الثلاثاء، 21 أغسطس 2018

★ حديث مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ ، فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا/ وحديث لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر +كتاب محاسبة النفس لبدرية الراجحي

في مسار التعقيب علي النووي أسأل كل من ظاهروه في تحريف  الدين بأسم حديث (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وأقول ما بالكم في رجل قاله بل وقام ونام به وفي لحظة يأس قتل نفسه هل تنفعه قولته؟؟؟!!

/تخريج/شواهد /أطراف/الأسانيد

 

صحيح مسلم » كِتَاب الإِيمَانِ »

بَاب غِلَظِ تَحْرِيمِ قَتْلِ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ ...

 

رقم الحديث: 162

(حديث مرفوع) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ ، فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ ، فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " . وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ . ح وحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْثَرٌ . ح وحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كُلُّهُمْ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ ، وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ ذَكْوَان .

حديث لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

شواهد الحديث

 

 

 

م /طرف الحديث /الصحابي /اسم الكتاب

1

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر/صحيح البخاري

2

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر/صحيح البخاري

3

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة اللهم هل بلغت اللهم اشهد أتحبون أنكم ربع أهل الجنة فقلنا نعم يا رسول الله فقال أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قالوا نعم يا رسول الله قال إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور ا

عبد الله بن مسعود /صحيح مسلم

4

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /صحيح مسلم

5

الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة ما أنتم في الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر

عبد الله بن مسعود/جامع الترمذي

6

لا يدخل الجنة إلا مؤمن

جابر بن عبد الله /مسند أحمد بن حنبل

7

لا يدخل الجنة إلا مؤمن

جابر بن عبد الله /مسند أحمد بن حنبل

8

لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة

سلمان بن الإسلام /مسند أحمد بن حنبل

9

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر/مسند أحمد بن حنبل

10

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /صحيح ابن حبان

11

لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة

عبد الله بن عباس /صحيح ابن حبان

12

لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة

سلمان بن الإسلام /صحيح ابن حبان

13

لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة

مقدام بن معدي كرب/المستدرك على الصحيحين

14

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة اللهم قد بلغت اللهم اشهد قال أتحبون أنكم ربع أهل الجنة وذكر نحوه وقال فيه ما مثلكم فيمن سواكم إلا كالشعرة السوداء

عبد الله بن مسعود /مستخرج أبي عوانة

15

لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر/مستخرج أبي عوانة

16

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة اللهم قد بلغت اللهم اشهد ثم قال أتحبون أنكم ربع أهل الجنة قالوا نعم يا رسول الله قال أتحبون أنكم ثلث أهل الجنة قالوا نعم يا رسول الله قال أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ما مثلكم فيما سواكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو ك

عبد الله بن مسعود /المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم

17

لا يدخل الجنة إلا المؤمنون فخرجت

عبد الله بن عباس /مختصر الأحكام المستخرج على جامع الترمذي

18

لا تدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يدخلها عاص

موضع إرسال /سنن سعيد بن منصور

19

لن يدخل الجنة إلا مؤمن أيام منى أيام أكل وشرب

كعب بن مالك /السنن الكبرى للبيهقي

20

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله لا يؤيد الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر/السنن الكبرى للبيهقي

21

كنت من أبناء أساورة فارس وكنت في كتاب وكان معي غلامان فإذا أتيا من عند معلمهما أتيا قسا فدخلا عليه فدخلت معهما عليه فقال ألم أنهكما أن تأتياني بأحد فجعلت أختلف إليه حتى كنت أحب إليه منهما فقال لي إذا سألك أهلك ما حبسك فقل معلمي وإذا سألك معلمك ما حبسك فقل

سلمان بن الإسلام /مسند ابن أبي شيبة

22

لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ثلاث مرات

عبد الله بن مسعود /مسند أبي يعلى الموصلي

23

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /مسند الشاميين للطبراني

24

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /مسند الشهاب

25

لا يدخل الجنة عاص

موضع إرسال /مصنف عبد الرزاق

26

لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /مصنف عبد الرزاق

27

لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة

موضع إرسال /مصنف ابن أبي شيبة

28

لا يدخل الجنة إلا المؤمنون

عبد الله بن عباس /مصنف ابن أبي شيبة

29

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر/المعجم الصغير للطبراني

30

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /المعجم الأوسط للطبراني

31

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر

كعب بن مالك /المعجم الكبير للطبراني

32

الجنة لا يدخلها إلا مؤمن إنها أيام أكل وشرب

بشر بن سحيم /المعجم الكبير للطبراني

33

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر/حديث أبي اليمان

34

لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /جزء أبي العباس بن عصم

35

هذا من أهل النار الحديث إلى آخره وقوله إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر/الاختلاف بين رواة البخاري

36

لا يدخل الجنة إلا مؤمن أيام منى أكل وشرب

كعب بن مالك/منتهى رغبات السامعين في عوالي أحاديث التابعين

37

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /أمالي ابن بشران

38

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /أمالي ابن بشران 4

39

لا يدخل الجنة عاص

موضع إرسال /المراسيل مع الأسانيد لأبي داود

40

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة اللهم قد بلغت اللهم اشهد فقال أتحبون أنكم ربع الجنة قالوا نعم يا رسول الله قال أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قالوا نعم يا رسول الله قال إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ما مثلكم فيمن سواكم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض

عبد الله بن مسعود /تلخيص المتشابه في الرسم

41

لا يدخل الجنة إلا المؤمن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال

42

لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة

بشر بن سحيم /الإيمان لابن أبي شيبة

43

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة اللهم هل بلغت اللهم اشهد أتحبون أن تكونوا ربع أهل الجنة قالوا نعم يا رسول الله قال أنا أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ما أنتم فيما سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود

عبد الله بن مسعود /الإيمان لابن منده

44

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /الإيمان لابن منده

45

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /شرح السنة

46

الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة

سعد بن مالك/التمهيد لابن عبد البر

47

لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة

سلمان بن الإسلام /التمهيد لابن عبد البر

48

لا يدخل الجنة إلا المؤمنون

عبد الله بن عباس /الاستذكار

49

لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة لا يدخلها عاص

موضع إرسال /التفسير من سنن سعيد بن منصور

50

أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا نعم فقال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قلنا نعم قال فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة قلة المسلمين في الكفار يوم القيامة كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء ف

عبد الله بن مسعود /الجامع المسند (فضائل القرآن للبجيري)

51

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله ليؤيد دينه بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /حلية الأولياء لأبي نعيم

52

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /دلائل النبوة للبيهقي

53

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /الأنوار في شمائل النبي المختار

54

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر

موضع إرسال /الأحاديث المنتقاة من مغازي موسى بن عقبة

55

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة اللهم هل بلغت اللهم اشهد فقال أتحبون أنكم ربع أهل الجاهلية قالوا نعم يا رسول الله قال أتحبون أن تكونوا ثلث أهل الجنة قالوا نعم قال إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ما مثلكم فيمن سواكم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كال

عبد الله بن مسعود /تاريخ دمشق لابن عساكر

56

لا يدخل الجنة إلا مؤمن أيام أكل وشرب أيام مني

بشر بن سحيم /معرفة الصحابة

57

الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة

بشر بن سحيم /تعظيم قدر الصلاة للمروزي

58

لا يدخل الجنة إلا مؤمن

عبد الله بن عباس /تعظيم قدر الصلاة للمروزي

59

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر

عبد الرحمن بن صخر /تعظيم قدر الصلاة للمروزي

60

لا يدخل الجنة إلا مؤمن الأعمال بالخواتيم لا عبرة بكثرة الصلاة والصيام وإنما ينظر إلى خاتمة أمره

عبد الرحمن بن صخر /تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين لسمرقندي

61

لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة

عبد الله بن مسعود /صفة الجنة لأبي نعيم

62

لا يدخل الجنة إلا مؤمن

كعب بن مالك /صفة الجنة لأبي نعيم== 

محاسبة النفس لبدرية الراجحي

المقدمة 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

قال الله تعالى: }يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ{ [آل عمران: 30]، وقال:}وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ{ [الأنبياء: 47]، وقال: }وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{ [الكهف: 49]، وقال: }يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{ [الزلزلة: 6 – 8].

فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطر الحساب في الآخرة.

وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار بعد الله إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة.

فمن حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، ومن أهمل المحاسبة دامت الحسرات.

أخواتي في الله: تمر الشهور تلو الشهور والأعوام بعد الأعوام، ونحن في سبات غافلون، فمهما عشنا فإلى الثمانين أو التسعين، وهبنا بلغتا المئين فما أقصرها من مدة! وما أقله من عمر!

قال تعالى: }كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ{ [الأحقاف: 35].

قيل لنوح عليه الصلاة والسلام وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا: كيف رأيت هذه الدنيا؟ فقال: كداخل من باب وخارج من آخر.

فاتقوا الله إخواتي في هذه الأيام والليالي، فكل يوم يمر بنا يبعدنا عن الدنيا ويقربنا من الآخرة، وما هي إلا أيام معدودات، ونخلف وراءنا سجلات حافلة بأعمالنا خيرها وشرها، كبيرها وصغيرها، ولن تفتح هذه السجلات إلا يوم ينادى الخلائق للحساب.

فطوبى لعبد شغلها بالطاعات واتعظ فيها من العظات، قال تعالى: }يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ{ [النور: 44]، فهنيئًا لمن أحسن واستقام، وويل لمن أساء وارتكب الحرام.

أيام وأعوام تنقضي فهل لنا وقفة مع النفس؟ نذكرها بادئ ذي بدء بسيرة معلم ومجاهد هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام، وبالهجرة النبوية المباركة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام لنحث المسير، ثم نقف وقفة محاسبة مع النفس لنسألها عما فعلت هذا العام ونحاسبها قبل يوم الحساب، ونفتش كتاب أعمالنا كيف أمليناه، فإن كان خيرًا حمدنا الله وشكرناه، وإن كان شرًا تبنا إلى الله واستغفرناه، فنحن اليوم أقدر على العلاج منا غدًا، ولا ندري ما يأتي بعد غد، فراجعي نفسك -أخية- قبل أن تطوى صحيفة هذا العام، فلعله لم يبق من عمرك إلا ساعات أو أيام، فحق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه، حافظًا للسانه، مقبلاً على شأنه.

قال r: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» [رواه الحاكم وصححه الألباني].

وقال r: «كلكم يدخل الجنة إلا من أبي. قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبي» [رواه البخاري].

وقال r في الحديث رواه أحمد والترمذي: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله» [رواه الترمذي]، دان نفسه، أي: حاسبها.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتَزَيَّنُوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية».

وكتب عمر رضي الله عنه إلى بعض عماله فكان في آخر كتابه: «أن حاسب نفسك في الرخاء، قبل حساب الشدة، فإنه من حساب نفسه في الرخاء، قبل حساب الشدة، عاد مرجعه إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى الندامة والحسرة».

 

تعريف محاسبة النفس:

أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محمودًا أمضاه، وإن كان مذمومًا استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل.

 

 

 

 

 

 

* * * *


فوائد المحاسبة

 

1- الاطلاع على عيوب نفسه:

فيبدأ بعلاجها، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: «ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى».

وقال بكر المزني: «لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم»، وقال يونس بن عبيد: «إني لأجد مائة خصلةٍ من خصال الخير، ما أعلم أن في نفسي منها واحدة».

وقال محمد بن واسع: «لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد يجلس إلي».

وذكر داود الطائي عند بعض الأمراء، فأثنوا عليه، فقال: «لو يعلم الناس بعض ما نحن فيه ما ذل لنا لسان بذكر خيرٍ أبدًا».

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «اللهم اغفر لي ظلمي وكفري، فقال قائل: يا أمير المؤمنين، هذا الظلم فما بال الكفر؟ قال: إن الإنسان لظلوم كفار».

ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن قول الله تعالى: }ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ{ [فاطر: 32]. فقالت: أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله r شهد له رسول الله بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم، فجعلت نفسها معنا، وهنا قال الشيخ محمد حامد الفقي معلقًا: إنما قالت هذا تواضعًا، وإلا فهي من خيار السابقين المقربين.

ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين، ويدنو العبد من الله تعالى في لحظة واحدة أضعاف ما يدنو بالعمل.

وهكذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يحاسبون أنفسهم، فأثمرت المحاسبة استصغار العمل ودنو الأجل.

2- أن يعرف حق الله تعالى عليه:

فإن ذلك يورثه مقت نفسه ويخلصه من العجب، ويفتح له باب الذل والانكسار بين يدي ربه، وإن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فعندها يعلم علم اليقين أنه غير مؤد للعبودية كما ينبغي، وأنه إن أحيل على عمله هلك، وإذا تأملت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك، ينظرون في حقهم على الله، ومن ههنا انقطعوا عن الله، وحجبت قلوبهم عن معرفته ومحبته والشوق إلى لقائه والتلذذ بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.

فمحاسبة النفس: هو نظر العبد في حق الله عليه أولاً، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيًا.

ومن فوائد نظر العبد في حق الله:

أن لا يتركه ذلك يدل بعمل أصلاً، قال ابن القيم: وما أقرب هذا المدل من مقت الله، وقال: لأن تبيت نائمًا وتصبح نادمًا، خير من أن تبيت قائمًا وتصبح معجبًا، فإن المعجب لا يصعد له عمل. كما ذكر الإمام أحمد عن بعض أهل العلم بالله أنه قال له رجل: إني لأقوم في صلاتي فأبكي حتى يكاد ينبت البقل من دموعي، فقال له: إنك أن تضحك وأنت تعترف لله بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك.

فقال له: أوصني، قال: عليك بالزهد في الدنيا وأن تنازعها أهلها، وأن تكون كالنحلة، إن أكلت أكلت طيبًا، وإن وضعت وضعت طيبًا، وإن وقعت على عود لم تضره ولم تكسره.

3- دوام الخشية من الله:

إن العبد إن استمر على محاسبة نفسه صار من العالمين بالله علم اليقين، الذين قال الله فيهم: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{ [فاطر: 28]، لأن العلم إذا لم يزد صاحبه خشية الله فليس بعلم نافع.

فالعلم علمان: علم على اللسان، وهو حجه الله على خلقه، وعلم في القلب وهو الخشية.

4- تولد خلق الحياء من الله:

لأن المسلم إذا حاسب نفسه على التقصير في جنب الله ورأى نعم الله إليه نازلة ومعصيته إلى ربه صاعدة، علم قد نفسه وهوانها، وتولد عنده خلق الحياء من الله تعالى، وقد قال النبي r: «الحياء شعبة من الإيمان» [رواه مسلم].

5- الاستعداد للرحيل:

إن محاسبة النفس تجعلك تستكثر من الزاد، وليعم لكل مسلم أنه ليس للمرء في الدنيا مقام ولا عليها قرار، فالآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً. يومها لا يعرف أحد أحدًا ولو كان قريبًا أو عزيزًا، قال تعالى: }يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{ [عبس: 34 – 37].

ألا يكفي ذلك زاجرًا للعاصي ومنبهًا للغافل وموقظًا للنائم ومذكرًا للناسي، فيتوبون إلى ربهم قبل فوات الأوان.

واعلمي أختي المسلمة أنك في الدنيا مسافرة فلا بد من الزاد لهذا السفر الطويل.

6- الازدياد من العمل الصالح:

بمحاسبة النفس يعلم العبد قدر الدنيا وهوانها وعظم الآخرة وثوابها، فيرحل بقلبه من الفانية إلى الباقية، قال تعالى: }فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ{ [الذاريات: 50].

7- تثمر محبة الله ورضوانه.

8- تحقيق السعادة في الدارين.

9- دليل على صلاح الإنسان، وعلى خوفه من الله، ومن خاف من الله بلغ المنزلة.

10- البعد عن مزالق الشيطان.

 

 

* * * *


أركان المحاسبة

 

أركان المحاسبة ثلاثة:

* أحدهما: أن تقايس بين نعمة الله وجنايتك:

أي: تقايس بين ما من الله وما منك، فحينئذ يظهر لك التفاوت، وتعلم أنه ليس إلا عفوه ورحمته، أو الهلاك.

وبهذه المقايسة تعلم حقيقة النفس، وعظمة جلال الربوبية، وتفرد الرب الكمال. فإذا قايست ظهر لك أنها منبع كل شر، وأن حدها: الجهل والظلم، وأنه لولا فضل الله ورحمته ما زكت أبدًا، فهناك تقول حقًا: «أبوء لك بنعمتك على، وأبوء بذنبي». عندها تعلم أن كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، ثم تقايس بين الحسنات والسيئات، فتعلم أيهما أكثر قدرًا وصفة، وهذه المقايسة الثانية مقايسة بين أفعالك.

وهذه المقايسة تشق على من ليس له ثلاثة أشياء:

1- نور الحكمة، وهو العلم الذي يميز العبد به بين الحق والباطل، وكلما كان حظه من هذا النور أقوى، كان حظه من المحاسبة أكمل.

2- سوء الظن بالنفس، فحسن الظن بالنفس يجعله يرى المساوئ محاسن، لذا من أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه.

3- تمييز النعمة من الفتنة، فيفرق بين النعمة وبين الاستدراج، فكم من مستدرج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرور بقضاء الله حوائجه وستره عليه.

فإذا كملت هذه الثلاثة فيه، عرف حينئذٍ أن ما كان من نعم الله عليه يجمعه على الله فهو نعمة، وما فرقه فهو البلاء، فليحذر.

فكل علم صحبه عمل يرضي الله سبحانه فهو منة، وإلا فهو حجة.

وكل مال اقترن به إنفاق في سبيل الله، فهو منة، وإلا فهو حجة.

وكل فراغ اقترن به اشتغال بما يريد الرب من عبده، فهو منه، وإلا فهو حجة.

وكل قبول في الناس، اتصل به خضوع للرب وانكسار، ومعرفة بعيب النفس والعمل، وبذل النصيحة للخلق، فهو منة، وإلا فهو حجة.

فليتأمل العبد هذا الموضع العظيم الخطير، ويميز بين مواقع المنن والمحن، والحجج والنعم.

* الركن الثاني:

أن تميز ما للحق عليك من وجوب العبودية والتزام الطاعة واجتناب المعصية، وبين ما لك وما عليك، فالذي لك هو المباح الشرعي، فأد ما عليك يؤتك ما لك.

* الركن الثالث:

أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليكم، وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك، لأن رضا العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه، وجهله بحقوق العبودية، وعدم علمه بما يستحقه الرب جل جلاله، فيتولد من ذلك العجب والكبر والآفات.

بينما أرباب البصائر نجدهم أشد ما يكونون استغفارًا عقيب الطاعات، لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله.

ففي الصحيح أن النبي r كان إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثًا، ثم قال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام» [رواه مسلم].

وبعد صلاة الليل استغفار، قال تعالى: }وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ{ [آل عمران: 17]، وبعد إفاضتهم من عرفات استغفار، قال تعالى: }ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [البقرة: 199].

قال ابن القيم: «التوبة بين محاسبتين، محاسبة قبلها تقتضي وجوبها، ومحاسبة بعدها تقتضي حفظها».

أما بالنسبة لتعيير المقصرين على معاصيهم، فيقول ابن القيم: «فلعل تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا من ذنبه، لما فيه من تزكية النفس، ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواء استخرج به داء قاتلا هو فيك وأنت لا تشعر».

وقد قال النبي r: «إذا زنت أمة أحدكم، فليقم عليها الحد ولا يثرب»  [رواه البخاري]، أي: لا يعير، فالقصد إقامة الحد لا التعيير، وقد قيل: من استهزأ في أخيه يعافيه الله ويبتليك، لذا كانت عامة يمين رسول الله r«لا ومقلب القلوب» [رواه البخاري].

 

سؤال: كيف أحاسب نفسي؟

المحاسبة نوعان:

النوع الأول: قبل العمل, وهو أن يقف عن أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه.

قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبدًا وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر.

النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى.

وحق الله في الطاعة ستة أمور وهي:

1- الإخلاص في العمل.

2- النصيحة لله فيه.

3- متابعة الرسول فيه.

4- حصول المراقبة فيه.

5- شهود منه الله عليه.

6- شهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.

الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا له من فعله.

الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحًا، أو أراد به الدنيا، فيخسر.

سؤال: هل المحاسبة هي أول درجات تأديب النفس؟

الجواب: لا، هناك اثنتان قبلها وثلاث بعدها، كما سيأتي:

درجات المرابطة:

لما علم أرباب البصائر أنه لا ينجيهم من العذاب إلا طاعة الله، وقد أمرهم الله بالصبر والمرابطة فقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا{ [آل عمران: 200]، فرابطوا أنفسهم أولاً بالمشارطة، ثم بالمراقبة، ثم بالمحاسبة، ثم بالمعاقبة، ثم بالمجاهدة، ثم بالمعاتبة. فكانت فهم في المرابطة ست مقامات، وأصلها المحاسبة، ولكن كل حساب يكون بعد مشارطة ومراقبة، ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة.

المقام الأول: المشارطة:

اعلم أن التاجر كما يستعين بشريكه في التجارة طلبًا للربح، ويشارطه ويحاسبه، كذلك العقل هو التاجر في طريق الآخرة، وإنما مطلبه وربحه تزكية النفس؛ لأن بذلك فلاحها، قال تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا{ [الشمس: 9 – 10]. وفلاحها إنما يكون بالأعمال الصالحة، فالعقل يحتاج أن يشترط شروطًا على النفس ويجزم عليها، ثم لا يغفل عن مراقبتها لحظة، فإنه لو أهملها لم يرَ منها إلا الخيانة، ثم بعد الفراغ ينبغي أن يحاسبها، فإن هذه تجارة ربحها الفردوس الأعلى، فتدقيق الحساب مع النفس أهم كثيرًا من تدقيقه في أرباح الدنيا.

فإن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا عوض لها، يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه.

فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضة الصبح ينبغي أن يفرغ قلبه ساعة لمشارطة النفس، فيقول لها: ما لي بضاعة إلا العمر، وهذا اليوم الجديد قد أمهلني الله فيه، ولو توفاني لكنت أتنمى أن يرجعني إلى الدنيا يومًا واحدًا حتى أعمل فيه صالحًا، فاحسبي أنك قد توفيت، ثم قد رددت، فإياك ثم إياك أن تضيعي هذا اليوم.

وقد قال بعضهم: هب أن المسيء قد عفي عنه، أليس قد فاته ثواب المحسنين؟ أشار به إلى الغبن والحسرة، قال تعالى: }يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ .......{ [التغابن: 9]، فهذه بوصية لنفسه في أوقاته.

لذا ينبغي أن يتقدم إلى كل عضو بوصية تليق به، ولا يسما العين فيحفظها عن النظر إلى ما لا يحل النظر إليه، أو إلى مسلم بعين الاحتقار، ويشغلها بما فيه ربحها، وهو النظر إلى ما خلقت له من عجائب صنع الله تعالى بعين الاعتبار، والنظر إلى أعمال الخير للاقتداء، والنظر في الكتاب الله تعالى، وسنة رسول الله r، ومطالعة الكتب النافعة.

كذلك يوصي اللسان بأن ينشغل بما خلق له، من الذكر والتذكير، وتكرار العلم والتعليم، وإرشاد عباد الله تعالى إلى طريق الله، وإصلاح ذات البين، إلى غي ذلك من الخير. وعليه أن يشترط على نفسه إن خالفت شيئًا من ذلك أن يعاقبها.

ثم يستأنف وصيتها في وظائف العبادات التي تتكرر في اليوم والليلة، وأن يستكثر من النوافل، وهذه شروط يفتقر إليها كل يوم إلى أن تتعود النفس ذلك، فيستغني عن المشارطة.

وعليه أن يشترط على نفسه الاستقامة فيما يمر به، ويحذرها مغبة الإهمال، فإن النفس بالطبع متمردة عن الطاعات، ولكن الوعظ يؤثر فيها، قال تعالى: }وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ{ [الذاريات: 55]، فهذه محاسبة قبل العمل، أما قوله تعالى: }وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ{ [الذاريات: 55]، فهذه للمستقبل.

المقام الثاني: المراقبة:

أن يلزم المسلم نفسه بمراقبة الله تعالى في كل لحظة حتى يتم لها اليقين بأن الله مطلع عليها، وبذلك تصبح شاعرة بالأنس في ذكره، واجدة الراحة في طاعته، معرضة عما سواه، وهذا معنى إسلام الوجه في قوله تعالى: }وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ{ [النساء: 125]، وهو عين ما دعا إليه الله تعالى في قوله: }إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ [النساء: 1]، وقوله r: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» [رواه البخاري ومسلم].

وهو نفس ما درج عليه السابقون الأولون من السلف الصالح؛ إذ أخذوا به أنفسهم حتى تم لهم اليقين، وها هي ذي آثارهم تشهد لهم:

1- قيل للجنيد رحمه الله: بِمَ يستعان على غض البصر؟

قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظره.

2- قال ابن المبارك لرجل: راقب الله يا فلان، فسأله الرجل عن المراقبة، فقال له: كن أبدًا كأنك ترى الله عز وجل.

وأنشد بعضهم:

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل
"

 

 

 

 

خلوت ولكن قل: علىَّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

 

 

 

 

ولا أن ما تخفي عليه يغيب

ألم ترَ أن اليوم أسرع ذاهب

 

 

 

 

وأن غدًا للناظرين قريب

لذا ينبغي أن يراقب الإنسان نفسه في الطاعة، فإن كان لله أمضاه، وإلا تركه وهذا هو الإخلاص، ومراقبته في المعصية بالتوبة والندم والإقلاع، ومراقبته في المباح تكون بالشكر على النعم وبالصبر على البلايا.

وقال وهب بن منبه في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يشغل عن أربع ساعات:

ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل، فإن هذه الساعة عون على تلك الساعات، وهذه الساعة لا ينبغي أن تخلو من الذكر والفكر، لأن الطعام الذي يتناوله، فيه من العجائب ما لو تفكر فيه كان أفضل من كثير من أعمال الجوارح.

المقام الثالث: المحاسبة:

قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ{ [الحشر: 18]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: أي: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم، وعرضكم على ربكم.

وهذه الآية تدل على وجوب محاسبة النفس، لأن الله يقول فيها: لينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال: أمن الصالحات التي تنجيه، أم من السيئات التي توبقه؟

قال قتادة: «مازال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد».

والمقصود: أن صلاح القلب بمحاسبة النفس، وفساده، بإهمالها.

لذا نجد أن المؤمن أسير في الدنيا، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئًا حتى يلقى الله عز وجل، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه، وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه.

لذا قال الحسن: «لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: ماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين، والفاجر يمضي قدمًا لا يحاسب نفسه».

وقال قتادة في قوله تعالى: }وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{ [الكهف: 28] أضاع نفسه، ومع ذلك تراه حافظًا لماله مضيعًا لدينه. لذا قيل: من ملك نفسه عز، ومن ملكته نفسه ذل.

وقال الحسن: «إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته». وقال ميمون بن مهران: «لا يكون العبد تقيًا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك».

لذا اعلمي أن العبد كما ينبغي أن يكون له وقت في أول النهار يشارط فيه نفسه، كذلك ينبغي أن يكون له ساعة يطالب فيها نفسه في آخر النهار ويحاسبها، كما يفعل التجار في الدنيا مع الشركاء في آخر كل سنة أو شهر أو يوم.

ومعنى المحاسبة أن ينظر في رأس المال، وفي الربح، وفي الخسران، لتتبين له الزيادة من النقصان، فرأس المال في دينه الفرائض، وربحه النوافل، وخسرانه المعاصي. فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه، والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها؛ لأن إهمال النفس خسران عظيم، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن، وهذه حال أهل الغرور: يغمض عينيه عن العواقب، ويتكل على العفو، فيسهل عليه مواقعة الذنوب. لذا كان عمر رضي الله عنه إذا جن عليه الليل يضرب قدميه بالدرة «عصًا» ويقول لنفسه: ماذا عملت اليوم؟ وأبو طلحة رضي الله عنه لما شغلته حديقته عن صلاته خرج منها صدقة لله تعالى.

وحكي عن الخنف بن قيس أنه كان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتى يحسن بالنار، ثم يقول لنفسه: يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملت على ما صنعت يوم كذا؟

هكذا كان الصالحون من هذه الأمة يحاسبون أنفسهم على تفريطها، ويلومونها على تقصيرها، يلزمونها التقوى، وينهونها عن الهوى عملاً بقوله تعالى: }أَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{ [النازعات: 40 – 41]، فالمؤمنون قوم أوقفهم القرآن فكان لهم قائدًا وحال بينهم وبين هلكتهم، فعلى العبد أن يحاسب نفسه كلما أحس بالنقصان، ويعينه على ذلك معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدًا، ويعينه عليها أيضًا معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الكريم سبحانه.

المقام الرابع: معاقبة النفس على تقصيرها:

مهما حاسب نفسه، فلم تسلم عن مقارفه معصية، فلا ينبغي أن يهملها؛ بل ينبغي أن يعاقبها عقوبة مباح كما يعاقب أهله وولده، هكذا كانت عادة سالكي طريق الآخرة.

وقال بعضهم: دعوت نفسي إلى الله، فأبت علىَّ واستصعبت، فتركتها ومضيت إلى الله. وقال آخر: أول وصال العبد للحق هجرانه لنفسه.

المقام الخامس: المجاهدة:

وهي أن يعلم المسلم أن أعدى أعدائه إليه هو نفسه، وأنها بطبعها ميالة إلى الشر، تحب الراحة، وتنجرف مع الهوى.

لذا على المسلم أن يعلن عليها الحرب فإذا أحبت الراحة أتعبها، وإذا رغبت في الشهوة حرمها، وإذا قصرت في طاعة عاقبها ولامها، ثم ألزمها بفعل ما قصرت فيه، يأخذها بهذا التأديب حتى تطمئن وتطهر وتطيب، وتلك غاية المجاهدة، قال تعالى: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا{ [العنكبوت: 69]، وقال r: «خير الناس من طال عمره، وحسن عمله» [رواه الترمذي]. وقد يشق عليك مجاهدة نفسك، ولكن المجاهد طريق أكيد لعلو النفس وشرفها، وقد يطول بك الأمر فاصبري، لذا قال ابن المبارك: إن الصالحين كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوًا، وإن أنفسنا لا تواتينا إلا كرهًا. وقال عمر بن عبد العزيز: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس، وسبيلك في ذلك أن تسمعها أخبار المجتهدين.

فهذا على رضي الله عنه يتحدث عن أصحاب رسول الله r فيقول: «والله لقد رأيت أصحاب محمد r وما أرى شيئًا يشبههم، كانوا يصبحون شعثًا غبرًا صفرًا قد باتوا سجدًا وقيامًا، يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم، وكانوا إذا ذكر الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم».

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لولا ثلاث ما أحببت العيش يومًا واحدًا: الظمأ لله بالهواجر، والسجود له في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطاييب الكلام كما ينتقى أطاييب التمر.

وكان أحدهم يقوم حتى تتورم قدماه من طول القيام، ويبلغ من الاجتهاد مبلغًا لو قيل له: القيامة غدًا ما وجد مزيدًا.

ومن أنفع أسباب العلاج: أن تطلب صحبة عبدٍ من عباد الله مجتهد في العبادة، فتلاحظ أقواله وتقتدي به.

إلا أن هذا العلاج قد فقد في هذا الزمان فقل من يجتهد في العبادة اجتهاد الأولين، فهنا ينبغي أن يعدل من المشاهدة إلى السماع.

وإياك أن تنظر إلى أهل عصرك، فإنك إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله.

وحكايات المجتهدين غير محصورة، وإن أردت مزيدًا فعليك بالمواظبة على مطالعة كتاب «حلية الأولياء»، وبالوقوف عليه يستبين لك بعدك وبعد أهل زمانك فتذكر أن الكفار لم يهلكوا إلا بموافقتهم لأهل زمانهم، حيث قالوا: }إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ{ [الزخرف: 23].

المقام السادس: معاتبة النفس وتوبيخها:

اعلم أن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة كانت نفسك هي النفس اللوامة، ورجوت أن تصير النفس المطمئنة. كان أحد السلف يخاصم نفسه في المسجد، يقول: اجلسي، أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد، انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟! فلا تغفلن ساعة عن معاتبتها فتقول لها: «يا نفس ما أعظم جهلك».

أما تعرفين ما بين يديك من الجنة والنار؟ أما تعلمين أن الموت يأتي بغتة؟ فإن لم يكن الموت فجأة، فيكون المرض فجأة، فمالك لا تستعدين للموت؟! أما تتدبرين قوله تعالى: }اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ{ [الأنبياء: 1 – 3]، ويحك يا نفس؛ إن كانت جرأتك على معصية الله مع علمك باطلاعه عليك، فما أقل حياءك! أفتظنين أنك تطيقين عذابه؟! هيهات هيهات! جربي نفسك! فاحتبسي ساعة في الشمس ليتبين قدر طاعتك. أم تغترين بكرم الله؟ فما لك لا تعولين على كرم الله تعالى في مهمات دنياك؟!

ويحك يا نفس! ما أعجب دواعيك الباطلة! فقد تكفل الله لك بأمر الدنيا خاصة، وصرفك عن السعي فيها فكذبته بأفعالك، وأصبحت تتكالبين على طلبها، ووكل أمر الآخرة إلى سعيك فأعرضت عنها إعراض المغرور.

فما لك تسوفين العمل، أفتنتظرين يومًا يأتيك لا تعسر فيه مخالفة الشهوات؟ هذا يوم لم يخلقه الله قط، فلا تكون الجنة قط إلا محفوفة بالمكاره. كم تعدين نفسك وتقولين: غدًا غدًا؟

ولعلك تقولين: ما يمنعني عن الاستقامة إلا قلة صبري على الآلام والمشقات، إن كنت صادقة، فاطلبي التنعم بالشهوات الصافية، ولا مطمع في ذلك إلا في الجنة.

يا نفس، أما تستعدين للشتاء بقدر طول مدته؟ أفتظنين أن زمهرير جهنم أخف بردًا وأقصر مدة من زمهرير الشتاء؟ أفتظنين أن العبد ينجو منها بغير سعي؟ هيهات! كما لا يندفع برد الشتاء إلا بالجبة، فلا يندفع حر النار وبردها إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات.

ويحك يا نفس! ما أراك إلا ألفت الدنيا، فاحسبي أنك غافلة عن عقاب الله وثوابه، وعن أهوال القيامة وأحوالها، فما أنت مؤمنة بالموت المفرق بينك وبين محابك، ولذلك قال سيد البشر r: «أتاني جبريل فقل لي: يا محمد، عش ما شئت، فإنك ميت، وأحبب من شئت، فإنك مفارقه ...» الحديث [رواه الحاكم وحسنه الألباني].

أو ما تنظرين إلى الذين مضوا، كيف بنوا وعلوا، ثم ذهبوا وخلوا؟ أما ترينهم كيف يجمعون ما لا يأكلون، ويبنون ما لا يسكنون، ويؤملون مالا يدركون؟ يعمر الواحد دنياه وهو مرتحل عنها يقينًا، ويخرب آخرته وهو صائر إليها قطعًا!

ولعلك يا نفس أسكرك ميل القلوب لك، وسيأتي زمان لا يبقى ذكرك ولا ذكر من ذكرك، كما أتى على الذين كانوا من قبلك، }هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا{ [مريم: 98].

فمن ذا يصلي عنك بعد الموت، ومن ذا يصوم عنك بعد الموت؟!

أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدك، والقبر بيتك، والتراب فراشك، والدود أنيسك، والفزع الأكبر بين يديك؟!

فتوهم نفسك بعريك وانفرادك، بخوفك وأحزانك، وازدحمت الأمم كلها حتى اكتملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها، تناثرت نجوم السماء، وطمست الشمس والقمر، وأظلمت الأرض، وانشقت السماء، والملائكة انحدروا إلى الأرض للعرض والسؤال، وأدنيت الشمس من رؤوس الخلائق، ولا ظل لأحد إلا ظل عرش رب العالمين، وسال العرق على الأبدان، يظل العباد في موقفهم هذا خمسين ألف سنة، وكل منهم يقول: «نفسي نفسي»، فذهب الخلائق ينادون أولي العزم ليشفعوا لهم، ولما يئسوا من شفاعتهم أتوا النبي r فسألوه الشفاعة، ثم قام إلى ربه واستأذن عليه فأذن له، وأجابه الله بتعجيل حسابهم، وإيتاء العباد كتابهم، والحساب منه العسير ومنه اليسير، ومنه التكريم ومنه التوبيخ، إنه مشهد جليل عظيم، فنسأل الله أن ينجينا بفضله وكرمه.

تفكري الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها، وقد كلفت أن تمشي على الصراط مع ثقل ظهرك من الأوزار، المانعة لك من المشي على بساط الأرض، فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك، والخلائق بين يديك يزلون، وتناولتهم زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب، فيا له من منظر ما أفظعه!!

أسأل الله تعالى أن يجعلنا في اليوم من الفائزين وأن يغفر ذنوبنا.

ويحك يا نفس تزينين ظاهرك للخلق، وتبارزين الله في السر بالعظائم، أهو أهون الناظرين عليك؟! أتأمرين الناس بالخير وأنت له ناسية!

وكيف تعجبين بعملك مع كثرة خطاياك.

أما تخافين إذا بلغت النفس منك التراقي، أن تبدو رسل ربك منحدرة إليك بسواد الألوان، وكلح الوجوه، وبشرى بالعذاب؟! فهل ينفعك حينئذٍ الندم، أو يقبل منك الحزن، أو يرحم منك البكاء؟!

والعجب كل العجب، أنك مع هذا تدعين البصيرة والفطنة، ومن فطنتك أنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك، ولا تحزنين بنقصان عمرك! ويحك يا نفس، تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك!

فاحذري أيتها النفس المسكينة يومًا إلى الله فيه على نفسه أن لا يترك عبدًا أمره في الدنيا ونهاه، حتى يسأله عن عمله دقيقه وجليله سره وعلانيته، فانظري يا نفس بأي بدن تقفين بين يدي الله، وبأي لسان تجيبين، وأعدي للسؤال جوابًا.

فإن كانت القساوة تمنعك عن قبول الموعظة، فاستعيني عليها بدوام التهجد والقيام، فإن لم تزل، فبالمواظبة على الصيام، فإن لم تزل، فبقلة المخالطة والكلام، فإن لم تزل، فبصلة الأرحام واللطف بالأيتام، فإن لم تزل، فاعلمي أنه قد تراكمت ظلمة الذنوب على قلبك، فواظبي على الاستعانة بأرحم الراحمين، واشتكي إلى أكرم الأكرمين، لعله أن يرحم ضعفك ويغيثك، فإن مصيبتك قد عظمت، واخشعي في تضرعك، لأنه يرحم المتضرع الذليل، وجيب دعوة المضطر، وقد أصبحت اليوم مضطرة وإلى رحمته محتاجة، وقولي: يا أرحم الراحمين، يا حليم يا عظيم يا كريم، أنا المذنب المصر، هذا مقام الفقير الضعيف الهالك، فعجل إغاثتي وفرجي، وأذقني برد عفوك ومغفرتك، وارزقني قوة عظمتك، يا أرحم الرحمين.

وكان عبد الله البجلي كثير البكاء، يقول في بكائه: إلهي، أنا الذي كلما طال عمري زادت ذنوبي.

وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: من مقت نفسه في ذات الله آمنه الله من مقته.

وكان بعضهم يقول: إذا ذكر الصالحون فأف لي وتف.

 

 

 

* * * *


الخاتمــة

 

كان الفضيل واقعًا بالذنوب، وابن أدهم مقتولاً بالكبر، والسبتي هالكًا بالملك، والجنيد من جيد الجند، فنفخ في صور المواعظ، فدبت أرواح الهدى في موتى الهوى، فانشقت عنهم قبور الغفلة، إنما سمع الفضيل آية، فذلت نفسه لها واستكانت، وهكذا البقية تابوا وأنابوا فقالوا: }رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا{ [فصلت: 30].

أخية، إذا هممت بخير فبادري، لئلا تغلبي، وإذا هممت بشر فسوفي هواك، ولعلك تغلبين.

قال أبو زيد: كنت اثنتي عشرة سنة حداد نفسي، وخمسين سنة مرآة قلبي، ولقد أحببت الله حتى أبغضت نفسي.

وقال: ما زلت أسوق نفسي إلى الله وهي تبكي، حتى سقتها وهي تضحك.

يا بعيدة عنهم .. يا من لست منهم، ألك نية في لحاقهم؟

إذًا اسمعي هذه الأبيات:

أنا العبد الذي كسب الذنوبا

 

 

 

 

وصدته الأماني أن يتوبا

أنا العبد الذي أضحى حزينًا

 

 

 

 

على زلاته قلقًا كئيبًا

أنا العبد المسيء عصيت سرًا

 

 

 

 

فما لي الآن لا أبدي النحيبا

أنا العبد المفرط ضاع عمري

 

 

 

 

فلم أرعَ الشبيبة والمشيبا

أنا العبد السقيم من الخطايا

 

 

 

 

وقد أقبلت ألتمس الطبيبا

أنا العبد المخلف عن أناس

 

 

 

 

حووا من كل معروفٍ نصيبا

أنا الغدار كم عاهدت عهدًا

 

 

 

 

وكنت على الوفاء به كذوبًا

أنا المقطوع فارحمني وصلني

 

 

 

 

ويسر منك لي فرجًا قريبًا

أنا المضطر أرجو منك عفوًا

 

 

 

 

ومن يرجُ رضاك فلن يخيبا

فيا أسفي على عمر تقضى

 

 

 

 

ولم أكسب به إلا الذنوبا
"

وأحذر أن يعاجلني ممات

 

 

 

 

يحير هول مصرعه اللبيبا

ويا حزناه من حشري ونشري

 

 

 

 

بيومٍ يجعل الولدان شيبًا

تفطرت السماء به ومارت

 

 

 

 

وأصبحت الجبال به كثيبا

إذا ما قمت حيرانًا ظميئًا

 

 

 

 

حسير الطرف عريانًا سليبا

ويا خجلاه من قبح اكتسابي

 

 

 

 

إذا ما أبدت الصحف العيوبا

وذلة موقفٍ وحساب عدلٍ

 

 

 

 

أكون به على نفسي حسيبا

ويا حذراه من نارٍ تلظى

 

 

 

 

إذا زفرت وأقلقت القلوبا

تكاد إذا بدت تنشق غيظًا

 

 

 

 

على من كان ظلامًا مريبا

فيا من مد في كسب الخطايا

 

 

 

 

خطاه أما آن لأن تتوبا

آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

* * * *


المراجـع

 

1- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان – ابن قيم الجوزية.

2- تهذيب مدارج السالكين – ابن قيم الجوزية.

3- تزكية النفوس – ابن القيم – ابن رجب – الغزالي.

4- ذم الهوى – ابن الجوزي.

5- مختصر منهاج القاصدين – المقدسي.

6- منهاج المسلم – أبو بكر الجزائري.

7- موسوعة – نضرة النعيم – في مكارم أخلاق الرسول الكريم r، إشراف صالح بن حميد، وعبد الرحمن بن ملوح.

8- صلاح الأمة في علو الهمة – د. سيد العفاني.

9- معالم في السلوك وتزكية النفوس – عبد العزيز العبد اللطيف.

10- سهم إبليس وقوسه – عبد الملك القاسم.

11- صيد الخاطر – ابن الجوزي.

 

 

* * * *


الفهرس

 

المقدمة 5

تعريف محاسبة النفس: 8

فوائد المحاسبة 9

1- الاطلاع على عيوب نفسه: 9

2- أن يعرف حق الله تعالى عليه: 10

ومن فوائد نظر العبد في حق الله: 10

3- دوام الخشية من الله: 11

4- تولد خلق الحياء من الله: 11

5- الاستعداد للرحيل: 11

6- الازدياد من العمل الصالح: 12

7- تثمر محبة الله ورضوانه. 12

8- تحقيق السعادة في الدارين. 12

9- دليل على صلاح الإنسان، وعلى خوفه من الله، ومن خاف من الله بلغ المنزلة. 12

10- البعد عن مزالق الشيطان. 12

أركان المحاسبة 13

أركان المحاسبة ثلاثة: 13

* أحدهما: أن تقايس بين نعمة الله وجنايتك: 13

وهذه المقايسة تشق على من ليس له ثلاثة أشياء: 13

* الركن الثاني: 14

* الركن الثالث: 14

سؤال: كيف أحاسب نفسي؟ 16

المحاسبة نوعان: 16

النوع الأول: 16

النوع الثاني: 16

سؤال: هل المحاسبة هي أول درجات تأديب النفس؟ 16

الجواب: 16

درجات المرابطة: 17

المقام الأول: المشارطة: 17

المقام الثاني: المراقبة: 19

المقام الثالث: المحاسبة: 20

المقام الرابع: معاقبة النفس على تقصيرها: 22

المقام الخامس: المجاهدة: 23

المقام السادس: معاتبة النفس وتوبيخها: 24

الخاتمــة 30

المراجـع 33

الفهرس   34

 

 

 

 

 

* * * *

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق