافعها صارت فعلا فان لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها التقوي ثلاث مراتب احداها حمية القلب والجوارح عن الآثام
غموض الحق حين تذب عنه ... يقلل ناصر الخصم المحق
تضل عن الدقيق فهو م قوم ... فتقضى للمجل علي المدق
بالله أبلغ ما أسعى وأدركه ... لابي ولا يشفع لى من الناس
اذا أيست وكاد اليأس يقطعني ... جاء الرجا مسرعا من جانب اليأس
من خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره ومن خلقه للنار لم تزل هداياها تأتيه من الشهوات لما طلب آدم الخلود فى الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيه بضع سنين اذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد أحدها مشهد التوحيد وان الله هو الذى قدره وشاءه وخلقه وما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن الثاني مشهد العدل وانه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه الثالث مشهد الرحمة وان رحمته فى هذا المقدور غالبه لغضبه وانتقامه ورحمته حشوة الرابع مشهد الحكمة وان حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدره سدى ولا قضاه عبثا الخامس مشهد الحمد وان له سبحانه الحمد التام علي ذلك من جميع وجوهه السادس مشهد العبودية وانه عبد محض من كل وجه تجرى عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه
قلة التوفيق وفساد الرأى وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر واضاعة الوقت ونفره الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ومنع اجابة الدعاء وقسوة القلب ومحق البركة فى الرزق والعمر وحرمان العلم ولباس الذل واهانة العدو وضيق
فصل طوبى لمن أنصف ربه فاقر له بالجهل فى علمه والآفات فى عمله
والعيوب فى نفسه والتفريط فى حقه والظلم فى معاملته فان آخذه بذنوبه رأى عدله وان لم يؤاخذه بها رأي فضله وان عمل حسنة رآها من منته وصدقته عليه فان قبلها فمنه وصدقة ثانية وان ردها فلكون مثلها لا يصلح ان يواجه به وان عمل سيئة رآها من تخليه عنه وخذلانه له وامساك عصمته عنه وذلك من عدله فيه فيرى فى ذلك فقره الى ربه وظلمه فى نفسه فان غفرها له فبمحض احسانه وجوده وكرمه ونكتة المسألة وسرها انه لا يري ربه الامحسنا ولا يرى نفسه الا مسيئا أو مفرطا أو مقصرا فيرى كل ما يسره من فضل ربه عليه واحسانه اليه وكل ما يسوءه من ذنوبه وعدل الله فيه المحبون اذا خربت منازل أحبائهم قالوا سقيا لسكانها وكذلك المحب اذا أتت عليه الأعوام تحت التراب ذكر حينئذ حسن طاعته فى الدنيا وتودده اليه وتجدد رحمته وسقياه لمن كان ساكنا في تلك الأجسام البالية
فائدة الغيرة غيرتان غيرة على الشيء وغيرة من الشيء فالغيرة على
المحبوب حرصك عليه والغيرة من المكروه ان يزاحمك عليه فالغيرة على المحبوب لا تتم الا بالغيرة من المزاحم وهذه تحمد حيث يكون المحبوب تقبح المشاركة في حبه كالمخلوق واما من تحسن المشاركة في حبه كالرسول والعالم بل الحبيب القريب سبحانه فلا
وبالجملة فغيرته تقتضي ان تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها لله وكذلك يغار علي أوقاته أن يذهب منها وقت في غير رضى محبوبة فهذه الغيرة من جهة العبد وهي غيرة من المزاحم له المعوق القاطع له عن مرضاة محبوبة وأما غيرة محبوبه عليه فهي كراهية ان ينصرف قلبه عن محبته الى محبة غيره بحيث يشاركه في حبه ولهذا كانت غيرة الله ان يأتي العبد ماحرم عليه ولاجل غيرته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر منها وما بطن لأن الخلق عبيده واماؤه فهو يغار علي امائه كما يغار السيد على جواريه ولله المثل الأعلي ويغار علي عبيده ان تكون محبتهم لغيره بحيث تحملهم تلك المحبة على عشق الصور ونيل الفاحشة منها
من عظم وقار الله في قلبه ان يعصيه وقره الله في قلوب الخلق ان يذلوه اذا علقت شروش المعرفة في ارض القلب نبتت فيه شجرة المحبة فاذا تمكنت وقويت أثمرت الطاعة فلا تزال الشجرة تؤتي أكلها كل حين باذن الله ربها اول منازل القوم اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا وأوسطها هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى والنور وآخرها تحيتهم يوم يلقونه سلام ارض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها فان غرست شجرة الايمان والتقوى أورثت حلاوة الابد وان غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر من ارجع الى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك ولا تشرد عنه من هذه الأربعة فما رجع من رجع اليه بتوفيقه الا منها وما شرد من شرد عنه بخذلانه الا منها فالموفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش بمولاه والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه
فصل ايك والمعاصي فانها ازلت عز
إسجدوا وأخرجت اقطاع اسكن يا لها لحظة أثمرت حرارة القلق الف سنة مازال يكتب بدم الندم سطور الحزن في القصص ويرسلها مع أنفاس الأسف حتى جاءه توقيع فتاب عليه فرح ابليس بنزول آدم من لجنة وما علم أن هبوط الغائص في اللجة خلف الدر صعود كم بين قوله لآدم اني جاعل في الارض خليفة وقوله لك اذهب فمن تبعك منهم ما جرى على آدم هو المراد من وجوده لو لم تذنبوا يا آدم لا تجزع من قولي لك اخرج منها فلك ولصالح ذريتك خلفتها يا آدم كنت تدخل علي دخول الملوك علي الملوك واليوم تدخل علي دخول العبيد علي الملوك يا آدم لا تجزع من كأس زلل كانت سبب كيسك فقد استخرج منك داء العجب والبست خلعة العبودية وعسى أن تكرهوا يا آدم لم أخرج اقطاعك الي غيرك انما نحيتك عنه لا كمل عمارته لك وليبعث الي العمال نفقة تتجافى جنوبهم تالله ما نفعه عند معصيته عز
اسجدوا ولا شرف وعلم آدم ولا خصيصة لما خلقت بيدي ولا فخر ونفخت فيه من روحي وانما انتفع بذل ربنا ظلمنا أنفسنا لما لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه في غير مقتل
نجائب النجاة مهيأة للمراد واقدم المطرود موثوقة بالقيود هبت عواصف الأقدار في بيداء الاكوان فتقلب الوجود ونجم الخير فلما ركدت الريح اذا ابو طالب غريق في لجة الهلاك وسلمان على ساحل السلامة والوليد بن
خليلي من نجد قفا بي على الربا ... فقد هب من تلك الديار نسيم فصاح به سيده مالك انصرف الي شغلك فقال
كيف انصرافي ولي في داركم شغل
ثم أخذ لسان حاله يترنم لو سمع الأطروش خليلي لا والله ما انا منكما ... اذا علم من آل ليلي بداليا
اذا نحن ادلجن وانت امامنا ... كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
وان نحن اضللنا الطريق ولم نجد ... دليلا كفانا نور وجهك هاديا
الذنوب جراحات ورب جرح وقع في مقتل لو خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة له دخلت دار الهوى فقامرت بعمرك اذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم انها مسعر حرب فاستتر منها بحجاب قل للمؤمنين فقد سلمت من الاثر وكفى الله المؤمنين القتال بحر الهوى اذا مد أغرق واخوف المنافذ على السابح فتح البصر في الماء
ما أحد أكرم من مفرد ... في قبره اعماله تونسه
منعما في القبر في روضه ... ليس كعبده قبره محبسه
علي قدر فضل المرء يأتي خطوبه ... ويعرف عند الصبر فيما يصيبه
ومن قل فيما يتقيه اصطباره ... فقد قل مما يرتجيه نصيبه
كم قطع زرع قبل التمام فما ظن الزرع المستحصد اشتر نفسك فالسوق قائمة والثمن موجود لابد من سنة الغفلة ورقاد الهوى ولكن كن خفيف النوم فحراس البلد يصيحون دنا الصباح نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب فيتلمح البصير في ذلك النور عواقب الأمور اخرج بالعزم من هذا
اذا كان شيء لا يساوي جميعه ... جناح بعوضة عند من صرت عبده
ويملك جزء منه كلك ما الذى ... يكون على ذا الحال قدرك عنده
وبعت به نفسا قد استامها بما ... لديه من الحسنى وقد زال وده
يا مخنت العزم اين انت والطريق طريق تعب فيه آدم وناح لاجله نوح ورمى في النار الخليل واضجع للذبح اسماعيل وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ونشر بالمنشار زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وقاسى الضر أيوب وزاد على المقدار بكاء داود وسار مع الوحش عيسي وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد تزها انت باللهو واللعب
فيا دارها بالحزن ان مزارها ... قريب ولكن دون ذلك أهوال
الحرب قائمة وانت اعزل في النظارة فأن حركت ركابك فللهزيمة من لم يباشر حر الهجير في طلاب المجد لم يقل في ظلال الشرف
تقول سليمى لو أقمت بارضنا ... ولم تدارني للمقام أطوف
قيل لبعض العباد الى كم تتعب نفسك فقال راحتها اريد يا مكر ما بجلة
وحسان الكون لما أن بدت ... اقبلت نحوي وقالت لي الى
فتعاميت كأن لم أرها ... عندما ابصرت مقصودي لدي
كواكب هم العارفين في روج عزائمهم سيارة ليس فيها زحل يا من انحرف عن جادتهم كن في أواخر الركب ونم اذا نمت علي الطريق فالأمير يراعي الساقة قيل للحسن سبقنا القوم على خيل دهم ونحن على حمر معقره فقال ان كنت على طريقهم فما أسرع اللحاق بهم
فائدة من فقد أنسه بالله بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف
ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوى في حاله ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده الا منها ومن كان فتحه بيت الناس ونصحهم وارشادهم كان مزيده معهم ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه وفي أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس فأشرف الأحوال أن لا تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه مصابيح القلوب الطاهرة في اصل الفطره منيرة قبل
الي كم حبسها تشكو المضيقا ... أثرها ربما وجدت طريقا
فقال يا عم طال انتظاري لاسلامك وما أرى منك نشاطا فقال والله لئن أسلمت لانتزعن كل ما أعطيتك فصاح لسان الشوق نظرة من محمد أحب الي من الدنيا وما فيها
ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها ... تريد أم الدنيا وما في طواياها
لقال تراب من غبار نعالها ... ألذ الى نفسي وأشفى لبلواها
فلما تجرد للسير الى الرسول جرده عمه من الثياب فناولته الام بجادا فقطعه لسفر الوصل نصفين أتزر بأحدهما با وارتدي بالآخر فلما نادى صائح الجهاد قنع ان يكون في سافة الأحباب والمحب لا يرى طول الطريق لان المقصود يعينه
ألا بلغ الله الحمى من يريده ... وبلغ أكناف الحمى من يريدها
فلما قضى نحبه نزل الرسول يمهد لد لحده وجعل يقول اللهم أني أمسيت عنه راضيا فارض عنه فصاح ابن مسعود يا ليتني كنت صاحب القبر
فيا مخنث العزم أقل ما في الرقعة البيذق فلما نهض تفرزن رأى بعض
فصل الدنيا كأمرأه بغى لا تثبت مع زوج انما تخطب الأزواج ليستحسنوا
عليها فلا ترضى بالدياثه
ميزت بين جمالها وفعالها ... فأذا الملاحة بالقباحة لا تفى
حلفت لنا ان لا تخون عهودنا ... فكأنها حلفت لنا ان لا تفى
السير في طلبها سير في أرض مسبعة والسباحة فيها سباحة في غدير التمساح المفروح به منها هو عين المحزون عليه آلامها متولدة من لذاتها واحزانها من أفراحها
مآرب كانت في الشباب لأهلها ... عذاب فصارت في المشيب عذابا
طائر الطبع يرى الحبة وعين العقل ترى الشرك غير ان عين الهوى عميا
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدى المساويا
تزخرفت الشهوات لأعين الطباع فغض عنها الذين يؤمنون بالغيب ووقع تابعوها في بيداء الحسرات و باؤلئك على هدى من ربهم واؤلئك هم المفلحون وهؤلاء يقال لهم كلوا وتمتعوا قليلا انكم مجرمون لما عرف الموفقون قدر الحياة الدنيا وقلة المقام فيها أما وافيها الهوى طلبا لحياة الأبد لما استيقظوا من نوم الغفلة استرجعوا بالجد ما انهبه العدو منهم في زمن البطالة فلما طالت عليهم الطريق تلمحوا المقصد فقرب عليهم البعيد وكلما أمرت لهم الحياة حلى لهم تذكر هذا يومكم الذي كنتم توعدون
وركب سروا الليل ملق رواقه ... على كل مغبر المطالع قائم
حدوا عزمات ضاعت الأرض بينها ... فصار سراهم في طلوع العزائم
اذا اطردت في معرك الجد قصفوا ... رماح العطايا في صدور المكارم
فصل من اعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه وأن تسمع داعيه ثم
تتأخر عن الاجابة وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعمل غيره وان تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق الى انشراح الصدر بذكره ومناجاته وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه الى نعيم الاقبال عليه والانابه اليه واعجب من هذا علمك انك لابد لك منه وانك أحوج شيء اليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب
فائدة ما أخذ العبد ما حرم عليه الا من جهتين احداهما سوء ظنه
بربه وانه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيرا منه حلالا والثانية ان يكون عالما بذلك وان من ترك لله شيئا أعاضه خيرا منه ولكن تغلب شهوته صبره وهواه عقل فالأول من ضعف علمه والثاني من ضعف عقله وبصيرته قال يحي بن معاذ من جمع الله عليه قلبه في الدعاء لم يرده قلت اذا اجتمع عليه قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه
فصل لما رأى المتيقظون سطوة لدنيا بأهلها وخداع الامل لاربابه وتملك
الشيطان وقياد النفوس راوا الدولة للنفس الامارة لجأوا الى حصن التضرع والالتجاء كما
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه وولد لا يعذره وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه وشريك لا ينصفه وعدو لا ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء ودنيا متزينة وهوى مرد وشهوة غالبة له وغضب قاهر وشيطان مزين وضعف مستول عليه فأن تولاه الله وجذبه اليه انقهرت له هذه كلها وان تخلى عنه ووكله الى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة
لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما وعدلوا الى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة فى قلوبهم وكدر فى افهامهم ومحق فى عقولهم وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير وهرم عليها الكبير فلم يروها مكرا فجاءتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن والنفس مقام العقل والهوى مقام الرشد والظلال مقام الهدى والمنكر مقام المعروف والجهل مقام العلم والرياء مقام الاخلاص والباطل مقام الحق والكذب مقام الصدق والمداهنة مقام النصيحة والظلم مقام العدل فصارت الدولة
فاذا رأيت دولة هذه الأمور قد أقبلت وراياتها قد نصبت وجيوشها قد ركبت فبطن الارض والله خير من ظهرها وقلل الجبال خير من السهول ومخالطة الوحش أسلم من مخالطة الناس
اقشعرت الأرض وأظلمت السماء وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة وذهبت البركات وقلت الخيرات وهزلت الوحوش وتكدرت الحياة من فسق الظلمة وبكي ضوء النهار وظلمة الليل من الأعمال الخبيثة والأفعال الفظيعة وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات الى ربهم من كثرة الفواحش وغلبة المنكرات والقبايح وهذا والله منذر بسيل عذاب قد انعقد غمامه ومؤذن بليل بلاء قد ادلهم ظلامه فاعزلوا عن طريق هذا السبيل بتوبة نصوح ما دامت التوبة ممكنة وبابها مفتوح وكأنكم بالباب وقد أغلق وبالرهن وقد غلق وبالجناح وقد علق وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
اشتر نفسك اليوم فان السوق قائمة والثمن موجود والبضائع رخيصة وسيأتي على تلك السوق والبضايع يوم لا تصل فيها الى قليل ولا كثير ذلك يوم التغابن يوم يعض الظالم على يديه
اذا انت لم ترحل بزاد من التقى ... وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على ان لا تكون كمثله ... وانك لم ترصد كما كان ارصدا
العمل بغير اخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه اذا حملت علي القلب هموم الدنيا واثقالها وتهاونت بأوراده التي هى قوته وحياته كنت كالمسافر الذى يحمل دابته فوق طاقتها ولا يوفيها علفها فما أسرع ما تقف به
ومشتت العزمات ينفق عمره ... حيران لا ظفر ولا اخفاق
رويدا باخفاف المطى فانما ... تداس جباه تحتها وخدود
من تلمح حلاوة العافية هان عليه مرارة الصبر الغاية اول فى التقدير آخر فى الوجود مبدأ فى نظر العقل منتهى فى منازل الوصول الفت عجز العادة فلو علت بك همتك ربا المعالي لاحت لك انوار العزائم انما تفاوت القوم بالهمم لا بالصور تزول همة الكساح دلاه فى جب العذرة بينك وبين الفائزين جبل الهوى نزلوا بين يديه ونزلت خلفه فاطو فضل منزل تلحق بالقوم الدنيا مضمار سباق وقد انعقد الغبار وخفى السابق والناس فى المضمار بين فارس وراجل واصحاب حمر معقرة
سوف ترى اذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك أم حمار
فى الطبع شره والحمية أوفق لص الحرص لا يمشي الا فى ظلام الهوي حبة المشتهى تحت فخ التلف فتفكر الذبح وقد هان الصبر قوة الطمع في بلوغ الأمل توجب الاجتهاد فى الطلب وشدة الحذر من فوت المأمول البخيل فقير لا يؤجر على فقره الصبر على عطش الضر ولا الشرب من شرعه من تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها لا تسأل سوى مولاك فسؤال العبد غير سيده تشنيع عليه غرس الخلوة يثمر الأنس استوحش مما لا يدوم معك واستأنس بمن لا يفارقك عزلة الجاهل فساد واما عزلة العالم فمعها حذاؤها وسقاؤها اذا اجتمع العقل واليقين في بيت العرلة واستحضر الفكر وجرت بينهم مناجاة
اتاك حديث لا يمل سماعه ... شهى الينا نثره ونظامه
اذا ذكرته النفس زال عناؤها ... وزال عن القلب المعني ظلامه
اذا خرجت من عدوك لفظة سفه فلا تلحقها بمثلها تلقحها ونسل الخصام نسل مذموم حميتك لنفسك أثر الجهل بها فلو عرفتها حق معرفتها اعنت الخصم عليها إذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت باحراق القادح اوثق
تالله ما جئتكم زائرا ... الا وجدت الارض تطوي لى
ولا انثني عزمى عن بابكم ... الا تعثرت باذيالى
الأرواح فى الأشباح كالاطيار فى الابراج وليس ما أعد للاستفراخ كمن هيء للسباق من أراد من العمال أن يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يوليه من العمل وبأى شغل يشغله كن من أبناء الآخرة ولا تكن من أبناء الدنيا فان الولد يتبع الأم الدنيا لا تساوي نقل أقدامك اليها فكيف تعدو خلفها الدنيا جيفة والأسد لا يقع علي الجيف الدنيا مجاز والآخرة وطن والأوطار انما تطلب فى الأوطان
الاجتماع بالاخوان قسمان احدهما اجتماع علي مؤانسة الطبع وشغل الوقت فهذا
ليس في الوجود الممكن سبب واحد مستقل بالتأثير بل لا يؤثر سبب البتة الا بانضمام سبب آخر اليه وانتفاء مانع يمنع تأثيره هذا فى الأسباب المشهودة بالعيان وفى الأسباب الغائبة والأسباب المعنوية كتأثير الشمس فى الحيوان والنبات فانه موقوف علي أسباب أخر من وجود محل قابل وأسباب أخر تنضم الى ذلك السبب وكذلك حصول الولد موقوف علي عدة أسباب غير وطء الفحل وكذلك جميع الأسباب مع مسبباتها فكل ما يخاف ويرجى من المخلوقات فأعلي غاياته أن يكون جزء سبب غير مستقل بالتأثير ولا يستقل بالتأثير وحده دون توقف تأثيره علي غيره الا الله الواحد القهار فلا ينبغى أن يرجى ولا يخاف غيره وهذا برهان قطعى على أن تعلق الرجاء والخوف بغيره باطل فانه لو فرض ان ذلك سبب مستقل وحده بالتأثير لكانت سببيته من غيره لا منه فليس له من نفسه قوة يفعل بها فانه لا حول ولا قوة الا بالله فهو الذى بيده الحول كله والقوة كلها فالحول والقوة التى يرجى لاجلهما المخلوق ويخاف انما هما لله وبيده فى الحقيقة فكيف يخاف ويرجى من لا حول له ولا قوة بل خوف المخلوق ورجاؤه أحد أسباب الحرمان ونزول المكروه بمن يرجوه ويخافه فانه على قدر خوفك من
التوحيد مفزع اعدائه واوليائه فاما اعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر اذا هم يشركون واما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ولذلك فزع اليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات وفزع اليه اتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون فى الدنيا وما أعد لهم فى الآخرة ولما فزع اليه فرعون عند معاينة الهلاك وادراك الغرق له لم ينفعه لان الايمان عند المعاينة لا يقبل هذه سنة الله فى عباده فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد ودعوة ذي النون التى ما دعا بها مكروب الا فرج الله كربه بالتوحيد فلا يلقى فى الكرب العظام الا الشرك ولا ينجى منها الا التوحيد فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها وبالله التوفيق فائدة اللذة تابعة للمحبة تقوى بقوتها وتضعف بضعفها فكلما كانت الرغبة فى المحبوب والشوق اليه أقوى كانت اللذة بالوصول اليه أتم والمحبة والشوق تابع لمعرفته والعلم به فكلما كان العلم به اتم كانت محبته أكمل فإذا رجع كمال النعيم فى الآخرة وكمال اللذة الى العلم والحب فمن كان يؤمن بالله واسمائه وصفاته ودينه أعرف كان له أحب وكانت لذته بالوصول اليه مجاورته والنظر الي جهه وسماع كلامه أتم وكل لذة ونعيم وسرور وبهجة بالاضافة الى ذلك كقطرة فى بحر فكيف يؤثر من له عقل لذة ضعيفة قصيرة مشوبة بالآلام علي لذة عظيمة دائمة ابد الآباد وكمال العبد بحسب هاتين القوتين العلم والحب وافضل العلم العلم بالله وأعلى الحب الحب له وأكمل اللذة بحسبهما والله المستعان
طالب الله والدار الآخره لا يستقيم له سيره وطلبه الا بحبسين حبس قلبه فى طلبه ومطلوبه وحبسه عن الالتفات الى غيره وحبس لسانه عما لا يفيد وحبسه علي ذكر الله وما يزيد فى ايمانه ومعرفته وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات والمندوبات فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن الى أوسع فضاء وأطيبه ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما الى فضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا فكل خارج من الدنيا اما متخلص من الحبس واما ذاهب الي الحبس وبالله التوفيق
ودع ابن عون رجلا فقال عليك بتقوي الله فأن المتقى ليست عليه وحشة وقال زيد بن أسلم كان يقال من أتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا وقال الثوري لابن أبي ذئب ان أتقيت الله كفاك الناس وان اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا وقال سليمان بن داود أوتينا مما أوتي الناس ومما لم يؤتوا وعلمنا مما علم الناس ومما لم يعلموا فلم نجد شيئا أفضل من تقوي الله فى السر والعلانية والعدل فى الغضب والرضا والقصد فى الفقر والغنى وفى الزهد للامام احمد أثر الهى ما من مخلوق اعتصم بمخلوق دوني الا قطعت أسباب السموات والأرض دونه فان سألنى لم أعطه وان دعاني لم أجبه وان استغفرني لم أغفر له وما من مخلوق اعتصم بي دون خلقى الا ضمنت السموات والأرض رزقه فأن سألنى أعطيته وان دعاني أجبته وان استغفرني غفرت له
فائدة جليلة جمع النبى بين تقوي الله وحسن الخلق لان تقوى الله
يصلح ما بين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه فتقوى الله توجب له محبة الله وحسن الخلق يدعو الي محبته
نفسه وخطوة عن الخلق فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله فلا يلتفت الا الى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة اليه
صاح بالصحابة واعظ اقترب للناس حسابهم فجزعت للخوف قلوبهم فجرت من الحذر العيون فسالت أودية بقدرها تزينت الدنيا لعلي فقال أنت طالق ثلاثا لا رجعة لي فيك وكانت تكفيه واحده للسن لكنه جمع الثلاث لئلا يتصور للهوى جواز المراجعه ودينه الصحيح وطبعه السليم يأنفان من المحلل كيف وهو أحد رواة حديث لعن الله المحلل
ما فى هذه الدار موضع خلوة فاتخذه فى نفسك لا بد ان تجذبك الجواذب فاعرفها وكن منها على حذر لا تضرك الشواغل اذا خلوت منها وأنت فيها نور الحق أضوأ من الشمس فيحق لخفافيش البصائر أن تعشو عنه الطريق الى الله خال من أهل الشك ومن الذين يتبعون الشهوات وهو معمور بأهل اليقين والصبر وهم على الطريق كالأعلام وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون
قاعدة لشهادة ان لا اله الا الله عند الموت تأثير عظيم فى تكفير
السيئات واحباطها لانها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها قد ماتت منه الشهوات ولانت نفسه المتمردة وانقادت بعد إبائها واستعصائها واقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها وخرج منها حرصا على الدنيا وفضولها واستخذت بين يدى ربها وفاطرها ومولاها الحق اذل ما كانت له وارجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته وتجرد
ماذا يملك من أمره من ناصيته بيد الله ونفسه بيده وقلبه بين أصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء وحياته بيده وموته بيده وسعادته بيده وشقاوته بيده وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله بأذنه ومشيئته فلا يتحرك الا باذنه ولا يفعل الا بمشيئته ان وكله الى نفسه وكله الي عجز وضيعه وتفريط وذنب وخطيئة وان وكله الى غيره وكله الى من لا يملك له ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وان تخلى عنه استولى عليه عدوه وجعله اسيرا له فهو لا غنى له عنه طرفة عين بل هو مضطر اليه علي مدى الأنفاس فى كل ذرة من ذراته باطنا وظاهرا فاقته تامة اليه ومع ذلك فهو متخلف عنه معرض عنه يتبغض اليه بمعصيته مع شدة الضرورة اليه من كل وجه قد صار لذكره نسيا واتخذه وراءه ظهريا هذا واليه مرجعه وبين يديه موقفه
أصول الخطايا كلها ثلاثة الكبر وهو الذى أصار ابليس الي ما أصاره والحرص وهو الذى أخرج آدم من الجنة والحسد وهو الذى جرأ أحدا بني آدم علي أخيه فمن وقى شر هذه الثلاثة فقد وقى الشر فالكفر من الكبر والمعاصى من الحرص والبغى والظلم من الحسد
جعل الله بحكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم ظاهرة وباطنة آلة لشيء اذا استعمل فيه فهو كماله فالعين آلة للنظر والاذن آلة للسماع والأنف آلة للشم واللسان آلة للنطق والفرج للنكاح واليد للبطش والرجل للمشى والقلب للتوحيد والمعرفة والروح للمحبه والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب الامور الدينية والدنيويه وايثار ما ينبغى ايثاره وأهمال ما ينبغى اهماله
أخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه بل أخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس فى السنن من حديث أبي سعيد يرفعه اذا أصبح ابن آدم فان الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق الله فأنما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا قوله تكفر اللسان قيل معناه تخضع له وفى الحديث ان الصحابة لما دخلوا علي النجاشي لم يكفروا له أى لم يسجدوا ولم يخضعوا ولذلك قال له عمرو بن العاص أيها الملك انهم لا يكفرون لك وانما خضعت للسان لانه بريد القلب وترجمانه والواسطة بينه وبين الأعضاء وقولها انما نحن بك أي نجاتنا بك وهلاكنا بك ولهذا قالت فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا
الدنيا والآخرة ونعيمها ولذاتها انما ينال بتقوى الله وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناد والكد والشقاء فى طلب الدنيا انما ينال بالاجمال في الطلب فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة ونعيمها ومن أجمل فى الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها فالله المستعان
قد نادت الدنيا علي نفسها ... لو كان فى ذا الخلق من يسمع
كم واثق بالعيش أهلكته ... وجامع فرقت ما يجمع
فائدة جمع النبي بين المأثم والمغرم فان المأثم يوجب خسارة الآخرة
والمغرم يوجب خسارة الدنيا
فائدة قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا علق سبحانه الهداية
بالجهاد فاكمل الناس هداية أعظمهم جهادا وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوي وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا فمن جاهد هذه الاربعة فى الله هداه الله سبل رضاه الموصلة الي جنته ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد قال الجنيد والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الاخلاص ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر الا من جاهد هذه الأعداء باطنا فمن نصر عليها نصر على عدوه ومن نصرت عليه نصر عليه عدوه
العقل وبين الهوى والعداوة بين النفس الأمارة وبين القلب وابتلى العبد بذلك وجمع له بين هؤلاء وأمد كل حزب بجنود وأعوان فلا تزال الحرب سجالا ودولا بين الفريقين الى أن يستولى أحدهما علي الآخر ويكون الآخر مقهورا معه فاذا كانت النوبة للقلب والعقل والملك فهنالك السرور والنعيم واللذة والبهجة والفرح وقرة العين وطيب الحياة وانشراح الصدر والفوز بالغنائم واذا كانت النوبة للنفس والهوي والشيطان فهنالك الغموم والهموم والأحزان وأنواع المكاره وضيق الصدر وحبس الملك فما ظنك بملك استولى عليه عدوه فانزله عن سرير ملكه وأسره وحبسه وحال بينه وبين خزائنه وذخائره وخدمه وصيرها له ومع هذا فلا يتحرك الملك لطلب ثأره ولا يستغيث بمن يغيثه ولا يستنجد بمن ينجده وفوق هذا الملك ملك قاهر لا يقهر وغالب لا يغلب وعزيز لا يذل فارسل اليه إن استنصرتنى نصرتك وان استغثت بي اغثتك وان التجأت الي أخذت بثأرك وان هربت الى واويت الي سلطتك علي عدوك وجعلته تحت أسرك فان قال هذا الملك المأسور قد شد عدوى وثاقى وأحكم رباطى واستوثق منى بالقيود ومنعني من النهوض اليك والفرار اليك والمسير الي بابك فان أرسلت جندا من عندك يحل وثاقى ويفك قيودى ويخرجنى من حبسه امكنني أن اوافى بابك والا لم يمكننى مفارقة محبسي ولا كسر قيودى فان قال ذلك احتجاجا على ذلك السلطان ودفعا لرسالته ورضا بما هو فيه عند عدوه خلاه السلطان الأعظم وحاله وولاه ما تولي وان قال ذلك افتقارا اليه واظهارا لعجزه وذله وانه أضعف واعجز أن يسير اليه بنفسه ويخرج من حبس عدوه ويتخلص منه بحوله وقوته وأن من تمام نعمته ذلك عليه كما أرسل اليه هذه الرسالة أن يمده من جنده
أعلى الهمم فى طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد وعلم حدود المنزل وأخس همم طلاب العلم قصر همته علي تتبع شواذ المسائل وما لم ينزل ولا هو واقع أو كانت همته معرفة الاختلاف وتتبع أقوال الناس وليس له همة الى معرفة الصحيح من تلك الأقوال وقل أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه وأعلي الهمم فى باب الارادة أن تكون الهمة متعلقة بمحبة الله والوقوف مع مراده الدينى الأمرى واسفلها أن تكون الهمة واقفة مع مراد صاحبها من الله فهو انما يعبده لمراده منه لا لمراد الله منه فالاول يريد الله ويريد مراده والثاني يريد من الله وهو فارغ عن إرادته
علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون اليها الناس بأقوالهم ويدعونهم الى النار بافعالهم فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا اليه حقا كانوا أول المستجيبين له فهم فى الصوره أدلاء وفي الحقيقة قطاع الطرق اذا كان الله وحده حظك ومرادك فالفضل كله تابع لك يزدلف إليك أى أنواعه تبدأ به واذا كان حظك ما تنال منه فالفضل موقوف عنك لانه بيده تابع له فعل من أفعاله فإذا حصل لك حصل لك الفضل بطريق الضمن والتبع واذا كان الفضل مقصودك لم يحصل الله بطريق الضمن والتبع فأن
فصل لما خرج رسول الله من حصر العدو دخل فى حصر النصر
فعبثت أيدى سراياه بالنصر فى الأطراف فطار ذكره فى الآفاق فصار الخلق معه ثلاثة أقسام مؤمن به ومسالم له وخائف منه ألقى بذر الصبر فى مزرعة فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل فاذا أغصان النبات تهتز بخزامي والحرمات قصاص فدخل مكة دخولا ما دخله أحد قبله ولا بعده حوله المهاجرون والأنصار لا يبين منهم الا الحدق والصحابة على مراتبهم والملائكة فوق رؤوسهم وجبريل يتردد بينه وبين ربه وقد أباح له حرمه الذي لم يحله لاحد سواه فلما قايس بين هذا اليوم وبين يوم واذ يمكر الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك فاخرجوه ثاني اثنين
دخل وذقنه تمس قربوس سرجه خضوعا وذلا لمن ألبسه ثوب هذا العز الذى رفعت اليه فيه الخليقة رؤوسها ومدت اليه الملوك أعناقها فدخل مكة مالكا مؤيدا منصورا وعلا كعب بلال فوق الكعبة بعد أن كان يجر فى الرمضاء على جمر الفتنة فنشر بزا طوى عن القوم من يوم قوله أحد أحد ورفع صوته بالاذان فأجابته القبائل من كل ناحية فاقبلوا يؤمون الصوت فدخلوا فى دين الله أفواجا وكانوا قبل ذلك يأتون آحادا فلما جلس الرسول على منبر العز وما نزل عنه قط مدت الملوك أعناقها بالخضوع اليه فمنهم من سلم اليه مفاتيح البلاد ومنهم من سأله الموادعة والصلح ومنهم من أقر بالجزيه والصغار ومنهم من أخذ فى الجمع والتأهب للحرب ولم يدر أنه لم يزد على جمع الغنائم وسوق الأسارى اليه فلما تكامل نصره وبلغ الرسالة وأدى الامانة وجاءه منشور انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك
فصل يا مغرورا بالاماني لعن ابليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحده
امر بها واخرج آدم من الجنه بلقمة تناولها وحجب القاتل عنها بعد ان رآها عيانا بملء كف من دم وامر بقتل الزاني اشنع القتلات بايلاج قدر الانملة فيما لا يحل وأمر بأيساع الظهر سياطا بكلمة قذف او بقطرة سكر وابان عضوا من اعضائك بثلاثة دراهم فلا تأمنه ان يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه ولا يخاف عقباها دخلت امرأة النار في هرة وان الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقى لها بالا يهوي بها في النار ابعد ما بين المشرق والمغرب وان الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة فأذا كان عند الموت جار في الوصيه فيختم له بسوء عمله فيدخل النار العمر بىخره والعمل بخاتمته من احدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا ومن أساء في آخر عمره لقى ربه في ذلك الوجه لو قدمت لقمه وجدتها ولكن يؤذيك الشره كم جاء الثواب يسعى اليك فوقف بالباب فرده بواب سوف ولعل وعسى كيف الفلاح
لا كان من سواك فيه بقية ... يجد السبيل بها اليه العذل
فصل كان أول المخلوقات القلم ليكتب المقادير قبل كونها وجعل آدم وآخر
المخلوقات وفي ذلك حكم أحدها تمهيد الدار قبل الساكن الثانية انه الغاية التي خلق لاجلها ما سواه من السموات والأرض والشمس والقمر والبر والبحر الثالثة ان احذق الصناع يختم عمله بأحسنه وغايته كما يبدؤه باساسه ومبادئه الرابعة ان النفوس متطلعة الى النهايات والأواخر دائما ولهذا قال موسي للسحرة ولا القوا ما انتم ملقون فلما راى الناس فعلهم تطلعوا الى ما يأتي بعده الخامسة ان الله سبحانه أخر أفضل الكتب والانبياء والأمم الى آخر الزمان وجعل الآخرة خيرا من الأولى والنهايات أكمل من البدايات فكم بين قول الملك للرسول اقرا فيقول ما انا بقاريء وبين قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم السادسة ان سبحانه جمع ما فرقه في العالم في آدم فهو العالم الصغير وفيه ما في العالم الكبير السابعة ان خلاصة الوجود وثمرته فناسب ان يكون خلقه بعد الموجودات الثامنة ان من كرامته علي خالقه أنه هيأ له مصالحه وحوائجه وآلات معيشته وأسباب حياته فما رفع رأسه الا وذلك كله حاضر عتيد التاسعة انه سبحانه أراد أن يظهر شرفه وفضله على سائر المخلوقات فقدمها عليه في الخلق ولهذا قالت الملائكة ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا اكرم عليه منا فلما خلق آدم وأمرهم بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم والمعرفة فلما وقع في الذنب ظنت الملائكة أن ذلك الفضل
ونحن نسبح الي حاكم أنبئوني وقد أخفى الوكيل عنه بينة وعلم فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور الاقرار فقام منادي التفضيل في أندية الملائكة ينادى اسجدوا فتطهروا من حديث دعوي ونحن بماء العذر في آنية لا علم لنا فسجدوا على طهارة التسليم وقام ابليس ناحية لم يسجد لانه خبث وقد تلون بنجاسة الاعتراض وما كانت نجاسته تتلافى بالتطهير لانها عينية فلما تم كمال آدم قال لا بد من خال جمال على وجه اسجدوا فجرى القدر بالذنب ليتبين اثر العبودية في الذل يا آدم لو عفى لك عن تلك اللقمة لقال الحاسدون كيف فضل ذو شره لم يصبر على شجرة لولا نزولك ما تصاعدت صعداء الأنفاس ولا نزلت رسائل هل من وسائل ولا فاحت
فيا من ضيع القوة ولم يحفظها وخلط في مرضه وما احتمى ولا صبر على مرارة الاستفراغ لا تنكر قرب الهلاك فالداء مترام الى الفساد لو ساعد القدر فاعنت الطبيب علي نفسك بالحمية من شهوة خسيسة ظفرت بأنواع اللذات وأصناف المشتهيات ولك بخار الشهوة غطى عين البصيرة فظننت ان الحزم بيع الوعد بالنقد يالها بصيرة عمياء جزعت من صبر ساعة واحتملت ذل الأبد سافرت في طلب الدنيا وهى عنها زائلة وقعدت عن السفر الى الآخرة وهى اليها راحلة اذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير فاعلم بانه سفيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق