الثلاثاء، 26 يونيو 2018

بقية الشروط المانعة للحكم بتكفير المسلمين

تتلخص العلاقة بالحكم بالاسلام أو بالكفر علي الناس في طريقين اثنين لا ثالث لهما
۱.أولا العلاقة بين العبد والعبد
۲.ثانيا العلاقة بين العبد وربه

أما أولا بين العبد والعبد
🌘قلت المدون: إن دخول المسلمين في دين الله يتم بمقتضي عقدٍ بين المسلم وبين رسوله أو خليفة رسول الله أو كل من ولي أمر المسلمين في دولة الإسلام  

 هذا العقد بين الله وبين عبده قد استوفاه رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد تضمن هذا العقد أن يشهد الداخل إلي الإسلام

 
1.أن لا إله إلا الله
2.وأن محمدا رسول الله
3.وأن يقيم الصلاة
4.وأن يؤتي الزكاة
5.وأن يصوم رمضان
6.وأن يحج البيت إن استطاع إلي ذلك سبيلا
7.ثم آخر شرط في عقد الاسلام وهو أن لا ينقض حق ذلك وإلا فنقض حق ذلك سيهدم العقد علي رأس صاحبه{الظاهر منها في الظاهر وفي السر منها يكون حسابه بين العبد وربه}

 لكن ......تري ما هي هذه النواقض للاسلام وهل من السهل علي أمة الاسلام أن ينقض فيها مسلم إسلامه بهذه السهولة ؟؟؟
🌘هل ينقض العقد بمعصية كما فعل الخوارج؟
🌘أو هل ينقض عقد الاسلام مجرد حمل السلاح علي المسلمين من صاحب عقد الاسلام ، 

 أو من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم 

 أو من غشنا لقول رسول الله من غشنا فليس منا 

 أو.. كل نصوص نفي الايمان
🌘أو هل يكفي تصور أصحاب التكفير بتصوراتهم إخراج المسلمين من نطاق الاسلام بمحرد تصوراتهم ؟ {ان كل ما ذكرنا ان لم يصحب بتوبة سيهوي بصاحيه في نار جهنم يوم القيامة لكننا محكومون في الظاهر بتطبيق ظاهر الاسلام والسرائر علي الله سبحانه حسابها}

 
🌘والإسلام كما وضع شروطاً للبيعة وصياغة عقد الاسلام بين المسلم وبين ربه قد شدد علي عدم إخراج المسلمين من كيان الاسلام المُشَيَدَ في نفوسهم قبل واقعهم وفي حالهم قبل كيانهم ؟ 

 
والواقع أن دخول الاسلام كما يبدو سهلاً كما هو كذلك سهل ويكفي فيه الإعلان ابتداءا قبول عقد التسليم لله الواحد علي أن يقوم المسلم بأداء فرائض الاسلام كلها ويمتنع عن نقض أحدها فكلما جد وحان وقت فروضها (كل الفروض) وجب أداء الفرض الذي جد وقته وحان تطبيقه، لكن الله تعالي الحكيم الخبير العلي العظيم الرحمن الرحيم قد تَرَّس متاريساً حول إخراج المسلم من حيِّز إسلامه بشروطٍ قد يبدو للناظرين قسوة تنفيذها في أكثر الأحيان فمن هذه الشروط :
1.أن يكون المسلم عالما بما هو مقدم عليه من وشوكه علي نقد العقد الاسلامي بينه وبين الله

 
2.وأن يكون القائم علي الحكم علي المسلم بالتكفير بنفس علم صاحب العقد بما هو مقدم عليه لا يقل علمه عنه شيئا وهو مالا يمكن تحقيقه إلا بتصريح المتعاقد علي الاسلام {يعني المسلم} بما ينوي عليه من جنوح آتٍ محققا لنقضه للاسلام طواعية وعمدا وتصميماً وهو مالا يحدث اليوم إلا في أضيق الظروف.

3.أن يتأكد المتعاقد علي الاسلام{يعني المسلم} بكل شروط نقض الاسلام حتي يُقدِّم المعاقِب منتهي اعذاره للمسلم موضوع العقد ومنتهي إعذار الذي سيحكم بإخراجه من دائرة الإسلام وما لم يحدث ذلك لا يحدث الحكم بالخروج من الاسلام مطلقا، ولا يستطيع أحدٌ من الناس إخراجه منه.


4.التأكد التام بأن الرجل موضوع الحكم من أنه يعلم تماما خطورة اقدامه علي نقض الاسلام بقدر الذرة إلي نهاية علمه وحجمه وقدره ولو كان عظيماً وهذا مالا يمكن للشخص المتعاقد علي التسليم .... ولا مفر للحاكم عليه أن يعلم بنفس القدر أنه يعلم ذلك دون أن يكون واقعاً في قيود أو تحت إكراه أو اضطرار أو جهالة فإذا وارب الأمر ذرة شك فلا تكفير لأن الحكم علي المسلم إذن هو تمزيق كامل لعقد اسلامه الذي أبرمه هو مع ربه


5.كما يجب العلم المتبادل بينهما بتوافر :


أ).كل ظروف العلم التام بالاسلام ونواقضه ب).والاسلام وفروضه
ج).والاسلام المُبَرِر للمضطرين ارتكاب المخالفة تحت وطأة الضرورة... وجودها من عدمها.
د).والاسلام المبيح للمكرهين فعل الباطل تحت وطأة إكراههم هل هو مكره أو غير مكره...وهكذا فلن يتم تعرية الإسلام عن المسلم بغير هذه الشروط جيعا والتي يكاد يكون مستحيلا توفيرها بين الحاكم بنقض الاسلام وبين المحكوم لذلك يكون من أصعب الأمور تحقيق هذا.
6.تجلية نفس المسلم المضطر بحقيقة الاضطرار أمام الناس وأنه لو كان في اضطرارٍ ولو بقدرٍ فلا يمكن تكفيره قط.
7. أو قد تكون المخالفة مناورة قصد بها المسلم المخالف إفادة الاسلام كدين أو المسلمين ككيان بتطويع نفسه للباطل حينا دون أن يعرف بذلك أحد من الناس حتي يستطيع تطويع الواقع حوله للاسلام من باب أوسع وظروف أدعم لدينه وكيانه ودولته وهذا الذي يحدث مع القائمين بمهام رفيعة المستوي لخدمة الدولة ودين الله فكيف يُطلق عليه التكفير وهو في حقيقة الأمر من أرفع المسلمين شأنا وأجلهم حالا ومألا


8.وأن لا يكون صفة المخالفة البواح في الفعل والمجاهرة بالمعصية وأن يكون للحكم عليه عند من يكفرونه برهانا من الله علي كفره هذا وهو معني[عنده فيه من الله برهان]والبرهان هو الدليل المجرد عن الاهواء والعصبيات والتأويلات والمذاهب ومناهج الفرق علي اختلاف مذاهبهم أي هو دليل لكي يتصدر دعم الحكم عليه بالكفر إذن لابد أن يتوفر فيه:
أ ) الشيوع
ب)سطوع البرهان
ج)البواح في الإعلان
د )هذا كله مع تطبيق شروط نقد العقد السابق بيانها في الاسطر السابقة الصفوف من( 1 الي 8 )
9.توافر شرط الاستقرار الدال علي منتهي علم المتعاقد علي الاسلام بالرفض أو القبول لدين الاسلام مع منتهي العلم بحقيقة أعذاره واضطراره أو مدي إكراهه علي المخالفة أو هل هناك غاية تدعوه إلي ذلك من خدمة لدين الله ودولة الاسلام القائم فيها وهل استقر أمره نهائيا علي وضعة سلبا أو ايجابا... ولا يصلح غير ذلك وقد رأي النبي صلي الله عليه وسلم رجلا يصلي ثم بعد أن صلي قال له ارجع فصل فإنك لم تُصل فرجع الرجل وصلي ورجع فقال له النبي مثلما قال حتي ثلاث مرات ثم لما رجع فقال له الرجل والله ما تقن غير هذا فذهب رسول الله يعلمه الاستقرار في أداء الفرض....وهكذا فكل فرض لا يصلح دون أن يستقر عليه صاحبه حتي يتقنه وكذلك نهاية الحكم علي المتعاقد علي الاسلام هل استقر علي الرفض للاسلام أو لم يتحقق هذا الاستقرار بالرفض؟!!
إن المتعاقد علي التسليم لله في منهج الاسلام لا يُخرجه من الاسلام إلا رب الإسلام في هذه الظروف وهذه الأيام ولا يمكن شيئا بعد هذا لأن كلمة الله ودينه أولي بالعذر من مناهج البشر وحماية المسلم تكليف لمحمد صلي الله عليه وسلم فوق أي تكليف آخر ....ألم تر كيف عاتب الله تعالي محمدا صلي الله عليه وسلم لمجرد أنه أعرض عن مسلم جاءه يريد أن يَذَّكي أو يَذَّكر فتنفعه الذكري كما جاء العتاب القاسي للنبي صلي الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن أم مكتوم الأعمي.


اما حديث المسيئ صلاته :


باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة
760 حدثنا مسدد قال أخبرني يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال ارجع فصل فإنك لم تصل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره فعلمني قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها .
قلت المدون وهكذا فالحكم علي مسلمٍ بالكفر أهم من فريضة الصلاة ولا يصلح الحكم عليه بالكفر حتي يستقر في منظوره ومنظور الناس جميعا كفره وما لم يحدث الإستقرار المحقق لغاية الخروج من الاسلام فلا يمكن الجكم بالكفر علي صاحب العقد والمستحوذ علي الحكم بالاسلام قبلا..وهذا كما لم يصلح قبول صلاة المسيئ صلاته لعدم استيفائها شرط الاستقرار المحقق لقبول الفريضة .
.....................
قلت المدون وهذا الأمر بضوابطه يعني فقط حفظ عرض ومال ونفس المسلم المتعاقد علي الاسلام أي في ظاهر الأمر بين العبد ومجتمعه يعني بتوصيف العلاقة البينية التي هي بين العبد والعبد وقد يكون هذا المسلم محفوظ القيمة والقدر كمسلم بين المسلمين وبينه لكنه منحط القدر بينه وبين الله الواحد وقد رأينا عبد الله بن سلول كبير المنافقين وقد حفظ النبي صلي الله عليه وسلم ماله وعرضه ودمه وأبي أن يخرجه من الاسلام بينما قد كرهه الله تعالي وحكم هو سبحانه عليه بالكفر ومات علي كفره القلبي وعلَّم الله نبيَّه أن لا يؤاخذ الناس إلا بضوابط الاسلام الظاهر بين العبد والعبد أما مابين الله والعبد فله معاير أخري المثقال من الذرة فيها قاضٍ علي صاحبها أمام الله تعالي بفرق أمره يوم القيامة كما تفرق الشعرة حد الشيئ. وليس أدل علي ذلك في قسمة العلاقة البشرية إلي قسمين الأولي بين العبد والعبد والثانية بين العبد وربه مما فعله النبي صلي الله عليه وسلم مع عمر بن الخطاب في شأنه مع عبد الله بن أبي بن سلول حين قال دعني أضرب عنقه يا رسول الله فيما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا في غزاة (بني المصطلق) فكسع (ضرب) رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى جاهلية؟ قالوا يا رسول الله: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة، فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دَعْه (اتركه)، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).}
ونورد منهجا كاملا لسلوك المسلمين لغيرهم من المنافقين والذي يختلف بحكم الواقع عن سلوك الله رب العالمين معهم فنقول: إن خطر المنافق على الإسلام أكثر من خطورة الكافر، لأن المنافق عدو خفي، والكافر عدو ظاهر، والعدو الخفي ضرره أكثر، وإيذاؤه أشد، ولذلك جعل الله المنافقين في أسفل النار كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} (النساء:145). وقد حذر الإسلام من خطورة النفاق والمنافقين‏ علي المجتمع‏ الإسلامي,‏ وأنزل الله عز وجل في القرآن الكريم سورة سميت بسورة "المنافقون"‏, وفيها ذكر لبعض صفاتهم، قال الله عز وجل: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (المنافقون:4:1).

فبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، ودخول كثير من أهلها في الإسلام، أصبح للمسلمين دولة، واجه النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلى جانب عداء ومكر اليهود الذين كانوا يقيممون فيها، عداءً من نوع جديد، لم يكن للمسلمين عهد به في مكة، وهو النفاق والمنافقون، إذ أن معسكر المنافقين لم يتكون إلا بعد الانتصار الكبير للمسلمين في غزوة بدر، وقتل صناديد كفار قريش، وكان على رأس هؤلاء المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، الذي لم تطاوعه نفسه أن يُسْلِم لله عز وجل بسبب حقده وحسده، وضياع مكانته التي كان يتطلع إليها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة المنورة. قال ابن هشام في السيرة النبوية: "قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وسيّد أهلها عبد الله بن أبيّ بن سلول العوفيّ، لم تجتمع الأوس والخزرج قبله ولا بعده على رجل غيره من أحد الفريقين، حتى جاء الإسلام، وكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوّجوه، ثمّ يملكوه عليهم، فجاءهم الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك، فلمّا انصرف قومه عنه إلى الإسلام، ضغن (حقد)، ورأى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استلبه ملكا، فلمّا رأى قومه قد أبوا إلّا الإسلام دخل فيه كارها، مصرّا على نفاق وضغن".

ومع أن المنافقين ـ الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر ـ أشد كفراً وأكثر خطراً من المشركين، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذهم إلا بما ظهر منهم, مع علمه بما هم عليه من النفاق الأكبر، وكان من هديه وسيرته صلوات الله وسلامه عليه معهم محاولة إصلاحهم، حتى يكونوا لبنة صالحة في المجتمع، قال ابن القيم: "أما سيرته صلى الله عليه وسلم في المنافقين, فإنه أُمر أن يقبل منهم علانيتهم, ويكِل (يترك) سرائرهم إلى الله, وأن يُجاهدهم بالعلم والحجة".
وقد سلك النبي صلى الله عليه وسلم معهم طريق الإغضاء والعفو عن أخطائهم{ لا لشيئ إلا أنهم حافظوا علي الشرط الظاهر لاستيفاء فروض الاسلام ولو بالكذب والنفاق}، يقبل منهم أعذارهم على ضعفها وكذبها، فإذا وقع أحدهم في إساءة أدب معه صلى الله عليه وسلم إلى الحد الذي يجعل الصحابة رضوان الله عليهم يطالبونه بقتلهم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان متمسكاً بمنهجية التجاوز والصفح عنهم، وعدم قتل أحد منهم، حتى لا يقال: إن محمداً يقتل أصحابه، والأمثلة والمواقف الدالة على ذلك من السيرة النبوية كثيرة، منها:

ـ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنه: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية (كساء غليظ منسوب إلى فَدَك)، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج (منازل بني الحارث وهم قوم سعد بن عبادة) قبل وقعة بدر، قال حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي، فإذا في المجلس أخلاط (أنواع وجماعات)، من المسلمين والمشركين، عبدة الأوثان، واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة (غبار) الدابة خمَّر (غطى) عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي بن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً، فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم (يسكتهم) حتي سكنوا، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب (عبد الله بن أُبَيّ)، قال كذا وكذا؟ قال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البُحَيْرَة (المدينة المنورة) على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة (يجعلوه سيدا عليهم)، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شَرِقَ (حقد) بذلك، فذلك فعل به ما رأيت (من فعله وقوله القبيح)، فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذي. قال الله عَزَّ وجَلَّ: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (آل عمران: 186)، وقال الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} (البقرة: 109)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول صلى الله عليه وسلم بدراً فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد تُوجِّه (ظهر فلا مطمع في إزالته)، فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإِسلام فأسلموا).

ـ وعن جابر رضي الله عنه قال: (أتى رجل بالجعرانة منصرفه من حنين وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منه ويعطي الناس، فقال: يا محمد اعدل، فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية) رواه مسلم.

ـ وروى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا في غزاة (بني المصطلق) فكسع (ضرب) رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى جاهلية؟ قالوا يا رسول الله: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة، فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دَعْه (اتركه)، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).

لقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عقاب المنافقين لمصلحة تأليف القلوب، وإخماد الفتن، ولعدم تنفير الناس عن الإسلام، فقد كان المجتمع الخارجي المحيط بالمسلمين في المدينة المنورة، ينظر إلى هذا الدين الجديد ـ الإسلام ـ، وهذه الدولة الوليدة في المدينة المنورة، بنظرة حذر وترقب وترصد لقرارات قائدها، وتعاملاته وأخلاقه، بل وصل الحد بهم إلى أن بحثوا وسألوا في سيرة هذا النبي الجديد، وفي نسبه ومولده، ونشأته وأخلاقه، كما جاء في الحوار المشهور الذي دار بين أبي سفيان زعيم قريش ـ قبل إسلامه ـ وهرقل ملك الروم. قال ابن القيم: "والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ألا تقتلهم؟ لم يقل: ما قامت عليهم بينة، بل قال: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)". وقال ابن تيمية: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة، لئلا يكون ذريعة إلى قول الناس أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، لأن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه، وممن لم يدخل فيه".
🌑 وكان صلى الله عليه وسلم يتألف الناس ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم، لتقوى شوكة المسلمين، وتتم دعوة الإسلام، ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة، ويرغب غيرهم في الإسلام، وكان يعطيهم الأموال الجزيلة لذلك، ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى ولإظهارهم الإسلام، وقد أمر بالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، ولأنهم كانوا معدودين في أصحابه صلى الله عليه وسلم، ويجاهدون معه إما حمية، وإما لطلب دنيا، أو عصبية لمن معه من عشائرهم، قال القاضي: واختلف العلماء هل بقي حكم الإغضاء عنهم وترك قتالهم، أو نُسِخَ ذلك عند ظهور الإسلام ونزول قوله تعالى: {جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ} (التوبة:73)، وأنها ناسخة لما قبلها. وقيل قول ثالث: أنه إنما كان العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم فإذا أظهروه قُتِلُوا".

🌑 ومن الدروس المستفادة من السيرة النبوية بيان أسلوب وطريقة وحكمة معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين، مع بيان خطورتهم، فبلية المؤمنين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين والمحاربين، لأنهم لا يظهرون ما يعتقدون من كفر، ويعملون ويكيدون في الخفاء، ولهذا قال الله عنهم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} (المنافقون: 4)
......................
التعليق الأخلاقي لتعامل المسلمين مع المسلمين:
من المعلوم أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم أسوة لنا في أقواله وأفعاله، وكان صلوات الله وسلامه عليه يعلم أصحابه العبادة تارة بالقول، وتارة بالفعل، وتارة بهما معا، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحج: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم، وقال في الوضوء: (من توضأ نحو وضوئي هذا ..) رواه مسلم، وقال في الصلاة: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، قال المباركفوري: "قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) أي في مراعاة الشروط والأركان والسنن والآداب".

وكان صلى الله عليه وسلم في تعليمه وتربيته لأصحابه أرفق الناس، وأبعدهم عن الفظاظة والغلظة، وهذا ما نوَّه به القرآن الكريم عند الإشارة إلى أخلاقه صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران: 159)، قال ابن كثير في تفسيره: "يقول تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم، مُمْتناً عليه وعلى المؤمنين فيما ألَاَن به قلبه على أمته .. وقال الحسن البصري: هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به.. قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} الفظ: الغليظ، والمراد به هاهنا غليظ الكلام، لقوله بعد ذلك: {غَلِيظَ الْقَلْبِ} أي: لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفاً لقلوبهم، كما قال عبد الله بن عمرو: (إنه رأى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة: أنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح) رواه البخاري".
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً) رواه مسلم. وقال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: "بأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه".

والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف التربوية المضيئة، التي ترشد إلى هديه صلى الله عليه وسلم وطريقته في تعليمه لمن جهل أو أخطأ، ومن هذه المواقف ما رواه البخاري ومسلم في الحديث المشهور ـ المسيء صلاته ـ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجلٌ (خلاد بن رافع) فصلَّى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ارجِعْ فصَلِّ فإنك لم تُصَلّ ، فرجع فصلَّى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ارجِعْ فصَلِّ فإنك لم تُصَلِّ، ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق فما أحسن غيره، فعلمني، قال صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فكبر واقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها) رواه البخاري. قال ابن الجوزي: "وهذا يدل على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود والرفع منهما".

وفي هذا الموقف النبوي مع المسيء صلاته فوائد كثيرة، منها:
ـ ملاحظة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فهو يراقب أفعالهم ليعلمهم ويرشدههم.
ـ من قام عن قوم لحاجته، ثم عاد إليهم فإنه يسلم عليهم وإن لم يكن قد غاب عنهم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ خلاد بن رافع (المسيء في صلاته) على إلقائه السلام حين رجع فصارت سنة تقريرية، ومن المعلوم كذلك أن من السنة أن يسلم الأخ على أخيه وهو معه إذا حال بينهما حجر أو شجر أو جدار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو حائط أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه) رواه أبو داود.

ـ ومن الفوائد أيضاً كما قال ابن حجر: "وجوب الإعادة على من أخلَّ بشيء من واجبات الصلاة .. وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحسن التعليم بغير تعنيف، وإيضاح المسألة، وتخليص المقاصد، وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه، وفيه تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال .. وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه، وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ". --------------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق