نظرية التأويل عند ابن تيمية
نطلق ابن تيمية من الشرع فيقدمه على العقل، لأن الشرع
- الرسالة هي التي تهدي العقل وترشده للنافع والضار، ولولا الشرع لأضحى الإِنسان
« أسوأ حالاً من الكلب والخنزير والحيوان البهيم « (الفتاوى 10 - 55)، والعقل -
في نظره - ليس قسيمًا للشرع بل قسيمٌ للسمعي،
لأن الشرع يكون عقليًا باعتبارات ثلاثة: أن يُخبِر بالعقلي، أو يأمر به، أو يدل عليه، وكل ما هو عقلي وخارجٌ عن مسمى
الشريعة - بمعنى أن الشرع لم يدل عليه ولم يخبر به - فإنه من قبيل الصناعات
كالفلاحة والبناية؛ وعليه فإنه سيكون في العلوم المفضولة لا الفاضلة، « فتكون
الشرعية قسمين: عقلية وسمعية « (مجموع الفتاوى 10 - 125).
وبما أنه يجعل العقل تحت الشرع وقسيمٌ للسمعي لا للعقلي فإنه يقسم الطاعات إلى ثلاثة أقسام: طاعات عقلية، طاعات ملّية، وطاعات شرعية. والعقلية هنا ليست مقابلة للشرعية وإنما تحكيم العقل يكون ضمن النص الشرعي، أي أن « الغرض ما اتفق عليه المسلمون وغيرهم من التحسين والتقبيح العقلي الذي هو جلب المنافع ودفع المضار « ( مجموع الفتاوى 10 - 204) فالعقل دائمًا تابعٌ للشرع وينفي عنه صفة التقبيح والتحسين، وهو منطلقه في ذم الفلاسفة لأنهم يقفون عند الطاعات العقلية فحسب بينما الفقهاء يهتمون بالطاعات الشرعية والعقلية بتقديم الشرعية. وأزعم أن ابن تيمية هنا يقع في لبسٍ حينما ينفي التقبيح والتحسين عن العقل ويحصره بالشرع، ثم في موطن آخر يعتدّ بتقبيح العقل وتحسينه ويسميها (الطاعات العقلية) بحسب قانون (الاجتلاب والاجتناب) لمصلحة الإِنسان، فإنَّ كان العقل لا يقبّح ولا يحسّن فما بال الآدميين يتفقون على ما ذكره من أمثلة كالصدق والأمانة والعدل وغيرها ؟! وتناوُلُ ابن تيمية للتأويل جاء من استحضار الأعذار التي يرى أن العالم يُعذر فيها حينما يخالف نصًا شرعيًا في رأيه، وفرّع ثلاثة أقسام لهذه الأعذار، ومن هذه الثلاثة فرّع عشرة أعذار اخرى، فالثلاثة الرئيسة يتعلق أحدها بدلالة النص وفهمه وهو « عدم اعتقاده (العالم) إرادة تلك المسألة بذلك القول» (مجموع الفتاوى 10 - 293) واثنان فيما هو خارج النص سواءٌ في سنده أو في رده لكونه منسوخا. وخمسة من العشرة الفرعية لهذه الأعذار تتعلق - أيضاً - بدلالة النص؛ وهي الخمسة أعذار الأخيرة وسأوردها إجمالًا هنا : 1 - عدم معرفته بدلالة الحديث. 2 - اعتقاده ألا دلالة في الحديث. 3 - اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليست مُرادة. 4 - اعتقاده أن الحديث معارض بما دل على ضعفه أو نسخه أو تأويله. 5 - اعتقاده أن الحديث معارض بما دل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارض. ونلحظ من هذا أن ابن تيمية يولي فهم النص ودلالته أهمية قصوى لإعذار العالم عن خطئ اجتهاده، فهذه الخمسة الأعذار تدور كلها حول فهم النص أو تأويل النص بما هو داخل النص لا خارجه فيُعيد الخطأ إلى « كون الدلالة من النص خفية، فإنَّ جهات دلالات الأقوال شاسعة جدًا، يتفاوت الناس في إدراكها وفهم وجوه الكلام بحسب منح الحق سبحانه ومواهبه « (الفتاوى 10 - 300)، فإيمان ابن تيمية بأن النص شاسع على الفهم، وأن الفهم متوزع بين البشر يرشدنا إلى استيعاب التأويل وفتح المجال له أكثر حتى يتسنى لنا بعث المعاني القابعة فيه، إلا أن ابن تيمية يحصر التأويل بأمرين : أن يكون النص متعارضا مع غيره بالاتفاق، وأن لا يحمل النص على ما لا يحتمله اللفظ (الفتاوى 10 - 301)، وحصر التأويل في هذين الأمرين تحجير وتأطير له، وهذا التأطير يحدد ما بدأ به من كون الدلالة شاسعة والفهم متوزع بين الناس فيخصصه بهذين الشرطين. فابن تيمية هنا اتخذ منهجًا أكثر حيطةً من التأويل فهو لم يفتح مجال التأويل كما هو عند ابن رشد، ولم يحدده أيضاً بتحديدات أكثر اتساعا كما هو عند الغزالي، بل أطّر التأويل بشروط تكاد تنعدم خصوصا شرطه الأول في ابتغاء النص المعارِض. ولعل خضوع ابن تيمية للرأي السابق في النص جعل منه يتهيب التأويل، لأن التأويل سيلغي الأقوال السابقة أو على الأقل فإنها سيناقشها، لذا فإنه يرى أنه « لا يمكن للعالم أن يبتدئ قولا لم يعلم به قائلاً: « (الفتاوى 10 - 301) ويعود هذا إلى رأيه في حجية الإجماع واعتماده على الإجماع بتأكيد كبير جدا حتى إنه يُعدُّ « الإجماع أعظم الحجج» (الفتاوى 10 - 302)، وبذا فإنَّ ابن تيمية حبيس الرأي السابق ويدور في فلكه، مع علمنا أن حجية الإجماع مسألة أصولية حولها خلاف كبير. ومن هنا نستطيع أن ننظر إلى التأويل من علٍ، باستحضار الفكر العربي الإسلامي وتعاطيه للنص، فأهل الكلام والمعتزلة وابن رشد - أيضاً - فتحوا مجال التأويل بشكل واسع جدا، ونقيضهم المدرسة الظاهرية كما عند ابن حزم الذي أغلق التأويل بتاتا واكتفي بظاهر النص، وابن تيمية ليس وسطًا بينهما لكنه يميل إلى ظاهر النص ويفتح شرفةً ضئيلة جدا على التأويل ليخرج بها من إشكال تعارض النصوص المتفق على تعارضها. صالح بن سالم - المدينة المنورة ----------------- الالوكة فهم مراد النصوص الشرعية عند ابن تيمية فهم مراد النصوص الشرعية، وفقه المقصود منها، والدراية والفهم لمقالات العلماء والطوائف والفرق؛ إن ذلك يعد من المعالم المنهجية الأصيلة التي تميز بها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[1]. لقد احتفى أبو العباس بهذا المعلم الجليل تنظيرًا وتأصيلًا، وحققه واقعًا وتطبيقًا، فبيّن أن فهم القرآن هو طريق الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان[2]، وقرر أن "معرفة مراد الرسول ومراد أصحابه هو أصل العلم وينبوع الهدى"[3]، وقال في موضع آخر: "معرفة ما جاء به الرسول وما أراده بألفاظ القرآن والحديث هو أصل العلم والإيمان والسعادة والنجاة"[4]. وأكد على وجوب الفهم والتدبر لنصوص الوحيين فقال: "الواجب أن يجعل ما قاله الله ورسوله هو الأصل، ويتدبر معناه ويعقل، ويعرف برهانه ودليله"[5]، وأن فهم معاني القرآن هو المطلوب والمقصود كما في قوله: "المطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به، فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين"[6]. بل جزم أن مقصود الخطاب في النصوص الإلهية النبوية هو الإفهام[7]. وطالما كرر أبو العباس وأكد على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم وأفصح وأنصح، فهو أحرص الناس على تفهيم المخاطبين، وأقدرهم على البيان[8]. وكما هي منهجية ابن تيمية المطردة في تقرير الجوانب العملية، والاهتمام بالأفعال لا مجرد التروك، والاحتفاء بتحريك الوجدان والحال القلبي، وليس مجرد معرفة بلا عمل ولا إرادة؛ فإنه لم يقتصر - هاهنا - على إثبات مجرد الفهم التنظيري المعرفي، بل أكد أن الفهم يستلزم عمل القلب والجوارح؛ كما بسطه في غير موضع. ومن ذلك أنه لما ساق قوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" قال: "كل من أراد الله به خيرًا فلابد أن يفقهه في الدين، فمن لم يفقهه في الدين لم يرد به خيرًا، وليس كل من فقه في الدين قد أراد الله به خيرًا، بل لابد مع الفقه في الدين من العمل به، فالفقه في الدين شرط في حصول الفلاح فلابد من معرفة الرب تعالى، ولابد مع معرفته من عبادته"[9]. كما بيّن في كتاب آخر أن من كان أفهم للقرآن فهو أشد تعظيمًّا له[10]. وإذا كان فهم النصوص الشرعية مأمور به ومشروع، وكذا فهم مقالات الأشخاص والطوائف هو مقتضى ما يحبه الله تعالى من العلم والعدل، فإن هذا الفهم هو مقتضى الفطرة التي فطر الله الناس عليها؛ كما بسطه ابن تيمية في "القاعدة المراكشية"، فكان مما سطره: "إن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناءهم بالقرآن لفظًا ومعنى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد فإنه قد علم أنه من قرأ كتابًا في الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك فإنه لابد أن يكون راغبًا في فهمه وتصور معانيه"[11]. بل غلّظ ابن تيمية مقالة أهل التجهيل الذين يزعمون أن آيات الصفات الإلهية مجهولة المعنى، فقال: "أعظم أبواب الصد عن سبيل الله وإطفاء نور الله والإلحاد في آيات الله دعوى كون القرآن لا يُفهم معناه"[12]. ثم إن فهم الكلام وفقه الخطاب حاجة ماسة من حوائج المجتمعات، كما وضحه ابن تيمية بقوله: "لابد للإنسان أن يفهم كلام بني جنسه، إذ الإنسان مدنيّ بالطبع، لا يستقل بتحصيل مصالحه، فلابد لهم من الاجتماع للتعاون على المصالح، ولا يتمّ ذلك إلا بطريق يعلم به بعضهم ما يقصد غيره"[13]. ومن أجل فهم ما جاء به الرسول فيجب على الشخص القادر أن يتعلم لغة ذلك الرسول، فإذا لم يتحقق للشخص فهم كلام الرسول إلا بتعلم لغته فإنه يتعين عليه أن يتعلمها؛ كما قرره ابن تيمية قائلًا: "ومن لم يمكنه فهم كلام الرسول إلا بتعلم اللغة التي أُرسل بها وَجَب عليه ذلك؛ فإن ما لا يتم الواجب إلا به واجب"[14]. وقال في مصنف آخر: "علينا أن نعرف لغة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخاطب بها؛ فإنها هي الطريق إلى معرفة كلامه ومعناه"[15]. وفي المقابل فإنه حكى الاتفاق على جواز ترجمة معاني النصوص الإلهية إذا احتيج إلى ذلك في حق من لا يحسن اللغة العربية، فقال رحمه الله: "اتفق المسلمون على أن القرآن والحديث يُترجم بغير لفظ الرسول وغير لغته لمن احتاج إلى ترجمته ممن لا يعرف العربية"[16]. ويلحظ ما عليه ابن تيمية من فقه للدعوة ورحمة بالخلق عندما قرر أن للمشرك أن يسمع كلام الله سماع فهم وعقل، كما في قوله تعالى: ﴿ وَإنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ ﴾ [التوبة: ٦] فقال أبو العباس: "قد علم أن المراد أن يسمعه سمعًا يتمكن منه فهم معناه"[17]. وبالجملة فإن مَعْلَم فهم مراد القائل وتحري مقصوده حاضرٌ في تحريرات ابن تيمية العلمية ومواقفه العملية، فطالما أسهب في الحديث عن الألفاظ والمصطلحات في العقيدة والسلوك.. وحرر ما فيها من إجمال واشتراك وقعّد وجوب التفصيل فيها، وبيان ما تحتمله من حق وباطل. وبهذا التفصيل والبيان يرتفع أكثر الاختلاف، ويحصل العلم والإنصاف. ولأجل تحقيق الفهم الصحيح لنصوص الوحيين فإن أبا العباس يستصحب جملة قواعد وضوابط يحصل بها فهم المراد وفقه الخطاب، منها: اليقين والثقة بأن النصوص الشرعية مستوعبة جميع أحوال العباد؛ ففيها الغناء والشفاء وإنما القصور من أفهام الناس، فقال رحمه الله: "النصوص محيطة بجميع أحكام العباد، فقد بيّن الله تعالى بكتابه وسنة رسوله جميعَ ما أمر الله به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحلّه وجميع ما حرّمه، وبهذا أكمل الدين، حيث قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: ٣] ولكن قد يقصر فهم كثير من الناس عن فهم ما دلت عليه النصوص، والناس متفاوتون في الأفهام"[18]. ثم إن اعتقاد الحق الثابت في نصوص الوحيين يقوي الإدراك ويصحح الفهم كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْوَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: ٦٦][19]. ومنها: "أن حمل كلام الله ورسوله على معنى من المعاني لابد فيه من شيئين: أحدهما: أن يكون ذلك المعنى حقًّا في دين الإسلام يصلح إخبار الرسول عنه. الثاني: أن يكون قد دلّ عليه بالنص لفظ يدل عليه دلالة لفظ على معناه"[20]. ومنها: الاعتناء بفقه الصحابة - رضي الله عنهم - للنصوص الشرعية، فقد شاهدوا التنزيل، وهم أعلم بالتأويل، ولديهم من الفقه والدين ما ليس لغيرهم؛ فهم أبرّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، ومن له اختصاص بالرسول - كما هو شأن الصحابة - يعلم بالاضطرار ما لا يعلمه غيره[21]. ومن تقريراته في منزلة فهم الصحابة: "وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين... وقد قال الإمام أحمد: ما من مسألة إلا وقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها"[22]. وقال في مصنف آخر: "وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - مع أنهم أكمل الناس علمًا نافعًا وعملًا صالحًا - أقل الناس تكلفًا، يصدر عن أحدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة أو من المعارف ما يهدي الله بها أمة"[23]. ومنها: العناية بدلالة "السياق" للنصوص القرآنية والنبوية، والنظر إلى ما قبل النص وبعده، ومراعاة القرائن المعتبرة، فإن ذلك هو الذي يعطي النصوص حق دلالتها وصحة فهمها. ومن ذلك قوله: "ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه، وما يبيّن معناه من القرائن والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع في باب فهم الكتاب والسنة، والاستدلال بهما مطلقًا"[24]. وبيّن - رحمه الله - أن سبب الغلط في فهم الأحاديث في الصفات الإلهية هو أن الغالطين يبترون ألفاظ الحديث ويقطعونها، كما وضحه بقوله: "إن هؤلاء يعمدون إلى ألفاظ الحديث يقطعونها، ويفرقون بينهما، ثم يتأولون كل قطعة بما يمكن وما لا يمكن"[25]. والحاصل أن فهم الخطاب وعقل النصوص والمقالات - كما حققه ابن تيمية - يورث ثباتًا واستقرارًا في المعتقد، واطرادًا في المنهج، ويخلص النفوس من ظلمات البطلان، وشكوك المتهوكين، وعمايات الحيارى التي عبر عنها المعريّ بقوله: ونظيري في العلم مثلي أعمى ♦♦♦ فترانا في حندس نتصادمْ المصدر: مجلة البيان العدد 341 محرّم 1437هـ، أكتوبر - نوفمبر 2015م. [1] أجاد الباحث د. عبدالله الدعجاني - في أطروحته المطبوعة لنيل الدكتوراه والموسومة بـ"منهج ابن تيمية المعرفي" - في تجلية هذا الأصل وتحريره كما في الفصل الثاني: "الواقعية اللغوية" من الباب الثاني: "الواقعية المعرفية"، وقد انتفعت بذلك الكتاب. [2] ينظر: الفتاوى 15/ 211. [3] شرح حديث النزول ص230. [4] الفتاوى 17/ 355. [5] الفتاوى 13/ 145(الفرقان). [6] الفتاوى 23/ 55. [7] ينظر: الدرء 5/ 243. [8] ينظر: الدرء 5/ 373، الفتاوى13/ 136. [9] الصفدية 2/ 266، وينظر: الجواب الصحيح 4/ 274. [10] ينظر: بيان تلبيس الجهمية 8/ 332. [11] القاعدة المراكشية ص29، وينظر: جواب الاعتراضات المصرية ص14. [12] جواب الاعتراضات المصرية ص24. [13] الدرء 7/ 136. [14] الجواب الصحيح 1/ 189. [15] بيان تلبيس الجهمية 7/ 399. [16] بيان تلبيس الجهمية 8/ 474، وينظر: الجواب الصحيح 3/ 203 والدرء 1/ 43. [17] الجواب الصحيح 1/ 68. [18] جامع المسائل 2/ 272. [19] ينظر: الفتاوى 4/ 10. [20] السبعينية (بغية المرتاد) ص357. [21] ينظر: الدرء 1/ 184، 8/ 53. [22] الفتاوى 19/ 200، 285. [23] الفتاوى 4/ 138. [24] الفتاوى 6/ 18، وينظر: منهاج السنة النبوية 7/ 145، والجواب الصحيح 3/ 91. [25] بيان تلبيس الجهمية 7/ 374. -------- صيد الفوائد التأويل .. طريق الفتنة وإراقة الدماء " !! دكتور استفهام عندما تريد ان تسير على الطريقة التي يسير عليها بعض المتجرئين على الحرمات وخاصة " الدماء " التي حرم سفكها في شريعة الاسلام إلا بحقها تجد أنك بــ " التأويل " تستطيع ان تمتهن بسهولة الفتك والقتل والتقطيع لكل من خالفك ، وهذه هي عادة من ولغ في الفتن ، او تهاون في التأويل المؤدي الى سفك الدماء بغير حق . إن " الفتك " الذي نشاهده في الساحة اليوم ، من تفجير للمباني ، والفنادق ، والتجمعات بحجة " مجاهدة الكفار وأعوانهم " لهو باب من أبواب التأول المذموم الذي جر على الامة الويلات ، فذاك مخالف في العقيدة ، وهذا مجمع للاستخبارات والاعداء ، وهذا عون للمحتل ، وذاك مخذل عن الجهاد ، وذاك جاسوس ، وهلم جرا من باب التأول الذي يستبيح الانسان معه قتل " المسلم " ، الذي تظافرت نصوص الشريعة على حماية كل ما يضيره في دينه وعقله ونفسه وماله وعرضه ، ثم ينتقل البعض من هذا الأصل الأصيل والركن المكين ، ليستحلوا دمه متأولين بتأويلات هي اوهي من بيت العنكبوت ..! إن المشكلة الآن ليست فيمن يباشر " القتل " بتأول بارد غير سائغ ، بل المشكلة الآن في الطابور العريض الذي يقف خلف القاتل حاشدين عشرات التأويلات والتخريجات لفعله ، مبررين جرما شهدت نصوص الوحيين ببشاعته والتحذير منه ، وما هذا إلا قلة في الورع عن التخوض في الدماء المحرمة ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري من حديث ابن عمر " لا يزال المسلم في فسحة من دينه مالم يصب دما حراما " ، ولو لم يكن إلا هذا الحديث لكفى في تنزيه الإنسان نفسه عن التخوض في الدماء ، والتبرؤ من كل عمل فيه فتك بمسلم يشهد ألا اله إلا الله وان محمد رسول الله ..! إن " التأويل " داء أفسد على الأمة تصورها وفكرها ، وسلوكها وحركتها عبر التاريخ ، وما أجمل ما قاله العالم الرباني ، وشيخ الاسلام الثاني ابن القيم رحمه الله في التأول والتأويل حيث يقول : (وبالجملة فافتراق أهل الكتابين وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إنما أوجبه التأويل، وإنما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين والحرة وفتنة ابن الزبير وهلم جرا بالتأويل، وإنما دخل أعداء الإسلام من المتفلسفة والقرامطة والباطنية والإسماعلية والنصيرية من باب التأويل، فما امتحن الإسلام بمحنة قط إلا وسببها التأويل، فإن محنته إما من المتأولين وإما أن يسلط عليهم الكفار بسبب ما ارتكبوا من التأويل وخالفوا ظاهر التنزيل وتعللوا بالأباطيل. فما الذي أراق دماء بني جذيمة وقد أسلموا غير التأويل؟ حتى رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وتبرأ إلى الله من فعل المتأول بقتلهم وأخذ أموالهم. وما الذي أوجب تأخر الصحابة رضى الله عنهم يوم الحديبية عن موافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير التأويل؟ حتى اشتد غضبه لتأخرهم عن طاعته حتى رجعوا عن ذلك التأويل. وما الذي سفك دم أمير المؤمنين عثمان ظلما وعدوانا وأوقع الأمة فيما أوقعها فيه حتى الآن غير التأويل؟ وماالذي سفك دم علي رضى الله عنه وابنه الحسين وأهل بيته رضى الله تعالى عنهم غير التأويل؟ وماالذي أراق دم عمار بن ياسر وأصحابه غير التأويل؟ وما الذي أراق دم ابن الزبير وحجر بن عدي وسعيد بن جبير وغيرهم من سادات الأمة غير التأويل؟ وما الذي أريقت عليه دماء العرب في فتنة أبي مسلم غير التأويل؟ وما الذي جرد الإمام أحمد بين العقابين وضرب السياط حتى عجت الخليقة إلى ربها تعالى غير التأويل؟ وما الذي قتل الإمام أحمد بن نصر الخزاعي وخلد خلقا من العلماء في السجون حتى ماتوا غير التأويل؟ وما الذي سلط سيوف التتار على دار الإسلام حتى ردوا أهلها غير التأويل؟ وهل دخلت طائفة الإلحاد من أهل الحلول والاتحاد إلا من باب التأويل؟ ) . ( إعلام الموقعين 4/ 251 ) . فإذا كان التأويل والتأول مفسدا لتصور الانسان وعقيدته ، فانه كذلك مفسد لسلوكه وطريقته - حتى في جهاده- ، ولذلك كانت الافعال التي تبرأ منها النبي صلى الله عليه وسلم والتي حدثت من بعض الصحابة الكرام من باب التأول في الدماء ، والتي أوجبت غضبه عليه الصلاة والسلام والبراءة منها واعلان ذلك أمام الملأ الى يوم الدين لخطورة الامر وعظم شأنه . إن الرجل العاقل الحصيف لا ينتقل من الأمر القطعي اليقيني وهو حرمة ازهاق الارواح بلا حق ، إلى أمر يقدم عليه وهو لم يتيقن صحته ، معتمدا في ذلك على تسويغات لا يوافقه عليها جمهور الناس ، فإن فعل هذا فقد أحدث في الأرض الفساد ، فان الله يكره إزهاق الارواح بلا حق ، حيث كانت اول خطيئة ارتكبها البشر على وجه الأرض هي " القتل " الذي تضافرت شرائع الانبياء على انكاره والتحذير منه إلا بحقه ، واذا ما انتقل الناس من القطعي اليقيني الى الظني فإن هذا يعني وجود الخبال والفساد والفتن ، ولكل شخص ان يقتل مخالفه متأولا ، فيعظم الفساد في الأرض ، وتزهق أرواح الابرياء بتأول المتأولين وعجلة الطائشين . إن جهاد الكفار المحتل ، وقتال المعتدي الظالم حق مكفول للانسان ، لا يعيبه أحد على من فعله ، وهو القدر المتفق عليه ، والمتفق على صحة فعله ، حتى وان اختلفت الناس في تقدير مصلحه فعله من عدمها ، واذا ما انتقل الناس من القدر المتفق عليه الى القدر المختلف عليه ، ووقعوا في التأول والتأويل في القتال ، وخاصة فيمن اصله الاسلام فان هذا هو الذي يحدث تأخر النصر ، وفتك العدو ، وتسلطه ، وتشويه صورة الجهاد ، وايجاد المبررات للنكاية بالمخالف بحجج يقدمها البعض على طبق من ذهب للأعداء ، لأن الفتك والقتل من التظالم الذي يوجب سخط الله ، وتأخر نصره ، وتسليط الأعداء ، واهلاك الامم ، سواء وقع هذا الظلم بيد عدو كافر مكشر عن أنيابه ، او بيد متأول يبطش بالناس ، ويخرج على الأمة فيضرب برها وفاجرها بلا تردد او تقوى او خشية من الله . إن بعض من يتجرأ على الدماء يقول بأننا لو كنا نستهدف المسلمين لاستهدفنا تجمعاتهم ، وبيوتهم ، ولكننا نستهدف الاعداء حتى لو كانوا بين المسلمين ، فيقال : بأن الصورة الأولى صورة ظالمة تتفق العقول والشرائع على تحريمها ، ومحصلتها النهائية هي قتل النفس بغير حق ، وفيها تتنزل الايات الكثيرة في عقوبة من فعل هذا عمدا " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجراؤه جهنم خالدا فيها ، وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما " ، وتحريم القتل العمد لا يختلف كثيرا عن تحريم " التأول " في الدماء ، وان كانت صورة التأول تعطي الانسان نوع تبرير لفعله ، وإلا فالمحصلة واحدة : قتل المسلم بلا ذنب وبلا وجه حق ، ولو كان " التأول " في الدماء يعفي المسلم من تبعة ذلك في الآخرة لما اعلن النبي صلى الله عليه وسلم البراءة من هذا الفعل، ولكان فعل الخوارج سائغا لأنهم يكفرون المسلم وهم متأولون التأول الذي يدرأ عنهم الكفر ... إن المسألة خطيرة ، والأمر جلل وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ... والله اعلم ! ------ ومن موقع الاسلام سؤال وجواب للشيخ محمد صالح المنجد الرد على شبهة: أن كل شيء في الإسلام يمكن الاجتهاد فيه وتأويله !! السؤال : نظراً لأني أعيش في دولة غربية فعادة ما ألتقي ببعض المسلمين الذين يعيشون حسب أهوائهم فتراهم يعيشون حسب نمط الحياة الغربية وقيمها ويختارون ما يناسبهم من الفتاوى وعند نصحي لهم بأنّ ذلك لا يجوز وأذكر لهم قول الله سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من تشبه بقوم فهو منهم ) يكون ردهم عادة: كل شيء في الإسلام يمكن الاجتهاد فيه وتأويله...فكيف يمكن الرد على ذلك وكيف يمكن نصح هؤلاء الناس؟ تم النشر بتاريخ: 2014-09-20 الجواب : الحمد لله هذا الكلام بهذا الإطلاق ؛ هو كلام باطل ومن الضلال ولا يقول به مسلم ؛ وبيان ذلك كالآتي : النصوص الشرعية على ضربين : الضرب الأول من النصوص الشرعية : ما كان معناها مجمعا عليه بين جميع المسلمين ، كالنصوص الآمرة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت ، وكنصوص توحيد الله تعالى وإثبات الجنة والنار وقيام الساعة وغيرها الكثير من الآيات والأحاديث النبوية ، فأمثال هذه الآيات المجمع على معناها من أَوَّلَها بتأويل يخالف ما عليه الإجماع فقد اتبع سبيلا غير سبيل المؤمنين . قال الله تعالى : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء / 115. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " قال - الله تعالى - : ( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) قال العلماء: من لم يكن متبعا سبيلهم كان متبعا غير سبيلهم ، فاستدلوا بذلك على أن اتباع سبيلهم واجب ، فليس لأحد أن يخرج عما أجمعوا عليه " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 7 / 173 ) . الضرب الثاني من النصوص الشرعية : نصوص اختلف أهل العلم في تأويلها . فهذه لا يجوز تأويلها إلا بضوابط : الضابط الأول : أن يكون هذا التأويل ليس بخارج عن تفسير السلف الصالح لها . قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " من فسر القرآن أو الحديث ، وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ، ملحد في آيات الله ، محرف للكلم عن مواضعه ، وهذا فتح لباب الزندقة والإلحاد ، وهو معلوم البطلان بالاضطرار من دين الإسلام " انتهى من " مجموع الفتاوى " (13/ 243). وقال السيوطي رحمه الله تعالى : " لا شك أن المجتهد يحرم عليه إحداث قول لم يقل به أحد ، واختراع رأي لم يسبق إليه ولهذا كان من شروط الاجتهاد معرفة أقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، إجماعا واختلافا ، لئلا يخرق الإجماع فيما يختاره " انتهى من " صون المنطق " ( ص 47 ) . الضابط الثاني : أن يكون المتأول متبعا في تأويله القواعد العلمية ولا يكون متبعا هواه ، ومن هذه القواعد ؛ يجب أن يكون التأويل موافقا لما تقتضيه لغة العرب وعاداتهم في الكلام زمن نزول القرآن لأن بهذه اللغة جاء القرآن وجاءت السنة . قال الشاطبي رحمه الله تعالى : " القرآن نزل بلسان العرب على الجملة ، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة ، لأن الله تعالى يقول: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) . وقال: ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) . وقال: ( لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) . وقال: ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ) . إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب ، لا أنه أعجمي ولا بلسان العجم ، فمن أراد تفهمه ، فمن جهة لسان العرب يفهم ، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة " انتهى من " الموافقات " ( 2 / 102 ) . وقال رحمه الله تعالى : " معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل ، وإن لم يكن ثَمَّ سبب خاص = لا بد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه ، وإلا وقع في الشُّبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة " انتهى من " الموافقات " ( 4 / 154 ) . ويجب أن يكون التأويل موافقا للثابت من نصوص الكتاب والسنة . قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " فالتأويل الذي يوافق ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة ويطابقها : هو التأويل الصحيح. والتأويل الذي يخالف ما دلت عليه النصوص وجاءت به السنة : هو التأويل الفاسد . ولا فرق بين باب الخبر والأمر في ذلك ، وكل تأويل وافق ما جاء به الرسول فهو المقبول ، وما خالفه فهو المردود " انتهى . " الصواعق المرسلة " ( 1 / 187 ) . الضابط الثالث : أن يكون المتأول ؛ ممن له حق الاجتهاد في تفسير كلام الله تعالى ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويمتلك من العلم ما يؤهله لذلك . قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النحل / 43 . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : " وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم ، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل . فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث ، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر بسؤالهم ، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " ( ص 441 ) . وعَنْ عُرْوَةَ ، قَالَ: حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ العِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا ، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ العُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ ، يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ ) رواه البخاري ( 7307 ) ومسلم ( 2673 ) . قال ابن حجر رحمه الله تعالى : " ومعنى الحديث : ذم من أفتى مع الجهل ولذلك وصفهم بالضلال والإضلال " انتهى من " فتح الباري " ( 13 / 287 ) . وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (112123) ورقم (10645) ورقم (8294). والله أعلم . ------------ ------ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق