<<:: الشيخ عبد الحميد كشك ::>>
هو محامي الحركة الإسلامية بلا منازع هو الداعية الكبير المُفوه الشيخ عبد الحميد كشك من أكثر الدعاة والخطباء شعبية في الربع الأخير من القرن العشرين وقد وصلت شعبيته إلى درجة أن المسجد الذي كان يخطب فيه خطب الجمعة حمل اسمه ، وكذلك الشارع الذي كان يقطن فيه بحي حدائق القبة . ودخلت الشرائط المسجل عليها خطبه العديد من بيوت المسلمين في مصر والعالم العربي. وُلد الشيخ عبد الحميد كشك عام 1933م في قرية شبرا خيت في محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية.
حفظ القرآن وهو في الثامنة من عمره.
الداعية الكريم الراحل الشيخ عبد الحميد كشك كان مبصراً إلى أن صار عمره ثلاثة عشر عاماً ففقد نتيجة المرض نور إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيراً ما يقول عن نفسه ، كما كان يقول ابن عباس رضوان الله عليه: إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ
التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية وفي السنة الثانية ثانوي حصل على تقدير 100%. وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على الجمهورية.
التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منعم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب خاصة علوم النحو والصرف.
عُين الراحل الكبير الشيخ عبد الحميد كشك معيداً بكلية أصول الدين عام 1957م ، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها رغب عن مهنة التدريس في الجامعة ، حيث كانت روحه معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها من سن 12 سنة ، ولا ينسى فضيلته تلك الخطبة التي ارتقى فيها منبر المسجد في قريته في هذه السن الصغيرة عندما تغيب خطيب المسجد ، وكيف كان شجاعاً فوق مستوى عمره الصغير ، وكيف طالب بالمساواة والتراحم بين الناس ، بل وكيف طالب بالدواء والكساء لأبناء القرية ، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه والتفافهم حوله.
بعد تخرجه في كلية أصول الدين ، حصل على إجازة التدريس بامتياز ، ومثل الأزهر الشريف في عيد العلم عام 1961م ، ثم عمل إماماً وخطيباً بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة .
ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضاً ، وفي عام 1964 صدر قرار بتعيينه إمامًا لمسجد عين الحياة بشارع مصر والسودان في منطقة دير الملاك بمنظقة حدائق القبة بالقاهرة.
تعرض للاعتقال عام 1966 مع الإسلاميين في ذلك الوقت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. وقد أودع سجن القلعة ثم نقل بعد ذلك إلى سجن طرة وأُطلق سراحه عام 1968. وقد تعرض لتعذيب وحشي في هذه الأثناء ورغم ذلك احتفظ بوظيفته إمامًا لمسجد عين الحياة ذلك المسجد الذي ظل عيناً للحياة قرابة عشرين عاماً. هي عمر الشيخ الجليل على منبره إلى أن اعتُقل في عام 1981م وتم منعه نهائياً من الدعوة والخطابة إلى أن لقي ربه أسيراً ساجداً بين يديه.
في عام 1972 بدأ يكثف خطبه وزادت شهرته بصورة واسعة وكان يحضر الصلاة معه حشود هائلة من المصلين . ومنذ عام 1976 بدأ الاصطدام بالسلطة وخاصة بعد معاهدة كامب ديفيد حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام وأخذ يستعرض صور الفساد في مصر من الناحية الاجتماعية والفنية والحياة العامة . وقد ألقى القبض عليه في عام 1981 مع عدد من المعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس المصري محمد أنور السادات ، وقد أفرج عنه عام 1982.
للشيخ الجليل الراحل شقيقان هما : المهندس عبد المنعم كشك والمستشار عبد السلام كشك أمين صندوق نقابة المحامين بالقاهرة وله أيضاً شقيقتان متزوجتان، وله من الأبناء ثمانية ، خمسة من الذكور ، وثلاثة من الإناث ، أما الذكور فهم : عبد السلام وعبد المنعم ، وهما محاميان ، ومحمد متخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة، ومصطفى الطالب بكلية التجارة ، وعبد الرحمن الطالب بالإعدادية ، أما بناته فهُنّ : أسماء وهي متزوجة ، وتوفي عنها زوجها ولديها طفل صغير اسمه يوسف ، وخديجة وهي متزوجة ولديها محمود ، وفاطمة طالبة، جميع أبناء الشيخ عبد الحميد كشك يحفظون القرآن الكريم كاملاً.
الإعتقال
تعرض للاعتقال عام 1966 مع الإخوان المسلمين في عهد الرئيس جمال عبدالناصر. سجن بسجن القلعة ثم نقل بعد إلى سجن طرة وأُطلق سراحه عام 1968. وقد تعرض لتعذيب وحشي في هذه الأثناء.
اعتُقل في عام 1981م وتم منعه نهائياً من الدعوة والخطابة وكان هجوم السادات عليه في خطاب 5 سبتمبر 1981م هجوماً مراً، كما كان الهجوم البذيء كذلك على كبار الدعاة كالمرحوم عمر التلمساني ، والداعية الكبير الشيخ أحمد المحلاوي، وقد لقي الداعية الكبير خلال هذه الإعتقالات عذاباً رهيباً ترك آثاره على كل جسده. وكان كما قال مرافقوه داخل السجون مثالاً للصبر والثبات والاحتساب واليقين.
كان الداعية الأول الذي كسر حاجز الخوف عند الدعاة والمدعويين خاصة في فترات إعادة الحركة الإسلامية لنشاطها في بداية السبعينيات.
في رحاب التفسير
ترك الداعية الكبير الراحل 108 كتب تناول كافة مناهج العمل والتربية الإسلامية، وكان في كل هذه الكتابات ميسراً لعلوم القرآن والسنة ، مراعياً لمصالح الناس وفِقهِ واقعهم بذكاء وعمق وبصيرة . كما توج جهوده العلمية بمؤلفه الضخم في عشرة مجلدات "في رحاب التفسير" الذي قام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملاً ، وهو أول تفسير يعرض للجوانب الدعوية في القرآن الكريم . ويُمثل ضلعاً ثالثاً إلى جانب "في ظلال القرآن" للشهيد سيد قطب ، و"الأساس" لسعيد حوى.
يكاد يكون الداعية الوحيد الذي ظل يخطب أربعين عاماً ، ما أخطأ مرة واحدةً في اللغة العربية ، و كان أحد الثقاة المعدودين في علوم الحديث فقد كان رحمة الله عليه يُفتي في مسائل الميراث شفوياً وكان يحُل أعتى مشكلات الفقه والأصول وكأنه يسكب ماءً زلالاً.
مع أسرته
يقول ابنه عبد المنعم (في لقاء مع مجلة المجتمع): هل تعلم أن والدي لم يضرب أي واحد منا نحن الثمانية طوال حياته أبداً .. وهل تعلم أنه قام بتحفيظنا القرآن الكريم بنفسه ، رغم ضيق وقته ، وكثرةُ شواغله وهمومه ، ثم قال : كان والدي رحمه الله يظل في محبسه هذا بجوار الهاتف ، يرد على أسئلة واستفسارات الناس لمدة طويلة كل يوم كانت تصل في بعض الأيام إلى أكثر من خمس ساعات .. وعندما كنا نشفق عليه من هذا الجهد المزعج ، كان يقول : لا بد أن أعمل هذا ، لكي يكون راتبي من وزارة الأوقاف حلالاً. ثم قال : إن ابنتي " هالة " هو الذي سماها بهذا الاسم .. وعندما سألناه لماذا ؟ قال : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُحب هذا الاسم ، لأن خديجة أم المؤمنين رضوان الله عليها كان لها أخت اسمها هالة ، وكانت تشبهها تماماً ، وبعد وفاة السيدة خديجة كانت أختها هالة كلما رآها الرسول صلى الله عليه وسلم ازداد سروراً ، وكان كلما طرق بابه طارق يقول : اللهم هالة. لذلك فقد أطلق عليها هذا الاسم الحبيب للحبيب صلى الله عليه وسلم.
طرائف
كان الشيخ داعية مُفوه متمكن وكان يلقي طرائف في خطبة ذات معني ومغزي فكان يقول في إحدى خطبه بالعامية المصرية:
(كنا نبحث عن إمامٍ عادل آمْ طِلِعْلِنا عادل إمام)
ويروى أيضاً عن الشيخ رحمه الله أنه قال عن السجن : الظلم تسعة أعشاره عندنا في السجن، وعشر يجوووووب العالم كله ، فإذا أتى الليل بات عندنا
ويروى عن الشيخ أن مسجده مزحوم بقوة ذات جمعة ، فقال : إخوّنا المباحث في الصف الأول يتأدموا يتقدموا علشان إخونهم المصلين في الخارج
ويروى عن الشيخ أيضاً : اللهم صلي على الصف الثاني ، والثالث ، والرابع" فقيل له "والصف الأول يا شيخ" فقال "دا كله مباحث يا اخوّنا
ومن أشهر ما قالة : لكل ملك علامات فلما علا مات
وقال عن عبد الحليم حافظ : وهذا العندليب الأسود عندنا ظهرت له معجزتين الأولى يمسك الهوى بأيديه والتانية يتنفس تحت الماء
وعندما قبض عليه، كان أحد الضباط جديد فقال: ما اسمك قال : عبد الحميد كشك (المفترض أن الشيخ مشهور للغاية عند المباحث) قال: ما عملك ، فقال الشيخ: مساعد طيار (معلوم أن الشيخ كان ضريرا)
من أقواله رحمه الله التي تستحق أن تكتب بماء الذهب قوله:الدنيا إذا ما حلت أوحلت ، وإذا ما كست أوكست ، وإذا أينعت نعت .
كان في أغنية بمناسبة 23 يوليو اليوم المشئوم على البلد ده بتقول ما خلاص اتعدلت والحاله اتبدلت ولا اتعدلت ولا حاجه فشكوكو طلع على المسرح حب يتدلع شويه فقال ما خلاص اتنيلت والحاله اتقندلت خدوه السجن الحربي رنوه علقه طلع يقول ياما القمر على الباب
الإمام مالك كان بيقول لما البنت يجيلها عريس ياخدوا رأيها إن سكتت فالسكوت علامة الرضا وإن عيطت أمها تدوق دموعها إن كانت حلوة فهي من الفرح وإن كانت مرة فهي من الحزن والله انت تاعب نفسك يا عم مالك النهارده البنت بتقول يا اما عملي معروف ما عادش فيها كسوف يا تفتحيله الباب ولا أناديله.يعني غصب عنك وغصب عن ماي فازر.
كنت مرة في المقابر وانا أول زيارة بعمله في البلد بروح المقابر مع قوم إذا كنت بينهم لا يؤذونني واذا فارقتهم لا يغتابونني فالأخ اللي معايه بيقول شوف المقبره دي مكتوب عليها إيه فانا بقوله مكتوب عليها إيه فقالي مكتوب عليه غريب الدار علي جار زماني القاسي وظلمني مشيت سواح مسا وصباح بدور عاللي راح مني.
يا سلام الفن كمان وصل المقابر الله يخيبكوا يا بعدا هو ده اللي هيرحم الميت عباس البليدي ولا عبده السروجي اللي هيرحموا الميت
مفاتيح شخصيته
وإذا أردنا أن نضع مفاتيح لشخصية الداعية الكبير الراحل الشيخ عبد الحمد كشك ..فإننا نرى أنها تتلخص في أربعة أمور :
أولاً : الإخلاص العميق في كل علم وعمل .
ثانياً : الصدق والثبات والشجاعة إلى أقصى حد .
ثالثاً : الذكاء الحاد وخفة الظل التي قرّبت منه مفاهيم الدعوة للناس .
رابعاً : المواهب الشخصية التي حباه الله تعالى بها ، كالذاكرة الذهبية ، واللباقة والفصاحة التي لا مثيل لها .
وإذا كنا نذكر في عصرنا الحاضر للشيخ الشعراوي مثلاً أنه قد جعل من علم التفسير علماً شعبياً، ونذكر للشيخ الغزالي رحمة الله عليه أنه الحكيم الأول للدعوة الإسلامية المعاصرة ، ونذكر للقرضاوي أنه فقيه الصحوة الإسلامية العالمية ، ونذكر للشهيد سيد قطب أنه المفسر الدعوي للقرآن الكريم ، ونذكر للمرحوم سعيد حوي أنه المفكر الموضوعي لعلوم القرآن والسنة ، ومن قبل ومن بعد نذكر للإمام الشهيد حسن البنا ، أنه البنّاء الأول للفكر الإسلامي المعاصر ، فإننا نذكر للشيخ كشك رحمة الله عليه أنه المحامي الأول للحركة الإسلامية المباركة فقد دخل بالدعوة بالمفاتيح التي سبقت الإشارة إليها آنفاً إلى كل مكان.
كنت تسمع في أشرطته عند أساتذة الجامعات كما تسمعها عند سائقي السيارات وبائعي الفاكهة والعصائر ، وكان يُحبه العلماء والمثقفون ، كما يحبه العامة والفلاحون والعمال .
وفي هذه الفترة فترة إعادة التأسيس للعمل الإسلامي المعاصر كانت المفاهيم الشمولية للإسلام قد غابت عن الناس كثيراً،وكانت النظرة التكاملية للفكرة الإسلامية قد عبث بها أصابع الإشتراكية والماركسية والناصرية ، وكانت رموز العمل الإسلامي تنتقل من كرب إلى كرب ، والفضل يرجع بعد الله تعالى إلى هذا الرجل الراحل الشجاع ، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، فدوّت على المنابر أسماءُ حسن البنا و سيد قطب ، و محمد فرغلي ، وعبدالقادر عودة ، ويوسف طلعت ، تماماً كما تُدوي أسماء ابن حنبل ، وابن تيمية ، والعز بن عبد السلام ، كذلك كانت لخبرة الشيخ كشك الواسعة في الحياة ، وأنماطها الإجتماعية ، وتمكنه من طرح رؤيته في مسائل المرأة والشريعة والتربية والجهاد والإصلاح الإجتماعي .. كان لذلك كله أبعد الأثر في التحليق بالدعوة في كل مكان .
كان الشيخ رحمه الله يتسم بالشجاعة الشديدة والجرأة وكان لا يخاف في الله لومة لائم مما عرضه للسجن عدة مرات
دخل خلالها سجن القلعة وأبي زعبل والسجن الحربي وسجن طره فسجن عام 1966 الى نصف عام 1968 وسجن مرة اخرى عام 1981 بعد اعتراضه على معاهدة الاستسلام المسماه بمعاهدة السلام خرج من السجن هذه المره الى بيته بعد أن منع من الخطابه.
ألقى الشيخ حوالي 450 خطبة وله أكثر من 2000 شريط كاسيت ومائات الكتب
فسر القران الكريم والذي دعى الله ألا يميته قبل ان يتم تفسيره
عرض عليه العمل خارج مصر فأبى وقال هذا التولي يوم الزحف
كان يرفض الشيخ عبد الحميد كشك مغادرة مصر إلى أي من البلاد العربية أو الإسلامية رغم الإغراء إلا لحج بيت الله الحرام عام 1973م. وتفرغ للتأليف حتى بلغت مؤلفاته 115مؤلفًا، على مدى 12 عامًا أي في الفترة ما بين 1982 وحتى صيف 1994، منها كتاب عن قصص الأنبياء وآخر عن الفتاوى وقد أتم تفسير القرآن الكريم تحت عنوان ( في رحاب القرآن ) ، كما أن له شرائط كاسيت وصلت إلى 425 خُطبة جمعة ، وأكثر من ثلاثة آلاف درس هي جملة الخطب التي ألقاها على منبر مسجد ( عين الحياة ) .
وكان للشيخ كشك بعض من آرائه الإصلاحية لللأزهر إذ كان ينادي بأن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخابات لا بالتعيين وأن يعود الأزهر إلى ما كان عليه قبل قانون التطوير عام 1961 وأن تقتصر الدراسة فيه على الكليات الشرعية وهي أصول الدين واللغة العربية والدعوة؛
وكان الشيخ عبد الحميد يرى أن الوظيفة الرئيسة للأزهر هي تخريج دعاة وخطباء للمساجد التي يزيد عددها في مصر على مائة ألف مسجد . ورفض كذلك أن تكون رسالة المسجد تعبدية فقط ، وكان ينادي بأن تكون المساجد منارات للإشعاع فكريًا واجتماعيًا .
وكانت آخر خطبة رضوان الله عليه هي الخطبة رقم 425 الشهيرة قبيل اعتقاله عام 1981م ، والتي بدأها بقوله تعالى " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ، مهطعين مُقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدنهم هواء " ( إبراهيم : 42، 43 ) ، وظل بعدها رهين المحبسين إلى أن لقي ربه ساجداً في الخامس والعشرين من شهر رجب لعام 1417 هـ الجمعة الموافق 6 ديسمبر لعام 1996م .
حسن الختام
كان الشيخ رحمه الله كثيرا ما يدعو الله في خطبه ان يتوفاه ساجدا وهو يصلي وفي ليلة جمعة يوم خميس في عام 1996 جمع الشيخ أبنائه وأخذ يسدي إليهم النصائح والوصايا ثم سألهم قائلا في أي سن مات النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا على لسان أحدهم في سن الثالثة والستين فقال الحمد لله أني أتممتهم الليلة.
ثم نام الشيخ واستيقظ في صباح يوم الجمعة واستدعى زوجته وقال لها سوف أقص عليك رؤيا رأيتها الليلة.
فقالت : قل
فقال لها : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسلمت على النبي وقال لي النبي سلم على عمر فسلمت عليه وبينما أنا هكذا حتى سقطت بينهما ميتا وغسلني النبي بيده الشريفة
فقالت له : ولما تقصها علي وقد علمتنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما معناه إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يقصها على أحد فانها لا تضره.
فقال لها : ومن قال لك أني أكرهها ليتها تكون.
ثم دخل الشيخ فاغتسل غسل الجمعة وخرج من حمامه على غير عادته مسرعاً وركن إلى صلاة كان يصليها في الضحى قبل ذهابه للصلاة ، فصلى ركعته الأولى وتوفاه الله وهو ساجد في الركعة الثانيه، متوضئاً مصلياً ساجداً .. وبقدر ما كان الحزن يعتصر المعزّين .. بقدر ما كانت سعادة الكثير منهم بهذه الخاتمة الطيبة الحسنة ..
فالمرء يُبعث على ما مات عليه ، لذلك فإن الداعية الشهير الشيخ محمد حسان عندما حضر إلى العزاء ليلة الوفاة ..قال لأبنائه : لم آت مُعزياً .. وإنما أتيت مهنئاً .. وحق لكم أن ترفعوا رؤوسكم لأنكم أبناء المجاهد الطاهر عبد الحميد كشك .
فرحم الله الشيخ رحمة واسعة فما أحوجنا اليوم إلى مثله من العلماء الربانيين المخلصين الذين وهبوا نفسهم لله فبلغهم الله حسن الجزاء.
ليلة العزاء
في ليلة العزاء الذي كان صورة أخرى من جموع مسجد عين الحياة ، حيث توافد مئات الآلاف من شتى أرجاء الحمهورية ، بل وحضر الكثيرون من الدول الإسلامية لتقديم العزاء في الشيخ الجليل الراحل.
تحدث في هذه الجموع الحاشدة الأستاذ مصطفى مشهور المرشد العام للإخوان المسلمين الذي أشار في كلمته إلى الرحلة الجهادية والدعوية للشيخ كشك ، وقال : إن رحيل الدعاة إلى الله كالدكتور عبد الرشيد صقر ، والشيخ كشك لهو شكوى خالصة إلى الله عز وجل ، وقال : إن الشيخ كشك كان واحداً من فرسان المنابر القلائل والمعدودين ، وكان من الدعاة المخلصين العاملين وإننا جميعاً نتعزى فيه ، ونسأل الله أن نفيد من علمه الذي ملأ الدنيا وأنار بصائر الناس .
كما تحدث فضيلة الدكتور محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر الذي قال : إن حُزني على الشيخ كشك لا يعدله حُزن أبداً .. ذلك لأنني كنت البديل له عندما يتغير عن منبره ، وإن اخوتي له تستمر على مدى خمسة وثلاثين عاماً ، ما عهدته خلالها إلا أسداً من أسود الحق لا يبالي في الله لومة لائم ، وكان يعتبر نفسه جندياً في أرض الرباط ، ولذلك رفض الرحيل من مصر رغم العروض والإغراءات التي انهالت عليه من كل مكان ، ولكنه كان يقول : إن فرار العلماء من مصر خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخها ، كالتولي يوم الزحف ، لأن مصر هي قلب العالم الإسلامي ، وإذا مات القلب مات الجسد كله .
أما الشيخ تاج الدين الهلالي مفتي قارة أستراليا وأحد الأصدقاء المقربين جداً من الشيخ كشك فقال في كلمته: لقد حدثته من يومين بالهاتف ، فقال لي : أقبل لكي أراك .. لعلها رؤية مودع ، وبالفعل كانت رؤية مودع ، ثم قال فضيلته في كلمة العزاء التي هزّ بها جموع المعزين : أما آن للأيدي الشلاء التي قيدت كلمات الله ، وكبلت الدعاة إلى الله أن تفيق ، فإن عدونا على الأبواب ، فأفيق أيها الناس فإن الأمر جد خطير ، وما عهدنا مصر هكذا .. تأكل أبناءها ..
وتحدث كذلك بين التلاوات القرآنية المتعاقبة لمشاهير القراء ، كل من الدعاة الإسلاميين : الشيخ طه السماوي ، والشيخ نشأت الدبيس ، والدكتور عاطف أمان ، والشيخ شعبان الغرباوي ، وكيل أول وزارة الأوقاف ، الذي قدم عزاء الوزارة في الشيخ الجليل الراحل ، ثم تحدث المهندس إبراهيم شكري رئيس حزب العمل ، والمفكر الإسلامي الدكتور جمال عبد الهادي ، والشيخ المجاهد حافظ سلامة رئيس جمعية الهداية الإسلامية، الذي بكى وأبكى الناس باستعراضه عدداً من المواقف الجليلة للشيخ كشك رحمة الله عليه .
ثم تحدث الداعية الشيخيوسف البدري ، والشيخ المجاهد أحمد المحلاوي ، الذي قال : أحسن الله عزاءنا معشر المسلمين ، وعظم الله أجرنا بني الإسلام ، ورحم الله ميّتينا .. ففي أسبوع واحد لقيا ربهما عالمان جليلان ، وداعيان إسلاميان عظيمان ، ما أحسب أن التراب الذي واراهما سوف يطمس اسميهما في أذهان وقلوب وأسماع الملايين ، بل لعل وفاتهما تجعل من علميهما زاداً ومداداً على الطريق ... عرفتهما المعتقلات كما عرفت غيرهم من الرجال أمثلة للصبر والسداد وعرفتها المنابر من فرسان الحق الذين يجولون به وله ، وعرفتهما ساحات العطاء الإسلامي ، والإصلاح الاجتماعي .. ينزلان على الناس بردا وسلاماً ، كما ينزل ماء السماء فيحيي به الله الأرض بعد موتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق