الجمعة، 15 أكتوبر 2021

كفر أصغر وكفر أكبر...ما الحقيقة؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والتعامل بظاهر الحال

 

عرض آخر لمصطلح كفر دون كفر فقد وضعوه وغالطوا فيه..


بسم الله  الرحمن الرحيم
1. أما مصطلح كفر دون كفر قد وضعوه وغالطوا فيه 
*إذ هم بتفكير معوج  يقيسون الكفر بالنسبة إلي كفر غيره أعلي منه في نظرهم أو في نفس المستوي الظاهري {بدعة اصحاب التأويل} وبناءا عليه يسقطون الكفر الاصغر ويدخلونه من جائزات قواعد الاسلام ويعتبرونه من المكروه وليس المحرم يعني كأنها دعوة منهم لإباحة الكفر الاصغر بضيق أفقهم او بتعمدهم  ولم نسمع في زمن النبوة  مطلقا عن هذه المصطلحات
 
 2.ونصوص الوعيد هذه لا تصلح للتحاكم الظاهري  وهم بها غير مطالبين بتفعيلها في الظاهر..انما تتكلم نصوص الوعيد والزجر علي الحقيقة في حد التعامل الخفي بين العبد وربه  وفي الآخرة أما في الظاهر فقد قال نبي الله فيه { وحسابهم علي الله}
 
3.وأن كل ما دون ذلك لم يؤمر المسلمون بخلع أحكام الكفر علي أصحاب هذه النصوص لأنها لا تنهض بدون تبيننا للشق القلبي لحملها أحكاما في ظاهر الأمر 
 
4. وانما هي أحكام حقيقية تبدأ بعد موت صاحبها ومقابلة ربه علي الحال الذي مات عليه هل تاب واناب واقلع عن مسبب عقوبتة كما جاء في النص بكفر او خروج من الاسلام أو...أو.. أم ظل متلبسا به حتي قابل ربه عليه؟!!!  أم تاب منها وأناب وعدَّل معتقده كما أراده الله ورسوله؟؟؟؟؟؟؟
 
5. وفي قولهم اصغر واكبر ←← نقول حتي النووي وأصحاب التأويل قد ضللوا الناس ليس فقط في قلب قواعد المنطق عندما استبدلوا العرض بالجوهر بل أيضا  في قلب قواعد منطق الجنس والنوع   
 
 فعل سبيل المثال فإن القطط {كجنس} اما [انواعها] ككبيرة او صغيرة او أليفة أو شرسة والخ .. 
 
 وهي بجنسها    أنواع ففي الاحجام منها الصغير ومنها الكبير فلا الصغير بكونه صغيرا سيصبح فأرا.. او كتكوتا ...ولا الكبير لكونه كبيرا سيصير أسدا 
 
 فكل جنس متميز عن سائر الاجناس فالقط صغير او كبير هو جنس واحد لا يمكن ان يتغير جنسه [ تنبيه : في اخر الصفحة تذكير منطقي لابن سينا بالجنس والنوع فتابعه ] 
 
 وكذلك جنس البشر فيه انواع بشرية  فالكبير والصغير ولن يتغير جنسه بتغير حجمه او وزنه او عمره انما كل انواعه جنس بشري 
 
وكل الكائنات يسري علي أجناسها  قانون واحد لا تتغير انواع الكائنات في أجناسها 
 
 ومن الانواع في الجنس الواحد الذكر والانثي.. والكبير والصغير.. والطفل والشيخ.. وكلهم يمضي الي غايته متدرجا فما قيمة الأصغر والاكبر في تحديد غاية النوع فالانواع في الجنس الواحد تحكمهم قواعد واحدة لا يمكن ان تتغير ومطلقا 
 
 كذلك الكفر والشرك وكل المعاصي جنسها المخالفة ورفض الطاعة لكنها تنقسم في أنواعها الي الشرك او الكفر او العصيان او.. او... او............الخ
 
 وما التشبث بمصطلح الشرك الاكبر والاصغر فما هو الا حجج واهية.. وهاء خيوط العنكبوت  جاء بها النووي وأصحاب التأويل ليمرروا بها خذلانهم الفاضح وتورطهم في مخطط شيطاني كبير جدا لم يدركوا ابعاده لتحطيم دين الاسلام الحق بنصوصه الأصلية  وتسهيل عملية استبداله بدين موازٍ شيطاني بشري من صنعهم ليضل الشيطان أمة محمد عن التمسك بدينهم الحق وليخرجهم من النور الحق  الي ظلمات أبلسته  وشياطينه   فاختلقوا هذه المصطلحات المخزية المُعرة المتخاذلة وفرغوا دين الله القيم من مدلولة الوضاء المنير       

قال تعالي{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ{قلت المدون لم يحدد الله تعالي كفر اصغر او اكبر كما قلتم يا اهل التأويل ومنكم النووي ويا رواد الظلام} وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)/سورة الروم}

او قوله تعالي{في سورة الروم أيضا} {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)   مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)/الروم

 
 5.لكن أصحاب التأويل استغلوا فارق المستووين في اختراع مصطلحات الخذلان والعار والخزي فقالوا:

1.الكفر دو الكفر 
2.وكفر لا يخرج من الملة 
3.وكفر عملي وكفر اعتقادي 
4. ومسلم كافر
 وسحبوا ذلك علي كل نصوص الزجر من 
4 فسق دون فسق 
5.وظلم دون ظلم 
6.ونفاق دون نفاق 
7. ونفاق عملي ونفاق اعتقادي 
و   و   و   ولا حول ولا قوة الا بالله.......
 
وبرروا لأنفسهم قبول هذا الهراء والكذبة الكبري مستدلين بقول النبي صلي الله عليه وسلم في تفسير الاية { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)/الأنعام} 
 
غير متفهمين قول رسول الله { إن الشرك لظلم عظيم/لقمان}
 
 لأن صفة كل المؤمنين التوبة والاستغفار انما الشرك يتجأر إذا لم يكن معه توبة وكل المؤمنين يتمثلون قول الله تعالي {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون/الحجرات} 
 
فتلبس الايمان بالظلم هو بعدم التوبة من المعصية وليس هذا من صفات المؤمنين إنما وصفهم الله تعالي مع جملة أوصاف المؤمنين بقوله "التائبون.. الحامدون.." 

 فقالوا أن كل النصوص التي وصف المسلم فيها بالكفر تحمل علي المجاز[[ وهم بذلك غيروا في شرع الله بقولهم]   حتي لا تستخدم هذه النصوص في الحكم علي أصاحبها بالكفر الفعلي في الظاهر:   مثل يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ....فإنكن تكفرن بالله وتكفرن العشير .........الحديث
 
ومثل  من ترك الصلاة فقد كفر
 
ومثل من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما
ومثل  الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ: أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما   
. وزاد مسلم في رواية : إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه 
 
وفي لفظ آخر عند مسلم : إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما.
ومثل هذا ..............الكثير من النصوص : وقد رددنا عليهم بأن نصوص الوعيد نزلت لا لكي تستخدم في صنع الاحكام الظاهربة بل لتخويف المؤمنين من سوء ما تحتويه من مدلول الموت علي ما حذرت منه في لقاء الفرد بربه بعد الموت ويوم الحساب

قلت المدون 

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------





--------------------------------------------------------------------
 تكبير الصور السابقة              
---------------------                  -------------------------     


--
قال النووي  والمتأولون : وقد نص أهل العلم أن لفظة الكفر في الحديث محمولة على الكفر الأصغر،{قلت المدون لم  يرد في القران والسنة أي ذكر للشرك الاصغر انما هو من صنيعة أصحاب التأول الباطل وبالباطل ليستطيعوا تسوية اطراف باطلهم علي مقصودهم المتعين في شريعتهم المظلمة السوداء ليحرفون بها شريعة النور والضياء المنزلة بحروفها وجملها وآياتها من لدن حكيم خبير
 واستدلوا بحديث ثابت بن الضحاك عند البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله 
 .قلت المدون صدق الله ورسوله فلعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله-- فعلا بدون ان تعليل الم يقل النبي ذلك صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم 

 [قلت المدون وكيف وقد قال الله تعالي { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93/سورة النساء

وقوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ...الآية ، نزلت في مقيس بن صبابة الكناني ، وكان قد أسلم هو وأخوه هشام ، فوجد أخاه هشاما قتيلا في بني النجار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بني فهر إلى بني النجار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن صبابة أن تدفعوه إلى مقيس فيقتص منه ، وإن لم تعلموا أن تدفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهري ذلك فقالوا : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدي ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ، ثم انصرفا راجعين نحو المدينة فأتى الشيطان مقيسا فوسوس إليه ، فقال : تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة ، اقتل الذي معك فتكون نفس مكان نفس وفضل الدية؛ فتغفل الفهري فرماه بصخرة فشدخه ، ثم ركب بعيرا وساق بقيتها راجعا إلى مكة كافرا فنزل فيه : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( فجزاؤه جهنم خالدا فيها } فإذا كان لعن المؤمن كقتله وقتل المؤمن جزاؤه الحكم بالكفر والخلود في جهنم فكيف يكون ذلك وهو خطأ فادح من قائليه] ..قالوا والقتل ليس كفراً،[قلت المدون: ها قد جاء في القران أن قتل المؤمن يؤدي الي الردة والكفر والخلود في جهنم طبعا ان لم يوفق القاتل إلي توبة قبل مماته..واللعن كالقتل كلاهما متعمد من اللاعن والقاتل] قال الشارح وقد شبه به تكفير المؤمن قلت راجع سبب نزول الآية في مقيس بن صبابة الكناني .
قال الشارح للحديث عل التجوز والتأويل : راجع الفصل لابن حزم.قلت المدون أي كتاب الفصل لابن حزم ثم قال الشارح للحديث  قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة : فقد سماه أخا حين القول، وقد قال: فقد باء بها. فلو خرج أحدهما عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه. انتهى. [قلت المدون وهذه مغالطة أخري فالتسمية هنا بالأخوة هي من باب التسمية لما كانوا عليه وأن الفعل بالقتل راجع لفظ الحديث:    أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما   
 
 . وزاد مسلم في رواية : إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه قلت المدون وهذا مشهور في لغة العرب فقد يسمي المرء بما كان عليه كالبعل يسمي بعلا علي ما كان عليه من تسمية قبل طلاقه لأمرأته قال تعالي(وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا اصلاحا) فحالهُ الفعلي بعد تطليقه لامرأته أنه مطلقا لها وليس بعلا  علي الحقيقة لكن جاز تسميته بذلك لوجود قرائن تؤمن وصف حاله كمطلق كما أنه هنا في هذا الموقف من قبيل الرجاء في أن يتراجعا فسمي بعلا مجازا مؤمونا] 
 
قال ابن قدامة في المغني: هذه الأحاديث على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على وجه الحقيقة . انتهى، هذا عن معنى الحديث والمراد بالكفر فيه 
 
 قلت المدون وقد تجاوز ابن قدامة بنقله هذه الأحاديث تأويلا وتجاوزا علي التشبيه والتغليظ 
 
وليس النبي صلي الله عليه وسلم من يفعل ذلك فقد أوتي جوامع الكلم واختصرت له الحكمة اختصارا..
 
 بل هي علي سبيل الحقيقة والحق لكون الأصل في النص أنه علي الحقيقة 
 
وأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يكن ليلبس علي المسلمين أمر دينهم بقلب كل وعيده وزجره في الأحاديث الصريحة بألفاظها المسورة بأسوار مدلولاتها الحق  الي  أحاديث على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على وجه الحقيقة  في كل وحييه وشرعته لمجرد أن جاء عالم أو فقيه فقلب الحقيقة في النصوص كلها إلي مجاز وتأويل بفهم بشري خاطئ مائة في ال% (في المائة)   

{قلت  المدون فبرغم تقسيم ابن تيمية للمرء في القران في أول  كتابه العقيدة الواسطية وأن المسلم في القران قبل الهجرة كان إما مسلما وإما كافرا وقصد بالكافر هنا المنافق فهو مسلم في ظاهره وكافر في حقيقته أي يظهر الاسلام ويبطن الكفر}

 أي قسم ابن تيمية المسلم إلي مسلم في ظاهره  ومنافق يبطن الكفر ويظهر الاسلام  في كيان الدولة المسلمة قبل الهجرة....... 
 
 فهو الان يقول أن من أحاط به وصف الكفر فهو مسلم  لم يكفر  بدليل أن النص عامل بلفظ الأخوة فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاستقامة : فقد سماه أخا حين القول،[ قلت المدون قد ينادي الكافر بأنه أخو المؤمن بقرينة تميز العقيدتين فهذا هود قال الله تعالي{ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)/الاعراف] ومثله نبي الله شعيبا وصالحا الي مدين وثمود--بنفس تعريف الاخوة كما عرفنا الله وصف اخوة هود لقومه عاد--] قال ابن تيمية وقد قال: فقد باء  بها. فلو خرج أحدهما عن الإسلام بالكلية لم يكن أخاه.   بل لو لم يقل ذلك{فهذا الرد علي ابن تيمية وأزيد الأمر وضوحا كلم أخ تعني اشتراك الاخوين إما في الانسانية او في الدين باعتبار ما هو حاهما في وقت الوصف او بعد الوصف او قبل الوصف مع وجود القرينة الدالة علي وقت الأخوة ونوعها   
 
 وقد يوصف الامر بالأخوة علي اعتبار ما كان مثل البعل في حالة الطلاق او الزجر كمثال ما ضربه ابن تيمبة  أو علي اعتبار ما سيكون .... ولغة العرب زاخرة بهذه النكات اللطيفة} 
 
  يعني أخاه لما استحق من الزجر والعقوبة بالكفر نتيجة الاتهام  الذي سيحاسب الجبار علي ارتكابه يوم القيامة وميقات حدوث يوم  حسابه لحظة الممات وانتهى. 
 
{قلت المدون وهذا ليس بيت القصيد فإن ابن تيمية يتعامل مع النص علي أنه يؤسس لأحكام التكفير الظاهرية لذلك نحا نحو حمله علي المجاز محتجا بقوله الخاطئ (بدليل وجود لفظ الأخوة) قلت المدون لقد أخطأ ابن تيمية ومن وافقه فالنص يدلل علي ما يتوجب علي المسلم من سلوك حقيقي في مسار العلاقة البينية الخفية التي لا يعلم خباياها غير الله
ولم يخرج النبي صلي الله عليه وسلم أحدا من الاسلام الظاهري بهذا الفعل أو غيره فهو (صلى الله عليه وسلم) يَعْلَمُ ويعلمنا مثلما يَعْلَمُ   أن الاسلام في العلاقة البينية الظاهرية قد يتوسم فيها المرء من أخيه ما هو في نظره كفرا لكن نهي النبي صلي الله عليه وسلم أن يتعامل الناس بإحلال
العلاقة البينية الخفية أي بين الله والعبد  
 
 مكان البينية الظاهرية أي بين العبد والعبد 
 
 وأنه رغم علمه بكثير من حالات المنافقين الذين حكم الله تعالي عليهم بالكفر في آخرتهم ودنياهم 
 
  لكنه الكفر الحقيقي الذي لا يعلمه الا الله وحده 
 وأنبأ ببعضه نبييه ليس لكي يحكم به بل ليؤكد أن التعامل الظاهري شيئ والتعامل الحقيقي الخفي شيئ آخر 
 
 وأنه إن كان الوحي موجودا في حياة النبوة يومها فمن أين يوجد وحي بعد موته (صلى الله عليه وسلم
 
 لذلك أسس أن الحكم الظاهري المعلوم بين المسلمين يختلف عن الحكم الباطني الخفي الذي لا يعلمه إلا الله 
 وأن الكفر كله كفرا لا فيه كبير ولا صغير 
 لكن فيه ما يعلمه الله ولا يعلمه المسلمين في كل مجتمعاتهم وأن الكفر كله محكوم  بالخلود في قاع جهنم 
 
 لكن للمسلمين في تداوله حدودا تختلف عن حدود تداول الباري جل وعلا له 
 
 فكل ما وصف بالكفر: مناط وعنق الزجاجة فيه موت صاحبه عليه عياذا بالله قبل أن يوفق إلي توبة وهذا ما بينه النبي(صلى الله عليه وسلم) في الرجل الذي أعجب المسلمين في الحرب وحديثه هو{عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : شهدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حنينا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل ممن معه يدعي الإسلام (هذا من أهل النار) فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال ، وكثرت به الجراح ، فجاء رجل فقال : يا رسول الله ! أرأيت الذي تحدث أنه من أهل النار ، قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال( أما إنه من أهل النار ) فكاد بعض الناس يرتاب ، فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح ، فأهوى بيده إلى كنانته ، فانتزع سهما فانتحر بها ، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ! صدق الله حديثك ، قد انتحر فلان وقتل نفسه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ، يا بلال قم فأذن : لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) رواه البخاري .}
وكذلك الخارجي الكبير وقصته هي: رقم الحديث: 1770
(
في صحيح مسلم » كِتَاب الزَّكَاةِ » بَاب ذِكْرِ الْخَوَارِجِ وَصِفَاتِهِمْ  وهو حديث مرفوع) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ، يَقُولُ : بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا ، قَالَ : فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ : بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً " ، قَالَ : فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الْإِزَارِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، فَقَالَ : " وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ " ، 
  قَالَ : ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ ، فَقَالَ : " لَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي " ، قَالَ خَالِدٌ : وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ " ، 
 قَالَ : ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ ، فَقَالَ : " إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا ، قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ " ، قَالَ : أَظُنُّهُ قَالَ : " لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ "  
 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ ، وَقَالَ : " نَاتِئُ الْجَبْهَةِ " ، وَلَمْ يَقُلْ : " نَاشِزُ " ، وَزَادَ : فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ ، قَالَ : " لَا " ، قَالَ : ثُمَّ أَدْبَرَ ، فَقَامَ إِلَيْهِ خَالِدٌ سَيْفُ اللَّهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ ، قَالَ : " لَا " ، فَقَالَ : " إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ لَيِّنًا رَطْبًا " ، وَقَالَ : قَالَ عُمَارَةُ : حَسِبْتُهُ قَالَ : " لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ " ، وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ
 
  حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ " بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ : زَيْدُ الْخَيْرِ ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ أَوْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ "
 
 وَقَالَ : " نَاشِزُ الْجَبْهَةِ " كَرِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ ، وَقَالَ : " إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ " وَلَمْ يَذْكُرْ : " لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ " .
وكذلك عبد الله بن ابي بن سلول
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:
1." إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ 
 
 " إن ما أوقع الناس والعلماء في تناقض الوصف بالكفر لمخالفات معينة منها قتال المؤمنين ونكران النساء للعشير وخلافه وعقاب الاسلام لذلك بالتوصيف بالكفر هو انهم لم يدركوا علي الحقيقة أن النبي صلي الله عليه وسلم  قد فرق بين ظاهر الأمر وباطن الامر 
وأنه صلي الله عليه وسلم ليس له الا  ظاهر ما يبدو له منهم فهم علي الاسلام يؤدون فرائضه ظاهريا 
 
 لكن ما في صدورهم لا يعلمه الا الله ولم يؤمر عن شق صدورهم والتنقيب عما في قلوبهم ولا يشق بطونهم    هذه هي القضية التي حرفوا بها النصوص  
 
2. ومن كتاب صحيح مسلم » كتاب البر والصلة والآداب » باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما
 
  2584. حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدَةَ أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ
 [[ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ فَسَمِعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ قَدْ فَعَلُوهَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ قَالَ عُمَرُ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ
 
3. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ يَشْكُو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاطِبًا ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ . فَقَالَ : " كَذَبْتَ ، لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ 
 
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ كِتَابِ حَاطِبٍ ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ؟ وَلَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ - أَوْ قَالَ : - قَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ
 
 وَفِي الْمَعْنَى أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا وفي الحديث تأكيد لعدم الحكم بالكفر لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يؤمر بأن يشق عن قلوب الناس ولا عن صدورهم وأن حاطبا مثلا لهذا فهو ممن شهد بدرا   
 
4. ففِي قِصَّةِ حَاطِبٍ ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَ بِذَلِكَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُنْكِرًا عَلَيْهِ مَا قَالَهُ فِي أَمْرِ حَاطِبٍ ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتِّ سِنِينَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا سَيَأْتِي ، وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِهِ ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لِحَاطِبٍ : قَاتَلَكَ اللَّهُ ، تَرَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ بِالْأَنْقَابِ وَتَكْتُبُ إِلَى قُرَيْشٍ تُحَذِّرُهُمْ ؟ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ نَافَقَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ ، إِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - اطَّلَعَ عَلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ ) فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ حِينَ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي أَهْلِ بَدْرٍ مَا قَالَ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ) [ ص: 365 ] - إِلَى قَوْلِهِ - ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
 

وخلاصة القول في أمر بطلان التأويلات الخاصة بكفر دون كفر وكفر لا يخرج من الملة اقول المدون

1.الكفر كله يخضع لمعيار واحد في ماهيته وحقيقته

2.النصوص التي فرقت في وصف اصحابها بالكفر وهم داخل كيان المسلمين لا تفرق بين الكفر وبعضه من حيث الكبر والصغر فكل الكفر جنس واحد

3.فرقت النصوص بين ما هو علاقة بينية خفية (أي بين العبد وربه بكونها علاقة حقيقية لا تخضع لأي تأوبلات أو تجوزات لأن الله تعالي هو العليم بذات الصدور ويحاسب الناس علي واقع حالهم من كفر أو إيمان) بينما لا يمكن للمسلمين في ظاهر الامر أن يتعاملوا بهذه القاعدة لكونهم لا يعلمون الغيب كما لا يعلمون ما في صدور الناس ولا ما في قلوبهم

4.لم يؤمر النبي والمسلمين تبعا بأن يتعاملوا في الظاهر بالحقيقة القلبية مع الموسومين بنصوص التكفير لأنه لم يؤمر بالشق عن صدورهم ولا عن قلوبهم وبطونهم

5.العلاقة بين العبد وربه هي الأساس في تقييم الله وحده لعبده وهذه العلاقة هي التي تكلم الله تعالي عنها في كل الآيات المكلفة بالتقوي وتفعيلها علي الحقيقة ،وهي تتضمن أصل النصوص الحاكمة لأصل السلوك الخفي بين العبد وربهوهي التي يصدق فيها وعليها كل نصوص المنافقين من حيث كفرهم الحقيقي القلبي وان اظهروا العكس

6.وهي التي يصدق عليها كل نصوص ارتكاب بما فيها الشرك ظاهره وخفييه كبيره وصغيره علي كونه ذات واحدة وجنس واحد   مثل السجود للاصنام أو التبرك بها أو التشريع من دون الله أو العجب أو الرياء أو السمعة ويشترط في قبول اصحابها

   أ)التوبة والاقلاع الفعلي عنها

ب)الرجوع الخفي الي الله بصدق وعزيمة وتوبة

ج)الموت علي التوبة منها وأقل التوبة هو الاقلاع عن الذنب لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم  في سنن أبي داود » كتاب السنة» باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه

4690  حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ


[ص: 350 ] [ ص: 351 ] [ ص: 352 ] [ ص: 353 ] ( كَأَنَّ ) : أَيِ الْإِيمَانَ ( عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ ) : أَيْ كَالسَّحَابَةِ ( فَإِذَا انْقَلَعَ ) : أَيْ فَرَغَ مِنْ فِعْلِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَقْلَعَ . قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْإِقْلَاعُ عَنِ الْأَمْرِ الْكَفُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ بَيَّنُوا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ تَأْوِيلَاتٍ كَثِيرَةً وَهَذِهِ إِحْدَاهَا وَهُوَ أَنَّهُ يُسْلَبُ الْإِيمَانُ حَالَ تَلَبُّسِ الرِّجَالِ بِالزِّنَا ، فَإِذَا فَارَقَهُ عَادَ إِلَيْهِ .

وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ إِثْمِ الزِّنَا مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ قَالَ عِكْرِمَةُ : " قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَيْفَ يُنْزَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ ؟ قَالَ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِذَا تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ " وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حُجَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ " مَنْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ الْإِيمَانَ كَمَا يَخْلَعُ الْإِنْسَانُ الْقَمِيصَ مِنْ رَأْسِهِ " كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي . وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ .

د)ومن التوبة الاقلاع ثم الندم علي ما حدث وهو معني الأوه في قوله تعالي ( إن إبراهيم لأواه حليم ) تفسير الطبري » تفسير سورة التوبة

هـ)وقوله تعالي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

(53)  وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )

هـ)ولا يوجد في ملة الاسلام مسمي كفر دون كفر

*كما لا يوجد كفر يخرج وكفر لا يخرج من الملة

* كما لا يوجد مصطلح مسلم كافر

فكل هذه المسميات من اختراع المتأولين والقائلين بالمجاز  انما هو اختراع المضطربين في فهم دينهم وعقيدتهم

* كما لا يوجد تكفير لمن دخل الاسلام الا بشروط فصلناها في الرابط ضوابط الحكم بالاسلام أوالخروج منه

* كما  لايوجد النفاق نفاقان والشرك شركان

* كما لا يوجد كفر عملي وكف اعتقادي

كل هذه المصطلحات وغيرها يكفي في نبذها ورفضها وبطلان وجودها اصلا أنها لم توجد في جيل النبي صلي الله عليه وسلم

* وأن هذه المصطلحات حولت الدين إلي ملعب يرتع فيه أهل المعاصي وأصحاب الكفر والشرك والنفاق والتاركين الفروض باسم أصغر وأكبر أو عمل واعتقادي وجحودا وكسلا صارت لأصحابه الغلبة والمنعة وتيسر لهم الهجوم علي أهل الحق والشرعة الأصلية ووسم القائلين بالحق فيها بوسومات وملصقات تحمل صفات الخوارج والمرجئة والمعتزلة   مما عفا عليهم الزمان واندثروا في باطن الأرضين وصاروا الي حالهم ترابا بعد تعفن ولم يعد حتي ترابهم له وجودا واصطف المتأولين والخوارج والمعتزلة والمرجئة وخلافهم صفا واحدا كل منهم في زمنه يحطم الدين القيم ويكسر قواعده ويخرج أصوله عن ما هياتها حتي صار اليوم أذل جنس بشري في الارض كلها هو جنس المسلمين وذلك بتأويلاتهم التي خربت قلوبهم قبل نفوسهم ودينهم قبل كيانهم هتي صاروا يتهافت عليهم  الأمم كما تتداعي الأكلة علي قصعتها وهم غثاءا كغثاء السيل 

 



-------------------







































============منطق الجنس وال


بحث في المنطق الحميد لبيان الفرق بين الاجناس وأنواع كل جنس


صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة

(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)


الكتاب : المنطق
المؤلف : ابن سينا
مصدر الكتاب : الوراق

والمباينة الثالثة هى أنَّ الجنسَ أقدمُ من الفصل؛ وذلك لأن الجنس قد يوجد له الفصل المعين، وقد لايوجد له، والفصل إنما وجوده فى الجنس، ولذك لاترتفع طبيعة الجنس برفع طبيعة الفصل، وترتفع طبيعة الفصل برفع طبيعة الجنس. وفى هاتين المباينتين موضعُ شكٍ، فإنَّ من الفصول مايقع خارجا عن طبيعة الجنس، مثل الانقسام بمتساويين، فإنه فصل الزوج فيما يُظَن، ويقع خارجا عن العدد؛ لكن الجواب عن هذا سيلوح لك فى مواضع أخرى.
 
والمباينة الرابعة هى أنَّ الفصل َ يُحْمل من طريق أى شئ هو، والجنس يحمل من طريق ماهو وهذا القول بانفراده لايكون دالا على المباينة؛ فإنّ شيئين إذا وُصِفا بوصفتين مختلفتين لم يكن ذلك دليلا على مباينتهما. فأنّ قائلا لو قال: إنّ المباينة بين زيد وبين عمرو هى أن هذا حساس وذلك ناطق، أو أنّ هذا ملاح وذلك صائغ، لم يكن هذا القدر كافيا في التفريق، فإنّ الوصفتين المختلفتين فى المفهوم ربما جاز أن يجتمعا، فلا يَبعُد أن يكون كونُ زيدٍ حساسا - وإنْ كان فى المفهوم مخالفاً لكون عمرو ناطقا - هو مما لايوجب أن يباين به زيدٌ عمرا، فلا يستحيل أن يكونَ كل واحد منهما - مع أنه حساس - ناطقا أيضا؛ لأنَّ الأوصافَ المختلفة المفهومات قد تجتمع فى موصوف واحد؛ وكذلك الملاح والصائغ، بل يجب أن يكون بينهما قوة السلب، حتى يكون الحساس يلزمه أن لايكون ناطقا، والناطق أن لايكون حساسا. ثم كون الجنس مقولا فى جواب ماهو لايمنع أن يكون مقولا فى جواب أى شئ هو، على أصول هؤلاء، ولا بينهما قوة هذا السلب، فإنه لايمتنع أن يكون مايقوم ماهية الشئ يميزه عما ليست له تلك الماهية، حتى يكون بالقياس إلى مايشترك فيه مقولا فى جواب ماهو، وبالقياس إلى مايفترق به مقولا فى جواب أى شئ هو؛ فهذا القدر لايمنع أن يكون جنس الشئ هو أيضا فصلا له باعتبارين، إنْ كانت المباينة المطلوبة هى هذه، ولا يوجب أن يكون جنس الشئ ألبتة فصلا له. وأما أن يكون فصل الشئ جنس شئ آخر فذلك مما لايمنعونه فيما أُقدر، وذلك كالحساس فإنه جنسٌ بوجهٍ للسميع والبصير، وفصلٌ للحيوان. فإنْ قال قائل: إنَّ الشئ الواحد قد يكون جنسا وفصلا لشئ واحد؛ فإنه، وإنْ كان جنسا وفصلا لشئ واحد، فإنَّ اعتبار أنه جنسٌ غيرُ اعتبارِ أنه فصل، وقال: نحن إنما نريد أن نوضح الفرق بين الاعتبارين اللذين يطلق على أحدهما اسم الجنسية، وعلى الآخر اسم الفَصْلية، لم نخالفه، ولم نبكته، ولم ننازعه فى التسمية، ولكنه يكون غَيَّر مِنْ كلامنا معه؛ لأنَّ كلامنا مع الذى دل باسم الجنس والفصل على طبيعتين مختلفتين اختلافا لايكون الشئ الواحد بالقياس إلى موضوع واحد موصوفا بكلا الطبيعتين، بل يجعل إحدى الطبيعتين صالحة لأحد الجوابين، والطبيعة الأخرى صالحةً للجواب الآخر؛ لكن الوجه الذي ذهبنا نحن إليه فى تفهم المقول في جواب ماهو، والمقول في جواب أى شئ هو، يعلمك أنّ المقول في جواب ماهو، لايكون مقولا في جواب أى شئ هو، وبالعكس، فتكون هذه المباينةُ على ذلك الوجه صحيحةً. لكن لقائل أنْ يقول: إنكم قد أطلقتم القول في عدة مواضع إن الفصل أيضا قد يقال من طريق ماهو، وخصوصا فى كتاب البرهان فنقول: إنه فرق بين قولنا إنّ الشئ مقول في جواب ماهو، وبين قولنا إنه مقول في طريق ماهو؛ كما أنه فرقٌ بين قولنا " الماهية " وبين قولنا " الداخل فى الماهية " فالمقول من طريق ماهو كل ما يدخل فى الماهية،ويكون فى ذلك الطريق، وإنْ لم يكن وحده دالا على الماهية؛ والمقول في جواب ماهو، هو الذي وحده يكون جوابا إذا سُئِل عما هو. فالفصل يدخل في الماهية ويكون مقولا من طريق ماهو؛ إذْ هو جزءُ الشئ الذي يكون جوابا عن ماهو، لكنه ليس هو وحده مقولا في جواب ماهو.

وقد قال بعض الفضلاء: إنّ الفصل قد يكون مقولا في جواب ماهو أيضا في بعض الأشياء دون بعض، والجنس دائما دالٌّ على ماهو؛ ذلك لأن الجنس يدل دائما على أصل ذات الشئ؛ وأما الفصول فربما كانت مناسبات وأضافات إلى أفعال وانفعالات أو أمور أخرى؛ فلذلك يجعل الجنس أوْلى منه بما هو. وفى هذا الكلام خللان: أحدهما أنّ ما كان من الفصول يجرى هذا المجرى، فلا يكون فصلا مقوما، بل يكون من الفصول اللوازم؛ والآخر أنّ الشئ إذا أريد أن يفرق بينه وبين الشئ الآخر بوصف، يجب أن يكون الوصفُ الذي يفرق بينه وبين الآخر موجودا له دون الآخر وجودا على الثبات، اللهم إلا أن لاتجعل التفرقة بالوصف، بل بأكثرية الوصف وأخلقيته؛ فيقال مثلا:إن الجنس هو الذي هو أَحْرى بأن يكون مقولا في جواب ماهو، والفصل هو الذي ليس هو بأحرى؛ فيكون الاختلاف ليس من جهة هذا الوصف، بل من جهة القَمِن، إذ هو موجود لأحدهما دون الآخر؛ فإنْ فُعِل ذلك كان فيه عدول عن حقيقة التعريف إلى أمر إضافى عرضى؛ وإن لم يفعل ذلك فيكون بين الجنس وبعض الفصول مشاركة في الحد، وبين الجنس وبعضها مباينة في الحد.
والمباينة التي بعد هذه هى أنّ الجنس لايكون للأنواع إلا واحدا، والفصل قد يكون أكثر من واحد، كالناطق والمائت للإنسان. وفى إطلاق هذه المباينة بهذا المثال خلل؛ لأنه إِنْ أخذ الجنس كيف كان، لا قريبا ملاصقا فقط، وجد للشئ أجناس كثيرة أيضا؛ فإن الأجناس فى العموم قد يوجد الكثير منها للشئ الواحد، ولكنها لاتكون كلها أجناسَ الشئ بالحقيقة، بل بعضها أجناس جنسه. وكذلك قد توجد فصول كثير ة متفاوتة في الترتيب، ولكنها لاتكون كلها فصول الشئ بالحقيقة، بل بعضها فصول جنسه، كما مُثِّل به؛ فإنَّ الناطق ليس فصلا قريبا للإنسان على هذه الطريقة التي رتبوا عليها قسمتهم، بل هو فصل جنسه. وإنما فصله الملاصق على هذا المذهب هو المائت، وهذا في مثاله واحد، بل كما أن الجنس الأقرب الذي ليس بجنس الجنس هو في مثاله واحد، كذلك الفصل الأقرب الذي ليس بفصل الجنس هو في مثاله واحد، وهو المائت. لكن قد يوجد لهذا الموضع أمثلة أخرى مثل الحساس والمتحرك بالإرادة؛ فإنهما على ظاهر الأمر فصلان قريبان للحيوان، فيكون الجنس القريب ليس إلا واحدا، والفصول القريبة قد تكون أكثر من واحد. وأيضا فإنَّ هاهنا وجهاً آخر، وهو أنَّ الأجناس الكثيرة ينحصر بعضها في بعض، حتى يحصل آخرها جنسا واحدا؛ والفصول الكثيرة تكون متباينة لايدخل بعضها في بعض. وإشباع القولِ في هذا من حق صناعةٍ أخرى.
والمباينة التي بعد هذا هى أن الجنس كالمادة، والفصل كالصورة؛ ويتم بيان ذلك بأن يقال: والذي كالمادة يخالف الذي كالصورة. وأمّا أنَّ الجنس ليس بمادة، بل كالمادة، فلأن المادة لاتحمل على المركب حمل أنه هو، والجنس يحمل على النوع حمل أنَّ الجنس هو، وأنَّ المادة الموضوعة لصورتين متقابلتين لاتنتسب إليهما بالفعل إلا في زمانين، والجنس يكون مشتملا على الفصلين المتقابلين في زمان واحد. وهاهنا فروق أخرى تُذكر في غير هذا الموضع. وإذْ الجنس ليس مادةً، فليس الفصلُ صورةً. وأما أنه كالمادة، فلأن طبيعته عند الذهن قابل للفصل، وإذا لحقه الفصل صار شيئا مُقوما بالفعل، كما هو حال المادة عند الصورة. وإذْ الجنسُ للفصل كالمادة للصورة، فالفصل للجنس كالصورة للمادة.
الفصل الثاني
(ب) فصل
في المشاركة والمباينة بين الجنس والنوع

وأما المشاركة الأولى المشهورة بين الجنس والنوع، فمشاركة كانت مع الفصل، وهى أنهما يتقدمان ما يحملان عليه، أى ماهما له جنس ونوع.
والثانية مشاركة، عامة وهى أنَّ كل واحد منهما كلى. وقد نسى موردهما أنَّ هذه مشاركة جامعة قد ذُكرت مرة؛ فإنْ أرادوا أن يجعلوا هذا وجها خارجا عن ذلك، فيجب أن يعنى بالكلى غير الكلى على الإطلاق، بل كلى هو ماهية جزيئاته بالشركة.
وأما المباينة الأولى فمثل ما كان مع الفصل، وهو أنَّ النوعَ مَحْوِى للجنس، والجنس ليس بمحوى للنوع.
وأخرى في قوتها وهى أنّ طبيعة الجنس أقدم من طبيعة النوع، أى إذا وجدت طبيعة الجنس، لم يجب أن توجد طبيعة النوع، بل إذا رُفعت ارتفعت هى، وإذا رفعت طبيعةُ النوع، لم يجب أن ترفع طبيعة الجنس، بل إذا وجدت وجدت.

وثالثة قريبة من تينك، وهى أنّ الجنس يحمل على النوع بالتواطؤ حملا كليا، والنوع لايحمل على طبيعة الجنس حملا كليا، وهذا فى ضمن المباينة التي قيلت من جهة الحوى وغير الحوى؛ وهذه المباينة ليست من المباينات التي في قوة السلب والإيجاب في أول الأمر؛ لأن ذلك إنما يكون أنْ لو قيل أنَّ الجنس يحمل على النوع بالتواطؤ كليا، ثم تسلب هذه الصفة بعينها عن النوع، بل إنما تسلب عن النوع في هذه المباينة صفة أخرى، وهى أنه لايحمل على الجنس بالتواطؤ حملا كليا، وليس هذا المسلوب هو ذلك الموجب، لكن صورة هذه المباينة أن النوع لا يكافئ الجنس فيما للجنس عند النوع، وهذا لايتأتى إلا بين مختلفين.
ومباينة أخرى أن كل واحد من الجنس والنوع يفضل على الآخر بوجه لا يفضل به الآخر عليه؛ فالجنس يفضل بالعموم، إذْ يحوى أمورا وموضوعات غير موضوعات النوع، والنوع يفضل بالمعنى، إذ يتضمن معنى الجنس ومعنى الفصل زائدا عليه؛ فإنه كما أن الحيوان يتضمن بالعموم الإنسان وما ليس بإنسان مما هو خارج عن الإنسانية، كذلك الإنسان يتضمن بالمعنى معنى الحيوانية، ومعنى خارجا عن الحيوانية وهو النطق.
ومباينة أخرى متكلفة، وهى أنه ليس في النوع جنس أجناس، ولا في الجنس نوع أنواع، وإنْ كان في كل واحد منهما متوسط.
وأما الجنس والخاصة فقد يشتركان في أنهما محمولان على النوع وتابعان؛ أى إذا وُجِد النوع وجدت الخاصة؛ والجنس أيضا. وهذه المشاركة قد توجد مع غير الخاصة؛ وهذه المشاركة هى مع الخاصة العامة.
وذكرت مشاركة أخرى وهى أن طبيعة الجنس تحمل على ما تحته بالسوية؛ إذْ أنواع الحيوان بالسوية حيوان، ولا تقبل الأشد والأضعف. وكذلك الخاصة كالضحاك على أشخاص الناس. وهذه المشاركة لو ذكرت في مشاركات الجنس والفصل والنوع، لكان ذلك أحرى؛ فنسى هناك وأورد في هذا الموضع؛ على أنه ليس هذا موافقا للخواص كلها؛ فإنّ الخجل بالفعل من خواص الناس وليس يستوى فيهم؛ وكذلك أمور أخرى لأمور أخرى. وبالجملة أي برهان قدمه الرجل على أن الخاصة هكذا، أو أى استقراء بَيَّنَهُ له ؟ وإنما أورد له مثالا واحدا؛ وليس هذا وجه البيان العلمى للشئ الي ليس بيِّنا بنفسه وبالحقيقة فإن هذا الحكم إنما يصدق في بعض الخواص دون جميعها، وهى من الخواص الاستعدادية التي تتبع الصور فتكون للكل ودائما. وأما الخواص الدائمة التي تتبع المواد، فكثيرا ما تقبل الأشد والأضعف. والرجل ينسى هذا الاعتبار عن قريب، ويأخذ في تعريف الخاصة على جهة لا يستوى معها إعطاء هذه المباينة الخاصة، كما ستعرفه.
وذكرت مشاركة أخرى وهى أنهما كلاهما يحملان على ماتحتهما بالتواطؤ، وهو أنْ يكون حملهما حملا بالاسم والحدِّ. وهذا أيضا قد كان يليق به أن يذكره لغيرهما؛ لكنه يجب لمن سمع هذا وتصوره وأقرَّ به أن لاينسى حكمه في كتاب قاطيغورياس، حيث يُظَن أن المقول على الموضوع، وهو المقول بالتواطؤ، هو الذاتى فقط.
وأما المباينات، فالأُولى منها هى أن الجنس متقدم بالذات، والخاصة متأخرة؛ إذ كانت الخاصة إنما تحدث مع حدوث النوع، فتنبعث إما من المادة كَعْرض الأظفار أو مثال آخر، وإما من الصورة كقبول العلم، وإما منهما جميعا كالضحك.
والثانية أنّ الجنس يحوى أنواعا، والخاصة نوعا منها.
ومباينة أخرى أنَّ الجنسَ يُحمل على كل واحد من الأنواع حَمْلا كليا، ولا ينعكس؛ إذْ لايقال: وكل حيوان إنسان، كما يقال: كل إنسان حيوان. وأما الخاصة فإنها تنعكس، إذْ كل إنسان مستعد للضحك، وكل مستعد للضحك إنسان. وهذه المباينة بين الجنس والخاصة الدائمة العامة، أو بين طبيعتى الجنس والخاصة مطلقا؛ إذ تلك لا تحتمل وهذه تحتمل، أعنى هذا العكس. ويتبع هذه مباينة هى في ضمن تلك، وهى أنّ الخاصة، وإن كانت لكل النوع ودائما كالجنس، فإنها لاتكون لغير النوع، والجنس يكون.

(1/37)

ومباينة أخرى منتزعة من المباينة الأولى، وهى أن الجنسيرفع الخاصة برفعه، من غير عكس. ومَنْ شاء أن يجعل هذه مباينة غير المباينة المعلقة بالتقدم والتأخر، لم تعوزه الحيلة فيه، ولكنه يكون قد أمعن في التكلف. وأما الجنس والعرض فيشتركان في أن كلَّ واحد منهما يقال على كثيرين، وهو المشاركة العامة؛ وليته قال ((على كثيرين مختلفين بالنوع))، فكان أورد مشاركة خاصة بين العرض والجنس، خصوصا ولم يذكر مشاركة أخرى. وأما المباينة الأولى فإن الجنس قبل النوع كما علمت. فإما النوع فهو قبل ما يعرض له، لأنه إنْ كان ما يعرض له منبعثا عن نوعيته، فتكون نوعيته قد تقررت بفصله، ثم لحقه ما لحقه، وهذا قد فرغ لك من شرحه. وإن كان من الأعراض التي تَعْرِض من خارج، فيكون النوع أولا قد حصل موضوعا حتى استعد لقبول ذلك العارض من خارج؛ لكن هذه المباينة موجودة أيضا بين الجنس والخاصة.
والمباينة الأخرى قد ذكرت هكذا: إن الأشياء التي تحت الجنس تشترك فيه بالسوية. وهذه عبارة محرفة ردية؛ لأنها تشير إلى فرق موجود بين موضوعاتهما، ليعاد ثانيا فيستدل بذلك على الفرق بينهما، بل كان يجب أن يقول: إنّ الجنس لايحمل على الأشياء التي تحته إلا بالسوية، وذلك يحمل لا بالسوية، فيكون الفرق واقعا في أول البيان، بل كان يجب أن يقول: والأعراض ربما حملت لا بالسوية؛ فإنه ليس جميع الأعراض تحمل إلا بالسوية كالمربع والمثلث وأمور أخرى. ولفظ الرجل يُوهم أن كل عرض يُحمل لا بالسوية، ثم يأمل من هذا أنه إذا جاز في الأعراض أن يكون فيها محمولٌ لا بالسوية، فما المانع أن يكون كذلك في الخواص ؟ فعسى أن يكون كونُ هذا أعم وذلك مساويا، مما يرخص لهذا فيما لايرخص فيه لذلك.
والمباينة التي هى بعد هذه أنّ الأعراض توجد في الأشخاص على القصد الأول. وأما الأجناس والأنواع فهى أقدم من الأشخاص. وهذه المباينة عجيبة التحريف والتشويش؛ فإنه كان يجب أن يقول: إنّ الأعراض توجد في الأشخاص على القصد الأول، والأجناسَ والأنواعَ لاتوجد على القصد الأول. أو يقول: إنّ الأجناس والأنواع أقدمُ من الأشخاص، والأعراض ليست أقدم، وما المانع من أن يكون الشئُ أقدَم وموجوداً على القصد الأول ؟ ثم إنْ كان معنى القصد الأول هو أن يحمل عليها لا بواسطة شئ، فإنّ النوع كذلك. وأما الجنس فعساه أنْ لايكون كذلك؛ فإنه يحمل على الشخص بتوسط النوع. وأما النوع، فإنه محمول على الشخص بالقصد الأول، أو يشبه أن يكون الرجل قَدْ سَهَا في إيراد لفظة النوع، فقد كان مستغنيا عنه، إذْ كان وكدُه الاشتغالَ بالتمييز بين الجنس والعرض.
والمباينة التي بعد هذه هى أنّ الأجناس تقال من طريق ماهو، والأعراض لاتقال. وهذه المباينة موجودةٌ أيضا بين الجنس والخاصة، وقد أغفلها هنالك.
الفصل الثالث
(ج) فصل
في المشاركات والمباينات الباقية
وأما الفصل والنوع فيشتركان بأنهما يحملان على ماتحتهما بالسوية.
والمشاركة الأخرى أنهما ذاتيان؛ وهذه تقع أيضا بين الجنس والفصل، ولم يذكرها.
وأما المباينة فإنَّ حَمْلَ النوع من طريق ماهو، وحَمْلَ الفصل من طريق أي شئ هو، وإنَّ الأنسان، وإنْ صَلُحَ أن يكون جوابا عن أى الحيوان، فليس ذلك له أولا وبذاته، بل بسبب الناطق. وقد بُحِث عن هذا قبل.
والمباينة الأخرى هى أن النوع لايوجد ألبتة إلا محمولا على كثيرين مختلفين بالعدد فقط، والفصل في أكثر الأحوال أو في كثير من الأحوال يحمل على كثيرين مختلفين بالنوع. وهذه المباينة بين الفصل والنوع السافل، لابين الفصل والنوع المطلق.
والمباينة الثالثة هى أنّ الفصل أقدم من النوع؛ وأَوْرَد مثاله من طريق الرفع بأن قال: إن الناطق يرفع برفعه الإنسان، ولا يرتفع برفع الإنسان، إذ المَلَك ناطق؛ ولم يأت بالفصل والنوع اللذين هما معا، بل أخذ فصلَ جنِس الإنسان، وقايسه بالإنسان، وفعل نظير ما لفاعل أن يفعله قائلا: إنَّ النوع أقدم من الفصل، إذْ الحى نوع للجسم، وهو أقدم من الفصل الذي هو الناطق. وكما أنَّ هذا القائل مُحَرِّف للحق بعدوله عن إيراد فصل ونوع متعادلين في الوضع، كذلك ذلك؛ لكن الفصل أقدمُ من النوع من جهة أنه علة وجوب وجوده، ونسبته إليه نسبة الصورة إلى المركب.

(1/38)

وأورد مباينة أخرى وهى أنَّ فصلين يأتلفان فُيَقِّومان نوعا، والنوعان لايأتلفان فيقَّوم منهما نوع؛ وجعل مثال الفصلين الناطق والمائت، وقد عُلِم أنهما غير متساويى التركيب، كما شرحناه قبل. لكن هذه المباينة تستمر على أحد اعتبارين: إما أن يُجْعل الفصلان من جنس فصلى الحساس والمتحرك بالإرادة، وإمَّا أن يقال: إنَّ الفصلين المختلفى الترتيب يجتمعان، فيحدث من اجتماعهما إلى ماتجتمع معه نوع، هو غير كل واحد منهما. وأما النوعان المختلفا الترتيب فلا يأتلفان، حتى يحدث منهما، غير كل واحد منهما، نوع آخر، بل يكون الأعم منهما جزءا من الأخص، ويكون الحاصل لاشيئا حاصلا من اجتماعهما، بل هو شئ هو أحدهما. والنوعان اللذان لايختلفان في الترتيب بل يكونان متباينين، لايجتمعان ألبتة. لكن لقائل أن يقول: إنَّ الناطقَ والمائت في أنفسهما نوعان من أشياء أخرى، وإنْ لم يكونا نوعين للناس، وقد اجتمعا فإحدثا نوعا، وكذلك كثير من الطبائع المختلفة الأنواع تجتمع فيكون منها نوع ثالث بالاجتماع، كالاثنينية والثلاثية يفعلان بالاجتماع الخماسية، وهى نوع ثالث غيرهما، فإنّ الجواب أن الاعتبار الذي ذهب إليه في ذكر هذه المباينة غير هذا الاعتبار؛ وذلك أن الغرض فيما يقوله متوجه نحو أشياء محمولة على أشياء بأعيانها يشترك فيها؛ فإنها إذا كانت فصولا كالناطق والمائت اللذين قد يُقالان على موضوعات بأعيانها، فإنها إذا اجتمعت فعلت شيئا ثالثا يكون نوعا من الأنواع لتلك الأشياء، وتكون تلك الأشياء موضوعات له، كما توضع الأشخاص للأنواع، ولا يكون كذلك الناطق؛ لأن الحيوان داخل في ماهية تلك الأشخاص، وليس داخلا في ماهية الناطق والمائت؛ فليس الناطق والمائت نوعين بالقياس إليها، وإن كانا محمولين عليها، وإلا كانا متوسطين بينهما وبين الجنس الذي هو الحيوان، وكانا نوعين تحت الحيوان لا فصلين قاسمين؛ فقد وُجِد في الفصول فصلان يقومان نوعا مشاركا في الموضوعات، ولايوجد ذلك في الأنواع. وأما أن تكون أنواع مختلفة فتفعل باجتماعها نوعا - موضوع ذلك النوع غير موضوعاتها - فذلك غير منكر، مثل موضوعات الخمسية فإنها غير موضوعات الاثنينية والثلاثية.
وأما الفصل والخاصة فيشتركان في أنهما يحملان على ما تحتهما بالسوية. ويجب أن تعلم أن هذا إنما هو فى بعض الخواص التى منها الخاصة العامة الدائمة الصورية، فإن الضاحكين ضاحكون بالسوية كما أن الناطقين ناطقون بالسوية. ويشتركان فى أنهما للكل ودائما، وهذا أيضا للخاصة العامة الدائمة. وأما المباينات فلأن الخاصة الحقيقية هى لنوع واحد، والفصل قد يكون لأنواع، وقد علمتَ ما فى هذا.
وأتبع ذلك مباينة هى كأنها تلك أو لازمة لتلك، فقال: إنَّ الفصل قد لا ينعكس فى الحمل؛ فلا يقال كل ناطق إنسان، كما يقال كل إنسان ناطق؛ وأما الخاصة الحقيقية فتنعكس.
وأما المشاركة بين الفصل وبين العرض الغير المفارق، فدوام وجودهما لموضوعاتهما.
وأما المباينات فالأولى منها أنَّ الفصل يحوى دائما ما هو له فصل، ولا يُحْوَى ألبتة. قال الرجل: وأما الأعراض فإنها تحوي غيرها، وذلك من حيث هى عامة، وتُحْوَى أيضا من غيرها من قِبَل أنَّ الموضوع لايختص بقبول واحد منا محمولا عليه أو فيه، بل يوضع لغيره، فهو لذلك يحويه كما كان العرض يحويه؛ لأنه لايختص بالحمل على الواحد من موضوعاته، بل يعرض لغيره. وقد نسى الرجل ما قاله: ((إنّ الموضوع الواحد قد تكون له فصول كثيرة تجتمع فيه)). ثم الحوى كإنه لفظ مشكك غير علمى، لاينبغى أن يستعمل؛ فإنَّ مفهومَ وجه الحوى المثبِت للعرض والجنس مباينٌ للوجه المسلوب. وقد كان له وجه آخر لو قاله لكان أصوب. وهو أن العرض قد يَحوِى ويُحَوى، إذ هو من جهةِ أعم ومن جهةٍ أخص، كالأبيض فإنه كما يحمل على غير الإنسان، فكذلك الإنسان قد يحمل على غير الأبيض، فيكون لاكل إنسان أبيض؛ ولا كل أبيض إنسان، بل بعض هذا ذاك، وبعض ذاك هذا؛ ولكن هذه مباينة مع بعض الأعراض. فتأمل أنه كيف جَعَل العارض للشئ ولا يعمه خارجا من جملة العرض؛ وكان تَوَهَّم فيما سلف أنه فيه ومنه. وأما أنه كيف جعله كذلك، فلأنه جعل من شروط العرض التي بها يباين أنه يحوى النوع ويزيد عليه، اللهم إلا أن يكون أراد أنّ هذه مباينة، لا لكل عرض، بل لعرض ما.

(1/39)

والمباينة الأخرى أنْ لاشئَ من الفصول يقبل الزيادة والنقصان، بل طبيعة الفَصْيلة تمتنع أن تقبل الزيادة والنقصان، وكون الشئ عَرَضاً لايمنع ذلك؛ لكن الرجل أطلق أنَّ الأعراض تقبل الزيادة والنقصان.
ومباينة أخرى هى أنَّ الفَصْيلة تمنع أن يوجد لمقابلاتها موضوع واحد بعينه، فيكون هو ناطقا وغير ناطق، والعرضية لاتمنع ذلك؛ فإن الأعراض الغير المفارقة قد يكون للمتضادات منها موضوع واحد.
وأما النوع فيشارك الخاصة الحقيقية فى أن كل واحد منهما ينعكس على الآخر، فكل إنسان ضحاك، وكل ضحاك إنسان؛ وفي انهما يوجدان معا لموضوعاتهما دائما.
أما المباينات فأولاها أنَّ الشئ الذي هو نوع لشئ يصير جنسا لشئ آخر، وأما الخاصة فلا تكون خاصة لشئ آخر؛ وهذه المباينة متشوشة ردية جدا. أمّا أولا فلإنه كان فيما سلف لايلتفت إلى إيراد المباينة بين النوع المضايف للجنس وبين غيره، بل يشتغل بالنوع السافل، والآن فقد أعرض عن ذلك، واشتغل بالنوع المضايف للجنس، ثم الخطب فى هذا يسير. لكنه لو كان قال: إنَّ النوع للشئ قد يصير خاصة لشئ آخر، ثم قال: إنَّ الخاصة لاتصير خاصة لشئ آخر، لكانت مباينة حسنة؛ ولكن الحكم فى النوع كاذب. ولو قال: إنَّ النوع للشئ يصير جنسا لشئ آخر، والخاصة لاتصير جنسا لشئ آخر، لكان هذا أيضا صحيحا؛ ولكن الحكم فى الخاصة كاذب. فكما أنَّ النوع الذي ليس بسافل يصير جنسا، كذلك الخاصة لنوع غير سافل تصير جنسا، فتكون خاصةً لنوع عال، وجنسا لأنواع لها، كاللون فإنه خاصة وجنس. ولو كان قال: إنَّ النوع للشئ قد يصير خاصة لشئ آخر، والخاصة لاتصير خاصة لشئ آخر لكان مستقيما.
ومباينة أخرى وهى أن النوع متقدمٌ فى الوجود، والخاصةَ متأخرةٌ؛ وهذا مسلم معقول، كما قد سلف.
ثم أورد مباينة أخرى وهى أنَّ النوع موجود بالفعل دائما، وأما الخاصة فتوجد فى بعض الأوقات. وهاهنا تشويش أيضا؛ وذلك أنه إنْ عنى بالخاصة مثل الضحك الذي بالفعل، فقد خرج عن المذهب الذي كان يسلكه إلى الآن؛ وإنْ عنى بالخاصة الاستعدادَ الطبيعى، فذلك موجود بالفعل دائما، فإنَّ كون الإنسان ضحاكا بالطبع موجود له بالفعل دائما. وهذه المباينة - إنْ صحت - فكان يجب أن يذكرها للجنس والفصل مع الخاصة أيضا.
ومباينة أخرى هى أنَّ حدَّيهما مختلفان، وهذه المباينة موجودة بين الجميع ليست تخص اعتبار الحال بين النوع والخاصة؛ وأمّا النوع والعرض فيعمهما أنهما كليان. قال: ولا يوجد لهما أشياء كثيرة يشتركان فيها لبعد ما بينهما؛ وأما المباينة فلإن هذه الماهية وذلك ليس، ولأن الجوهر الواحد نوعه واحد، وأعراضه لايجب أن تكون واحدة. وهذه المباينة توجد أيضا بين الجنس والعرض، وبين النوع والخاصة، وبين الجنس والخاصة. وأيضا فإن النوع قبل العرض وجودا وتوهما، وإن النوع يستوى لموضوعاته المشتركة فيه، والعرض قد لايستوى، وإنْ كان غير مفارق كسواد الزنوج. وأما الخاصة والعرض الغير المفارق فيشتركان فى أنهما دائمان لموضوعاتهما؛ وقد كان يجب أن لاينسى هذه المشاركة بين النوع وبين العرض الغير المفارق. ويختلفان بأن الخاصة توجد للنوع وحده، والعرض الغير المفارق يوجد لأكثر من نوع كالسواد للزنجى والغراب ويجب أن تتذكر هذا إذا رجعت إلى ماسلف فى المقالة الأولى.
ومباينة أخرى أن الاشتراك فى العرض لايجب أن يكون بالسوية، وفى الخاصة يجب أن يكون بالسوية، وقد عرفتَ ما فيه.
فهذه هى الاشتراكات والمباينات المشهورة التي أوردها أول من أفرد لهذه الخمسة الكليات كتابا، وقد ذكرناها على منهاج ذكره وترتيبه. وجميع ما أورده من المباينات التي ليست مباينة عامة، فيمكن أن يُعَبر عنه فيقال مثلا: الفصل ليس من شأنه أن يكون كذا، ومن شأن بعض ماهو فى طبيعة العرض مثلا أن يكون كذا، فيكون هذا تحسينا لقوله:((ومع ذلك مستمرا)). ولو أنه وفق لكان يورد أولا المشاركات التي بين الخمسة، ثم التي بين أربعة أربعة، ثم التي بين ثلاثة ثلاثة،ثم التي بين اثنين اثنين، وكذلك كان يورد المباينات التي بين واحد وبين أربعة، ثم التي بيناثنين وثلاثة، ثم التي بينكل واحدة وواحدة أخرى خاصة، فيكون قد حفظ ماهو الواجب، ولا يكون قد ترك مشاركة ومباينة هى بين اثنين اثنين منها تركا مهملا، ويذكرهما بين اثنين آخرين، ربما كان ذكره فيما أهمله أوقع وأحسن.

(1/40)

الفصل الرابع
(د) فصل
في مناسبة بعض هذه الخمسة مع بعض
وإذْ قد عرفنا هذه الألفاظ الكلية الخمسة، فيجب أنْ نعلم أنَّ الشئ الذي هو منها جنس ليس جنسا لكل شئ، بل لنوعه فقط. وكذلك الفصل ليس يجب أن يكون فصلا لكل شئ، بل إما من حيث هو مقسم فلجنسه، وإما من حيث هو مُقَوِّم فلنوع ذلك الجنس. وأن الشئ الواحد قد يجوز أن يكون جنسا أو كجنس، وفصلا ونوعا وخاصة وعرضا؛ فإنّ الحساس كالنوع من المدرك، وجنسٌ للسامع والمبصر، وفصل للحيوان؛ والماشى جنس لذى الرجلين ولذى أربع أرجل، ونوعٌ للمتنقل، وخاصةٌ للحيوانات، وعرضٌ عام للإنسان. وربما اجتمعت الخمسة فى واحد.
والجنس ليس جنسا للفصل ألبتة، ولا الفصل نوعا للجنس، وإلا لاحتاج إلى فصل آخر، بل الفصل معنى خارج عن طبيعة الجنس؛ فإنّ الناطق ليس هو حيوانا ذا نطق، بل شئ ذو نطق، وإن كان يلزم أن يكون ذلك الشئ حيوانا، وأما الحيوان ذو النطق فهو الإنسان؛ ولو كان الحيوان داخلا فى معنى الناطق لكان إذا قلت: حيوان ناطق، فقد قلت: حيوان هو حيوان ذو نطق، فإنّ ذا النطق والناطقَ شئٌ واحد. وأذا قيل الجنس على الفصل فهو كما يقال العرض اللازم على الشئ الذي يقال عليه ولا يدخل في ماهيته، لكنه كالمادة للفصل، ونسبة الفصل إليه من وجهٍ كنسبة الخاصة التي توجد فى البعض، لكن الفصل يقومه موجودا بالفعل، وإن لم يدخل فى حده وماهيته دخوله فى إنيته، ككثير من العلل وكالصورة للمادة، هذا إن كان الفصل أخص على الإطلاق من الجنس، ولم يقع خارجا عنه ألبتة أو بالحقيقة، فإنَّ قول كل واحد منهما عند التحصيل هو على النوع. وهذه الأشياء تتحصل لك فى الفلسفة الأولى.
والجنس تكون نسبته إلى الفصل كنسبة عارض عام؛ وأما العارض العام فإنه قد يكون بالقياس إلى الجنس خاصة، وبالقياس إلى النوع عرضا عاما، مثل الانتقال بالإرادة فإنه خاصة من خواص الحيوان، وعارض عام للإنسان؛ وربما كان خاصةً لجنس أعلى، مثل البياض فإنه من خواص الجسم المركب، وعارض عام للانسان، وربما كان من خواص أعلى الأجناس كلها؛ وربما لم يكن العارض العام خاصةً لشىء من الاجناس، إذا كان قد يعرض لغير تلك المقولة، مثل امتناع قبول الأشد والأضعف، فإنه من لوازم الجوهر على سبيل العموم له ولغيره، وليس خاصةً لجنس من أجناسه، إذْ ستعلم أنَّ ذلك قد يقع فى غير أعلى أجناسه. والحيوان نسبته إلى هذا الحيوان - من حيث هو حيوان ألحق به الإشارة ولم يعتبر فيع النطق - نسبة النوع إلى الأشخاص، فإنه مقول عليه قول النوع الذي هو نوع بالقياس إلى الأشخاص فقط على الأشخاص، لا نسبة الجنس، بل إنما هو جنس بالقياس إلى أشخاص الحيوان من حيث صارت ناطقة، وكذلك الناطق بالقياس إلى هذا الناطق غير مأخوذ معه الحيوانية، فإنه كنوع له بالمعنى المذكور لا كفصل، بل هو فصل لأشخاص الحيوان من حيث هى حيوان. والضحاك أيضا فإنه كالنوع لهذا الضحاك من غير أن يعتبر إنسانا، وإنما هو خاصة للإنسان ولأشخاص الناس؛ وكذلك الأبيض أيضا لهذا الأبيض، من حيث هو أبيض مشار إليه، فإنه كالنوع له.
والعرض العام إنما هو عرضٌ عام للشئ الذي هو موضوعٌ لكونه هذا الأبيض، لا لهذا الأبيض، من حيث هو هذا الأبيض.
واعلم أن هذه الخمسة قد يتركب بعضها مع بعض تركبا بعد تركب، فالجنس يتركب مع الفصل، فإن المدرك جنس فصل الإنسان الذي هو الناطق مثلا، أو ذو النفس فإنه جنس للناطق، فهو جنس الفصل، وقد عرض له أن كان فصل الجنس، لأنَّ ذا النفس فصلُ بعض الأجناس المتوسطة التي للإنسان. وقد يتركب الجنس مع العرض، مثل أنَّ الملون جنسُ عرض الإنسان الذي هو الأسود والأبيض، لكن هذا التركيب يخالف الأول؛ فإنه ليس يجب أن يكون جنس الفصل المقوم جنسا مقوما للنوع، وجنس العرض يجب أن يكون عرضا لاحقا لذلك النوع. نعم قد يكون جنس الفصل فصلا مقوما لجنس النوع، وكذلك قد يكون جنس العرض عرضا لاحقا لجنس النوع.
وأما تركيب الجنس مع الخاصة فمثل أنَّ المتعجب بالفعل جنسٌ للضحاك بالفعل الذي هو خاصة، والصَيَّاح جنس للصاهل الذي هو خاصة.

(1/41)

والفصل أيضا قد يتركب مع الجنس، كالحساس فإنه فصل جنس الإنسان؛ ويتركب مع الخاصة، مثل النسبة إلى قائمتين من قولنا: مساوى الزوايا الثلاث لقائمتين، فإنه فصلُ خاصة المثلث؛ وقد يتركب مع العرض، كالمفرق للبصر فإنه فصل عرض القطن.
والخاصة قد تتركب مع الجنس، فإن المشى خاصة جنس الإنسان؛ وقد تتركب مع الفصل، فلا تفارق فى كثير من المواضع خاصة النوع، وربما كان أعم من خاصة النوع وذلك إذا كان الفصل أعم، مثل المنقسم بمتساويين الذي هو فصل الزوج، فإنَّ ذا النصف خاصةً لهذا.
وقد تتركب مع العرض العام فإن المبصر خاصة الملون، والملون عرضٌ عام للإنسان.والعرض قد يتركب مع الجنس فلا يفارق عرضَ النوع، لأنه يكون عرضا للنوع، لكن من أعراض النوع ماهو خاصةَ للجنس، وليس عرضا عاما للجنس بل خاصة، ومنه ماهو عرض عام لهما، وكذلك عرض الفصل وعرض الخاصة.
تم كتاب إيساغوجى. والحمد لمولى النعم ومرادف الآلاء والقسم
المقولات
المقالة الأولى
من الفن الثاني من الجملة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الفن الثاني من الجملة الأولى من المنطق في المقولات وهى سبع مقالات
المقالة الأولى
ستة فصول
الفصل الأول
فصل (أ)
في غرض المقولات
قد علمتَ فيما سلف مائيةَ اللفظ المركب ومائيةَ اللفظ المفرد، وعلمت أن اللفظ المركب إنما يتألف من اللفظ المفرد، وعلمت أن الألفاظ المفردة، من حيث هى كلية وجزئية وذاتية وعرضية، منقسمةٌ خمسة أقسام؛ فمن الواجب الآن أن تعلم أن معرفة هذه الأحوال الخمسة للألفاظ المفردة مُعينَةٌ على معرفة الألفاظ المركبة، من حيث تقصد المعرفة بها، وأن تعتقد أن ههنا أحوالا أخرى للألفاظ المفردة غير محتاج إليها في معرفة الألفاظ المركبة؛ فليس كل أحوال الألفاظ المفردة يحتاج إليها لينتفع بها في معرفة أحوال الألفاظ المركبة التركيب المقصود في المنطق، أما هذه فمما يُنتفع بالوقوف عليها في صناعة المنطق؛ وأنَّ الألفاظ المركبة إنما تركب بحسب صناعة المنطق ليوقف على السبيل النافع في إفادة التصديق والتصور؛ وهذه الإفادة تتم بالقياسات وبالحدود وبالرسوم.
والقياسات مؤلفة من مقدمات، كما ستعرف، وتحتاج أن تكون موضوعاتها كلية لتدخل فى العلوم؛ وتحتاج أن تكون موضوعاتها ومحمولاتها على نِسَبٍ من النِّسب المذكورة فى الذاتية والعرضية حتى تدخل فى البرهان.
والقسمة أيضا إحدى الطرق الموصلة إلى اكتساب العلم بالمجهول. والقسمة الفاصلة هى التي تكون للأجناس إلى الأنواع بالفصول محفوظا فيها الترتيب، لئلا تقع طفرة من درجة إلى غير التى تليها. وقد تكون أيضا بالخواص والأعراض.
فمعرفة هذه المفردات الخمسة نافعة فى القياسات؛ ومنفعتها فى الحدود والرسوم أظهر: فإنَّ الحدود من الأجناس والفصول؛ والرسوم من الأجناس والخواص والأعراض، وهى فى أكثر الأمر للأنواع.
فتقديم تعُّرِف هذه الأحوال اللاحقة للألفاظ المفردة قبل الشروع فى معرفة المركبات تقديمٌ إما ضرورى وإما كالضرورى.
وللألفاظ المفردة أحوال أخرى وهى دلالاتها على الأمور الموجودة أحدَ الوجوديْن اللذين بَّيناهما حين عَّرفنا موضوع المنطق. ولا ضرورة ألبتة إلى معرفة تلك، أعنى فى أن نتعلم صناعة المنطق، ولا شبه ضرورة، لا من جهة حال دلالتها على الأشخاص الجزئية؛ فإن ذلك مما لاينتفع به فى شئ من العلوم أصلا، فضلا عن المنطق، ولا من جهة حال دلالتها على الأنواع؛ لأن هذا أمر لم يعن به أحد فى صناعة المنطق، وتمت صناعة المنطق دون ذلك، ولا من جهة حال دلالتها على الأجناس العالية، التى جرت العادة بتسميتها مقولات وإفراد كتاب فى فاتحة علم المنطق لأجلها الذى يسمى قاطيغورياس؛ فإنَّ المتعلم للمنطق، إذا انتقل بعد معرفته بما عرفنا من أحوال الألفاظ المفردة، وعرف الاسم والكلمة، أمكن أن ينتقل إلى تعلم القضايا وأقسامها، والقياسات والتحديدات وأصنافها، ومواد القياسات والحدود البرهانية وغير البرهانية وأجناسها وأنواعها، وإن لم يخطر بباله أن ههنا مقولات عشرا، وأنها هى التى تدل عليها أنفسها أو على مايدخل فيها بالألفاظ المفردة.

(1/42)

ولا يعرض من إغفال ذلك خلل يُعْتَد به؛ ولا إنْ ظن أحدٌ أنَّ هذه المقولات أكثر عددا أو أقل عددا دخله من ذلك وَهنٌ فى المنطق؛ وليس أن يعلم أنه هل هذه الأمور توصف بالجنسية أوجبُ عليه من أن يعلم أنه هل أمور أخرى توصف بالنوعية، بل معرفة هذه. أما من جهة كيفية الوجود، فإلى الفلسفة الأولى؛ ومعرفتُها من جهة تصور النفس لها، فإلى حد من العلم الطبيعى يصاقب الفلسفة الأولى؛ ومعرفة أنها تستحق ألفاظا توقع عليها، فإلى صناعة اللغويين.
ومعرفة أن الألفاظ المفردة تقع على شئ منها، من غير تعيين الألفاظ التى تقع عليها، هى كمعرفة أن الأمور الموجودة لها ألفاظ مفردة موضوعة بالفعل أو فى القوة. وليس أنْ يعرف المنطقى، من حيث هو منطقى، ذلك فيها أوْلى من معرفة ذلك فى غيرها؛ فإنه ليس يلزمه، من حيث هو منطقى، أن يشتغل بأن يعرف أن الألفاظ المفردة موضوعة لصنف من الأمور، وهو الكليات العامة، دون أن يعرف ذلك فى صنف من الأمور، وهى الكليات الخاصة. نعم ههنا شئ واحد وهو أن المتعلم قد ينتفع بهذا التلقين انتفاعا من وجه،وهو أنه تحصل له إحاطةٌ ما بالأمور ويقتدر على إيراد الأمثلة.
وإذا كانت الحدود قد يعرض فيها اختلافٌ باختلاف وقوع المحدودات فى مقولات شتى، كحال الشئ الذى من مقولة المضاف مثلا، فإنه يعرض له أن يحتاج في تحديده إلى أحوال لاتعرض لما يقع فى مقولة الجوهر. وربما خَص أنواعَ الكمية فى التحديد خواصُّ هى لها دون أنواع الكيفية.
وإذا كانت هذه الأشياء مفهومةً على حيالها، كان تَعَلّمُ ذلك سهلا. بعد أن الحاجة إلى إفراد هذا التعليم غير ماسة فى هذا المعنى؛ فإنه يمكن أن تعلم صناعة التحديد بكمالها من غير أن يحتاج إلى إفراد هذا الفن، وأن يقال: إن كانت أمور من المضاف فحكمها كذا، وأن كانت قوى وكيفيات فحكمها كذا. فيجب أن لاتتجاوز هذا القدر بطمعك فى هذا الفن، وأن تتيقن أنه دخيل فى صناعة المنطق، وأن تعلم شيئا آخر، وهو أن واضع هذا الكتاب لم يضعه على سبيل التعليم، بل على سبيل الوضع والتقليد؛ فإنه لاسبيل بالبيان المناسب للمنطق إلى أن تعلم ما يعلم فيه بالتحقيق.
ويجب أن تعلم أنّ كل ما يحاولون به إثبات العدد لهذه العشرة، وأنه لاعلم لها، وأنه لاتداخل فيها، وأن لكل واحد منها خاصية كذا، وأن تسعة منها مخالفة للواحد الأول فى أنه جوهر وهى أعراض، وما أشبه ذلك فإنها بيانات مجتلبة من صناعات أخرى ومقصر فيها كل التقصير. إذ لاسبيل إلى معرفة ذلك إلا بالاستقصاء؛ ولا سبيل إلى الاستقصاء لا بعد الوصول إلى درجة العلم الذى يسمى فلسفة أولى.
فيجب أن تتحقق أنَّ الغرض في هذا الكتاب هو أن تعتقد أن أموراً عشرة هى أجناس عالية تحوى الموجودات، وعليها تقع الألفاظ المفردة اعتقادا موضوعا مسّلما، وأن تعلم أن واحدا منها جوهرٌ وأن التسعة الباقية أعراض، من غير أن يبرهن لك أن التسعة أعراض، بل يجب أن تقبله قبولا.
فلا سبيل إلى أن نبرهن لك الآن أن الكيفيات والكميات أعراضٌ من غير أن نبرهن لك ضرورة ذلك العدد، بل تقبله قبولا، ومن غير أن نبرهن لك أن كل واحد منها جنس بالحقيقة، لالفظ مشكك، ولا دال على لازم غير مقوم. فلا سبيل لك، فى ابتداء التعليم، أن تعلم مثلا أن الكيفية تقع على الأنواع التي تحتها وقوع الجنس، وأنه ليست اسما مشتركا أو مشككا أو متواطئا، ولكنه مقوِّم لماهية ماتحته؛ وكذلك الكمية. ومن اشتغل بذلك فى هذا الكتاب فقد تكلف ما لايفى به وسعه. وكذا حال الخواص التى تذكر، فإنها إنما تذكر ذكرا.
والدليل على أن الحق ما أقوله لك هو أن هذه المباحث قد تُرِكت فى الكتاب الذى هو الأصل. وأيضا فقد اشمأز كافة المنطقيين المحصلين عن أن يكون هذا الكتاب نظرا فى طبائع الموجودات، بل قالوا: إنه نظر فيها، من حيث هى مَدلول عليها بالألفاظ المفردة. وليست البراهين التى تصحح أن هذه التسعة أعراض غير البراهين التى تدل على أحوال وجودها؛ ولا يوجد برهان على ذلك فيها، من حيث هى مدلول عليها بالألفاظ المفردة؛ وكذلك الحال فى تلك المباحث الأخرى.

(1/43)

فإذا كان بيان هذه الأحوال فيها متعلقا بالنظر من حيث هى موجودة، لم يكن للاشمئزاز الذى يعتقدونه معنى؛ بل يكون هذا النظر فيها نظرا من حيث هى موجودة، ثم من حيث هى مدلول عليها باللفظ، فيكون قد جمع فيه وَجْهَا النظر.
على أن كل ماينظر فى أحواله، من حيث هو موجود، فقد يُشْعِر مع ذلك بحاله، من حيث هو مدلول عليه؛ فإنَّ لكل حقيقة من الوجود مطابقة من اللفظ. نعم لو كان لكونها مدلولا عليها خواص لاتتناول صرافة الوجود، وكان البحث فى هذا الكتاب مقتصرا عليها ومنصرفا إليها، لكان بالحرى أن يظن أن هذا الذي عرفوه من أمره غرض هذا الكتاب، حتى جردوه نظرا منطقيا، ليس فلسفة أولى ولا فلسفة طبيعية، أمر دقيق وإخراج لطيف وفصل غامض.
ولو كانوا يضعون هذه الأمور كلها وضعا على سبيل التسليم، ويقولون إن هذه جِماع الأمور التي عليها تقع الألفاظ المفردة ومنها تؤلف الألفاظ المركبة، بل هى الأمور التى معانيها فى النفس هى مواد أجزاء المعانى المركبة فى النفس التركيب الذى يتوصل به إلى إدراك المجهولات، وإن لم يكن هناك لفظ البتة، لكانوا يقولون أيضا شيئا. وأما إصرارهم على أن هذا بحث منطقى، وأن هذا متعلق بأن ألفاظا لامحالة، فتكلف بحت، فلذلك تبلدوا وتحيروا.
وأما نحن فنقول ماقلناه ثم نتبع منهاج القوم وعاداتهم، شئنا أو بينا، ونقول: إن هذا الكتاب وتقديمه، مع أنه ليس بكثير النفع؛ فإنه ربما ضر فى بادئ الأمر؛ فما أكثر من شاهدته قد تشوشت نفسه بسبب قراءته هذا الكتاب، حتى تخيل منه أمورا لاسبيل إلى تحققها على كنهها فى هذا الكتاب، فامتدت له خيالات مصروفة عن الحقيقة، وانبنت له عليها مذاهبُ وآراء دنست بذلك نفسه، وانسطر فى لوح عقله ما لا ينمحى بانسطار غيره، وإذا خالطه شَوَّشَهُ.
الفصل الثاني
فصل (ب)
في الألفاظ المتفقة والمتواطئة
والمتباينة والمشتقة وما يجرى مجراها
إن من الأمور المختلفة المتكثرة ما يشترك فى اسم واحد، وذلك على وجهين: فإنه إما أن يكون على طريق التواطؤ، وإما أن يكون على غير طريق التواطؤ.
وطريق التواطؤ أن يكون الاسم لها واحدا وقولُ الجوهر، أعنى حد الذات أو رسمه الذب بحسب ما يفهم من ذلك الاسم، واحدا من كل وجه؛ مثل قولنا الحيوان على الإنسان والفرس والثور، بل على زيد وعمرو وهذا الفرس وذلك الثور؛ فإن جميع ذلك يسمى حيوانا. وإذا أراد أحد أن يحد أو يرسم، وبالجملة أن يأتى بقول الجوهر، أى اللفظ المفصل الدال على معنى الذات فيها كلها، كان رسما أو حدا، فإن القول أعم من كل واحد منهما، وحدُّه واحد فيها من كل وجه؛ أى يكون واحدا بالمعنى، وواحدا بالاستحقاق، لايختلف فيها بالأولى والأحرى، والتقدم والتأخر، والشدة والضعف. ويجب أن تكون هذه المواطأة في القول الذى بحسب هذا الاسم؛ فإنه إذا وجد قول آخر يتحد فيه ويتشارك، ولم يكن بحسب هذا الاسم، لم يصر له الاسم مقولا بالتواطؤ.
ونحن نعنى ههنا بالاسم كل لفظ دال، سواء كان مايُخَصُّ باسم الاسم، أو كان ما يخص باسم الكلمة، أو الثالث الذى لايدل إلا بالمشاركة، كما سيأتيك بيانه بعد. فهذا ما يقال على سبيل التواطؤ.
فأما ما ليس على سبيل التواطؤ فإن جميعه قد يقال إنه باتفاق الاسم، وينقسم إلى أقسام ثلاثة: وذلك لأنه إما أن يكون المعنى فيها واحدا في نفسه، وإن اختلف من جهة أخرى، وإما أن لايكون واحدا، ولكن يكون بينهما مشابهة ما، وإما أن لايكون واحدا، ولا يكون أيضا بينهما مشابهة.
والذى يكون المعنى فيها واحدا، ولكن يختلف بعد ذلك، فمثل معنى الوجود: فإنه واحد فى أشياء كثيرة، لكنه يختلف فيها؛ فإنه ليس موجودا فيها على صورة واحدة من كل وجه؛ فإنه موجود لبعضها قبل ولبعضها بعد؛ فإن الوجود للجوهر قبل الوجود لسائر ما يتبعه؛ وأيضا فإن الوجود لبعض الجواهر قبله لبعض الجواهر؛ وكذلك الوجود لبعض الأعراض قبله لبعض الأعراض. فهذا طريق التقدم والتأخر.
وكذلك قد يختلف من طريق الأوْلى والأحْرى؛ فإن الوجود لبعض الأشياء من ذاته، ولبعضها من غيره. والموجود بذاته أوْلى بالوجود من الموجود بغيره، وكل ماهو متقدم بمعنى فهو أولى به، من غير عكس؛ فقد يكون شيئان يشتركان فى معنى من المعانى وليس هو لأحدهما قبل، بل هما فيه معا؛ لكن أحدهما أولى به لأنه أتم فيه وأثبت.

(1/44)

وأما الذي يختلف بالشدة والضعف فذلك إنما يكون فى المعانى التى تقبل الشدة والضعف مثل البياض؛ فلذلك ماليس يقال البياض على الذى فى الثلج والذى فى العاج على التواطؤ المطلق؛ ولا تقال الفلسفة على التى فى المشائين والتي فى الرواقيين على التواطؤ المطلق. وإنما نأتيك بأمثلة مشهورة يجب أن يسامح فيها بعد الوقوف على الغرض.
فما كان المفهوم من اللفظ فيه واحدا إذا جرد ولم يكن واحدا من كل جهة متشابها فى الاشياء المتحدة فى ذلك اللفظ فإنه يسمى اسما مشككا؛ وربما سمى باسم آخر.
والاسم المشكك قد يكون مطلقا، كما قلنا؛ وقد يكون بحسب النسبة إلى مبدإ واحد، كقولنا طبى للكتاب وللمبضع وللدواء؛ أو إلى غاية واحدة كقولنا صحى للدواء وللرياضة وللفصد، وربما كانت بحسب النسبة إلى مبدأ وغاية واحدة، كقولنا لجميع الأشياء إنها إلهية.
وأما الذى فيه اتفاق فى قول الجوهر وشرح الاسم، لكن يكون اتفاق فى معنى يتشابه به، فمثل قولنا الحيوان للفرس، والحيوان للمصَّور،والقائمة لرجل الحيوان، ولما يُقِلّْ السرير، فإنه يسمى تشابه الاسم، وهو من جملة الاتفاق فى الاسم؛ فإن المسميات بمثله إنما تتفق فى الاسم ولا تتفق فى قول الجوهر الذى بحسب الاسم؛ وذلك أنك إذا أتيت بقول الجوهر، حيث يقال حيوان للفرس، قلت إنه جسم ذو نفس حساس متحرك بالإرادة، ولا تجد هذا القول هو القول الذى تأتى به إذا شرحتَ اسم الحيوان ، من حيث يقال على الصورة فى الحائط، فإنك تقول شكل صناعى يحاكى به ظاهر صورة الجسم الحساس المتحرك بالإرادة؛ وكذلك إذا شرحت اسم القائمة فى الحيوان قلت: إنه عضو طبيعى يقوم عليه الحيوان ويمشى به: ولا تجد هذا الرسم فى قائمة السرير، بل تقول: إنه جسم صناعى مُسْتدقُ مبان من السرير يقل السرير. ومع ذلك فإنك تجد بين الأمرين شبها إما فى شكل وإما فى سائر الأحوال؛ فيكون ذلك الشبه هو الداعى إلى أن تعطى أحد الأمرين اسم الآخر، ويكون الاسم فى أحد الأمرين موضوعا وضعا متقدما، ويكون فى الثانى موضوعا ثانيا. فإذا قيس ذلك الاسم إلى الأمرين جميعا، سمى بالاسم المتشابه، وإذا قيس إلى الثانى منهما سمى بالاسم المنقول. وربما كان المعنى المتشابه به معنى متقررا بنفسه، كالذى للحيوان المصور مع الحيوان الطبيعى؛ وربما كان نسبة ما؛ كما نقول لطرف الخط مبدأ، وللعلة مبدأ.

(1/45)

وربما كان هذا الاشتباه اشتباها حقيقيا، وربما كان اشتباها مجازيا بعيدا، مثل قولهم كلب للنجم وللكلب الحيوانى؛ وذلك لأنه لا تشابه بينهما فى أمر حقيقى إلا فى أمر مستعار؛ وذلك لأن النجم ربى كالتابع للصورة التى جعلت كالإنسان، ثم وجد الكلب أتبع الحيوانات للإنسان فسمى باسمه. فما كان سبيل نقل الاسم اإليه هذا السبيل فلا ينبغى أن يجعل فى هذا القسم، بل هو من القسم الثالث الذى لا اشتراك حقيقيا ولا تشابع فيه، مثل قولنا عين للبصروعين للدينار. والسبب فى وقوع هذا الاسم ليس ما ذهب إليه من قال إن الأمور، لما كانت غير متناهية، وكانت الألفاظ متناهية، من حيث تركيبها من حروف متناهية، وجب أن يكون الاسم الواحد تشترك فيه عدة أمور تلزمه. وليس كذلك؛ لا من جهة أن الحروف المتناهية قد يمكن أن تتركب منها تركيبات غير متناهية؛ وذلك لأن هذا الإمكان متعلق بتزيد مقادير ما يركب من الحروف. ثم اللسان والعادة لا تحتمل كل تطويل للتركيبات من الحروف، بل هناك حد تنفر الطباع من استعمال ما هو أطول منه. وإذا كان كذلك، فقد حصل لصلوح التركيب حد محدود وجب له أن يتناهى ما يركب من الحروف؛ ولا لأن غير المتناهى إنما هو فى الأشخاص دون الأنواع على ما يرون. ويقولون: إنه لو كان الاشتراك فى الاسم إ نما يوجبه غير المتناهى، لكان يجب أن تكون أسماء الأنواع أيضا لا يقع فيها اشتراك، فإن هذا البيان مختل لأن الأنواع قد لا تتناهى من وجه، كما علمت؛ ولأن الأشخاص إذا كانت غير متناهية، فأخذت من حيث هى أمور شاركتها الأنواع، فصارت الأمور غير متناهية وفيها الأنواع، وكانت الأنواع من جملة الأمور التى لا تتناهى؛ والتسمية إنما تقع على الأمور، من جهة ما هى أمور، لا من حيث هى أشخاص. فهذان الاعتراضان لا يكشفان ما فى هذا من الغلط، بل وجه بيان الغلط فى اشتغال من اشتغل بتعليل ذلك من كون الأشياء غير متناهية هو أن الأمور وإن كانت، من حيث هى أمور غير متناهية، فإنها، من حيث يقصدها المسمون بالتسمية، متناهية؛ فإن المسمين ليسوا يشرعون فى أن يسموا كل واحد مما لا نهاية له؛ فإن ذلك لا يخطر ببالهم؛ فكيف يقصدون التسمية له ؟ بل كل ما قصد تسميته فهو متناه. وقد كان يمكن أن يكون لكل واحد منه اسم مفرد؛ والدليل على ذلك أنك الآن لو شئت لأفردت لجميع ما وقعت فيه الشركة فى الاسم اسما مفردا؛ لأن جميع ذلك متناه. فهخذا القول إنما يبطل من هذا الوجه؛ وإن كان يمكن أن يعبر عن هذا القول بعبارة أخرى على وجه من وجوه التكلف.
والمحل يستمر؛ إلا أنه يرجع إلى بعض ما نريد أن نعطيه من السبب وذلك فنقول: إن السبب فى وقوع هذه الشركة أحد شيئيين: إما التشبيهات الاستعارية المجازية كما هى فى لفظة " العين " فإنه لما كان اسما للبصر، وكان البصر من فعله المعاينة، وكانت المعاينة تدل بوجهٍ مَّا على الحضور، والحضور يدل على النقد، وكان النقد الحقيقى هو للدينار، سمى الدينار لذلك فيما نظن عينا، أو لأنه عزيزِ عزَّ العين، أو شىء آخر من هذه الوجوه وربما كان ذلك على سبيل التذكر والتبرك، أو على سبيل الرجاء؛ وأكثر هذه فى الجزئيات كمن يرغب فى التسمية باسم نبى، أو يسمى ابنه باسم أبيه ليتذكره به. وأما الاتفاقات البخْنِية الواقعة فلاختلاف المسمين التسميةَ الأولى؛ كأن بعضهم اتفق له أن أوقع اسم العين على شىء والآخر اتفق له أن أوقعه على غيره؛ فيجوز إذن أن يكون سبب الاتفاق هو اختلاف حال مسميين، أو لاختلاف حال مسم واحد فى زمانين صار فيهما كشخصين.

(1/46)

وهذا القسم الواقع فيه من الأسباب م عددناه هو المخصوص باسم اشتراك الاسم؛ ويشارك التشابه بالاسم فى أن الاسم يكون واحدا ومعناه ليس بواحد؛ ولا يرفع اشتراكَ الاسم ولا اتفاقه؛ بل يكون هناك قولٌ واحد متفق واسمٌ واحد متفق كل واحد منهما فى الجميع؛ فإن هذا لا يمنع أن يكون القول الُمَّتَفُق فيه ليس بحسب هذا الاسم، مثل أن قائمة السرير وقائمة الحيوان يتفقان فى اسم القائمة، ويتفقان فى أن كل واحد منهما جوهرٌ ذو طول وعرض وعمق، وهذا لا يمنع أن يكون اسم القائمة مقولا عليهما بالاشتراك أو التشابه؛ وذلك لأن هذا ليس بحسب اسم القائمة بل بحسب لفظ آخر، وهو الجسم؛ ولا يمنع أن يكون لهذا القول اسمٌ آخر موضوع؛ وليس إذا لم يكن له اسم موضوع دلَّ ذلك على أنه بحسب هذا الاسم الذى هو القائمة.
وقد يتفق أن يكون الاسم الواحد مقولا على شيئين بالاتفاق وبالتواطؤ معا، مثل الأسود إذا قيل على رجل اسمه أسود وهو أيضا ملون بالسواد، وقيل على القير؛ فإنه إذا أِخذ هذا الاسم على أنه اسم شخص الرجل، كان قوله عليه وعلى القير بالاتفاق، وإذا أخذ على أنه اسم الملون كان قوله عليهما بالتواطؤ. وقد يكون اللفظ الواحد أيضا مقولا على الشىء الواحد مع شيئين بالاتفاق والتواطؤ، كالعين للبصر مع بصر ومع ينبوع الماء وقد يكون مقولا على أشياء بأعيانها من جهتين بالتواطؤ والاتفاق، كما كان اتفق أن دل بالأسود، وهو لفظ واحد، على رجلين يسميام أسودين. والاسم الواحد قد يقال على الشىء الواحد من جهتين قولا بالاشتراك، مثل الأسود على المسمى بأسود ولونه أسود.
وربما كانت المعانى المختلفة فى شىء واحد اختلافها بالعموم والخصوص ثم يقال عليها اسم واحد فيكون مقولا بالاشتراك، وذلك من حيث يدل على معان مختلفة. ويقع بسبب ذلك غلط كثير، كما يقال ممكن على غير الممتنع وعلى غير الضرورى.
والأسماء المستعارة والمجازية إذا استقرت فَفُهِمَ منها المعنى صار حكمها حكم المشتركة، إلا أنها تكون كذلك عند من يفهم معناها، ويجب أن تكون حينئذ من جملة المتشابهات المنقولة. وكما أنها فى دلالتها قبل ذلك كانت مستعارة، كذلك كونها مشتركة قبل ذلك إنما هو بالاستعارة. والكليات كلها، إلا الجنس والنوع والفصل وحدها، فإنها تقع على جزئياتها التى تشترك فيها بالسوية وقوعا بالتواطؤ.
وليس ما يُظَنُّ من أنَّ الجنس والنوع والفصل وحدها هى التى تقع بالتواطؤ دون غيرها بشىء؛ وذلك لأن التواطؤ لم يكن تواطؤا بسبب كون المعنى ذاتيا، بل بسبب كونه واحدا فى المعنى غير مختلف. وهذه الوحدة قد توجد فيما هو ذاتى، وقد توجد فيما هو عرضى من الخواص والأعراض العامة.
وكما أنَّ للاشياء المتكثرة اعتباراً بحسب الاتفاق فى الاسم الواحد، فكذلك لها اعتبار بحسب الاختلاف فى الاسم؛ فإن الأشياء إذا تكثرت بالأسامى لم يَحْل إما أن يكون تكثرها مقارنا لتكثر مفهوماتها فيها فتسمى تلك الأمور متباينةَ الأسماء، كقولهم: حجر وإنسان وثور، وهذه هى التى تختلف بالأسامى وتختلف فى قول الجوهر الذى بحسب تلك الأسامى؛ وإمَّا أن يكون التكثر فى الأسامى ومفهوماتها واحدة، كما يقال: عسل وأَرْى، فإن مفهومات هذه كلها واحدة، فتسمى أسماء مترادفة.
والتباين قد يقع على وجوه، فيقع فى أشياء مختلفة الموضوعات، مثل الحجر والفرس؛ وقد يقع فى شىء واحد متفق الموضوع مختلف الاعتبارات؛ فمن ذلك أن يكون أحد الاسمين له من حيث موضوعه، والآخر من حيث هو له وصف، كقولنا: سيف وصارم؛ فإن السيف يدل على ذات الآله، والصارم يدل على حِدَّتِها. ومن ذلك أن يكون كل واحد من الاسمين يدل على وصٍف خاص مثل الصارم والمهند؛ فإن الصارم يدل على حدِته والمهند على نسبته. ومن ذلك أن يكون أحدهما بسبب وصف، والآخر بسبب وصٍف للوصف، كقولك: ناطق وفصيح؛ فإن الناطق يدل على وصف، والفصيح يدل على وصف الوصف.

(1/47)

وفى جلة المتباينات ما يسمى مشتقة ومنسوبة، وهى التى هى من جهة ما ليس اسمها بواحدٍ ولا معناها واحدَّا؛ فهى متباينة؛ لكن من حيث أنَّ بين الاسمين والمعنيين مشاكلًة مَّ لا تبلغ أن تجعلها اسما واحدا أو معنى واحدا، فهى مشتقة. وليس هذا قسما خامسا يُحْوج إلى أن يُشترط فى المتباينات من أنها هي التى تتباين فى جميع الوجوه، فلا يكون فيها مشاركة فى لفظٍ ولا معنى؛ فإن هذا تكلفٌ ويحُوج الى زيادة أقسام؛ بل المشتقة من جملة المتباينة.
والمشتق له الاسم هو الذى لما كانت له نسبة ما، أى نسبةٍ كانت إلى معنى من المعانى، سواء كان المعنى موجودا فيه كالفصاحة، أو له كالمال، أو موضوعا لعمل من أعماله كالحديد، فأريد أن يُدَل على وجود هذه النسبة له بلفٍظ يَدُل على اللفظ الذى لذلك المعنى الأول، ولا يكون هو بعينه ليدل على مخالفة معنى النسبة لمعنى المنسوب إليه، وليس مباينا له من كل وجه فلا يصلح للإيماء إليه، خولف بين اللفظين بالشكل والتصريف مخالفة تدل بالاصطلاح اللغوى على النحو من التعلق الذى بينهما، فقيل: فصيح أو متمول أو حداد؛ أو زيدت فيه زيادة تدل على النسبة، فقيل: نحوى وقرشى؛ أو فُعِل به فِعْلٌ يوجبه اصطلاح لغةٍ دون لغة. ومن شأن هذا اللفظ الذى للثانى أن يقال له إنه مشتقٌ من الأول، أو منسوبٌ إليه، كما لو كان مأخوذا بعينه، لقيل منقول بالاشتباه، كما لو لم يُسَمَّ مَنْ فيه العدلُ عادلا بل سُمِّى عدلا أيضا، لم يكن هذا من جملة ما سموه مشتقا ومنسوبا، بل من جملة ما يقال باشتباه الاسم واتفاقه، وكان منقولا من الأول إلى الثانى لا مشتقا.
والمشتق يحتاج الى اسمٍ موضوعٍ لمعنى، وإلى شىءٍ آخر له نسبة إلى ذلك المعنى، وإلى مشاركةٍ لاسم هذا الآخر مع اسم الأول، وإلى تغييرٍ مَّا يلحقه.
ولمفَرٍِّق أن يفرق بين المشتق والمنسوب فيجعل المنسوبَ ما يدل باٍلحاق لفظة النسبة بلفظ الشىء، كالهندى؛ ويجعل المشتق ما يدل بتغييرٍ يلحق اللفظ كالمهند. ولليونانية فى الأمرين اصطلاح آخر.
الفصل الثالث
فصل ( ج )
في بيان ما يقال على موضوع
أو لا يقال ويوجد في موضوع أو لا يوجد
أقول أولا إنه ربما أوْجَب استقصاءُ النظر عدولا عن المشهور؛ فإذا قرع سمعك ذلك فظن خيرا ولا تنقبض بسبب ورود ما لم تألفه عليك. واعلم أن العاقل لا يحيد عن المشهور ما وجد عنه محيصا. وبعد ذلك فاعلم أن صفات الأمور على أقسام: لأنه إما أن يكون الموصوف قد استقر ذاته معنى قائما، ثم إن الصفة التى يوصف بها تلحقه خارجةً عنه لحوقَ عارٍض أو لازمٍ؛ وإما أن يكون الموصوف أِخذ بحيث قد استقر ذاته، لكن الصفة التى يوصف بها ليست تلحقه لحوق أمرٍ خارج بل هو جزء من قوامه؛ وإما أن يكون أِخذ بحيث لا يكون قد استقر ذاته بعد، والصفة تلحقه لتقرر ذاته وليست جزءا من ذاته؛ وإما أن يكون أِخذ بحيث لا يكون قد استقر ذاته بعد، والصفة ليست تلحقه من خارج، بل هو جزء من وجوده؛ وإما أن لا يكون قد استقر ذاته، والصفة تلحقه لا لنفس ذاته، بل لحوق لازم لما يقرره أو عارٍض له أول.
مثال الأول قولك: الإنسات أبيض أو ضحاك.
ومثال الثانى قولك: الإنسان حيوان؛ فإن الإنسان طبيعة متحصلة لا تحتاج إلى ما يقومها، بعد ما هو إنسان. وإن أشكل عليك هذا فخذ مكانه زيدا؛ ومع ذلك، فإن الحيوان جزء من ماهيته.
ومثال الثالث الهيولى والصورة؛ فإن الصورة صفة للهيولى خارجة عن ذاتها تتقرر بها ذاتها قائمةً بالفعل، ولولاها لاستحال وجودها، لاعلى أن الصورة لازمة بعد التقوم، بل مقومة مثبتة، وليست مع ذلك جزءا من الهيولى. وقد فَهِمْتَ الفصلَ بين هذين.
ومثال الرابع الجوهر للجسم المحمول على الحيوان؛ فإن الجسم مطلقا لايتقرر له وجود محصَّل لايكون بعده إلا العوارض واللواحق الخارجة، بل يحتاج إلى أمور خارجة فَصْلية تلحقه وتقوِّمه، والجوهر مع ذلك جزءٌ من ماهيته، أى جزءُ حَدِّه.

(1/48)

ومثال الخامس الهيولى إذا وصفت بالبياض أو السواد أو التحيز وما أشبه ذلك، وكذلك الجسم المطلق إذا وُصُف بأنه مستعد للحركة والسكون فى الأين وغير ذلك؛ فإن الهيولى غير متقررة الوجود بنفسها، وكذلك الجسم غير متقرر الوجود فى نفسه. وهذه الأحوال ليست مما تقرر هذه أو ذاك، وإن كانت تلزم من بعد كل ما يتقرر بما تقرره أو تتبعه وتلحقه. فما كان من هذه الجملة له صفة ليست لاحقةً من خارج لتقوِّمه، بل كان الموصوف متقوما فى ذاته أو غير متقوم، فإنه يسمى موضوعا لتلك الصفة؛ فلا تكون الهيولى موضوعةً للشئ الذي يسمى صورة؛ لأنها صفة خارجية مقوِّمة للهيولى شيئا بالفعل؛ ويكون الإنسان موضوعا للحيوان، لأن الحيوان ليس لاحقا له من الخارج، وإن كان يقومه، بل هو جزء وجودهِ؛ ويكون الجسم موضوعا للبياضِ، لأنه وإن لم يتقوم بعد، فليس يتقوم إذا تقوم بالبياض، بل إنما يتقوم بأشياء أخرى؛ فهو إذا قيس إلى البياض يكون قد تقوم دونه؛ ويكون البياض موضوعا للون، لأنه ليس يتقوم به على أنه من خارج؛ ويكون جميع ما نسبته إلى الصفة ليست على نسبة شئ إلى الخارج المقوم موضوعا، سواء كانت الصفة مقومة وليست خارجة، أو كانت خارجة وليست مقومة.فيجب أن تفهم من الموضوع ههنا هذا، وإن كان قد يستعمل فى مواضع أخرى استعمالات كثيرة.
وفى هذا التفصيل فوايد: أحدها الشعور بهذا الاختلاف؛ والثانى ليكون الموضوع المستعمل فى نسبتى " فى " و " على " المذكورين بعد معنى كالجامع، ثم تفصل النسبة إليهما، أعنى إلى نسبة " فى " وإلى نسبة " على " ، وأن يكون بين العرض والصورة فرق، وأن يحتاج إلى أن يقال إن شيئا واحدا قد يكون عرضا وجوهرا؛ وهذه أشياء ستعرفها عن قريب، وتعرف ما فى إغفال هذا الأصل الذي أعطيناك من الخلل.

(1/49)

فنقول: إن الأمر الذي ينسب إلى موضوع تكون نسبته إليه على وجهين: فإنه إمِّا أن يكون بحيث يمكن أن يقال إن الموضوع هو كالحيوان الذي يمكن أن يقال إن الإنسان هو، حين يقال إن الإنسان حيوان، ومثل هذا، فهو المحمول على الشئ والمحمول على الموضوع؛ وإما أن لايكون بحيث يمكن أن يقال إنه هو، بل يقال إن فيه ذلك كالبياض الذي لايمكن أن يقال لموضوعه، إذا فرِض ثوبا أو خشبة، إنه هو، فلا يقال ألبتة إن الثوب بياض أو الخشبة بياض ولأنه موجود للموضوع، فإما أن يقال: إن الثوب ذو بياض، أو يقال: إن الثوب مبيض أو أبيض. وهذا لايكون بالحقيقة محمولا بالمعنى على الموضوع كما هو، بل إنما يكون المحمول بالمعنى لفظا مشتقا من لفِظِه، أو مؤلفا من لفِظه ولفِظ النسبة، أو يكون حمله بالاشتراك فى الاسم لا فى المعنى؛ ولكن مثل هذا، وإن لم يكن محمولا على الموضوع، فهو لامحالة يكون موجودا فيه. والموضوع، لما يحمل عليه إذا اعتبر مأخوذا بنفسه، من غير إلحاقِ سُورٍ به، فإنه لايخلو إما أن يكون كليا أو جزئيا فإن كان جزئيا فالمحمول عليه إما أن يكون كليا أو جزئيا، فإن كان جزئيا لم يكن ذلك الجزئى غيره؛ فإن الجزئيين المتباينين لايحمل أحدهما على الآخر. وإذا كان كذلك لم يكن هو فى الحقيقة موضوعا ومحمولا على نفسه بحسب الطبع، بل بحسب القول واللسان، كما تقول: إن زيدا هو أبو القاسم أو هو ابن عمرو، اللهم إلا أن تعنى بابن عمرو معنى يجوز أن يشاركه فيه آخر فيكون كليا. فإن خصصته به، لم يكن ابن عمرو إلا هذا، وهذا هو زيد. وكذلك لو قلت هذا الأبيض هو هذا الكاتب، فإنما تشير إلى موضوع واحد؛ وليس كونه هذا الأبيض أولى بأن يوضع أو يحمل من الآخر، وإن كانت طبيعة الإنسان فيه أولى بأن توضع من طبيعة الكاتب، أعنى المطلقين؛ وأما هذا الكاتب فهو بعينه هذا الإنسان. وإن أخذت أحدهما، من حيث هو هذا الإنسان بلا شرط فوق هذه الإنسانية، وأخذت الآخر بإزائه كذلك أيضا، لم يحمل أحدهما على الآخر؛ فإنه ليس إنسان ما، من حيث هو هذا الإنسان، هو هذا الكاتب؛ ولا هذا الكاتب، من حيث هو هذا الكاتب، هو هذا الإنسان؛ أعنى من حيث الاعتباران المختلفان، إذا وجهت الالتفات فى كل واحد منهما إلى اعتباره الواحد مجردا بشرط أن لاتلتفِت إلى شئ آخر. ثم الاعتباران متباينان؛ ولهذا ليس هذا الكاتب، من حيث هو هذا الكاتب، هو هذا الطويل، من حيث هو هذا الطويل؛ بل أحدهما مسلوب عن الآخر؛ ولا حمل ولا وضع، وليس أحدهما موضوعا للآخر ولا مقولا عليه، أى بالإيجاب. وأما إن كان الموضوع كليا، فإن المحمول عليه بالحقيقة لايكون إلا كليا؛ فإن طبيعة الكلى لاتكون موضوعة بنفسها للشخصية من غير إلحاق سور الجزئى، وإلا لكانت الطبيعة الكلية تستحق فى طبعها لأن تكون هذا المشار إليه.
وإذا كان الأمر على هذه الصورة فيكون كل ما يقال على موضوع يلزمه أن يكون كليا؛ هذا إن كان كونه على موضوع مفهوما على ما قلناه، وإن لم يُجعل كذلك، بل جُعِل كونه على موضوع دالا على أنه مقول على كثيرين، كان هذا القول مرادفا لهذا الاسم، وكان فى ترك اللفظ المشهور، وهو لفظ الكلية ولفظ المقول على كثيرين واختراع هذا اللفظ زيادة شغل لافائدة فيه؛ وكان تصير الأمور، التى تنسب إلى أمور موضوعة لها على قسمين: أمور تقال على موضوعاتها، وأمور توجد فى موضوعاتها تكلفا قد استعمل فيه لفظ الموضوع فى موضع واحد على معنيين غير متفقين ولا متشاكلين متقاربين. وهذا شطط وفضل؛ بل الأحرى أن نسلك السبيل الذى سلكناه. وليس ولا فى واحد من السبيلين ضرورة؛ ولو قيل كلى وجزئى لكان فيه الكفاية.

(1/50)

فإذ قد تكُلف هذا التكلف، فبالحرى أن نجعل له وجها مفيدا على ما أوردناه فنقول الآن: إن كل ما هو على موضوع بالحقيقة فهو كلى، وكل كلى فإنه محمول على موضوع ضرورةً؛ لأن له جزيئات بفعل أو بقوة يقال عليها الكلى هذا القول؛ وكل موجود فى موضوع فهو الذى يقال له عرض؛ وإذا كان كذلك فكل عرض فهو موجود فى موضوع؛ فإن العرض اسم موضوع لهذا المعنى؛ ولا يلزمنا فى هذه الجهة من الشناعة المنوطة بترادف الاسم ما لزم فى الجهة الأخرى التى للكلى؛ وذلك لأن تلك الجهة إذا أمكن أن يقال فيها ماقيل، ولم يكن بالترادف، بقيت هذه الجهة على الترادف، ولم تلزم الأمور التى كانت تلزم. وذلك لأن الفائدة فى استعمال لفظ الموجود فى موضوع اسما مرادفا للعرض أو قولا مرادفا لاسمه يحصل بسبب القسم الذى فى إيراده غير مرادف فائدة. على أن هذا ليس بالحقيقة اسما مرادفا للعرض بل قولا يشرح اسمه، إذ يلتفت إلى دلالة جزءٍ جزءٍ منه.
وأما الكلى فإنما يشرح اسمه قولك: " المقول على كثيرين " والمقول على موضوع اسم له معنى يلزمه أن يكون مقولا على كثيرين بالحجة التى أومأنا إليها. وأما الموجود فى موضوع فهو قول مرادف لاسم العرض، فإن العرضية ليست معناها إلا أن يكون للشئ وجود فى موضوع ويكون المعنى بالموجود فى الموضوع مانقرره بعد. وإذ تقرر هذا فنقول: إن ما ليس من الأشياء مقولا على موضوع هو الجزئى، وبالعكس؛ وما ليس بموجود فى موضوع فهو الذى نسميه الجوهر.
ثم إن قوما اشترطوا في المقول على الموضوع أن يكون ذاتيا مقوما للماهية، وفى الموجود فى الموضوع أن يكون عرضيا، إذ كان العرض عندهم والعرضى شيئا واحدا، وإن كان كثيرا ما يختلفان؛ فلم يخطر لهم فى هذا المكان كثرة اختلافهما ببال.
فهولاء حكموا بأن الأبيض إذا قيل على هذا الشىء الأبيض لم يكن مقولا على موضوع، بل موجودا فى موضوع، إذ ظنوا أن الأبيض موجود فى موضوع إذ ظنوا أن الأبيض عرض؛ بل جاوزوا هذا إلى أن قالوا: إن الكلى هو المقوم لماهية الشىء؛ فكأن غيره ليس بكل. فلنورد لفظ بعض مقدميهم فى تصحيح هذا المعنى، ولندل على الفضيحة التى فى ليتضح أن الصواب ما ذهبنا إليه. قال: وإنما قلت إن الكلى هو الذى يحمل على جزيئاته عن طريق " ما الشىء " ، وهو الذى يقال على موضوع، لأنه قد يحمل على الموضوع أشياء على غير هذه الجهة؛ مثال ذلك أن نحمل على زيد أنه يمشى، فنقول: إن زيدا يمشى؛ لكن معنى يمشى ليس يحمل على زيد على أنه أمر كلى وزيد جزئيه؛ لأنه ليس يحمل على زيد عند المسألة عنه ما هو؛ لأنه إن سأل سائل: ما هو زيد، فأجابه المسؤول:بأنه يمشى، كان جوابه له خطأ وكذبا؛ لأن معنى يمشى ليس يدل على ماهية زيد، بل إنما هو فعل من أفعاله. فانظر إلى هذا المنطقى جعل مطلوبه ودعواه أن الكلى هو الذى يُحمل على جزيئاته من طريق ما الشىء، ثم أراد أن يبين هذه الدعوى فجعل بيان ذلك من أن ما يحمل لا من طريق " ما الشىء " لا يكون كليا؛ وهذا عكس النقيض للمطلوب. ولوكان بيَنِّاً أو مسلماً لكان الأول لازما عن كثب. ثم نَصَّ المسألةَ في جزئى، وهو أنه يمشى وترك الماشى، لأن هذه المغالطة كانت تظهر فى الماشى أكثر، إذ كان الماشى اسما، وكان يمشى فعلا.

(1/51)

ويجب أن لا نضايق فى هذا أيضا، بل نقول: فلما أراد أنْ يبين أنَّ " يمشى " ليس كليا، أخذ المطلوب الأول المشكوك فيه مقدمة كبرى فى بيان أنَّ هذا ليس كليا، فقال: لأن " يمشى " لا يدل على ماهيته، وكل ما لا يكون مقولا فى ماهية الشىء فلا يكون كليا، وهذا هو الأمر الذى انصرف عن المطلوب إلى بيانه على أنه والمطلوب سواء فى الحكم. فإن ظن أن هذا غير المطلوب، بل يلزم عنه المطلوب، ومن شأن القياسات أن تأخذ أشياء هى ملزومات المطلوب، إذ كانت أعرف، فيقال له: لا يخلو إما أن تأخذ هذه المقدمة فى، هذا الموضع على أنها بينة، أو تتبين أولا ثم يتبين منها المطلوب. فإن كانت بينة بنفسها، فلا يحتاج إلى تكلف هذه القياسات، بل يجب أن يؤخذ هذا، قيقال: لما كان ما لا يكون مقولا فى ماهية الشىء لا يكون كليا ، فكلُّ كلى مقولٌ فى جواب ماهو. ثم دعوى أنها بينة وأبين من أن كل كلى مقولٌ فى جواب ما هو دعوى بعيدةٌ عن العقول؛ فإن من يقول: ليس كل كلى مقولا فى جواب ما هو، يقول مع ذلك: ليس كل ما ليس مقوْلا فى جواب ما هو فليس بكلى؛ وإن كان يحتاج إلى أن تبين هى ليبين منها المطلوب؛ فلم أخذت نفسها جزء القياس الذى يبينها ليتبين بها المطلوب ؟ ثم هل لإدخال " يمشي " ههنا فائدة إلا أن يجعل ذلك مكان المحمولات على الشىء التى ليست كلية ؟ فتبين أن المحمولات لا من طريق ما هو لا تكون كلية، فكيف يكون ذلك بأن يؤخذ أن المحمولات لا من طريق ما هو ليست كلية ؟ وقد أومأ فى هذا الفصل إلى شىء ولم يفصح به، وهو أشبه ما قاله فى ما يخيل وهو أن " يمشى " ليس كليا، لأن زيدا ليس جزئى " يمشى " . فإن قوله: لأن زيدا ليس جزئيا " يمشى " هو مما يسبق إلى الذهن قبوله، إذ قد سبق إلى الذهن أن زيداً شخصٌ من نوع الإنسان، والشخص جزئي للنوع، فيسبق إلى الظن أنه جزئى للنوع، ليس جزئيا لغيره؛ كأن الشئ لايجوز أن يكون جزئى شيئين.
لكن يجب أن يحصل المفهوم من قولنا إن كذا جزئى كذا، فنقول: إن قولنا كذا جزئى كذا، معناه أنه أحد مليوصف بكذا، فيكون كذا، لايلزم أن يوصف ذلك الجزئى به وحده، فيكون كذا صفِّة له ولغيره بفعل أو قوة. فإذا كان الوصف مما يحمل عليه وحده بالفعل والقوة معا، إن كان كذلك، لم يكن هو جزئى ذلك الوصف. وأما إذا كان يوصف به هو وغيره وصفاً بمفهوم واحد، وحدَّ واحدٍ، ووصفاً على سبيل أنه هو من غير اشتقاق، فهو أعم فى الوقوع منه، وذلك أخص منه؛ فإن زيدا أخص من " يمشى " " ويمشى " أعم من زيد. فإن زيدا لايقال إلا على واحد، و " يمشى " يقال على ما يقال له زيد وعلى غيره؛ فيكون زيد أحد الأمور الجزئية التى يحمل عليها " يمشى " . وإنما نعنى بالجزئى هذا.
وأما أن المحمول العام على زيد وغيره يجب أن يكون أمرا يحمل عليه فى ذاته فهو شرط زائد لزيد على الجزئية وللصفة على الكلية. وقد أجمع الناس على أن الخواص والأعراض كلية؛ ولها، من حيث هى خواص وأعراض، جزئيات غريبة عنها؛ فإن الضحاك بالقياس إلى هذا الضحاك، من حيث هو هذا الضحاك، ليس خاصة، بل نوع ومقوم لماهيته كما علمت، بل هو خاصة للإنسان. وجزئيات الضحاك، من حيث هو خاصة هى أشخاص الإنسان. وأشخاص الناس، من حيث هى أناس، فلا تتقوم بالضحاك؛ فإنه غير داخل في ماهيتها؛ وذلك لأنه ليس يقوم ماهيته، ومع ذلك فهو كلى مقول على كثيرين هى جزيئاته، من حيث هو خاصة ثم إن كان الأبيض للإنسان و " يمشى " لزيد ليس مما يكون مقولا على موضوع، بل هو عرض، لم يخل إما أن يكون اسم العرض يقال على العرضى وعلى العرض الحقيقى باشتراك بحتٍ، لاتشكيك ولاتواطؤ فيه، أوْلا يكون مقولا بالاشتراك.
فإن كان مقولا باشتراك وجب أن تكون الأقسام بحسب المعانى أكثر من الأقسام التى يوردونها؛ إذ أصول الأقسام حينئذ تكون ستة: كلى وجزئى وجوهر وعرض، الذي بأحد المعنيين، وجوهر وعرض، الذي هو بمعنى الجوهرى والعرضى؛ وكل واحد من العرضين قد استعمل فى الأمثلة التى لهم فى هذا الباب؛ أعنى قد استعمل هؤلاء المدخلون هذه الشروط الفاسدة. لست أعنى أن أول من علمنا هذا أدخل شيئا من ذلك.

(1/52)

وأما إن كان وقوع العرض عليهما بالتواطؤ، فليدلَّ على هذا المعنى؛ لكنهم اتفقوا أن الذى فى موضوع لا يشاركه موضوعه فى الحد والاسم جميعا، بل ربما يشاركه فى الاسم فقط، ولا يحمل عليه حده. ثم إذا قلنا لزيد إنه يمشى وإنه أبيض، وطلبنا حد " يمشى " وهو أنه شىء ينتقل من مكان إلى مكان بتقديم قَدَمٍ واعتمادٍ على أخرى، وطلبنا حد الأبيض وهو شىء ملون بلون مُفَرِّق للبصر، فنجد هذين الحدين كليهما مما يقال على زيد؛ فإن زيدا كما يقال له يمشى، كذلك يقال إنه ينتقل من مكان إلى مكان بتقديم قدم واعتماد على أخرى؛ وكما يقال إنه أبيض، كذلك يقال إنه جسم ملون بلون مفرق للبصر. فمن البين أن هذا الكلام مما يجب ان لا يلتفت إليه.
ويجب أن تتذكر ههنا ما قيل فى المشاركات والمباينات المتفق منهم على تسليمها إن الخمسة تحمل على تواطؤ وإن الخاصة أيضا تحمل بتواطؤ، فتعلم أنهم سريعا ما ينسون؛ اللهم إلا أن يقولوا إن المشاركة فى الحدّ هو أن يكون الحد ليس محمولا فقط، بل أن يكون حدا، فتكون الأجناس الطبيعية لا تشاركها الأنواع فى الحدود بل فى الأسماء فقط؛ فإن حدود الأجناس ليست حدوداً للأنواع؛ وأيضا فإن الأشخاص لا حدود لها، فكيف تشارك الأجناس فى الحدود. فإن تكلفوا شططا آخر وقالوا: إن المشاركة فى الحد هى أن يكون ما هو حد لأحدهما إما حدا للآخر أو جزء حد للآخر، فيكذبهم تصديقهم أن الجنس يشارك الخاصة فى أن الجنس والخاصة تحملان على ما تحتهما بالتواطؤ وبالاسم وبالحد؛ وقد أقروا كلهم بهذا.
فليس إذن معنى المشاركة في الحد هو هذا، بل أن يكون ما هو مفهومٌ للاسم وحدُّ أو رسمٌ له يحمل على الشىء الذى يحمل عليه الاسم؛ فيوصف الشىء بمعنى الاسم كما يسمى بلفظه، وإن لم يكن ذلك حدا له.
فبهذه الأشياء يتبين أنهم أغفلوا إغفالا كثيرا.ويتبين أن السبب فى ذلك ظنهم أن العرض، الذى هو أحد الخمسة، هو العرض الذى نتكلم فيه فى هذا الكتاب. بل قد يتبين بذلك أن كل معنى عام يقال على أكثر من واحد، كيف قيل، فهو كلى؛ والمعنى الخاص جزئى؛ وأن العرض الذى يقابل الجوهر هو الذى سنحده؛ وأن الأمور : إما مقولة له على موضوع، غير موجودة فى موضوع، وهى كليات أشياء هى جواهر؛فلأنها كليات، فهى تقال " على " ؛ ولأنها جواهر، فلا توجد " فى " ؛ وإما موجودة فى موضوع غير مقولة على موضوع وهى جزئيات الأعراض، فإنها، لأنها أعراض، موجودة " فى " ، ولأنها جزئية، ليست " على " ؛ وإما مقولة على موضوع، موجودة فى موضوع وهى كليات الأعراض، فإنها، بالقياس إلى جزئياتها، كالبياض بالقياس إلى بياض ما مقولة على موضوع؛ ولأنها أعراض فهى موجودة فى موضوع؛ وإما لا مقولة " على " ولا موجودة " فى " ، وهى جزئيات الجواهر، كزيد وعمرو وهذه المادة وهذه الصورة وهذه النفس؛ ولأنها جواهر، ليست موجودةً فى موضوع؛ ولأنها جزئية، ليست مقولةً على موضوع.
الفصل الرابع
فصل ( د )
في شرح حد العرض
وهو أنه موجود في موضوع
فلنبين الآن معنى قولنا الموجود فى موضوع. فقد رِسم أنه: " الموجود فى شىء لا كجزء منه، ولا يصح قوامه من دون ما هو فيه " . فقولنا إنه الموجود فى شىء يقع على أشياء كثيرة: على بعضها بالتواطؤ، وعلى بعضها بالتشكيك، وعلى بعضها بالاشتباه. وليس وقوعه على جميع تلك الأشياء وقوع لفظ متواطئ ، ولا وقوع لفظٍ مشكك، بل وقوع لفظ مشترك، أعنى إذا قيس إلى جميعها؛ ولا هذا البيان المبنى عليه بيان حَدِّىٌ ولا رسمٌ حقيقى؛ بل هو نوع من البيان المحالِ به على الاسم، كما يبين اسمٌ باسمٍ أشهر وأعرف.

(1/53)

ومأخذ ذلك هو أن الجمهور يعرفون أشياء يقال لها إنها فى شىء؛ فيريد الآتى بهذا البيان أن يقول: إن هذا العرض هو الكائن فى الموضوع وإن كونه فى الموضوع ليس كذا من الكون فى شىء ولا كذا حتى يزول الاشتراك فى الاسم؛ فيبقى معنى واحد ينبه عليه بالمثال، بعد أن أزيلت الشبهة التى من اشتراك الاسم. فإن إزالة الشُّبَهِ باشتراك الاسم قد يمكن على نحوين: أحدهما أن يؤتى بالحد المراد بالاسم، أو يؤتى بالرسم؛ والثانى أن تنفى المعانى الداخلة تحت اشتراك الاسم حتى يدل على الباقى، لا من ذاته، ولكن بسلب ما ليس له. فقوله: " الموجود فى شىء " يفرق بين حال العرض وبين حال الكل فى الأجزاء؛ فإنَّ للكل صورة تمامية لا توجد قائمة بنفسها، ولكن فى أجزائها جملتها، لا فى واحدٍ واحدٍ منها، فإن العَشْرية كليةَ ما ولا توجد حاصلةً فى واحدٍ واحدٍ، بل فى الأجزاء كلها؛ فإنها، إذا توافت واجتمعت، حصلت حينئذ صورة العشرية. ويتضح لك هذا على كنهه من الفلسفة الأولى. فإذا قيل " الموجود فى شىء " فقد زالت مشابهة العرض للكلية.
ولقائل أن يقول: إن الإضافات كالمماسة وكالمؤاخاة وغير ذلك إنما توجد فى شيئين لا فى شىء واحد، فيكون جوابه ما نقوله فى موضعه من تعريفنا المضاف ز ولقائل أن يقول: إن الزمان عندكم عرض وليس فى شىء، فيكون جوابه: إنه فى شىء؛ وبيانه فى العلم الطبيعى.
ولقائل أن يقول: إن المكان أيضا عرض وليس فى المتمكن، فيكون جوابه: إنه فى شىء آخر؛ وبيانه أيضا فى العلم الطبيعى. فإن المنطقي لا يفى ببيان ذلك؛ بل يجب أن ينبه حتى لا يحسب أن هذه المقدمة، وهى أن الزمان ليس فى شىء، مسلمة؛ وكذلك غيرها.
ولقائل أن يقول: إن الكل، وإن كان قد يكون جوهرا، فإنَّ الكليَّةَ هى فى أشياء وهى عرض؛ لأن الكلية، وهى مثل العَشْرية وغيرها، لا تعدّ عندكم جواهر، بل هى أعراض، وليس وجودها فى شىء واحد؛ فيقال: إنه ليس يمنع أن يكون الموضوع الأول للعرض مؤلفاً من أشياء كثيرة تكون جملتها قد صارت موضوعل للعرض؛ وتكون تلك الجملة هى الموضوع لذلك العرض،من حيث هو جملة،وتكون، من حيث هى جملة،شيئا واحدا. فإن كانت الكلية عرضا ولها موضوع، فالموضوع الذى يحملها ليس موضوعا لها، من حيث هو أشياء، حتى يكون كل واحد منها يحمل ذلك العرض، بل من حيث هناك حاصل من اجتماعها، وإنما يمنع من أن يكون العرض فى أشياء على أن يكون الواحد منه عرضا فى كل واحد منها.
فإن قال قائل: فلِم لم يكن جوابكم فى وجود الكل فى الأجزاء هذا الجواب؟ ولِم احتجتم أن تفِصلوا بين العرض وبين الكل بأن الكل فى الأشياء، إذ ليس الكل فى واحدٍ واحدٍ منها، بل فى الجملة، وتلك الجملة واحدة، من حيث هى جملة ؟ فنقول: إن الكل ليس يجوز أن يقال لإنه فى جملة الأجزاء، لأنه نفسه جملة الأجزاء، فلا يكون مجموع الأجزاء شيئا دون الكل؛ فكيف يكون الكل فى نفسه ؟ وأما الكلية فهى التى يقال فيها ذلك، وهى حال هذه الجملة، من حيث هى جملة. وبالحقيقة فإن قول القائل " إنَّ الكل فى الأجزاء " قول مجازى، ومعناه أن وجود الكلية التى بها الكل هو ما هو فى الأجزاء، كأن الأجزاء أشياء يعرض لها هيئة ما يكون منها الكل، وتلك الهيئة هى الكلية، وتلك الهيئة عرض جامع، والكل هو المؤلف من تلك الهيئةِ والأفرادِ؛ فيكون بالعرض ما يقال للكل إنه فى الأجزاء، أى كليته فى الأجزاء وقوامه فى الأجزاء. وبالحرى أن لا تحتاج أن تشتغل بهذا الفرق كل الاشتغال إلا لما يقع من الالتباس فى بادئ الأمر بين المستعمَل بالحقيقة وبين المجازى.
وفى أمثال هذه المواضع فقد يحسن أن تعرف الفرق أيضا بين الحقيقي وبين المجازى الذي ربما لم تعرف فى بادئ الأمر أنه مجازى. ويشبه أن لاتكون بنا حاجة داعية إلى هذا الفرق.
وأظن أن الراسم الأول لم يذهب ذهنه إلى شئ فى أمر هذا الفرق، بل اخترعه المتكلفون. فيكون الوجه المتكلف لهذا الفرق هو أنه إذا قيل للكل إنه فى أمر، فإنما يقال إنه فى أشياء؛ وإن كان هو بالحقيقة لافى شئ ولا فى أشياء منها.
وأما العرضُ فإنما هو عرضٌ، لأنه فى شئ؛ فإن اتفق أن كان بوجهٍ مَّا فى أشياء، فليس هو عرضا من أجل ذلك، بل من أجل أنه فى شئ، إما مجموعها أو غير ذلك وأما الكل فإن كونه كلا إنما هو بحسب مايقال مجازا إنه فى أشياء لا فى شئ.

(1/54)

فهذا وجه بيان هذا الفرق. وما أراه يحتاج إليه؛ وإن احتيج إلى ذلك، كان فرقا أيضا بين وجود العرض فى الموضوع، وبين وجود الجنس فى الأنواع، من حيث العموم، ووجوِد النوع فى الأشخاص؛ وبالجملة بينه وبين وجود الكلى في الجزيئات من حيث هو كلى.
وإذا عنينا بقولنا " الموجود فى شئ " ، أى فى شئ متحصل القوام بنفسه، قد تمت شيئيته دون ما يوجد فيه، أو يتم دونها فلا يقومه ما يحله، كان فرقا بين حال العرض فى الموضوع وحال الصورة فى المادة؛ فإن الصورة هى الأمر الذي يجعل محله موجودا بالفعل؛ ومحله ليس بنفسه شيئا بالفعل إلا بالصورة.
وقوله: " لاكجزء منه " يفرق بين ذلك وبين وجود الجزء فى الكل وبين وجود طبيعة الجنس فى طبيعة النوع الواحد، من حيث هما طبيعتان، وبين وجود عمومية النوع في عمومية الجنس، من حيث هما عامان؛ وبالجملة يفرق بين حال العرض في الموضوع وبين حال الجزئى فى الكلى الذى من هذه الجهة يقال للجزئى أنه فى الكلى؛ وكذلك يفرق بينه وبين وجود المادة فى المركب والصورة فى المركب.
وقوله: " ولا يمكن قوامه مفارقا له " يفرق بين كون العرض فى موضوعه وكون الشئ فى الزمان؛ لأن الشئ فى أى زمان فَرَضْتَه يمكنك أن تجعله مفارقا له إلى زمان آخر، ولا كذلك حال العرض فى موضوعه.
وكذلك الشئ فى المكان؛ فإن كونه فى المكان لايوجب أن يكون هو بحيث لايقوم دون المكان؛ فإنه، لا من حيث هو ذو مكان، ولا من حيث ذلك مكان، يلزم أن لايفارق ذو المكان المكانَ؛ بل إنْ كان ولابد، فلسبب آخر. وكون العرض فى موضوع، يوجب ذلك، من حيث هذا موضوع، وذلك عرض.
وكذلك كون الشئ فى الغاية؛ فإنَّ كون الشئ فى الغاية قد يفارق الغاية، كالإنسان فى السعادة، والبدن فى الصحة، والسايس فى السياسة.
وكذلك كون الجوهر فى العرض؛ فإنَّ الجوهرَ يفارق العرض ويصح له دونه قوام. وكذلك المادة ، من حيث لها معنى المادة، لايمتنع عليها أن تفارق الصورة إلى أخرى. وطبيعة الجنس قد توجد مفارقة لطبيعة النوع فى نوع آخر. على أنَّ فى مثل هذا نظراً ليس يفى به المنطق.
لكن الشكوك على هذا كثيرة، ولنذكرها ولنحلها حلا. من ذلك أن الشئ يقال إنه فى الزمان المطلق ولا يفارق الزمان المطلق؛ وأن الشئ يقال له إنه فى المكان المطلق، ولا يفارق المكان المطلق؛ والجوهر يقال إنه فى العرض المطلق كذلك، ولا يفارق العرض المطلق. وبعض الأجسام لايصح لها أن توجد إلا فى المكان الذى هى فيه وليست أعراضا، كالقمر فى فلكه. وبعض المواد لاتفارق الصورة التى لها إلى أخرى كمادة الفلك، وليست أعراضا. ولا شئَ من الصورة يصح أن يفارق المادة.
وقد قلتم: ليس كون الصورة فى المادة كون الشئ فى موضوع؛ فنقول أولا: إن معنى قولنا: ولا يمكن مفارقته لما هو فيه، أن أى موجود معيَّن منه أخذته فى الشئ المتعين الذي هو فيه موجود لم يجز مفارقته لذلك المعينّ، بل علة قوامه هى أنه فيه، لا أن يكون ذلك أمرا لزمه بعد تقوِّمه بالفعل. ولأجل هذا ما خُصذض العرض باسم الموجود فى الموضوع؛ إذ هو اعتبار الوجود؛ وخُصَّ الآخر بلفظ القول على الموضوع؛ إذ الكلى إنما يكون موجودا فى اللفظ أو فى التصَوُّرِ؛ وكلاهما قول. فهذا غرضنا فيما نقوله؛ فتزول شبهة المكان والزمان والعرض المطلقات لأجل ما اشترطناه من التعيين.
ومن جهة أن الشىء إنما يكون فى المطلقات بحسب الوهم، وكلامنا بحسب الوجود، وليس فى الوجود، كما تعلم، إلا أعيانٌ موجودة فى أعيانٍ كلها شخصية، وكلامنا فى نحو وجودها الذى لها، لا فى نحو التوهم. ولو اعتبرنا نحوَ التوهم، لم يبعد أن نجعل كثيرا من الأعراض مفارقةً للموضوعات فى التوهم. وأما القمر فى فلكه فذلك أمرٌ لزمه من خارج لزوما، لا أنَّ علة وجود القمر، من حيث هى طبيعة القَمَرِيَّة، كونه فى مكانه. ولذلك يصح أن يُفرض للقمر جزءٌ بوجهٍ ما؛ لأن كل جسم يصح أن يفرض له جزء بوجهٍ ما، وما يفرض من أجزائه يكون غير موصوف بأنه يكون فى مكان الكل أو فى مكانٍ البتة. تعلم هذا فى علم الطبيعة؛ ومع هذا، فليس ذلك لأنه فى المكان حتى يوجب كونه فى المكان أن لايفارق المكان؛ بل إنما يوِجب ذلك فيه شئ غير كونه فى المكان. وأما العرض فإنما ذلك له لأنه فى موضوع.

(1/55)

وأما الصورة التي فى المادة، فإنها ليست المادة علة قوامها عند الفلاسفة المحصلين، بل علة الصورة شئ هو أيضا علة المادة، لكنها كذلك بتوسط الصورة؛ ويلزم الصورة أن تكون ذاتها ملاقيةً لما تقوِّمه موجودا بالفعل.
قال قوم: إن الفرق بين وجود الصورة فى المادة وبين وجود العرض فى الموضوع أن الصورة تكون جزاء من المركب؛ وأما العرض فلا هو جزءٌ من الموضوع ولا من المركب. وصاروا من هذا إلى أن قال قوم: إنك إن لم تِقس الصورة إلى المركب، بل إلى القابل، كانت عرضا؛ وإن قِست العرض إلى الحاصل منه ومن الموضوع كان صورة.
وهذا كلام ردئ جدا مشوَّش. وذلك لأن الرسم المقدم لم يُشْترط فيه أن العرض لايكون جزءا من شئ البتة، ولا فيه أن يكون جزءا من المركب؛ بل فيه أن لايكون جزءا من الموضوع، حين قيل إنه لاكجزء منه، أى من الموضوع، أى من الذي هو عرض فيه. فليكن هذا فرقا بين وجود العرض فى الموضوع، وبين وجود الصورة فى المركب.
وليس المطلوب هذا؛ بل المطلوب هو الفرق بين وجود العرض فى الموضوع ووجود الصورة فى المادة الذي هو اعتبار غير اعتبار وجود الصورةَ فى المركبَ منها ومن المادة. فلو كان قيل فى الرسم إن العرض موجود فى شئ لاكجزء من شئ البتة، لكان الأمر على مايقولونه؛ ولو كان مع ذلك لايكون العرض جزءا من شئ البتة، لامن الموضوع ولا من المركب، وكانت الصورة جزءا من أحدهما، وهو المركب، وليست جزءا من المادة وكان ربما فرق هذا القول؛ ولكن ليس يفهم ذلك من قولنا: موجود فى شئ لاكجزء منه، وإنما يفهم من هذا القول إنه لايكون جزءا من الشئ الذى هو موجود فيه وجود الشئ فى محله؛ وإذ ليس ذلك مقولا، وليس أيضا حقا، فما ذهبوا إليه هذيان.
وإنما لم يكن ذلك حقا؛ لأن الأعراض قد تكون أجزاء من مركبات منها ومن الجواهر؛ فقد يحدث من تركيب جوهرٍ وعرضٍ معنى مركبٌ منهما، كل واحد منهما جزءا منه، كالكرسي من الخشب ومن عارضٍ فيه، والخشب موضوع له بالحقيقة ليس بمادة؛ وكالتقعير فإنه يحدث منه ومن الأنفِ شئ وهو الأفطس فإذن هذا الأعتبار ردئ فاسد.
وههنا شئ يجب أن تميل إليه كل الميل؛ وهو إنه يشبه أن يكون هذا الرسم الذى رسم به العرض لم يعن فيه بعرضٍ ما، إذا تغلغل الإنسان فى الفلسفة، شعر به وبالفرق بينه وبين الصورة، بل عنى به معنى أعم من معنى هذا العرض، وهو المعنى الذى يعم هذا العرض والصورة، وهو الكون فى المحل، والحاصل هيئة له، سواء أكان ذلك المحل مادة أم موضوعا. فإن اسم العرض لايبعد أن يقال على الأمرين قولا يتفقان فيه وفى مفهومه بوجه؛ ولكن هذا الاشتباه ليس أمرا لامحيد عنه ولامحيص. وأما أمر المادة الكائنة فى صورةٍ، لاتفارق المادة تلك الصورة إلى غيرها، فهو أمر مشكل؛ وكإنه يعيب هذا الرسم فينقصه، إذ يجعله عاما لهذه المادة والعرض؛ ومع ذلك فإن المادة يقال إنها فى هذه الصورة بتلك الشرائط الأخرى، فيشبه أن يكون من الوجوه التى يُجاب بها عن هذا، ويكون جوابا عن أشياء أخرى أيضا، أن هذا الكتاب إنما يخاطب به الجمهور؛ فإن المبتدئ يعد فى درجة الجمهور، وهذا الرسم مبنى على لفظٍ متعارفٍ؛ وإنما تفسر أحواله بحسب اللفظ.
ثم التعارف المشهور فى استعمال لفظة " فى " ليس يتناول نسبة الصورة إلى المادة، ولا المادة إلى الصورة، بل يتناول نسبة الجواهر إلى الأعراض، كقولهم: زيد في راحة؛ ونسبة الأعراض إلى الجواهر، كقولهم البياض في جسم، مع أمور أخرى جرى التعارف بها، كالشئ فى الزمان والمكان والإناء، والجزء فى الكل، وما جرى ذلك المجرى. وإن الفرق إذا حصل، باستثناء هذه الوجوه المشهورة، لم يبق فى المشهور شئ يقال إنه في شئ غير العرض، حتى يسبقَ إذا ظن المتعلم أن ذلك الوجودَ وجودُ العرض فى الجوهر، ولا يكون.
فقد أخبرنا أن هذا التعريف بحسب اللفظ، ليس بحسب معنى جامع، وضع عاما ثم ألحق به فصول؛ وإذا كان بحسب اللفظ وتفصيله، وعلى نحو ما أخبرنا به،لم يبعد أن يُلتفت فى ذلك إلى الاستعمال الجمهوري لا على اصطلاحات، حصلت بعد تعارف الجمهور، التى يمكن أن تقع عند الإمعان فى العلوم فليس يمكن أن تُدرْك لذلك غاية.

(1/56)

فإن إيقاع الاسم على الأشياء أو الاشتباه ليس مما يضبط أو يحد، إنما يضبط أو يحد مايرام فيه مراعاة المعنى أما بالتواطؤ أو التشكيك الذى ذكرناه. وكأن المادة والصورة، إذا كانتا بالصفة المذكورة لهما، لم يطلِق الجمهور اللفظ بأن إحدهما فى الأخرى، بل مع الأخرى، وخصوصا المادة فى الصورة.
فإنْ أراد مريدٌ أنْ يزول هذا الاشتباه الواقع الآن مع وجود الاصطلاحات التى تجددت بعد الاصطلاح المشهور، فيجب أن يزاد الموجود فى الشئ جاعلا إياه بصفةٍ ونعتٍ؛ فإن هذا ليس أشد تشكيكا بل اتفاقا من لفظ الموجود فى شئ؛ فتكون المادة لاتجعل الصورة بصفةٍ ونعتٍ، أعنى المادة التى فيها الشك، بل الصورة هى التى تنعتها وتصفها.
فإن قال قائل: إن الفرق هو أن المادة فى طباعها تستبدل صورة تُقَوَّمُ بها كهذه الصورة لكن الصورة ليست تزول عنها، فيكون ذلك قَسْرا عرض لها من هذه الصورة؛ وأما العرض ففى طباعه ما هو متقوم بالموضوع، وليس فى طباعه الانتقال عنه، لم يقبل منه هذا القول. فإن المادة التى فيها الشك محصل مِن أمرها فى العلوم أنها لاتقوم بلا صورة، وأنها ليس فى طباعها أن تقبل صورة أخرى، فيكون طباعها موقوفا على هذه الصورة.
على أنا ضمنا عبارتنا عن هذه التفرقةِ جهةً لاتبعد عن إصابة موقع فى الفرق؛ وهو أنا قلنا: إن المادة، لكونها مادة، لايلزمها أن تكون متعلقة مقارنة لصورة بعينها، بل ربما وجب لها ذلك لنوعيةٍ أو طبيعةٍ، كيف كانت، بعد كونها مادة. وأما العرض، فتعلقه بالموضوع لأعم معانيه، وهو كونه عرضا، وهذا أيضا مقنع.
ومما يُتشكك به أيضا أمرُ الأعراض التى لاتفارق ولايوجد الجوهر قائما دونها؛ لكنها ليست إنما لاتفارق لأن الجوهر يتقوَّم بالكون فيها، حتى لايصح قوامه دونها؛ بل ذلك أمر لازم له؛ وهو يقومها. وأما العرض، فإن معنى أنه لايفارق أنه لايصح قوامه بنفسه مفارقا؛ بل قوامه مستفاد مما لايفارق.
وأما التفريق الذى يفعله الوهم فليس فيه فرق بين الجوهر وبين العرض؛ فإن العرض قد يفرقه الوهم عن الجوهر.
ومما يتشكك على هذا الرسم هو أن من الأعراض مايفارِق الجوهر ببطلانه؛ وقد قلتم: إن العرض لايفارق الجوهر، فيقال: إنا نعنى بهذا أنه لايفارق قائما دونه وأما أنه يفارِقه بأن يبقى الجوهر ويبطل العرض فذلك مما لا ننكره، ألا ترى أنا قلنا: ولا يصح أن يكون له قوام دون ماهو فيه؟ ومما يتشكك به على هذا أن يقال: إن الرائحة عندكم عرض، فيجب ألا تقوم مفارقة للتفاحة، ونرى الرائحة تقوم مفارِقة للتفاحة فى موضوع آخر؛ فيقال فى ذلك: إن الرائحة ليست إذا وجدت فى الهواء عن التفاح فقد انتقلت عن التفاح وتركت التفاح؛ ولا الحرارة إذا وجدت فى الهواء عن النار فقد اتنقلت عن النار وتركت النار؛ بل ذلك إما على سبيل حدوث حرارةٍ أخرى ورائحةٍ أخرى فى الهواء؛ وإما على سبيل انبثاث أجزاء متحللة منها فى الهواء.
والعلم الطبيعى يصحح الحق فى ذلك. فلو كان صحيحا أن الهواء إذا أروح وإذا سخن يكون حينئذ النار والتفاح لازالت عنهما كيفيتهما، فوجدنا بلا لتك الكيفية؛ وكان صحيحا مع ذلك أن الكيفيتين لم تُعْدَمَا مِن النار والتفاح عدما بلا انتقال؛ وما وجُدنا فى الهواء ابتداء؛ بل الذى كان فى النار والتفاح قد انتقل بعينه، من غير عدّمِه ولا حدوث مثله؛ لكان هذا حقا. لكن العلم الطبيعى يبين أن الأمر ليس على هذه الصورة. فإذا لم تكن هذه المقدمة مسلمة، لم تلزم هذه المناقضة. وقصارى أمر المنطقى أَن يعرِف أن هذا لايلزم. وأما أن هذا كيف يكون، فاشتغال المنطقى بشرِحِه وبيانهِ، على ماجرت به العادة، خروجٌ عن صناعته من غير وفاءٍ يمكن أن يقع منه مايرومه.
الفصل الخامس
فصل (ه)
في مزاجات تقع بين " قول على " و " وجود في "
وأنها إلى أى شئ تتأدى

(1/57)

فنقول الآن: إنه إذا حُمِل شئٌ على شئٍ حَمل المقوِل على موضوع، ثم حُمِل ذلك الشئُ على شئٍ آخر حمل المقوِل على موضوع ، حتى يكون طرفان ووسط، فإن هذا الذى قيل على المقول على الموضوع، يقال على الشئ الذى حمِل عليه المقول الأول. مثال ذلك أن الحيوان لما قيل على الإنسان حمل المقوِل على الموضوع، وقيل الإنسان على زيدٍ وعمرو هذا القول بعينه، فإن الحيوان أيضا يقال على زيدٍ هذا القول بعينه؛ إذْ زيدٌ حيوانٌ، ويشترك مع الحيوان فى حده؛ أى حد الحيوان يحمل عليه، لأن الحيوان يقال على طبيعة الإنسان، فكل مايقال له إنسان يقال له حيوان، وزيد قيل له إنسان.
وقد يُتَشكك على هذا فيقال: إن الجنس يحمل على الحيوان، والحيوان يحمل على الإنسان، والجنس لايحمل على الإنسان، فنقول: إن الجنس ليس يحمل على طبيعة الحيوان حمل " على " ؛ فإن طبيعة الحيوان ليس بجنسٍ، ولو كان طبيعة الحيوان يحمل عليه الجنس حمل الكلى، لكان يلزم ما يلزمون، ويكون كل حيوانٍ جنسا، كما لما كانت طبيعة الحيوان يحمل عليها الجسم حتى كان كل حيوان جسما،كان الإنسان جسما لامحالة، بل إن الذي تحمل عليه الجنسية هو طبيعة الحيوان عند إيقاع اعتبار فيها بالفعل، وذلك الاعتبار تجريدها في الذهن، بحيث تصلح لإ يقاع الشركة فيها. وإيقاع هذا التجريد فيها اعتبار أخص من اعتبار الحيوان، بما هو حيوان فقط، الذي هو طبيعة الحيوانية؛ فإن الحيوان، بما هو حيوان فقط، بلا شرط تجريدٍ أو غير تجريد، فهو أعم اعتبارا من الحيوان باعتبار شرط التجريد؛ وذلك لأن الحيوان، بلا شرط، يصلح أن يقرن به شرط التجريد، فيفرض حيوانا قد نٌزِع عن الخواص المنِّوعة والمشِّخصة، ويصلح أن يُقْرن به شرط الخلط، فيقرن بالخواص المنوعة والمشخصة، وأما إذا أخذ بشرط التجريد، لم يصلح أن يقرن به أحد الشرطين: أما أحدهما، فلأنه قد حُصِّل فلا يصلح تحصيله وقرنه من ذي قبل؛ وأما الثاني، فلأنه لايجتمع مع شرط التجريد. فلطبيعة الحيوان، لابشرط تجريد، ولابشرط خلط، اعتبارٌ أعم؛ ولطبيعة الحيوان، بشرط التجريد، اعتبار أخص. وإنما تقال عليه الجنسية، إذا أعتبر في الذهن بشرط لاخلطٍ بالفعل وقبول خلطٍ بالقوة، لعدم مقارنٍ عائقٍ عن ذلك، مثل فصلٍ ينوِّع وعوارض جزئية تشخِّص. وإنما تكون طبيعة الحيوان، إذا اعتبر لابشرط خلط ولا بشرط لاخلط، فلما كان الموضوع للجنسية حيوانا بشرط لاخلطٍ وبشرط التجريد، ولم يكن الحيوان، بشرط لاخلط وبشرط التجريد، مقولا على الإنسان، بل بلا شرط خلطٍ، لم يوجد الجنس مقولا على الشىء الذي هو مقول على الإنسان.
ثم الجنسية عرض في هذه الطبيعة موجود فيها وجود الشىء في موضوع. وأما الجنس فقوله على ما يقال عليه من هذه الطبيعة، أعنى على ما يخصصه به الشرط المذكور، ليس هو قول العرض على المعروض له، بل قول المركب من العرض والحامل على الموضوع له، أي ليس قول البياض على الإنسان، بل قول الأبيض على زيد. ولو كان الشئ الذي يقال عليه الجنس مما يقال على الإنسان، لم يكن يمنع كون الجنس بهذه الصفة من أن يقال على الإنسان؛ وهذا تعلمه مما يلي هذا الموضع. وبالحقيقة إن هذا يرجع إلى أن الطرف الأكبر يحمل على بعض الوسط وعلى البعض الذي لايحمل على الطرف الأصغر.

(1/58)

ويجب أن تعتبر " المقول على " و " الموجود في " في هذه الأمثلة كليا، فإنك إذا جوزت الجزئى حتى يكون الطرف الأكبر على بعض من الواسطة، لم يجب فى اتفاق القولين بِ على أن يقال الطرف الأكبر على الأصغر، فإن الناطق يحمل على بعض الحيوان بِ على، والحيوان يحمل على كل فرسٍ بِ على؛ وليس يلزم أن يحمل الناطق على الفرس ِ بِ على؛ ولو اتفق أن كان بدل الجنس شئ آخر،هو على حكم الجنس وصفته، من حيث العموم، وكان يحمل على الواسطة، ماكان يمنع كونه غير ذاتى أن يحمل على ماتحت الواسطة. فإن اختلفت نسبة الطرف، الذى هو مكان الحيوان، ولنسمه الطرف الأكبر إلى الواسطة، الذى هو كالإنسان، ونسبة الواسطة إلى الطرف الآخر، الذى هو مكان زيد، ولنسمه الأصغر، وكان الطرف الأكبر مقولا على الأوسط، والأوسط موجودا فى الأصغر، فإن الجواب المشهور فيه عن المفسرين جوابان: أحدهما أنه لايُحمل على الآخر ولا فى الآخر، ومثالهم أن اللون محمول على الأبيض حملَ المحمول على الموضوع والأبيض محمول على الطائر المسمى قُقْنُس حَمْل المحمول فى موضوع. قالوا: واللون لايحمل على ققنس حمل " على " ؛ لأنه ليس من طريق ماهو، ولاحمل " فى " لما يقولون. قال بعضهم ماهذا لفظه: ولا أيضا يقال عليه حمل المحمول فى الموضوع، أعنى أنه ولا باسم يسمى ققنس. فهذا التشويش سبق إلى وهمهِ من قولهم: إن المقول " على " يعطى اسمه وحدَّه، والموجود " فى " لايعطى حدَّه بل اسمه، أنه يجب فى كل موضع أن يعطى اسمه، لا أن معناه أنه ربما اتفق أنْ شاركه الموضوع فى اسمه، حتى إذا كان عرضٌ من الأعراض كالفلسفة، موجوداً فى موضوع، أى فى النفس ولم تسم النفسُ فلسفةً، أو عرضٌ آخر لجوهر آخر فلم يسمّ مثلا الحجر صلابة، أو التفاحة رائحة، لم يكن ذلك الشئ عرضا، أو كان طبائع الأشياء تتغير بأن يجرى فى العادة فى أن يعطى اسمها وحده، دون معناها، أمورا أخرى؛ ألا يجرى ذلك فى العادة؛ حتى إذا لم يعقد اصطلاح " فى " على تسمية الأمور بأسماء أمور ليس لها حدودها، من غير أن أوجب ذلك مشاركة فى الحدود، صارت لذلك أشياء أخرى.
وأما الجواب الآخر فهو مارام رائمٌ أن يُصْلِح ما قاله هذا فقال: إن الحق فى بعض المواضع ما قال هذا؛ وفى بعض المواضع قد يُحْمل،كما يقول، الأبيضُ على أبيضٍ مَّا،لأنه ذاتى، وأبيضٌ مَّا موجودٌ فى بيضانى ما، ثم يقال للبيضانى إنه أبيض. فليت هذا القائل نفسه درى أنه يعنى بالأبيض البياضَ أو الشئ ذا البياض؛ فإنه إن عَنَى به البياض، كان كإنه قال: البياض يقال على بياض ما، وبياض ما موجود فى البيضانى، ثم البياض موجود أيضا فى البيضانى. وهذا لايفارق ذلك المثال؛ فإن اللون موجود أيضا فى البيضانى وإن عنى بالأبيض شيئا ذا بياض كان الأبيض موجودا فى البيضانى على رأيه، إذ يرى أنه وصف عرضا؛ فما أورد على أصله مثالا مخالفا لمقتضى ما أورده من يتشكك على كلامه. فأما نحن فنقول؛ إن الأول يكون على كلِّ حالٍ موجودا فى الثالث؛ فإن الشئ، إذا كان فيه اللون الأبيض، كان فيه جميع الأمور التي تقال على اللون قولا كليا، ويوصف بها اللونُ وصفاً عاما؛ وإلا كان في ذلك الشئ بياض ولم يكن فيه لون، وكان ذلك البياض ليس بلون؛ فلم يكن حمل اللون على البياض كليا، بل أى شى وجِدت فيه طبيعة عرض من الأعراض فتوجد فيه طبائع الأمور التي يوصف بها ذلك العرض وصفا كليا. ولكن إذا كان ذلك المعنى مما يقال على العرض وعلى موضوعه، إن أمكن أن يكون ذلك المعنى شيئا عاما لموضوعٍ مَّا وعرضا فيه، فيجوز أن يقال ذلك على موضوعه، لامن جهة العرض، بل الذى من جهة العرض لايقال عليه.
مثاله: أنه إذا كان الواحد مثلا يقال على العرض قول " على " حتى يقال إن البياض واحد، وكان الواحد مما يقال على البياض وعلى موضوعه، فإن الواحد حينئذ لايمتنع أن يقال على الموضوع قول " على " وليس من جهة البياض، لأن الواحد الذى قيل عن البياض هو هو البياض؛ إذ البياض هو ذلك الواحد؛ فاذْ البياض فى موضوعه، فذلك الواحد هو فى ذلك الموضوع لامقول عليه، حتى يكون من جهته واحدا، بل هو من جهته ذو واحدٍ لا واحدٌ؛ وإنْ كان في نفسه واحداً فهو واحد آخر.

(1/59)

فالواحد يقال على الموضوع فى نفسه ويوجد فيه من جهة بياضه، إذ ذلك الواحد، الذى هو البياض، ليس هو الواحد الذى هو الموضوع، بل فيه؛ وهذا كالجوهر يقال على الإنسان ويقال على نفسه؛ والجوهر الذى هو نفسه لايقال عليه، بل هو موجود فيه،وإن كان كوجود الجزء لاكوجود العرض. فبينٌ أنه لايمتنع حينئذ أن يكون الشئُ موصوفاً بصفة، وشئٌ آخر فيه هو أيضا موصوف بتلك الصفة؛ فتكون الصفة مقولة عليه من جهة، ومقولة فيه من جهة؛ فإنْ لم يوجد شئ من هذا القبيل فالمانع عن ذلك فقدان هذا القسم لانفس النسبة المذكورة. وأما إذا كان الوصف المقول على العرض خاصا به، لاتشاركه تلك الطبيعة فيه، فإنه يكون موجودا فى الموضوع لاغير. وأما إذا قلبنا النسبة، فجعلنا الطرف الأكبر موجودا " فى " والطرف الأوسط مقولا " على " فالجواب المشهور أنه تارة يُحْمل حمل " فى " كالبياض فى الققنس والققنس على الققنس مَّا والبياض فى ققنس ما، وتارة لايحمل؛ كالجنس فى الحيوان، والحيوان على الإنسان؛ والجنس لايحمل على الإنسان.
ويجب أن تتذكر ماقلناه إن الجنس لايحمل على الحيوان الذى هو بعينه مقول على الإنسان؛ فى تكون الواسطة واحدة بعينها؛ وإنما يجب أن تحفظ وحدة الواسطة؛ وإن الحق هو أن الواسطة، إذا كانت واحدة. فإن الموجود فى الواسطة، إذا كان وجوده فيها كليا، كان هو موجودا فى الطرف الأصغر؛ وإن كان فى بعضها، افترقت فى الواسطة؛ فلم يجب ذلك ههنا ولا فى غيره. وليس يخرج المثال المورد من الجنس من أن يكون من جملة ما الحمل فيه هو على بعض الواسطة. وليس يجب أن يؤخذ الأمران إلا كليين فى هذه الأمثلة؛ فإنك إذا اعتبرت الوجود أو القول فى بعضٍ وفى كل تغيَّرتْ المسائل كلها.
واعلم أن الطرف الأكبر إذا كان على الأوسط، والأوسط على الأصغر، ولم يكن القول على شئٍ منهما على معنى الذاتى فالطرف الأكبر أيضا يكون مقولا على الأصغر، مثل الضحاك على كل إنسان، والماشى على كل ضحاك، فالماشى على كل إنسان؛ وإن كان الطرف الأكبر موجودا في الواسطة والواسطة موجودة فى الأصغر فالجواب المشهور فيه أن هذا ممتنع؛ وذلك لأن العرض لايحمل على العرض؛ فإذا كانت الواسطة عرضا لم يَجُزْ أن يكون الطرف الأكبر عرضا فى الواسطة، فيكون عرضا فى عرض وهذا الذى يقولونه شىءٌ لم يجب من حد العرضِ، ولا قام عليه برهان. أما أنه لا يجب من حد العرض، فلأن العرض: قد قيل إنه الموجود فى شىء بهذه الصفة، ولم يبين أن ذلك الشىء هو جوهر لا محالة أو عرض. وأما البرهام فلم يحاولوا هؤلاء إقامته فى منطقهم، ولا فى سائر علومهم، ولا أيضا هو فى نفسه مما يقوم عليه البرهان؛ فإن القَّ نقيضُ هذه الدعوى، ولا أيضا يمكنهم أن يقولوا إن هذا بيِّن بنفسه.
فأمَّ أنَّ الحقِّ نقيضُ هذه الدعوى فذلك لأن كثيرا من الأعراض إنما يوجد فى الجواهر بتوسطِ أعراضٍ أخرى كما تبين لك فى موضعه، فإن الملامسة توجد فى الجسم لأنها توجد فى السطح، والتثليث يوجد فى الجسم لأنه فى السطح، وكونه مرئيا يوجد فى الجسم لأنه فى اللون؛ وليس إذا كان الموجود فى السطح لا يوجد إلا فى الجسم الذى فيه السطح، فيكون أيضا كونه موجودا فى الجسم يمنع أن يكون موجودا فى السطح؛ كما أنَّ قولَ الحيوان على أشخاص الناس لا يمنع أن يكون مقولا على الإنسان المقولِ على أشخاص الناس، بل يجوز أن يجتمع القولان أو الوجودان معا؛ لكن أحدهما أوّل والثانى ثان؛ فإن الملاسة توجد فى السطح أولا ثم فى الجسم، والزمان يعرض للحركة أولا ثم للمتحرك. وهذه أمور تُبينِّ لك فى مواضع أخرى؛ بل ما يعرِض فى العرض يكون هو والعرض كلاهما فى موضوع العرض كونَ الشىء فى شىء، لا كجزء منه، ولا يصح قِوامهُ مفارقاَ له؛ فيكون أيضا الموجود فى موضوع هو موجود فى موضوع ثان موجودا فى الموضوع الثانى؛ فيكون بالحقيقة الموضوعِ ( " على " والموضوع ) " فى " لا يوجب أحدهما أن يكون الموضوع هو الموضوع الذى هو الجوهر؛ فإنَّ اللونَ مقولٌ على موضوعات، كالسواد والبياض وهى أعراض، والزمانَ موجودٌ فى الحركة وهى أيضا عرض. وأما الموضوعات التى هى جواهر فأمثلتها ظاهرة.

(1/60)

ولنرجع إلى الرأس فنقول: كلُّ ذاتينْ يَحْصُلَ أحَدهما فى الآخر حصولا أولياَّ لا يتميز منه شىء عن الآخر، لا كالوتد فى الحائط، إذ باطن الوتد متبرىء عن الحائط، ويكون لو وقعت إشارة إلى تلك الذات لتناولتهما جميعا، فأيهما جعل صاحبه بصفةٍ وهيئةٍ ونعتٍ، فإنه أماِّ عرضٌ فى صاحبه وإما صورةٍ؛ وذلك لأنه إنْ كان صاحبه المتصف به متقوم الذات، وهذا إنما يتقوّم به، فهو عرضٌ؛ وإن كان صاحبه لم يتقوم بعد إلا به وله حق فى تقويم صاحبه فهو صورة؛ ويشتركان فى أنهما فى محل؛ لكنَّ محل أحدهما يسمى مادةً، ومحل الآخر يسمى موضوعا.
الفصل السادس
فصل (و)
كون الشيء عرضاً ووجهاً
في إفساد قول من قال: إن شيئا واحدا يكون عرضا وجوهرا من وجهين
وقد نبعث مذاهب عجيبة فى أمر العرضِ والجوهر دعا إليها الإشكال الواقع فى الفرق بين العرضِ والصورة، وظن أربابها أن الصورة أيضا فى موضوع، إذْ كان الموضوع يقال باشتراك الاسم على ما قلناه وعلى المادة، بل على المعنى الذى يعم الموضوع والمادة، الذى بالحرى أن نسميه حاملا، بل والموضوعِ الذى بالحرى أن نسميه مبتدأ فى الخبر. وسمعوا أن الصورة يكون لها استحقاق لأن تكون فى حالٍ جوهرا، ومن جهة أن اسم الكيفية اسم مشترك كما يعرف تفصيله فى الفلسفة الأولى. ثم إنهم قد سمعوا أن فصول الجواهر جواهر، وسمعوا أن فصول الجواهر كيفيات، ولم يعلموا أن فصول الجواهر إنما تسمى بهذا الاسم بالاشتراك، فظنوا أن الكيفية، التى هى المقولة التى سنذكرها بعد، تكون مشتملة على فصول الجواهر، وكانت هذه الكيفية عندهم عرضا، صارت فصول الجواهر أعراضا عندهم؛ وكانت فصول الجواهر عندهم أيضا جواهر؛ فكأن الشىء يكون عرضا وجوهرا؛ وأيضا كانت الصورة فى حامل الصورة، لا كجزءٍ منه، فكانت عرضا؛ وكانت فى الجوهر المركب جزءا منه، فكانت جوهرا؛ إذ جزء الجوهر جوهر؛ فكان الشىء الواحد جوهرا وعرضا. والبياض أيضا جزء من الأبيض، إذ الأبيض مجموع جوهر وبياض، فالبياض موجود فى الأبيض الذى هو جوهر وجود الجزء، فلم يكن فيه نحو وجودِ العرض فى الشىء؛ فهو فيه إذن جوهر؛ وهو بعينه فى موضوعه عرض، إذ هو فيه لا كجزء منه، وسائر ذلك. فتهوست طبقة وظنت ان شيئا واحدا يكون جوهرا وعرضا.
وأما نحن فنقول: إن هذا مستحيل فاسد؛ فإن هذه المقاييس كلها فاسدة. ونقول أولا إنا نعنى بالجوهر الشئ الذى حقيقة ذاتِه توجد من غير أن يكون فى موضوع البتة أى حقيقة ذاته لا توجد فى شىء البتة لا كجزء منه وجودا يكون مع ذلك بحيث لا يمكن مفارقته إياه وهو قائم وحده؛ وإن العرض هو الأمر الذى لا بد لوجوده من أن يكون فى شىء من الأشياء بهذه الصفة حتى أن ماهيته لا تحصل موجودة إلا أن يكون لها شىء يكون هو فى ذلك الشىء بهذه الصفة.
وإذ الأشياء على قسمين: شىء ذاته وحقيقته مستغنية عن أن يكون فى شىء من الأشياء كوجود الشىء فى موضوعه، وشىء لا بد له أن يكون فى شىءٍ من الأشياء بهذه الصفة. فكل شىء إما جوهر وإما عرض. وإذ من الممتنع أن يكون شىء واحد ماهيته مفتقرة فى الوجود إلى أن يكون شىء من الأشياء هو فيه كالشىء فى الموضوع، وتكون مع ذلك ماهيته غير محتاجة إلى أن يكون شىء من الأشياء البتة هو فيه كالشىء فى الموضوع؛ فليس شىء من الأشياء هو عرض وجوهر.
فلنرجع إلى شكوك هؤلاء فنقول: إن الصورة ليس لها موضوع البتة هى فيه. لأنها إما أن تكون فى المركب وهى فى المركب كجزء منه، فليست فيه كالشىء فى الموضوع. وأما فى المادة فقد بينا أنها ليست فيها كالشىء فى الموضوع. وإذا لم يكن لها وجود فى شىء يتوهم أنها فيه كالشىء فى الموضوع إلا فى هذين. وتعلم أنها ليست فى شىء من الأشياء غير هذين كالشىء فى الموضوع. فالصورة لا تحتاج ذاتها أن تكون فى شىء من الأشياء كالشىء فى الموضوع.
فليست الصورة عرضا البتة، بل هى جوهر على الإطلاق. فإن الطبيعة التى هى صورة فى النار، ليست، أعنى هذه الكيفية المحسوسة، وجودها فى النار كالجزء فى المركب؛ وهى فى مادة النار لا كشىء فى موضوع، بل كشىءٍ فى مادة.

(1/61)

وفصول الجواهر، أعنى الفصول البسيطة التى لا تحمل على الجواهر التى هى مثل النطق وغير ذلك، فإنها أيضا ليست فى شىء من الأشياء، كما يكون العرض فى موضوع، لا فى النوع فإنها جزؤه؛ ولا فى الجنس، فإن طبيعة الجنس بالحقيقة ليست موضوعة ولا مادة لها، كما تعلم فى موضعه. ثم ولو كان للجنس طبيعة معينة متقررة تتصور بالفصل من خارج، لكان الجنس كالمادة التى إنما تتقوم بالصورةبالفعل، وكان الفصل كالصورة، فلم يكن عرضا البتة، ولا من المقولة التى كانت هى الكيفية؛ بل إن قيل له كيفية فهو باشتراك الاسم؛ فإن الكيفية تقال باشتراك الاسم على أشياء تقع فى مقولات مختلفة، فتسمى كل قوة وكل مبدأ فعلٍ وكل شىء يحلى شيئا ويخصصه كيفية، ولو كان كمية أو غير ذلك، وذلك باشتراك الاسم. وليست المقولة إلا واحدا من معانى الاسم المشترك التى سنوضح أن ذلك المعنى من شرطهِ أن يكون متقوما بموضوعه، فإن الاسم المشترك لا يكون جنسا البتة.
وقولهم أن العرض فى المركب هو فيه ليس لا كجزء منه؛ وكل ما هو فى شىء لا لا كجزِء منه فليس هو عرضا فيه؛ وكل ما ليس عرضا فى شىء فهو جوهر فيه؛ فهو قياسان مركبان قياسا واحدا وفيها مقدمات ثلاث إذا أضمرت النتائج.
فقوله: إن العرض فى المركب، ليس لا كجزِء منه، مسلم صحيح.
وقوله: وكل ما هو فى شىء، لا لا كجزِء منه فليس عرضا فيه، إن عنى به أن كل ما هو فى المركب لا لا كجزء منه، ليس فى نفسه عرضا وهو فيه، فهو غير مسلم؛ فإنه إذا كان فيه، لا لا كجزء منه، لم يخل: إما ان يكون شىئا ماهيته محتاجة إلى موضوع ما، فيكون حينئذ فيه ليس لا كجزء منه، ومع هذا هو عرض وهو فيه؛ وإن لم تكن ماهيته كذلك كان جوهرا وهو فيه. وإن لم يعن هذا، بل عنى أنه لا يكون هو فيه على أن ذلك موضوعة وهو فيه فى موضوع، فهذا صحيح، فتكون النتيجة أن العرض ليس فى المركب على أن المركب موضوعة وهو فيه فى موضوع.
ثم المقدمة الثالثة، وهى أن كل ما كان فى شىء وليس عرضا فيه فهو جوهر فيه، يفهم منه أيضا معان: أحدُها أن كل شىء هو فى شىء، وليس فى نفسه عرضا، وهو أيضا فيه، فهو جوهر وهو فيه، فهذه مسلمة. والثانى أن كل شىء هو فى شىء وليس فيه على أن ذلك الشىء موضوع يكون هو فيه كون العرض فى موضوْع، فيجب أن يكون بالقياس إلى كونه فيه جوهرا، فهذا غير صحيح؛ وذلك أنه ليس إذا لم يكن الشىء عرضا فى الشىء الفلانى، الذى هو فيه كالجزِء، يجب أن يصير جوهرا فيه؛ فإنه ليس ما لم يكن عرضا فى شىء هو فيه فهو جوهر فيه، بل ما لم يكنْ عَرَضاً فى نفسه، فهو جوهر فى نفسه إذ لم يكنْ الجوَهر ما ليس فى موضوع، هو ذلك المركب أو شىء آخر معّين، بل ما كان ليس فى موضوع البتة. وكونه ليس فى كذا كائناً فى موضوع لا يثبت أنه ليس فى شىء من الأشياء كائناً فى موضوع. فلو كان، إذا كان الشىء ليس فى شىء هو فيه كائناً على معنى كون الشىء فى موضوع، كان ذلك يعطىه الجوهرية بالقياس إلى ذلك الشىء، لكان هذا القدر يجعله جوهرا فيه، بل إنما كان معنى الجوهرية هو أنه ليس فى شىء من الأشياء البتة كائناً فى موضوع، لا أنه ليس فى شىء كذا كائناً فى موضوع.
فبيّن أنه إذا لم يكن الشىء فى كذا كائنا فى موضوع، كان من الواجب أن ينظر بعد ذلك: فإن كان ليس فى شىء من الأشياء غيره كائنا فى موضوع، فهو جوهر؛ وإن كان هناك شىء آخر هو فيه كالشىء فى موضوع، ثم لم يكن فى هذا الشىء، ولا فى ألف شىء آخر على أنه فى موضوع، بل على أنه فى المركب أو فى الجنس أو غير ذلك، فالشىء عرض.

(1/62)

وكما أن الجوهرية لم تكن لأجل أن الشىء بالقياس إلى شىءٍ ما هو لا فى موضوع، بل لأنه فى نفسه كذلك، فكذلك العرضية ليست لأن الشىء بالقياس إلى شىء بعينه هو فى موضوع أو ليس فى موضوع، بل لأنه فى نفسه يحتاج إلى موضوع ما كيف كان وأى شىءٍ كان؛ فإذا كان له ذلك فهو عرض، وإن لم يكن ذلك الشىء هو هذا الشىء وكان هو فى هذا الشىء، لا على أنه فى موضوع، فليس يمنع ذلك أنه فى نفسه فى موضوع. وإنما هو عرض لأنه فى نفسه فى موضوع يعمّ العرضية والجوهرية، أعنى كون الشىء عرضيا للشىءِ أو جوهريا له، فذلك مما يكون على هذا الاعتبار؛ فإنه إذا أضيف إلى شىء فكان فيه، وكان كالشىء فى الموضوع فهو عرض وعرضى. أما عرض فلانّ ذاته قد حصل موجودا فى موضوع، لأنه موجود فى هذا الموضوع؛ فدَلّ ذلك على أنه محتاج فى نفسه إلى موضوع ما، إذا احتاج إلى هذا الموضوع. وأما عرضى فهو أمر له بالقياس إلى هذا الموضوع؛ فإنه بالقياس إلى هذا الموضوع غير مقِّوم له ولا جزء من وجودِه فهو عرضى.
فالشىء عرض لأنه فى نفسه مفتقر إلى موضوع؛ وعرضى لأنه لغيره بحال كذا. ولما اتفق أن كان الموضوع هذا وليس مقِّوما له فهو عرض فيه. وهذان المعنيان، وإن تلازما فى هذا الموضع، فاعتبارهما مختلف، ولكل واحد منهما مقابل آخر بوجه من وجوه المقابلة. أما للعرض فالجوهر؛ وأما للعرضى فالجوهرى؛ أى الذاتى سواء كان جوهراً كالحيوان للأنسان أو عرضا كاللون للسواد. بعد أن يكون مقوما لما هو فيه. فإذا كان العرض فى شىء لا لا كجزء بل كجزء، وهو مقوم له، فهو جوهرى فيه وليس جوهراً.
ومعنى الجوهرى الذاتى؛ فإن ذات كل شىء، كان عرضا أو جوهرا، فقد يسمى جوهرا؛ فيكون لفظ الجوهر الذى نسب إليه الجوهرى ليس يدل علىَ المعنى الذى وضعناه مقابل العرض حتى يكون الجوهرى منسوبا إلى ذلك الجوهر؛ بل يدل على الذات فيكون الجوهرىُّ مكانَ الذاتى. فهؤلاء كأنهم أخذوا الجوهر والجوهرى واحدا، فقالوا كذا جوهر فى كذا، والشىء ليس جوهراً بالقياس إلى شىء، وإن كان جوهريا بالقياس إلى الشىء الذى هو فيه.
ونقول من رأس أيضا: إنه لو كنا قلنا إن الشىء إذا قيس إلى شىء هو فيه لم يخل إما أن يكون فيه على أنه فى موضوع، أى على أنه موضوعه، أو لا يكون؛ فإن كان فهو عرض، وإن لم يكن كذلك، وهو فيه، فهو جوهر فيه، لكان هذا المذهب صحيحا؛ لكنا لسنا نقول هكذا، بل نقول: إن الشىء إذا كان فى نفسه غير مفتقر إلى موضوع البتة، هذا الذى هو فيه، إن كان فى شىء أو غيره فهو جوهر، وإن كان فى نفسه محتاجا إلى موضوع يكون فيه، أى شىء كان هذا الموضوع، كان هذا أو آخر غير هذا فهو عرض. وأظن أن من سمع هذا ثم ثبت على أن شيئا واحدا يكون جوهرا وعرضا فقد خلع الإنصاف.
تمت المقالة الأولى
المقالة الثانية
من الفن الثانى من الجملة الأولى الجنس حدا نبهت فى آخره وبالقوة معه على تحديد النوع الذى يضافيه، من غير أن جعلته بالفعل - من حيث هو مضاف - جزء حده. وأما شرح هذا التدبير فى الحدود التى للمتضايفات، وأنه لم ينبغى أن يكون هكذا، وكيف يحصل معه مراعاة ما لكل واحد من المتضايفين من خاصية القول بالقياس إلى الآخر، فسترى ذلك فى مكان آخر.
الفصل العاشر
(ى) فصل
في النوع ووجه انقسام الكلي إليه

(1/63)

والنوع أيضا قد يقال فى لغة اليونانيين على معنى غير معنى النوع المنطقى؛ فإنّ اللفظ الذى نقلته الفلاسفة اليونانيين فجعلته لمعنى النوع المنطقى، كان مستعملا فى الوضع الأول عند اليونانيين على معنى صورة كل شئ وحقيقته التى له دون شئ آخر، فوجدوا صورا وماهيات للأشياء التى تحت الجنس، يختص كل واحد منها بها، فسموها، من حيث هى كذلك، أنواعا. وكما أَنَّ لفظة الجنس كانت تتناول المعنى العامى والمعنى المنطقى، ولفظةَ النوع مطلقا كانت تتناول المعنى العامى والمعنى المنطقى، فكذلك لفظة النوع المنطقى تتناول عند المنطقيين معنيين: أحدهما أعم والآخر أخص. فإما المعنى الأعم فهو الذى يرونه مضايفا للجنس، ويحدونه بأنه المرتب تحت الجنس، أو الذى يقال عليه الجنس، وعلى غيره بالذات، وما يجرى هذا المجرى. وأما المعنى الخاص فهو الذى ربما سموه باعتبارٍ ما، نوع الأنواع، وهو الذى يدل على ماهية مشتركة لجزيئات لاتختلف بأمور ذاتية. فهذا المعنى يقال له نوع بالمعنى الأول؛ إذْ لايخلو فى الوجود من وقوعه تحت الجنس؛ ويقال له نوع بالمعنى الثانى.
وبَيْن المفهومين فرقٌ، وكيف لا ! وهو بالمعنى الأول مضافٌ إلى الجنس، وبالمعنى الثانى غير مضاف إلى الجنس؛ فإنه لايحتاج، فى تصوره مقولا على كثيرين مختلفين بالعدد فى جواب ماهو، إلى أن يكون شئ آخر أيضا أعم منه مقولا عليه.
ومعنى النوع بالوجه الأول ليس كالجنس بمعنى النوع بالوجه الثاني، وذلك لأنه ليس مقوما له؛ إذ قد يجوز فى التوهم أن لايكون الشئ الذى هو نوع بهذه الصفة نوعاً بالصفة الثانية؛ إذ لايمتنع في الذهن أن نتصور كليا هو رأس ليس تحت كلى آخر، وهو مع ذلك ليس مما ينقسم بالفصول، كالنقطة عند قوم. وما كان حمله هكذا وعلى هذه الصورة، وجاز رفعه فى التوهم، لم يكن - كما علمت - ذاتيا، وما لم يكن ذاتيا لم يكن جنسا، بل إنْ كان لابد فهو عارض لازم له. وقد يقال لهذا نوع الأنواع؛ وليس المفهوم من كونه نوعَ الأنواع هو المفهوم من كونه نوعاً، بمعنى أنه مقول على كثيرين مختلفين بالعدد فى جواب ماهو، وكيف ومن حيث هو نوع الأنواع. فإن النوع المطلق له كالجنس وداخل فى تحديده، وهو به مضاف إلى أنواعٍ فوقه. ثم لست أحقق أنَّ أىَّ الوجهين هو فى اصطلاح المنطقيين أقدم؛ فإنه لايبعد أن يكون أول نقل اسم النوع إنما هو إلى هذا المطلق على الأفراد، ثم لما عرض له أَنْ كان عليه عام آخر، سمى كونه تحت العام بهذه الصفة نوعية.
لكن ربما لم تكن قسمته له أولى؛ فإن الناطق وغير الناطق يقسِّم الحيوان قسمة أولية ويقسم الجسم قسمة لكنه ليس يقسمه قسمة أولية؛ فإن الجسم مالم يكن حيوانا، لم يستعد للانفصال بالنطق. ومع ذلك فإن الغير الناطق الذى تحت الحيوان لايبعد أن يدل عليه بالعُجْمة، وإن لم تكن العجمة بالحقيقة فصلا مقوِّما؛ وإذا أقيمت العجمة مقامه، لم يتم بها قسمة الجسم كما تمت قسمة الحيوان؛ فإنك تقول: كل حيوان إما ناطق وإما أعجم، وتقف عنده؛ ولا تقول:كل جسم إما ناطق وإما أعجم، وتقف عنده؛ لأن النبات والجماد جسم وليس بناطق ولا أعجم. فإن قسمت الجسم إلى ناطق وغير ناطق قسمة يكمل معها الكلام، لم يكن غيرُ الناطق دالا على المعنى الذى نقصد إليه فى قولنا: حيوان غير ناطق.
فيجتمع من هذا أن الفصول المقسمة للجنس الأسفل، ربما لم تكن مقسمة لما فوقه قسمة أولية ولا قسمة مستوفاة؛ والفصول المقسمة لما فوق، فى الأكثر من الأمر، لاتقسم ماتحت، بل تقوِّمه. مثل الجسمِ ذى النفسِ الحساسِ، فإن الحساس لايقسم شيئا من أنواع الجسم ذى النفس.

(1/64)

لكنه قد يوجد فى بعض المواضع فصول تقسم ما فوق وما تحت معا وجودا بحسب المشهور، وذلك حيث يكون للجنس فصول قريبة متداخلة، فإن الحيوان يقسَّم بالناطقِ وغيرِ الناطقِ قسمة أولية، ويقسم أيضا بالمائتِ وغير المائتِ قسمة قريبة أولية، وكذلك يقسم بالماشى والسابح والطائر، فإذا ابتدِئ فَقُسِّم بأحدِ هذه الوجوه، حتى كان مثلا حيوان ناطق وغير ناطق، أمكن أن يقسم الحيوان الناطق من القسمين بالمائت وغير المائت وغير المائت؛ وإذا ابتدِئ فقسم بالماشى والسابح والطائر، أمكن أن يقسم الماشى بالناطق وغير الناطق؛ ومع ذلك فإن القسمة بالناطق وغير الناطق كان يجوز أن توافى الجنس أول شئ قبل القسمة بالمائت وغير المائت؛ والقسمة بالمائت وغير المائت كان يجوز أن توافى الجنس قبل القسمة بالناطق وغير الناطق. فما كان يبعد أن يقسم الحيوان إلى المائت وغير المائت، ثم يقسم المائت إلى الناطق وغير الناطق.
وقد بقى ههنا شئ واحد وهو أنه: هل المائت وغير المائت من الفصول الذاتية أو من اللوازم ؟ وكذلك هل الماشى ونظائره هى من الفصول الذاتية أو من اللوازم ؟ وإن كان المائت وغير المائت والماشى وما ذكر معه من اللوازم الغير المقوِّمة، فهل يمكن هذا التداخل فى الفصول الذاتية الحقيقية ؟ لكن هذا النظر مما يخلق أن لاتفى به صناعة المنطقى، فليؤخر إلى موضعه.
والأجناس العالية قد تبين من أمرها أنها لايجوز أن يكون لها فصول مقوِّمة، فلا يبعد أن يقع فى الأوهام أن الجنس العالى واحد؛ ولو كان كثيرا لانحصرت الكثرة فى جامع يحوج إلى فصل بعده. لكن الحق هو أن الأجناس العالية كثيرة؛ فلنبدأ أولا ولنضع هذه الأجناس وضعا، ثم نبحث عن أمرها بما يحوج إليه هذا النظر من البحث فنقول: إن جميع المعانى المفردة التى يصلح أن يدل عليها بالألفاظ المفردة لاتخلو عن أحد هذه العشرة. فإنها: إما أن تدل على جوهر، كقولنا: إنسان وشجرة؛ وإما أن تدل على كمية، كقولنا: ذو ذراعين؛ وإما أن تدل على كيفية، كقولنا: أبيض؛ وإما أن تدل على إضافة، كقولنا: أب، وإما أن تدل على أين، كقولنا: فى السوق؛ وإما أن تدل على متى، كقولنا: كان أمس وعام أول؛ وإما أن تدل على الوضع، كقولنا: جالس وقائم؛ وإما أن تدل على الجِدة والملك، كقولنا: منتعِل ومتسلح؛ وإما أن تدل على يفعل كقولنا: يقطع؛ وإما أن تدل على ينفعِل، كقولنا: ينقطع عن أشياء كثيرة ما هى - جوابا. ثم نقول: والمقول فى جواب ما هو قد يختلف بالعموم والخصوص فيكون بعضها أعم وبعضها أخص، فأعم المقولين فى جواب ما هو جنس للأخص، وأخصهما نوع للأعم. فإذا وجدنا النوع فهناك يقسم قسمة أخرى فنقول: إنه لا يخلو إما أن يكون النوع من شأنه أن يصير جنسا لنوع آخر، وإما أن لا يكون ذلك من شأنه، فهذه القسمة تنتهى إلى الخمسة انتهاءً ظاهرا، وتكون طبيعةُ النوِع متحصلةَ فيه، والنوع بالمعنى الآخر يدخل فيه بوجه. وأما القسمة الأولى فلم تكن كذلك.
وأما القسمة المشهورة التى لهذه الخمسة، فهى أقرب من القسمة الأولى، وذلك لأنهم يقسمون هكذا: إنّ كل لفظ مفرد إما يدل على واحد أو على كثير، والدال على الواحد هو اللفظ الشخصى، وأما الدال على الكثير فإما أن يدل على كثيرير مختلفين بالنوع، أو كثيرين مختلفين بالعدد. والدال على كثيرين مختلفين بالنوع إما أن يكون ذاتيا، وإما أن يكون عرضيا؛ فإن كان ذاتيا، فإما أن يكون فى جواب ما هو، وإما أن يكون فى جواب أى شىء هو. فيجعلون الدال على كثيرين بالنوع فى جواب ما هو جنسا، والدال عليه فى جواب أى شىء هو فصلا. وأما العرضى فهو العرض العام. ثم يقولون: إن الدال على كثيرين مختلفين بالعدد إما أن يكون فى جواب ما هو، وهو النوع، وإما فى جواب أى شىء هو، وهو الخاصة.

(1/65)

فهذه القسمة منهم قد فاتها النوع بالمعنى المضاف، وفاتها طبيعة الفصل، بما هو فصل؛ بل إنما دخل فيها من الفصول ما يحمل على أنواع كثيرة، وليس ذلك هو طبيعة الفصل، بما هو فصل؛ إذ ليس كل فصل كذلك، على ما سيتضح لك، إلا أن يراعى شىء ستعرفه، وتعلم أنهم لم يراعوه ولم يفطنوا له، فليس يمكننا أن نجعل ذلك عذرا لهم، اللهم إلا أن يكون المعلم الأول راعاه. وأيضا فإن هذه القسمة لم يفرق فيها بين الخاصة وبين الفصل الذى لا يكون إلا للنوع، وفاتها الخاصة التى هى خاصة نوع متوسط بالقياس إليه، فلم يوردوا الخاصة بما هى خاصة للنوع، بل بما هى خاصة لنوع أخير، كما لم يوردوا النوع إلا نوعا أخيرا.
الفصل الحادى عشر
(يا) فصل
في تعقب رسوم النوع
فلنتحقق الآن حال الحدود التى هى مشهورة للنوع فنقول: أما النوع بالمعنى الذى لا إضافة فيه إلى الجنس، فقد وفوا حده، إذ حدوه بأنه: المقول على كثيرين مختلفين بالعدد فى جواب ما هو؛ وذلك لأن الجنس والعرض العام لا يشاركانه؛ أذ كل واحد منهما مقول على كثيرين مختلفين بالنوع، لا على كثيرين مختلفين بالعدد؛ إذ يجب أن يفهم من قولهم: مقول على كثيرين مختلفين بالعدد، أنه مقول على ذلك فقط؛ لأنك إن لم تفهم ذلك، لم يكن كونه مقولا على كثيرين مختلفين بالعدد مانعا من كونه مقولا على كثيرين مختلفين بالنوع؛ فإنَّ المقولً على كثيرين مختلفين بالنوع قد يكون أيضامقولا. على كثيرين مختلفين بالعدد. فإذا علمت إَنَّ التخصيص بهذا الاسم إنما لما لا يُقال إلا كذلك، خرج ما يقال على كثيرين مختلفين بالنوع من مفهومه. فهذا ما يفرق بينه وبين الجنس والعرض العام.فانه ليس يستحيل أن يكون الشىء الواحد له معنيان أحدهما بذاته والآخر بغيره، ولا يكون ذلك فرقا بينه وبين ذاته، إلا أن يقال إنه من حيث له المعنى الذى بذاته غيره من حيث له المعنى الآخر الذى له بغيره.
وهم لم يسلكوا فى هذا الموضع هذا السلوك؛ ولا هذا مما يحسن أن يعتبر فى هذا الموضع؛ ولا يمكنهم أن يدلوا على المعنيين المختلفين البتة بشىء غير الوجود، فإنهم لا يمكنهم أن يحصِّلوا معنى يدلون عليه بالوجود فى أحدهما هو غير المعنى الذى يدلون عليه بالوجود. فى الآخر حتى يعودوا فيضيفوا إلى أحدهما من خارجٍ بذاته وإلى الآخر بغيره؛ بل الحق هو أن الأشياء تشترك فى الثبوت والوجود بمفهوم محصَّلٍ عند الذهن.
وهذا بينٌ بنفسه لا يمكن أن يبيَّن؛ ومن ينكره فهو يغلِّط نفسه بإزالة فِكرِه عن الغرض إلى غيره؛ ولولا هذا لما صح أن الشىء لا يخرج عن طرفى النقيض؛ فإن كل واحد من طرفى النقيض كان يكون أشياء كثيرة، ولم يكن بالحقيقة طرفا واحدا؛ بل الوجود فى جميعها معنى واحد فى المفهوم.
وإذا كان كذلك، لم يكن وقوع اسم الوجود على هذه العشرة وقوع الاسم المتفق؛ وليس أيضا وقوع الاسم المتةاطىء؛ فإن حال الوجود فى هذه العشرة ليست حالا واحدة بل الوجود لبعِضها قبل ولبعضها بعد. وأنت تعلم أن الجوهر قبل العرضِ؛ والوجود لبعِضها أحق؛ ولبعِضها بأحق.

(1/66)

فأنت تعلم أن الموجود بذاته أحق بالوجود من الموجود بغيره، والموجود لبعضها أحكم، ولبعضها أضعف؛ فإنّ وجود القارّ منها، كالكمية والكيفية أحكم من وجود ما لا استقرار له، كالزمان وأن ينفعل؛ فليس وقوع الوجود عليها وقوعا على درجةٍ واحدةٍ كوقوع طبائع الأجناس على أنواعها الذى هو بالتواطؤ المحض؛ فهو إذن غير جنس. ولو كان متواطئا لم يكن أيضا جنسا؛ فإنه غير دال على معنى داخلٍ فى ماهيات الأشياء؛ بل أمر لازم لها. ولذلك ما إذا تصورت معنى المثلث فنسبت إليه الشكلية ونسبت اليه الوجود، وجدت الشكلية داخلة فى معنى المثلث؛ حتى يستحيل أن تفهم المثلث أنه مثلث إِلا وقد وجب أن يكون قبل ذلك شكلا؛ فكما تتصور معنىالمثلث لا يمكن إلا أن تتصور أنه شكل أولا؛ ولا يجب مع ذلك أن تتصور أنه موجود. ولست تحتاج فى تصوِرك ماهية المثلِث أن تتصور أنه موجود كما تحتاج أن تتصور أنه شكل. فالشكل للمثلث لأنه مثلث وداخل فى قوامه؛ فلذلك يتقوم به خارجا وفى الذهن وكيف كان؛ وأما الوجود فأمر لا تقوم به ماهية المثلِث؛ فلذلك يمكنك أن تفهم ماهية المثلِث وأنت شاك فى وجوده حتى يبرهن لك أنه موجود أو ممكن الوجود فى الشكل الأول من كتاب أوقليدس. ولا يمكنك لذلك أن تفعل ذلك فى شكليته؛ فما كان مثل الشكلية فهو من المعانى المقومِة للماهية؛ وما كان مثل الوجود فليس مقوما للماهية. ولو كان الوجود لا يفارق فى ذهنك أيضا المثلث لكان أمرا لاحقا للمثلِث من خارج؛ ولذلك يستحيل أن يطلب ما الشىء الذى جعل المثلث مثلثا أو المثلث شكلا؛ ولا يستحيل أن يطلب ما الشىء الذى جعل المثلث موجودا فى الذهن أو فى خارج.
فالذاتى للشىء لا يكون له بعلةٍ خارجة عن ذاته؛ وما يكون بعلةٍ خارجةٍ فليس مقِّوما ذاتيا؛ وإن كان قد يكون من العرِضى ما حصوله ليس بعلةٍ خارجةٍ عن الماْهية، والخاصة والعرض فرق، ولا يكون بينه وبين الشخص فرق، إلا أن نضمن أنه كلىُّ بهذه الصة؛ وأيضا فإنه لا يكون بينه وبين فصل الجنس فرق.

(1/67)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق