الأربعاء، 27 يوليو 2022

مجلد 8. زاد المسير في علم التفسير المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

 

8. مجلد 8. زاد المسير في علم التفسير
المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

قوله تعالى إذا جاءك المنافقون يعني عبد الله بن أبي وأصحابه قالوا نشهد إنك لرسول الله وها هنا تم الخبر عنهم ثم ابتدأ فقال تعالى والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون وإنما جعلهم كاذبين لأنهم أضمروا غير ما أظهروا قال الفراء إنما كذب ضميرهم اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله قد ذكرناه في المجادلة 16 قال القاضي أبو يعلى وهذه الآية تدل على أن قول القائل أشهد يمين لأنهم قالوا نشهد فجعله يمينا بقوله تعالى اتخذوا أيمانهم جنة وقد قال أحمد والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة أشهد وأقسم وأعزم وأحلف كلها أيمان وقال الشافعي أقسم ليس بيمين وإنما قوله أقسم بالله يمين إذا أراد اليمين
قوله تعالى ذلك أي ذلك الكذب بأنهم آمنوا باللسان ثم كفروا في السر فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون الإيمان والقرآن وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم يعني أن لهم أجساما ومناظر قال ابن عباس كان

عبد الله بن أبي جسيما فصيحا ذلق اللسان فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه و سلم قوله وقال غيره المعنى تصغي إلى قولهم فتحسب أنه حق كأنهم خشب قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة خشب بضم الخاء والشين جميعا وهو جمع خشبة مثل ثمرة وثمر وقرأ الكسائي بضم الخاء وتسكين الشين مثل بدنة وبدن وأكمة وأكم وعن ابن كثير وأبي عمرو مثله وقرأ أبو بكر الصديق وعروة وابن سيرين خشب بفتح الخاء والشين جميعا وقرأ أبو نهيك وأبو المتوكل وأبو عمران بفتح الخاء وتسكين الشين فوصفهم الله بحسن الصورة وإبانة المنطق ثم أعلم أنهم في ترك التفهم والاستبصار بمنزلة الخشب والمسندة الممالة إلى الجدار والمراد أنها ليست بأشجار تثمر وتنمي بل خشب مسندة إلى حائط ثم عابهم بالجبن فقال تعالى يحسبون كل صيحة عليهم أي لا يسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد أتوا لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم وهذه مبالغة في الجبن وأنشدوا في هذا المعنى ... ولو أنها عصفورة لحسبتها ... مسومة تدعو عبيدا وأزنما ...
أي لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلا تدعو هاتين القبيلتين
قوله تعالى هم العدو فاحذرهم أي لا تأمنهم على سرك لأنهم

عيون لأعدائك من الكفار قاتلهم الله أنى يؤفكون مفسر في براءة 30
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون
قوله تعالى وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله قد بينا سببه في نزول الصورة لووا رؤوسهم وقرأ نافع والمفضل عن عاصم ويعقوب لووا بالتخفيف واختار أبو عبيدة التشديد وقال لأنهم فعلوا ذلك مرة بعد مرة قال مجاهد لما قيل لعبد الله بن أبي تعال يستغفر لك رسول الله لوى رأسه قال ماذا قلت وقال مقاتل عطفوا رؤوسهم رغبة عن الاستغفار وقال الفراء حركوها استهزاء بالنبي وبدعائه
قوله تعالى ورأيتهم يصدون أي يعرضون عن الاستغفار وهم مستكبرون أي متكبرون عن ذلك ثم ذكر أن استغفاره لهم لا ينفعهم بقوله تعالى سواء عليهم أستغفرت لهم وقرأ أبو جعفر آستغفرت بالمد
قوله تعالى هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله قد بينا أنه قول ابن أبي وينفضوا بمعنى يتفرقوا ولله خزائن السموات والأرض قال المفسرون خزائن السموات المطر وخزائن الأرض النبات والمعنى أنه هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين لا أولئك ولكن المنافقين

لا يفقهون أي لا يعلمون أن الله رازقهم في حال إنفاق هؤلاء عليهم يقولون لئن رجعنا من هذه الغزوة وقد تقدم ذكرها وهذا قول ابن أبي ليخرجن الأعز يعني نفسه وعنى ب الأذل رسول الله صلى الله عليه و سلم وقرأ الحسن لنخرجن بالنون مضمومة وكسر الراء الأعز بنصب الزاي والأذل منصوب على الحال بناء على جواز تعريف الحال أو زيادة أل فيه أو بتقدير مثل المعنى لنخرجنه ذليلا على أي حال ذل والكل نصبوا الأذل فرد الله عز و جل عليه فقال ولله العزة وهي المنعة والقوة ولرسوله وللمؤمنين بإعزاز الله ونصره إياهم ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك
يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون
قوله تعالى لا تلهكم أي لا تشغلكم وفي المراد بذكر الله ها هنا أربعة أقوال
أحدها طاعة الله في الجهاد قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثاني الصلاة المكتوبة قاله عطاء ومقاتل
والثالث الفرائض من الصلاة وغيرها قاله الضحاك
والرابع أنه على إطلاقه قال الزجاج حضهم بهذا على إدامة الذكر
قوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم في هذه النفقة ثلاثة أقوال
أحدها أنه زكاة الأموال قاله ابن عباس
والثاني أنها النفقة في الحقوق الواجبة بالمال كالزكاة والحج ونحو ذلك وهذا المعنى مروي عن الضحاك

والثالث أنه صدقة التطوع ذكره الماوردي فعلى هذا يكون الأمر ندبا وعلى ما قبله يكون أمر وجوب
قوله تعالى من قبل أن يأتي أحدكم الموت قال الزجاج أي من قبل أن يعاين ما يعلم منه أنه ميت
قوله تعالى لولا أخرتني أي هلا أخرتني إلى أجل قريب يعني بذلك الاستزادة في أجله ليتصدق ويزكي وهو قوله تعالى فأصدق قال أبو عبيدة فأصدق نصب لأن كل جواب بالفاء للاستفهام منصوب تقول من عندك فآتيك هلا فعلت كذا فأفعل كذا ثم تبعتها وأكن من الصالحين بغير واو وقال أبو عمرو إنما هي وأكون فذهبت الواو من الخط كما يكتب أبو جاد أبجد هجاء وهكذا يقرؤها أبو عمرو وأكون بالواو ونصب النون والباقون يقرؤون وأكن بغير واو قال الزجاج من قرأ وأكون فهو على لفظ فأصدق ومن جزم أكن فهو على موضع فأصدق لأن المعنى إن أخرتني أصدق وأكن وروى أبو صالح عن ابن عباس فأصدق أي أزكي مالي وأكن من الصالحين أي أحج مع المؤمنين وقال في قوله تعالى والله خبير بما تعملون والمعنى بما تعملون من التكذيب بالصدقة قال مقاتل يعني المنافقين وروى الضحاك عن ابن عباس ما من أحد يموت وقد كان له مال لم يزكه وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الله الرجعة عند الموت فقالوا له إنما يسأل الرجعة الكفار فقال أنا أتلو عليكم به قرآنا ثم قرأ هذه الآية

سورة التغابن
وفيها قولان
أحدهما أنها مدنية قاله الجمهور منهم ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة
والثاني أنها مكية قاله الضحاك وقال عطاء بن يسار هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدنية قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم واللتان بعدها
بسم الله الرحمن
الرحيم يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ألم يأتكم نبؤ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا واستغنى الله والله غني حميد
وقد سبق تفسير فاتحتها إلى قوله تعالى فمنكم كافر ومنكم مؤمن وفيه قولان
أحدهما أن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا رواه الوالبي عن ابن عباس

والأحاديث تعضد هذ القول كقوله عليه الصلاة و السلام خلق فرعون في بطن أمه كافرا وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا وقوله فيؤمر الملك بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد
والثاني أن تمام الكلام عند قوله تعالى خلقكم ثم وصفهم فقال تعالى فمنكم كافر ومنكم مؤمن واختلف أرباب هذا القول فيه على أربعة أقوال
أحدها فمنكم كافر يؤمن ومنكم مؤمن يكفر قاله أبو الجوزاء عن ابن عباس
والثاني فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة ومنكم مؤمن في حياته كافر في العاقبة قاله أبو سعيد الخدري
والثالث فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر

بالكواكب قاله عطاء بن أبي رباح وعنى بذلك شأن الأنواء
والرابع فمنكم كافر بالله خلقه ومؤمن بالله خلقه حكاه الزجاج والكفر بالخلق مذهب الدهرية وأهل الطبائع وما بعد هذا قد سبق إلى قوله تعالى وصوركم فأحسن صوركم قال الزجاج أي خلقكم أحسن الحيوان كله وقرأ الأعمش صوركم بكسر الصاد ويقال في جمع صورة صور وصور كما يقال في جمع لحية لحى ولحى وذكر ابن السائب أن معنى فأحسن صوركم أحكمها وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى ويعلم ما تسرون وروى المفضل عن عاصم يسرون ويعلنون بالياء فيهما ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل هذا خطاب لأهل مكة خوفهم ما نزل بالكفار قبلهم فذلك قوله تعالى فذاقوا وبال أمرهم أي جزاء أعمالهم وهو ما أصابهم من العذاب في الدنيا ولهم عذاب أليم في الآخرة ذلك الذي اصباهم بأنه كانت تاتيهم رسلهم بالبينات فينكرون ذلك ويقولون أبشر أي ناس مثلنا يهدوننا والبشر اسم جنس معناه الجمع وإن كان لفظه واحد فكفروا وتولوا أي أعرضوا عن الإيمان واستغنى الله عن إيمانهم وعبادتهم زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما علمتم وذلك على الله يسير فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما ت عملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيآته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين

فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم
قوله تعالى زعم الذين كفروا كان ابن عمر يقول زعموا كناية الكذب وكان مجاهد يكره أن يقول الرجل زعم فلان
قوله تعالى وذلك على الله يسير يعني البعث والنور هو القرآن وفيه بيان أمر البعث والحساب والجزاء
قوله تعالى يوم يجمعكم هو منصوب بقوله تعالى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم يوم يجمعكم ليوم الجمع وهو يوم القيامة وسمي بذلك لأن الله تعالى يجمع فيه الجن والإنس وأهل السموات وأهل الأرض ذلك يوم التغابن تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ والمراد في تسميته يوم القيامة بيوم التغابن فيه أربعة أقوال
أحدها أنه ليس من كافر إلا وله منزل وأهل في الجنة فيرث ذلك المؤمن فيغبن حينئذ الكافر ذكر هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس

والثاني غبن أهل الجنة أهل النار قاله مجاهد والقرظي والثالث أنه يوم غبن المظلوم الظالم لأن المظلوم كان في الدنيا مغبونا فصار في الآخرة غابنا ذكره الماوردي
والرابع أنه يوم يظهر فيه غبن الكافر بتركه للإيمان وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان ذكره الثعلبي قال الزجاج وإنما ذكر ذلك مثلا للبيع والشراء كقوله تعالى فما ربحت تجارتهم البقرة 16 وقوله تعالى هل أدلكم على تجارة الصف 10 وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى يكفر عنه سيئاته قرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم نكفر وندخله بالنون فيهما والباقون بالياء ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله قال ابن عباس بعلمه وقضائه ومن يؤمن بالله يهد قلبه فيه ستة أقوال
أحدها يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال علقمة هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من قبل الله تعالى فيسلم ويرضى
والثاني يهد قلبه للاسترجاع وهو أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون قاله مقاتل
والثالث أنه إذا ابتلي صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظلم غفر قاله ابن السائب وابن قتيبة
والرابع يهد قلبه أي يجعله مهتديا قاله الزجاج والخامس يهد وليه بالصبر والرضى قاله أبو بكر الوراق والسادس يهد قلبه لاتباع السنة إذا صح إيمانه قاله أبو عثمان الحيري وقرأ أبو بكر الصديق وعاصم الجحدري وابو نهيك يهد بياء مفتوحة

ونصب الدال قلبه بالرفع قال الزجاج هذا من هدأ يهدأ إذا سكن فالمعنى إذا سلم لأمر الله سكن قلبه وقرأ عثمان بن عفان والضحاك وطلحة بن مصرف والأزرق عن حمزة نهد بالنون وقرأ علي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن يهد بضم الياء وفتح الدال قلبه بالرفع وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم سبب نزولها أن الرجل كان يسلم فإذا أراد الهجرة منعه أهله وولده وقالوا ننشدك الله أن تذهب وتدع أهلك وعشيرتك وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال فمنهم من يرق لهم ويقيم فلا يهاجر فنزلت هذه الآية فلما هاجر أولئك ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهلهم الذين منعوهم فأنزل الله تعالى وإن تعفوا وتصفحوا إلى آخر الآية هذا قول ابن عباس وقال الزجاج لما أرادوا الهجرة قال لهم أزواجهم وأولادهم قد صبرنا لكم على مفارقة الدين ولا نصبر لكم على مفارقتكم ومفراقة الأموال والمساكن فأعلم الله عز و جل أن من كان بهذه الصورة فهو عدو وإن كان ولدا أو كانت زوجة وقال مجاهد كان حب الرجل ولده وزوجته يحمله على قطيعة رحمه ومعصية ربه وقال قتادة كان من أزواجهم وأولادهم من ينهاهم عن الإسلام ويثبطهم عنه فخرج في قوله تعالى عدوا لكم ثلاثة أقوال

أحدها بمنعه من الهجرة وهذا على قول ابن عباس والثاني بكونهم سببا للمعاصي وعلى هذا قول مجاهد والثالث بنهيهم عن الإسلام وهذا على قول قتادة
قوله تعالى فاحذروهم قال الفراء لا تطيعوهم في التخلف
قوله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة أي بلاء وشغل عن الآخرة فالمال والأولاد يوقعان في العظائم إلا من عصمه الله وقال ابن قتيبة أي إغرام يقال فتن فلان بالمرأة وشغف بها أي أغرم بها وقال الفراء قال أهل المعاني إنما دخل من في قوله تعالى إن من أزواجكم لأنه ليس كل الأزواج والأولاد أعداء ولم يذكر من في قوله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة لأنها لا تخلو من الفتنة واشتغال القلب بها وقد روى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله عز و جل إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما
قوله تعالى والله عنده أجر عظيم أي ثواب جزيل وهو الجنة

والمعنى لا تعصوه بسبب الأولاد ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم فاتقوا الله ما استطعتم أي ما أطقتم واسمعوا ما تؤمرون به وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وفي هذه النفقة ثلاثة أ قوال
أحدها الصدقة قاله ابن عباس
والثاني نفقة المؤمن على نفسه قاله الحسن
والثالث النفقة في الجهاد قاله الضحاك ومن يوق شح نفسه حتى يعطي حق الله في ماله وقد تقدم بيان هذا في الحشر 9 وما بعده قد سبق بيانه إلى آخر السورة البقرة 254 والحديد 11 18 والحشر 23 24

سورة الطلاق
وتسمى سورة النساء القصرى وهي مدنية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء قال الزجاج هذا خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنون داخلون معه فيه ومعناه إذا أردتم طلاق النساء كقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة المائدة 6 وفي سبب نزول هذه الآية قولان
أحدهما أنها نزلت حين طلق رسول الله صلى الله عليه و سلم حفصة وقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة وهي من إحدى زوجاتك في الجنة قاله أنس بن مالك
والثاني أنها نزلت في عبد الله بن عمر وذلك أنه طلق امرأته حائضا

فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر قاله السدي
قوله تعالى لعدتهن أي لزمان عدتهن وهو الطهر وهذا للمدخول بها لأن غير المدخول بها لا عدة عليها
والطلاق على ضربين سني وبدعي
فالسني أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه وذلك هو الطلاق للعدة لأنها تعتد بذلك الطهر من عدة وتقع في العدة عقيب الطلاق فلا يطول عليها زمان العدة
والطلاق البدعي أن يقع في حال الحيض أو في طهر قد جامعها فيه فهو واقع وصاحبه آثم وإن جمع الطلاق الثلاث في طهر واحد فالمنصور من مذهبنا أنه بدعة
قوله تعالى وأحصوا العدة أي زمان العدة وفي إحصائها فوائد منها مراعاة زمان الرجعة وأوان النفقة والسكنى وتوزيع الطلاق على الإقرار إذا أراد أن يطلق ثلاثا وليعلم أنها قد بانت فيتزوج بأختها وأربع سواها

قوله تعالى واتقوا الله ربكم أي فلا تعصوه فيما أمرمكم به ولا تخرجوهن من بيوتهن فيه دليل على وجوب السكنى ونسب البيوت إليهن لسكناهن قبل الطلاق فيهن ولا يجوز لها أن تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت إلا أن يأتين بفاحشة وفيها أربعة أقوال
أحدها المعنى إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة فخروجهن هو الفاحشة المبينة وهذا قول عبد الله بن عمر والسدي وابن السائب
والثاني أن الفاحشة الزنا رواه مجاهد عن ابن عباس وبه قال مجاهد والشعبي وعكرمة والضحاك فعلى هذا يكون المعنى إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن
والثالث الفاحشة أن تبذؤ على أهلها فيحل لهم إخراجها رواه محمد ابن إبراهيم عن ابن عباس
والرابع أنها إصابة حد فتخرج لإقامة الحد عليها قاله سعيد ابن المسيب
قوله تعالى وتلك حدود الله يعني ما ذكر من الأحكام ومن يتعد

حدود الله التي بينها وأمر بها فقد ظلم نفسه أي أثم فيما بينه وبين الله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي يوقع في قلب الزوج المحبة لرجعتها بعد الطلقة و الطلقتين وهذا يدل على أن المستحب في الطلاق تفريقه وأن لا يجمع الثلاث
فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا
قوله تعالى فإذا بلغن أجلهن أي قاربن انقضاء العدة فأمسكوهن بمعروف وهذا مبين في البقرة 231 وأشهدوا ذوي عدل منكم قال المفسرون أشهدوا على الطلاق أو المراجعة واختلف العلماء هل الإشهاد على المراجعة واجب أم مستحب وفيه عن أحمد روايتان وعن الشافعي قولان ثم قال للشهداء وأقيموا الشهادة لله أي اشهدوا بالحق وأدوها على الصحة طلبا لمرضاة الله وقياما بوصيته وما بعده قد سبق بيانه البقرة 232 إلى قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا فذكر أكثر

المفسرين أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر العدو ابنا له فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم وشكا إليه الفاقة فقال اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ففعل الرجل ذلك فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة فنزلت هذه الآية وفي معناها للمفسرين خمسة أقوال
أحدها ومن يتق الله ينجه من كل كرب في الدنيا والآخرة قاله ابن عباس
والثاني بأن مخرجه علمه بأن ما أصابه من عطاء أو منع من قبل الله وهو معنى قول ابن مسعود
والثالث ومن يتق الله فيطلق للسنة ويراجع للسنة يجعل له مخرجا قاله السدي
والرابع ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة قاله ابن السائب
والخامس يجعل له مخرجا من الحرام إلى الحلال قاله الزجاج والصحيح أن هذا عام فإن الله تعالى يجعل للتقي مخرجا من كل ما يضيق عليه ومن لا يتقي يقع في كل شدة قال الربيع بن خثيم يجعل له مخرجا من كل ما يضيق

على الناس ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من حيث لا يأمل ولا يرجو قال الزجاج ويجوز أن يكون إذا اتقى الله في طلاقه وجرى في ذلك على السنة رزقه الله أهلا بدل أهله ومن يتوكل على الله فهو حسبه أي من وثق به فيما نابه كفاه الله ما أهمه إن الله بالغ أمره وروى حفص والمفضل عن عاصم بالغ أمره مضاف والمعنى يقضي ما يريد قد جعل الله لكل شيء قدرا أي أجلا ومنتهى ينتهي إليه قدر الله ذلك كله فلا يقدم ولا يؤخر قال مقاتل قد جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء قدرا فقدر متى يكون هذا الغني فقيرا وهذا الفقير غنيا
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيآته ويعظم له أجرا
قوله تعالى واللائي يئسن من المحيض في سبب نزولها قولان

أحدهما أنها لما نزلت عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها في البقرة 227 232 قال أبي بن كعب يا رسول الله إن نساء من أهل المدينة يقلن قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء قال وما هو قال الصغار والكبار وذوات الحمل فنزلت هذه الآية قاله عمرو بن سالم
والثاني أنه لما نزل قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن الآية البقرة 228 قال خلاد بن النعمان الأنصاري يا رسول الله فما عدة التي لا تحيض وعدة التي لم تحض وعدة الحبلى فنزلت هذه الآية قاله مقاتل ومعنى الآية إن ارتبتم أي شككتم فلم تدروا ما عدتهن فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن كذلك
فصل
قال القاضي أبو يعلى والمراد بالارتياب ها هنا ارتياب المخاطبين في مقدار عدة الآيسة والصغيرة كما هو وليس المراد به ارتياب المعتدات في اليأس من المحيض أو اليأس من الحمل للسبب الذي ذكر في نزول الآية ولأنه لو أريد

بذلك النساء لتوجه الخطاب إليهن فقيل إن ارتبتن أو ارتبن لأن الحيض إنما يعلم من جهتهن
وقد اختلف في المرأة إذا تأخر حيضها لا لعارض كم تجلس فمذهب أصحابنا أنها تجلس غالب مدة الحمل وهو تسعة أشهر ثم ثلاثة والعدة هي الثلاثة التي بعد التسعة فإن حاضت قبل السنة بيوم استأنفت ثلاث حيض وإن تمت السنة من غير حيض حلت وبه قال مالك وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد تمكث أبدا حتى يعلم براءة رحمها قطعا وهي أن تصير في حد لا يحيض مثلها فتعتد بعد ذلك ثلاثة اشهر
قوله تعالى واللائي لم يحضن يعني عدتهن ثلاثة أشهر أيضا لأنه كلام لا يستقل بنفسه فلابد له من ضمير وضميره تقدم ذكره مظهرا وهو العدة بالشهور وهذا على قول أصحابنا محمول على من لم يأت عليها زمان الحيض أنها تعتد ثلاثة أشهر فأما من أتى عليها زمان الحيض ولم تحض فإنها تعتد سنة
قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن عام في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن وهذا قول عمر وابن عمر وابن مسعود وأبي مسعود البدري وأبي هريرة وفقهاء الأمصار وقد روي عن ابن عباس أنه قال تعتد آخر الأجلين ويدل على قولنا عموم الآية وقول ابن مسعود من شاء لاعنته ما نزلت وأولات الأحمال إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها

وقول أم سلمة إن سبيعة وضعت بعد وفاة زوجا بأيام فأمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تتزوج
قوله تعالى ومن يتق الله أي فيما أمر به يجعل له من أمره يسرا يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة وهذا قول الأكثرين وقال الضحاك ومن يتق الله في طلاق السنة يجعل الله له من أمره يسرا في الرجعة ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله بطاعته يكفر عنه سيآته أي يمح عنه خطاياه ويعظم له أجرا في الآخرة
أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتها سيجعل الله بعد عسر يسرا
أسكنوهن من حيث سكنتم ومن صلة قوله من وجدكم

قرأ الجمهور بضم الواو وقرأ أبو هريرة وأبو عبد الرحمن وأبو رزين وقتادة وروح عن يعقوب بكسر الواو وقرأ ابن يعمر وابن أبي عبلة وأبو حيوة بفتح الواو قال ابن قتيبة أي بقدر وسعكم والوجد المقدرة والغنى يقال افتقر فلان بعد وجد قال الفراء يقول على ما يجد فإن كان موسعا عليه وسع عليها في المسكن والنفقة وإن كان مقترا عليه فعلى قدر ذلك
قوله تعالى ولا تضاروهن بالتضييق عليهن في المسكن والنفقة وأنتم تجدون سعة قال القاضي أبو يعلى المراد بهذا الملطقة الرجعية دون المبتوتة بدليل قوله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا الطلاق 1 وقوله فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف الطلاق 2 فدل ذلك على أنه أراد الرجعية
وقد اختلف الفقهاء في المبتوتة هل لها سكنى ونفقة في مدة العدة أم لا فالمشهور عند أصحابنا أنه لا سكنى لها ولا نفقة وهو قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة لها السكنى والنفقة وقال مالك والشافعي لها السكنى دون النفقة وقد رواه الكوسج عن أحمد ويدل على الأول حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعة فإذا لم يكن له عليها فلا نفقة ولا سكنى ومن حيث المعنى إن النفقة إنما تجب لأجل التمكين من الاستمتاع بدليل أن الناشز لا نفقة لها

واختلفوا في الحامل والمتوفى عنها زوجها فقال ابن مسعود وابن عمر وأبو العالية والشعبي وشريح وإبراهيم نفقتها من جميع المال وبه قال مالك وابن ابي ليلى والثوري وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن وسعيد بن المسيب وعطاء نفقتها في مال نفسها وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وعن أحمد كالقولين
قوله تعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن يعني أجرة الرضاع وفي هذا دلالة على أن الأم إذا رضيت أن ترضعه بأجرة مثله لم يكن للأب أن يسترضع غيرها وأتمروا بينكم بمعروف أي لا تشتط المرأة على الزوج فيما تطلبه من أجرة الرضاع ولا يقصر الزوج عن المقدار المستحق وإن تعاسرتم في الأجرة ولم يتراض الوالدان على شيء فسترضع له أخرى لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر أي فليسترضع الوالد غير والدة الصبي
لينفق ذو سعة من سعته أمر أهل التوسعة أن يوسعوا على نسائهم المرضعات أولادهن على قدر سعتهم وقرأ ابن السميفع لينفق بفتح القاف ومن قدر عليه رزقه أي ضيق عليه من المطلقين وقرأ ابي بن كعب وحميد قدر بضم القاف وتشديد الدال وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة قدرة بفتح القاف وتشديد الدال رزقه بنصب القاف فلينفق مما آتاه الله على قدر ما أعطاه لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها أي على قدر ما أعطاها من المال سيجعل الله بعد عسر يسرا أي بعد ضيق وشدة غنى وسعة وكان الغالب عليهم حنيئذ الفقر فأعلمهم أنه سيفتح عليهم بعد لك

وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذاب نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا
قوله تعالى وكأين أي وكم من قرية عتت عن أمر ربها ورسله أي عن أمر رسله والمعنى عتا أهلها قال ابن زيد عتت أي كفرت وتركت أمر بها فلم تقبله وفي باقي الآية قولان
أحدهما أن فيها تقديما وتأخيرا والمعنى عذبناها عذاب نكرا في الدنيا بالجوع والسيف والبلايا وحسبناها حسابا شديدا في الآخرة قاله ابن عباس والفراء في آخرين
والثاني أهنا على نظمها والمعنى حاسبناها بعملها في الدنيا فجازيناها بالعذاب على مقدار عملها فذلك قوله تعالى وعذبناها فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة والحساب الشديد الذي لا عفو فيه والنكر المنكر فذاقت وبال أمرها أي جزاء ذنبها وكان عاقبة أمرها خسرا في الدنيا والآخرة وقال ابن قتيبة الخسر الهلكة
قوله تعالى قد أنزل الله إليكم ذكرا أي قرآنا رسولا أي وبعثه رسولا قاله مقاتل وإلى نحوه ذهب السدي وقال ابن السائب الرسول ها هنا جبرائيل فعلى هذا يكون الذكر والرسول جميعا منزلين وقال ثعلب الرسول هو الذكر وقال غيره معنى الذكر ها هنا الشرف

وما بعده قد تقدم البقرة 257 والأحزاب 43 والتغابن 9 إلى قوله تعالى قد أحسن الله له رزقا يعني الجنة التي لا ينقطع نعيمها
الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما
قوله ومن الأرض مثلهن أي وخلق الأرض بعددهن وجاء في الحديث كثافة كل سماء مسيرة خمسمائة عام وما بينها وبين الأخرى كذلك وكثفاة كل أرض خمسمائة عام وما بينها وبين الأرض الأخرى كذلك وقد

روى أبو الضحى عن ابن عباس قال في كل أرض آدم مثل آدمكم ونوح مثل نوحكم وإبراهيم مثل إبراهيمكم وعيسى كعيسى فهذا الحديث تارة يرفع إلى ابن عباس وتارة يوقف على أبي الضحى وليس له معنى إلا ما حكى أبو سليمان الدمشقي قال سمعت أن معناه إن في كل أرض خلقا من خلق الله لهم سادة يقوم كبيرهم ومتقدمهم في الخلق مقام آدم فينا وتقوم ذريته في السن والقدم كمقام نوح وعلى هذا المثال سائرهم وقال كعب ساكن الأرض الثانية البحر العقيم وفي الثالثة حجارة جهنم والرابعة كبريت جهنم والخامسة حيات جهنم والسادسة عقارب جهنم والسابعة فيها إبليس
قوله تعالى يتنزل الأمر بينهن في الأمر قولان
أحدهما قضاء الله وقدره قاله الأكثرون قال قتادة في كل أرض

من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه
والثاني أنه الوحي قاله مقاتل
قوله تعالى لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما أعلمكم بهذا لتعلموا قدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء

سورة التحريم
وهي مدنية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولكم وهو العليم الحكيم وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو موله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا
قوله تعالى لم تحرم ما أحل الله لك في سبب نزولها قولان
أحدهما أن حفصة ذهبت إلى أبيها تتحدث عنده فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة

فرجعت حفصة فوجدتها في بيتها فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة فلما دخلت حفصة قالت قد رأيت من كان عندك والله لقد سؤتني فقال النبي صلى الله عليه و سلم والله لأرضينك وإني مسر إليك سرا فاحفظيه قالت وما هو قال إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضى لك وكانت عائشة وحفصة متظاهرتين على نساء النبي صلى الله عليه و سلم فانطلقت حفصة إلى عائشة فقالت لها أبشري إن النبي صلى الله عليه و سلم قد حرم عليه فتاته فنزلت هذه الآية رواه العوفي عن ابن عباس وقد روي عن عمر نحو هذا المعنى وقال فيه فقالت حفصة كيف تحرمها عليك وهي جاريتك فحلف لها أن لا يقربها فقال لها لا تذكريه لأحد فذكرته لعائشة فآلى أن لا يدخل على نسائه شهرا فنزلت هذه الآية وقال الضحاك قال لها لا تذكري لعائشة ما رأيت فذكرته فغضبت عائشة ولم تزل بنبي الله حتى حلف أن لا يقربها فنزلت هذه الآية وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والشعبي ومسروق ومقاتل والأكثرون

والثاني ما روى عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب الحلواء والعسل وكان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فدخل على حفصة بنت عمر واحتبس عندها فسألت عن ذلك فقيل أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل فسقت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت أما والله لنحتالن له فقلت لسودة إنه سيدنوا منك إذا دخل عليك فقولي له يا رسول الله أكلت مغافير فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل فقولي جرست نحلة العرفط وسأقول ذلك وقولي أنت يا صفية ذلك فلما دار إلى حفصة قالت له يا رسول الله أسقيك منه قال لا حاجة لي فيه قالت تقول سودة سبحان الله والله لقد حرمناه قلت لها اسكتي أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وفي رواية ابن ابي ملكية عن ابن عباس

أن التي شرب عندها العسل سودة فقالت له عائشة إني لأجد منك ريحا ثم دخل على حفصة فقالت إني أجد منك ريحا فقال إني أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه فنزلت هذه الآية وفي حديث عبيد بن عمير عن عائشة ان التي شرب عندها العسل زيتب بنت جحش فتواطأت حفصة وعائشة أن تقولا له ذلك القول قال أبو عبيد المغافير شيء شبيه بالصمغ فيه حلاوة وخرج الناس يتمغفرون إذا خرجوا يجتنونه ويقال المغاثير بالثاء مثل جدث وجدف وقال الزجاج المغافير صمغ متغير الرائحة فخرج في المراد بالذي أحل الله له قولان

أحدهما أنه جاريته والثاني العسل
قوله تعالى تبتغي مرضات أزواجك أي تطلب رضاهن بتحريم ذلك والله غفور رحيم غفر الله لك التحريم قد فرض الله لكم قال مقاتل قد بين الله لكم تحلة أيمانكم أي كفارة أيمانكم وذلك البيان في المائدة 89 قال المفسرون وأصل تحلة تحلله على وزن تفعلة فأدغمت والمعنى قد بين الله لكم تحليل أيمانكم بالكفارة فأمره الله أن يكفر يمينه فأعتق رقبة

واختلفوا هل حرم مارية على نفسه بيمين أم لا على قولين
أحدهما حرمها من غير ذكر يمين فكان التحريم موجبا لكفارة اليمين قاله ابن عباس
والثاني أنه حلف يمينا حرمها بها قاله الحسن والشعبي وقتادة والله مولاكم أي وليكم وناصركم
قوله تعالى وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا يعني حفصة من غير خلاف علمناه
وفي هذا السر ثلاثة أقوال
أحدها أنه قال لها إني مسر إليك سرا فاحفظيه سريتي هذه علي حرام رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال عطاء والشعبي والضحاك وقتادة وزيد بن أسلم وابنه والسدي

والثاني أنه قال لها أبوك وأبو عائشة واليا الناس من بعدي فإياك أن تخبري أحدا رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثالث أنه أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي قاله ميمون بن مهران

قوله تعالى فلما نبأت به أي أخبرت به عائشة وأظهره الله عليه أي أطلع الله نبيه على قوله حفصة لعائشة فغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم غضبا شديدا لأنه استكتم حفصة ذلك ثم دعاها فأخبرها ببعض ما قالت فذلك قوله تعالى عرف بعضه وأعرض عن بعض وفي الذي عرفها إياه قولان
أحدهما أنه حدثها ما حدثتها عائشة من شأن أبي بكر وعمر وسكت عما أخبرت عائشة من تحريم مارية لأنه لم يبال ما أظهرت من ذلك رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أن الذي عرف تحريم مارية والذي أعرض عنه ذكر الخلافة لئلا ينتشر قاله الضحاك وهذا اختيار الزجاج قال ومعنى عرف بعضه عرف حفصة بعضه وقرأ الكسائي عرف بالتخفيف قال الزجاج على هذه القراءة قد عرف كل ما أسره غير أن المعنى جاري على بعضه كقوله تعالى وما تفعلوا من خير يعلمه الله البقرة 179 أي يعلمه ويجاز عليه وكذلك فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الزلزلة 7 أي ير جزاءه فقيل إن النبي صلى الله عليه و سلم طلق حفصة تطليقة فكان ذلك جزاءها عنده فأمره الله أن يراجعها وقال مقاتل بن حيان لم يطلقها وإنما هم بطلاقها فقال له جبريل لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وقال الحسن ما استقصى كريم قط ثم قرأ عرف

بعضه وأعرض عن بعض وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وابن السميفع عراف برفع العين وتشديد الراء وبألف بعضه بالخفض
قوله تعالى فلما نبأها به أي أخبر حفصة بإفشائها السر قالت من أنبأك هذا أي من أخبرك بأني أفشيت سرك قال نبأني العليم الخبير ثم خاطب عائشة وحفصة فقال إن تتوبا إلى الله أي من التعاون على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإيذاء فقد صغت قلبوكما قال ابن عباس زاغت وأثمت قال الزجاج عدلت وزاغت عن الحق قال مجاهد كنا نرى قوله تعالى فقد صغت قلوبكما شيئا هينا حتى وجدناه في قراءة ابن مسعود فقد زاغت قلبوكما وإنما جعل القلبين جماعة لأن كل اثنين فما فوقهما جماعة وقد أشرنا إلى هذا في قوله تعالى فإن كان له إخوة النساء 11 وقوله تعالى إذ تسوروا المحراب ص11 قال المفسرون وذلك أنهما أحبا ما كره رسول الله صلى الله عليه و سلم من اجتاب جاريته وإن تظاهرا وقرأ ابن مسعود وأبو عبدالرحمن ومجاهد والأعمش تظاهرا بتخفيف الظاء أي تعاونا على النبي صلى الله عليه و سلم بالإيذاء فإن الله هو مولاه أي وليه في العون والنصرة وجبريل وليه وصالح المؤمنين وفي المراد بصالح المؤمنين ستة اقوال
أحدها أنهم أبو بكر وعمر قاله ابن مسعود وعكرمة والضحاك
والثاني أبو بكر رواه مكحول عن أبي أمامة
والثالث عمر قاله ابن جبير ومجاهد
والرابع خيار المؤمنين قاله الربيع بن أنس

والخامس أنهم الأنبياء قاله قتادة والعلاء بن زياد العدوي وسفيان
والسادس أنه علي رضي الله عنه حكاه الماوردي قاله الفراء وصالح المؤمنين موحد في مذهب جميع كما تقول لا يأتيني إلا سائس الحرب فمن كان ذا ساسة للحرب فقد أمر بالمجيء ومثله قوله تعالى والسارق السارقة المائدة 38 وقوله تعالى واللذان يأتيانها منكم النساء 16 وقوله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا المعارج 19 في كثير من القرآن يؤدي معنى الواحد عن الجميع
قوله تعالى والملائكة بعد ذلك ظهير أي ظهرا وهذا مما لفظه لفظ الواحد ومعناه الجميع ومثله يخرجكم طفلا غافر 67 وقد شرحناه هناك ثم خوف نساءه فقال تعالى عسى ربه إن طلقكن وسبب نزولها ما روى أنس عن عمر بن الخطاب قال بلغني بعض ما آذى به رسول الله نسؤاه فدخلت عليهن فجعلت أستقرئهن واحدة واحدة فقلت والله لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن فنزلت هذه الآية والمعنى واجب من الله إن طلقكن رسوله أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات أي خاضعات لله بالطاعة مؤمنات مصدقات بتوحيد الله قانتات أي طائعات سائحات فيه قولان

أحدهما صائمات قاله ابن عباس والجمهور وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى السائحون التوبة 112
والثاني مهاجرات قاله زيد بن أسلم وابنه والثيبات جمع ثيب وهي المرأة التي قد تزوجت ثم ثابت إلى بيت أبويها فعادت كما كانت غير ذات زوج والأبكار العذارى
يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما ؤمرون يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يا أيها الذين آموا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيآتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربمنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
قوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقاية النفس بامتثال الأوامر واجتاب النواهي ووقاية الأهل بأن يؤمروا بالطاعة وينهوا عن المعصية وقال علي رضي الله عنه علموهم وأدبوهم وقودها الناس والحجارة وقد

ذكرناه في البقرة 24 عليها ملائكة غلاظ على أهل النار شداد عليهم وقيل غلاظ القلوب شداد الأبدان وروى أبو صالح عن ابن عباس قال خزنة النار تسعة عشر ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة وقوته أن يضرب بالمقمعة فيدفع بتلك الضربة سبعين ألفا فيهوون في قعر جهنم لا يعصون الله ما أمرهم أي لا يخافون فيما يأمر ويفعون ما يؤمرون فيه قولان
أحدهما لا يتجاوزون ما يؤمرون والثاني يفعلونه في وقته لا يؤخرونه ولا يقدمونه ويقال لأهل النار يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم
قوله تعالى توبوا إلى الله توبة نصوحا قرأ أبو بكر عن عاصم وخارجة عن نافع نصوحا بضم النون والبقاون بفتحها قال الزجاج فمن فتح فعلى صفة التوبة ومعناه توبة بالغة في النصح وفعول من أسماء الفاعلين التي تستعمل للمبالغة في الوصف تقول رجل صبور وشكور ومن قرأ بالضم فمعناه ينصحون فيها نصوحا يقال نصحت له نصحا ونصاحة ونصوحا وقال غيره من ضم أراد توبة نصح لأنفسكم وقال

عمر بن الخطاب التوبة النصوح أن يتوب العبد من الذنب وهو يحدث نفسه أنه لا يعود وسئل الحسن البصري عن التوبة النصوح فقال دم بالقلب واستغفار باللسان وترك بالجوارح وإضمار أن لا يعود وقال ابن مسعود التوبة النصوح تكفر كل سيئة ثم قرأ هذه الآية
قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي قد بينا معنى الخزي في آل عمران 192 وبينا معنى قوله تعالى نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم في الحديد 12 يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وذلك إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يطفأ سألوا الله تعالى أن يتمم لهم نورهم ويبلغهم به الجنة قال ابن عباس ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق فهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا
يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأوهم جنهم وبئس المصير ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين
قوله تعالى جاهد الكفار والمنافين قد شرحناه في براءة 73
قوله تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح قال المفسرون منهم مقال هذا المثل يتضمن تخويف عائشة وحفصة أنهما إن عصيا ربهما لم يغن

رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهما شيئا قال مقاتل اسم امرأة نوح والهة وامرأة لوط والغة
قوله تعالى كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين يعني نوحا ولوطا عليهما السلام فخانتاهما قال ابن عباس ما بغت امرأة نبي قط إنما كانت خيانتهما في الدين كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون وكانت امرأة لوط تدل على الأضياف فإذا نزل بلوط ضيف بالليل أوقدت النار وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه قد نزل به ضيف وقال السدي كانت خيانتهما كفرهما وقال الضحاك نميمتهما وقال ابن السائب نفاقهما
قوله تعالى فلم يغنيا عنهما من الله شيئا أي فلم يدفعا عنهما من عذاب الله شيئا وهذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره ثم أخبر أن معصية الغير لا تضر المطيع بقوله تعالى وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون وهي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها وقال يحيى بن سلام ضرب الله المثل الأول يحذر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما ثم ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسك بالطاعة وكانت آسية قد آمنت بموسى قال أبو هريرة ضرب فرعون لامرأته أوتادا في يديها ورجليها وكانوا إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة فقالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته قبل موتها ونجني من فرعون وعمله فيه قولان

أحدهما أن عمله جماعه والثاني أنه دينه رويا عن ابن عباس ونجني من القوم الظالمين يعني أهل دين المشركين
قوله تعالى والتي أحصنت فرجها قد ذكرنا فيه قولين في سورة الأنبياء 92 فمن قال هو فرج ثوبها قال الهاء في قوله تعالى فنفخنا فيه يرجع إليه وذلك أن جبريل مد جيب درعها فدخل فيه ومن قال هو مخرج الولد قال الهاء كناية عن غير مذكور لأنه إنما نفخ في درعها لا في فرجها
قوله تعالى وصدقت بكلمات ربها وفيه قولان
أحدهما أنها قول جبريل إنما أنا رسول ربك مريم 19
والثاني أن الكلمات هي التي تضمنتها كتب الله المنزلة وقرأ أبي ابن كعب وأبو مجلز وعاصم الجحدري بكلمة ربها على التوحيد وكتبه قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم وكتابه على التوحيد وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم وخارجة عن نافع وكتبه

جماعة وهي التي أنزلت على الأنبياء ومن قرأ وكتابه فهو اسم جنس على ما بينا في خاتمة البقرة 285 وقد بينا فيها القنوت مشروحا البقرة 116 ومعنى الآية وكانت من القانتين ولذلك لم يقل من القانتات

سورة الملك
وهي مكية بإجماعهم
قال ابن مسعود هي المانعة من عذاب القبر
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير وللذين كفروا بربهم عابا جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير

قوله تعالى تبارك قد شرحناه في الأعراف 54
قوله تعالى الذي بيده الملك قال ابن عباس يعني السلطان يعز ويذل
قوله تعالى الذي خلق الموت والحياة قال الحسن خلق الموت المزيل للحياة والحياة التي هي ضد الموت ليبلوكم أيكم أحسن عملا قد شرحناه في هود 7 قال الزجاج والمعلق ب أيكم مضمر تقديره ليبلوكم فيعلم أيكم أحسن عملا وهذا علم وقوع وارتفعت أي بالابتداء ولا يعمل فيها ما قبلها لأنها على أصل الاستفهام ومثله أي الحزبين أحصى الكهف 12 والمعنى خلق الحياة ليختبركم فيها وخلق الموت ليبعثكم ويجازيكم وقال غيره اللام في ليبلوكم متعلق بخلق الحياة دون خلق الموت لأن الابتلاء بالحياة الذي خلق سبع سموات طباقا أي خلقهن مطابقات أي بعضها فوق بعض ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من تفاوت قرأ حمزة والكسائي من تفوت بتشديد الواو من غير ألف وقرأ الباقون بألف قال الفراء وهما بمنزلة واحدة كما تقول تعاهدت الشيء وتعهدته والتفاوت الاختلاف وقال ابن قتيبة التفاوت الاضطراب والاختلاف وأصله من الفوت وهو أن يفوت شيء شيئا فيقع الخلل ولكنه متصل بعضه ببعض
قوله تعالى فارجع البصر أي كرر البصر هل ترى من فطور

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي هل ترى بإدغام اللام في التاء أي هل ترى فيها فروجا وصدوعا
قوله تعالى ثم ارجع البصر كرتين أي مرة بعد مرة ينقلب إليك البصر خاسئا قال ابن قتيبة أي مبعدا من قولك خسأت الكلب إذا باعدته وهو حسير أي كليل منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه وقال الزجاج قد أعيا من قبل أن يرى في المساء خللا
قوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وقد شرناه في حم السجد 12 وجعلناها رجوما للشياطين أي يرجم بها مسترقوا السمع وقد سبق بيان هذا المعنى الحجر 18 وأعتدنا لهم أي في الآخرة عذاب السعير وهذا وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله تعالى سمعوا لها شهيقا أي صوتا مثل صوت الحمار وقد بينا معنى الشهيق في هود 106 وهي تفور أي تغلي بهم كغلي المرجل تكاد تميز أي تتقطع من تغيظها عليهم كلما ألقي فيها فوج أي جماعة منهم سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وهذا سؤال توبيخ
قوله تعالى إن أنتم أي قلنا للرسل إن أنتم إلا في ضلال أي في ذهاب عن الحق بعيد قال الزجاج ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا لو كنا نسمع أي سماع من يعي ويفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار فسحقا أي بعدا وهو منصوب على المصدر المعنى أسحقهم الله سحقا أي باعدهم الله من رحمته مباعدة والسحيق البعيد وكذلك روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فسحقا أي بعدا وقال سعيد بن جبير وأبو صالح السحق واد في جهنم يقال له سحق

إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير واسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور
قوله تعالى إن الذين يخشون ربهم بالغيب قد شرحناه في سورة الأنبياء 49 لهم مغفرة لذنوبهم وأجر كبير وهو الجنة ثم عاد إلى خطاب الكفار فقال تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به قال ابن عباس نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيخبره جبرائيل بما قالوا فيقول بعضهم أسروا قولكم حتى لا يسمع إله محمد
قوله تعالى ألا يعلم من خلق أي ألا يعلم ما في الصدور خالقها واللطيف مشروح في الأنعام 103 والخبير في البقرة 234
قوله تعالى هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا أي مذللة سهلة لم يجعلها ممتنعة بالحزونة والغلظ
قوله تعالى فامشوا في مناكبها فيه ثلاثة اقوال
أحدها طرقاتها رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد
والثاني جبالها رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال قتادة واختاره الزجاج قال لأن المعنى سهل لكم السلوك فيها فإذا أمكنكم السلوك في جبالها فهو أبلغ في التذليل

والثالث في جوانبها قاله مقاتل والفراء وأبو عبيدة واختاره ابن قتيبة قال ومنكبا الرجل جانباه
قوله تعالى وإليه النشور أي إليه تبعثون من قبوركم
ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير
ثم خوف الكفار فقال أأمتم قرأ ابن كثير وإليه النشور وأمنتم وقرأ نافع وأبو عمرو النشرو آمنتم بهمزة ممدودة وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي أأمنتم بهمزتين من في السماء قال ابن عباس أمنتم عذاب من في السماء وهو الله عز و جل وتمور بمعنى تدور قال مقاتل والمعنى تدور بكم إلى الأرض السفلى
قوله تعالى أن يرسل عليكم حاصبا وهي الحجارة كما أرسل على قوم لوط فستعلمون كيف نذير أي كيف كانت عاقبة إنذاري لكم في الدنيا إذا نزل بكم العذاب ولقد كذب الذين من قبلهم يعني كفار الأمم فكيف كان نكير أي إنكاري عليهم بالعذاب
أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات أي تصف أجنحتها في الهواء وتقبض أجنحتها بعد البسط وهذا معنى الطيران وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط ما يمسكهن أن يقعن إلا الرحمن

أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في الأض وإليه تحشرون ويقولون متى هذ الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون
قوله تعالى أمن هذا الذي هو جند لكم هذا استفهام إنكار ولفظ الجند موحد فلذلك قال تعالى هذا الذي هو والمعنى لا جند لكم ينصركم أي يمنعكم من عذاب الله إن أراده بكم إن الكافرون إلا في غرور وذلك أن الشيطان يغرهم فيقول إن العذاب لا ينزل بكم أمن هذا الذي يرزقكم المطر وغيره إن أمسك الله ذلك عنكم بل لجوا في عتوا أي تماد في كفر ونفور عن الإيمان
ثم ضرب مثلا فقال تعالى أفمن يمشي مكبا على وجهه قال ابن قتيبة أي لا يبصر يمينا ولا شمالا ولا من بين يديه يقال أكب فلان على وجهه بالأف وكبه الله لوجهه وأراد الأعمى قال المفسرون هذا مثل للمؤمن والكافر والسوي المعتدل أي الذي يبصر الطريق وقال قتادة هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مكبا على وجهه والمؤمن يمشي سويا
قوله تعالى قليلا ما تشكرون فيه قولان

أحدهما أنهم لا يشكرون قاله مقاتل والثاني يشركون قليلا قاله أبو عبيد
قوله تعالى ذرأكم أي خلقكم ويقولون متى هذا الوعد يعنون بالوعد العذاب فلما رأوه زلفة أي رأوا العذاب قريبا منهم سيئت وجوه الذين كفروا قال الزجاج أي تبين فيها السوء وقال غيره قبحت بالسواد وقيل هذا الذي كنتم به تدعون فيه قولان
أحدهما أن تدعون بالتشديد بمعنى تدعون بالتخفيف وهو تفتعلون من الدعاء يقال دعوت وادعيت كما يقال خبرت واختبرت ومثله يدكرون ويدكرون هذا قول الفراء وابن قتيبة
والثاني أن المعنى هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأكاذيب تدعون أنكم إذا متم لا تبعثون وهذا اختيار الزجاج وقرأ أبو رزين والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك وابن أبي عبلة ويعقوب تدعون بتخفيف الدال وسكونها بمعنى تفعلون من الدعاء وقال قتادة كانوا يدعون بالعذاب
قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين
قوله تعالى قل ارأيتم إن أهلكني الله بعذابه ومن معي من المؤمنين قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم معي بفتح الياء وقرأ أبو بكر عن عاصم والكسائي معي بالإسكان أو رحمنا فلم يعذبنا فمن يجير الكافرين أي يمنعهم ويؤمنهم من

عذاب أليم ومعنى الآية إنا مع إيماننا بين الخوف الرجاء فمن يجيبركم مع كفركم من العذاب أي لأنه لا رجاء لكم كرجاء المؤمنين قل هو الرحمن الذي نعبد فستعلمون وقرأ الكسائي فسيعلمون بالياء عند معاينة العذاب من الضال نحن أم أنتم
قوله تعالى إن أصبح ماؤكم غورا قد بيناه في الكهف 41 فمن يأتيكم بماء معين أي بماء ظاهر تراه العيون وتناله الأرشية

سورة القلم
وهي مكية كلها بإجماعهم
إلا ما حكي عن ابن عباس وقتادة أن فيها من المدني قوله تعالى إنا بلوناهم إلى قوله تعالى لو كانوا يعلمون
بسم الله الرحم الرحيم
ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون إن ربك هوأعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين
قوله تعالى ن قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص ن والقلم النون في آخر الهجاء من نون ظاهرة عندالواو وهذا اختيار الفراء وروى أبو بكر عن عاصم أنه كان لا يبين النون من نون وبها قرأ الكسائي وخلف ويعقوب وهو اختيار الزجاج وقرأ ابن عباس وأبو رزين وقتادة والأعمش نون والقلم بكسر النون وقرأ الحسن وأبو عمران وأبو نهيك ن والقلم برفع النون
وفي معنى نون سبعة أقوال
أحدها أنها الدواة روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال

أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة وهذا قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير وبه قال الحسن وقتادة
والثاني أنه آخر حروف الرحمن رواه عكرمة عن ابن عباس
والثالث أنه الحوت الذي على ظهر الأرض وهذا المعنى في رواية أبي ظبيان عن ابن عباس وهو مذهب مجاهد والسدي وابن السائب ومقاتل
والرابع أنه لوح من نور قاله معاوية بن قرة
والخامس أنه افتتاح اسمه نصير وناصر قاله عطاء
والسادس أنه قسم بنصرة الله للمؤمنين قاله القرظي
والسابع أنه نهر في الجنة قاله جعفر الصادق

وفي القلظم قولان
أحدهما أنه الذي كتب به في اللوح المحفوظ
والثاني أنه الذي يكتب به الناس وإنما أقسم به الأن كتبه إنما تكتب ويسطرون بمعنى يكتبون وفي المشار إليهم قولان
أحدهما أنهم الملائكة وفيما أرادوا بما يكتبونه قولان أحدهما أنه الذكر قاله مجاهد والسدي والثاني أعمال بني آدم قاله مقاتل
والقول الثاني أنهم جميع الكتبة حكاه الثعلبي ما أنت بنعمة ربك بمجنون أي ما أنت بإنعام ربك عليكم بالإيمان والنبوة بمجنون قال الزجاج هذا جواب قولهم إنك لمجنون وتأويله فارقك الجنون بنعمة الله
قوله تعالى وإن لك بصبرك على افترائهم عليك ونسبتهم إياك إلى الجنون لأجرا غير ممنون أي غير مقطوع ولا منقوص وإنك لعلى خلق عظيم فيه ثلاثة اقوال
أحدها دين الإسلام قاله ابن عباس
والثاني أدب القرآن قاله الحسن
والثالث الطبع الكريم وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب فسمي خلقا لأنه يصير كالخلقة في صاحبه فأما ما طبع عليه فيسمى الخيم فيكون الخيم الطبع الغريزي والخلق الطبع المتكلف هذا قول الماوردي وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم

فقالت كان خلقه القرآن تعني كان على ما أمره الله به في القرآن
قوله تعالى فستبصر ويبصرون يعني أهل مكة وهذا وعيد لهم بالعذاب والمعنى سترى ويرون إذا نزل بهم العذاب ببدر بأيكم المفتون وفيه أربعة أقوال
أحدها الضال قاله الحسن والثاني الشيطان قاله مجاهد والثالث المجنون قاله الضحاك والمعنى الذي قد فتن بالجنون والرابع المعذب حكاه الماوردي
وفي الباء قولان
أحدهما أنها زائدة قاله أبو عبيدة وابن قتيبة وأنشدوا ... نحن بنو جعدة أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

والثاني أنها أصلية وهذا قول الفراء والزجاج قال الزجاج ليس كونها لغوا بجائز في العربية في قول أحد من اهلها
وفي الكلام قولان للنحويين
أحدهما أن المفتون ها هنا الفتون والمصادر تجيئ على المفعول تقول العرب ليس هذا معقود رأي أي عقد رأي وتقول دعه إلى ميسوره أي يسره والمعنى بأيكم الجنون
والثاني بأيكم المفتون بالفرقة التي أنت فيها أم بفرقة الكفار فيكون المعنى في أي الفرقتين المجنون وقد ذكر الفراء نحو ما شرحه الزجاج وقد قرأ أبي بن كعب وأبو عمران وابن أبي عبلة في أي المفتون ثم أخبر أنه عالم بالفريقين بما بعد هذا
فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم
قوله تعالى فلا تطع المكذبين وذلك أن رؤساء أهل مكة دعوه إلى دين آبائه فنهاه الله أن يطيعهم ودوا لو تدهن فيدهنون فيه سبعة أقوال
أحدها لو ترخص فيرخصون قاله ابن عباس
والثاني لو تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم قاله الحسن

والثالث لو تكفر فيكفرون قاله عطية والضحاك ومقاتل
والرابع لو تلين فيلينون لك قاله ابن السائب
والخامس لو تنافق وترائي فينافقون ويراؤون قاله زيد بن أسلم
والسادس ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم وكانوا أرادوه على أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا الله مدة قاله ابن قتيبة وقال أبو عبيدة هو من المداهنة
والسابع لو تقاربهم فيقاربونك قاله ابن كيسان
قوله تعالى ولا تطع كل كلاف وهو كثير الحلف بالباطل مهين وهو الحقير الدنيء وروى العوفي عن ابن عباس قال المهين الكذاب
واختلفوا فيمن نزل هذا على ثلاثة أقوال
أحدها أنه الوليد بن الغيرة قاله ابن عباس ومقاتل والثاني الأخنس بن شريق قاله عطاء واسلدي والثالث الأسود بن عبد يغوث قاله مجاهد

قوله تعالى هماز قال ابن عباس هو المغتاب وقال ابن قتيبة هو العياب
قوله تعالى مشاء بنميم أي يمشي بين الناس بالنميمة وهو نقل الكلام السيء من بعضهم إلى بعض ليفسد بينهم مناع للخير فيه قولان
أحدهما أنه منع ولده وعشيرته الإسلام قاله ابن عباس
والثاني مناع للحقوق في ماله ذكره الماوردي
قوله تعالى معتد أي ظلوم أثيم فاجر عتل بعد ذلك أي مع ما وصفناه به وفي العتل سبعة أقوال
أحدها أنه العاتي الشديد المنافق قاله ابن عباس والثاني أنه المتوفر الجسم قاله الحسن والثالث الشديد الأشر قاله مجاهد والرابع القوي في كفره قاله عكرمة والخامس الأكول الشروب القوي الشديد قاله عبيد بن عمير والسادس الشديد الخصومة بالباطل قاله الفراء والسابع أنه الغليظ الجافي قاله ابن قتيبة

وفي الزنيم أربعة أقوال
أحدها أنه الدعي في قريش وليس منهم رواه عطاء عن ابن عباس وهذا معروف في اللغة أن الزنيم هوالملتصق في القوم وليس منهم وبه قال الفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة قال حسان ... وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد ...
والثاني أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثالث أنه الذي له زنمة مثل زنمة الشاة وقال ابن عباس نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه من ذكر عيوب الوليد لأنه وصفه بالحلف والمهانة والعيب للناس والمشي بالنميمة والبخل والظلم والإثم والجفاء والدعوة فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة والزنمتان المعلقتان عند حلوق المعزى وقال ابن فارس يعني التي تتعلق من أذنها
والرابع أنه الظلوم رواه الوالبي عن ابن عباس
قوله تعالى أن كان ذا مال وبنين قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وحفص عن عاصم أن كان على الخبر أي لأن كان والمعنى لا تطعه لماله وبنيه وقرأ ابن عباس بهمزتين الأولى مخففة والثانية ملينة وفصل بينهما بألف أبو جعفر وقرأ حمزة أأن كان بهمزتين مخففتين على الاستفهام وله وجهان

أحدهما لأن كان ذا مال تطيعه
والثاني ألأن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا يكفر بها فيقول أساطير الأولين ذكر القولين الفراء وقرأ ابن مسعود أن كان بهمزة واحدة مقصورة ثم أوعده فقال تعالى سنسمه علىالخرطوم الخرطوم الأنف وفي هذه السمة ثلاثة أقوال
أحدها سنسمه بالسيف فنجعل ذلك علامة على أنفه ما عاش فقاتل يوم بدر فخطم بالسيف قاله ابن عباس
والثاني سنلحق به شيئا لا يفارقه قاله قتادة واختاره ابن قتيبة
والثالث أن المعنى سنسود وجهه قال الفراء والخرطوم وإن كان قد خص بالسمة فإنه في مذهب الوجه لأن بعض الوجه يؤدي عن البعض وقال الزجاج سنجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم وجائز والله أعلم أن يفرد بسمة لمبالغته في عداوته لرسول الله صلى الله عليه و سلم يتبين بها عن غيره
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فاقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون

إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسملمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيمة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين
قوله تعالى إنا بلوناهم يعني أهل مكة أي ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أصحاب الجنة حين هلكت جنتهم
وهذه الإشارة إلى قصتهم
ذكر أهل التفسر أن رجلا كان بناحية اليمن له بستان وكان مؤمنا وذلك بعد عيسى بن مريم عليهما السلام وكان يأخذ منه قدر قوته وكان يتصدق بالباقي وقيل كان يترك للمساكين ما تعداه المنجل وما يسقط من رؤوس النخل وما ينتثر عند الدراس فكان يجتمع من هذا شيء كثير فمات الرجل عن ثلاث بنين فقالوا والله إن المال لقليل وإن العيال لكثير وإنما كان أبونا يفعل هذا إذ كان المال كثيرا والعيال قليلا وأما الآن فلا نستطيع أن نفعل هذا فعزموا على حرمان المساكين وتحالفوا بينهم ليغدن قبل خروج الناس فليصرمن نخلهم فذلك قوله تعالى إذ أقسموا أي حلفوا ليصرمنها أي ليقطعن نخلهم مصبحين أي في أول الصباح وقد بقيت من الليل ظلمة لئلا يبقى للمساكين شيء
وفي قوله تعالى ولا يستثنون قولان
أحدهما لا يقولون إن شاء الله قاله الأكثرون

والثاني لا يستثنون حق المساكين قاله عكرمة فطاف عليها طائف من ربك أي من أمر ربك قال الفراء الطائف لا يكون إلا بالليل قال المفسرون بعث الله عليها نارا بالليل فاحترقت فصارت سوداء فذلك قوله تعالى فأصبحت كالصريم وفيه ثلاثة أقوال
أحدها كالرماد الأسود قاله ابن عباس
والثاني كالليل المسود قاله الفراء وكذلك قال ابن قتيبة أصبحت سوداء كالليل محترقة والليل هو الصريم والصبح أيضا صريم لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه
والثالث أصبحت وقد ذهب ما فيها من الثمر فكأنه قد صرم أي قطع وجذ حكاه ابن قتيبة أيضا
قوله تعالى فتنادوا مصبحين أي نادى بعضهم بعضا لما أصبحوا ان اغدوا على حرثكم يعني الثمار والزروع والأعناب إن كنتم صارمين أي قاطعين للنخل فانطلقوا أي ذهبوا إلى جنتهم وهم يتخافتون قال ابن قتيبة يتساررون ب أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد فيه ثمانية أقوال
أحدهما على قدرة قاله ابن عباس
والثاني على فاقة قاله الحسن في رواية
والثالث على جد قاله الحسن في رواية وقتادة وأبو العالية والفراء ومقاتل
والرابع على أمر مجمع قد أسسوه بينهم قاله مجاهد وعكرمة
والخامس أن الحرد اسم الجنة قاله السدي

والسادس أنه الحنق والغضب على المساكين قاله الشعبي وسفيان وأنشد أبو عبيدة ... أسود شرى لاقت أسود خفية ... تساقوا على حرد دماء الأساود ...
والسابع أه المنع مأخوذ من حاردت السنة فليس فيها مطر وحاردت الناقة فليس لها لبن قاله أبو عبيدة وابن قتيبة
والثامن أنه القصد يقال حردت حردك أي قصدت قصدك حكاه الفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة وأنشدوا ... قد جاء سيل كان من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلة ...
أي يقصد قصدها قال ابن قتيبة وفيها لغتان حرد وحرد كما يقال الدرك والدرك

وفي قوله تعالى قادرين ثلاثة أقوال
أحدها قادرين على جنتهم عند أنفسهم قاله قتادة
والثاني قادرين على المساكين قاله الشعبي 3والثالث أن المعنى منعوا وهم قادرون أي واجدون قاله ابن قتيبة قالوا فلما رأوها محترقة قالوا إنا لضالون أي قد ضللنا طريق جنتنا فليست هذه ثم علموا أنها عقوبة فقالوا بل نحن محرومون أي حرمنا ثمر جنتنا بمنعنا المسكين قال أوسطهم أي أعدلهم وأفضلهم لولا أي هلا تسبحون وفيه ثلاثة أقوال
أحدها هلا تستثنون عند قولكم ليصرمنها مصبحين قاله ابن جريج والجمهور والمعنى هلا قلتم إن شاء الله قال الزجاج وإنما قيل للاستثناء تسبيح لأن التسبيح في اللغة تنزيه الله عز و جل عن السوء والاستثناء تعظيم لله وإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل فعلا إلا بمشيئة الله
والثاني أنه كان استثناؤهم قول سبحان الله قاله أبو صالح
والثالث هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم حكاه الثعلبي وقوله تعالى قالوا سبحان ربنا فنزهوه أن يكون ظالما فيما صنع وأقروا على أنفسهم بالظلم فقالوا إنا كنا ظالمين بمنعنا المساكين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون أي يلوم بعضهم بعضا في منع المساكين حقوقهم يقول هذا

لهذا أنت أشرت علينا ويقول الآخر أنت فعلت ثم نادوا على أنفسهم بالويل فقالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين حين لم نصنع ما صنع آباؤنا ثم رجعوا إلى الله تعالى فسألوه أن يبدلهم خيرا منها فذلك قوله عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها وقرأ قوم يبدلنا بالتخفيف وهما لغتنان وفرق قوم بينهما فقالوا التبديل تغيير حال الشيء وصفته والعين باقية والإبدال إزالة الشيء ووضع غيره مكانه ونقل أن القوم أخلصوا فبدلهم الله جنة العنقود منها وقر بغل
قوله تعالى كذلك العذاب ما فعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وها هنا انتهت قصة أهل الجنة ثم قال تعالى ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون يعني المشركين ثم ذكر ما للمتقين عنده بما بعد هذا فقال المشركون إنا لنعطى في الآخرة أفضل مما تعطون فقال تعالى مكذبا لهم فأنجعل المسلمين كالمجرمين قال الزجاج هذه ألف الاستفهام مجازها ها هنا مجاز التوبيخ والتقرير
قوله تعالى كيف تحكمون أي كيف تقضون بالجور أم لكم كتاب أنزل من عند الله فيه هذا تدرسون أي تقرؤون ما فيه إن لكم في ذلك الكتاب لما تخيرون أي ما تختارون وتشتهون وقرأ أبو الجوزاء وعاصم الجحدري وأبو عمران أن لكم بفتح الهمزة وهذا تقريع لهم وتوبيخ على ما يتمنون من الباطل سلهم أيهم بذلك زعيم أم لكم أيمان علينا بالغة أي ألكم عهود على الله تعالى حلف لك على ما تدعون بأيمان بالغة أي مؤكدة وكل شيء متناه في الجودة والصحة فهو بالغ ويجوز أن يكون المعنى بالغة إلى يوم القيامة أي تبلغ تلك الأيمان إلى يوم القيامة في لزومها وتوكيدها إن لكم لما تحكمون لأنفسكم به من الخير والكرامة عند

الله تعالى قال الفراء والقراء على رفع بالغة إلا الحسن فإنه نصبها على مذهب المصدر كقوله تعالى حقا الروم 47 ومعنى الآية هل لكم أيمان علينا بالغة بأن لكم ما تحكمون فلما كانت اللام في جواب إن كسرتها
قوله تعالى سلهم أيهم بذلك زعيم فيه قولان
أحدهما أنه الكفيل قاله ابن عباس وقتادة والمعنى أيهم كفل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير
والثاني أنه الرسول قاله الحسن
قوله تعالى أم لهم شركاء يعني الأصنام التي جعلوها شركاء لله تعالى والمعنى ألهم أرباب يفعلون بهم هذا الذي زعموا وقيل يشهدون لهم بصدق ما ادعوا فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين في أنها شركاء الله وإنما أضيف الشركاء إليهم لادعائهم أنهم شركاء الله
يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون
يوم يكشف المعنى فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق قرأ الجمهور يكشف بضم الياء وفتح الشين وقرأ ابن أبي عبلة وعاصم الجحدري وأبو الجوزاء بفتح الياء وبكسر الشين وقرأ أبي بن كعب وابن عباس تكشف بتاء مفتوحة وكسر الشين وقرأ ابن مسعود وأبو مجلز وابن يعمر والضحاك نكشف بنون

مفتوحة مع كسر الشين وهذا اليوم هو يوم القيامة وقد روى عكرمة عن ابن عباس يوم يكشف عن ساق قال يكشف عن شدة وأنشد ... وقامت الحرب بنا على ساق ...
وهذا قول مجاهد وقتادة
قال ابن قتيبة وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد فيه شمر عن ساقه فاستعيرت الساق في موضع الشدة هذا قول الفراء وأبي عبيدة واللغويين وقد أضيف هذا الأمر إلى الله تعالى فروي في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه يكشف عن ساقه وهذا إضافة إليه لأن الكل له وفعله وقال أبو عمر الزاهد يراد بها النفس ومنه قول علي رضي الله عنه أقاتلهم ولو تلفت ساقي أي نفسي فعلى هذا يكون المعنى يتجلى لهم
قوله تعالى ويدعون إلى السجود يعني المنافقين فلا يستطيعون كأن في ظهورهم سفافيد الحديد قال النقاش وليس ذلك بتكليف لهم أن

يسجدوا وهم عجزة ولكنه توبيخ لهم بتركهم السجود خاشعة أبصارهم أي خاضعة ترهقهم ذلة أي تغشاهم وقد كانوا يدعون إلى السجود يعني بالأذان في دار الدنيا ويؤمرون بالصلاة المكتوبة وهم سالمون أي معافون ليس في أصلابهم مثل سفافيد الحديد وفي هذا وعيد لمن ترك صلاة الجماعة وكان كعب يقول والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات فذرني ومن يكذب بهذا الحديث يعني القرآن والمعنى خل بيني وبينه قال الزجاج أي لا تشغل قلبك به كله إلي فأنا أكفيك أمره وذكر بعض المفسرين أن هذا القدر من الآية إلى قوله الحديث منسوخ بآية السيف وما بعد هذا مفسر في الأعراف 182 183 إلى قوله تعالى أم تسألهم أجرا فإنها مفسرة والتي قبلها في الطور 39 40
فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم فاجتبه ربه فجعله من الصالحين وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين
قوله تعالى فاصبر لحكم ربك أي اصبر على أذاهم لقضاء ربك الذي هو آت وقيل معنى الأمر بالصبر منسوخ بآية السيف
قوله تعالى ولا تكن كصاحب الحوت وهو يونس وفيماذا نهي أن يكون مثله قولان
أحدهما أنه العجلة والغضب قاله قتادة
والثاني الضعف عن تبليغ الرسالة قاله ابن جرير
قال ابن الأنباري وهذا لا يخرج يونس من أولي العزم لأنها خطيئة

ولو قلنا إن كل مخطئ من النبياء ليس من أولي العزم خرجوا كلهم إلا يحيى ثم أخبر عن عقوبته إذ لم يصبر فقال تعالى إذ نادى وهو مكظوم قال الزجاج مملوء غما وكربا
قوله تعالى لولا أن تداركه وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن أبي عبلة لولا أن تداركته بتاء خفيفة وبتاء ساكنة بعد الكاف مع تخفيف الدال وقرأ أبو هريرة وأبو المتوكل تداركه بتاء واحدة خفيفة مع تشديد الدال وقرأ أبي بن كعب تتداركه بتاءين خفيفتين نعمة من ربه فرحمه بها وتاب عليه من معاصيه لنبذ بالعراء وهو مذموم وقد بينا معنى العراء في الصافات 145 ومعنى الآية أنه نبذ غير مذموم لنعمة الله عليه بالتوبة والرحمة وقال ابن جريج نبذ بالعراء وهي أرض المحشر فالمعنى أنه كان يبقى مكانه إلى يوم القيامة فاجتباه ربه أي استخلصه واصطفاه وخلصه مم الذم فجعله من الصالحين فرد عليه الوحي وشفعه في قومه ونفسه وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم قرأ الأكثرون بضم الياء من أزلقته وقرأ أهل المدينة وأبان بفتحها من زلقته أزلقه وهما لغتنان مشهورتان في العرب قال الزجاج يقال زلق الرجل رأسه وأزلقه إذا حلقه وفي معنى الآية للمفسرين قولان
أحدهما أن الكفار قصدوا ان يصيبوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعين وكان فيهم رجل يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل شيئا ثم يرفع جانب خبائه فتمر به النعم فيقول لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما تذهب إلا قليلا حتى يسقط منها عدة فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعين فعصم الله نبيه وأنزل هذه الآية هذا قول الكلبي وتابعه قوم من المفسرين

تلقفوا ذلك من تفسيره منهم الفراء
والثاني أنهم كانوا ينظرون إليه بالعداوة نظرا شديدا يكاد يزلقه من شدته أي يلقيه إلى الأرض وهذا مستعمل في كلام العرب يقول القائل نظر إلي فلان نظرا كاد يصرعني وأنشدوا ... يتقارضون إذا التقوا في موطن ... نظرا يزيل مواطن الأقدام ...
أي ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة يكاد يزيل الأقدام وإلى هذا ذهب المحققون منهم ابن قتيبة والزجاج ويدل على صحته أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن وهو قوله تعالى لما سمعوا الذكر والقوم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة فيحدون النظر إليه بالبغضاء وإصابة العين إنما تكون مع الإعجاب والاستحسان لا مع البغض فلا يظن بالكلبي أنه فهم معنى الآية وما هو يعني القرآن إلا ذكر أي موعظة

سورة الحاقة
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية وجاء فرعون ومن قبله والؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية
الحاقة القيامة قال الفراء إنما قيل لها حاقة لأن فيها حواق الأمور وقال الزجاج إنما سميت الحاقة لأنها تحق كل إنسان بعمله من خير وشر
قوله تعالى ما الحاقة هذا استفهام معناه التفخيم لشأنها كما تقول زيد وما زيد على التعظيم لشأنه ثم زاد في التهويل بأمرها فقال تعالى وما أدراك ما الحاقة أي لأنك لم تعاينها ولم تدر ما فيها من الأهوال ثم أخبر عن المكذبين بها فقال تعالى كذبت ثمود وعاد بالقارعة قال ابن عباس القارعة اسم من أسماء يوم القيامة قال مقاتل وإنما سميت

بالقارعة لأن الله تعالى يقرع أعداءه بالعذاب وقال ابن قتيبة القارعة القيامة لأنها تقرع يقال أصابتهم قوارع الدهر وقال الزجاج لأنها تقرع بالأهوال وقال غيرهم لأنها تقرع القلوب بالفزع فأما الطاغية ففيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها طغيانهم وكفرهم قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل وأبو عبيدة وابن قتيبة قال الزجاج ومعنى الطاغية عند أهل اللغة طغيانهم وفاعلة قد يأتي بمعنى المصادر نحو عاقبة وعافية
والثاني بالصيحة الطاغية قاله قتادة وذلك أنها جاوزت مقدار الصياح فأهلكتهم
والثالث أن الطاغية عاقر الناقة قاله ابن زيد والريح الصرصر قد فسرناها في حم السجد 16 والعاتية التي جاوزت المقدار وجاء في التفسير أنها عتت على خزانها يومئذ فلم يكن لهم عليها سبيل
قوله تعالى سخرها عليهم أرسلها وسلطها والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار وفي قوله تعالى حسوما ثلاثة أقوال
أحدها تباعا قاله ابن عباس قال الفراء الحسوم التباع يقال في الشيء إذا تتابع فلم ينقطع أوله عن آخره حسوم وإنما أخذ والله أعلم من حسم الداء إذا كوي صاحبه لأنه يحمى ثم يكوى ثم يتابع الكي عليه
والثاني كاملة قاله الضحاك فيكون المعنى أنها حسمت الليالي والأيام فاستوفتها علىالكمال لأنها ظهرت مع طلوع الشمس وذهبت مع غروبها قال مقاتل هاجت الريح غدوة وسكنت بالعشي في اليوم الثامن

وقبضت أرواحهم في ذلك اليوم ثم بعث الله طيرا أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر
والثالث أنها حسمتهم فلم تبق منهم أحدا أي أذهبتهم وأفنتهم هذا قول ابن زيد
قوله تعالى فترى القوم فيها أي في تلك الليالي والأيام صرعى وهو جمع صريع لأنهم صرعوا بموتهم كأنهم أعجاز نخل أي أصول نخل خاوية أي بالية وقد بينا هذا في سورة القمر 20
قوله تعالى فهل ترى لهم من باقية فيه ثلاثة اقوال
أحدها من بقاء قاله الفراء
والثاني من بقية قاله أبو عبيدة قال وهو مصدر كالطاغية
والثالث هل ترى لهم من أثر قاله ابن قتيبة وجاء فرعون ومن قبله قرأ أبو عمرو ويعقوب والكسائي وابان بكسر القاف وفتح الباء والباقون بفتح القاف وإسكان الباء فمن كسر القاف أراد من يليه ويحف به من جنوده وأتباعه ومن فتحها أراد من كان قبله من الأمم الكافرة وفي المؤتفكات ثلاثة أقوال
أحدها قرى قوم لوط والمعنى وأهل المؤتفكات قاله الأكثرون
والثاني أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم أي هلكوا بالذنوب التي معظمها الإفك وهو الكذب قاله الزجاج
والثالث أنه قارون وقومه حكاه الماوردي
قوله تعالى بالخاطئة قال ابن قتيبة أي بالذنوب وقال الزجاج

الخاطئة الخطأ العظيم فعصوا رسول ربهم أي كذبوا رسلهم فأخذهم أخذة رابية أي زائدة على الأحداث إنا لما طغى الماء أي تجاوز حده حتى علا على كل شيء في زمن نوح حملناكم يعني حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم في الجارية وهي السفينة التي تجري في الماء لنجعلها أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا من إغراق قوم نوح ونجاة من حملنا معه تذكرة أي عبرة وموعظة وتعيها أذن واعية أي أذن تحفظ ما سمعت وتعمل به وقال الفراء لتحفظها كل أذن فتكون عظة لمن يأتي بعده
فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيؤمئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يؤمئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يؤمئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الححيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فيلس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون
قوله تعالى فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وفيها قولان
أحدهما أنها النفخة الأولى قاله عطاء
والثاني الأخيرة قاله ابن السائب ومقاتل وحملت الأرض

والجبال أي حملت الأض والجبال وما فيها فدكتا دكة واحدة أي كسرتا ودقتا دقة واحدة لا يثنى عليها حتى تستوي بما عليها من شيء فتصير كالأديم الممدود وقد أشرنا إلى هذا المعنى في الأعراف عند قوله تعالى جعله دكا آية 143 قال الفراء وإنما قال فدكتا ولم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد كقوله تعالى أن السموات والأرض كانتا رتقا الأنبياء 30 وانشدوا ... هما سيدانا يزعمان وإنما ... يسوداننا أن يسرت غنماهما ...
والعرب تقول قد يسرت الغنم إذا ولدت أو تهيأت للولادة
قوله تعالى فيومئذ وقعت الواقعة أي قامت القيامة وانشقت السماء لنزول من فيها من الملائكة فهي يومئذ واهية فيه قولان
أحدهما أن وهيها ضعفها وتمزقها من الخوف قاله مقاتل
والثاني أنه تشققها قاله الفراء والملك عني الملائكة فهو اسم جنس على أرجائها أي على جوانبها قال الزجاج ورجاء كل شيء ناحيته مقصور والتثنية رجوان والجمع أرجاء وأكثر المفسرين على أن

المشار إليها السماء قال الضحاك إذ انشقت السماء كانت الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الله تعالى فينزلون إلى الأرض فيحيطون بها ومن عليها وروي عن سعيد بن جبير أنه قال على أرجاء الدنيا
قوله تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم فيه ثلاثة أقوال
أحدها فوق رؤوسهم أي العرش على رؤوس الحملة قاله مقاتل
والثاني فوق الذين على أرجائها أي أن حملة العرش فوق الملائكة الذيي هم على أرجائها
والثالث أنهم فوق أهل القيامة حكاهما الماوردي يومئذ أي يوم القيامة ثمانية فيه ثلاثة أقوال
أحدها ثمانية أملاك وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أملاك آخرين هذا قول الجمهور
والثاني ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عزل وجل قاله ابن عباس وابن جبير وعكرمة

والثالث ثمانية أجزاء من الكروبيين لا يعلم عددهم إلا الله قاله مقاتل وقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام
قوله تعالى يومئذ تعرضون على الله لحسابكم لا تخفى عليه قرأ حمزة والكسائي لا يخفى بالياء وقرأ الباقون بالتاء والمعنى لا يخفى عليه منكم خافية أي نفس خافية أو فعلة خافية وفي حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تتطاير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله وكان عمر بن الخطاب يقول حاسبوا أنفسكم قل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ لا تخفى منكم خافية فيقول هاؤم قال الزجاج هاؤم أمر من الجماعة بمنزلة هاكم تقول للواحد ها يا رجل وثلاثين هاؤما يا رجلان وللثلاثة هاؤم يا رجال

قال المفسرون إنما يقول هذا ثقة بسلامته وسرورا بنجاته وذكر مقاتل أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد
قوله تعالى إني ظننت أي علمت وأيقنت في الدنيا أني ملاق حسابيه أي أبعث وأحساب في الآخرة فهو في عيشة أي حالة من العيش راضية قال الفراء أي فيها الرضى وقال الزجاج أي ذات رضى يرضاها من يعيش فيها وقال أبو عبيدة مجازها مجاز مرضية في جنة عالية أي عالية المنازل قطوفها أي ثمارها جانية أي قريبة ممن يتناولها وهي جمع قطف والقطف ما يقطف من الثمار قال البراء بن عازب يتناول الثمرة وهو نائم
قوله تعالى كلوا أي يقال لهم كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم أي قدمتم من الأعمال الصالحة في الأيام الخالية الماضية وهي أيام الدنيا وأما من أوتي كتابه بشماله قال مقاتل نزلت في الأسود بن عبد الأسود قتله حمزة ببدر وهو أخو أبي سلمة وقيل نزلت في أبي جهل
قوله تعالى يا ليتني لم أوت كتابيه وذلك لما يرى فيه من القباحج ولم أدر ما حسابيه لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب إنما كله عليه وكان ابن مسعود وقتادة ويعقوب يحذفون الهاء من كتابيه وحاسبيه في الوصل قال الزجاج والوجه أن يوقف على هذه الهاآت ولا توصل لأنها أدخلت للوقف وقد حذفها قوم في الوصل ولا أحب مخالفة المصحف وكذلك قوله تعالى وما أدراك ما هيه القارعة 10
قوله تعالى يا ليتها يعني الموتة التي ماتها في الدنيا كانت القاضية

أي القاطعة للحياة فكأنه تمنى دوام الموت وانه لم يبعث للحساب هلك عني سلطانيه فيه قولان
أحدهما ضلت عني حجتي قاله مجاهد وعكرمة والضحاك والسدي
والثاني زال عني ملكي قاله ابن زيد
قوله تعالى خذوه أي يقول الله تعالى خذوه فغلوه أي اجمعوا يده إلى عنقه ثم الجحيم صلوه أي أدخلوه النار وقال الزجاج اجعلوه يصلى النار ثم في سلسلة وهي حلق منتظمة ذرعها سبعون ذراعا قال ابن عباس بذراع الملك وقال نوف الشامي كل ذراع سبعون باعا الباع أبعد مما بينك وبين مكة وكان في رحبة الكوفة وقال سفيان كل ذراع سبعون ذراعا وقال مقاتل ذرعها سبعون ذراعا بالذراع الأول ويقال إن جميع أهل النار في تلك السلسلة
قوله تعالى فاسلكوه أي أدخلوه قال الفراء وذكر أنها تدخل في دبر الكافر فتخرج من رأسه فذلك سلكه فيها والمعنى ثم اسكلوا فيه السلسلة ولكن العرب تقول أدخلت رأسي في القلنسوة وأدخلتها في رأسي ويقال الخاتم لا يدخل في يدي وإنما اليد تدخل في الخاتم وإنما استجازوا ذلك لأن معناه معروف
قوله تعالى إنه كان لا يؤمن بالله العظيم أي لا يصدق بوحدانيته وعظمته ولا يحض على طعام المسكين أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه

فليس له اليوم ها هنا حميم أي قريب ينفعه أي يشفع له ولا طعام إلا من غسلين فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه صديد أهل النار قاله ابن عباس قال مقاتل إذا سال القيح والدم بادروا أكله قبل أن تأكله النار
والثاني شجر يأكله أهل النار قاله الضحاك والربيع
والثالث أنه غسالة أجوافهم قاله يحيى بن سلام قال ابن قتيبة وهو فعلين من غسلت كأنه غسالة
وقوله تعالى إلا الخاطئون يعني الكافرين
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين
قوله تعالى فلا أقسم لا رد لكلام المشركين كأنه قيل ليس الأمر كما يقول المشركون أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون وقال قوم لا زائدة مؤكدة والمعنى أقسم بما ترون وما لا ترون فأراد جميع الموجودات وقيل الأجسام والأرواح إنه يعني القرآن لقول رسول كريم فيه قولان
أحدهما محمد صلى الله عليه و سلم قاله الأكثرون
والثاني جبريل قاله ابن السائب ومقاتل قال ابن قتيبة لم يرد أنه قول الرسول وإنما أراد أنه قول الرسول عن الله تعالى وفي الرسول ما يدل على ذلك فاكتفى به من أن يقول عن الله وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون

وقرأ ابن كثير يؤمنون ويذكرون بالياء فيهما قال الزجاج ما مؤكدة وهي لغو في باب الإعراب والمعنى قليلا تؤمنون وقال غيره أراد نفي إيمانهم أصلا وقد بينا معنى الكاهن في الطور 29 قال الزجاج وقوله تعالى تنزيل مرفوع ب هو مضمرة يدل عليها قوله تعالى وما هو بقول شاعر هو تنزيل
ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم
قوله تعالى ولو تقول علينا أي لو تكلف محمد أن يقول علينا ما لم نقله لأخذنا منه باليمين أي لأخذناه بالقوة والقدرة قاله الفراء والمبرد والزجاج قال ابن قتيبة إنما أقام اليمين مقام القوة لأن قوة كل شيء في ميامنه
قوله تعالى ثم لقطعنا منه الوتين وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب فإذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه قال أبو عبيدة الوتين نياط القلب وأنشد الشماخ ... إذا بلغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين ...
وقال الزجاج الوتين عرق أبيض غليظ كأنه قصبة

قوله تعالى فما منكم من أحد عنه حاجزين أي ليس منكم أحد يحجزنا عنه وإنما قال تعالى حاجزين لأن أحدا يقع على الجمع كقوله تعالى لا نفرق بين أحد من رسله البقرة 285 هذا قول الفراء وابي عبيدة والزجاج ومعنى الكلام أنه لا يتكلف الكذب لأجلكم مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه ثم لم يقدر على دفع عقوبتنا عنه وإنه يعني القرآن لحسرة على الكافرين في يوم القيامة يندمون إذ لم يؤمنوا به وإنه لحق اليقين إضافة إلى نفسه لاختلاف اللفظين كقوله تعالى ولدار الأخرة يوسف 109 وقال الزجاج المعنى وإنه لليقين حق اليقين وقد شرحنا هذا المعنى وما بعده في الواقعة 95 96

سورة المعارج
سورة سأل سائل ويقال لها سورة المعارج ويقال لها سورة الواقع وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملئكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسئل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤيه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى
قوله تعالى سأل سائل قال المفسرون نزلت في النضر بن الحارث حين قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الأنفال 32 وهذا مذهب الجمهور منهم ابن عباس ومجاهد وقال الربيع بن أنس هو أبو جهل قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر

سال بغير همز والباقون بالهمز فمن قرأ سأل بالهمز ففيه ثلاثة أقوال
أحدها دعا داع على نفسه بعذاب واقع
والثاني سأل سائل عن عذاب واقع لمن هو وعلى من ينزل ومتي يكون وذلك على سبيل الاستهزاء فتكون الباء بمعنى عن وأنشدوا ... فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب ...
والثالث سأل سائل عذابا واقعا والباء زائدة
ومن قرأ بلا همز ففيه قولان
أحدهما أنه من السؤال أيضا وإنما لين الهمزة يقال سأل وسال وأنشد الفراء ... تعالوا فسالوا يعلم الناس أينا ... لصاحبه في أول الدهر تابع ...
والثاني المعنى سال واد في جهنم بالعذاب للكافرين وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وكان ابن عباس في آخرين يقرؤون سال سيل بفتح السين وسكون الياء من غير ألف ولا همز

وإذا قلنا إنه من السؤال فقوله تعالى للكافرين جواب للسؤال كأنه لما سأل لمن هذا العذاب قيل للكافرين والواقع الكائن والمعنى أن العذاب للذي سأله هذا الكافر كائن لا محالة في الآخرة للكافرين ليس له دافع من الله قال الزجاج المعنى ذلك العذاب واقع من الله للكافرين
قوله تعالى ذي المعارج فيه قولان
أحدهما أنها السموات قاله ابن عباس وقال مجاهد هي معارج الملائكة قال ابن قتيبة واصل المعارج الدرج وهي من عرج إذا صعد قال الفراء لما كانت الملائكة تعرج إليه وصف نفسه بذلك قال الخطابي المعارج الدرج واحداه معرج وهو المصعد فهو الذي يصعد إليه بأعمال العباد وبأرواح المؤمنين فالمعارج الطرائق التي يصعد فيها
والثاني أن المعارج الفواضل والنعم قاله قتادة
قوله تعالى تعرج الملائكة قرأ الكسائي يعرج بالياء
والروح في الروح قولان
أحدهما جبريل قاله الأكثرون
والثاني روح الميت حين تقبض قاله قبيصة بن ذؤيب
قوله تعالى إليه أي إلى الله عز و جل في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فيه قولان
أحدهما أنه يوم القيامة قاله ابن عباس والحسن وقتادة والقرظي وهذا هو مقدار يوم القيامة من وقت البعث إلى أن يفصل بين الخلق وفي

الحديث إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة وقيل بل لو ولي حساب الخلق سوى الله عز و جل لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة والحق يفرغ منه في ساعة من نهار وقال عطاء يفرغ الله من حساب الخلق في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا فعلى هذا يكون المعنى ليس دافع من الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وقيل المعنى سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير
والثاني أن مقدار صعود الملائكة من أسفل الأرض إلى العرش لو صعده غيرهم قطعه في خسين ألف سنة وهذا معنى قول مجاهد
قوله تعالى فاصبر أي اصبر على تكذيبهم إياك صبرا جميلا لا جزع فيه وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم ثم نسخ بآية السيف إنهم يرونه يعني العذاب بعيدا غير كائن ونراه قريبا كائنا لأن كل ما هو آت قريب ثم أخبر متى يكون فقال تعالى يوم تكون السماء كالمهل وقد شرحناه في الكهف 29 وتكون الجبال كالعهن أي كالصوف فشبهها في ضعفها ولينها بالصوف وقيل شبهها به في خفتها وسيرها لأنه قد نقل أنها تسير على صورها وهي كالهباء قال الزجاج العهن الصوف واحدته عهنة ويقال عهنة وعهن مثل صوفة وصوف وقال ابن قتيبة العهن الصوف المصبوغ

وقوله تعالى ولا يسأل حميم حميما قرأ الأكثرون سأل بفتح الياء والمعنى لا يسأل قريب عن قرابته لاشتغاله بنفسه وقال مقاتل لا يسأل الرجل قرابته ولا يكلمه من شدة الأهوال وقرأ معاوية وأبو رزين والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وابن محيصن وابن أبي عبلة وأبو جعفر بضم الياء والمعنى لا يقال للحميم أين حميمك
قوله تعالى يبصرونهم أي يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه وهو مع ذلك لا يسأل عن شأنه ولا يكلمه اشتغالا بنفسه يقال بصرت زيدا كذا إذا عرفته إياه قال ابن قتيبة معنى الآية لا يسأل ذو قرابة عن قرابته ولكنهم يبصرونهم أي يعرفونهم وقرأ قتادة وأبو المتوكل وأبو عمران يبصرونهم بإسكان الباء وتخفيف الصاد وكسرها
قوله تعالى يود المجرم يعني يتمنى المشرك لو قبل منه الفداء يومئذ ببنيه وصاحبته وهي الزوجة وفصيلته قال ابن قتيبة أي عشيرته وقال الزجاج هي أدنى قبيلته منه ومعنى تؤويه تضمه فيود أن يفتدي بهذه المذكورات ثم ينجيه ذلك الفداء كلا لا ينجيه ذلك إنها لظى قال الفراء هو اسم من أسماء جهنم فلذلك لم يجر وقال غيره معناها في اللغة اللهب الخالص وقال ابن الانباري سميت لظى لشدة توقدها وتلهبها يقال هو يتلظى أي يتلهب ويتوقد وكذلك النار تتلظى يراد بها هذا المعنى وأنشدوا ... جحيما تلظى لا تفتر ساعة ... ولا الحر منها غابر الدهر يبرد ...
نزاعة للشوى قرأ الجمهور نزاعة للشوى بالرفع على معنى هي نزاعة

وقرأ عمر بن الخطاب وأبو رزين وأبو عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة وابن أبي عبلة وحفص عن عاصم نزاعة بالنصب قال الزجاج وهذا على أنها حال مؤكدة كما قال تعالى هو الحق مصدقا فاطر 31 ويجوز أن ينصب على معنى إنها تتلظى نزاعة
وفي المراد ب الشوى أربعة أقوال
أحدها جلدة الرأس قاله مجاهد والثاني محاسن الوجه قاله الحسن وابو العالية والثالث العصب والعقب قاله ابن جبير والرابع الأطراف اليدان والرجلان والرأس قاله الفراء والزجاج
قوله تعالى تدعو من أدبر عن الإيمان وتولى عن الحق قال المفسرون تقول إلي يا مشرك إلي يا منافق وجمع فأوعى قال الفراء أي جمع المال في وعاء فلم يؤد منه زكاة ولم يصل منه رحما
إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم

يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون
قوله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا قال مقاتل عنى به أمية بن خلف الجمحي وفي الهلوع سبعة أقوال
أحدها أنه الموصوف بما يلي هذه الآية رواه عطية عن ابن عباس وبه قال أبو عبيدة والزجاج
والثاني أنه الحريص على ما لا يحل له رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثالث البخيل قاله الحسن والضحاك
والرابع الشحيح قاله ابن جبير
والخامس الشره قاله مجاهد
والسادس الضجور قاله عكرمه وقتادة ومقاتل والفراء
والسابع الشديد الجزع قاله ابن قتيبة
قوله تعالى إذا مسه الشر أي اصابه الفقر جزوعا لا يصبر ولا يحتسب وإذا مسه الخير أصابه المال منوعا بمنعه من حق الله عز و جل إلا المصلين وهم أهل الإيمان بالله وإنما استثنى الجمع من الإنسان لأنه اسم جنس الذين هم على صلاتهم دائمون وفيهم ثلاثة أقوال
أحدها أنهم الذين يحافظون على المكتوبات وهو معنى قول ابن مسعود
والثاني أنهم لا يلتفتون عن أيمانهم وشمائلهم في الصلاة قاله عقبة بن عامر واختاره الزجاج قال ويكون اشتقاقه من الدائم وهو الساكن كما جاء

في الحديث أنه نهى عن البول في الماء الدائم
والثالث أنهم الذين يكثرون فعل التطوع قاله ابن جريج والذين في أموالهم حق معلوم قد سبق شرح هذه الآية والتي بعدها في الذاريات 19 وبينا معنى يوم الدين في الفاتحة وما بعد هذا قد شرحناه في المؤمنين 7 8 إلى قوله تعالى لأماناتهم قرأ ابن كثير وحده لأمانتهم والذين هم بشهاداتهم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم بشهادتهم على التوحيد وقرأ حفص عن عاصم بشهاداتهم جمعا قائمون أي يقومون فيها بالحق ولا يكتمونها فمال الذين كفروا قبلك مهطعين نزلت في جماعة من الكفار جلسوا حول رسول الله صلى الله عليه و سلم يستهزؤون بالقرآن ويكذبون به قال الزجاج والمهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله وكانوا ينظرون إلى النبي نظر عداوة وقد سبق الخلاف في قوله تعالى مهطعين إبراهيم 43 والقمر 8
قوله عن اليمين وعن الشمال عزين قال الفراء العزون الحلق الجماعات واحدتها عزة وكانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه و سلم فيقولون إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد صلى الله عليه و سلم فلندخلنها قبلهم فنزل قوله تعالى أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم وقرأ ابن مسعود والحسن وطلحة بن مصرف والأعمش والمفضل عن عاصم أن يدخل بفتح الياء وضم الخاء وقال أبو عبيدة عزين جمع عزة مثل ثبة وثبين فهي

جماعات في تفرقة
قوله تعالى كلا أي لا يكون ذلك إنا خلقناهم مما يعلمون فيه قولان
أحدهما من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة فالمعنى لا يستوجب الجنة أحد بما يدعيه من الشرف على غيره إذ الأصل واحد وإنما يستوجبها بالطاعة
والثاني إنا خلقناهم من أقذار فبماذا يستحقون الجنة ولم يؤمنوا وقد روى بشر بن جحاش عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه تلا هذه الآية إنا خلقناهم ما يعلمون ثم بزق قال يقول الله عز و جل أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك

وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة
قوله تعالى فلا أقسم قد تكلمنا عليه في الحاقة 38 والمراد بالمشارق والمغارب شرق كل يوم ومغربه إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم أي نخلق أمثل منهم وأطوع لله حين عصوا وما نحن بمسبوقين مفسر في الواقعة 60 فذرهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا أي يلهوا في دنياهم حتى يلاقوا وقرأ ابن محيصن يلقوا يومهم الذي يوعدون وهو يوم القيامة وهذا لفظ أمر معناه الوعيد وذكر المفسرون أنه منسوخ بآية السيف وإذا قلنا إنه وعيد بلقاء يوم القيامة فلا وجه للنسخ يوم يخرجون من الأجداث سراعا أي يخرجون بسرعة كأنهم يستبقون
قوله تعالى كأنهم إلى نصب قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم بضم النون والصاد وقال ابن جرير وهو واحد الأنصاب وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها فعلى هذا يكون المعنى كأنهم إلى آلهتهم التي كانوا يعبدونها يسرعون وقرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بفتح النون وسكون الصاد وهي في معنى القراءة الأولى إلا أنه مصدر كقول القائل نصبت الشيء أنصبه نصبا قال قتادة معناه كأنهم إلى شيء منصوب يسرعون وقال ابن جرير تأويله كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون وقرأ ابن عباس

وأبو مجلز والنخعي نصب برفع النوه وإسكان الصاد وقرأ الحسن وأبو عثمان النهدي وعاصم الجحدري إلى نصب بفتح النون والصاد جميعا قال ابن قتيبة النصب حجر ينصب أو صنم يقال نصب ونصب ونصب وقال الفراء النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع الأنصاب وقال الزجاج النصب والنصب العلم المنصوب قال الفراء والإيفاض الإسراع
قوله تعالى ترهقهم ذلة قرا أبو المتوكل وأبو الجوزاء وعمرو ابن دينار ذلة ذلك اليوم بغير تنوين وبخفض الميم وباقي السورة قد تقدم بيانه المعارج 42

سورة نوح
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون
قوله تعالى أن أنذر قومك أي بأن أنذر قومك والعذاب الأليم الغرق
قوله تعالى أن اعبدوا الله قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وعلي بن نصر عن أبي عمرو أن اعبدوا الله بضم النون وقرأ عاصم وحمزة وعبد الوارث عن ابي عمرو أن اعبدوا الله بكسر النون قال أبو علي من ضم كره الكسر
قوله تعالى وأطيعون أثبت الياء في الحالين يعقوب
قوله تعالى من ذنوبكم من ها هنا صلة والمعنى يغفر لكم ذنوبكم قاله السدي ومقاتل وقال الزجاج إنما دخلت من ها هنا لتختص الذنوب من سائر الأشياء ولم تدخل لتبعيض الذنوب ومثله فاجتنبوا الرجس من

الأوثان الحج 30 وذهب بعض أهل المعاني إلى أنها للتبعيض والمعنى يغفر لكم من ذنوبكم إلى وقت الإيمان ويؤخركم أي عن العذاب إلى أجل مسمى وهو منتهى آجالهم والمعنى فتموتوا عند منتهى آجالكم غير ميتة المعذبين إن أجل الله فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه أجل الموت قاله مجاهد فيكون المعنى إن أجل الله الذي أجلكم إليه لا يؤخر إذا جاء فلا يمكنكم حينئذ الإيمان
والثاني أنه أجل البعث قاله الحسن
والثالث أجل العذاب قاله السدي ومقاتل
قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهار ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا

قوله تعالى فلم يزدهم دعائي إلا فرارا أي تباعدا من الإيمان وإني كلما دعوتهم إلى الإيمان والطاعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا صوتي واستغشوا ثيابهم أي غطوا بها وجوههم لئلا يروني وأصروا على كفرهم واستكبروا عن الإيمان بك واتباعي ثم إني دعوتهم جهارا أي معلنا لهم بالدعاء قال ابن عباس بأعلى صوتي ثم إني أعلنت لهم أي كررت الدعاء معلنا وأسررت لهم إسرارا قال ابن عباس يريد أكلم الرجل بعد الرجل في السر وأدعوه إلى توحيدك وعبادتك فقلت استغفروا ربكم قال المفسرون منع الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فقال لهم نوح استغفروا ربكم من الشرك أي استدعوا مغفرته بالتوحيد يرسل السماء عليكم مدرارا قد شرحناه في أول الأنعام 6 ومعنى الكلام أنه أخبرهم أن الإيمان يجمع لهم خير الدنيا والآخرة
قوله تعالى ما لكم لا ترجون لله وقارا فيه أربعة أقوال
أحدها لا ترون لله عظمة قال الفراء وابن قتيبة
والثاني لا تخافون عظمة الله قاله الفراء وابن قتيبة
والثالث لا ترون لله طاعة قاله ابن زيد
والرابع لا ترجون عاقبة الإيمان والتوحيد قاله الزجاج

وقد خلقكم أطوارا أي وقد جعل لكم في أنفسكم آية تدل على توحيده من خلقه إياكم من نطفة ثم من علقة شيئا بعد شيء إلى آخر الخلق قال ابن الأنباري الطور الحال وجمعه أطوار وقال ابن فارس الطور التارة طورا بعد طور أي تارة بعد تارة وقيل أراد بالأطوار اختلاف المناظر والأخلاق من طويل وقصير وغير ذلك ثم قررهم فقال تعالى ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة طباق بتنوين القاف وكسرها من غير ألف وقد بينا هذا في سورة الملك 3
قوله تعالى وجعل القمر فيهن نورا فيه قولان
أحدهما أن وجه القمر قبل السموات وظهره قبل الأرض يضيء لأهل السموات كما يضيء لأهل الأرض وكذلك الشمس هذا قول عبد الله ابن عمرو
والثاني أن القمر في السماء الدنيا وإنما قال فيهن لأنهن كالشيء الواحد ذكره الأخفش والزجاج وغيرهما وهذا كما تقول أتيت بني تميم وإنما أتيت بعضهم وكركبت السفن وجعل الشمس سراجا يستضيء بها العالم والله أنبتكم من الأرض يعني أن مبتدأ خلقكم من الأرض هو

آدم نباتا قال الخليل معناه فنبتم نباتا وقال الزجاج نباتا محمول في المصدر على المعنى لأن معنى أنبتكم جعلكم تنبتون نباتا قال ابن قتيبة هذا مما جاء فيه المصدر على غير المصدر لأنه جاء في نبت ومثله وتبتل إليه تبتيلا المزمل 8 فجاء على بتل
قال الشاعر ... وخير الأمر ما استقبلت من ... ه وليس بأن تتبعه اتباعا ...
فجاء على اتبعت
وقال الآخر ... وإن شئتم تعاودنا عوادا ...
فجاء على عوادنا وإنما تجيء المصادر مخالفة الأفعال لأن الأفعال وإن اختلفت أبنيتها واحدة في المعنى
قوله تعالى سبلا فجاجا قال الفراء هي الطرق الواسعة
قوله تعالى واتبعوا من لم يزده ماله وولده قرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم وولده بفتح اللام والواو وقرأ الباقون ولده بضم الواو

وسكون اللام قال الزجاج وهما بمعنى واحد مثل العرب والعرب والعجم والعجم وقرأ الحسن وأبو العالية وابن يعمر والجحدري وولده بكسر الواو وإسكان اللام قال المفسرون المعنى ان الأتباع والفقراء اتبعوا رأي الرؤساء والكبراء
قوله تعالى ومكروا مكرا كبارا قرأ أبو رجاء وأبو عمران كبارا برفع الكاف وتخفيف الباء وقرأ ابن يعمر وأبو الجوزاء وابن محيصن كبارا بكسر الكاف مع تخفيف الباء والمعنى كبيرا يقال كبير وكبار وقد شرحنا هذا في أول ص ومعنى المكر السعي في الفساد وذلك أن الرؤساء منعوا أتباعهم من الإيمان بنوح وقالوا لا تذرن آلهتكم أي لا تدعن عبادتها ولا تذرن ودا قرأ أبو جعفر ونافع بضم الواو والباقون بفتحها وهذا الاسم وما بعده أسماء آلهتهم وجاء في التفسير أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح ونشأ قوم بعدهم يأخذون بأخذهم في العبادة فقال لهم إبليس لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق للعبادة ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم وكان ابتداء عبادة الأوثان من ذلك الوقت وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم المسمين بهذه الأسماء وقيل إنما هي أسماء لأولاد آدم مات منهم واحد فجاء الشيطان فقال هل لكم أن أصور لكم صورته فتذكرونه بها فصورها ثم مات آخر فصور لهم صورته إلى أن صور صورا خمسة ثم طال الزمان وتركوا عبادة الله فقال لهم الشيطان ما لكم لا تعبدون شيئا فقالوا لمن نعبد قال هذه آلهتكم وآلهة آبائكم ألا ترونها مصورة في مصلاكم فعبدوها

وقال الزجاج هذه الأصنام كانت لقوم نوح ثم صارت إلى العرب فكان ود لكلب و سواع لهمدان و يغوث لبني غطيف وهم حي من مراد وقيل لما جاء الطوفان غطى على هذه الأصنام وطمها التراب فلما ظهرت بعد الطوفان صارت إلى هؤلاء المذكورين قال الواقدي كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد و يعوق على صورة فرس و نسر على صورة النسر من الطير
قوله تعالى وقد أضلوا كثيرا فيه قولان
أحدهما وقد أضلت الأصنام كثيرا من الناس أي ضلوا بسببها
والثاني وقد أضل الكبراء كثيرا من الناس ولا تزد الظالمين يعني الكافرين إلا ضلالا وهذا دعاء من نوح عليهم لما أعلمه الله أنهم لا يؤمنون
مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا
قوله تعالى مما خطيآتهم ما صلة والمعنى من خطيآتهم أي من أجلها وسببها وقرأ أبو عمرو مما خطاياهم وقرأ أبو الجوزاء والجحدري خطيأتهم من غير ألف أغرقوا فأدخلوا نارا قال ابن السائب المعنى سيدخلون في الآخرة نارا فجاء لفظ الماضي بمعنى الاستقبال لأن الوعد حق هذا قول الأكثرين وقال الضحاك فأدخلوا نارا في الدنيا وذلك أنهم كانوا يغرقون من جانب ويحترقون في الماء من جانب

قوله تعالى فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا أي لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله
قوله تعالى ديارا قال ابن قتيبة أي أحدا يقال ما بالمنازل ديار أي ما بها أحد وهو من الدار أي ليس بها نازل دارا وقال الزجاج أصلها ديوار فيعال فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى وإنما دعا عليهم نوح لأن الله تعالى أوحى إليه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن هود 36
قوله تعالى يضلوا عبادك وذلك أن الرجل منهم كان ينطلق بابنه إلى نوح فيحذره تصديقه
وقوله تعالى ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا قال المفسرون إن الله تعالى أخبر نوحا أنهم لا يلدون مؤمنا فلذلك علم الفاجر الخارج عن الطاعة
قوله تعالى رب اغفر لي ولوالدي قال الحسن وذلك أنهما كانا مؤمنين وقرأ أبو بكر الصديق وسعيد بن المسيب وابن جبير والجحدري والجوني ولوالدي ساكنة الياء على التوحيد وقرأ ابن مسعود وأبو العالية وابن يعمر والزهري والنخعي ولولدي من غير ألف على التثنية ولمن دخل بيتي وقرا حفص عن عاصم بيتي بفتح الياء وفيه ثلاثة اقوال
أحدها منزله قاله ابن عباس والثاني مسجده قاله الضحاك والثالث سفينته حكاه الثعلبي
قوله تعالى وللمؤمنين والمؤمنات هذا عام في كل من آمن ولا تزد الظالمين يعني الكافرين إلا تبارا أي هلاكا ومنه قوله تعالى تبرنا تتبيرا الفرقان 39

سورة الجن
كلها مكية بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا

قوله تعالى قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن قد ذكرنا سبب نزول هذه الآية في الأحقاف 29 وبينا هنالك سبب استماعهم ومعنى النفر وعددهم فأما قوله تعالى قرآنا عجبا فمعناه بليغا يعجب منه لبلاغته يهدي إلى الرشد أي يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان ولن نشرك بربنا أي لن نعدل بربنا أحدا من خلقه وقيل عنوا إبليس أي لا نطيعه في الشرك بالله
قوله تعالى وأنه تعالى جد ربنا اختلف القراء في اثنتي عشرة همزة في هذه السورة وهي وأنه تعالى وأنه كان يقول وأنا ظننا وأنه كان رجال وأنهم ظنوا وأنا لمسنا وأنا كنا وأنا لا ندري وأنا منا وأنا ظننا أن لن نعجز الله وأنا لما سمعنا وأنا منا ففتح الهمزة في هذه المواضع ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وحفص عن عاصم ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة مواضع و أنه تعالى وأنه كان يقول وأنه كان رجال وكسر الباقيات وقرأ الباقون بكسرهن وقال الزجاج والذي يختاره النحويون في هذه السورة أن ما كان من الوحي قيل فيه أن بالفتح وما كان من قول الجن قيل إن بالكسر معطوف على قوله تعالى إنا سمعنا قرآنا عجبا وعلى هذا يكون المعنى وقالوا إنه تعالى جد ربنا وقالوا إنه كان يقول سفيهنا فأما من فتح فذكر بعض النحويين يعني الفراء أنه معطوف على الهاء في قوله تعالى فآمنا به وبأنه تعالى جد ربنا وكذلك ما بعد هذا وهذا رديء في القياس لا يعطف على الهاء المتمكنة المخفوضة إلا بإظهار الخافض ولكن وجهه

أن يكون محمولا على معنى أمنا به فيكون المعنى وصدقنا أنه تعالى جد ربنا وللمفسرين في معنى تعالى جد ربنا سبعة أقوال
أحدها قدرة ربنا قاله ابن عباس والثاني غنى ربنا قاله الحسن والثالث جلال ربنا قاله مجاهد وعكرمة والرابع عظمة ربنا قاله قتادة والخامس أمر ربنا قاله السدي والسادس ارتفاع ذكره وعظمته قاله مقاتل والسابع ملك ربنا وثناؤه وسلطانه قاله أبو عبيدة وأنه كان يقول سفيهنا فيه قولان
أحدهما أنه إبليس قاله مجاهد وقتادة
والثاني أنه كفارهم قاله مقاتل والشطط الجور والكذب وهو وصفه بالشريك والولد ثم قالت الجن وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وقرأ يعقوب أن لن تقول بفتح القاف وتشديد الواو والمعنى ظنناهم صادقين في قولهم لله صاحبة وولد وما ظنناهم يكذبون حتى سمعنا القرآن يقول الله عز و جل وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن وذلك أن الرجل في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في قفر من الأرض قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جوار منهم حتى يصبح ومنه حديث كردم بن أبي السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فنادى يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه

يا سرحان أرسله فإذا الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة فأنزل الله على رسوله ص - وأنه كان رجال من الإنس الآية
وفي قوله تعالى فزادوهم رهقا قولان
أحدهما أن الإنس زادوا الجن رهقا لتعوذهم بهم قاله مقاتل والمعنى أنهم لما استعاذوا بسادتهم قالت السادة قد سدنا الجن والإنس
والثاني أن الجن زادوا الإنس رهقا ذكره الزجاج قال أبو عبيدة زادوهم سفها وطغيانا وقال ابن قتيبة زادوهم ضلالا واصل الرهق العيب ومنه يقال فلان يرهق في دينه
قوله تعالى وأنهم ظنوا يقول الله عز و جل ظن الجن كما ظننتم

أيها الإنس المشركون أنه لا بعث وقالت الجن وأنا لمسنا السماء أي أتيناها فوجناها ملئت حرسا شديدا وهم الملائكة الذين يحرسونها من استراق السمع وشهبا جمع شهاب وهو النجم المضيء وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع أي كنا نستمع فالآن حين حاولنا الاستماع بعد بعث محمد ص - رمينا بالشهب ومعنى رصدا قد أرصد له المرمى به وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بإرسال محمد إليهم فيكذبونه فيهلكون أم أراد بهم ربهم رشدا وهو أن يؤمنوا فيهتدوا قاله مقاتل والثاني أنه قول كفرة الجن والمعنى لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بحدوث الرجم بالكواكب أم صلاح قاله الفراء ثم أخبروا عن حالهم فقالوا وأنا منا الصالحون وهم المؤمنون المخلصون ومنا دون ذلك فيه قولان
أحدهما أنهم المشركون
والثاني أنهم أهل الشر دون الشرك كنا طرائق قددا قال الفراء أي فرقا مختلفة أهواؤنا وقال أبو عبيدة واحد الطرائق طريقة وواحد القدد قدة أي ضروبا وأجناسا ومللا قال الحسن والسدي الجن مثلكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة
قوله تعالى وأنا ظننا أي أيقنا أن لن نعجز الله في الأرض أي لن نفوته إذا أراد بنا أمرا ولن نعجزه هربا أي أنه يدركنا حيث كنا وأنا لما سمعنا الهدى وهو القرآن الذي أتى به محمد ص - آمنا به أي صدقنا أنه من عند الله عز و جل فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا أي نقصا من الثواب ولا رهقا أي ولا ظلما ومكروها يغشاه وأنا منا المسلمون قال مقاتل المخلصون لله ومنا القاسطون وهم المردة قال

ابن قتيبة القاسطون الجائرون يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل قال المفسرون هم الكافرون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا أي توخوه وأموه ثم انقطع كلام الجن قال مقاتل ثم رجع إلى كفار مكة فقال تعالى وأن لو استقاموا على الطريقة يعني طريقة الهدى وهذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وقتادة والسدي واختاره الزجاج قال لأن الطريقة ها هنا بالألف واللام معرفة فالأوجب أن تكون طريقة الهدى وذهب قوم إلى أن المراد بها طريقة الكفر قاله محمد بن كعب والربيع والفراء وابن قتيبة وابن كيسان فعلى القول الأول يكون المعنى لو آمنوا لوسعنا عليهم لنفتنهم أي لنختبرهم فيه فننظر كيف شكرهم والماء الغدق الكثير وإنما ذكر الماء مثلا لأن الخير كله يكون بالمطر فأقيم مقامه إذ كان سببه وعلى الثاني يكون المعنى لو استقاموا على الكفر فكانوا كفارا كلهم لأكثرنا لهم المال لنفتنهم فيه عقوبة واستدارجا ثم نعذبهم على ذلك وقيل لأكثرنا لهم الماء فأغرقناهم كقوم نوح ومن يعرض عن ذكر ربه يعني القرآن يسلكه قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر نسلكه بالنون وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء عذابا صعدا قال ابن قتيبة أي عذابا شاقا يقال تصعدني الأمر إذا شق علي ومنه قول عمر ما تصعدني شيء ما تصعدني خطبة النكاح ونرى أصل هذا كله من الصعود لأنه شاق فكني به عن المشقات وجاء في التفسير أنه جبل في النار يكلف صعوده وسنذكره عند قوله تعالى سأرهقه

صعودا المدثر 17 إن شاء الله تعالى
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا واقل عددا قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا
قوله تعالى وأن المساجد لله فيها أربعة أقوال
أحدها أنها المساجد التي هي بيوت الصلوات قاله ابن عباس قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا فأمر الله عز و جل المسلمين أن يخلصوا له إذا دخلوا مساجدهم
والثاني الأعضاء التي يسجد عليها العبد قاله سعيد بن جبير وابن الأنباري وذكره الفراء فيكون المعنى لا تسجدوا عليها لغيره

والثالث أن المراد بالمساجد ها هنا البقاع كلها قاله الحسن فيكون المعنى أن الأرض كلها مواضع للسجود فلا تسجدوا عليها لغير خالقها
والرابع أن المساجد السجود فإنه جمع مسجد يقال سجدت سجودا ومسجدا كما يقال ضربت في الأرض ضربا ومضربا ثم يجمع فيقال المساجد والمضارب قال ابن قتيبة فعلى هذا يكون واحدها مسجدا بفتح الجيم والمعنى أخلصوا له ولا تسجدا لغيره ثم رجع إلى ذكر الجن فقال تعالى وأنه لما قام عبد الله يعني محمدا ص - يدعوه أي يعبده وكان يصلي ببطن نخلة على ما سبق بيانه في الأحقاف 29 كادوا يكونون عليه لبدا قرأ الأكثرون لبدا بكسر اللام وفتح الباء وقرأ هشام عن ابن عامر وابن محيصن لبدا بضم اللام وفتح الباء مع تخفيفها قال الفراء ومعنى القراءتين واحد يقال لبدة ولبدة قال الزجاج والمعنى كاد يركب بعضهم بعضا ومنه اشتقاق اللبد الذي يفترش وكل شيء أضفته إلى شيء فقد لدبته وقرأ قوم منهم الحسن والجحدري لبدا بضم اللام مع تشديد الباء قال الفراء فعلى هذه القراءة يكون صفة للرجال كقولك ركعا وركوعا وسجدا وسجودا قال الزجاج هو جمع لابد مثل راكع وركع وفي معنى الآية ثلاثة أقوال
أحدها أنه إخبار الله تعالى عن الجن يحكي حالهم والمعنى أنه لما قام يصلي كاد الجن لازدحامهم عليه يركب بعضهم بعضا حرصا على سماع القرآن رواه عطية عن ابن عباس
والثاني أنه من قول الجن لقومهم لما رجعوا إليهم فوصفوا لهم طاعة أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم وائتمامهم به في الركوع والسجود فكأنهم قالوا

لما قام يصلي كاد أصحابه يكونون عليه لبدا وهذا المعنى في رواية ابن جبير عن ابن عباس
والثالث أن المعنى لما قام رسول الله ص - بالدعوة تلبدت الإنس والجن وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به قاله الحسن وقتادة وابن زيد
قوله تعالى قل إنما أدعو ربي قرأ عاصم وحمزة قل إنما أدعو ربي بغير ألف وقرأ الباقون قال على الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال مقاتل إن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم إنك جئت بأمر عظيم لم يسمع بمثله فارجع عنه فنزلت هذه الآية
قوله تعالى قل لا أملك لكم ضرا أي لا أدفعه عنكم ولا أسوق إليكم رشدا أي خيرا أي إن الله تعالى يملك ذلك لا أنا قل إني لن يجيرني من الله أحد أي إن عصيته لم يمنعني منه أحد وذلك أنهم قالوا اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك ولن أجد من دونه ملتحدا وقد بيناه في الكهف 27 إلا بلاغا من الله فيه وجهان ذكرهما الفراء
أحدهما أنه استثناء من قوله تعالى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا أن أبلغكم
والثاني لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالته وبالأول قال ابن السائب

وبالثاني قال مقاتل وقال بعضهم المعنى لن يجيرني من عذاب الله إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت فذلك البلاغ هو الذي يجيرني ومن يعص الله ورسوله بترك الإيمان والتوحيد
قوله تعالى حتى إذا رأوا يعني الكفار ما يوعدون من العذاب في الدنيا وهو القتل وفي الآخرة فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا أي جندا ونصرا أهم أم المؤمنون قل إن أدري أي ما أدري أقريب ما توعدون من العذاب أم يجعل له ربي أمدا أي غاية وبعدا وذلك لأن علم الغيب لله وحده فلا يظهر أي فلا يطلع على غيبه الذي يعلمه أحدا من الناس إلا من ارتضى من رسول لأن من الدليل على صدق الرسل إخبارهم بالغيب والمعنى أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه وفي هذا دليل على أن من زعم أن النجوم تدل على الغيب فهو كافر ثم ذكر أنه يحفظ ذلك الذي يطلع عليه الرسول فقال تعالى فإنه يسلك من بين يديه أي

من بين يدي الرسول ومن خلفه رصدا أي يجعل له حفظة من الملائكة يحفظون الوحي من أن تسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكهنة فيتكلون به قبل أن يخبر النبي صلى الله عليه و سلم الناس وقال الزجاج يسلك من بين يدي الملك ومن خلفه رصدا وقيل يسلك من بين يدي الوحي فالرصد من الملائكة يدفعون الشياطين عن أن تستمع ما ينزل من الوحي
قوله تعالى ليعلم فيه خمسة أقوال
أحدها ليعلم محمد صلى الله عليه و سلم أن جبرائيل قد بلغ إليه قاله ابن جبير
والثاني ليعلم محمد صلى الله عليه و سلم أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم وأن الله قد حفظها فدفع عنها قاله قتادة
والثالث ليعلم مكذبوا الرسل أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم قاله مجاهد
والرابع ليعلم الله عز و جل ذلك موجودا ظاهرا يجب به الثواب فهو كقوله تعالى ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم آل عمران 142 قاله ابن قتيبة
والخامس ليعلم النبي أن الرسل قد أتته ولم تصل إلى غيره ذكره الزجاج وقرأ رويس عن يعقوب ليعلم بضم الياء على ما لم يسم فاعله وقال ابن قتيبة ويقرأ لتعلم بالتاء يريد لتعلم الجن أن الرسل قد بلغت عن آلههم بما رجوا من استراق السمع وأحاط بما لديهم أي علم الله ما عند الرسل وأحصى كل شيء عددا فلم يفته شيء حتى الذر والخردل

سورة المزمل
وهي مكية كلها بإجماعهم
إلا أنه قد روي عن ابن عباس أنه قال سوى آيتين منها قوله تعالى واصبر على ما يقولون والتي بعدها المزمل 10 1 وقال ابن يسار ومقاتل فيها آية مدنية وهي قوله تعالى إن ربك يعلم أنك تقوم المزمل 20 بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا

قوله تعالى يا أيها المزمل وقرأ أبي بن كعب وأبو العالية وأبو مجلز وأبو عمران والأعمش المتزمل بإظهار التاء وقرأ عكرمة وابن يعمر المزمل بحذف التاء وتخفيف الزاي قال اللغويون المزمل المتلف في ثيابه واصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي فثقلت وكل من التف بثوبه فقد تزمل قال الزجاج وإنما أدغمت فيها لقربها منها قال المفسرون وكان النبي صلى الله عليه و سلم يتزمل في ثياه في أول ما جاء جبريل فرقا منه حتى أنس به وقال السدي كان قد تزمل للنوم وقال مقاتل خرج من البيت وقد لبس ثياه فناداه جبريل يا أيها المزمل وقيل أريد به متزمل النبوة قال عكرمة في معنى هذه الآية زملت هذا الأمر فقم به وقيل إنما لم يخاطب بالنبي والرسول ها هنا لأنه لم يكن قد بلغ وإنما كان في بدء الوحي
قوله تعالى قم الليل أي للصلاة وكان قيام الليل فرضا عليه إلا قليلا نصفه هذا بدل من الليل كا تقول ضربت زيدا رأسه فإنا ذكرت زيدا لتوكيد الكلام لأنه أوكد من قولك ضربت رأس زيد والمعنى قم من الليل النصف إلا قليلا أو انقص منه قليلا أي من النصف أو زد عليه أي على النصف قال المفسرون انقص من النصف إلى الثلث أو زد عليه إلى الثلثين فجعل له سعة في مدة قيامه إذ لم تكن محدودة فكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين فشق ذلك عليه وعليهم فكان الرجل لا يدري كم صلى وكم بقي من الليل فكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله تعالى إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل الآية هذا مذهب جماعة من المفسرين وقالوا ليس في القرآن

سورة نسخ آخرها أولها سوى هذه السورة وذهب قوم إلى أنه نسخ قيام الليل في حقه بقوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك الإسراء 79 ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس وقيل نسخ عن الأمة وبقي عليه فرضه أبدا وقيل إنما كان مفروضا عليه دونهم وفي مدة فرضه قولان
أحدهما سنة قال ابن عباس كان بين أول المزمل وآخرها سنة
والثاني ستة عشر شهرا حكاه الماوردي
قوله تعالى ورتل القرآن قد ذكرنا الترتيل في الفرقان 32
قوله تعالى إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا وهو القرآن وفي معنى ثقله ستة أقوال
أحدها أنه كان يثقل عليه إذا أوحي إليه وهذا قول عائشة قالت ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه يعني يتخلص عنه

وإن جبينه ليتفصد عرقا
والثاني أن العمل به ثقيل في فروضه وأحكامه قاله الحسن وقتادة
والثالث أنه يثقل في الميزان يوم القيامة قاله ابن زيد
والرابع أنه المهيب كما يقال للرجل العاقل هو رزين راجح قاله عبد العزيز بن يحيى
والخامس أنه ليس بالخفيف ولا السفساف لأنه كلام الرب عز و جل قاله الفراء
والسادس أنه قول له وزن في صحته وبيانه ونفعه كما تقول هذا كلام رصين وهذا قول وزن إذا استجدته ذكره الزجاج
قوله تعالى إن ناشئة الليل قال ابن مسعود وابن عباس هي قيام الليل بلسان الحبشة وهل هي في وقت مخصوص من الليل أم في جميعه فيه قولان
أحدهما أنها في جميع الليل وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال الليل كله ناشئة وإلى هذا ذهب اللغويون قال ابن قتيبة ناشئة الليل

ساعاته الناشئة من نشأت إذا ابتدأت وقال الزجاج ناشئة الليل ساعات الليل كل ما نشأ منه أي كل ما حدث وقال أبو علي الفارسي كأن المعنى إن صلاة ناشئة أو عمل ناشئة الليل
والثاني أنها في وقت مخصوص من الليل ثم فيه خمسة أقوال
أحدها أنها ما بين المغرب والعشاء قاله أنس بن مالك
والثاني أنها القيام بعد النوم وهذا قول عائشة وابن الأعرابي وقد نص عليه أحمد في رواية المرودي
والثالث أنها ما بعد العشاء قاله الحسن ومجاهد وقتادة وأبو مجلز
والرابع أنها بدء الليل قاله عطاء وعكرمة
والخامس أنها القيام من آخر الليل قاله يمان وابن كيسان
قوله تعالى هي أشد وطا قرأ ابن عامر وأبو عمرو وطاء بكسر الواو مع المد وهو مصدر واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطاء واراد أن القراءة في الليل يتواطأ فيها قلب المصلي ولسانه وسمعه على التفهم للقرآن والإحكام لتأويله ومنه قوله تعالى ليواطئوا عدة ما حرم الله التوبة 37 وقرأ الباقون وطأ بفتح الواو مع القصر والمعنى إنه أثقل على المصلي من ساعات النهار من قول العرب اشتدت على القوم وطأة السلطان إذا ثقل عليهم ما يلزمهم ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم اللهم اشدد وطأتك على مضر ذكر معنى القراءتين ابن قتيبة وقرأ ابن محيصن أشد وطاء بفتح الواو والطاء وبالمد

قوله تعالى وأقوم قيلا أي أخلص للقول وأسمع له لأن الليل تهدأ فيه الأصوات فتخلص القراءة ويفرغ القلب لفهم التلاوة فلا يكون دون سمعه وتفهمه حائل
قوله تعالى إن لك في النهار سبحا طويلا أي فراغا لنومك وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك قاله ابن عباس وعطاء وقرأ علي وابن مسعود وابو عمران وابن أبي عبلة سبخا بالخاء المعجمة قال الزجاج ومعناها في اللغة صحيح يقال قد سبخت القطن بمعنى نفشته ومعنى نفشته وسعته فيكون المعنى إن لك في النهار توسعا طويلا
قوله تعالى واذكر اسم ربك أي بالنهار أيضا وتبتل إليه تبتيلا قال مجاهد أخلص له إخلاصا وقال ابن قتيبة انقطع إليه من قولك بثلت الشيء إذا قطعته وقال الزجاج انقطع إليه في العبادة ومنه قيل لمريم البتول لأنها انقطعت إلى الله تعالى في العبادة وكذلك صدقة بتلة منقطعة من مال المصدق والأصل في مصدر تبتل تبتلا وإنما قوله تعالى تبتيلا محمول على معنى تبتل رب المشرق قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم رب بالرفع وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم بالكسر وما بعد هذا قد سبق الشعراء 28 إلى قوله تعالى واصبر على ما يقولون من التكذيب لك والأذى واهجرهم هجرا جميلا لا جزع فيه وهذه الآية عند المفسرين منسوخة بآية السيف وذرني والمكذبين أي لا تهتم بهم فأنا أكفيكهم أولي النعمة يعني التنعم وفيمن عني بهذا ثلاثة أقوال
أحدها أنهم المطعمون ببدر قاله مقاتل بن حيان

والثاني أنهم بنو المغيرة بن عبد الله قاله مقاتل بن سليمان
والثالث أنهم المستهزئون وهم صناديد قريش حكاه الثعلبي
قوله تعالى ومهلهم قليلا قالت عائشة فلم يكن إلا اليسير حتى كانت وقعة بدر وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف وليس بصحيح
قوله تعالى إن لدينا أنكالا وهي القيود واحدها نكل وقد شرحنا معنى الجحيم في البقرة 119 وطعاما ذا غصة وهو الذي لا يسوغ في الحلق وفيه للمفسرين أربعة أقوال
أحدها أنه شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج قاله ابن عباس وعكرمة والثاني الزقوم قاله مقاتل والثالث الضريع قاله الزجاج والرابع الزقوم والغسلين والضريع حكاه الثعلبي
قوله تعالى يوم ترجف الأرض قال الزجاج هو منصوب بقوله تعالى إن لدينا أنكالا والمعنى ينكل الكافرين ويعذبهم يوم ترجف الأرض أي تزلزل وتحرك أغلظ حركة
قوله تعالى وكانت الجبال قال مقاتل المعنى وصارت بعد الشدة والقوة كثيبا قال الفراء الكثيب الرمل والمهيل الذي ترحك أسفله فينهال عليكم من أعلاه والعرب تقول مهيل ومهيول ومكيل ومكيول وقال الزجاج الكثيب جمعه كثبان وهي القطع العظام من الرمل والمهيل السائل
قوله تعالى إنا أرسلنا إليكم يعني أهل مكة رسولا يعني محمدا صلى الله عليه و سلم

شاهدا عليكم بالتبليغ وإيمان من آمن وكفر من كفر كما أرسلنا إلى فرعون رسولا وهو موسى عليه السلام والوبيل الشديد قال ابن قتيبة هو من قولك استوبلت المكان إذا استوخمته ويقال كلأ مستوبل أي لا يستمرأ قال الزجاج الوبيل الثقيل الغليظ جدا ومنه قيل للمطر العظيم وابل قال مقاتل والمراد بهذا الأخذ الوبيل الغرق وهذا تخويف لكفار مكة أن ينزل بهم العذاب لتكذيبهم كما نزل بفرعون
قوله تعالى فكيف تتقون إن كفرتم يوما أي عذاب ويوم قال الزجاج المعنى بأي شيء تتحصنون من عذاب يوم من هوله يشيب الصغير من غير كبر وقرأ أبي بن كعب وأبو عمران نجعل الولدان بالنون
قوله تعالى السماء منفطر به قال الفراء السماء تذكر وتؤنث وهي ها هنا في وجه التذكير قال الشاعر ... فلو رفع السماء إليه قوما ... لحقنا بالسماء مع السحاب ...
قال الزجاج وتذكير السماء على ضربين
أحدهما على أن معنى السماء معنى السقف
والثاني على قولهم امرأة مرضع على جهة النسب فالمعنى السماء ذات انفطار كما أن المرضع ذات الرضاع وقال ابن قتيبة ومعنى الآية السماء منشق به أي فيه يعني في ذلك اليوم

قوله تعالى كان وعده مفعولا وذلك أنه وعد بالبعث فهو كائن لا محالة
إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم
إن هذه يعني آيات القرآن تذكرة أي تذكير وموعظة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا بالإيمان والطاعة
قوله تعالى إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى أي أقل من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة بفتح الفاء والثاء والباقون بكسرهما
قوله تعالى وطائفة من الذين معك يعني المؤمنين والله يقدر الليل والنهار يعلم مقاديرهما فيعلم القدر الذي تقومون به من الليل علم أن لن تحصوه وفيه قولان
أحدهما لن تطيقوا قيام ثلثي الليل ولا ثلث الليل ولا نصف الليل قاله مقاتل

والثاني لن تحفظوا مواقيت الليل قاله الفراء فتاب عليكم أي عاد عليكم بالمغفرة والتخفيف فاقرؤوا ما تيسر عليكم من القرآن يعني في الصلاة من غير أن يوقت وقتا وقال الحسن هو ما يقرأ في صلاة المغرب والعشاء ثم ذكر أعذارهم فقال تعالى علم أن سيكون منكم مرضى فلا يطيقون قيام الليل وآخرون يضربون في الأرض وهم المسافرون للتجارة يبتغون من فضل الله أي من رزقه فلا يطيقون قيام الليل وآخرون يقاتلون في سبيل الله وهم المجاهدون فلا يطيقون قيام الليل وفاقرؤوا ما تيسر من القرآن وذكروا أن هذا نسخ عن المسلمين بالصلوات الخمس فذلك قوله تعالى وأقيموا الصلاة أي الصلوات الخمس في أوقاتها وأقرضوا الله قرضا حسنا وقد سبق بيانه الحديد 18 قال ابن عباس يريد سوى الزكاة في صلة الرحم وقرى الضيف وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله أي تجدوا ثوابه في الآخرة هو خيرا قال أبو عبيدة المعنى تجدوه خيرا قال الزجاج ودخلت هو فصلا وقال المفسرون ومعنى خيرا أي

أفضل مما أعطيتم وأعظم أجرا من الذي تؤخرونه إلى وقت الوصية عند الموت

سورة المدثر
وهي مكية بإجماعهم
وقال مقاتل فيها من المدني آية وهي قوله تعالى وما جعلنا عدتهم إلا فتنة المدثر 31
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر وما أدرك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملئكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من

يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر
فأما سبب نزولها فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو في الهواء يعني جبريل عليه السلام فأقبلت إلى خديجة فقلت دثروني دثروني فأنزل الله عز و جل يا أيها المدثر قم فأنذر قال المفسرون فلما رأى جبريل وقع مغشيا عليه فلما أفاق دخل إلى خديجة ودعا بماء فصبه عليه وقال دثروني فدثروه بقطيفة فأتاه جبريل فقال يا أيها المدثر وقرأ أبي بن كعب وابو عمران والأعمش المتدثر بإظهار التاء وقرأ أبو رجاء وعكرمة وابن يعمر المدثر بحذف التاء وتخفيف الدال قال اللغويون وأصل المدثر المتدثر فأدغمت التاء كما ذكرنا في المتزمل وهذا في قول الجمهور من التدثير بالثياب وقيل المعنى يا أيها المدثر بالنبوة وأثقالها قال عكرمة دثرت هذا الأمر فقم به

قوله تعالى قم فأنذر كفار مكة العذاب إن لم يوحدوا وربك فكبر أي عظمه عما يقول عبدة الأوثان وثيابك فطهر فيه ثمانية أقوال
أحدها لا تلبسها على معصية ولا على غدر قال غيلان بن سلمة الثقفي ... وإني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنع ...
روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس
والثاني لا تكن ثيابك من مكسب غير طاهر روي عن ابن عباس أيضا
والثالث طهر نفسك من الذنب قاله مجاهد وقتادة ويشهد له قول عنترة ... فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم ...
أي نفسه وهذا مذهب ابن قتيبة قال المعنى طهر نفسك من الذنوب فكنى عن الجسم بالثياب لأنها تشتمل عليه قالت ليلى الأخيلية وذكرت إبلا ... رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلا النعام المنفرا ...
أي ركبوها فرموها بأنفسهم والعرب تقول للعفاف إزار لأن العفيف كأنه استتر لما عف

والرابع وعملك فأصلح قاله الضحاك
والخامس خلقك فحسن قاله الحسن والقرظي
والسادس وثيابك فقصر وشمر قاله طاووس
والسابع قلبك فطهر قاله سعيد بن جبير ويشهد له قول امرئ القيس ... فإن يك قد ساءتك مني خليقة ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل ...
أي قلبي من قلبك
والثامن اغسل ثيابك بالماء ونقها قاله ابن سيرين وابن زيد
قوله تعالى والرجز فاهجر قرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة وعاصم إلا أبا بكر ويعقوب وابن محصين وابن السميفع والرجز بضم الراء والبقاون بكسرها ولم يختلفوا في غير هذا الموضع قال الزجاج ومعنى القراءتين واحد وقال أبو علي قراءة الحسن بالضم وقال هو اسم صنم وقال قتادة صنمان إساف ونائلة ومن كسر فالوجز العذاب فالمعنى ذو العذاب فاهجر
وفي معنى الرجز للمفسرين ستة أقوال
أحدها أنه الأصنام والأوثان قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والزهري والسدي وابن زيد

والثاني أنه الإثم روي عن ابن عباس أيضا
والثالث الشرك قاله ابن جبير والضحاك
والرابع الذنب قاله الحسن
والخامس العذاب قاله ابن السائب قال الزجاج الرجز في اللغة العذاب ومعنى الآية اهجر ما يؤدي إلى عذاب الله
والسادس الشيطان قاله ابن كيسان ولا تمنن تستكثر فيه أربعة أقوال
أحدها لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة قال المفسرون معناه أعط لربك وأرد به الله فأدبه بأشرف الآداب ومعنى لا تمنن لا تعط شيئا من مالك لتعطى أكثر منه وهذا الأدب للنبي صلى الله عليه و سلم خاصة وليس على أحد من أمته إثم أن يهدي هدية يرجو بها ثوابا أكثر منها
والثاني لا تمنن بعملك تستكثره على ربك قاله الحسن
والثالث لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه قاله مجاهد
والرابع لا تمنن على الناس بالنبوة لتأخذ عليها منهم أجرا قاله ابن زيد

ولربك فيه أربعة أقوال
أحدها لأجل ربك والثاني لثواب ربك والثالث لأمر ربك والرابع لوعد ربك فاصبر فيه قولان
أحدهما على طاعته وفرائضه والثاني على الأذى والتكذيب
قوله تعالى فإذا نقر في الناقور أي نفخ في الصور وهل هذه النفخة هي الأولى أو الثانية فيه قولان فذلك يومئذ يوم عسير أي يعسر الأمر فيه على الكافرين غير يسير غير هين ذرني قد شرحناه في المزمل 11 ومن خلقت أي ومن خلقته وحيدا فيه قولان
أحدهما خلقته وحيدا في بطن أمه لا مال له ولا ولد قاله مجاهد
والثاني خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد قاله الزجاج قال ابن عباس جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله فقال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا قال فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له قال وماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني فوالله ما يشبهها الذي يقول والله إن لقوله حلاوة وإن عليه طلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلوا ولا يعلى قال لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال فدعني حتى أفكر فيه فقال هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت ذرني ومن خلقت وحيدا الآيات كلها وقال مجاهد قال الوليد لقريش إن لي إليكم

حاجة فاجتمعوا في دار الندوة فقال إنكم ذوو أحساب وأحلام وإن العرب يأتونكم وينطلقون من عندكم على أمر مختلف فأجمعوا على شيء واحد ما تقولون في هذا الرجل قالوا نقول إنه شاعر فعبس عندها وقال قد سمعنا الشعر فما يشبه قوله الشعر فقالوا نقول إنه كاهن قال إذن يأتونه فلا يجدونه يحدث بما يحدث به الكهنة قالوا نقول إنه مجنون قال إذن يأتونه فلا يجدونه مجنونا فقالوا نقول إنه ساحر قال وما الساحر قالوا بشر يحببون بين المتباغضين ويبغضون بين المتحابين قال فهو ساحر فخرجوا لا يلقى أحد منهم النبي إلا قال يا ساحر فاشتد ذلك عليه فأنزل الله عز و جل يا أيها المدثر إلى قوله تعالى إن هذا إلا سحر يؤثر وذكر بعض المفسرين أن قوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا منسوخ بآية السيف ولا يصح
قوله تعالى وجعلت له مالا ممدودا في معنى الممدود ثلاثة أقوال
أحدها كثيرا قاله أبو عبيدة والثاني دائما قاله ابن قتيبة والثالث غير منقطع قاله الزجاج
وللمفسرين في مقداره أربعة أقوال
أحدها غلة شهر بشهر قاله عمر بن الخطاب
والثاني ألف دينار قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير قال الفراء

نرى أن الممدود جعل غاية للعدد لأن ألف غاية للعدد يرجع في أول العدد من الألف
والثالث أربعة آلاف قاله قتادة
والرابع أنه بستان كان له بالطائف لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا قاله قاتل
قوله تعالى وبنين شهودا أي حضروا معه لا يحتاجون إلى التصرف والسفر فيغيبوا عنه وفي عددهم أربعة أقوال
أحدها عشرة قاله مجاهد وقتادة والثاني ثلاثة عشر قاله ابن جبير والثالث اثنا عشر قاله السدي والرابع سبعة قاله مقاتل ومهدت له تمهيدا أي بسطت له العيش وطول العمر ثم يطمع أن أزيد فيه قولان أحدهما يطمع أن أدخله الجنة قاله الحسن والثاني أن أزيده من المال والولد قاله مقاتل
قوله تعالى كلا أي لا أفعل فمنعه الله المال والولد حتى مات فقيرا إنه كان لآياتنا عنيدا أي معاندا
وفي المراد بالآيات هنا ثلاثة أقوال
أحدها أنه القرآن قاله ابن جبير والثاني الحق قاله مجاهد والثالث رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله السدي
وقوله تعالى سأرهقه صعودا قال الزجاج سأحمله على مشقة من العذاب وقال غيره سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها وقال ابن قتيبة الصعود

العقبة الشاقة وكذلك الكؤود وفي حديث أبي سعيد عن نبي الله صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى سأرهقه صعودا قال جبل من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع رجله عليها ذابت فإذا رفعها عادت يصعد سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا وذكر ابن السائب أنه جبل من صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها حتى إذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها فذلك دأبه أبدا يجذب من أمامه سلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع الحديد فيصعدها في أربعين سنة
قوله تعالى إنه فكر أي تفكر ماذا يقول في القرآن وقدر القول في نفسه فقتل أي لعن كيف قدر ثم قتل كيف قدر أي لعن على أي حال قدر ما قدر من الكلام وقيل كيف ها هنا بمعنى التعجب والإنكار والتوبيخ وإنما كرر تأكيدا ثم نظر في طلب ما يدفع به القرآن ويرده ثم عبس وبسر قال اللغويون أي كره وجهه وقطب يقال بسر الرجل وجهه أي قبضه وأنشدوا لتوبة

وقد رابني منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتي وبسورها ...
قال المفسرون كره وجهه ونظر بكراهية شديدة كالمهتم المتفكر في الشيء ثم أدبر عن الإيمان واستكبر أي تكبر حين دعي إليه فقال إن هذا أي ما هذا القرآن إلا سحر يؤثر أي يروى عن السحرة إن هذا إلا قول البشر أي من كلام الإنس وليس من كلام الله تعالى فقال الله تعالى سأصليه سقر أي سأدخله النار وقد ذكر سقر في سورة القمر 48 وما أدراك ما سقر لعظم شأنها لا تبقي ولا تذر أي لا تبقي لهم لحما إلا أكلته ولا تذرهم إذا أعيدوا خلقا جديدا لواحة أي مغيرة يقال لاحته الشمس أي غيرته وأنشدوا ... يا ابنة عمي لاحني الهواجر ...
ابن مسعود وابن السميفع وابن أبي عبلة لواحة بالنصب وفي البشر قولان
أحدهما أنه جمع بشرة وهي جلدة الإنسان الظاهرة وهذا قول مجاهد والفراء والزجاج
والثاني أنهم الإنس من أهل النار قاله الأخفش وابن قتيبة في آخرين
قوله تعالى عليها تسعة عشر وهم خزانها مالك ومعه ثمانية عشر أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين

منكبي أحدهم مسيرة سنة يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر قد نزعت منهم الرحمة فلما نزلت هذه الآية قال أبو جهل يخوفكم محمد بتسعة عشر أما له من الجنود إلا هؤلاء أيعجز كل عشرة منكم أن يبطش بواحد منهم ثم يخرجون من النار فقال أبو الأشدين قال مقاتل اسمه أسيد بن كلدة وقال غيره كلدة بن خلف الجمحي يا معشر قريش أنا أمشي بين أيديكم فأرفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر فندخل الجنة فأنزل الله تعالى وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة لا أدميين فمن يطيقهم ومن يغلبهم وما جعلنا عدتهم في هذه القلة إلا فتنة أي ضلالة للذين كفروا حتى قالوا ما قالوا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب أن ما جاء به محمد حق لأن عدتهم في التوارة تسعة عشر ويزداد الذين آمنوا من أهل الكتاب إيمانا أي تصديقا بمحمد صلى الله عليه و سلم إذ وجدوا ما يخبرهم موافقا لما في كتابهم ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون أي ولا يشك هؤلاء في عدد الخزنة وليقول الذين في قلوبهم مرض وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه النفاق ذكره الأكثرون
والثاني أنه الشك قاله مقاتل وزعم أنهم يهود أهل المدينة وعنده أن هذه الآية مدنية

والثالث أنه الخلاف قاله الحسين بن الفضل وقال لم يكن بمكة نفاق وهذه مكية فأما الكافرون فهم مشركو العرب ماذا أراد الله أي أي شيء أراد الله بهذا الحديث والخبر مثلا والمثل يكون بمعنى الحديث نفسه ومعنى الكلام يقولون ما هذا من الحديث كذلك أي كما أضل من انكر عدد الخزنة وهدى من صدق يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وأنزل في قول ابي جهل أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر وما يعلم جنود ربك إلا هو يعني من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار وذلك أن لكل واحد من هؤلاء التسعة عشر من الأعوان ما لا يعلمه إلا الله وذكر الماوردي في وجه الحكمة في كونهم تسعة عشر قولا محتملا فقال التسعة عشر عدد يجمع أكثر القليل وأقل الكثير لأن الآحاد أقل الأعداد وأكثرها تسعة وما سوى الآحاد كثير وأقل الكثير عشرة فوقع الاقتصار على عدد يجمع أقل الكثير وأكثر القليل ثم رجع إلى ذكر النار فقال تعالى وما هي إلا ذكرى أي ما النار في الدنيا إلا مذكرة لنار الآخرة كلا أي حقا والقمر والليل إذ أدبر قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم إذا أدبر وقرأ نافع وحمزة وحفص والفضل عن عاصم ويعقوب إذ بسكون الذال من غير ألف بعدها أدبر بسكون الدال وبهمزة قبلها وهل عنى القراءتين واحد أم لا فيه قولان
أحدهما أنهما لغتان بمعنى واحد يقال دبر الليل وأدبر ودبر الصيف وأدبر هذا قول الفراء والأخفش وثعلب

والثاني أن دبر بمعنى خلف وأدبر بمعنى ولى يقال دبرني فلان جاء خلفي وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيدة وابن قتيبة
قوله تعالى إذا أسفر أي أضاء وتبين إنها يعني سقر لإحدى الكبر قال ابن قتيبة الكبر جمع كبرى مثل الأول والأولى والصغر والصغرى وهذا كما يقال إنها لإحدى العظائم قال الحسن والله ما أنذر الله بشيء أوهى منها
وقال ابن السائب ومقاتل أراد بالكبر دركات جهنم السبعة
قوله تعالى نذيرا للبشر قال الزجاج نصب نذيرا على الحال والمعنى إنها لكبيرة في حالة الإنذار وذكر النذير لأن معناه معنى العذاب ويجوز أن يكون نذيرا منصوبا متعلقا بأول السورة على معنى قم نذيرا للبشر
قوله تعالى لمن شاء منكم بدل من قوله تعالى للبشر أن يتقدم أو يتأخر فيه أربعة أقوال
أحدها أن يتقدم في طاعة الله أو يتأخر عن معصيته قاله ابن جريج
والثاني أن يتقدم إلى النار أو يتأخر عن الجنة قاله السدي
والثالث أن يتقدم في الخير أو يتأخر إلى الشر قاله يحيى بن سلام
والرابع أن يتقدم في الإيمان أو يتأخر عنه والمعنى أن الإنذار قد حصل لكل أحد ممن أقر أو كفر

كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتنا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة
قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة فيه ثلاثة أقوال
أحدها كل نفس بالغة مرتهنة بعملها لتحاسب عليه إلا أصحاب اليمين وهم أطفال المسلمين فإنه لا حساب عليهم لأنه لا ذنوب لهم قاله علي واختاره الفراء
والثاني كل نفس من أهل النار مرتهنة في النار إلا أصحاب اليمين وهم المؤمنون فإنهم في الجنة قاله الضحاك
والثالث كل نفس مرتهنة بعملها لتحاسب عليه إلا أصحاب اليمين فإنهم لا يحاسبون قاله ابن جريج
قوله تعالى يتساءلون عن المجرمين قال مقاتل إذا خرج أهل التوحيد من النار قال المؤمنون لمن بقي في النار ما سلككم في سقر قال المفسرون سلككم بمعنى أدخلكم وقال مقاتل ما حبسكم فيها قالوا لم نك من المصلين لله في دار الدنيا ولم نك نطعم المسكين أي لم نتصدق لله وكنا نخوض مع الخائضين أهل الباطل والتكذيب وكنا نكذب بيوم الدين أي بيوم الجزاء والحساب حتى أتانا اليقين وهو الموت يقول الله تعالى فما تننعهم

شفاعة الشافعين وهذا إنما جرى بعد شفاعة الأنبياء والملائكة والشهداء والمؤمنين وهذا يدل على نفع الشفاعة لمن آمن فما لهم عن التذكرة معرضين يعني كفار قريش حين نفروا من القرآن والتذكير بمواعظه والمعنى لا شيء لهم في الآخرة إذ أعرضوا عن القرآن فلم يؤمنوا به ثم شبههم في نفورهم عنه بالحمر فقال تعالى كأنهم حمر مستنفرة قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر والمفضل عن عاصم بفتح الفاء والباقون بكسرها قال أبو عبيدة وابن قتيبة من قرأ بفتح الفاء أراد مذعورة استنفرت فنفرت ومن قرأ بكسر الفاء أراد نافرة قال الفراء أهل الحجاز يقولون حمر مستنفرة وناس من العرب يكسرون الفاء والفتح أكثر في كلام العرب وقراءتنا بالكسر أنشدني الكسائي ... احبس حمارك إنه مستنفر ... في إثر أحمرة عمدن لغرب ...
وغرب موضع
وفي القسورة سبعة أقوال
أحدها أنه الأسد رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس وبه قال أبو هريرة وزيد بن أسلم وابنه قال ابن عباس الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت منه فكذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبي صلى الله عليه و سلم هربوا منه

وإلى هذا ذهب أبو عبيدة والزجاج قال ابن قتيبة كأنه من القسر والقهر فالأسد يقهر السباع
والثاني أن القسورة الرماة رواه عطاء عن ابن عباس وبه قال أبو موسى الأشعري ومجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل وابن كيسان
والثالث أن القسروة حبال الصيادين رواه عكرمة عن ابن عباس
والرابع أنهم عصب الرجال رواه أبو همزة عن ابن عباس واسم ابي حمزة نصر بن عمران الضبعي
والخامس أنه ركز الناس وهذا في رواية عطاء أيضا عن ابن عباس وركز الناس حسهم وأصواتهم
والسادس أنه الظلمة والليل قاله عكرمة
والسابع أنه النبل قاله قتادة
قوله تعالى يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ثلاثة أقوال
أحدها أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم إن سرك أن نتبعك فليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله تعالى إلى فلان بن فلان يؤمر فيه باتباعك قاله الجمهور
والثاني أنهم أرادوا براءة من النار أن لا يعذبوا بها قاله أبو صالح
والثالث أنهم قالوا كان الرجل إذا أذنب في بني إسرائيل وجده مكتوبا إذا أصبح في رقعة فما بالنا لا نرى ذلك فنزلت هذه الآية قاله الفراء فقال الله تعالى كلا أي لا يؤتون الصحف بل لا يخافون الآخرة أي لا يخشون عذابها والمعنى أنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات بعد قيام

الدلالة كلا أي حقا وقيل معنى كلا ليس الأمر كما يريدون ويقولون إنه تذكرة أي تذكير وموعظة فمن شاء ذكره الهاء عائدة على القرآن فالمعنى فمن شاء أن يذكر القرآن ويتعظ به ويفهمه ذكره ثم رد المشيئة إلى نفسه فقال تعالى وما يذكرون إلا أن يشاء الله أي إلا أن يريد لهم الهدى هو أهل التقوى أي أهل أن يتقى وأهل المغفرة أي أهل أن يغفر لمن تاب روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه تلا هذه الآية فقال قال ربكم عز و جل أنا أهل أن أتقى فلا يشرك بي غيري وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي غيري أن أغفر له

سورة القيامة
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بيوم القيمة ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسئل أيان يوم القيمة فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنساني يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره
قوله تعالى لا أقسم اتفقوا على أن المعنى أقسم واختلفوا في لا فجعلها بعضهم زائدة كقوله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب الحديد 29 وجعلها بعضهم ردا على منكري البعث ويدل عليه أنه أقسم على كون البعث قال ابن قتيبة زيدت لا على نية الرد على المكذبين كما تقول لا والله ما ذاك ولو حذفت جاز ولكنه أبلغ في الرد وقرأ ابن كثير إلا ابن فليح لأقسم بغير ألف بعد اللام فجعلت لاما دخلت على أقسم وهي قراءة ابن عباس وأبي عبد الرحمن والحسن ومجاهد وعكرمة

وابن محيصن قال الزجاج من قرأ لأقسم فاللام لام القسم والتوكيد وهذه القراءة بعيدة في العربية لأن لام القسم لا تدخل على الفعل المستقبل إلا مع النون تقول لأضربن زيدا ولا يجوز لأضرب زيدا
قوله تعالى ولا أقسم بالنفس اللوامة قال الحسن أقسم بالأولى ولم يقسم بالثانية وقال قتادة حكمها حكم الأولى
وفي النفس اللوامة ثلاثة اقوال
أحدها أنها المذمومة قاله ابن عباس فعلى هذا هي التي تلوم نفسها حين لا ينفعها اللوم
والثاني أنها النفس المؤمنة قاله الحسن قال لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه على كل حال
والثالث أنها جميع النفوس قال الفراء ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قال هلا زدت وإن كانت عملت سوءا قال ليتني لم أفعل
قوله تعالى أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه المراد بالإنسان ها هنا الكافر وقال ابن عباس يريد أبا جهل وقال مقاتل عدي بن ربيعة وذلك أنه قال أيجمع الله هذه العظام فقال النبي صلى الله عليه و سلم له نعم فاستهزأ

منه فنزلت هذه الآية قال ابن الأنباري وجواب القسم محذوف كأنه لتبعثن لتحاسبن فدل قوله تعالى أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه على الجواب فحذف
قوله تعالى بلى وقف حسن ثم يبتدأ قادرين على معنى بلى نجمعها قادرين ويصلح نصب قادرين على التكرير بل فليحسبنا قادرين على أن نسوي بنانه وفيه قولان
أحدهما أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحد كخف البعير وحافر الحمار فيعدم الاتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة هذا قول الجمهور

والثاني نقدر على أن نسوي بنانه كما كانت وإن صغرت عظامها ومن قدر على جمع صغار العظام كان على جمع كبارها أقدر هذا قول ابن قتيبة والزجاج وقد بينا معنى البنان في الأنفال 12
قوله تعالى بل يريد الإنسان ليفجر أمامه فيه قولان
أحدهما يكذب بما أمامه من البعث والحساب قاله ابن عباس
والثاني يقدم الذنب ويؤخر التوبة ويقول سوف أتوب قاله سعيد بن جبير فعلى هذا يكون المراد بالإنسان المسلم وعلى الأول الكافر
قوله تعالى يسأل أيان يوم القيامة أي متى هو تكذيبا به وهذا هو الكافر فإذا برق البصر قرأ أهل المدينة وأبان عن عاصم برق بفتح الراء والباقون بكسرها قال الفراء العرب تقول برق البصر يبرق وبرق يبرق إذا رأى هولا يفزع منه وبرق أكثر وأجود قال الشاعر ... فنفسك فانع ولا تنعنى ... وداو الكلوم ولا تبرق

بالفتح يقول لا تفزع من هول الجراح التي بك قال المفسرون يشخص بصر الكافر يوم القيامة فلا يطرف لما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا وقال مجاهد برق البصر عند الموت
قوله تعالى وخسف القمر قال أبو عبيدة كسف وخسف بمعنى واحد أي ذهب ضوؤه
قوله تعالى وجمع الشمس والقمر إنما قال جمع لتذكير القمر هذا قول أبي عبيدة وقال الفراء إنما لم يقل جمعت لأن المعنى جمع بينهما وفي معنى الآية قولان
أحدهما جمع بين ذاتيهما وقال ابن مسعود جمعا كالبعيرين القرينين وقال عطاء بن يسار يجمعان ثم يقذفان في البحر وقيل يقذفان في النار وقيل يجمعان فيطلعان من المغرب
والثاني جمع بينهما في ذهاب نورهما قاله الفراء والزجاج
قوله تعالى يقول الإنسان يعني المكذب بيوم القيامة أين المفر قرأ الجمهور بفتح الميم والفاء وقرأ ابن عباس ومعاوية وأبو رزين وأبو عبد الرحمن والحسن وعكرمة والضحاك وابن يعمر وابن أبي عبلة

بكسر الفاء قال الزجاج فمن فتح فالمعنى أين الفرار ومن كسر فالمعنى أين مكان الفرار تقول جلست مجلسا بالفتح يعني جلوسا فإذا قلت مجلسا بالكسر فأنت تريد المكان
قوله تعالى كلا لا وزر قال ابن قتيبة لا ملجأ واصل الوزر الجبل الذي يمتنع فيه إلى ربك يومئذ المستقر أي المنتهى والمرجع
ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر فيه ستة أقوال
أحدها بما قدم قبل موته وما سن من شيء فعمل به بعد موته قاله ابن مسعود وابن عباس
والثاني ينبأ بأول عمله وآخره قاله مجاهد
والثالث بما قدم من الشر وأخر من الخير قاله عكرمة
والرابع بما قدم من فرض وأخر من فرض قاله الضحاك
والخامس بما قدم من معصية وأخر من طاعة
والسادس بما قدم من أمواله وما خلف للورثة قاله زيد بن أسلم
قوله تعالى بل الإنسان على نفسه بصيرة قال الفراء المعنى بل على الإنسان من نفسه بصيرة أي رقباء يشهدون عليه بعمله وهي الجوارح قال ابن قتيبة فلما كانت جوارحه منه أقامها مقامه وقال أبو عبيدة جاءت الهاء في بصيرة في صفة الذكر كما جاءت في رجل راوية و طاغية وعلامة
قوله تعالى ولو ألقى معاذيره في المعاذير قولان
أحدهما أنه جمع عذر فالمعنى لو اعتذر وجادل عن نفسه فعليه من يكذب عذره وهي الجوارح وهذا قول الأكثرين

والثاني أن المعاذير جمع معذار وهو الستر والمعاذير الستور فالمعنى ولو أرخى ستوره هذا قول الضحاك والسدي والزجاج فيخرج في معنى ألقى قولان
أحدهما قال ومنه فألقوا إليهم القول النحل 36 وهذا على القول الأول
والثاني أرخى وهذا على القول الثاني
لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة
قوله تعالى لا تحرك به لسانك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي ص - يعالج من التنزيل شدة وكان يشتد عليه حفظه وكان إذا نزل عليه الوحي يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي مخافة أن لا يحفظه فأنزل الله تعالى هذه الآية ومعناها لا تحرك بالقرآن لسانك لتعجل بأخذه إن علينا جمعه وقرآنه قال ابن قتيبة أي ضمه وجمعه في صدرك فإذا قرأناه أي جمعناه فاتبع قرآنه أي جمعه قال المفسرون

يعني اقرأ إذا فرغ جبريل من قراءته قال ابن عباس فاتبع قرآنه أي اعمل به وقال قتادة فاتبع حلاله وحرامه ثم إن علينا بيانه فيه أربعة أقوال
أحدها نبينه بلسانك فتقرؤه كما أقرأك جبريل وكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله قاله ابن عباس
والثاني إن علينا أن نجزي به يوم القيامة بما فيه من وعد ووعيد قاله الحسن
والثالث إن علينا بيان ما فيه من الأحكام والحلال والحرام قاله قتادة
والرابع علينا أن ننزله قرآنا عربيا فيه بيان للناس قاله الزجاج
قوله تعالى كلا قال عطاء أي لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وبيانه وقال ابن جرير المعنى ليس الأمر كما تقولون من أنكم لا تبعثون ولكن دعاكم إلى قيل ذلك محبتكم للعاجلة
قوله تعالى بل تحبون العاجلة قرأ ابن كثير وأبو عمرو بل يحبون العاجلة ويذرون بالياء فيهما وقرأ الباقون بالتاء فيهما والمراد كفار مكة يحبونها ويعملون لها ويذرون الآخرة أي يتركون العمل لها إيثارا للدنيا عليها
قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة أي مشرقة بالنعيم إلي ربها ناظرة روى عطاء عن ابن عباس قال إلى الله ناظرة قال الحسن حق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق وهذا مذهب عكرمة ورؤية الله عز و جل

حق لا شك فيها والأحاديث فيها صحاح قد ذكرت جملة منها في المغنى والحدائق
قوله تعالى ووجوه يومئذ باسرة قال ابن قتيبة أي عابسة مقطبة
قوله تعالى تظن قال الفراء أي تعلم والفاقرة الداهية قال ابن قتيبة إنه من فقارة الظهر كأنها تكسره يقال فقرت الرجل إذا كسرت فقاره كما يقال رأسته إذا ضربت رأسه وبطنته إذا ضربت بطنه قال ابن زيد والفاقرة دخول النار قال ابن السائب هي أن تحجب عن ربها فلا تنظر إليه
كلا إذ بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أيحسب الإنسان أن يترك سدى الم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى
قوله تعالى كلا قال الزجاج كلا ردع وتنبيه المعنى ارتدعوا

عما يؤدي إلى العذاب وقال غيره معنى كلا لا يؤمن الكافر بهذا
قوله تعالى إذا بلغت يعني النفس وهذه كناية عن غير مذكور والتراقي العظام المكتنفة لنقرة النحر عن يمين وشمال وواحدة التراقي ترقوة ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشفاء على الموت وقيل من راق فيه قولان
أحدهما أنه قول الملائكة بعضهم لبعض من يرقى روحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس وبه قال أبو العالية ومقاتل
والثاني أنه قول أهله هل من راق يرقيه بالرقى وهو مروي عن ابن عباس أيضا وبه قال عكرمة والضحاك وابو قلابة وقتادة وابن زيد وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج
قوله تعالى وظن أي ايقن الذي بلغت روحه التراقي أنه الفراق للدنيا والتفت الساق بالساق فيه خمسة أقوال
أحدها أمر الدنيا بأمر الآخرة رواه الوالبي عن ابن عباس وبه قال مقاتل
والثاني اجتمع فيه الحياة والموت قاله الحسن وعن مجاهد كالقولين
والثالث التفت ساقاه في الكفن قاله سعيد بن المسيب
والرابع التفت ساقاه عند الموت قاله الشعبي

والخامس الشدة بالشدة قاله قتادة قال الزجاج آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة
قوله تعالى إلى ربك يومئذ المساق أي إلى الله المنتهى فلا صدق ولا صلى قال أبو عبيدة لا ها هنا في موضع لم قال المفسرون هو أبو جهل ولكن كذب وتولى عن الإيمان ثم ذهب إلى أهله يتمطى أي رجع إليهم يتبختر ويختال قال الفراء يتمطى أي يتبختر لأن الظهر هو المطا فيلوي ظهره متبخترا وقال ابن قتيبة أصله يتمطط فقلبت الطاء فيه ياء كما قيل يتظنى واصله يتظنن ومنه المشية المطيطاء واصل الطاء في هذا كله دال إنما هو مد يده في المشي إذا تبختر يقال مططت ومددت بمعنى
قوله تعالى أولى لك فأولى قال ابن قتيبة هو تهديد ووعيد وقال الزجاج العرب تقول أولى لفلان إذا دعت عليه بالمكروه ومعناه وليك المكروه يا أبا جهل
قوله تعالى أيحسب الإنسان يعني أبا جهل أن يترك سدى قال ابن قتيبة أي يهمل فلا يؤمر ولا ينهى ولا يعاقب يقال أسديت الشيء أي أهملته ثم دل على البعث بقوله تعالى ألم يك نطفة من مني يمنى قرأ أبن كثير ونافع وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم تمنى بالتاء وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم ويعقوب يمنى بالياء وعن

أبو عمرو كالقراءتين وقد شرحنا هذا في النجم 24 ثم كان علقة بعد النطفة فخلق فيه الروح وسوى خلقه فجعل منه أي خلق من مائه أولادا ذكورا وإناثا اليس ذلك الذي فعل هذا بقادر وقرأ أبو بكر الصديق وأبو رجاء وعاصم الجحدري يقدر على أن يحيي الموتى وهذا تقرير لهم أي إن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة قال ابن عباس إذا قرأ أحدكم هذه الآية فليقل اللهم بلى

سورة الدهر
سورة هل أتى ويقال لها سورة الإنسان
وفيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها مدنية كلها قاله الجمهور منهم مجاهد وقتادة
والثاني مكية قاله ابن يسار ومقاتل وحكي عن ابن عباس
والثالث أن فيها مكيا ومدنيا ثم في ذلك قولان
أحدهما أن المكي منها آية وهو قوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا وباقيها جميعه مدني قاله الحسن وعكرمة
والثاني أن أولها مدني إلى قوله تعالى إنا نحن نزلنا عليك القرآن الإنسان 24 ومن هذه الآية إلى آخرها مكي حكاه الماوردي
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا
قوله تعالى هل أتى قال الفراء معناه قد أتى وهل تكون خبرا وتكون جحدا فهذا من الخبر لأنك تقول هل وعظتك هل

أعطيتك فتقرره بأنك قد فعلت ذلك والجحد أن تقول وهل يقدر أحد على مثل هذا وهذا قول المفسرين وأهل اللغة وفي هذا الإنسان قولان
أحدهما أنه آدم عليه السلام والحين الذي أتى عليه أربعون سنة وكان مصورا من طين لم ينفخ فيه الروح هذا قول الجمهور
والثاني أنه جميع الناس روي عن ابن عباس وابن جريج فعلى هذا يكون الإنسان اسم جنس ويكون الحين زمان كونه نطفة وعلقة ومضغة
قوله تعالى لم يكن شيئا مذكورا المعنى أنه كان شيئا غير أنه لم يكن مذكورا
قوله تعالى إنا خلقنا الإنسان يعني ولد آدم من نطفة أمشاج قال ابن قتيبة أي أخلاط يقال مشجته فهو مشيج يريد اختلاط ماء المرأة بماء الرجل
قوله تعالى نبتليه قال الفراء هذا مقدم ومعناه التأخير لأن المعنى خلقناه وجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه قال الزجاج المعنى جعلناه كذلك لنختبره وقوله تعالى إنا هديناه السبيل أي بينا له سبيل الهدى بنصب الأدلة وبعث الرسول إما شاكرا أي خلقناه إما شاكرا وإما كفورا قال

الفراء بينا له الطريق إن شكر أو كفر
إنا اعتدنا للكافرين سلاسل واغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقهم الله شر ذلك اليوم ولقهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الآرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدورها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورآءهم يوما ثقيلا نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا

أمثالهم تبديلا إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما
قوله تعالى إنا اعتدنا للكافرين سلاسلا قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة سلاسل بغير تنوين ووقفوا بألف ووقف أبو عمرو بألف قال مكي بن أبي طالب النحوي سلاسل و قوارير أصله ان لا ينصرف ومن صرفه من القراء فإنها لغة لبعض العرب وقيل إنما صرفه لأنه وقع في المصحف بالألف فصرفه لاتباع خط المصحف قال مقاتل السلاسل في أعناقهم والأغلال في أيديهم وقد شرحنا معنى السعير في النساء 10
قوله تعالى إن الأبرار واحدهم بر وبار وهم الصادقون وقيل المطيعون وقال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر يشربون من كأس أي من إناء فيه شراب كان مزاجها يعني مزاج الكأس كافورا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه الكافور المعروف قاله مجاهد ومقاتل فعلى هذا في المراد بالكافور ثلاثة أقوال أحدها برده قاله الحسن والثاني ريحه قاله قتادة والثالث طعمه قاله السدي
والثاني أنه اسم عين في الجنة قاله عطاء وابن السائب
والثالث أن المعنى مزاجها كالكافور لطيب ريحه أجازه الفراء والزجاج
قوله تعالى عينا قال الفراء هي المفسرة للكافور وقال الأخفش هي منصوبة على معنى أعني عينا وقال الزجاج الأجود أن يكون المعنى من عين يشرب بها فيه ثلاثة أقوال

أحدها يشرب منها والثاني يشربها والباء صلة والثالث يشرب بها عباد الله الخمر يمزجونها بها وفي هذه العين قولان
أحدهما أنها الكافور الذي سبق ذكره
والثاني التسنيم و عباد الله ها هنا أولياؤه يفجرونها تفجيرا قال مجاهد يقودونها إلى حيث شاؤوا من الجنة قال الفراء حيث ما أحب الرجل من أهل الجنة فجرها لنفسه
قوله تعالى يوفون بالنذر قال الفراء فيه إضمار كانوا يوفون بالنذر وفيه قولان
أحدهما يوفون بالنذر إذا نذروا في طاعة الله قاله مجاهد وعكرمة
والثاني يوفون بما فرض الله عليهم قاله قتادة ومعنى النذر في اللغة الإيجاب فالمعنى يوفون بالواجب عليهم ويخافون يوما كان شره مستطيرا قال ابن عباس فاشيا وقال ابن قتيبة فاشيا منتشرا يقال استطار الحريق إذا انتشر واستطار الفجر إذا انتشر الضوء وانشدوا للأعشى ... فبانت وقد أسأرت في الفؤا ... د صدعا على نأيها مستطيرا

وقال مقاتل كان شره فاشيا في السموات فانشقت وتناثرت الكواكب وفزعت الملائكة وكورت الشمس والقمر في الأرض ونسفت الجبال وغارت المياه وتكسر كل شيء على وجه الأرض من جبل وبناء وفشا شر يوم القيامة فيها
قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه اختلفوا فيمن نزلت على قولين
أحدهما نزلت في علي بن أبي طالب آجر نفسه ليسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى اصبح فلما قبض الشعير طحن ثلثه واصلحوا منه شيئا يأكلونه فلما استوى أتى مسكين فأخرجوه إليه ثم عمل الثلث الثاني فلما تم أتى يتيم فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي فلما استوى جاء أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك فنزلت هذه الآيات رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني أنها نزلت في أبي الدحداح الأنصاري صام يوما فلما أراد أن يفطر جاء مسكين ويتيم وأسير فأطعمهم ثلاثة أرغفة وبقي له ولأهله رغيف واحد فنزلت فيهم هذه الآية قاله مقاتل

وفي هاء الكناية في قوله تعالى على حبه قولان
أحدهما ترجع إلى الطعام فكأنهم كانوا يؤثرون وهم محتاجون إليه وهذا قول ابن عباس ومجاهد والزجاج والجمهور
والثاني ترجع إلى الله تعالى قاله الداراني وقد سبق معنى المسكين واليتيم البقرة 83 وفي السير أربعة أقوال
أحدها أنه المسجون من أهل القبلة قاله عطاء ومجاهد وابن جبير والثاني أنه الأسير المشرك قاله الحسن وقتادة والثالث المرأة قاله

أبو حمزة الثمالي والرابع العبد ذكره الماوردي
فصل
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية تضمنت مدحهم على إطعام الأسير المشرك قال وهذا منسوخ بآية السيف وليس هذا القول لبشيء فإن في إطعام الأسير المشرك ثوابا وهذا محمول على صدقة التطوع فأما الفرض فلا يجوز صرفه إلى الكفار ذكره القاضي أبو يعلى
قوله تعالى إنما نطعمكم لوجه الله أي لطلب ثواب الله قال مجاهد وابن جبير أما إنهم ما تكلموا بهذا ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب
قوله تعال لا نريد منكم جزاء أي بالفعل ولا شكورا بالقول إنا نخاف من ربنا يوما أي ما في يوم عبوسا قال ابن قتيبة أي تعبس فيه الوجوه فجعله من صفة اليوم كقوله تعالى في يوم عاصف ابراهيم أراد عاصف الريح فأما القمطرير فروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنه الطويل وروى عنه العوفي أنه قال هو الذي يقبض فيه الرجل ما بين عينيه فعلى هذا يكون اليوم موصوفا بما يجري فيه كما قلنا في العبوس لأن اليوم لا يوصف بتقبيض ما بين العينين وقال مجاهد وقتادة

القمطرير الذي يقلص الوجوه ويقبض الحياة وما بين العين من شدته وقال الفراء هو الشديد يقال يوم قمطرير ويوم قماطر وأنشدني بعضهم ... بني عمنا هل تذكرون بلاءنا ... عليكم إذا ما كان يوم قماطر ...
وقال أبو عبيدة العبوس والمقطرير والقماطر والعصيب والعصبصب أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء
قوله تعالى فوقاهم الله شر ذلك اليوم بطاعتهم في الدنيا ولقاهم نضرة أي حسنا وبياضا في الوجوه وسرورا لا انقطاع له وقال الحسن النضرة في الوجوه والسرور في القلوب وجزاهم بما صبروا على طاعته وعن معصيته جنة وحريرا وهو لباس أهل الجنة متكئين فيها قال الزجاج هو منصوب على الحال أي جزاهم جنة في حال اتكائهم فيها وقد شرحنا هذا في الكهف 31
قوله تعالى لا يرون فيها شمسا فيؤذيهم حرها ولا زمهريرا وهو البرد الشديد والمعنى لا يجدون فيها الحر والبرد وحكي عن ثعلب أنه قال الزمهرير القمر وأنشد ... وليلة ظلامها قد اعتكر ... قطعتها والزمهرير ما زهر ...
أي لم يطلع القمر

قوله تعالى ودانية قال الفراء المعنى وجزاهم جنة ودانية عليهم ظلالها أي قريبة منهم ظلال أشجارها وذللت قطوفها تذليلا قال ابن عباس إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت إليه حتى يتناول ما يريد وقال غيره قربت إليهم مذللة كيف شاؤوا فهم يتناولونها قياما وقعودا ومضطجعين فهو كقوله تعالى قطوفها دانية الحاقة 23 فأما الأكواب فقد شرحناها في الزخرف 71 كانت قواريرا أي تلك الأكواب هي قوارير ولكنها من فضة قال ابن عباس لو ضربت فضة الدنيا حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم ير الماء من ورائها وقوارير الجنة من فضة في صفاء القارورة وقال الفراء وابن قتيبة هذا على التشبيه المعنى كأنها من فضة أي لها بياض كبياض الفضة وصفاء كصفاء القوارير وكان نافع والكسائي وابو بكر عن عاصم يقرؤون قواريرا قواريرا فيصلونهما جميعا بالتنوين ويقفون عليهما بالألف وكان ابن عامر وحمزة يصلانهما جميعا بغير تنوين ويقفان عليهما بغير ألف وكان ابن كثير يصل الأول بالتنوين ويقف عليه بالألف ويصل الثاني بغير تنوين ويقف بغير ألف وروى حفص عن عاصم أنه كان يقرأ سلاسل و قوارير قوارير يصل الثلاثة بغير تنوين ويقف على الثلاثة بالألف وكان أبو عمرو يقرأ الأول قواريرا فيقف عليه بالألف ويصل بغير تنوين وقال الزجاج الاختيار عند النحويين أن لا يصرف قوارير لأن كل جمع يأتي بعد ألفه حرفان لا ينصرف ومن قرأ قواريرا يصرف الأول علامة رأس آية وترك صرف الثاني لأنه ليس بآخر آية ومن صرف الثاني أتبع اللفظ اللفظ لأن العرب ربما قلبت إعراب

الشيء لتتبع اللفظ اللفظ كما قالوا جحر ضب خرب وإنما الخرب من نعت الجحر
قوله تعالى قدروها تقديرا وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو عمران والجحدري وابن يعمر قدروها برفع القاف وكسر الدال وتشديدها وقرأ حميد وعمرو بن دينار قدروها بفتح القاف والدال وتخفيفها
ثم في معنى الآية قولان
أحدهما قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروا قاله الحسن وقال الزجاج جعل الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه على تقديرهم
والثاني قدروها على مقدار لا يزيد ولا ينقص قاله مجاهد وقال غيره قدر الكأس على قدر ريهم لا يزيد عن ريهم فيثقل الكف ولا ينقص منه فيطلب الزيادة وهذا ألذ الشراب فعلى هذا القول يكون الضمير في قدروا للسقاة والخدم وعلى الأول للشاربين
قوله تعالى ويسقون فيها يعني في الجنة كأسا كان مزاجها زنجبيلا والعرب تضرب المثل بالزنجبيل والخمر ممزوجين قال المسيب بن علس يصف فم امرأة ... فكأن طعم الزنجبيل به ... إذ ذقته وسلافة الخمر

وقال آخر ... كأن القرنفل والزنجبي ... ل باتا بفيها وأريا مشارا ...
العسل والمشار المستخرج من بيوت النحل قال مجاهد والزنجبيل اسم العين التي منها شراب الأبرار وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال الزنجبيل معرب وقال الدينوري ينبت في أرياف عمان وهي عروق تسري في الأرض وليس بشجرة تؤكل رطبا وأجود ما يحمل من بلاد الصين قال الزجاج وجائز أن يكون فيها طعم الزنجبيل والكلام فيه كالكلام السابق في الكافور وقيل شراب الجنة عل برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك
قوله تعالى عينا فيها قال الزجاج يسقون عينا وسلسبيل اسم العين إلا أنه صرف لأنه رأس آية وهو في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة فكأن العين وصفت وسميت بصفتها وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال قوله تعالى تسمى سلسبيلا قيل هو اسم أعجمي نكرة فلذلك انصرف وقيل هو اسم معرفة إلا أنه أجري لأنه رأس آية وعن مجاهد قال حديدة الجرية وقيل سلسبيل سلس ماؤها مستقيد لهم وقال ابن الأنباري السلسبيل صفة للماء لسلسه وسهولة مدخله في الحلق يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل وحكى الماوردي أن عليا قال المعنى سل سبيلا إليها ولا يصح

قوله تعالى ويطوف عليهم ولدان مخلدون قد سبق بيانه الواقعة 17 إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا أي في بياض اللؤلؤ وحسنه واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظرا وإنما شبهوا باللؤلؤ المنثور لانتشارهم في الخدمة ولو كانوا صفا لشبهوه بالمنظوم وإذا رأيت ثم يعني الجنة رأيت نعيما لا يوصف وملكا كبيرا أي عظيما واسعا لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه ولا يدخل عليهم ملك إلا باستئذان
قوله تعالى عاليهم قرأ أهل المدينة وحمزة والمفضل عن عاصم بإسكان الياء وكسر الهاء وقرأ الباقون بفتح الياء إلا أن الجعفي عن أبي بكر قرأ عاليتهم بزيادة تاء مضمومة وقرأ أنس بن مالك ومجاهد وقتادة عليهم بفتح اللام وإسكان الياء من غير تاء ولا ألف
قال الزجاج فأما تفسير إعراب عاليهم بإسكان الياء فيكون رفعه بالابتداء ويكون الخبر ثياب سندس وأما عاليهم بفتح الياء فنصبه على الحال من شيئين أحدهما من الهاء والميم والمعنى يطوف على الأبرار ولدان مخلدون عاليا للأبرار ثياب سندس لأنه وصف احوالهم في الجنة فيكون المعنى يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء ويجوز أن يكون حالا من الولدان المعنى إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب وأما عاليتهم فقد قرئت بالرفع وبالنصب وهما وجهان جيدان في العربية إلا أنهما يخالفان المصحف فلا أرى القراءة بهما وتفسيرها كتفسير عاليهم
قوله تعالى ثياب سندس خضر قرأ ابن عامر وأبو عمرو خضر رفعا وإستبرق خفضا وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم خضر

خفضا وإستبرق رفعا وقرأ نافع وحفص عن عاصم خضر وإستبرق كلاهما بالرفع وقرأ حمزة والكسائي خضر وإستبرق كلاهما بالخفض قال الزجاج من قرأ خضر بالرفع فهو نعت الثياب ولفظ الثياب لفظ الجمع ومن قرأ خضر فهو من نعت السندس والسندس في المعنى راجع إلى الثياب ومن قرأ واستبرق فهو نسق على ثياب المعنى وعليهم إستبرق ومن خفض عطفه على السندس فيكون المعنى عليهم ثياب من هذين النوعين وقد بينا في الكهف 31 معنى السندس والإستبرق والأساور
قوله تعالى وسقاهم ربهم شرابا طهورا فيه قولان
أحدهما لا يحدثون ولا يبولون عن شرب خمر الجنة قاله عطية
والثاني لأن خمر الجنة طاهرة وليست بنجسة كخمر الدنيا قاله الفراء وقال أبو قلابة يؤتون بعد الطعام بالشراب الطهور فيشربون فتضمر بذلك بطونهم ويفيض من جلودهم عرق مثل ريح المسك
قوله تعالى إن هذا يعني ما وصف من نعيم الجنة كان لكم جزاء بأعمالكم وكان سعيكم أي عملكم في الدنيا بطاعته مشكورا قال عطاء يريد شكرتكم عليه وأثبتكم أفضل الثواب إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا أي فصلناه في الإنزال فلم ننزله جملة واحدة فاصبر لحكم ربك وقد سبق بيانه في مواضع الطور 48 والقلم 48 والمفسرون يقولون هذا منسوخ بآية السيف ولا يصح ولا تطع منهم أي من مشركي أهل مكة آثما أو كفورا أو بمعنى الواو كقوله تعالى أو الحوايا الأنعام 146 وقد سبق هذا وللمفسرين في المراد بالآثم والكفور ثلاثة أقوال

أحدها أنهما صفتان لأبي جهل والثاني أن الآثم عتبة بن ربيعة والكفور الوليد بن المغيرة والثالث الآثم الوليد والكفور عتبة وذلك أنهما قالا له ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج واذكر اسم ربك أي اذكره بالتوحيد في الصلاة بكرة يعني الفجر وأصيلا يعني العصر وبعضهم يقول صلاة الظهر والعصر ومن الليل فاسجد له يعني المغرب والعشاء وسبحه ليلا طويلا وهي صلاة الليل كانت فريضة عليه وهي لأمته تطوع إن هؤلاء يعني كفار مكة يحبون العاجلة أي الدار العاجلة وهي الدنيا ويذرون وراءهم أي أمامهم يوما ثقيلا أي عسيرا شديدا والمعنى أنهم يتركون الإيمان به والعمل له ثم ذكر قدرته فقال تعالى نحن خلقناهم وشددنا أسرهم أي خلقهم قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والفراء وابن قتيبة والزجاج قال ابن قتيبة يقال امرأة حسنة الأسر أي حسنة الخلق كأنها أسرت أي شدت واصل هذا من الإسار وهو القد الذي تشد به الأقتاب يقال ما أحسن ما أسر قتبه أي ما أحسن ما شده بالقد وروي عن أبي هريرة قال مفاصلهم وعن الحسن قال أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب وإذا شئنا بدلنا أمثالهم أي إن شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم إن هذه تذكرة قد شرحنا الآية في المزمل 19
قوله تعالى وما تشاؤون إيجاد السبيل إلا أن يشاء الله ذلك لكم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وما يشاؤون بالياء

قوله تعالى يدخل من يشاء في رحمته قال المفسرون الرحمة ها هنا الجنة والظالمين المشركون قال أبو عبيدة نصب الظالمين بالجوار المعنى ولا يدخل الظالمين في رحمته وقال الزجاج إنما نصب الظالمين لأن قبله منصوبا المعنى يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين ويكون قوله تعالى أعد لهم تفسيرا لهذا المضمر وقرأ أبو العالية وابو الجوزاء وابن أبي عبلة والظالمون رفعا

سورة المرسلات
مكية كلها في قول الجمهور
وحكي عن ابن عباس وقتادة ومقاتل أن فيها آية مدنية وهي قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون المرسلات 48
بسم الله الرحمن الرحيم
والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا إنما توعدون لواقع فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت وإذا الجبال نسفت وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدرك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي شامخات واسقيناكم ماء فراتا ويل يومئذ للمكذبين انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالت صفر ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن

لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فيكدون ويل يومئذ للمكذبين إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إنا كذلك نجزي المحسنين ويل يومئذ للمكذبين كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده يؤمنون
قوله تعالى والمرسلات عرفا فيه أربعة أقوال
أحدها أنها الرياح يتبع بعضها بعضا رواه أبو العبيدين عن ابن مسعود والعوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة
والثاني أنها الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه رواه مسروق عن ابن مسعود وبه قال أبو هريرة ومقاتل وقال الفراء هي الملائكة
فأما قوله تعالى عرفا فيقال أرسلت بالمعروف ويقال تتابعت كعرف الفرس والعرب تقول يركب الناس إلى فلان عرفا واحدا إذا توجهوا إليه فأكثروا قال ابن قتيبة يريد أن الملائكة متتابعة بما ترسل به وأصله من عرف الفرس لأنه سطر مستو بعضه في إثر بعض فاستعير للقوم يتبع بعضهم بعضا

والثالث أنهم الرسل بما يعرفون به من المعجزات وهذا معنى قول أبي صالح ذكره الزجاج
والرابع الملائكة والريح قاله أبو عبيدة قال ومعنى عرفا يتبع بعضها بعضا يقال جاؤوني عرفا وفي العاصفات قولان
أحدهما أنها الرياح الشديدة الهبوب قاله الجمهور
والثاني الملائكة قاله مسلم بن صبيح قال الزجاج تعصف بروح الكافر وفي الناشرات خمسة أقوال
أحدها أنها الرياح تنشر السحاب قاله ابن مسعود والجمهور
والثاني الملائكة تنشر الكتب قاله أبو صالح
والثالث الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد قاله الضحاك
والرابع البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح قاله الربيع
والخامس المطر ينشر النبات حكاه الماوردي

وفي الفارقات أربعة أقوال
أحدها الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل قاله الأكثرون
والثاني آي القرآن فرقت بين الحلال والحرام قاله الحسن وقتادة وابن كيسان
والثالث الريح تفرق بين السحاب فتبدده قاله مجاهد
والرابع الرسل حكاه الزجاج
فالملقيات ذكرا قولان
أخدهما الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء وهذا مذهب ابن عباس وقتادة والجمهور
والثاني الرسل يلقون ما أنزل عليهم إلى الأمم قاله قطرب
قوله تعالى عذرا أو نذرا قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم عذرا خفيفا أو نذرا مثقلا وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص وخلف عذرا أو نذرا خفيفتان قال الفراء وهو مصدر مثقلا كان أو مخففا ونصبه على معنى أرسلت بما أرسلت به إعذارا من الله وإنذارا وقال الزجاج المعنى فالملقيات عذرا أو نذرا ويجوز أن يكون المعنى فالملقيات ذكرا للإعذار والإنذار وهذه المذكورات مجرورات بالقسم وجواب القسم إنما توعدون لواقع قال المفسرون

إن ما توعدون به من أمر الساعة والبعث والجزاء لواقع أي لكائن ثم ذكر متى يقع فقال تعالى فإذا النجوم طمست أي محي نورها وإذا السماء فرجت أي شقت وإذا الجبال نسفت قال الزجاج أي ذهب بها كلها بسرعة يقال انتسفت الشيء إذا أخذته بسرعة
قوله تعالى وإذا الرسل أقتت قرأ أبو عمر وقتت بواو مع تشديد القاف ووافقه أبو جعفر إلا أنه خفف القاف وقرأ الباقون أقتت بألف مكان الواو مع تشديد القاف قال الزجاج وقتت وأقتت بمعنى واحد فمن قرأ أقتت بالهمز فإنه أبدل الهمزة من الواو لانضمام الواو وكل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة جاز أن تبدل منها همزة وقال الفراء الواو إذا كانت أول حرف وضمت همزت تقول صلى القوم أحدانا وهذه اجوه حسان ومعنى أقتت جمعت لوقتها يوم القيامة وقال ابن قتيبة جمعت لوقت وهو يوم القيامة وقال الزجاج جعل لها وقت واحد لفصل القضاء بين الأمة
قوله تعالى لأي يوم أجلت أي أخرت وضرب الأجل لجمعهم يعجب العباد من هول ذلك اليوم ثم بينه فقال تعالى ليوم الفصل وهو يوم يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق ثم عظم ذلك اليوم بقوله وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين بالبعث ثم أخبر الله تعالى عما فعل بالأمم المكذبة فقال ألم نهلك الأولين يعني بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم ثم نتبعهم الآخرين والقراء على رفع العين في نتبعهم وقد قرأ قوم منهم أبو حيوة بإسكان العين قال الفراء نتبعهم مرفوعة ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود وسنتبعهم الآخرين ولو جزمت

على معنى ألم نقدر على إهلاك الأولين وإتباعهم الآخرين كان وجها جيدا وقال الزجاج الجزم عطف على نهلك ويكون المعنى لمن أهلك أولا وآخرا والرفع على معنى ثم نتبع الأول الآخر من كل مجرم وقال مقاتل ثم نتبعهم الآخرين يعني كفار مكة حين كذبوا بالنبي صلى الله عليه و سلم وقال ابن جرير الأولون قوم نوح وعاد وثمود والآخرون قوم إبراهيم ولوط ومدين
قوله تعالى كذلك أي مثل ذلك نفعل بالمجرمين يعني المكذبين
فإن قيل ما الفائدة في تكرار قوله تعالى ويل يومئذ للمكذبين
فالجواب أنه أراد بكل آية منها غير ما أراد بالأخرى لأنه كلما ذكر شيئا قال ويل يومئذ للمكذبين بهذا
قوله تعالى ألم نخلقكم قرأ قالون عن نافع بإظهار القاف وقرأ الباقون بإدغامها
قوله تعالى من ماء مهين أي ضعيف فجعلناه في قرار مكين يعني الرحم إلى قدر معلوم وهو مدة الحمل فقدرنا قرأ أهل المدينة والكسائي فقدرنا بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف وهل بينهما فرق
فيه قولان
أحدهما أنهما لغتنان بمعنى واحد قال الفراء تقول العرب قدر عليه وقدر عليه وقد احتج من قرأ بالتخفيف فقال لو كانت مشددة لقال فنعم المقدرون فأجاب الفراء فقال قد تجمع العرب بين اللغتين كقوله تعالى فمهل الكافرين أمهلهم رويدا الطارق 17 قال الشاعر

وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا ...
يقول ما أنكرت إلا ما يكون في الناس
والثاني أن المخففة من القدرة والملك والمشددة من التقدير والقضاء ثم بين لهم صنعه ليعتبروا فيوجدوه فقال تعالى ألم نجعل الأرض كفاتا قال اللغويون الكفت في اللغة الضم والمعنى أنها تضم أهلها أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها قال ابن قتيبة يقال اكفت هذا إليك أي ضمه وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة لأنه مقبرة يضم الموتى
وفي قوله تعالى أحياء وأمواتا قولان
أحدهما أن المعنى تكفتهم أحياء وأمواتا قاله الجمهور قال الفراء وانتصب الأحياء والأموات بوقوع الكفات عليهم كأنك قلت ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات فإذا نونت نصب تكما يقرأ أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما البلد 14 وقال الأخفش انتصب على الحال
والقول الثاني أن المعنى ألم نجعل الأرض أحياء بالنبات والعمارة وأمواتا بالخراب واليبس هذا قول مجاهد وأبي عبيدة
قوله تعالى وجعلنا فيها رواسي قد سبق بيان شامخات أي عاليات وأسقيناكم قد سبق معنى أسقينا الحجر 22 والجن 16 ومعنى الفرات الفرقان 53 وفاطر 12 والمعنى إن هذه الأشياء اعجب من البعث ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة إنطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون في الدنيا وهو النار انطلقوا إلى ظل قرأ الجمهور هذه الثانية بكسر اللام على الأمر وقرأ أبي بن كعب

وابي عمران ورويس عن يعقوب بفتح اللام على الخبر بالفعل الماضي قال ابن قتيبة والظل ها هنا ظل من دخان نار جهنم سطع ثم افترق ثلاث فرق وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب فيقال لهم كونوا فيه إلى أن يفرغ من الحساب كما يكون أولياء الله في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار لا ظليل أي لا يظلكم من حر هذا اليوم بل يدنيكم من لعب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس قال مجاهد تكون شعبة فوق الإنسان وشعبة عن يمينه وشعبة عن شماله فتحيط به وقال الضحاك الشعب الثلاث هي الضريع والزقوم والغسلين فعلى هذا القول يكون هذا بعد دخول النار
قوله تعالى ولا يغني من اللهب أي لا يدفع عنكم لهب جهنم ثم وصف النار فقال تعالى إنها ترمي بشرر وهو جمع شررة وهو ما يتطاير من النار متفرقا كالقصر قرأ الجمهور بإسكان الصاد على أنه واحد القصور المبنية وهذا المعنى في رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس وهو قول الجمهور وقرأ ابن عباس وأبو رزين ومجاهد وأبو الجوزاء كالقصر بفتح الصاد وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس قال كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل فنرفعه للشتاء فنسميه القصر قال ابن قتيبة من فتح الصاد أراد أصول النخل المقطوعة المقلوعة قال الزجاج أراد أعناق الإبل وقرأ سعد ابن أبي وقاص وعائشة وعكرمة وأبو مجلز وأبو المتوكل وابن يعمر كالقصر بفتح القاف وكسر الصاد وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة والنخعي كالقصر برفع القاف والصاد جميعا وقرأ أبو الدرداء وسعيد بن

جبير كالقصر بكسر القاف وفتح الصاد وقرأ ابو العالية وأبو عمران وأبو نهيك ومعاذ القارئ كالقصر بضم القاف وإسكان الصاد
قوله تعالى كأنه جمالات قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم جمالات بألف وكسر الجيم وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم جمالة على التوحيد وقرأ رويس عن يعقوب جمالات بضم الجيم وقرأ أبو رزين وحميد وابو حيوة جمالة برفع الجيم على التوحيد قال الزجاج من قرأ جمالات بالكسر فهو جمع جمال كما تقول بيوت وبيوتات وهو جمع الجمع فالمعنى كأن الشرارات كالجمالات ومن قرأ جمالات بالضم فهو جمع جمالة ومن قرأ جمالة فهو جمع جمل وجمالة كما قيل حجر وحجارة وذكر وذكارة وقرئت جمالة على ما فسرناه في جمالات بالضم والصفر ها هنا السود يقال للإبل التي هي سود تضرب إلى الصفرة إبل صفر وقال الفراء الصفر سود الإبل لا يرى الأسود من الإبل إلا وهو مشرب صفرة فلذلك سمت العرب سود الإبل صفرا كما سموا الظباء أدما لما يعلوها من الظلمة في بياضها
قوله تعالى هذا يوم لا ينطقون قال المفسرون هذا في بعض مواقف القيامة قال عكرمة تكلموا واختصموا ثم ختم على أفواههم فتكلمت أيديهم وأرجلهم فحينئذ لا ينطقون بحجة تنفعهم وقرأ ابو رجاء والقاسم ابن محمد والأعمش وابن أبي عبلة هذا يوم لا ينطقون بنصب الميم
قوله تعالى هذا يوم الفصل أي بين أهل الجنة وأهل النار جمعناكم يعني مكذبي هذه الأمة والأولين من المذكبين الذين كذبوا أنبياءهم

فإن كان لكم كيد فكيدون أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب أي إن قدرتم على حيلة فاحتالوا لأنفسكم ثم ذكر ما للمؤمنين فقال تعالى إن المتقين في ظلال يعني ظلال الشجر وظلال أكنان القصور وعيون الماء وهذا قد تقدم بيانه إلى قوله تعالى كلوا أي ويقال لهم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون في الدنيا بطاعة الله ثم قال لكفار مكة كلوا وتمتعوا قليلا في الدنيا إلى منتهى آجالكم إنكم مجرمون أي مشركون بالله
قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا فيه قولان
أحدهما أنه حين يدعون إلى السجود يوم القيامة رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني أنه في الدنيا كانوا إذا قيل لهم اركعوا أي صلوا لا يركعون أي لا يصلون وإلى نحو هذا ذهب مجاهد في آخرين وهو الأصح وقيل نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة فقالوا لا نحني فإنها مسبة علينا فقال لا خير في دين ليس فيه ركوع
قوله تعالى فبأي حديث بعده يؤمنون أي إن لم يصدقوا بهذا القرآن فبأي كتاب بعده يصدقون ولا كتاب بعده تم بعون الله تعالى وتوفيقه الجزء الثامن من كتاب زاد المسير في علم التفسير للإمام ابن الجوزي ويليه 444الجزء التاسع وأوله تفسير سورة النبأ

سورة النبأ
ويقال لها سورة التساؤل
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مأبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزآء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزآء من ربك عطاء حسابا رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون

منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ الى ربه مأبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا
قوله تعالى عم يتساءلون أصله عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما كقولهم فيم وبم قال المفسرون لما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل المشركون يتساءلون بينهم فيقولون ما الذي أتى به ويتجادلون ويختصمون فيما بعث به فنزلت هذه الآية واللفظ لفظ استفهام والمعنى تفخيم القصة كما يقولون أي شيء زيد إذا أردت تعظيم شأنه ثم بين ما الذي يتساءلون عنه فقال تعالى عن النبأ العظيم يعني عن الخبر العظيم الشأن وفيه ثلاثة أقوال
أحدها القرآن قاله مجاهد ومقاتل والفراء قال الفراء فلما أجاب صارت عم كأنها في معنى لأي شيء يتساءلون عن القرآن
والثاني البعث قاله قتادة
والثالث أنه أمر النبي صلى الله عليه و سلم حكاه الزجاج
قوله تعالى الذي هم فيه مختلفون من قال إنه القرآن فإن المشركين اختلفوا فيه فقال بعضهم هو سحر وقال بعضهم هو شعر وقال بعضهم

أساطير الأولين الى غير ذلك وكذلك من قال هو أمر النبي صلى الله عليه و سلم فأما من قال إنه البعث والقيامة ففي اختلافهم فيه قولان
أحدهما أنهم اختلفوا فيه لما سمعوا به فمنهم من صدق وآمن ومنهم من كذب وهذا معنى قول قتادة
والثاني أن المسلمين والمشركين اختلفوا فيه فصدق به المسلمون وكذب به المشركون قاله يحيى بن سلام
قوله تعالى كلا قال بعضهم هي ردع وزجر وقال بعضهم هي نفي لاختلافهم والمعنى ليس الأمر على ما قالوا سيعلمون عاقبة تكذيبهم حين ينكشف الأمر ثم كلا سيعلمون وعيد على إثر وعيد وقرأ ابن عامر ستعلمون في الحرفين بالتاء ثم ذكر صنعه ليعرفوا توحيده فقال تعالى ألم نجعل الأرض مهادا أي فراشا وبساطا والجبال أوتادا للأرض لئلا تميد وخلقناكم أزواجا أي أصنافا واضدادا ذكورأ وإناثا سودا وبيضا وحمرا وجعلنا نومكم سباتا قال ابن قتيبة أي راحة لأبدانكم وقد شرحنا هذا في الفرقان 47 وشرحنا هناك قوله تعالى وجعلنا الليل لباسا
قوله تعالى وجعلنا النهار معاشا أي سببا لمعاشكم والمعاش العيش وكل شيء يعاش به فهو معاش والمعنى جعلنا النهار مطلبا للمعاش وقال ابن قتيبة معاشا أي عيشا وهو مصدر وبنينا فوقكم سبعا شدادا قال مقاتل هي السموات غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماءين مثل ذلك وهي فوقكم يا بني آدم فاحذروا أن تعصوا فتخر عليكم

قوله تعالى وجعلنا سراجا يعني الشمس وهاجا قال ابن عباس هو المضيء وقال اللغويون الوهاج الوقاد وقيل الوهاج يجمع النور والحرارة
قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات فيها ثلاث أقوال
أحدها أنها السموات قاله أبي بن كعب والحسن وابن جبير
والثاني أنها الرياح رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة ومقاتل وقال زيد بن أسلم هي الجنوب فعلى هذا القول تكون من بمعنى الباء فتقديره بالمعصرات وإنما قيل للرياح معصرات لأنها تستدر المطر
والثالث أنها السحاب رواه الوالبي عن ابن عباس وبه قال أبو العالية والضحاك والربيع قال الفراء السحابة المعصر التي تتحلب بالمطر ولما يجتمع مثل الجارية المعصر قد كادت تحيض ولما تحض وكذلك قال ابن قتيبة شبهت السحاب بمعاصير الجواري والمعصر الجارية التي قد دنت من الحيض وقال الزجاج إنما قيل للسحاب معصرات كما قيل أجز الزرع فهو مجز أي صار الى أن يجز فكذلك السحاب إذا صار الى أن يمطر فقد أعصر
قوله تعالى ماء ثجاجا قال مقاتل أي مطرا كثيرا منصبا يتبع بعضه بعضا وقال غيره يقال ثج الماء يثج إذا انصب لنخرج به أي بذلك الماء حبا ونباتا وفيه قولان
أحدهما أن الحب ما يأكله الناس والنبات ما تنبته الأرض مما يأكل

الناس والأنعام هذا قول الجمهور وقال الزجاج كل ما حصد حب وكل ما أكلته الماشية من الكلإ فهو نبات
والثاني أن الحب اللؤلؤ والنبات العشب قال عكرمة ما أنزل الله من السماء قطرا إلا أنبت به في البحر لؤلؤا وفي الأرض عشبا
قوله تعالى وجنات يعني بساتين ألفافا قال أبو عبيدة أي ملتفة من الشجر ليس بينها خلال الواحدة لفاء وجنات لف وجمع الجمع ألفاف قال المفسرون فدل بذكر المخلوقات على البعث ثم أخبر عن يوم القيامة فقال تعالى إن يوم الفصل أي يوم القضاء بين الخلائق كان ميقاتا لما وعد الله من الثواب والعقاب يوم ينفخ في الصور فتأتون من قبوركم أفواجا أي زمرا زمرا من كل مكان وفتحت السماء قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وفتحت بالتشديد وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف وإنما تفتح لنزول الملائكة فكانت أبوابا أي ذات أبواب وسيرت الجبال عن أماكنها فكانت سرابا أي كالسراب لأنها تصير هباء منبثا فيراها الناظر كالسراب بعد شدتها وصلابتها إن جهنم كانت مرصادا قال المبرد مرصادا يرصدون به أي هو معد لهم يرصد بها خزنتها الكفار وقال الأزهري المرصاد المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو ثم بين لمن هي مرصاد فقال تعالى للطاغين قال ابن عباس للمشركين مآبا أي مرجعا
قوله تعالى لا بثين وقرأ حمزة لبثين والمعنى فيهما واحد يقال هو لابث بالمكان ولبث ومثله طامع وطمع وفاره وفره وأما الأحقاب فجمع حقب وقد ذكرنا الاختلاف فيه في الكهف 60

فإن قيل ما معنى ذكر الأحقاب وخلودهم في النار لا نفاد له فعنه جوابان
أحدهما أن هذا لا يدل على غاية لأنه كلما مضى حقب تبعه حقب
ولو
أنه قال لا بثين فيها عشرة أحقاب أو خمسة دل على غاية هذا قول ابن قتيبة والجمهور وبيانه أن زمان أهل الجنة والنار يتصور دخوله تحت العدد وان لم يكن لها نهاية
والثاني أن المعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا لا يذوقون في الأحقاب بردا ولا شرابا فأما خلودهم في النار فدائم هذا قول الزجاج وبيانه أن الأحقاب حد لعذابهم بالحميم والغساق فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب وفي المراد بالبرد ثلاثة أقوال
أحدها أنه برد الشراب روى أبو صالح عن ابن عباس قال لا يذوقون فيها برد الشراب ولا الشراب
والثاني أنه الروح والراحة قاله الحسن وعطاء
والثالث أنه النوم قاله مجاهد والسدي وأبو عبيدة وابن قتيبة وأنشدوا
... فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا ...
قال ابن قتيبة النقاخ الماء والبرد النوم سمي بذلك لأنه تبرد فيه الحرارة

وقال مقاتل لا يذوقون فيها بردا ينفعهم من حرها ولا شرابا ينفعهم من عطش إلا حميما وغساقا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر غساقا بالتخفيف وقرأ حمزة والكسائي والمفضل وحفص عن عاصم بالتشديد
وقد تقدم ذكر الحميم والغساق ص 57 جزاء وفاقا قال الفراء وفقا لأعمالهم وقال غيره جوزوا جزاء وفاقا لأعمالهم على مقدارها فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار
إنهم كانوا لا يرجون حسابا فيه قولان
أحدهما لا يخافون أن يحاسبوا لأنهم لا يؤمنون بالبعث قاله الجمهور
والثاني لا يرجون ثواب حساب لأنهم لا يؤمنون بالبعث قاله الزجاج
قوله تعالى وكذبوا بآياتنا كذابا قال الفراء الكذاب بالتشديد لغة يمانية فصيحة يقولون كذبت به كذابا وخرقت القميص خراقا وكل فعلت فمصدره في لغتهم مشدد قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني الحلق أحب اليك أم القصار وأنشدني بعض بني كلاب
... لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي ... وعن حوج قضاؤها من شفائيا ...
وأما أهل نجد فيقولون كذبت به تكذيبا وقال أبو عبيدة الكذاب أشد من الكذاب وهما مصدر المكاذبة قال الأعشى

فصدقتها وكذبتها ... والمرء ينفعه كذابه ...
قوله تعالى وكل شيء أحصيناه قال الزجاج كل منصوب بفعل مضمر تفسيره أحصيناه والمعنى أحصينا كل شيء وكتابا توكيد ل أحصيناه لأن معنى أحصيناه و كتبناه فيما يحصل ويثبت واحد فالمعنى كتبناه كتابا قال المفسرون وكل شيء من الأعمال أثبتناه في اللوح المحفوظ فذوقوا أي فيقال لهم ذوقوا جزاء فعالكم فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين الذين لم يشركوا مفازا وفيه قولان
أحدهما متنزها قاله ابن عباس والضحاك
والثاني فازوا بأن نجوا من النار بالجنة ومن العذاب بالرحمة قاله قتادة قال ابن قتيبة مفازا في موضع فوز حدائق قال ابن قتيبة الحدائق بساتين نخل واحدها حديقة
قوله تعالى وكواعب قال ابن عباس الكواعب النواهد قال ابن فارس يقال كعبت المرأة كعابة فهي كاعب إذا نتأ ثديها وقد ذكرنا معنى الأتراب في ص 52
قوله تعالى وكأسا دهاقا فيه ثلاثة أقوال
أحدها انها الملأى رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال الحسن وقتادة وابن زيد

والثاني أنها المتتابعة رواه مجاهد عن ابن عباس وبه قال ابن جبير وعن مجاهد كالقولين
والثالث انها الصافية قاله عكرمة
قوله تعالى لا يسمعون فيها أي في الجنة إذا شربوها لغوا وقد ذكرناه في الطور 23 وغيرها ولا كذابا أي لا يكذب بعضهم بعضا لأن أهل الدنيا إذا شربوا الخمر تكلموا بالباطل وأهل الجنة منزهون عن ذلك
قال الفراء وقراءة علي رضي الله عنه كذابا بالتخفيف كأنه والله أعلم لا يتكاذبون فيها وكان الكسائي يخفف هذه ويشدد وكذبوا بآياتنا كذابا لأن كذبوا يقيد الكذاب بالمصدر وهذه ليست مقيدة بفعل يصيرها مصدرا
وقد ذكرنا عن أبي عبيدة أن الكذاب بالتشديد والتخفيف مصدر المكاذبة وقال أبو علي الفارسي الكذاب بالتخفيف مصدر كذب مثل الكتاب مصدر كتب
قوله تعالى جزاء قال الزجاج المعنى جازاهم بذلك جزاء وكذلك عطاء لأن معنى أعطاهم وجازاهم واحد وحسابا معناه ما يكفيهم أي فيه كل ما يشتهون يقال أحسبني كذا بمعنى كفاني رب السموات قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والمفضل رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن برفع الباء من رب والنون من الرحمن على معنى هو رب السموات وقرأ عاصم وابن عامر بخفض الباء والنون على الصفة من ربك وقرأ حمزة والكسائي بكسر الباء ورفع النون واختار هذه القراءة الفراء ووافقه على هذا جماعة وعللوا بأن الرب قريب من المخفوض والرحمن بعيد منه

قوله تعالى لا يملكون منه خطابا فيه قولان
أحدهما لا يملكون الشفاعة إلا بإذنه قاله ابن السائب والثاني لا يقدر الخلق أن يكلموا الرب إلا بإذنه قاله مقاتل
قوله تعالى يوم يقوم الروح فيه سبعة أقوال
أحدها أنه جند من جند الله تعالى وليسوا بملائكة رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال مجاهد هم خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون
والثاني أنه ملك أعظم من السموات والجبال والملائكة قاله ابن مسعود ومقاتل بن سليمان وروى عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك ما خلق الله أعظم منه فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفا واحدا فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم
والثالث أنها أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد الى الأجسام رواه عطية عن ابن عباس
والرابع أنه جبريل عليه السلام قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك

والخامس أنهم بنو آدم قاله الحسن وقتادة
والسادس أنه القرآن قاله زيد بن أسلم
والسابع أنهم أشرف الملائكة قاله مقاتل بن حيان
قوله تعالى والملائكة صفا قال الشعبي هما سماطان سماط من الروح وسماط من الملائكة فعلى هذا يكون المعنى يوم يقوم الروح صفا والملائكة صفا وقال ابن قتيبة معنى قوله تعالى صفا صفوفا
قوله تعالى لا يتكلمون يعني الخلق كلهم إلا من أذن له الرحمن في الكلام وقال صوابا أي قال في الدنيا صوابا وهو الشهادة بالتوحيد عند أكثر المفسرين وقال مجاهد قال حقا في الدنيا وعمل به ذلك اليوم الحق الكائن الواقع بلا شك فمن شاء اتخذ الى ربه مآبا أي مرجعا اليه بطاعته ثم خوف كفار مكة فقال تعالى انا أنذرناكم عذابا قريبا وهو عذاب الآخرة وكل آت قريب يوم ينظر المرء ما قدمت يداه أي يرى عمله مثبتا في صحيفته خيرا كان أو شرا ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا يا ليتني لم أبعث وحكى الثعلبي عن بعض أشياخه أنه رأى في بعض التفاسير أن الكافر هاهنا إبليس وذلك أنه عاب آدم لأنه خلق من التراب فتمنى يوم القيامة أنه كان بمكان آدم فقال يا ليتني كنت ترابا

سورة النازعات
مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة
قوله تعالى والنازعات فيه سبعة أقوال
أحدها أنها الملائكة تنزع أرواح الكفار قاله علي وابن مسعود وروى عطية عن ابن عباس قال هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم وبه قال مسروق
والثاني أنه الموت ينزع النفوس قاله مجاهد
والثالث أنها النفس حين تنزع قاله السدي
والرابع أنها النجوم تنزع من أفق الى أفق تطلع ثم تغيب قاله الحسن وقتادة وأبو عبيدة والأخفش وابن كيسان

والخامس أنها القسي تنزع بالسهم قاله عطاء وعكرمة
والسادس أنها الوحوش تنزع وتنفر حكاه الماوردي
والسابع أنها الرماة حكاه الثعلبي
قوله تعالى غرقا اسم أقيم الإغراق قال ابن قتيبة والمعنى والنازعات إغراقا كما يغرق النازع في الفوس يعني أنه يبلغ به غاية المد
قوله تعالى والناشطات نشطا فيه خمسة أقوال
أحدها أنها الملائكة ثم في معنى الكلام قولان أحدهما أنها حين تنشط أرواح الكفار حتى تخرجها بالكرب والغم قاله علي رضي الله عنه قال مقاتل ينزع ملك الموت روح الكافر فإذا بلغت ترقوته غرقها في حلقه فيعذ به في حياته ثم ينشطها من حلقه أي يجذبها كما ينشط السفود من الصوف المبتل والثاني أنها تنشط أرواح المؤمنين بسرعة كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنها قاله ابن عباس وقال الفراء الذي سمعته من العرب كما أنشط من عقال بألف تقول إذا ربطت الحبل في يد البعير نشطته فإذا حللته قلت أنشطته
والقول الثاني أنها أنفس المؤمنين تنشط عند الموت للخروج وهذا مروي عن ابن عباس أيضا وبيانه أن المؤمن يرى منزله من الجنة قبل الموت فتنشط نفسه لذلك

والثالث أن الناشطات الموت ينشط نفس الإنسان قاله مجاهد
والرابع النجوم تنشط من أفق الى أفق أي تذهب قاله قتادة وأبو عبيدة والأخفش ويقال لبقر الوحش نواشط لأنها تذهب من موضع الى موضع قال أبو عبيدة والهموم تنشط بصاحبها قال هميان بن قحافة ... أمست همومي تنشط المناشطا ... الشام بي طورا وطورا واسطا ...
والخامس أنها النفس حين تنشط بالموت قاله السدي
قوله تعالى والسابحات سبحا فيه ستة أقوال
أحدها أنها الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين قاله علي رضي الله عنه قال ابن السائب يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع يسلونها سلا رفيقا ثم يدعونها حتى تستريح
والثاني أنهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه قاله مجاهد وأبو صالح والفراء
والثالث أنه الموت يسبح في نفوس بني آدم روي عن مجاهد أيضا
والرابع أنها السفن تسبح في الماء قاله عطاء
والخامس أنها النجوم والشمس والقمر كل في فلك يسبحون قاله قتادة وأبو عبيدة
والسادس أنها الخيل حكاه الماوردي

قوله تعالى فالسابقات سبقا فيه خمسة أقوال
أحدها أنها الملائكة ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال أحدها أنها تسبق الشياطين بالوحي الى الأنبياء قاله علي ومسروق والثاني أنها تسبق بأرواح المؤمنين الى الجنة قاله مجاهد وأبو روق والثالث أنها سبقت بني آدم الى الإيمان قاله الحسن
والقول الثاني أنها أنفس المؤمنين تسبق الملائكة شوقا الى لقاء الله فيقبضونها وقد عاينت السرور قاله ابن مسعود
والثالث أنه الموت يسبق الى النفوس روي عن مجاهد أيضا
والرابع أنها الخيل قاله عطاء
والخامس أنها النجوم يسبق بعضها بعضا في السير قاله قتادة
قوله تعالى فالمدبرات أمرا قال ابن عباس هي الملائكة قال عطاء وكلت بأمور عرفهم الله العمل بها وقال عبد الرحمن بن سابط يدبر أمر الدنيا أربعة أملاك جبريل وهو موكل بالرياح والجنود وميكائيل وهو موكل بالقطر والبنات وملك الموت وهو موكل بقبض الأنفس وإسرافيل وهو ينزل بالأمر عليهم وقيل بل جبريل للوحي وإسرافيل للصور وقال ابن قتيبة فالمدبرات أمرا تنزل بالحلال والحرام
فإن قيل اين جواب هذه الأقسام فعنه جوابان
أحدهما أن الجواب قوله تعالى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى قاله مقاتل

والثاني أن الجواب مضمر تقديره لتبعثن ولتحاسبن ويدل على هذا قوله تعالى أئذا كنا عظاما نخرة قاله الفراء
قوله تعالى يوم ترجف الراجفة وهي النفخة الأولى التي يموت منها جميع الخلائق و الراجفة صيحة عظيمة فيها تردد واضطراب كالرعد إذا تمحض و وترجف بمعنى تتحرك حركة شديدة تتبعها الرادفة وهي النفخة الثانية ردفت الأولى أي جاءت بعدها وكل شيء جاء بعد شيء فهو يردفه قلوب يومئذ واجفة أي شديدة الإضطراب لما عاينت من أهوال القيامة أبصارها خاشعة أي ذليلة لمعاينة النار قال عطاء وهذه أبصار من لم يمت على الإسلام ويدل على هذا أنه ذكر منكري البعث فقال تعالى يقولون أئنا لمردودون في الحافرة قرأ ابن عامر وأهل الكوفة أئنا بهمزتين مخففتين على الإستفهام وقرأ الباقون بتخفيف الأولى وتليين الثانية وفصل بينهما بألف نافع وأبو عمرو
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها أن الحافرة الحياة بعد الموت فالمعنى أنرجع أحياء بعد موتنا وهذا قول ابن عباس وعطية والسدي قال الفراء يعنون أنرد الى أمرنا الأول الى الحياة والعرب تقول أتيت فلانا ثم رجعت على حافرتي أي رجعت من حيث جئت قال أبو عبيدة يقال رجع فلان في حافرته وعلى حافرته إذا رجع من حيث جاء وهذا قول الزجاج
والثاني أنها الأرض التي تحفر فيها قبورهم فسميت حافرة والمعنى محفورة كما يقال ماء دافق الطارق 6 وعيشة راضية الحاقة 21 وهذا قول مجاهد والخليل فيكون المعنى أئنا لمردودون الى الأرض خلقا جديدا

قال ابن قتيبة في الحافرة أي الى أول أمرنا ومن فسرها بالأرض فإلى هذا يذهب لأنا منها بدئنا قال الشاعر
... أحافرة على صلع وشيب ... معاذ الله من سفه وعار ...
كأنه قال أأرجع الى ما كنت عليه في شبابي من الغزل والصبا بعد ما شبت وصلعت
والثالث أن الحافرة النار قاله ابن زيد
قوله تعالى أئذا كنا عظاما نخرة وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم ناخرة قال الفراء وهما بمعنى واحد في اللغة مثل طمع وطامع وحذر وحاذر وقال الأخفش هما لغتان وقال الزجاج يقال نخر العظم ينخر فهو نخر مثل عفن الشيء يعفن فهو عفن وناخرة على معنى عظاما فارغة يجيىء فيها من هبوب الريح كالنخير قال المفسرون والمراد أنهم أنكروا البعث وقالوا نرد أحياء إذا متنا وبليت عظامنا تلك إذن كرة خاسرة أي إن رددنا بعد الموت لنحسرن بما يصيبنا مما يعدنا به محمد فأعلمهم الله بسهولة البعث عليه فقال تعالى فإنما هي يعني النفخة الأخيرة زجرة واحدة أي صيحة في الصور يسمعونها من إسرافيل وهم في الأرض فيخرجون فإذا هم بالساهرة وفيها أربعة أقوال

احدها ان الساهرة وجه الأرض قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك واللغويون قال الفراء كأنها سميت بهذا الأسم لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم
والثاني أنه جبل عند بيت المقدس قاله وهب بن منبه
والثالث أنها جهنم قاله قتادة
والرابع أنها أرض الشام قاله سفيان
هل أتك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى إذهب الى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك الى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى أأنتم اشد خلقا أم السماء بنها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها مآءها ومرعاها والجبال ارسها متاعا لكم ولأنعامكم
قوله تعالى هل أتاك حديث موسى أي قد جاءك وقد بينا هذا في طه 9 وما بعده الى قوله تعالى طوى اذهب قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو طوى اذهب غير مجراة وقرأ الباقون طوى منونة فقل هل لك الى أن تزكى وقرأ ابن كثير ونافع تزكى بتشديد الزاي أي تطهر من الشرك وأهديك الى ربك أي أدعوك الى توحيده وعبادته فتخشى عذابه فأراه الآية الكبرى وفيها قولان

أحدهما أنها اليد والعصا قاله جمهور المفسرين والثاني أنها اليد قاله الزجاج
قوله تعالى فكذب أي بأنها من الله وعصى نبيه ثم أدبر أي أعرض عن الإيمان يسعى أي يعمل بالفساد في الأرض فحشر أي فجمع قومه وجنوده فنادى لما اجتمعوا فقال أنا ربكم الأعلى أي لا رب فوقي وقيل أراد أن الأصنام أرباب وأنا ربها وربكم وقيل أراد أنا رب السادة والقادة
قوله تعالى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فيه أربعة أقوال
أحدها أن الاولى قوله ما علمت لكم من إله غيري القصص 38 والآخرة قوله أنا ربكم الأعلى قاله ابن عباس وعكرمة والشعبي ومقاتل والفراء ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ابن عباس وكان بينهما أربعون سنة قال السدي فبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة قال الفراء فالمعنى أخذه الله أخذا نكالا للآخرة والاولى
والثاني المعنى جعله الله نكال الدنيا والآخرة أغرقه في الدنيا وعذبه في الآخرة قاله الحسن وقتادة وقال الربيع بن أنس عذبه الله في أول النهار بالغرق وفي آخرة بالنار
والثالث أن الأولى تكذيبه وعصيانه والآخرة قوله أنا ربكم الأعلى قاله أبو رزين
والرابع أنها اول أعماله وآخرها رواه منصور عن مجاهد قال الزجاج النكال منصوب مصدر مؤكد لأن معنى أخذه الله نكل الله به نكال الآخرة

والأولى فأغرقة في الدنيا ويعذبه في الآخرة قوله تعالى ان في ذلك الذي فعل بفرعون لعبرة أي لعظة لمن يخشى الله
ثم خاطب منكري البعث فقال تعالى أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها قال الزجاج ذهب بعض النحويين الى أن قوله تعالى بناها من صفة السماء فيكون المعنى أم السماء التي بناها وقال قوم السماء ليس مما توصل ولكن المعنى أأنتم أشد خلقا أم السماء أشد خلقا ثم بين كيف خلقها فقال تعالى بناها قال المفسرون أخلقكم بعد الموت أشد عندكم أم السماء في تقديركم وهما في قدرة الله واحد ومعنى بناها رفعها وكل شيء ارتفع فوق شيء فهو بناء ومعنى رفع سمكها رفع ارتفاعها وعلوها في الهواء فسواها بلا شقوق ولا فطور ولا تفاوت يرتفع فيه بعضها علىبعض وأغطش ليلها أي أظلمه فجعله مظلما قال الزجاج يقال غطش الليل وأغطش وغبش وأغبش وغسق وأغسق وغشي وأغشى كله بمعنى أظلم
قوله تعالى وأخرج ضحاها أي أبرز نهارها والمعنى أظهر نورها بالشمس وإنما أضاف النور والظلمة الى السماء لأنهما عنها يصدران والأرض بعد ذلك أي بعد خلق السماء دحاها أي بسطها وبعض من يقول إن الأرض خلقت قبل السماء يزعم أن بعد هاهنا بمعنى قبل كقوله

تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر الأنبياء 105 وبعضهم يقول هي بمعنى مع كقوله تعالى عتل بعد ذلك زنيم القلم 13 ولا يمتنع أن تكون الأرض خلقت قبل السماء ثم دحيت بعد كمال السماء وهذا مذهب عبد الله بن عمرو بن العاص وقد أشرنا الى هذا الخلاف في البقرة 29 ونصبت الأرض بمضمر تفسيره قوله تعالى دحاها
أخرج منها ماءها أي فجر العيون منها ومرعاها وهو ما يأكله الناس والأنعام والجبال أرساها قال الزجاج أي أثبتها متاعا لكم أي للإمتاع لأن معنى أخرج منها ماءها ومرعاها أمتع بذلك وقال ابن قتيبة متاعا لكم أي منفعة لكم
فإذا جآءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وأثر الحيوة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى يسئلونك عن الساعة أيان مرسها فيم أنت من ذكرها الى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحها
قوله تعالى فإذا جاءت الطامة الكبرى والطامة الحادثة التي تطم على ما سواها أي تعلو فوقه وفي المراد بها هاهنا ثلاثة أقوال
أحدها النفخة الثانية التي فيها البعث

والثاني أنها حين يقال لأهل النار قوموا الى النار
والثالث أنها حين يساق أهل الجنة الى الجنة وأهل النار الى النار
قوله تعالى يتذكر الإنسان ما سعى أي ما عمل من خير وشر وبرزت الجحيم لمن يرى أي لأبصار الناظرين قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فينظر اليها الخلق وقرأ أبو مجلز وابن السميفع لمن ترى بالتاء وقرأ ابن عباس ومعاذ القارىء لمن رأى بهمزة بين الراء والألف
قوله تعالى فأما من طغى في كفره وآثر الحياة الدنيا على الآخرة فإن الجحيم هي المأوى قال الزجاج أي هي المأوى له وهذا جواب فإذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك
قوله تعالى وأما من خاف مقام ربه قد ذكرناه في سورة الرحمن 46
قوله تعالى ونهى النفس عن الهوى أي عما تهوى من المحارم قال مقاتل هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها
قوله تعالى يسألونك عن الساعة أيان مرساها قد سبق في الأعراف 187 فيم أنت من ذكراها أي لست في شيء من علمها وذكرها والمعنى إنك لا تعلمها الى ربك منتهاها أي منتهى علمها إنما أنت منذر من يخشاها وقرأ أبو جعفر منذر بالتنوين ومعنى الكلام إنما أنت مخوف من يخافها والمعنى إنما ينفع إنذارك م يخافها وهو المؤمن بها وأما من لا يخافها فكأنه لم ينذر كأنهم يعني كفار قريش يوم يرونها أي يعاينون القيامه لم يلبثوا في الدنيا وقيل في قبورهم إلا عشية أو ضحاها أي قدر آخر النهار من بعد العصر أو أوله الى أن ترتفع

الشمس قال الزجاج والهاء والألف في ضحاها عائدان الى العشية
والمعنى إلا عشية أو ضحى العشية قال الفراء
فإن قيل للعشية ضحى إنما الضحى لصدر النهار
فالجواب أن هذا ظاهر في كلام العرب أن يقولوا آتيك العشية أو غداتها أو آتيك الغداة أو عشيتها فتكون العشية في معنى آخر والغداة في معنى أول أنشدني بعض بني عقيل
... نحن صبحنا عامرا في دارها ... عشية الهلال أو سرارها ...
أراد عشية الهلال أو عشية سرار العشية فهذا أشد من قولهم آتيك الغداة أو عشيتها

سورة عبس
مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
عبس وتولى أن جآءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جآءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة
قوله تعالى عبس وتولى قال المفسرون كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وأمية وأبيا ابني خلف ويدعوهم الى الله تعالى ويرجو إسلامهم فجاء ابن أم مكتوم الأعمى فقال علمني يا رسول الله مما علمك الله وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل بكلام غيره حتى ظهرت الكراهية في وجهه صلى الله عليه و سلم لقطعه كلامه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقبل على القوم يكلمهم فنزلت هذه الآيات فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكرمه بعد ذلك ويقول مرحبا بمن عاتبني فيه

ربي وذهب قوم منهم مقاتل الى أنه إنما جاء ليؤمن فأعرض عنه النبي صلى الله عليه و سلم اشتغالا بالرؤساء فنزلت فيه هذه الآيات
ومعنى عبس قطب وكلح وتولى أعرض بوجهه أن جاءه أي لأن جاءه وقرأ أبي بن كعب والحسن وأبو المتوكل وأبو عمران آن جاءه بهمزة واحدة مفتوحة ممدودة وقرأ ابن مسعود وابن السميفع أأن بهمزتين مقصورتين مفتوحتين والأعمى هو ابن أم مكتوم واسمه عمرو بن قيس وقيل اسمه عبد الله بن عمرو وما يدريك لعله يزكى أي يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح وما يتعلمه منك وقال مقاتل لعله يؤمن أو يذكر أي يتعظ بما يتعلمه من مواعظ القرآن فتنفعه الذكرى قرأ حفص عن عاصم فتنفعه بفتح العين والباقون برفعها قال الزجاج من نصب فعلى جواب لعل ومن رفع فعلى العطف على يزكى
قوله تعالى أما من استغنى قال ابن عباس استغنى عن الله وعن الإيمان بماله قال مجاهد أما من استغنى عتبة وشيبة فأنت له تصدى قرأ ابن كثير ونافع تصدى بتشديد الصاد وقرأ عاصم وأبو عمرو

وابن عامر وحمزة والكسائي تصدى بفتح التاء والصاد وتخفيفها وقرأ أبي بن كعب وأبو الجوزاء وعمرو بن دينار تتصدى بتاءين مع تخفيف الصاد قال الزجاج الأصل تتصدى ولكن حذفت التاء الثانية لإجتماع تاءين ومن قرأ تصدى بإدغام التاء فالمعنى أيضا تتصدى إلا أن التاء أدغمت في الصاد لقرب مخرج التاء من الصاد قال ابن عباس تصدى تقبل عليه بوجهك وقال ابن قتيبة تتعرض وقرأ ابن مسعود وابن السميفع والجحدري تصدى بتاء واحدة مضمومة وتخفيف الصاد
قوله تعالى وما عليك أي أي شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه الى الإسلام يعني أنه ليس عليه إلا البلاغ
وأما من جاءك يسعى فيه قولان
أحدهما يمشي
والثاني يعمل في الخير وهو ابن أم مكتوم وهو يخشى الله فأنت عنه تلهى وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف وأبو الجوزاء تتلهى بتاءين
وقرأ أبي بن كعب وابن السميفع والجحدري تلهى بتاء واحدة خفيفة مرفوعة قال الزجاج أي تتشاغل عنه يقال لهيت عن الشيء ألهى عنه إذا تشاغلت عنه
قوله تعالى كلا أي لا تفعل ذلك انها في المكني عنها قولان أحدهما آيات القرآن قاله مقاتل
والثاني هذه السورة قاله الفراء والتذكرة بمعنى التذكير فمن شاء ذكره مفسر في آخر المدثر 55 ثم أخبر بجلالة القرآن عنده فقال تعالى

في صحف مكرمة أي هو في صحف أي في كتب مكرمة وفيها قولان
أحدهما انها اللوح المحفوظ قاله مقاتل
والثاني كتب الأنبياء ذكره الثعلبي فعلى هذا يكون معنى مرفوعة عالية القدر وعلى الأول يكون رفعها كونها في السماء
وفي معنى المطهرة أربعة أقوال
أحدها مطهرة من أن تنزل على المشركين قاله الحسن والثاني مطهرة من الشرك والكفر قاله مقاتل والثالث لأنه لا يمسها إلا المطهرون قاله الفراء والرابع مطهرة من الدنس قاله يحيى بن سلام
قوله تعالى بأيدي سفرة فيهم قولان
أحدهما أنهم الملائكة قاله الجمهور
والثاني أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم قاله وهب بن منبه وفي معنى سفرة ثلاثة أقوال
أحدها أنهم الكتبة قاله ابن عباس ومجاهد وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج قال الزجاج واحدهم سافر وسفرة مثل كاتب وكتبة وكافر وكفرة وإنما قيل للكتاب سفر وللكاتب سافر لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه يقال أسفر الصبح إذا أضاء وسفرت المرأة إذا كشفت النقاب عن وجهها ومنه سفرت بين القوم أي كشفت ما في قلب هذ1 وقلب هذا لأصلح بينهم
والثاني أنهم القراء قاله قتادة

والثالث أنهم السفراء وهم المصلحون قال الفراء تقول العرب سفرت بين القوم أي أصلحت بينهم فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله كالسفير الذي يصلح بين القوم قال الشاعر
... وما أدع السفارة بين قومي ... وما أمشي بغش إن مشيت ...
قوله تعالى كرام أي على ربهم برزة أي مطيعين قال الفراء واحد البررة في قياس العربية بار لأن العرب لا تقول فعلة ينوون به الجمع إلا والواحد منه فاعل مثل كافر وكفرة وفاجر وفجرة
قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقض ما أمره فلينظر الإنسان الى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم
قوله تعالى قتل الإنسان أي لعن والمراد بالإنسان هاهنا الكافر وفيمن عنى بهذا القول ثلاثة أقوال
أحدها أنه أشار الى كل كافر قاله مجاهد والثاني أنه أمية بن خلف قاله الضحاك والثالث عتبة بن أبي لهب قاله مقاتل
وفي قوله تعالى ما أكفره ثلاثة أقوال
أحدها ما أشد كفره قاله ابن جريج

والثاني أي شيء أكفره قاله السدي فعلى هذا يكون استفهام توبيخ
الثالث أنه على وجه التعجب وهذا التعجب يؤمر به الآدميون والمعنى اعجبوا أنتم من كفره قاله الزجاج
قوله تعالى من أي شيء خلقه ثم فسره فقال تعالى من نطفة خلقه وفي معنى فقدره ثلاثة أقوال
أحدها قدر أعضاءه رأسه وعينيه ويديه ورجليه قاله ابن السائب
والثاني قدره أطوارا نطفة ثم علقه الى آخر خلقه قاله مقاتل
والثالث فقدره على الإستواء قاله الزجاج
ثم السبيل يسره فيه قولان
أحدهما سهل له العلم بطريق الحق والباطل قاله الحسن ومجاهد قال الفراء والمعنى ثم يسره للسبيل
والثاني يسر له السبيل في خروجه من بطن أمه قاله السدي ومقاتل
قوله تعالى فأقبره قال الفراء أي جعله مقبورا ولم يجعله ممن يلقى للسباع والطير فكأن القبر مما أكرم به المسلم ولم يقل قبره لأن القابر هو الدافن بيده
والمقبر الله لأنه صيره مقبورا فليس فعله كفعل الآدمي والعرب تقول بترت ذنب البعير والله أبتره وعضبت قرن الثور والله أعضبه وطردت فلانا عني والله أطرده أي صيره طريدا وقال أبو عبيدة أقبره أي أمر أن يقبر وجعل له قبرا قالت بنو تميم لعمر بن هبيرة لما قتل

صالح بن عبد الرحمن أقبرنا صالحا فقال دونكموه والذي يدفن بيده هو القابر قال الأعشى
... لو أسندت ميتأ الى نحرها ... عاش ولم يسلم الى قابر ...
قوله تعالى ثم إذا شاء أنشره أي بعثه يقال أنشر الله الموتى فنشروا ونشر الميت حيي هو بنفسه وواحدهم ناشر قال الأعشى
... حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر ...
قوله تعالى كلا قال الحسن حقا لما يقض ما أمره به ربه ولم يؤد ما فرض عليه ي وهل هذا عام أم خاص فيه قولان
أحدهما أنه عام قال مجاهد لا يقضي أحد أبدا كل ما افترض الله عليه

والثاني أنه خاص للكافر لم يقض ما أمر به من الإيمان والطاعة قاله يحيى بن سلام ولما ذكر خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر وليستدل بالنبات على البعث فقال تعالى فلينظر الإنسان الى طعامه قال مقاتل يعني به عتبة بن أبي لهب ومعنى الكلام فلينظر الإنسان كيف خلق الله طعامه الذي جعله سببا لحياته ثم بين فقال تعالى أنا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر إنا بالكسر وقرأ عاصم وحمزة والكسائي أنا صببنا بفتح الهمزة في الوصل وفي الإبتداء ووافقهم رويس على فتحها في الوصل فإذا ابتدأ كسر قال الزجاج من كسر إنا فعلى الإبتداء والإستئناف ومن فتح فعلى البدل من الطعام المعنى فلينظر الإنسان أنا صببنا قال المفسرون أراد بصب الماء المطر ثم شققنا الأرض بالنبات شقا فأنبتنا فيها حبا يعني به جميع الحبوب التي يتغذى بها وعنبا وقضبا قال الفراء هو الرطبة وأهل مكة يسمون القت القضب قال ابن قتيبة ويقال انه سمي بذلك لأنه يقضب مرة بعد مرة أي يقطع وكذلك القصيل لأنه يقصل أي يقطع
قوله تعالى وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا قال الفراء كل بستان كان عليه حائط فهو حديقة وما لم يكن عليه حائط لم يقل حديقة والغلب ما غلظ من النخل قال أبو عبيدة يقال شجرة غلباء إذا كانت غليظة وقال ابن قتيبة الغلب الغلاظ الأعناق وقال الزجاج هي المتكاثفة العظام

قوله تعالى وفاكهة يعني ألوان الفاكهة وأبأ فيه قولان
أحدهما أنه ما ترعاه البهائم قاله ابن عباس وعكرمة واللغويون وقال الزجاج هو جميع الكلأ التي تعتلفه الماشية
والثاني أنه الثمار الرطبة رواه الوالبي عن ابن عباس
متاعا لكم ولأنعامكم قد بيناه في السورة التي قبلها النازعات 33
فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء منهم يؤمنذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة
قوله تعالى فإذا جاءت الصاخة وهي الصيحة الثانية قال ابن قتيبة الصاخة تصخ صخا أي تصم يقال رجل أصخ وأصلخ إذا كان

لا يسمع والداهية صاخة ايضا وقال الزجاج هي الصيحة التي تكون عليها القيامة تصخ الأسماع أي تصمها فلا تسمع إلا ما تدعي به لإحيائها ثم فسر في أي وقت تجيء فقال تعالى يوم يفر المرء من أخيه قال المفسرون المعنى لا يلتفت الإنسان إلى أحد من أقاربه لعظم ما هو فيه قال الحسن أول من يفر من أخيه هابيل ومن أمه وأبيه إبراهيم ومن صاحبته نوح ولوط ومن ابنه نوح وقال قتادة يفر هابيل من قابيل والنبي صلى الله عليه و سلم من أمه وإبراهيم من أبيه ولوط من صاحبته ونوح من ابنه
قوله تعالى لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه قال الفراء أي يشغله عن قرابته وقال ابن قتيبة أي يصرفه ويصده عن قرابته يقال اغن عني وجهك أي اصرفه واغن عني السفيه وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والزهري وأبو العالية وابن السميفع وابن محيصن وابن أبي عبلة يعنيه بفتح الياء و العين غير معجمة قال الزجاج معنى الآية له شأن لايقدر مع الاهتمام به على الاهتمام بغيره وكذلك قراءة من قرأ يغنيه بالغين معناه له شأن لا يهمه معه غيره

وقد روى أنس بن مالك قال قالت عائشة للنبي صلى الله عليه و سلم أنحشر عراة قال نعم قالت واسوءتاه فأنزل الله تعالى لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه
قوله تعالى وجوه يومئذ مسفرة أي مضيئة قد علمت ما لها من الخير ضاحكة لسرورها مستبشرة أي فرحة بما نالها من كرامة الله عز و جل ووجوه يومئذ عليها غبرة أي غبار وقال مقاتل أي سواد وكآبة ترهقها أي تغشاها قترة أي ظلمة وقال الزجاج يعلوها سواد كالدخان ثم بين من أهل هذه الحال فقال تعالى أولئك هم الكفرة الفجرة وهوجمع كافر وفاجر

سورة التكوير
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت وإذا النفوس زوجت وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت وإذا الصحف نشرت وإذا السماء كشطت وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت
روى ابو عبدالله الحاكم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحب أن ينظر الى يوم القيامة فليقرأ قوله تعالى إذا الشمس كورت
وفي قوله تعالى كورت أربعة أقوال

أحدها أظلمت رواه الوالبي عن ابن عباس وكذلك قال الفراء ذهب ضوؤها وهذا قول قتادة ومقاتل
والثاني ذهبت رواه عطية عن ابن عباس وكذلك قال مجاهد اضمحلت
والثالث غورت روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وابن الأنباري وهذا من قول الناس بالفارسية كوربكرد وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال هو بالفارسية كوربور
والرابع أنها تكور مثل تكوير العمامة فتلف وتمحى قاله أبو عبيدة
قال الزجاج ومعنى كورت جمع ضوؤها ولفت كما تلف العمامة ويقال كورت العمامة على رأسي أكورها إذا لففتها قال المفسرون تجمع الشمس بعضها الى بعض ثم تلف ويرمى بها في البحر وقيل في النار وقيل تعاد الى ما خلقت منه
قوله تعالى وإذا النجوم انكدرت أي تناثرت وتهافتت يقال انكدر الطائر في الهواء إذا انقض وإذا الجبال سيرت عن وجه الأرض فاستوت مع الأرض وإذا العشار عطلت قال المفسرون وأهل اللغة العشار النوق الحوامل وهي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر فقيل لها العشار لذلك وذلك الوقت أحسن زمان حملها وهي تضع إذاوضعت لتمام في سنة فهي أنفس ما للعرب عندهم فلا يعطلونها إلا لإتيان ما يشغلهم عنها وإنما

خوطبت العرب بأمر العشار لأن أكثر عيشهم ومالهم من الإبل ومعنى عطلت سيبت وأهملت لإشتغالهم عنها بأهوال القيامة
قوله تعالى وإذا الوحوش يعني دواب البحر حشرت وفيه قولان
أحدهما ماتت قاله ابن عباس
والثاني جمعت الى القيامة قاله السدي وقد زدنا هذا شرحا في الأنعام 111
قوله تعالى وإذا البحار سجرت قرأ ابن كثير وأبو عمرو سجرت بتخفيف الجيم وقرأ الباقون بتشديدها
وفي المعنى ثلاثة أقوال
أحدها أوقدت فاشتعلت نارا قاله علي وابن عباس
والثاني يبست قاله الحسن
والثالث ملئت بأن صارت بحرا واحدا وكثر ماؤها قاله ابن السائب والفراء وابن قتيبة
قوله تعالى وإذا النفوس زوجت فيه ثلاثة أقوال
أحدها قرنت بأشكالها قاله عمر رضي الله عنه الصالح مع الصالح في الجنة والفاجر مع الفاجر في النار وهذا قول الحسن وقتادة
والثاني ردت الأرواح الى الأجساد فزوجت بها قاله الشعبي وعن عكرمة كالقولين
والثالث زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين وأنفس الكافرين بالشياطين قاله عطاء ومقاتل

قوله تعالى وإذا الموؤودة سئلت قال اللغويون الموؤودة البنت تدفن وهي حية وكان هذا من فعل الجاهلية ويقال وأد ولده أي دفنه حيا قال الفرزدق
... ومنا الذي منع الوائدا ... ت فأحيا الوئيد ولم يوأد ...
يعني صعصعة بن صوحان وهو جد الفرزدق قال الزجاج ومعنى سؤالها تبكيت قاتليها في القيامة لأن جوابها قتلت بغير ذنب ومثل هذا التبكيت قوله تعالى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين المائدة 116
وقرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وأبو عبد الرحمن وابن يعمر وابن أبي عبلة وهارون عن أبي عمرو سألت بفتح السين وألف بعدها بأي ذنب قتلت بإسكان اللام وضم التاء الأخيرة وسؤالها هذا أيضا تبكيت لقاتليها قال ابن عباس كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت فكان أوان ولادها حفرت حفيرة فتمخضت على رأس الحفيرة فإن ولدت جارية رمت بها في الحفيرة وان ولدت غلاما حبسته
قوله تعالى وإذا الصحف نشرت قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر وابن عامر ويعقوب نشرت بالتخفيف والباقون بالتشديد والمراد بالصحف صحائف أعمال بني آدم تنشر للحساب وإذا السماء كشطت قال الفراء نزعت فطويت وفي قراءة عبد الله قشطت بالقاف وهكذا تقوله قيس وتميم وأسد بالقاف وأما قريش فتقوله بالكاف والمعنى واحد

والعرب تقول القافور والكافور والقسط والكسط وإذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغات كما يقال حدث وحدت قال ابن قتيبة كشطت كما يكشط الغطاء عن الشيء فطويت وقال الزجاج قلعت كما يقلع السقف و سعرت أوقدت وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم سعرت مشددة قال الزجاج المعنى واحد إلا أن معنى المشدد أوقدت مرة بعد مرة و أزلفت قربت من المتقين وجواب هذه الأشياء علمت نفس ما أحضرت أي إذا كانت هذا الأشياء علمت في ذلك الوقت كل نفس ما أحضرت من عمل فأثيبت على قدر عملها وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال في قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت لهذا جرى الحديث وقال ابن عباس من أول السورة الى هاهنا اثنتا عشرة خصلة ستة في الدنيا وستة في الآخرة
فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء رب العالمين
قوله تعالى فلا أقسم لا زائدة والمعنى أقسم بالخنس وفيها خمسة أقوال

أحدها أنها خمسة أنجم تخنس بالنهار فلا ترى وهي زحل وعطارد والمشتري والمريخ والزهرة قاله علي وبه قال مقاتل وابن قتيبة وقيل اسم المشتري البرجس واسم المريخ بهرام
والثاني أنها النجوم قاله الحسن وقتادة على الإطلاق وبه قال أبو عبيدة
والثالث أنها بقر الوحش قاله ابن مسعود
والرابع الظباء رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير
والخامس الملائكة حكاه الماوردي والأكثرون على أنها النجوم
قال ابن قتيبة وإنما سماها خنسا لأنها تسير في البروج والمنازل كسير الشمس والقمر ثم تخنس أي ترجع بينا يرى أحدها في آخر البروج كر راجعا الى أوله وسماها كنسا لأنها تكنس أي تسير كما تكنس الظباء وقال الزجاج تخنس أي تغيب وكذلك تكنس أي تغيب في المواضع التي تغيب فيها وإذا كان المراد الظباء فهو يدخل الكناس وهو الغصن من أغصان الشجر ووقف يعقوب على الجواري بالياء
قوله تعالى والليل إذا عسعس فيه قولان
أحدهما ولى قاله ابن عباس وابن زيد والفراء
والثاني أقبل قاله ابن جبير وقتادة قال الزجاج يقال عسعس الليل إذا أقبل وعسعس إذا أدبر واستدل من قال إن المراد إدباره

بقوله تعالى والصبح إذا تنفس وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن قرط
... حتى إذا الصبح لها تنفسا ... وإنجاب عنها ليلها وعسعسا ...
وفي قوله تعالى تنفس قولان
أحدهما أنه طلوع الفجر قاله علي وقتادة
والثاني طلوع الشمس قاله الضحاك قال الزجاج معناه إذا امتد حتى يصير نهارا بينا وجواب القسم في قوله فلا أقسم بالخنس وما بعده قوله إنه لقول رسول كريم يعني ان القرآن نزل به جبريل وقد بينا هذا في الحاقة 40 ثم وصف جبريل بقوله تعالى ذي قوة وهو كقوله تعالى ذو مرة وقد شرحناه في النجم آية 6 ذي قوة عند ذي العرش مكين يعني في المنزلة مطاع ثم أمين أي في السموات تطيعه الملائكة فمن طاعة الملائكة له أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتحها لمحمد صلى الله عليه و سلم فدخلها ورأى ما فيها وأمر خازن جهنم ففتح له عنها حتى نظر اليها وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود وأبو حيوة ثم بضم الثاء ومعنى أمين على وحي الله ورسالاته قال أبو صالح أمين على أن يدخل سبعين سرادقا من نور بغير إذن
قوله تعالى وما صاحبكم بمجنون يعني محمدا ثلى الله عليه وسلم والخطاب لأهل مكة قال الزجاج وهذا أيضا من جواب القسم وذلك أنه أقسم أن القرآن نزل به جبريل وأن محمدا ليس بمجنون كما يقول أهل مكة

قوله تعالى ولقد رآه بالأفق المبين قال المفسرون رأى محمد صلى الله عليه و سلم جبريل على صورته بالأفق وقد ذكرنا هذا في سورة النجم 7
قوله تعالى وما هو يعني محمدا صلى الله عليه و سلم على الغيب أي على خبر السماء الغائب عن أهل الأرض بضنين قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس بظنين بالظاء وقرأ الباقون بالضاد وقال ابن قتيبة من قرأ بالظاء فالمعنى ما هو بمتهم على ما يخبر به عن الله ومن قرأ بالضاد فالمعنى ليس ببخيل عليكم بعلم ما غاب عنكم مما ينفعكم وقال غيره ما يكتمه كما يكتم الكاهن ليأخذ الأجر عليه
قوله تعالى وما هو يعني القرآن بقول شيطان رجيم قال مقاتل وذلك أن كفار مكة قالوا إنما يجيء به الشيطان فيلقيه على لسان محمد
قوله تعالى فأين تذهبون قال الزجاج معناه فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم إن هو أي ما هو يعني القرآن إلا ذكر للعالمين أي موعظة للخلق أجمعين لمن شاء منكم أن يستقيم على الحق والإيمان والمعنى أن القرآن إنما يتعظ به من استقام على الحق وقد بينا سبيل الإستقامة فمن شاء أخذ في تلك السبيل ثم أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه بما بعد هذا وقد بينا هذا في سورة الإنسان 30 قال أبو هريرة لما نزلت لمن شاء منكم أن يستقيم قالوا الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فنزل قوله تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين وقيل القائل لذلك أبو جهل وقرأ أبو بكر الصديق وأبو المتوكل وأبو عمران وما يشاؤون بالياء

فصل
وقد زعم بعض ناقلي التفسير أن قوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم وقوله تعالى في عبس 12 فمن شاء ذكره وقوله تعالى في سورة الإنسان 29 وفي سورة المزمل 18 فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا كله منسوخ بقوله تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ولا أرى هذا القول صحيحا لأنه لو جاز وقوع مشيئتهم مع عدم مشيئته توجه النسخ فأما إذ أخبر أن مشيئتهم لا تقع إلا بعد مشيئته فليس للنسخ وجه

سورة الإنفطار وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وما أدرك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا يومئذ لله
قوله تعالى إذا السماء انفطرت انفطارها انشقاقها و انتثرت بمعنى تساقطت وفجرت بمعنى فتح بعضها في بعض فصارت بحرا واحدا
وقال الحسن ذهب ماؤها وبعثرت بمعنى أثيرت قال ابن قتيبة قلبت فأخرج ما فيها يقال بعثرت المتاع وبحثرته إذا جعلت أسفله أعلاه

قوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت هذا جواب الكلام وقد شرحناه في قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر القيامة 13
قوله تعالى يا أيها الإنسان فيه أربعة أقوال
أحدها أنه عني به أبو الأشدين وكان كافرا قاله ابن عباس ومقاتل وقد ذكرنا اسمه في المدثر 30
والثاني أنه الوليد بن المغيرة قاله عطاء
والثالث أبي بن خلف قاله عكرمة
والرابع أنه أشار الى كل كافر ذكره الماوردي
قوله تعالى ما غرك قال الزجاج أي ما خدعك وسول لك حتى أضعت ما وجب عليك وقال غيره المعنى ما الذي أمنك من عقابه وهو كريم متجاوز إذ لم يعاقبك عاجلا وقيل للفضيل بن عياض لو أقامك الله سبحانه يوم القيامة وقال ما غرك بربك الكريم ماذا كنت تقول قال أقول غرني ستورك المرخاة وقال يحيى بن معاذ لو قال لي ما غرك بي قلت برك سالفا وآنفا قيل لما ذكر الصفة التي هي الكرم هاهنا دون سائر صفاته كان كأنه لقن عبده الجواب ليقول غرني كرم الكريم
قوله تعالى الذي خلقك ولم تك شيئا فسواك إنسانا تسمع وتبصر

فعدلك قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر فعدلك بالتشديد وقرأ عاصم وحمزة والكسائي فعدلك بالتخفيف قال الفراء من قرأ بالتخفيف فوجهه والله أعلم فصورك الى أي صورة شاء إما حسن وإما قبيح وإما طويل وإما قصير وقيل في صورة أب في صورة عم في صورة بعض القرابات تشبيها ومن قرأ بالتشديد فإنه أراد والله أعلم جعلك معتدلا معدل الخلقة وقال غيره عدل أعضاءك فلم تفضل يد على يد ولا رجل على رجل وعدل بك أن يجعلك حيوانا بهيما
قوله تعالى في أي صورة ما شاء ركبك قال الزجاج يجوز أن تكون ما زائدة ويجوز أن تكون بمعنى الشرط والجزاء فيكون المعنى في أي صورة ما شاء أن يركبك فيها ركبك وفي معنى الآية أربعة أقوال
أحدها في أي صورة من صور القرابات ركبك وهو معنى قول مجاهد
والثاني في أي صورة من حسن أو قبح أو طول أو قصر أو ذكر أو أنثى وهو معنى قول الفراء
والثالث إن شاء أن يركبك في غير صورة الإنسان ركبك قاله مقاتل وقال عكرمة إن شاء في صورة قرد وإن شاء في صورة خنزير
والرابع إن شاء في صورة إنسان بأفعال الخير وإن شاء في صورة حمار بالبلادة والبلة وإن شاء في صورة كلب بالبخل أو خنزير بالشره ذكره الثعلبي
قوله تعالى بل تكذبون بالدين وقرأ أبو جعفر بالياء أي بالجزاء والحساب تزعمون أنه غير كائن ثم أعلمهم أن أعمالهم محفوظة فقال

تعالى وإن عليكم لحافظين أي من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم كراما على ربهم كاتبين يكتبون أعمالكم يعلمون ما تفعلون من خير وشر فيكتبونه عليكم
قوله تعالى إن الأبرار لفي نعيم وذلك في الآخرة إذا دخلوا الجنة وإن الفجار وفيهم قولان
أحدهما أنهم المشركون
والثاني الظلمة ونقل عن سليمان بن عبد الملك أنه قال لأبي حازم يا ليت شعري ما لنا عند الله فقال له اعرض عملك على كتاب الله فإنك تعلم ما لك عنده فقال وأين أجده قال عند قوله تعالى إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم قال سليمان فأين رحمة الله قال قريب من المحسنين
قوله تعالى يصلونها يعني يدخلون الجحيم مقاسين حرها يوم الدين أي يوم الجزاء على الأعمال وما هم عنها أي عن الجحيم بغائبين وهذا يدل على تخليد الكفار وأجاز بعض العلماء أن تكون عنها كناية عن القيامة فتكون فائدة الكلام تحقيق البعث ويشتمل هذا على الأبرار والفجار ثم عظم ذلك اليوم بقوله تعالى وما أدراك ما يوم الدين ثم كرر ذلك تفخيما لشأنه وكان ابن السائب يقول الخطاب بهذا للإنسان الكافر لا لرسول الله صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى يوم لا تملك نفس لنفس قرأ ابن كثير وأبو عمرو يوم

بالرفع والباقون بالفتح قال الزجاج من رفع اليوم فعلى أنه صفة لقوله تعالى يوم الدين ويجوز أن يكون رفعه بإضمار هو ونصبه على معنى هذه الأشياء المذكورة تكون يوم لا تملك نفس لنفس شيئا قال المفسرون ومعنى الآية أنه لا يملك الأمر أحد إلا الله ولم يملك أحدا من الخلق شيئا كما ملكهم في الدنيا وكان مقاتل يقول لا تملك نفس لنفس كافرة شيئا من المنفعة والقول على الإطلاق أصح لأن مقاتلا فيما أحسب خاف نفي شفاعة المؤمنين والشفاعة إنما تكون عن أمر الله وتمليكه

سورة المطففين
وفيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها مكية قاله ابن مسعود والضحاك ويحيى بن سلام
والثاني مدنية قاله ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة ومقاتل إلا أن ابن عباس وقتادة قالا فيها ثمان آيات مكية من قوله تعالى إن الذين أجرموا المطففين 29 الى آخرها وقال مقاتل فيها آية مكية وهي قوله تعالى إذا تتلى عليه قال أساطير الأولين المطففين 13
والثالث أنها نزلت بين مكة والمدينة قاله جابر بن زيد وابن السائب وذكر هبة الله ابن سلامة المفسر انها نزلت في الهجرة بين مكة والمدينة نصفها يقارب مكة ونصفها يقارب المدينة
بسم الله الرحمن الرحيم
ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين قوله تعالى ويل للمطففين قال ابن عباس لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم

المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله تعالى ويل للمطففين فأحسنوا الكيل بعد ذلك وقال السدي قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله هذه الآية وقد شرحنا معنى الويل في البقرة 79 وقال ابن قتيبة المطفف الذي لا يوفي الكيل يقال إناء طفان إذا لم يكن مملوءا وقال الزجاج إنما قيل مطفف لأنه لا يكاد يسرق في الميزان والمكيال إلا الشيء الطفيف وإنما أخذ من طف الشيء وهو جانبه
قوله تعالى الذين إذا اكتالوا على الناس أي من الناس ف على بمعنى من في قول المفسرين واللغويين قال الفراء على و من يعتقبان في هذا الموضع لأنك إذا قلت اكتلت عليك فكأنك قلت أخذت ما عليك كيلا وإذا قلت اكتلت منك فهو كقولك استوفيت منك كيلا قال الزجاج المعنى إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل وكذلك إذا اتزنوا ولم يذكر إذا اتزنوا لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فيما يكال ويوزن فأحدهما يدل على الآخر وإذا كالوهم أي كالوا لهم أو وزنوهم أي وزنوا لهم يخسرون أي ينقصون في الكيل والوزن فعلى هذا لا يجوز أن يقف على كالوا ومن الناس من يجعل هم توكيدا لما كالوا ويجوز أن يقف على كالوا والاختيار الأول قال الفراء سمعت أعرابية تقول

إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكليلنا المد والمدين الى الموسم المقبل
قوله تعالى ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون قال الزجاج المعنى لو ظنوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن ليوم عظيم يعني به يوم القيامة يوم يقوم الناس منصوب بقوله تعالى مبعوثون قال المفسرون والظن هاهنا بمعنى العلم واليقين ومعنى يقوم الناس أي من قبورهم لرب العالمين أي لأمره أو لجزائه وحسابه وقيل يقومون بين يديه لفصل القضاء وفي الصحيحين من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في هذه الآية يقوم أحدهم في رشحه الى أنصاف أذنيه وقال كعب يقفون ثلاثمائة عام قال مقاتل وذلك إذا خرجوا من قبورهم
كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدرك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدرئك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون

قوله تعالى كلا ردع وزجر أي ليس الأمر على ما هم عليه فليرتدعوا وهاهنا تم الكلام عند كثير من العلماء وكان أبو حاتم يقول كلا ابتداء يتصل بما بعده على معنى حقا إن كتاب الفجار قال مقاتل إن كتاب أعمالهم لفي سجين وفيها أربعة أقوال
أحدها أنها الأرض السابعة وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد ومقاتل وروي عن مجاهد قال سجين صخرة تحت الأرض السابعة يجعل كتاب الفجار تحتها وهذه علامة لخسارتهم ودلالة على خساسة منزلتهم
والثاني أن المعنى إن كتابهم لفي سفال قاله الحسن
والثالث لفي خسار قاله عكرمة
والرابع لفي حبس فعيل من السجن قاله أبو عبيدة
قوله تعالى وما أدراك ما سجين هذا تعظيم لأمرها وقال الزجاج أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك
قوله تعالى كتاب مرقوم أي ذلك الكتاب الذي في سجين كتاب

مرقوم أي مكتوب قال ابن قتيبة والرقم الكتاب قال أبو ذؤيب
... عرفت الديار كرقم الدوا ... ة يزبره الكاتب الحميري ...
وأنشده الزجاج يذبرها بالذال المعجمة وكسر الباء قال الأصمعي يقال زبر كتب وذبر قرأ وروى أبو عمرو عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال الصواب زبرت بالزاي كتبت وذبرت بالذال أتقنت ما حفظت قال والبيت يزبرها بالزاي والضم وقال ابن قتيبة يروى يزبرها ويذبرها وهو مثله يقال زبر الكتاب يزبره ويزبره وذبره يذبره ويذبره وقال قتادة رقم له بشر كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه الكافر وقيل المعنى إنه مثبت لهم كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به
قوله تعالى ويل يومئذ للمكذبين هذا منتظم بقوله تعالى يوم يقوم الناس وما بينهما كلام معترض وما بعده قد سبق بيانه الى قوله تعالى بل ران على قلوبهم قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بل ران بفتح الراء مدغمة وقرأ أبو بكر عن عاصم بل ران مدغمة بكسر الراء وقرأ حفص عن عاصم بل بإظهار اللام ران بفتح الراء قال اللغويون أي غلب على قلوبهم يقال الخمرة ترين على عقل السكران قال الزجاج قرئت بإدغام اللام في الراء لقرب ما بين الحرفين وإظهار اللام جائز لأنه من كلمة والرأس من كلمة أخرى ويقال ران على قلبه الذنب يرين رينا إذا

غشي على قلبه ويقال غان يغين غنيا والغين كالغيم الرقيق والرين كالصدأ يغشى على القلب وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول الغين يقال بالراء وبالغين ففي القرآن كلا بل ران وفي الحديث إنه ليغان على قلبي وكذلك الراية تقال بالراء وبالغين والرميصاء تكتب بالغين وبالراء لأن الرمص يكتب بهما قال المفسرون لما كثرت معاصيهم وذنوبهم أحاطت بقلوبهم قال الحسن هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب
قوله تعالى كلا أي لا يصدقون ثم استأنف إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال ابن عباس إنهم عن النظر الى ربهم يومئذ لمحجوبون والمؤمن لا يحجب عن رؤيته وقال مالك بن أنس لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه وقال الشافعي لما حجب قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضى وقال الزجاج في هذه الآية دليل على أن الله عز و جل يرى

في القيامة ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة ولا خست منزلة الكفار بأنهم يحجبون عن ربهم ثم من بعد حجبهم عن الله يدخلون النار فذلك قوله تعالى ثم إنهم لصالواالجحيم
قوله تعالى ثم يقال أي يقول لهم خزنة النار هذا العذاب الذي كنتم به تكذبون كلا أي لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه ثم أعلم أين محل كتاب الأبرار فقال تعالى لفي عليين وفيها سبعة أقوال
أحدها أنها الجنة رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني أنه لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش فيه أعمالهم مكتوبة روي عن ابن عباس أيضا
والثالث أنها السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين قاله كعب وهو مذهب مجاهد وابن زيد
والرابع أنها قائمة العرش اليمنى قاله قتادة وقال مقاتل ساق العرش
والخامس أنه سدرة المنتهى قاله الضحاك
والسادس أنه في علو وصعود الى الله عز و جل قاله الحسن وقال الفراء في ارتفاع بعد ارتفاع
والسابع أنه أعلى الأمكنة قاله الزجاج
قوله تعالى وما أدراك ما عليون هذا تعظيم لشأنها
قوله تعالى كتاب مرقوم الكلام فيه كالكلام في الآية التي قبلها

قوله تعالى يشهده المقربون أي يحضر المقربون من الملائكة ذلك المكتوب أو ذلك الكتاب إذا صعد به الى عليين وما بعد هذا قد سبق بيانه الإنفطار 13 الى قوله تعالى ينظرون وفيه قولان
أحدهما الى ما أعطاهم الله من الكرامة
والثاني الى أعدائهم حين يعذبون
قوله تعالى تعرف في وجوههم نضرة النعيم وقرأ أبو جعفر ويعقوب تعرف بضم التاء وفتح الراء نضرة بالرفع قال الفراء بريق النعيم ونداه قال المفسرون إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعيم لما ترى من الحسن والنور وفي الرحيق ثلاثة أقوال
أحدها أنه الخمر قاله الجمهور ثم اختلفوا أي الخمر هي على أربعة أقوال أحدها أجود الخمر قاله الخليل بن أحمد والثانية الخالصة من الغش قاله الأخفش والثالث الخمر البيضاء قاله مقاتل والرابع الخمر العتيقة حكاه ابن قتيبة
والقول الثاني أنه عين في الجنة مشوبة بالمسك قاله الحسن
والثالث أنه الشراب الذي لا غش فيه قاله ابن قتيبة والزجاج وفي قوله تعالى مختوم ثلاثة أقوال
أحدها ممزوج قاله ابن مسعود
والثاني مختوم على إنائه والى نحو هذا ذهب مجاهد

والثالث له ختام أي عاقبة ريح وتلك العاقبة هي قوله تعالى ختامه مسك أي عاقبته هذا قول أبي عبيدة
ختامه مسك قرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة ختامه بكسر الخاء وبفتح التاء وبألف بعدهما مرفوعه الميم وقرأ الكسائي خاتمه بخاء مفتوحة بعدها ألف وبعدها تاء مفتوحة وروى الشيزري خاتمه مثل ذلك إلا أنه يكسر التاء وقرأ أبي بن كعب وعروة وأبو العالية ختمه بفتح الخاء والتاء و بضم الميم من غير ألف
وللمفسرين في قوله تعالى ختامه مسك أربعة أقوال
أحدها خلطه مسك قاله ابن مسعود ومجاهد
والثاني أن ختمه الذي يختم به الإناء مسك قاله ابن عباس
والثالث أن طعمه وريحه مسك قاله علقمة
والرابع أن آخر طعمه مسك قاله سعيد بن جبير والفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج في آخرين
قوله تعالى وفي ذلك فليتنافس المتنافسون أي فليجدوا في طلبه وليحرصوا عليه بطاعة الله والتنافس كالتشاح على الشيء والتنازع فيه
قوله تعالى ومزاجه من تسنيم فيه قولان

أحدهما أنه اسم عين في الجنة يشربها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين
والثاني أن التسنيم الماء قاله الضحاك قال مقاتل وإنما سمي تسنيما لأنه يتسنم عليه من جنة عدن فينصب عليهم انصبابا فيشربون الخمر من ذلك الماء قال ابن قتيبة يقال ان التسنيم أرفع شراب في الجنة ويقال إنه يمتزج بماء ينزل من تسنيم أي من علو وأصل هذا من سنام البعير ومن تسنيم القبور وهذا أعجب الي لقول المسيب بن علس في وصف امرأة
... كأن بريقتها للمزا ... ج من ثلج تسنيم شيبت عقارا ...
أراد كأن بريقتها عقارا شيبت للمزاج من ثلج تسنيم يريد جبلا قال الزجاج المعنى ومزاجه من تسنيم عينا تأتيهم من تسنيم أي من علو يتسنم عليهم من الغرف ف عينا في هذا القول منصوبة كما قال تعالى أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما البلد 15 ويجوز أن تكون عينا منصوبة بقوله يسقون عينا أي من عين وقد بينا معنى يشرب بها في هل أتى 6
إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا الى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون
قوله تعالى إن الذين أجرموا أي أشركوا كانوا من الذين آمنوا يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل عمار وبلال وخباب وغيرهم يضحكون

على وجه الإستهزاء بهم وإذا مروا يعني المؤمنين بهم أي بالكفار يتغامزون أي يشيرون بالجفن والحاجب استهزاء بهم وإذا انقلبوا يعني الكفار الى أهلهم انقلبوا فكهين أي متعجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم وقرأ أبو جعفر وحفص عن عاصم وعبد الرزاق عن ابن عامر فكهين بغير ألف وقد شرحنا معنى القراءتين في يس 55 وإذا رأوهم أي رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا إن هؤلاء لضالون يقول الله تعالى وما أرسلوا يعني الكفار عليهم أي على المؤمنين حافظين يحفظون أعمالهم عليهم أي لم يوكلوا بحفظ أعمالهم فاليوم يعني في الآخرة الذين آمنوا من الكفار يضحكون إذا رأوهم يعذبون في النار قال أبو صالح يقال لأهل النار وهم فيها اخرجوا وتفتح لهم أبوابها فإذا أقبلوا يريدون الخروج غلقت أبوابها دونهم والمؤمنون على الأرآئك ينظرون الى عذاب عدوهم قال مقاتل لكل رجل من أهل الجنة ثلمة ينظرون الى أعداء الله كيف يعذبون فيحمدون الله على ما أكرمهم به فهم يكلمون أهل النار ويكلمونهم الى أن تطبق النار على أهلها فتسد حينئذ الكوى
قوله تعالى هل ثوب الكفار وقرأ حمزة والكسائي وهارون عن أبي عمرو هل ثوب بإدغام اللام أي هل جوزوا وأثيبوا على استهزائهم بالمؤمنين في الدنيا وهذا الإستفهام بمعنى التقرير

سورة الإنشقاق
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب الى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور
قوله تعالى إذا السماء انشقت قال المفسرون انشقاقها من علامات الساعة وقد ذكر ذلك في مواضع من القرآن الفرقان 225 الرحمن 37 الحاقة 16 وأذنت لربها أي استمعت وأطاعت في الإنشقاق من الأذن وهو الإستماع للشيء والإصغاء اليه وأنشدوا
... صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... فإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

وحقت أي حق لها أن تطيع ربها الذي خلقها وإذا الأرض مدت قال ابن عباس تمد مد الأديم ويزاد في سعتها وقال مقاتل لا يبقى جبل ولا بناء إلا دخل فيها
قوله تعالى وألقت ما فيها من الموتى والكنوز وتخلت أي خلت من ذلك فلم يبق في باطنها شيء واختلفوا في جواب هذه الأشياء المذكورات على أربعة أقوال
أحدها أنه متروك لأن المعنى معروف قد تردد في القرآن
والثاني أنه يا أيها الإنسان كقول القائل إذا كان كذا وكذا فيا أيها الناس ترون ما عملتم فيجعل يا أيها الإنسان هو الجواب وتضمر فيه الفاء كأن المعنى يرى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت وذكر القولين الفراء
والثالث أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت قاله المبرد
والرابع أن الجواب مدلول عليه بقوله تعالى فملاقيه فالمعنى إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله قاله الزجاج
قوله تعالى إنك كادح الى ربك كدحا فيه قولان
أحدهما إنك عامل لربك عملا قاله ابن عباس
والثاني ساع الى ربك سعيا قاله مقاتل قال الزجاج و الكدح في اللغة السعي والدأب في العمل في باب الدنيا والآخرة قال تميم بن مقبل
... وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت أخرى أبتغي العيش أكدح

وفي قوله تعالى الى ربك قولان
أحدهما عامل لربك وقد ذكرناه عن ابن عباس
والثاني الى لقاء ربك قاله ابن قتيبة وفي قوله تعالى فملاقيه قولان أحدهما فملاق عملك والثاني فملاق ربك كما ذكرهما الزجاج
قوله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا وهو أن تعرض عليه سيئاته ثم يغفرها الله له وفي الصحيحين من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من نوقش الحساب هلك فقلت يا رسول الله فإن الله يقول فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذلك العرض قوله تعالى وينقلب الى أهله يعني في الجنة من الحور العين والآدميات مسرورا بما أوتي من الكرامة وأما من أوتي كتابه وراء ظهره قال المفسرون تغل يده اليمنى الى عنقه وتجعل يده اليسرى وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا قال الزجاج يقول يا ويلاه يا ثبوراه وهذا يقوله كل من وقع في هلكة
قوله تعالى ويصلى سعيرا قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي ويصلى بضم الياء وتشديد اللام وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة ويصلى بفتح الياء خفيفة إلا أن حمزة والكسائي يميلانها وقد شرحناه في سورة النساء 11

قوله تعالى إنه كان في أهله يعني في الدنيا مسرورا بإتباع هواه وركوب شهواته إنه ظن أن لن يحور أي لن يرجع الى الآخرة ولن يبعث وهذه صفة الكافر قال اللغويون الحور في اللغة الرجوع وأنشدوا للبيد
... وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع ...
بلى إن ربه كان به بصيرا فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا أتسق لتركبن طبقا عن طبق فما لهم لا يؤمنون وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون
قوله تعالى بلى قال الفراء المعنى بلى ليحورون ثم استأنف فقال تعالى إن ربه كان به بصيرا قال المفسرون بصيرا على جميع أحواله
قوله تعالى فلا أقسم قد سبق بيانه
فأما الشفق فقال ابن قتيبة هما شفقان الأحمر والأبيض فالأحمر من لدن غروب الشمس الى وقت صلاة العشاء ثم يغيب ويبقى الشفق الأبيض الى نصف الليل
وللمفسرين في المراد بالشفق هاهنا ستة أقوال
أحدها الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس وقد روى ابن

عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال الشفق الحمرة وهذا قول عمر وابنه وابن مسعود وعبادة وأبي قتادة وجابر بن عبد الله وابن عباس وأبي هريرة وأنس وابن المسيب وابن جبير وطاووس ومكحول ومالك والأوزاعي وأبي يوسف والشافعي وأبي عبيد وأحمد وإسحاق وابن قتيبة والزجاج قال الفراء سمعت بعض العرب يقول وعليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان أحمر
والثاني أنه النهار
والثالث الشمس روي القولان عن مجاهد
والرابع ما بقي من النهار قاله عكرمة
والخامس السواد الذي يكون بعد ذهاب البياض قاله أبو جعفر محمد ابن علي
والسادس أنه البياض قاله عمر بن عبد العزيز
قوله تعالى والليل وما وسق أي وما جمع وضم وأنشدوا
... إن لنا قلائصا حقائقا ... مستوسقات لو يجدن سائقا

قال أبو عبيدة وما وسق ما علا فلم يمنع منه شيء فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له فقد وسقها وقال بعضهم معنى ما وسق ما جمع مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه الى مأواه
قوله تعالى والقمر إذا اتسق قال الفراء اتساقه اجتماعه واستواؤه ليلة ثلاث عشرة وأربع عشرة الى ست عشرة
قوله تعالى لتركبن طبقا عن طبق قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي لتركبن بفتح التاء والباء وفي معناه قولان
أحدهما أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم في معناه قولان أحدهما لتركبن سماء بعد سماء قاله ابن مسعود والشعبي ومجاهد والثاني لتركبن حالا بعد حال قاله ابن عباس وقال هو نبيكم
والقول الثاني أن الإشارة الى السماء والمعنى أنها تتغير ضروبا من التغيير فتارة كالمهل وتارة كالدهان روي عن ابن مسعود أيضا
وقرأ عاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر لتركبن بفتح التاء وضم الباء وهو خطاب لسائر الناس ومعناه لتركبن حالا بعد حال وقرأ ابن مسعود وأبو الجوزاء وأبو الأشهب ليركبن بالياء ونصب الباء وقرأ أبو المتوكل وأبو عمران وابن يعمر ليركبن والباء وضم الباء و عن بمعنى بعد وهذا قول عامة المفسرين واللغوين وأنشدوا للأقرع بن حابس
... إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره ... وساقني طبق منه الى طبق

ثم في معنى الكلام خمسة أقوال
أحدها أنه الشدائد والأهوال ثم الموت ثم البعث ثم العرض قاله ابن عباس
والثاني أنه الرخاء بعد الشدة والشدة بعد الرخاء والغنى بعد الفقر والفقر بعد الغنى والصحة بعد السقم والسقم بعد الصحة قاله الحسن
والثالث أنه كون الإنسان رضيعا ثم فطيما ثم غلاما شابا ثم شيخا قال عكرمة
والرابع أنه تغير حال الإنسان في الآخرة بعد الدنيا فيرتفع من كان وضيعا ويتضع من كان مرتفعا وهذا مذهب سعيد بن جبير
والخامس أنه ركوب سنن من كان قبلهم من الأولين قاله أبو عبيدة
وكان بعض الحكماء يقول من كان اليوم على حالة وغدا على حالة أخرى فليعلم أن تدبيره الى سواه
قوله تعالى فما لهم يعني كفار مكة لا يؤمنون أي لا يؤمنون بمحمد والقرآن وهو استفهام إنكار وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون فيه قولان
أحدهما لا يصلون قاله عطاء وابن السائب

والثاني لا يخضعون له ويستكينون قاله ابن جرير واختاره القاضي أبو يعلى قال وقد احتج بها قوم على وجوب سجود التلاوة وليس فيها دلالة على ذلك وإنما المعنى لا يخشعون ألا ترى أنه أضاف السجود الى جميع القرآن والسجود يختص بمواضع منه
قوله تعالى بل الذين كفروا يكذبون بالقرآن والبعث والجزاء والله أعلم بما يوعون في صدورهم ويضمرون في قلوبهم من التكذيب قال ابن قتيبة يوعون يجتمعون في قلوبهم وقال الزجاج يقال أوعيت المتاع في الوعاء ووعيت العلم
قوله تعالى فبشرهم بعذاب أليم أي أخبرهم بذلك وقال الزجاج اجعل للكفار بدل البشارة للمؤمنين بالجنة والرحمة العذاب الأليم و الممنون عند أهل اللغة المقطوع

سورة البروج
وهي مكية كلها بإجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم
والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدىء ويعيد وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد هل أتك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ
قوله تعالى والسماء ذات البروج قد ذكرنا البروج في الحجر 16 واليوم الموعود هو يوم القيامة بإجماعهم وشاهد ومشهود فيه أربعة وعشرون قولا

أحدها أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه قال علي وابن عباس في رواية وابن زيد فعلى هذا سمي يوم الجمعة شاهدا لأنه يشهد على كل عامل بما فيه وسمي يوم عرفة مشهودا لأن الناس يشهدون فيه موسم الحج وتشهده الملائكة
والثاني أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر قاله ابن عمر
والثالث أن الشاهد الله عز و جل والمشهود يوم القيامة رواه الوالبي عن ابن عباس
والرابع أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم القيامة رواه مجاهد عن ابن عباس
والخامس أن الشاهد محمد صلى الله عليه و سلم والمشهود يوم القيامة رواه يوسف ابن مهران عن ابن عباس وبه قال الحسن بن علي
والسادس أن الشاهد يوم القيامة والمشهود الناس قاله جابر بن عبد الله

والسابع أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم القيامة قاله الضحاك
والثامن أن الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة قاله سعيد ابن المسيب
والتاسع أن الشاهد هو الله والمشهود بنو آدم قاله سعيد بن جبير
والعاشر أن الشاهد محمد والمشهود يوم عرفة قاله الضحاك
والحادي عشر أن الشاهد آدم عليه السلام والمشهود يوم القيامة رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد
والثاني عشر أن الشاهد ابن آدم والمشهود يوم القيامة رواه ليث عن مجاهد وبه قال عكرمة
الثالث عشر أن الشاهد آدم عليه السلام وذريته والمشهود يوم القيامة قاله عطاء بن يسار
والرابع عشر أن الشاهد الإنسان والمشهود الله عز و جل قاله محمد بن كعب
والخامس عشر أن الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة قاله إبراهيم
والسادس عشر أن الشاهد عيسى عليه السلام والمشهود أمته قاله أبو مالك ودليله قوله تعالى وكنت عليهم شهيدا المائدة 117
والسابع عشر أن الشاهد محمد صلى الله عليه و سلم والمشهود أمته قاله عبد العزيز بن يحيى وبيانه وجئنا بك على هؤلاء شهيدا النساء 41

الثامن عشر أن الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الناس قاله الحسين بن الفضل ودليله لتكونوا شهداء على الناس البقرة 143
والتاسع عشر أن الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم قاله محمد بن علي الترمذي وحكي عن عكرمة نحوه
والعشرون أن الشاهد الحق والمشهود الكون قاله الجنيد
والحادي والعشرون أن الشاهد الحجر الأسود والمشهود الحاج
والثاني والعشرون أن الشاهد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمشهود محمد صلى الله عليه و سلم وبيانه وإذ أخذ الله ميثاق النبيين الآية آل عمران 81
والثالث والعشرون أن الشاهد الله عز و جل والملائكة وأولو العلم والمشهود لا إله إلا الله وبيانه شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم آل عمران 18 حكى هذه الأقوال الثلاثة الثعلبي
والرابع والعشرون أن الشاهد الأنبياء عليهم السلام والمشهود الأمم حكاه شيخنا علي بن عبيد الله
وفي جواب القسم ثلاثة أقوال
أحدها أنه قوله تعالى إن بطش ربك لشديد قاله قتادة والزجاج

والثاني أنه قوله تعالى قتل أصحاب الأخدود كما أن القسم في قوله تعالى والشمس وضحاها قد أفلح حكاه الفراء
والثالث أنه متروك وهذا اختيار ابن جرير
قوله تعالى قتل أصحاب الأخدود أي لعنوا والأخدود شق يشق في الأرض والجمع أخاديد وهؤلاء قوم حفروا حفائر في الأرض وأوقدوا فيها النار وألقوا فيها من لم يكفر
واختلف العلماء فيهم على ستة أقوال
أحدها أنه ملك كان له ساحر فبعث إليه غلاما يعلمه السحر وكان الغلام يمر على راهب فأعجبه أمره فتبعه فعلم به الملك فأمره أن يرجع عن دينه فقال لا أفعل فاجتهد الملك في إهلاكه فلم يقدر فقال الغلام لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به اجمع الناس في صعيد واحد واصلبني على جذع وارمني بسهم من كنانتي وقل بسم الله رب الغلام ففعل فمات الغلام فقال الناس آمنا برب الغلام فخد الأخاديد وأضرم فيها النار وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ففعلوا وهذا مختصر الحديث وفيه طول وقد ذكرته في المغنى و الحدائق بطوله من حديث صهيب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثاني أن ملكا من الملوك سكر فوقع على أخته فلما أفاق قال لها

ويحك كيف المخرج فقالت له اجمع أهل مملكتك فأخبرهم أن الله عز و جل قد أحل نكاح الأخوات فإذا ذهب هذا في الناس وتناسوه خطبتهم فحرمته ففعل ذلك فأبوا أن يقبلوا ذلك منه فبسط فيهم السوط ثم جرد السيف فأبوا فخد لهم أخدودا وأوقد فيه النار وقذف من أبى قبول ذلك قاله علي بن طالب
والثالث أنهم ناس اقتتل مؤمنوهم وكفارهم فظهر المؤمنون ثم تعاهدوا أن لا يغدر بعضهم ببعض فغدر كفارهم فأخذوهم فقال له رجل من المؤمنين أوقدوا نارا وأعرضوا عليها فمن تابعكم على دينكم فذاك الذي تحبون ومن لم يتبعكم أقحم النار فاسترحتم منه ففعلوا فجعل المسلمون يقتحمونها ذكره قتادة
والرابع أن قوما من المؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة فأرسل اليهم جبار من عبدة الأوثان فعرض عليهم الدخول في دينه فأبوا فخدلهم أخدودا وألقاهم فيه قاله الربيع بن أنس
والخامس أن جماعة آمنوا من قوم يوسف بن ذي نواس بعدما رفع عيسى فخد لهم أخدودا وأوقد فيه النار فأحرقهم كلهم فأنزل الله تعالى قتل أصحاب الأخدود وهم يوسف بن ذي نواس وأصحابه قاله مقاتل
والسادس أنهم قوم كانوا يعبدون صنما ومعهم قوم يكتمون إيمانهم

فعلموا بهم فخدوا لهم أخدودا وقذفوهم فيه حكاه الزجاج
واختلفوا في الذين أحرقوا على خمسة أقوال
أحدها أنهم كانوا من الحبشة قاله علي كرم الله وجهه
والثاني من بني إسرائيل قاله ابن عباس
والثالث من أهل اليمن قاله الحسن وقال الضحاك كانوا من نصارى اليمن وذلك قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بأربعين سنة
والرابع من أهل نجران قاله مجاهد
والخامس من النبط قاله عكرمة
وفي عددهم ثلاثة أقوال
أحدها اثنا عشر ألفا قاله وهب
والثاني سبعون ألفا قاله ابن السائب

والثالث ثمانون رجلا وتسعة نسوة قاله مقاتل
قوله تعالى النار ذات الوقود هذا بدل من الأخدود كأنه قال قتل أصحاب النار و الوقود مفسر في البقرة 24 وقرأ أبو رزين العقيلي وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن ومجاهد وأبو العالية وابن يعمر وابن أبي عبلة الوقود بضم الواو إذ هم عليها قعود أي عند النار وكان الملك وأصحابه جلوسا على الكراسي عند الأخدود يعرضون المؤمنين على الكفر فمن أبى ألقوه وهم على يفعلون بالمؤمنين شهود أي حضور فأخبر الله عز و جل في هذه الآيات بقصة قوم بلغ من إيمانهم ويقينهم أن صبروا على التحريق بالنار ولم يرجعوا عن دينهم
قوله تعالى وما نقموا منهم قرأ ابن أبي عبلة نقموا بكسر القاف
قال الزجاج أي ما أنكروا عليهم إيمانهم وقد شرحنا معنى نقموا في المائدة 59 و براءة 74 وشرحنا معنى العزيز الحميد في البقرة 129 267
قوله تعالى والله على كل شيء شهيد أي لم يخف عليه ما صنعوا فهو شهيد عليهم بما فعلوا
قوله تعالى إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أي أحرقوهم وعذبوهم
كقوله تعالى يوم هم على النار يفتنون الذاريات 13 ثم لم يتوبوا من شركهم وفعلهم ذلك بالمؤمنين فلهم عذاب جهنم بكفرهم ولهم عذاب الحريق بما أحرقوا المؤمنين وكلا العذابين في جهنم عند الأكثرين وذهب الربيع بن

أنس في جماعة الى ان النار ارتفعت الى الملك وأصحابه فأحرقتهم فذلك عذاب الحريق في الدنيا قال الربيع وقبض الله أرواح المؤمنين قبل أن تمسهم النار وحكى الفراء أن المؤمنين نجوا من النار وأنها ارتفعت فأحرقت الكفرة
قوله تعالى ذلك الفوز الكبير لأنهم فازوا بالجنة وقال بعض المفسرين فازوا من عذاب الكفار وعذاب الآخرة
قوله تعالى إن بطش ربك قال ابن عباس إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة والجبابرة لشديد
قوله تعالى إنه هو يبديء ويعيد فيه قولان
أحدهما يبدىء الخلق ويعيدهم قاله الجمهور
والثاني يبدىء العذاب في الدنيا على الكفار ثم يعيده عليهم في الآخرة رواه العوفي عن ابن عباس وقد شرحنا في هود 90 معنى الودود
قوله تعالى ذو العرش المجيد وقرأ حمزة والكسائي والمفضل عن عاصم المجيد بالخفض وقرأ غيرهم بالرفع فمن رفع المجيد جعله من صفات الله عز و جل ومن كسر جعله من صفة العرش
قوله تعالى هل أتاك حديث أي قد أتاك حديث الجنود وهم الذين تجندوا على أولياء الله ثم بين من هم فقال تعالى فرعون وثمود بل الذين كفروا يعني مشركي مكة في تكذيب لك والقرآن أي لم يعتبروا بمن كان قبلهم والله من ورائهم محيط لا يخفى عليه شيء من أعمالهم بل هو

قرآن مجيد أي كريم لأنه كلام الله وليس كما يقولون بشعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ أبو العالية وأبو الجوزاء وأبو عمران وابن السميفع بل هو قرآن مجيد بغير تنوين وبخفض مجيد في لوح محفوظ وهو اللوح المحفوظ منه نسخ القرآن وسائر الكتب فهو محفوظ عند الله محروس به من الشياطين ومن الزيادة فيه والنقصان منه وقرأ نافع محفوظ رفعا على نعت القرآن فالمعنى إنه محفوظ من التحريف والتبديل

سورة الطارق
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والسماء والطارق وما أدرنك ما الطارق النجم الثاقب إن كل نفس لما عليها حافظ فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر
قوله تعالى والسماء والطارق قال ابن قتيبة الطارق النجم سمي بذلك لأنه يطرق أي يطلع ليلا وكل من أتاك ليلا فقد طرقك ومنه قول هند ابنة عتبة
... نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق ...
تريد إن أبانا نجم في شرفه وعلوه
قوله تعالى وما أدراك ما الطارق قال المفسرون ذلك أن هذا الإسم

يقع على كل ما طرق ليلا فلم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يدري ما المراد به حتى تبينه بقوله تعالى النجم الثاقب يعني المضيء كما بينا في الصافات 10
وفي المراد بهذا النجم ثلاثة أقوال
أحدها أنه زحل قاله علي رضي الله عنه وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال هو زحل ومسكنه في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها ثم رجع الى مكانه من السماء السابعة فهو طارق حين ينزل وطارق حين يصعد
والثاني أنه الثريا قاله ابن زيد
والثالث أنه اسم جنس ذكره علي بن أحمد النيسابوري
قوله تعالى إن كل نفس قرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل إن بالتشديد كل بالنصب لما عليها حافظ وقرأ أبو جعفر وابن عامر وعاصم الجحدري وحمزة وأبو حاتم عن يعقوب لمأ بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف
قال الزجاج هذه الآية جواب القسم ومن خفف فالمعنى لعليها حافظ و ما لغو ومن شدد فالمعنى إلا قال فاستعملت لما في موضع

إلا في موضعين أحدهما هذا والآخر في باب القسم تقول سألتك لما فعلت بمعنى إلا فعلت قال المفسرون المعنى ما من نفس إلا عليها حافظ وفيه قولان
أحدهما أنهم الحفظة من الملائكة قاله ابن عباس قال قتادة يحفظون على الإنسان عمله من خير أو شر
والثاني حافظ يحفظ الإنسان حتى حين يسلمه الى المقادير قاله الفراء ثم نبه على البعث بقوله تعالى فلينظر الإنسان مم خلق أي من أي شيء خلقه الله والمعنى فلينظر نظر التفكر والإستدلال ليعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته
قوله تعالى من ماء دافق قال الفراء معناه مدفوق كقول العرب سر كاتم وهم ناصب وليل نائم وعيشة راضية وأهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلا قال الزجاج ومذهب سيبويه وأصحابه أن معناه النسب الى الإندفاق والمعنى من ماء ذي اندفاق
قوله تعالى يخرج من بين الصلب قرأ ابن مسعود وابن سيرين وابن السميفع وابن أبي عبلة الصلب بضم الصاد واللام جميعا يعني يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة قال الفراء يريد يخرج من الصلب والترائب يقال يخرج من بين هذين الشيئين خير كثير بمعنى يخرج منهما

وفي الترائب ثلاثة أقوال
أحدها أنه موضع القلادة قاله ابن عباس قال الزجاج قال أهل اللغة أجمعون الترائب موضع القلادة من الصدر وأنشدوا لامرىء القيس
... مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل ...
قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال السجنجل المرآة بالرومية وقيل هي سبيكة الفضة وقيل السجنجل الزعفران وقيل ماء الذهب ويروى البيت بالسجنجل
والثاني أن الترائب اليدان والرجلان والعينان رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الضحاك
والثالث أنها أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدر حكاه الزجاج
قوله تعالى إنه الهاء كناية عن الله عز و جل على رجعه الرجع رد الشيء الى أول حاله وفي هذه الهاء قولان
أحدهما أنها تعود على الإنسان ثم فيه قولان أحدهما أنه على إعادة الإنسان حيا بعد موته قادر قاله الحسن وقتادة قال الزجاج ويدل على هذا القول قوله تعالى يوم تبلى السرائر والثاني أنه على رجعه من حال الكبر

الى الشباب ومن الشباب الى الصبأ ومن الصبأ الى النطفة قادر قاله الضحاك والقول الثاني أنها تعود الى الماء ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها رد الماء في الإحليل قاله مجاهد والثاني على رده في الصلب قاله عكرمة والضحاك والثالث على حبس الماء فلا يخرج قاله ابن زيد
قوله تعالى يوم تبلى السرائر التي بين العبد وبين ربه حتى يظهر خيرها من شرها ومؤديها من مضيعها فإن الإنسان مستور في الدنيا لا يدري أصلى أم لا أتوضأ أم لا فإذا كان يوم القيامة أبدى الله كل سر فكان زينا في الوجه أو شينا وقال ابن قتيبة تختبر سرائر القلوب
قوله تعالى فما له من قوة أي فما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره
والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا
قوله تعالى والسماء ذات الرجع أي ذات المطر وسمي المطر رجعا لأنه يجيء ويرجع ويتكرر والأرض ذات الصدع أي ذات الشق وقيل لها هذا لأنها تتصدع وتتشقق بالنبات هذا قول المفسرين وأهل اللغة في الحرفين
قوله تعالى إنه لقول فصل يعني به القرآن وهذا جواب القسم

والفصل الذي يفصل بين الحق والباطل بالبيان عن كل واحد منهما وما هو بالهزل أي باللعب والمعنى إنه جد ولم ينزل باللعب وبعضهم يقول الهاء في إنه كناية عن الوعيد المتقدم ذكره
قوله تعالى إنهم يعني مشركي مكة يكيدون كيدا أي يحتالون وهذا الإحتيال المكر برسول الله صلى الله عليه و سلم حين اجتمعوا في دار الندوة وأكيد كيدا أي أجازيهم على كيدهم بأن أستدرجهم من حيث لا يعلمون فأنتقم منهم في الدنيا بالسيف وفي الآخرة بالنار فمهل الكافرين هذا وعيد من الله لهم ومهل وأمهل لغتان جمعتا هاهنا ومعنى الآية مهلهم قليلا حتى أهلكهم ففعل الله ذلك ببدر ونسخ الإمهال بآية السيف قال ابن قتيبة ومعنى رويدا مهلا ورويدك بمعنى أمهل قال تعالى فمهل الكافرين أمهلهم رويدا أي أمهلهم قليلا فإذا لم يتقدمها أمهلهم كانت بمعنى مهلا ولا يتكلم بها إلا مصغرة ومأمورا بها وجاءت في الشعر بغير تصغير في غير معنى الأمر
قال الشاعر
... كأنها مثل من يمشي على رود ...
أي على مهل

سورة الأعلى
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى

وفي معنى سبح خمسة أقوال
أحدها قل سبحان ربي الأعلى قاله الجمهور
والثاني عظم
والثالث صل بأمر ربك روي القولان عن ابن عباس
والرابع نزه ربك عن السوء قاله الزجاج
والخامس نزه اسم ربك وذكرك إياه أن تذكره وأنت معظم له خاشع له ذكره الثعلبي
وفي قوله تعالى اسم ربك قولان
أحدهما أن ذكر الأسم صلة كقول لبيد بن ربيعة
... الى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

والثاني أنه أصلي وقال الفراء سبح ربك و سبح اسم ربك سواء في كلام العرب
قوله تعالى الذي خلق فسوى أي فعدل الخلق وقد أشرنا الى هذا المعنى في الإنفطار 7 والذي قدر قرأ الكسائي وحده قدر بالتخفيف فهدى فيه سبعة أقوال
أحدها قدر الشقاوة والسعادة وهدى للرشد والضلالة قاله مجاهد
والثاني جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها اليه قاله عطاء
والثالث قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج قاله السدي
والرابع قدرهم ذكورا وإناثا وهدى الذكر لإتيان الأنثى قاله مقاتل

والخامس أن المعنى قدر فهدى وأضل فحذف وأضل لأن في الكلام دليلا على ذلك حكاه الزجاج
والسادس قدر الأرزاق وهدى الى طلبها
والسابع قدر الذنوب وهدى الى التوبة حكاهما الثعلبي
قوله تعالى والذي أخرج المرعى أي أنبت العشب وما ترعاه البهائم فجعله بعد الخضرة غثاء قال الزجاج أي جففه حتى جعله هشيما جافا كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل وقد بينا هذا في سورة المؤمنين 41 فأما قوله تعالى أحوى فقال الفراء الأحوى الذي قد اسود عن القدم والعتق ويكون أيضا أخرج المرعى أحوى أسود من الخضرة فجعله غثاء كما قال تعالى مدهامتان الرحمن 64
قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى قال مقاتل سنعلمك القرآن ونجمعه في قلبك فلا تنساه أبدا
قوله تعالى إلا ما شاء الله فيه ثلاثة أقوال

أحدها إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه قاله الحسن وقتادة
والثاني إلا ما شاء الله أن تنسى شيئا فإنما هو كقوله تعالى خالدين فيها ما دامت السموات والأ ض إلا ما شاء ربك هود 107 فلا يشاء
قوله تعالى إنه يعلم الجهر من القول والفعل وما يخفى منهما ونيسرك لليسرى أي نسهل عليك عمل الخير فذكر أي عظ أهل مكة إن نفعت الذكرى وفي إن ثلاثة أقوال
أحدها أنها الشرطية وفي معنى الكلام قولان أحدهما إن قبلت الذكرى قاله يحيى بن سلام والثاني إن نفعت وإن لم تنفع قاله علي بن أحمد النيسابوري
والثاني أنها بمعنى قد فتقديره قد نفعت الذكرى قاله مقاتل
والثالث أنها بمعنى ما فتقديره فذكر ما نفعت الذكرى حكاه الماوردي
قوله تعالى سيذكر سيتعظ بالقرآن من يخشى ويتجنبها

ويتجنب الذكرى الأشقى الذي يصلى النار الكبرى أي العظيمة الفظيعة لأنها أشد من نار الدنيا ثم لا يموت فيها فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه وقال ابن جرير تصير نفس أحدهم في حلقه فلا تخرج متفارقه فيموت ولا ترجع الى موضعها من الجسم فيحيا
قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحيوة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى
قوله تعالى قد أفلح قال الزجاج أي صادف البقاء الدائم والفوز من تزكى فيه خمسة أقوال
أحدها من تطهر من الشرك بالإيمان قاله ابن عباس
والثاني من أعطى صدقة الفطر قاله أبو سعيد الخدري وعطاء وقتادة
والثالث من كان عمله زاكيا قاله الحسن والربيع
والرابع أنها زكوات الأموال كلها قاله أبو الأحوص
والخامس تكثر بتقوى الله ومعنى الزاكي النامي الكثير قاله الزجاج
قوله تعالى وذكر اسم ربه قد سبق بيانه الأحزاب : 31
وفي قوله تعالى فصلى ثلاثة أقوال
أحدها أنها الصلوات الخمس قاله ابن عباس ومقاتل

والثاني صلاة العيدين قاله أبو سعيد الخدري
والثالث صلاة التطوع قاله أبو الأحوص والقول قول ابن عباس في الآيتين فإن هذه السورة مكية بلا خلاف ولم يكن بمكة زكاة ولا عيد
قوله تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا قرأ أبو عمرو وابن قتيبة وزيد عن يعقوب بل يؤثرون بالياء والباقون بالتاء واختار الفراء والزجاج التاء لأنها رويت عن أبي بن كعب بل أنتم تؤثرون فإن أريد بذلك الكفار فالمعنى أنهم يؤثرون الدنيا على الآخرة لأنهم لا يؤمنون بها وإن أريد به المسلمون فالمعنى يؤثرون الاستكثار من الدنيا على الإستحسان من الثواب قال ابن مسعود إن الدنيا عجلت لنا وإن الآخرة نعتت لنا وزويت عنا فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل
قوله تعالى والآخرة خير لك يعني الجنة أفضل وأبقى أي أدوم من الدنيا
إن هذا لفي الصحف الأولى في المشار إليه أربعة أقوال

أحدها انه قوله تعالى والآخرة خير وأبقى قاله قتادة
والثاني هذه السورة قاله عكرمة والسدي
والثالث أنه لم يرد أن معنى السورة في الصحف الأولى ولا الألفاظ بعينها وإنما أراد أن الفلاح لمن تزكى وذكر اسم ربه فصلى في الصحف الأولى كما هو في القرآن قاله ابن قتيبة
والرابع أنه من قوله تعالى قد أفلح من تزكى الى قوله وأبقى قاله ابن جرير
ثم بين الصحف الأولى ما هي فقال صحف إبراهيم وموسى وقد فسرناها في النجم 36

سورةالغاشية وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع
قوله تعالى هل أتاك أي قد أتاك قاله قطرب وقال الزجاج والمعنى هذا لم يكن من علمك ولا من علم قومك
وفي الغاشية قولان
أحدهما أنها القيامة تغشى الناس بالأهوال قاله ابن عباس والضحاك وابن قتيبة
والثاني أنها النار تغشى وجوه الكفار قاله سعيد بن جبير والقرظي ومقاتل

قوله تعالى وجوه يومئذ خاشعة أي ذليلة وفيها قولان
أحدهما أنها وجوه اليهود والنصارى قاله ابن عباس
والثاني أنه جميع الكفار قاله يحيى بن سلام
قوله تعالى عاملة ناصبة فيه أربعة أقوال
أحدها أنهم الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام كعبدة الأوثان وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني أنهم الرهبان وأصحاب الصوامع رواه أبو الضحى عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم
والثالث عاملة ناصبة في النار بمعالجة السلاسل والأغلال لأنها لم تعمل لله في الدنيا فأعملها وأنصبها في النار وروى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن وقال قتادة تكبرت في الدنيا عن طاعة الله فأعملها وأنصبها في النار بالإنتقال من عذاب الى عذاب قال الضحاك يكلفون ارتقاء جبل في النار وقال ابن السائب يخرون على وجوههم في النار وقال مقاتل عاملة في النار تأكل من النار ناصبة للعذاب
والرابع عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في النار يوم القيامة قاله عكرمة والسدي والكلام هاهنا على الوجوه والمراد أصحابها وقد بينا معنى النصب في قوله تعالى لا يمسهم فيها نصب الحجر 48

قوله تعالى تصلى نارا حامية قرأ أهل البصرة وعاصم إلا حفصا تصلى بضم التاء والباقون بفتحها قال ابن عباس قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله تسقى من عين آنية أي متناهية في الحرارة قال الحسن وقد أوقدت عليها جهنم منذ خلقت فدفعوا اليها وردا عطاشا
قوله تعالى ليس لهم طعام إلا من ضريع فيه ستة أقوال
أحدها أنه نبت ذو شوك لا طىء بالأرض وتسميه قريش الشبرق فإذا هاج سموه ضريعا رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة
والثاني أنه شجر من نار رواه الوالبي عن ابن عباس
والثالث أنها الحجارة قاله ابن جبير
والرابع أنه السلم قاله أبو الجوزاء
والخامس أنه في الدنيا الشوك اليابس الذي ليس له ورق وهو في الآخرة شوك من نار قاله ابن زيد

والسادس أنه طعام يضرعون الى الله تعالى منه قاله ابن كيسان
قال المفسرون لما نزلت هذه الآية قال المشركون إن إبلنا لتسمن على الضريع فأنزل الله تعالى لا يسمن ولا يغني من جوع وكذبوا فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطبا وحينئذ يسمى شبرقا لا ضريعا فإذا يبس يسمى ضريعا لم يأكله شيء
فإن قيل إنه قد أخبر في هذه الآية ليس لهم طعام إلا من ضريع وفي مكان آخر ولا طعام إلا من غسلين الحاقة 36 فكيف الجمع بينهما
فالجواب أن النار دركات وعلى قدر الذنوب تقع العقوبات فمنهم من طعامه الزقوم ومنهم من طعامه غسلين ومنهم من شرابه الحميم ومنهم من شرابه الصديد قاله ابن قتيبة
وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سطحت فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم

قوله تعالى وجوه يومئذ ناعمة أي في نعمة وكرامة لسعيها في الدنيا راضية والمعنى رضيت بثواب عملها في جنة عالية قد فسرناه في الحاقة آية 22 لا تسمع فيها لا غية قرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس لا يسمع بياء مضمومة لاغية بالرفع وقرأ نافع كذلك إلا أنه مضمومة والباقون بتاء مفتوحة ونصب لا غية والمعنى لا تسمع فيها كلمة لغو فيها سرر مرفوعة قال ابن عباس ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجيء أهلها فإذا أراد أن يجلس عليها صاحبها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم ترتفع الى موضعها وأكواب موضوعة عندهم وقد ذكرنا الأكواب في الزخرف 71 ونمارق وهي الوسائد واحدها نمرقة بضم النون قال الفراء وسمعت بعض كلب تقول نمرقة بكسر النون والراء مصفوفة بعضها الى جنب بعض والزرابي الطنافس التي لها خمل رقيق مبثوثة كثيرة قال ابن قتيبة كثيرة مفرقة قال المفسرون لما نعت الله سبحانه ما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفرة فذكرهم صنعه فقال تعالى أفلا ينظرون

الى الإبل وقال قتادة ذكر الله ارتفاع سرر الجنة وفرشها فقالوا كيف نصعدها فنزلت هذه الآية قال العلماء وإنما خص الإبل من غيرها لأن العرب لم يروا بهيمة قط أعظم منها ولم يشاهدوا الفيل إلا الشاذ منهم ولأنها كانت أنفس أموالهم وأكثرها لا تفارقهم ولا يفارقونها فيلاحظون فيها العبر الدالة على قدرة الخالق من إخراج لبنها من بين فرث ودم و من عجيب خلقها وهي على عظمها مذللة للحمل الثقيل وتنقاد للصبي الصغير وليس في ذوات الأربع ما يحمل عليه وقره وهو بارك فيطيق النهوض به سواها وقرأ ابن عباس وأبو عمران الجوني والأصمعي عن أبي عمرو الإبل بإسكان الباء وتخفيف اللام وقرأ أبي بن كعب وعائشة وأبو المتوكل والجحدري وابن السميفع ويونس بن حبيب وهارون كلاهما عن أبي عمرو الإبل بكسر الباء وتشديد اللام قال هارون قال أبو عمرو الإبل بتشديد اللام السحاب الذي يحمل الماء
قوله تعالى كيف خلقت وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو العالية وأبو عمران وابن أبي عبلة خلقت بفتح الخاء وضم التاء
وكذلك قرؤوا رفعت ونصبت و سطحت

قوله تعالى والى السماء كيف رفعت من الأرض حتى لا ينالها شيء بغير عمد والى الجبال كيف نصبت على الأرض لا تزول ولا تتغير والى الأرض كيف سطحت أي بسطت والسطح بسط الشيء وكل ذلك يدل على قدرة خالقه فذكر أي عظ إنما أنت مذكر أي واعظ ولم يكن حينئذ أمر بغير التذكير ويدل عليه قوله تعالى لست عليهم بمسيطر أي بمسلط فتقتلهم وتكرههم على الإيمان ثم نسختها آية السيف وقرأ ابو رزين وأبو عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد وقتادة والحلواني عن ابن عامر بمسيطر بالسين وقد سبق بيان المسيطر في قوله تعالى أم هم المسيطرون الطور 37
قول تعالى إلا من تولى وهذا استثناء منقطع معناه لكن من تولى وكفر بعد التذكر وقرأ ابن عباس وعمرو بن العاص وأنس بن مالك وأبو مجلز وقتادة وسعيد بن جبير ألا من تولى بفتح الهمزة وتخفيف اللام فيعذبه الله العذاب الأكبر وهو أن يدخله جهنم وذلك أنهم قد عذبوا في الدنيا

بالجوع والقتل والأسر فكان عذاب جهنم هو الأكبر إن إلينا إيابهم قرأ أبي بن كعب وعائشة وعبد الرحمن وأبو جعفر إيابهم بتشديد الياء أي رجوعهم ومصيرهم بعد الموت ثم إن علينا حسابهم قال مقاتل أي جزاءهم

سورة الفجر
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد
قوله تعالى والفجر قال ابن عباس الفجر انفجار الظلمة عن الصبح وانفجر الماء ايجس قال شيخنا علي بن عبيد الله الفجر ضوء النهار إذا انشق عنه الليل وهو مأخوذ من الإنفجار يقال انفجر النهر ينفجر انفجارا إذا انشق فيه موضع لخروج الماء ومن هذا سمي الفاجر فاجرا لأنه خرج عن طاعة الله
وللمفسرين في المراد بهذا الفجر ستة أقوال

أحدها أنه الفجر المعروف الذي هو بدء النهار قاله علي رضي الله عنه وروى أبو صالح عن ابن عباس قال هو انفجار الصبح كل يوم وبهذا قال عكرمة وزيد بن أسلم والقرظي
والثاني صلاة الفجر رواه عطية عن ابن عباس
والثالث النهار كله فعبر عنه بالفجر لأنه أوله وروى هذا المعنى أبو نصر عن ابن عباس
والرابع أنه فجر يوم النحر خاصة قاله مجاهد
والخامس أنه فجر أول يوم من ذي الحجة قاله الضحاك
والسادس أنه أول يوم من المحرم تنفجر منه السنة قاله قتادة
قوله تعالى وليال عشر فيها أربعة أقوال
أحدها أنه عشر ذي الحجة رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي ومقاتل

والثاني أنها العشر الأواخر من رمضان رواه أبو ظبيان عن ابن عباس
والثالث العشر الأول من رمضان قاله الضحاك
والرابع العشر الأول من المحرم قاله يمان بن رئاب
قوله تعالى والشفع والوتر قرأ حمزة والكسائي وخلف والوتر بكسر الواو وفتحها الباقون وهما لغتان قال الفراء الكسر لقريش وتميم وأسد والفتح لأهل الحجاز
وللمفسرين في الشفع والوتر عشرون قولا
أحدهما أن الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى والوتر ليلة النحر رواه أبو أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثاني يوم النحر والوتر يوم عرفة رواه جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه قال ابن عباس وعكرمة والضحاك

والثالث أن الشفع والوتر الصلاة منها الشفع ومنها الوتر رواه عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه قال قتادة

والرابع أن الشفع الخلق كله والوتر الله تعالى رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد في رواية مسروق وأبو صالح
والخامس أن الوتر آدم شفع بزوجته رواه مجاهد عن ابن عباس
والسادس أن الشفع يومان بعد يوم النحر وهو النفر الأول والوتر اليوم الثالث وهو النفر الأخير قاله عبد الله بن الزبير واستدل بقوله تعالى فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه البقرة 203
والسابع أن الشفع صلاة الغداة والوتر صلاة المغرب حكاه عطية
والثامن أن الشفع الركعتان من صلاة المغرب والوتر الركعة الثالثة قاله أبو العالية والربيع بن أنس
والتاسع أن الشفع والوتر الخلق كله منه شفع ومنه وتر قاله ابن زيد ومجاهد في رواية
والعاشر أنه العدد منه شفع ومنه وتر وهذا والذي قبله مرويان عن الحسن
والحادي عشر أن الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام منى الثلاثة قاله الضحاك

والثاني عشر أن الشفع هو الله لقوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم المجادلة 7 والوتر هو الله لقوله تعالى قل هو الله أحد قاله سفيان بن عيينة
والثالث عشر أن الشفع هو آدم وحواء والوتر الله تعالى قاله مقاتل ابن سليمان
والرابع عشر أن الشفع الأيام والليالي والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة قاله مقاتل بن حيان
والخامس عشر الشفع درجات الجنان لأنها ثمان والوتر دركات النار لأنها سبع فكأن الله أقسم بالجنة والنار قاله الحسين بن الفضل
والسادس عشر الشفع تضاد أوصاف المخلوقين بين عز وذل وقدرة وعجز وقوة وضعف وعلم وجهل وموت وحياة والوتر انفراد صفات الله عز و جل عز بلا ذل وقدرة بلا عجز وقوة بلا ضعف وعلم بلا جهل وحياة بلا موت قاله أبو بكر الوراق
والسابع عشر أن الشفع الصفا والمروة والوتر البيت
والثامن عشر أن الشفع مسجد مكة والمدينة والوتر بيت المقدس
والتاسع عشر أن الشفع القرآن بين الحج والتمتع والوتر الإفراد
والعشرون الشفع العبادات المتكررة كالصلاة والصوم والزكاة

والوتر العبادة التي لا تتكرر وهو الحج حكى هذه الأقوال الأربعة الثعلبي
قوله تعالى والليل إذا يسر وقرأ ابن كثير ويعقوب يسري بياء في الوصل والوقف وافقهما في الوصل نافع وأبو عمرو وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي يسر بغير ياء في الوصل والوقف قال الفراء والزجاج الأختيار حذفها لمشاكلتها لرؤوس الآيات ولإتباع المصحف وفي قوله تعالى والليل إذا يسر قولان
أحدهما أن الفعل له ثم فيه قولان أحدهما إذا يسري ذاهبا قاله الجمهور وهو اختيار الزجاج والثاني إذا يسري مقبلا قاله قتادة
والقول الثاني أن الفعل لغيره والمعنى إذا يسري فيه كما يقال ليل نائم أي ينام فيه قاله الأخفش وابن قتيبة
وفي المراد بهذا الليل ثلاثة أقوال
أحدها أنه عام في كل ليلة وهذا الظاهر
والثاني أنه ليلة المزدلفة وهي ليلة جمع قاله مجاهد وعكرمة
والثالث ليلة القدر حكاه الماوردي

قوله تعالى هل في ذلك أي هل في ذلك المذكور من الأمور التي أقسمنا بها قسم لذي حجر أي لذي عقل وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه عن القبيح وسمي عقلا لأنه يعقل عمالا يحسن وسمي العقل النهى لأنه ينهى عما لا يحل ومعنى الكلام أن من كان ذا لب علم أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء فيه دلائل على توحيد الله وقدرته فهو حقيق أن يقسم به لدلالته وجواب القسم قوله تعالى إن ربك لبالمرصاد فأعترض بين القسم وجوابه بقوله تعالى ألم تر كيف فعل ربك بعاد فخوف أهل مكة بإهلاك من كان أشد منهم وقرأ ابن مسعود وابن يعمر بعاد إرم بكسر الدال من غير تنوين على الإضافة
وفي إرم أربعة أقوال
أحدها أنه اسم بلدة قال الفراء ولم يجر إرم لأنها اسم بلدة ثم فيها ثلاثة أقوال أحدها أنها دمشق قاله سعيد بن المسيب وعكرمة

وخالد الربعي والثاني الإسكندرية قاله محمد بن كعب والثالث أنها مدينة صنعها شداد بن عاد وهذا قول كعب وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
والقول الثاني أنه اسم أمة من الأمم ومعناه القديمة قاله مجاهد
والثالث أنه قبيلة من قوم عاد قاله قتادة ومقاتل قال الزجاج

وإنما لم تنصرف إرم لأنها جعلت اسما للقبيلة ففتحت وهي في موضع خفض
والرابع أنه اسم لجد عاد لأنه عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح قاله ابن إسحاق قال الفراء فإن كان اسما لرجل على هذا القول فإنما ترك إجراؤه لأنه كالعجمي قال أبو عبيدة هما عادان فالأولى هي إرم وهي التي قال الله تعالى وأنه أهلك عادا الأولى النجم 50
وهل قوم هود عاد الأولى أم لا فيه قولان قد ذكرناهما في النجم
وفي قوله تعالى إرم ذات العماد أربعة أقوال
أحدها لأنهم كانوا أهل عمد وخيام يطلبون الكلأ حيث كان ثم يرجعون الى منازلهم فلا يقيمون في موضع روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة والفراء
والثاني أن معنى ذات العماد ذات الطول روي عن ابن عباس أيضا وبه قال مقاتل وأبو عبيدة قال الزجاج يقال رجل معمد إذا كان طويلا

والثالث ذات القوة والشدة مأخوذ من قوة الأعمدة قاله الضحاك
والرابع ذات البناء المحكم بالعماد قاله ابن زيد وقيل إنما سميت ذات العماد لبناء بناه بعضهم
قوله تعالى التي لم يخلق مثلها في البلاد وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وأبو عمران لم تخلق بتاء مفتوحة ورفع اللام مثلها بنصب اللام
وقرأ معاذ القارىء وعمرو بن دينار لم تخلق بنون مفتوحة ورفع اللام مثلها بنصب اللام
وفي المشار إليها قولان
أحدهما لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة وهذا معنى قول الحسن
والثاني المدينة لم يخلق مثل مدينتهم ذات العماد قاله عكرمة
وقد جاء في التفسير صفات تلك المدينة وهذه الإشارة الى ذلك
روى وهب بن منبه عن عبدالله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فبينما هو في صحارى عدن وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن وحول الحصن قصور كثيرة فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا يسأله عن إبله فلم ير خارجا ولا داخلا فنزل عن دابته وعقلها وسل سيفه ودخل من باب

الحصن فلما دخل الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير أعظم منهما والبابان مرصعان بالياقوت الأبيض و الأحمر فلما رأى ذلك دهش ففتح أحد البابين فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها وإذا قصور كل قصر فوقه غرف وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت ومصاريع تلك الغرف مثل مصاريع المدينة يقابل بعضها بعضا مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق من مسك وزعفران فلما عاين ذلك ولم ير احدا هاله ذلك ثم نظر الى الأزقة فاذا هو في كل زقاق منها شجر قد أثمر وتحت الشجر أنهار مطردة يجري ماؤها من قنوات من فضة فقال الرجل إن هذه هي الجنة فحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزعفران ورجع الى اليمن فأظهر ما كان معه وبلغ الأمر الى معاوية فأرسل إليه فقص عليه ما رأى فأرسل معاوية الى كعب الأحبار فلما أتاه قال له يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة قال نعم أخبرك بها وبمن بناها إنما بناها شداد بن عاد والمدينة

إرم ذات العماد قال فحدثني حديثها فقال إن عادا المنسوب إليهم عاد الأولى كان له ولدان شديد وشداد فلما مات عاد ثم مات شديد وبقي شداد ملك الأرض ودانت له الملوك وكان مولعا بقراءة الكتب فكان إذا مر بذكر الجنة دعته نفسه الى بناء مثلها عتوا على الله تعالى فأمر بصنع إرم ذات العماد فأمر على عملها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان وكتب الى ملوك الأرض أن يمدوه بما في بلادهم من الجواهر فخرج القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا أرضا موافقة فوقفوا على صحراء عظيمة نقية من التلال وإذا فيها عيون ماء ومروج فقالوا هذه صفة الأرض التي أمر الملك أن يبنى بها فوضعوا أساسها من الجزع اليماني وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة وكان عمر شداد تسعمائة سنة فلما أتوه وقد فرغوا منها قال انطلقوا واجعلوا عليها حصنا واجعلوا حول الحصن ألف قصر عند

كل قصر ألف علم ليكون في كل قصر من تلك القصور وزير من وزرائي ففعلوا ذلك فأمر الملك الوزراء وهم ألف وزير أن يتهيئوا للنقلة الى إرم ذات العماد وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين ثم ساروا اليها فلما كانوا منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا ولم يبق منهم أحد

وروى الشعبي عن دغفل الشياني عن علماء حمير قالوا لما هلك شداد ابن عاد ومن معه من الصيحة ملك بعده ابنه مرثد بن شداد وقد كان أبوه خلفه بحضرموت على ملكه وسلطانه فأمر بحمل أبيه من تلك المفازة الى حضرموت وأمر بدفنه فحفرت له حفيرة في مفازة فاستودعه فيها على سرير من ذهب وألقى عليه سبعين حلة منسوجة بقضبان الذهب ووضع عند رأسه لوحا عظيما من ذهب وكتب عليه
... إعتبر يا أيها المغ ... رور بالعمر المدير ...
... أنا شداد بن عاد ... صاحب الحصن المشيد ...
... وأخو القوة والبأ ... ساء والملك الحشيد

دان أهل الأرض طرا ... لي من خوف وعيدي ...
... وملكت الشرق والغر ... ب بسلطان شديد ...
... وبفضل الملك والعد ... دة فيه والعديد ...
... فأتى هود وكنا ... في ضلال قبل هود ...
... فدعانا لو قبلنا ... ه الى الأمر الرشيد ...
... فعصيناه ونادى ... ما لكم هل من محيد ...
... فأتتنا صيحة ته ... وي من الأفق البعيد ...
... فتوافينا كزرع ... وسط بيداء حصيد ...
قوله تعالى وثمود الذين جابوا الصخر قطعوه ونقبوه قال إسحاق والوادي وادي القرى وقرأ الحسن بالوادي بإثبات الياء في الحالين وفرعون ذي الأوتاد مفسر في سورة ص 12 الذين طغوا في البلاد يعني عادا وثمود وفوعون عملوا بالمعاصي وتجبروا على أنبياء الله فأكثروا فيها الفساد القتل والمعاصي فصب عليهم ربك سوط عذاب

قال ابن قتيبة وإنما قال سوط عذاب لأن التعذيب قد يكون بالسوط
وقال الزجاج أي جعل سوطهم الذي ضربهم به العذاب إن ربك لبالمرصاد أي يرصد من كفر به بالعذاب والمرصد الطريق وقد شرحناه في قوله تعالى كانت مرصادا النبأ 21
فأما الإنسان إذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتله فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول ياليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي
قوله تعالى فأما الإنسان فيمن عنى به أربعة أقوال
أحدها عتبة بن ربيعة وأبو حذيفة بن المغيرة رواه عن ابن عباس
والثاني أبي بن خلف قاله ابن السائب
والثالث أمية بن خلف قاله مقاتل

والرابع أنه الكافر الذي لا يؤمن بالبعث قال الزجاج وابتلاه بمعنى اختبره بالغنى واليسر فأكرمه بالمال ونعمه بما وسع عليه من الإفضال فيقول ربي أكرمني فتح ياء ربي أكرمني ربي أهانني أهل الحجاز وأبو عمرو أي فضلني بما أعطاني ويظن أن ما أعطاه من الدنيا لكرامته عليه وأما إذا ما ابتلاه بالفقر فقدر عليه رزقه وقرأ أبو جعفر وابن عامر فقدر بتشديد الدال والمعنى ضيق عليه بأن جعله على مقدار البلغة فيقول ربي أهانني أي هذا الهوان منه لي حين أذلني بالفقر
واعلم أن من لا يؤمن بالبعث فالكرامة عنده زيادة الدنيا والهوان قلتها

قوله تعالى كلا أي ليس الأمر كما يظن قال مقاتل ما أعطيت من أغنيت هذا الغنى لكرامته علي ولا أفقرت من أفقرت لهوانه علي وقال الفراء المعنى لم يكن ينبغي له أن يكون هكذا إنما ينبغي أن يحمد الله على الأمرين الفقر والغنى ثم أخبر عن الكفار فقال تعالى بل لا تكرمون اليتيم قرأ أهل البصرة يكرمون و يحضون و يأكلون و يحبون بالياء فيهن والباقون بالتاء ومعنى الآية إني أهنت من أهنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم والآية تحتمل معنيين
أحدهما أنهم كانوا لا يبرونه
والثاني لا يعطونه حقه من الميراث وكذلك كانت عادة الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان ويدل على المعنى الأول قوله تعالى ولا تحاضون على طعام المسكين قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة تحاضون بألف مع فتح التاء وروى الشيرزي عن الكسائي كذلك إلا أنه ضم التاء والمعنى لا يأمرون بإطعامه لأنهم لا يرجون ثواب الآخرة ويدل على المعنى الثاني قوله تعالى وتأكلون التراث أكلا لما قال ابن قتيبة التراث الميراث والتاء فيه منقلبة عن واو

كما قالوا تجاه والأصل وجاه وقالوا تخمة والأصل وخمة و لما أي شديدا وهو من قولك لممت بالشيء إذا جمعته وقال الزجاج هو ميراث اليتامى
قوله تعالى وتحبون المال أي تحبون جمعه حبا جما أي كثير فلا تنفقونه في خير كلا أي ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال تعالى إذا دكت الأرض دكا دكا أي مرة بعد مرة فتكسر كل شيء عليها وجاء ربك قد ذكرنا هذا المعنى في قوله تعالى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله البقرة 210
قوله تعالى والملك صفا صفا أي تأتي ملائكة كل سماء صفا صفا على حدة قال الضحاك يكونون سبعة صفوف وجيء يومئذ بجهنم روى مسلم في أفراده من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله

صلى الله عليه و سلم يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها قال مقاتل يجاء بها فتقام عن يسار العرش
قوله تعالى يومئذ أي يوم يجاء بجهنم يتذكر الإنسان أي يتعظ الكافر ويتوب قال مقاتل هو أمية بن خلف وأنى له الذكرى أي كيف له بالتوبة وهي في القيامة لا تنفع يقول يا ليتني قدمت العمل الصالح في الدنيا لحياتي في الآخرة التي لا موت فيها فيومئذ لا يعذب عذابه أحد قرأ الكسائي ويعقوب والمفضل لا يعذب بفتح الذال والباقون بكسرها فمن فتح أراد لا يعذب عذاب الكافر أحد ومن كسر أراد لا يعذب عذاب الله أحد أي كعذابه وهذه القراءة تختص بالدنيا والأولى تختص بالآخرة

قوله تعالى يا أيتها النفس المطمئنة اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال
أحدها في حمزة بن عبد المطلب لما استشهد يوم أحد قاله أبو هريرة وبريدة الأسلمي
والثاني في عثمان بن عفان حين أوقف بئر رومة قاله الضحاك
والثالث في خبيب بن عدي لما صلبه أهل مكة قاله مقاتل
والرابع في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حكاه الماوردي
والخامس في جميع المؤمنين قاله عكرمة
وفي معنى المطمئنة ثلاثة أقوال
أحدها المؤمنة قاله ابن عباس وقال الزجاج المطمئنة بالإيمان
والثاني الراضية بقضاء الله قاله مجاهد
والثالث الموقنة بما وعد الله قاله قتادة
واختلفوا في أي حين يقال لها ذلك على قولين
أحدهما عند خروجها من الدنيا قاله الأكثرون
والثاني عند البعث يقال لها ارجعي الى صاحبك والى جسدك فيأمر الله الأرواح أن تعود الى الأجساد رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال عطاء وعكرمة والضحاك

وفي قوله تعالى ارجعي الى ربك راضية أربعة أقوال
أحدها ارجعي الى صاحبك الذي كنت في جسده وهذا المعنى في رواية العوفي عن ابن عباس وبه قال عكرمة والضحاك
والثاني ارجعي الى ربك بعد الموت في الدنيا قاله أبو صالح
والثالث ارجعي الى ثواب ربك قاله الحسن
والرابع يا أيتها النفس المطمئنة الى الدنيا ارجعي الى الله تعالى بتركها حكاه الماوردي
قوله تعالى فادخلي في عبادي أي في جملة عبادي المصطفين قال أبو صالح يقال لها عند الموت ارجعي الى ربك فإذا كان يوم القيامة قيل لها فادخلي في عبادي وقال الفراء ادخلي مع عبادي وقرأ سعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وابن عباس ومجاهد والضحاك وأبو العالية وأبو عمران في عبدي على التوحيد قال الزجاج فعلى هذه القراءة والله أعلم

يكون المعنى ارجعي الي ربك أي الى صاحبك الذي خرجت منه فادخلي فيه

سورة البلد
وهي مكية كلها بإجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين
قوله تعالى لا أقسم قال الزجاج المعنى أقسم و لا دخلت توكيدا كقوله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب الحديد 29 وقرأ عكرمة ومجاهد وأبو عمران وأبو العالية لأقسم قال الزجاج وهذه القراءة بعيدة في العربية وقد شرحنا هذا في أول القيامة
قوله تعالى وأنت حل بهذا البلد فيه ثلاثة أقوال

و البلد هاهنا مكة
أحدها حل لك ما صنعت في هذا البلد من قتل أو غيره قاله ابن عباس ومجاهد قال الزجاج يقال رجل حل وحلال ومحل قال المفسرون والمعنى إن الله تعالى وعد نبيه أن يفتح مكة على يديه بأن يحلها له فيكون فيها حلا
والثاني فأنت محل بهذا البلد غير محرم في دخوله يعني عام الفتح قاله الحسن وعطاء
والثالث أن المشركين بهذا البلد يستحلون إخراجك وقتلك ويحرمون قتل الصيد حكاه الثعلبي
قوله تعالى ووالد وما ولد فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه آدم وما ولد قاله الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة

والثاني أولاد إبراهيم وما ولد ذريته قاله أبو عمران الجوني
والثالث أنه عام في كل والد وما ولد حكاه الزجاج
قوله تعالى لقد خلقنا الإنسان هذا جواب القسم
وفيمن عنى بالإنسان خمسة أقوال
أحدهما أنه اسم جنس وهو معنى قول ابن عباس
والثاني أنه أبو الأشدين الجمحي وقد سبق ذكره المدثر 29 والانفطار 5 قاله الحسن

والثالث أنه الحارث بن عامر بن نوفل وذلك أنه أذنب ذنبا فأمره النبي صلى الله عليه و سلم بالكفارة فقال لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد قاله مقاتل
والرابع آدم عليه السلام قاله ابن زيد
والخامس الوليد بن المغيرة حكاه الثعلبي
قوله تعالى في كبد فيه ثلاثة أقوال
أحدها في نصب رواه الوالبي عن ابن عباس وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو عبيدة فإنهم قالوا في شدة قال الحسن يكابد الشكر على السراء والصبر على الضراء لأنه لا يخلو من أحدهما ويكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة قال ابن قتيبة في شدة غلبة ومكابدة لأمور الدنيا والآخرة فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر وهي معاناته
والثاني أن المعنى خلق منتصبا يمشي على رجلين وسائر الحيوان

غير منتصب رواه مقسم عن ابن عباس وبه قال عكرمة والضحاك وعطية والفراء فعلى هذا يكون معنى الكبد الإستواء والإستقامة
والثالث في وسط السماء قال ابن زيد لقد خلقنا الإنسان يعني آدم في كبد أي في وسط السماء
قوله تعالى أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يعني الله عز و جل أي أيحسب أن لن نقدر على بعثه ومعاقبته يقول أهلكت مالا لبدا أي كثيرا قال أبو عبيدة هو فعل من التلبد وهو المال الكثير بعضه على بعض قال ابن قتيبة وهو المال المتلبد

كأن بعضه على بعض قال الزجاج وهو فعل للكثرة كما يقال رجل حطم إذا كان كثير الحطم وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعائشة وأبو عبد الرحمن وقتادة وأبو العالية وأبو جعفر لبدا بضم اللام وتشديد الباء مفتوحة وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو المتوكل وأبو عمران لبدا بفتح اللام وتسكين الباء خفيفة وقرأ عثمان بن عفان والحسن ومجاهد لبدا برفع اللام والباء وتخفيفهما وقرأ علي وابن أبي الجوزاء لبدا بكسر اللام وفتح الباء مخففة
وفيما قال لأجله ذلك قولان
أحدهما أنه أراد أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمد قاله ابن السائب فكأنه استطال بما أنفق
والثاني أنفقت في سبيل الله وفي الكفارات مالا كثيرا قاله مقاتل فكأنه ندم على ما أنفق
قوله تعالى أيحسب أن لم يره أحد يعني الله عز و جل والمعنى أيظن أن الله لم ير نفقته ولم يحصها وكان قد ادعى ما لم ينفق

قوله تعالى ألم نجعل له عينين والمعنى ألم نفعل به ما يدل على أن الله قادر على بعثه
قوله تعالى وهديناه النجدين فيه ثلاثة أقوال
أحدها سبيل الخير والشر قاله علي والحسن والفراء وقال ابن قتيبة يريد طريق الخير والشر وقال الزجاج النجدان الطريقان الواضحان والنجد المرتفع من الأرض فالمعنى ألم نعرفه طريق الخير والشر كتبين الطريقين العاليين
والثاني سبيل الهدى والضلال قاله ابن عباس وقال مجاهد هو سبيل الشقاوة والسعادة
والثالث الثديان ليتغذى بلبنهما روي عن ابن عباس أيضا وبه قال ابن المسيب والضحاك وقتادة
فلا أقتحم العقبة وما أدرسك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة عليهم نار مؤصدة

قوله تعالى فلا اقتحم العقبة قال أبو عبيدة فلم يقتحم العقبة في الدنيا وقال ابن قتيبة فلا هو اقتحم العقبة قال الفراء لم يضم الى قوله تعالى فلا اقتحم العقبة كلاما آخر فيه لا والعرب لا تكاد تفرد لا في الكلام حتى يعيدوها عليه في كلام آخر كقوله تعالى فلا صدق ولا صلى القيامة 31 ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون البقرة 62 ومعنى لا مأخوذ من آخر هذا الكلام فاكتفى بواحدة من الأخرى ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة فقال فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسبغة ثم كان من الذين آمنوا ففسرها بثلاثة أشياء فكأنه كان في أول الكلام فلا فعل ذا ولا ذا وذهب ابن زيد في آخرين الى أن المعنى أفلا اقتحم العقبة على وجه الإستفهام والمعنى فهلا أنفق ماله في فك الرقاب والإطعام ليجاوز بذلك العقبة
فأما الإقتحام فقد بيناه في ص 59
وفي العقبة سبعة أقوال
أحدها أنه جبل في جهنم قاله ابن عمر

والثاني عقبة دون الجسر قاله الحسن
والثالث سبعون دركة في جهنم قاله كعب
والرابع الصراط قاله مجاهد والضحاك
والخامس نار دون الجسر قاله قتادة
والسادس طريق النجاة قاله ابن زيد
والسابع أن ذكر العقبة هاهنا مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة يقول لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام ذكره علي بن أحمد النيسابوري في آخرين
قوله تعالى وما أدراك ما القعبة قال سفيان بن عينية كل ما فيه وما أدراك فقد أخبره وكل ما فيه وما يدريك فإنه لم يخبره به قال المفسرون المعنى وما أدراك ما اقتحام العقبة ثم بينه فقال تعالى

فك رقبة قرأ ابن كثير وأبوه عمرو إلا عبد الوارث والكسائي والداجوني عن ابن ذكوان فك بفتح الكاف رقبة بالنصب أوأطعم بفتح الهمزة والميم وسكون الطاء من غير ألف وقرأ عاصم وابن عامر ونافع وحمزة فك بالرفع رقبة بالخفض أو إطعام بالألف ومعنى فك الرقبة تخليصها من أسر الرق وكل شيء أطلقته فقد فككته ومن قرأ فك رقبة على الفعل فهو تفسير اقتحام العقبة بالفعل واختاره الفراء لقوله تعالى ثم كان من الذين آمنوا قال ابن قتيبة والمسغبة المجاعة يقال سغب يسغب سغوبا إذا جاع يتيما ذا مقربة أي ذا قرابة أو مسكينا ذا متربة أي ذا فقر كأنه لصق بالتراب وقال ابن عباس هو المطروح في التراب لايقيه شيء ثم بين أن هذه القرب إنما تنفع مع الإيمان بقوله تعالى ثم كان من الذين آمنوا و ثم هاهنا بمعنى الواو كقوله تعالى ثم الله شهيد يونس 46

قوله تعالى وتواصوا بالصبر على فرائض الله وأمره وتواصوا بالمرحمة أي بالتراحم بينهم وقد ذكرنا أصحاب الميمنة والمشأمة في الواقعة 7 8 قال الفراء و المؤصدة المطبقة قال مقاتل يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولايخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد وقال ابن قتيبة يقال أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وقال الزجاج المعنى أن العذاب مطبق عليهم وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم موصدة بغير همز هاهنا وفي الهمزة 8 وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم بالهمز في الموضعين

سورة الشمس
وهي مكيه كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها
قوله تعالى والشمس وضحاها في المراد بضحاها ثلاثة أقوال
أحدها ضوؤها قاله مجاهد والزجاج والضحى حين يصفو ضوء الشمس بعد طلوعها
والثاني النهار كله قاله قتادة وابن قتيبة
والثالث حرها قاله السدي ومقاتل والقمر إذا تلاها فيه قولان

أحدهما إذا تبعها قاله ابن عباس في آخرين ثم في وقت اتباعه لها ثلاثة أقوال أحدهما أنه في أول ليلة من الشهر يرى القمر إذا سقطت الشمس قال قتادة والثاني أنه في الخامس عشر يطلع القمر مع غروب الشمس حكاه الماوردي والثالث أنه في النصف الأول من الشهر إذا غربت تلاها القمر في الإضاءة وخلفها في النور حكاه علي بن أحمد النيسابوري
والقول الثاني إذا ساواها قاله مجاهد وقال غيره إذا استدار فتلا الشمس في الضياء والنور وذلك في الليالي البيض
قوله تعالى والنهار إذا جلاها في المكني عنها قولان
أحدهما أنها الشمس قاله مجاهد فيكون المعنى والنهار إذا بين الشمس لأنها تتبين إذا انبسط النهار
والثاني أنها الظلمة فيكون كناية عن غير مذكور لأن المعنى معروف كما تقول أصبحت باردة وهبت شمالا وهذا قول الفراء واللغويين
والليل إذا يغشاها أي يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق
قوله تعالى والسماء وما بناها في ما قولان

أحدهما بمعنى من تقديره ومن بناها قاله الحسن ومجاهد وأبو عبيدة وبعضهم يجعلها بمعنى الذي
والثاني أنها بمعنى المصدر تقديره وبنائها وهذا مذهب قتادة والزجاج وكذلك القول في وما طحاها وما سواها وقد قرأ أبو عمران الجوني في آخرين ومن بناها ومن طحاها ومن سواها كله بالنون قال أبو عبيدة ومعنى طحاها بسطها يمينا وشمالا ومن كل جانب قال ابن قتيبة يقال خير طاح أي كثير متسع
وفي المراد بالنفس ها هنا قولان
أحدهما آدم قاله الحسن
والثاني جميع النفوس قاله عطاء وقد ذكرنا معنى سواها في

قوله تعالى فسواك فعدلك الإنفطار 7 فألهمها فجورها وتقواها الإلهام إيقاع الشيء في النفس قال سعيد بن جبير ألزمها فجورها وتقواها
وقال ابن زيد جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها للفجور

قوله تعالى قد أفلح من زكاها قال الزجاج هذا جواب القسم والمعنى لقد أفلح ولكن اللام حذفت لأن الكلام طال فصار طوله عوضا منها قال ابن الأنباري جوابه محذوف وفي معنى الكلام قولان
أحدهما قد أفلحت نفس زكاها الله عز و جل قاله ابن عباس ومقاتل والفراء والزجاج
والثاني قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال قاله قتادة وابن قتيبة ومعنى زكاها أصلحها وطهرها من الذنوب وقد خاب من دساها فيه قولان كالذي قبله
فإن قلنا إن الفعل لله فمعنى دساها خذلها وأخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح
وإن قلنا الفعل للإنسان فمعنى دساها أخفاها بالفجور قال الفراء ويروى أن دساها دسسها لأن البخيل يخفي منزله وماله وقال ابن قتيبة المعنى دسى نفسه أي أخفاها بالفجور والمعصية والأصل من دسست

فقلبت السين ياء كما قالوا قصيت أظفاري أي قصصتها فكأن النطف بارتكاب الفواحش دس نفسه وقمعها ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها وكانت أجواد العرب تنزل الربا للشهرة واللئام تنزل الأطراف لتخفي أماكنها وقال الزجاج معنى دساها جعلها قليلة خسيسة
كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقيها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواه ولا يخاف عقبها
قوله تعالى كذبت ثمود بطغواها أي كذبت رسولها بطغيانها
والمعنى أن الطغيان حملهم على التكذيب قال الفراء أراد بطغواها طغيانها وهما مصدران إلا أن الطغوى أشكل برؤوس الآيات فاختير لذلك وقيل كذبوا العذاب إذ انبعث أي انتدب أشقاها وهو عاقر الناقة لعقرها فقال لهم رسول الله وهو صالح ناقة الله قال الفراء نصب

الناقة على التحذير وكل تحذير فهو نصب قال ابن قتيبة المعنى احذروا ناقة الله وشربها وقال الزجاج المعنى ذروا ناقة الله و ذروا سقياها قال المفسرون سقياها شربها من الماء والمعنى لا تتعرضوا ليوم شربها فكذبوه في تحذيره إياهم العذاب بعقرها فعقروها وقد بينا معنى العقر في الأعراف 77 فدمدم عليهم ربهم قال الزجاج أي أطبق عليهم العذاب يقال دمدمت على الشيء إذا أطبقت فكررت الإطباق وقال المؤرج الدمدمة إهلاك بإستئصال
وفي قوله تعالى فسواها قولان
أحدهما سوى بينهم في الإهلاك قاله السدي ويحيى بن سلام وقيل سوى الدمدمة عليهم والمعنى أنه أهلك صغيرهم وكبيرهم
والثاني سوى الأرض عليهم قال مقاتل سوى بيوتهم على قبورهم
وكانوا قد حفروا قبورا فاضطجعوا فيها فلما صيح بهم فهلكوا زلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم
قوله تعالى ولا يخاف عقباها قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر فلا يخاف بالفاء وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام وقرأ الباقون

بالواو وكذلك هي في مصاحف مكة والكوفة والبصرة
وفي المشار اليه ثلاثة أقوال
أحدها أنه الله عز و جل فالمعنى لا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم ولا يخشى عقبى ما صنع قاله ابن عباس والحسن
والثاني أنه الذي عقرها فالمعنى أنه لم يخف عقبى ما صنع وهذا مذهب الضحاك والسدي وابن السائب فعلى هذا الكلام تقديم وتأخير تقديره إذ انبعث أشقاها وهو لا يخاف عقباها
والثالث أنه نبي الله صالح لم يخف عقباها حكاه الزجاج

سورة الليل
وهي مكية كلها بإجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى
قوله تعالى والليل إذا يغشى قال ابن عباس يغشى بظلمته النهار وقال الزجاج يغشى الأفق ويغشى جميع ما بين السماء والأرض والنهار إذا تجلى أي بان وظهر من بين الظلمة وما خلق الذكر والأنثى في ما قولان وقد ذكرناهما عند قوله تعالى وما بناها الشمس 5 وفي الذكر والأنثى قولان
أحدهما آدم وحواء قاله ابن السائب ومقاتل

والثاني أنه عام ذكره الماوردي قوله تعالى إن سعيكم لشتى هذا جواب القسم قال ابن عباس إن أعمالكم لمختلفة عمل للجنة وعمل للنار وقال الزجاج سعي المؤمن والكافر مختلف بينهما بعد
وفي سبب نزول هذه السورة قولان
أحدهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية وأبي ابني خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه فأنزل الله عز و جل والليل الى قوله تعالى إن سعيكم لشتى يعني سعي أبي بكر وأمية وأبي قاله عبد الله بن مسعود
والثاني أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال وكان الرجل إذا صعد النخلة ليأخذ منها الثمر فربما سقطت الثمرة فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ الثمرة من أيديهم فإن وجدها في فم

أحدهم أدخل أصبعه حتى يخرجها فشكا ذلك الرجل الى النبي صلى الله عليه و سلم فلقي النبي صلى الله عليه و سلم صاحب النخلة فقال تعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة فقال الرجل إن لي نخلا وما فيه نخلة أعجب إلي منها ثم ذهب الرجل فقال رجل ممن سمع ذلك الكلام يا رسول الله أتعطيني نخلة في الجنة إن أنا أخذتها قال نعم فذهب الرجل فلقي صاحب النخلة فساومها منه فقال له أما شعرت أن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة فقلت ما لي نخلة أعجب إلي منها فقال له أتريد بيعها قال لا إلا أن أعطى بها مالا أظنني أعطى قال ما مناك قال أربعون نخلة فقال أنا أعطيك أربعين نخلة فأشهد له ناسا ثم ذهب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن النخلة قد صارت في ملكي وهي لك فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى صاحب الدار فقال النخلة لك ولعيالك فأنزل الله عز و جل والليل إذا يغشى الى قوله تعالى إن سعيكم لشتى رواه عكرمة عن ابن عباس وقال عطاء الذي اشتراها من الرجل أبو الدحداح

أخذها بحائط له فأنزل الله تعالى هذه الآيات الى قوله تعالى إن سعيكم لشتى أبو الدحداح وصاحب النخلة
قوله تعالى فأما من أعطى وأتقى قال ابن مسعود يعني أبا بكر الصديق هذا قول الجمهور وقال عطاء هو أبو الدحداح
وفي المراد بهذا العطاء ثلاثة أقوال
أحدها أعطى من فضل ماله قاله ابن عباس

والثاني أعطى الله الصدق من قبله قاله الحسن
والثالث أعطى حق الله عليه قاله قتادة
وفي قوله تعالى واتقى ثلاثة أقوال
أحدها اتقى الله قاله ابن عباس
والثاني اتقى البخل قاله مجاهد
والثالث اتقى محارم الله التي نهى عنها قاله قتادة
وفي الحسنى ستة أقوال
أحدها أنه لا إله إلا الله رواه عطية عن ابن عباس وبه قال الضحاك
والثاني الخلف رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال الحسن
والثالث الجنة قاله مجاهد
والرابع نعم الله عليه قاله عطاء
والخامس بوعد الله أن يثيبه قاله قتادة ومقاتل
والسادس الصلاة والزكاة والصوم قاله زيد بن أسلم
قوله تعالى فسنيسره لليسرى ضم أبو جعفر سين اليسرى وسين العسرى وفيه قولان
أحدهما للخير قاله ابن عباس والمعنى نيسر ذلك عليه

والثاني للجنة قاله زيد بن أسلم
وأما من بخل قال ابن مسعود يعني ذلك أمية وأبي ابني خلف وقال عطاء هو صاحب النخلة
قال المفسرون وأما من بخل بالنفقة في الخير والصدقة وقال قتادة بحق الله عز و جل واستغنى عن ثواب الله فلم يرغب فيه وكذب بالحسنى وقد سبقت الأقوال فيها
وفي العسرى قولان
أحدهما النار قاله ابن مسعود
والثاني الشر قاله ابن عباس والمعنى سنهيؤه للشر فيؤديه الى الأمر العسير وهو عذاب النار
ثم ذكر أن ما أمسكه من ماله لا ينفعه فقال تعالى وما يغنى عنه ماله الذي بخل به عن الخير إذا تردى وفيه قولان
أحدهما إذا تردى في جهنم قاله ابن عباس وقتادة والمعنى إذا سقط فيها

والثاني إذا مات فتردى في قبره قاله مجاهد
إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى
قوله تعالى إن علينا للهدى قال الزجاج المعنى إن علينا ان نبين طريق الهدى من طريق الضلالة وإن لنا للآخرة والأولى أي فليطلبا منا فأنذرتكم نارا تلظى أي توقد وتتوهج لا يصلاها إلا الأشقى يعني المشرك الذي كذب الرسول وتولى عن الإيمان قال أبو عبيدة الأشقى بمعنى الشقي والعرب تضع أفعل في موضع فاعل قال طرفة
... تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد ...
قال الزجاج وهذه الآية التي من أجلها زعم أهل الإرجاء أنه لا يدخل

النار إلا كافر وليس الأمر كما ظنوا هذه نار موصوفة بعينها ولأهل النار منازل فلو كان كل من لا يشرك لا يعذب لم يكن في قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء 48 فائدة وكان ويغفر ما دون ذلك كلاما لا معنى له
قوله تعالى وسيجنبها أي يبعد عنها فيجعل منها على جانب الأتقى يعني أبا بكر الصديق في قول جميع المفسرين الذي يؤتي ماله يتزكى أي يطلب أن يكون عنه الله زاكيا ولا يطلب الرياء ولا السمعة وما لأحد عنده من نعمة تجزى أي لم يفعل ذلك مجازاة ليد أسديت إليه
وروى عطاء عن ابن عباس أن أبا بكر لما اشترى بلالا بعد أن كان يعذب قال المشركون ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله تعالى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى
أي إلا طلبا لثواب ربه قال الفراء و إلا بمعنى لكن ونصب ابتغاء على إضمار إنفاقه فالمعنى وما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه

قوله تعالى ولسوف يرضى أي بما يعطى في الجنة من الثواب

سورة الضحى
وهي مكية كلها بإجماعهم
اتفق المفسرون على أن هذه السورة نزلت بعد انقطاع الوحي مدة
ثم اختلفوا في سبب انقطاعه على ثلاثة أقوال
أحدها أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذي القرنين وعن أصحاب الكهف وعن الروح فقال سأخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله فأحتبس عنه الوحي
والثاني لقلة النظافة في بعض أصحابه وقد ذكرنا هذين القولين في سورة مريم 65
والثالث لأجل جرو كان في بيته قاله زيد بن أسلم

وفي مدة احتباسه عنه أقوال قد ذكرناها في مريم 66
وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث جندب قال قالت امرأة من قريش للنبي صلى الله عليه و سلم ما أرى شيطانك إلا قد ودعك فنزلت والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى جندب هو ابن سفيان والمرأة يقال لها أم جميل امرأة أبي لهب

بسم الله الرحمن الرحيم
والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث
وفي المراد بالضحى أربعة أقوال
أحدها ضوء النهار قاله مجاهد
والثاني صدر النهار قاله قتادة
والثالث أول ساعة من النهار إذا ترحلت الشمس قاله السدي ومقاتل
والرابع النهار كله قاله الفراء
وفي معنى سجى خمسة أقوال
أحدها أظلم
والثاني ذهب رويا عن ابن عباس
والثالث أقبل قاله سعيد بن جبير
والرابع سكن قاله عطاء وعكرمة وابن زيد فعلى هذا في معنى سكن قولان
أحدهما استقر ظلامه قال الفراء سجى بمعنى أظلم وركد في

طوله كما يقال بحر ساج وليل ساج إذا ركد وأظلم ومعنى ركد سكن قال أبو عبيدة يقال ليلة ساجية وساكنة وشاكرة قال الحادي
... يا حبذا القمراء والليل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج ...
قال ابن قتيبة سجى بمعنى سكن وذلك عند تناهي ظلامه وركوده
والثاني سكن الخلق فيه ذكره الماوردي
والخامس امتد ظلامه قاله ابن الأعرابي
قوله تعالى ما ودعك ربك وقرأ عمر بن الخطاب وأنس وعروة وأبو العالية وابن يعمر وابن أبي عبلة وأبو حاتم عن يعقوب ما ودعك بتخفيف الدال وهذا جواب القسم قال أبو عبيدة ما ودعك من التوديع كما يودع المفارق و ما ودعك مخففة من ودعه يدعه وما قلى أي أبغض
قوله تعالى وللآخرة خير لك من الأولى قال عطاء خير لك من الدنيا وقال غيره الذي لك في الآخرة أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا
قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك في الآخرة من الخير فترضى بما تعطى قال علي والحسن هو الشفاعة في أمته حتى يرضى قال ابن عباس

عرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يفتح على أمته من بعده كفرا كفرا فسر بذلك فأنزل الله عز و جل وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى
قوله تعالى ألم يجدك يتيما فآوى فيه قولان
أحدهما جعل لك مأوى إذا ضمك الى عمك أبي طالب فكفاك المؤونة قاله مقاتل
والثاني جعل لك مأوى لنفسك أغناك عن كفالة أبي طالب قاله ابن السائب
قوله تعالى ووجدك ضالا فهدى فيه ستة أقوال
أحدها ضالا عن معالم النبوة وأحكام الشريعة فهداك إليها قاله الجمهور منهم الحسن والضحاك
والثاني أنه ضل وهو صبي صغير في شعاب مكة فرده الله الى جده عبد المطلب رواه أبو الضحى عن ابن عباس

والثالث أنه لما خرج مع ميسرة غلام خديجة أخذ إبليس بزمام ناقته فعدل به عن الطريق فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها الى الحبشة ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك قاله سعيد بن المسيب
والرابع أن المعنى ووجدك في قوم ضلال فهداك للتوحيد والنبوة قاله ابن السائب
والخامس ووجدك نسيا فهداك إلى الذكر ومثله أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى البقرة 282 قاله ثعلب
والسادس ووجدك خاملا لاتذكر ولا تعرف فهدى الناس إليك حتى عرفوك قاله عبد العزيز بن يحيى ومحمد بن علي الترمذي
قوله تعالى ووجدك عائلا قال أبو عبيدة أي ذا فقر وأنشد ... وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعيل ...
أي يفتقر قال ابن قتيبة العائل الفقير كان له عيال أو لم يكن يقال عال الرجل إذا افتقر وأعال إذا كثر عياله
قوله تعالى فأغنى قولان
أحدهما رضاك بما أعطاك من الرزق قاله ابن السائب واختاره الفراء
وقال لم يكن غناه عن كثرة المال ولكن الله رضاه بما آتاه

والثاني فأغناك بمال خديجة عن أبي طالب قاله جماعة من المفسرين
قوله تعالى فأما اليتيم فلا تقهر فيه قولان
أحدهما لاتحقر قاله مجاهد
والثاني لاتقهره على ماله قاله الزجاج وأما السائل ففيه قولان
أحدهما سائل البر قاله الجمهور والمعنى إذا جاءك السائل فإما أن تعطيه وإما أن ترده ردا لينا ومعنى فلا تنهر لا تنهره يقال نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره
والثاني أنه طالب العلم قاله يحيى بن آدم في آخرين
قوله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث في النعمة ثلاثة أقوال
أحدهما النبوة
والثاني القرآن رويا عن مجاهد
والثالث أنها عامة في جميع الخيرات وهذا قول مقاتل وقد روي عن مجاهد قال قرأت على ابن عباس فلما بلغت والضحى قال كبر إذا

ختمت كل سورة حتى تختم وقد قرأت على أبي بن كعب فأمرني بذلك قال علي بن أحمد النيسابوري ويقال إن الأصل في ذلك أن الوحي لما فتر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال المشركون قد هجره شيطانه وودعه اغتم لذلك فلما نزل والضحى كبر عند ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فرحا بنزول الوحي فاتخذه الناس سنة

سورة الأنشراح
مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب
قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك الشرح الفتح بإذهاب ما يصد عن الإدراك والله تعالى فتح صدر نبيه للهدى والمعرفة بإذهاب الشواغل التي تصدر عن إدراك الحق ومعنى هذا الإستفهام التقرير أي قد فعلنا ذلك ووضعنا عنك وزرك أي حططنا عنك إثمك الذي سلف في الجاهلية قاله ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والفراء وابن قتيبة في آخرين وقال الزجاج المعنى أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال ابن قتيبة وأصل

الوزر ما حمله الإنسان على ظهره فشبه بالحمل فجعل مكانه ومعنى أنقض ظهرك أثقله حتى سمع نقيضة أي صوته وهذا مثل يعني أنه لو كان حملا يحمل لسمع نقيض الظهر منه وذهب قوم الى أن المراد بهذا تخفيف أعباء النبوة التي يثقل القيام بها الظهر فسهل الله له ذلك حتى تيسر عليه الأمر وممن ذهب الى هذا عبد العزيز بن يحيى
قوله تعالى ورفعنا لك ذكرك فيه خمسة أقوال ما روى أبو سعيد الخدري عن رسول ص - أنه سأل جبريل عن هذه الآية فقال قال الله عز و جل إذا ذكرت ذكرت معي قال قتادة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهذا قول الجمهور
والثاني رفعنا لك ذكرك بالنبوة قاله يحيى بن سلام
والثالث رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا حكاه الماوردي

والرابع رفعنا لك ذكرك عند الملائكة في السماء
والخامس بأخذ الميثاق لك على الأنبياء وإلزامهم الإيمان بك والإقرار بفضلك حكاهما الثعلبي
قوله تعالى فإن مع العسر يسرا ضم سين العسر وسين اليسر أبو جعفر و العسر مذكور في الآيتين بلفظ التعريف و اليسر مذكور بلفظ التنكير فدل على أن العسر واحد واليسر اثنان قال ابن مسعود وابن عباس في هذه الآية لن يغلب عسر يسرين قال الفراء العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها بنكرة صارت اثنتين كقولك إذا كسبت درهما فأنفق درهما فالثاني غير الأول وإذا أعادتها معرفة فهي كقولك إذا كسبت درهما فأنفق الدرهم فالثاني هو الأول ونحو هذا قال الزجاج ذكر العسر بالألف واللام ثم ثنى ذكره فصار المعنى إن مع العسر يسرين وقال الحسين بن يحيى الجرجاني ويقال له صاحب النظم معنى الكلام لا يحزنك ما يعيرك به المشركون من الفقر فإن مع العسر يسرا عاجلا في الدنيا فأنجزه بما وعده بما فتح عليه ثم ابتدأ فصلا آخر فقال إن مع العسر يسرا والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو وهو وعد لجميع المؤمنين أن مع عسر المؤمنين يسرا في الآخرة فمعنى قولهم لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده الله المؤمنين في الدنيا فاليسر الذي وعدهم في الآخرة

إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة فدائم لا ينقطع كقوله صلى الله عليه و سلم شهرا عيد لا ينقصان أي لا يجتمعان في النقص وحكي عن العتبي قال

كنت ذات ليلة في البادية بحالة من الغم فألقي في روعي بيت من الشعر فقلت
... أرى الموت لمن أحب ... ح مغموما له أروح ...
فلما جن الليل سمعت هاتفا يهتف
... ألا يا أيها المرء ال ... لذي الهم به برح ...
... وقد أنشد بيتا لم ... يزل في فكره يسنح ...
... إذا اشتد بك العسر ... ففكر في ألم نشرح ...
... فعسر بين يسرين ... إذا أبصرته فافرح ...
فحفظت الأبيات وفرج الله غمي
قوله تعالى فإذا فرغت فانصب أي فادأب في العمل وهو من النصب والنصب التعب الدؤوب في العمل
وفي معنى الكلام خمس أقوال
أحدها فإذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل قاله ابن مسعود
والثاني فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء قاله ابن عباس والضحاك ومقاتل

والثالث فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك قاله مجاهد
والرابع فإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك قاله الشعبي والزهري
والخامس إذا صح بدنك فاجعل صحتك نصبا في العبادة ذكره علي ابن أبي طلحة والى ربك فارغب قال الزجاج اجعل رغبتك الى الله عز و جل وحده

سورة التين
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله الجمهور منهم الحسن وعطاء
والثاني أنها مدنية حكاه الماوردي عن ابن عباس وقتادة
بسم الله الرحمن الرحيم
والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين
قوله تعالى والتين والزيتون فيهما سبعة أقوال
أحدها أنه التين المعروف والزيتون المعروف قاله ابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد وإبراهيم وذكر بعض المفسرين

أنه إنما أقسم بالتين لأنها فاكهة مخلصة من شائب التنغيص وهو يدل على قدرة من هيأه على تلك الصفة وجعل الواحدة منه على مقدار اللقمة وإنما أقسم بالزيتون لكثرة الأنتفاع به
والثاني أن التين مسجد نوح عليه السلام الذي بنى على الجودي والزيتون بيت المقدس رواه عطية عن ابن عباس
والثالث التين المسجد الحرام والزيتون المسجد الأقصى قاله الضحاك
والرابع التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس قاله كعب وقتادة وابن زيد
والخامس أنهما جبلان قاله عكرمة في رواية وروي عن قتادة قال التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس
والسادس أن التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء قاله القرظي
والسابع أن التين جبال ما بين حلوان الى همذان والزيتون جبال بالشام حكاه الفراء
فأما طور سينين فالطور جبل وفيه قولان

أحدهما أنه الجبل الذي كلم الله موسى عليه قاله كعب الأحبار في الأكثرين
والثاني أنه جبل بالشام قاله قتادة
فأما سينين فهو لغة في سيناء وقد قرأ علي وسعد بن أبي وقاص وأبو العالية وأبو مجلز وطور سيناء ممدودة مهموزة مفتوحة السين وقرأ ابن مسعود وأبو الدرداء وأبو حيوة وطور سيناء مثلهم إلا أنهم كسروا السين وقرأ أبو رجاء والجحدري سينين كما في المصحف لكنهما فتحا السين وقال ابن الأنباري سينين هو سيناء
واختلفوا في معناه فقيل معناه الحسن وقيل المبارك وقيل إنه اسم للشجر الذي حوله وقد شرحنا هذا في سورة المؤمنين 20 قال الزجاج وقد قرىء هاهنا وطور سيناء وهو أشبة لقوله تعالى وشجرة تخرج من طور سيناء المؤمنون 20 وقال مقاتل كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين وسيناء بلغة النبط
قوله تعالى وهذا البلد الأمين يعني مكة يأمن فيه الخائف في الجاهلية

والإسلام قال الفراء ومعنى الأمين الآمن والعرب تقول للأمين آمن
قال الشاعر
... ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني ... حلفت يمينا لا أخون أميني ...
يريد آمني
قوله تعالى لقد خلقنا الإنسان هذا جواب القسم وفي المراد بالإنسان هاهنا خمسة أقوال
أحدها أنه كلدة بن أسيد قاله ابن عباس
والثاني الوليد بن المغيرة قاله عطاء
والثالث أبو جهل بن هشام
والرابع عتبة وشيبة حكاهما الماوردي

والخامس أنه اسم جنس وهذا مذهب كثير من المفسرين وهو معنى قول مقاتل
قوله تعالى في أحسن تقويم فيه أربعة أقوال
أحدها في أعدل خلق
والثاني منتصب القامة رويا عن ابن عباس
والثالث في أحسن صورة قاله أبو العالية
والرابع في شباب وقوة قاله عكرمة ثم رددناه أسفل سافلين فيه قولان
أحدهما الى أرذل العمر رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال عكرمة وإبراهيم وقتادة وقال الضحاك الى الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة والسافلون هم الضعفاء والزمنى والأطفال والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعا قال الفراء وإنما قال سافلين على الجمع لأن الإنسان في

معنى جمع تقول هذا أفضل قائم ولا تقول قائمين لأنك تريد واحدا فإذا لم ترد واحدا ذكرته بالتوحيد وبالجمع
والثاني الى النار قاله الحسن وأبو العالية ومجاهد والمعنى إنا نفعل هذا بكثير من الناس تقول العرب أنفق فلان ماله على فلان وإنما أنفق بعضه ومثله قوله تعالى الذي يؤتي ماله يتزكى الليل 18 لم يرد كل ماله ثم استثنى من الإنسان فقال تعالى إلا الذين آمنوا لأن معنى الإنسان الكثير
وللمفسرين في معنى الإستثناء قولان
أحدهما إلا الذين آمنوا فإنهم لا يردون الى الخرف وأرذل العمر وإن عمروا طويلا وهذا على القول الأول قال ابن عباس من قرأ القرآن لم يرد الى ارذل العمر وقال النخعي إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل وهو قوله تعالى فلهم أجر غير ممنون وقال ابن قتيبة المعنى إلا الذين آمنوا في وقت القوة والقدرة فإنهم حال الكبر غير منقوصين وإن عجزوا عن الطاعات لأن الله تعالى علم أنهم لو لم يسلبهم القوة لم ينقطعوا عن أفعال الخير فهو يجري لهم أجر ذلك
والثاني إلا الذين آمنوا فإنهم لا يردون الى النار وهذا على القول الثاني
وقد شرحنا معنى الممنون في ن آية 3
قوله تعالى فما يكذبك بعد بالدين فيه قولان

أحدهما فما يكذبك أيها الإنسان بعد هذه الحجة بالدين أي ما الذي يجعلك مكذبا بالجزاء وهذا توبيخ للكافر وهو معنى قول مقاتل وزعم أنها نزلت في عدي بن ربيعة
والثاني فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعدما تبين له خلقنا الإنسان على ما وصفنا قاله الفراء فأما الدين فهو الجزاء والمشار بذكره الى البعث كأنه استدل بتقليب الأحوال على البعث
قوله تعالى أليس الله بأحكم الحاكمين أي بأقضى القاضين قال مقاتل يحكم بينك وبين مكذبيك وذكر بعض المفسرين أن معنى هذه الآية تسليته في تركهم والإعراض عنهم ثم نسخ هذا المعنى بآية السيف

سورة العلق
وتسمى سورة القلم وسورة العلق وهي مكية بإجماعهم
وهي أول ما نزل من القرآن وقيل إنها نزلت عليه في أول الوحي خمس آيات منها ثم نزل باقيها في أبي جهل
بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم
قوله تعالى اقرأ قرأ أبو جعفر بتخفيف الهمزة في الحرفين قال أبو عبيدة المعنى إقرأ باسم ربك والباء زائدة
وقال المفسرون المعنى اذكر اسمه مستفتحا به قراءتك وإنما قال تعالى الذي خلق لأن الكفار كانوا يعلمون أنه الخالق دون أصنامهم والإنسان هاهنا ابن آدم والعلق جمع علقة وقد بيناها في سورة الحج قال الفراء لما كان الإنسان في معنى الجمع جمع العلق مع مشاكلة رؤوس الآيات

قوله تعالى اقرأ تقرير للتأكيد ثم استأنف فقال تعالى وربك الأكرم قال الخطابي الأكرم الذي لايوازيه كرم ولا يعادله في الكرم نظير وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم كما جاء الأعز والأطول بمعنى العزيز والطويل وقد سبق تفسير الكريم
قوله تعالى الذي علم بالقلم أي علم الإنسان الكتابة بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم من الخط والصنائع وغير ذلك وقيل المراد بالإنسان هاهنا محمد صلى الله عليه و سلم
كلا إن الإنسان ليطغى ان رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب
قوله تعالى كلا أي حقا و قال مقاتل كلا لا يعلم أن الله علمه ثم استأنف فقال تعالى إن الإنسان ليطغى يعني أبا جهل وكان إذا أصاب مالا أشر وبطر في ثيابه ومراكبه وطعامه أن رآه استغنى قال ابن قتيبة أي أن رأى نفسه استغنى و الرجعى المرجع
قوله تعالى أرأيت الذي ينهى معنى أرأيت تعجيبه المخاطب وإنما كررها للتأكيد والتعجيب والمراد بالناهي هاهنا أبو جهل قال أبو هريرة

قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال فبالذي يحلف به لئن رأيته لأطأن على رقبته فقيل له هاهو ذاك يصلي فانطلق ليطأ على رقبته فما فجأهم إلآ وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فأتوه فقالوا مالك يا أبا الحكم فقال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة وقال نبي الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا فأنزل الله تعالى أرأيت الذي ينهى إلى آخر السورة وقال ابن عباس كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فجاء أبو جهل فقال ألم أنهك عن هذا فانصرف إليه

النبي صلى الله عليه و سلم فزبره فقال أبو جهل والله إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني فأنزل الله تعالى فليدع ناديه سندع الزبانية قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله
قال المفسرون والمراد بالعبد هاهنا محمد صلى الله عليه و سلم وقيل كانت الصلاة صلاة الظهر
قوله تعالى أرأيت إن كان على الهدى يعني المنهي وهو النبي صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى أرأيت إن كذب وتولى يعني الناهي وهو أبو جهل قال الفراء والمعنى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو كاذب متول عن الذكر فأي شيء أعجب من هذا وقال ابن الأنباري تقديره أرأيته مصيبا
قوله تعالى ألم يعلم يعني أبا جهل بأن الله يرى ذلك فيجازيه كلا أي لا يعلم ذلك لئن لم ينته عن تكذيب محمد وشتمه وإيذائه لنسفعا بالناصية السفع الأخذ والناصية مقدم الرأس قال أبو عبيدة يقال سفعت بيده

أي أخذت بها وقال الزجاج يقال شفعت الشيء إذا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا والمعنى لنجرن ناصيته الى النار
قوله تعالى ناصية قال أبو عبيدة هي بدل فلذلك جرها قال الزجاج والمعنى بناصية صاحبها كاذب خاطىء كما يقال نهاره صائم وليله قائم أي هو صائم في نهاره قائم في ليله فليدع ناديه أي أهل ناديه وهم أهل مجلسه فليستنصرهم سندع الزبانية قال عطاء هم الملائكة الغلاظ الشداد وقال مقاتل هم خزنة جهنم وقال قتادة الزبانية في كلام العرب الشرط قال الفراء كان الكسائي يقول لم أسمع للزبانية بواحد ثم قال بأخرة واحد الزبانية زبني فلا أدري أقياسا منه أو سماعا وقال أبو عبيدة واحد الزبانية زبنية وهو كل متمرد من إنس أو جان يقال فلان زبنية عفرية قال ابن قتيبة وهو مأخوذ من الزين وهو الدفع كأنهم يدفعون أهل النار إليها قال ابن دريد الزبن الدفع يقال ناقة زبون إذا زبنت حالبها ودفعته برجلها وتزابن القوم تدارؤوا وإشتقاق الزبانية من الزبن والله أعلم
قوله تعالى كلا أي ليس الأمر على ما عليه أبو جهل لا تطعه في ترك الصلاة واسجد أي صل لله واقترب إليه بالطاعة وهذا قول الجمهور أن قوله تعالى واقترب خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وقد قيل إنه خطاب لأبي جهل ثم فيه قولان

أحدهما أن المعنى اسجد انت يا محمد واقترب أنت يا أبا جهل من النار قاله زيد بن أسلم
والثاني واقترب يا أبا جهل تهددا له رواه أبو سليمان الدمشقي عن بعض القدماء وهذا يشرحه حديث أبي هريرة الذي قدمناه وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء

سورة القدر
وفيها قولان
أحدهما أنها مكية رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني مدنية قاله الضحاك ومقاتل قال الماوردي والأول قول الأكثرين وقال الثعلبي الثاني قول الأكثرين
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أنزلناه في ليلة القدر وما آدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر
قوله تعالى إنا أنزلناه يعني القرآن في ليلة القدر وذلك أنه أنزل جملة في تلك الليلة الى بيت العزة وهو بيت في السماء الدنيا وقد ذكرنا هذا الحديث في أول كتابنا والهاء في أنزلناه كناية عن غير مذكور وقال

الزجاج قد جرى ذكره في قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة مباركة الدخان 3
فأما ليلة القدر ففي تسميتها بذلك خمسة أقوال
أحدها أن القدر العظمة من قولك لفلان قدر قاله الزهري
ويشهد له قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره الأنعام 91 و الزمر 67
والثاني أنه من الضيق أي هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون قاله الخليل بن أحمد ويشهد له قوله تعالى ومن قدر عليه رزقه الطلاق 7
والثالث أن القدر الحكم كأن الأشياء تقدر فيها قاله ابن قتيبة
والرابع لأن من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر قاله أبو بكر الوراق
والخامس لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر وتنزل فيها رحمة ذات قدر وملائكة ذوو قدر حكاه شيخنا علي بن عبيد الله
فصل
واختلف العلماء هل ليلة القدر باقية أم كانت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم خاصة والصحيح بقاؤها
وهل هي في جميع السنة أم في رمضان
فيه قولان

أحدهما في رمضان قاله الجمهور
والثاني في جميع السنة قاله ابن مسعود
واختلف القائلون بأنها في شهر رمضان هل تختص ببعضه دون بعض على قولين
أحدهما أنها في العشر الأواخر قاله الجمهور وأكثر الأحاديث الصحيحة تدل عليه
وقد روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى أو سابعة تبقى أو في خامسة تبقى وفي حديث أبي بكرة قال ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا في العشر الأواخر فإني سمعته يقول التمسوها في تسع يبقين أو سبع أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة

والقول الثاني أنها في جميع رمضان قاله الحسن البصري
وأختلف القائلون بأنها في العشر الأواخر هل تختص ليالي الوتر دون الشفع على قولين
أحدهما أنها تختص الأفراد قاله الجمهور والأحاديث الصحاح كلها تدل عليه وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ابتغوها في العشر الأواخر في الوتر منها
والثاني أنها تكون في الشفع كما تكون في الوتر قاله الحسن وروي عن الحسن ومالك بن أنس قالا هي ليلة ثماني عشرة
واختلف القائلون بأنها في الأفراد في أخص الليالي بها على خمسة أقوال
أحدها أن الأخص بها ليلة إحدى وعشرين فروى البخاري ومسلم في

الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه و سلم العشر الوسط واعتكفنا معه فلما أصبحنا صبيحة عشرين رجع ورجعنا معه وأرى ليلة القدر ثم أنسيها فقال إني رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني أسجد في ماء وطين فمن اعتكف فليرجع الى معتكفه وهاجت علينا السماء آخر تلك العشية وكان سقف المسجد عريشا من جريد فوكف المسجد فوالذي هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب لرأيته يصلي بدأ المغرب ليلة إحدى وعشرين وإن جبهته وأرنبة أنفه لفي الماء والطين وهذا مذهب الشافعي
والثاني أن الأخص بها ليلة ثلاث وعشرين روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ليلة ثلاث وعشرين اطلبوها الليلة
وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئا فليقم ليلة ثلاث وعشرين

وروى مسلم في أفراده من حديث عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبحها أسجد في ماء وطين قال فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه قال وكان عبد الله بن أنيس يقول ليلة ثلاث وعشرين
والثالث ليلة خمس وعشرين روى هذا المعنى أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه و سلم

والرابع ليلة سبع وعشرين روى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر وهذا مذهب علي وأبي بن كعب وكان أبي يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين وبه قال ابن عباس وعائشة ومعاوية واختاره أحمد رضي الله عنه
وروي عن ابن عباس أنه استدل على ذلك بشيئين

أحدهما أنه قال إن الله تعالى خلق الإنسان على سبعة أصناف يشير الى قوله تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة المؤمنين 12 الآيات ثم جعل رزقه في سبعة أصناف يشير الى قوله تعالى أنا صببنا الماء صبا عبس 25 ثم تصلى الجمعة على رأس سبعة أيام وجعل السموات سبعا والأرضين سبعا والمثاني سبعا فلا أرى ليلة القدر إلا ليلة السابعة وعشرين
والثاني أنه قال قوله تعالى سلام هي الكلمة السابعة والعشرون فدل على أنها كذلك
واحتج بعضهم فقال ليلة القدر كررت في هذه السورة ثلاث مرات وهي تسعة أحرف والتسعة إذا كررت ثلاثا فهي سبع وعشرون وهذا تنبيه على ذلك
والقول الخامس أن الأولى طلبها في أول ليلة من رمضان قاله أبو رزين العقيلي

وروى أيوب عن أبي قلابة أنه قال ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر
فأما الحكمة في إخفائها فليتحقق اجتهاد العباد في ليالي رمضان طمعا منهم في إدراكها كما أخفى ساعة الجمعة وساعة

الليل واسمه الأعظم والصلاة الوسطى والولي في الناس

قوله تعالى وما أدراك ما ليلة القدر هذا على سبيل التعظيم والتشوق الى خيرها
قوله تعالى ليلة القدر خير من ألف شهر قال مجاهد قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر وصيامها ليس فيها ليلة القدر وهذا قول قتادة واختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج وروى عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر له رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر فعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم لذلك وتمنى أن يكون ذلك في أمته فأعطاه الله ليلة القدر

وقال هي خير من ألف شهر التي حمل فيها الاسرائيلي السلاح في سبيل الله
وذكر بعض المفسرين أنه كان الرجل فيما مضى لا يستحق أن يقال له عابد حتى يعبد الله ألف شهر كانوا يعبدون فيها
قوله تعالى تنزل الملائكة قال أبو هريرة الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى

وفي الروح ثلاثة أقوال
أحدها أنه جبريل قاله الأكثرون وفي حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز و جل
والثاني أن الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشمس الى طلوع الفجر قاله كعب ومقاتل بن حيان والثالث انه ملك عظيم يفي بخلق من الملائكة قال الواقدي
قوله تعالى فيها أي في ليلة القدر بإذن ربهم أي بما أمر به وقضاه من كل أمر قال ابن قتيبة أي بكل أمر قال المفسرون يتنزلون بكل أمر قضاه الله في تلك السنة الى قابل وقرأ ابن عمر وابن عباس وأبو العالية وأبو عمران الجوني من كل امرىء بكسر الراء وبعدها همزة مكسورة منونة وبوصل اللام من غير همز ولهذه القراءة وجهان
أحدهما من كل ملك سلام
والثاني أن تكون من بمعنى على تقديره على كل أمر من المسلمين سلام من الملائكة كقوله تعالى ونصرناه من القوم الذين كذبوا الأنبياء 77 والقراءة الموافقة لخط المصحف هي الصواب ويكون تمام الكلام عند قوله تعالى

من كل أمر ثم ابتدأ فقال تعالى سلام هي أي ليلة القدر سلام وفي معنى السلام قولان
أحدهما أنه لا يحدث فيها داء ولا يرسل فيها شيطان قاله مجاهد
والثاني أن معنى السلام الخير والبركة قاله قتادة وكان بعض العلماء يقول الوقف على سلام على معنى تنزل الملائكة بالسلام
قوله تعالى حتى مطلع الفجر قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة مطلع بفتح اللام وقرأ الكسائي بكسرها قال الفراء والفتح أقوى في قياس العربية لأن المطلع بالفتح الطلوع وبالكسر الموضع الذي يطلع منه إلا أن العرب تقول طلعت الشمس مطلعا بالكسر وهم يريدون المصدر كما تقول أكرمتك كرامة فتجتزيء بالأسم عن المصدر وقد شرحنا هذا المعنى في الكهف عند قوله تعالى مطلع الشمس آية 9 شرحا كافيا ولله الحمد

سورة البينة
وفيها قولان
احدهما مدنية قاله الجمهور
والثاني مكية قاله أبو صالح عن ابن عباس واختاره يحيى بن سلام
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه

قوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى والمشركين أي ومن المشركين وهم عبدة الأوثان منفكين أي منفصلين وزائلين يقال فككت الشيء فانفك أي انفصل والمعنى لم يكونوا زائلين عن كفرهم وشركهم حتى تأتيهم أي حتى أتتهم فلفظه لفظ المستقبل ومعناه الماضي و البينة الرسول وهو محمد صلى الله عليه و سلم وذلك أنه بين لهم ضلالهم وجهلهم وهذا بيان عن نعمة الله على من آمن من الفريقين إذ أنقذهم وذهب بعض المفسرين الى أن معنى الآية لم يختلفوا أن الله يبعث إليهم نبياحتى بعث فافترقوا وقال بعضهم لم يكونوا ليتركوا منفكين عن حجج الله حتى أقيمت عليهم البينة والوجه هو الأول والرسول هاهنا محمد صلى الله عليه و سلم ومعنى يتلو صحفا أي ما تضمنته الصحف من المكتوب فيها وهو القرآن ويدل على ذلك أنه كان يتلو القرآن عن ظهر قلبه لا من كتاب ومعنى مطهرة أي من الشرك والباطل فيها أي في الصحف كتب قيمة أي عادلة مستقيمة تبين الحق من الباطل وهي الآيات قال مقاتل وإنما قيل لها كتب لما جمعت من أمور شتى

قوله تعالى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب يعني من لم يؤمن منهم إلا من بعد ما جاءتهم البينة وفيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها محمد صلى الله عليه و سلم والمعنى لم يزالوا مجتمعين على الإيمان به حتى بعث قاله الأكثرون
والثاني القرآن قاله أبو العالية
والثالث ما في كتبهم من بيان نبوته ذكره الماوردي وقال الزجاج وما تفرقوا في كفرهم بالنبي إلا من بعد أن تبينوا أنه الذي وعدوا به في كتبهم

قوله تعالى وما أمروا أي في كتبهم إلا ليعبدوا الله أي إلا أن يعبدوا الله قال الفراء والعرب تجعل اللام في موضع أن في الأمر والإرادة كثيرا كقوله تعالى يريد الله ليبين لكم النساء 26 و يريدون ليطفئوا نور الله الصف 8 وقال في الأمر وأمرنا لنسلم الأنعام 71

9 - قوله تعالى مخلصين له الدين أي موحدين لا يعبدون سواه حنفاء على دين إبراهيم ويقيموا الصلاة المكتوبة في أوقاتها ويؤتوا الزكاة عند وجوبها وذلك الذي أمروا به هو دين القيمة قال الزجاج أي دين الأمة القيمة بالحق ويكون المعنى ذلك الدين دين الملة المستقيمة
قوله تعالى أولئك هم خير البرية قرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عارم بالهمز بالكلمتين وقرأ الباقون بغير همز فيهما قال ابن قتيبة البرية الخلق وأكثر العر ب والقراء على ترك همزها لكثرة ما جرت على الألسنة وهي فعلية بمعنى مفعولة ومن الناس من يزعم أنها مأخوذة من بريت العود ومنهم من يزعم أنها من البرى وهو التراب أي خلق من التراب وقالوا لذلك لا يهمز وقال الزجاج لو كان من البري وهو التراب لما قرنت بالهمز وإنما اشتقاقها من برأ الله الخلق وقال الخطابي أصل البرية الهمز إلا أنهم اصطلحوا على ترك الهمز فيها وما بعده ظاهر الى قوله تعالى رضي الله عنهم قال مقاتل رضي الله عنهم بطاعتهم ورضوا عنه بثوابه وكان بعض السلف يقول إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضى عنك

قوله تعالى ذلك لمن خشي ربه أي خافه في الدنيا وتناهى عن معاصيه

سورة الزلزلة
وفيها قولان
أحدهما أنها مدنية قاله ابن عباس وقتادة ومقاتل والجمهور
والثاني مكية قاله ابن مسعود وجابر وعطاء
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
قوله تعالى إذا زلزلت الأرض زلزالها أي حركت حركة شديدة وذلك عند قيام الساعة وقال مقاتل تتزلزل من شدة صوت إسرافيل حتى ينكسر كل ما عليها من شدة الزلزلة ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل أو بناء أو شجر ثم تتحرك وتضطرب فتخرج ما في جوفها

وفي وقت هذه الزلزلة قولان
أحدهما تكون في الدنيا وهي من أشراط الساعة قاله الأكثرون
والثاني أنها زلزلة يوم القيامة قاله خارجة بن زيد في آخرين قال الفراء حدثني محمد بن مروان قال قلت للكلبي أرأيت قول الله تعالى إذا زلزلة الأرض زلزالها فقال هذه بمنزلة قوله تعالى ويخرجكم إخراجا نوح 18 فأضيف المصدر إلى صاحبه وأنت قائل في الكلام لأعطينك عطيتك تريد عطية والزلزال بالكسر المصدر وبالفتح الاسم وقد قرأ أبو العالية وأبو عمران وأبو حيوة الجحدري زلزالها بفتح الزاي
قوله تعالى وأخرجت الأرض أثقالها فيه قولان
أحدهما ما فيها من الموتى قاله ابن عباس
والثاني كنوزها قاله عطية وجمع الفراء بين القولين فقال لفظت ما فيها من ذهب أو فضة أو ميت

قوله تعالى وقال الإنسان ما لها فيه قولان
أحدهما أنه اسم جنس يعم الكافر والمؤمن وهذا قول من جعلها من أشراط الساعة لأنها حين ابتدأت لم يعلم الكل أنها من أشراط الساعة فسأل بعضهم بعضا حتى أيقنوا
والثاني أنه الكافر خاصة وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة لأن المؤمن عارف فلا يسأل عنها والكافر جاحد لها لأنه لا يؤمن بالبعث فلذلك يسأل
قوله تعالى يومئذ تحدث أخبارها قال الزجاج يومئذ منصوب بقوله تعالى إذا زلزلت وأخرجت ففي ذلك اليوم تحدث بأخبارها أي تخبر بما عمل عليها وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أتدرون ما أخبارها قالوا الله و رسوله أعلم قال أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا
قوله تعالى بأن ربك أوحى لها قال الفراء تحدث أخبارها بوحي الله وإذنه لها قال ابن عباس أوحى لها أي أوحى إليها وأذن لها أن

تخبر بما عمل عليها وقال أبو عبيدة لها بمعنى إليها قال العجاج وحى لها القرار فاستقرت
قوله تعالى يومئذ يصدر الناس أي يرجعون عن موقف الحساب أشتاتا أي فرقا فأهل الإيمان على حدة وأهل الكفر على حدة ليروا أعمالهم وقرأ أبو بكر الصديق وعائشة والجحدري ليروا بفتح الياء قال ابن عباس أي ليروا جزاء أعمالهم فالمعنى أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار وقيل في الكلام تقديم وتأخير تقديره تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ليروا أعمالهم يومئذ يصدر الناس اشتاتا فعلى هذا يرون ما عملوا من خير أو شر في موقف العرض فمن يعمل مثقال ذرة قال المفسرون من يعمل في الدنيا مثقال ذرة من الخير أو الشر يره وقرأ أبان

عن عاصم يره بضم الياء في الحرفين وقد بينا معنى الذرة في سورة النساء 40 وفي معنى هذه الرؤية قولان
أحدهما أنه يراه في كتابة
والثاني يرى جزاءه وذكر مقاتل أنها نزلت في رجلين كانا بالمدينة كان أحدهما يستقل أن يعطي السائل الكسرة أو التمرة وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير فأنزل الله عز و جل هذا يرغبهم في القليل من الخير ويحذرهم اليسير من الشر

سورة العاديات
وفيها قولان
أحدهما أنها مكية قاله ابن مسعود وعطاء وعكرمة وجابر
والثاني مدنية قاله ابن عباس وقتادة ومقاتل
بسم الله الرحمن الرحيم
والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير
قوله تعالى والعاديات فيه قولان
أحدهما أنها الإبل في الحج قاله علي وابن مسعود وعبيد بن عمير والقرظي والسدي وروى عن علي أنه قال والعاديات ضبحا من عرفة الى الزدلفة ومن المزدلفة الى منى وروي عن علي أنه قال هذا في صفة وقعة بدر قال وما كان معنا يومئذ إلا فرس وفي بعض الحديث أنه كان معهم فرسان

والثاني أنها الخيل في سبيل الله قاله ابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد وأبو العالية وعكرمة وقتادة وعطية والربيع واللغويون وكان ابن عباس يذهب الى أن هذا كان في سرية فروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خيلا فلم يأته خبرها شهرا فنزلت والعادايات ضبحا ضبحت بمناخرها فالموريات قدحا قدحت بحوافرها الحجارة فأورت 2نارا فالمغيرات صبحا صبحت القوم بغارة فأثرن به نقعا أثارت بحوافرها التراب فوسطن به جمعا قال صبحت الحي جميعا وقال مقاتل بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية الى حيين من كنانة واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري فأبطأ عنه خبرها فجعل اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم تناجوا فيظن الرجل أنه قد قتل أخوه أو أبوه أو عمه فيجد من ذلك حزنا فنزلت والعاديات ضبحا فأخبر الله كيف

فعل بهم قال الفراء الضبح أصوات أنفاس الخيل إذا عدون وقال ابن قتيبة الضبح صوت حلوقها إذا عدت وقال الزجاج ضبحها صوت أجوافها إذا عدت
قوله تعالى فالموريات قدحا فيه خمسة أقوال
أحدها أنها الخيل تورى النار بحوافرها إذا جرت وهذا قول الجمهور
قال الزجاج إذا عدت الخيل بالليل فأصابت بحوافرها الحجارة انقدحت منها النيران
والثاني أنها نيران المجاهدين إذا أوقدت روي عن ابن عباس
والثالث مكر الرجال في الحرب قاله مجاهد وزيد بن أسلم
والرابع نيران الحجيج بالمزدلفة قاله القرظي
والخامس أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأقيمت بها الدلائل على الحق وفضح بها الباطل قاله عكرمة

والثالث صلاة العصر قاله مقاتل
قوله تعالى إن الإنسان لفي خسر قال الزجاج هو جواب القسم
والإنسان هاهنا بمعنى الناس كما تقول كثر الدرهم في أيدي الناس تريد الدراهم والخسر والخسران في معنى واحد قال أهل المعاني الخسر هلاك رأس المال أو نقصه فالإنسان إذا لم يستعمل نفسه فيما يوجب له الربح الدائم فهو في خسران لأنه عمل في إهلاك نفسه وهما أكبر رأس ماله إلا الذين آمنوا أي صدقوا الله ورسوله وعملوا بالطاعة وتواصوا بالحق أي بالتوحيد والقرآن واتباع الرسول وتواصوا بالصبر على طاعة الله والقيام بشريعته
وقال إبراهيم في تفسير هذه السورة إن الإنسان إذا عمر في الدنيا لفي نقص وضعف إلا المؤمنين فإنهم يكتب لهم أجور أعمالهم التي كانوا يعملون في شبابهم وصحتهم

سورة الهمزة
وهي مكية بإجماعهم
قال هبة الله المفسر وقد قيل إنها مدنية واختلف المفسرون هل نزلت في حق شخص بعينه أم نزلت عامة على قولين
أحدهما نزلت في حق شخص بعينه
ثم فيه ستة أقوال
أحدها الأخنس بن شريق رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال السدي وابن السائب
والثاني العاص بن وائل السهمي قاله عروة
والثالث جميل بن عامر قاله ابن أبي نجيح
والرابع الوليد بن المغيرة قاله ابن جريج ومقاتل
والخامس أمية بن خلف قاله ابن إسحاق
والسادس أبي بن خلف حكاه الماوردي

والقول الثاني أنها نزلت عامة لا في شخص بعينه قاله مجاهد
بسم الله الرحمن الرحيم
ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا و عدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة
قوله تعالى ويل لكل همزة لمزة اختلفوا في الهمزة واللمزة هل هما بمعنى واحد أم مختلفان على قولين
أحدهما أنهما مختلفان ثم فيهما سبعة أقوال
أحدها أن الهمزة المغتاب واللمزة العياب قاله ابن عباس
والثاني أن الهمزة الذي يهمز الإنسان في وجهه واللمزة يلمزه إذا أدبر عنه قاله الحسن وعطاء وأبو العالية
والثالث أن الهمزة الطعان في الناس واللمزة الطعان في أنساب الناس قاله مجاهد

والرابع أن الهمزة بالعين واللمزة باللسان قاله قتادة
والخامس أن الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه قاله ابن زيد
والسادس أن الهمزة الذي يهمز بلسانه واللمزة الذي يلمز بعينه قاله سفيان الثوري
والسابع أن الهمزة المغتاب واللمزة الطاعن على الإنسان في وجهه قاله مقاتل
والقول الثاني أن الهمزة العياب الطعان واللمزة مثله وأصل الهمز واللمز الدفع قاله ابن قتيبة وكذلك قال الزجاج الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ويغضهم قال الشاعر
... إذا لقيتك عن كره تكاشرني ... وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه ...
قوله تعالى الذي جمع مالا قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وروح جمع بالتشديد والباقون بالتخفيف
قوله تعالى وعدده قرأ الجمهور بتشديد الدال وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وابن يعمر بتخفيفها

وللمفسرين في معنى الكلام قولان
أحدهما أحصى عدده قاله السدي
والثاني أعده لما يكفيه في السنين قاله عكرمة قال الزجاج من قرأ عدده بالتشديد فمعناه عدده للدهور ومن قرأ عدده بالتخفيف فمعناه جمع مالا وعددا أي وقوما اتخذهم أنصارا
قوله تعالى يحسب أن ماله أخلده أخلده بمعنى يخلده والمعنى يظن ماله مانعا له من الموت فهو يعمل عمل من لا يظن أنه يموت كلا أي لا يخلده ماله ولا يبقى له لينبذن أي ليطرحن في الحطمة وهو اسم من أسماء جهنم سميت بذلك لأنها تحطم ما يلقى فيها أي تكسره فهي تكسر العظم بعد أكلها اللحم ويقال للرجل الأكول إنه لحطمة وقرأ أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبد الرحمن والحسن وابن أبي عبلة وابن محيصن لينبذان بألف ممدودة وبكسر النون وتشديدها أي هو وماله
قوله تعالى التي تطلع على الأفئدة أي تأكل اللحم والجلود حتى تقع على الأفئدة فتحرقها قال الفراء يبلغ ألمها الأفئدة والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد والعرب تقول متى طلعت أرضنا أي بلغت وقال ابن قتيبة تطلع على الأفئدة أي توفي عليها وتشرف وخص الأفئدة

لأن الألم إذا صار الى الفؤاد مات صاحبه فأخبر أنهم في حال من يموت وهم لا يموتون وقد ذكرنا تفسير المؤصدة في سورة البلد 20
قوله تعالى في عمد قرأ حمزة وخلف والكسائي وعاصم إلا حفصا بضم العين وإسكان الميم قال المفسرون وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار و في بمعنى الباء والمعنى مطبقة بعمد قال قتادة وكذلك هو في قراءة عبد الله وقال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ثم شدت بأوتاد من حديد حتى يرجع عليهم غمها وحرها و ممددة صفة العمد أي أنها ممدودة مطولة وهي أرسخ من القصيرة وقال قتادة هي عمد يعذبون بها في النار وقال أبو صالح في عمد ممددة قال القيود الطوال

سورة الفيل
مكية بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول
قوله تعالى ألم تر فيه قولان
أحدهما ألم تخبر قاله الفراء
والثاني ألم تعلم قاله الزجاج ومعنى الكلام معنى التعجب وأصحاب الفيل هم الذين قصدوا تخريب الكعبة
وفي سبب قصدهم لذلك قولان
أحدهما أن أبرهة بني بيعة وقال لست منتهيا حتى أضيف إليها حج العرب فسمع بذلك رجل من بني كنانة فخرج فدخلها ليلا فأحدث فيها فبلغ ذلك أبرهة فحلف ليسيرن الى الكعبة فيهدمها قاله ابن عباس

والثاني أن قوما من قريش خرجوا في تجارة الى أرض النجاشي فنزلوا في جنب بيعة فأوقدوا نارا وشووا لحما فلما رحلوا هبت الريح فإضطرم المكان نارا فغضب النجاشي لأجل البيعة فقال له كبراء أصحابه منهم حجر بن شراحيل وأبو يكسوم لا تحزن فنحن نهدم الكعبة قاله مقاتل وقال ابن إسحاق ابو يكسوم اسمه أبرهة بن الأشرم وقيل وزيره وحجر من قواده
ذكر الإشارة الى القصة
ذكر أهل التفسير أن أبرهة لما سار بجنوده الى الكعبة ليهدمها خرج معه بالفيل فلما دنا من مكة أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس فأصابوا إبلا لعبد المطلب وبعث بعض جنوده فقال سل عن شريف مكة وأخبره أني لم آت لقتال وإنما جئت لأهدم هذا البيت فانطلق حتى دخل مكة فلقي عبد المطلب بن هاشم فقال إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه إنما جاء لهدم هذا البيت ثم ينصرف عنكم فقال عبد المطلب ما له عندنا قتال وما لنا به يد إنا سنخلي بينه وبين ما جاء له فإن هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام فإن يمنعه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به قوة قال فانطلق معي الى الملك فلما دخل عبد المطلب على أبرهة أعظمه وكرمه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتك الى الملك فقال له الترجمان فقال حاجتي أن يرد علي مائتي بعير أصابها فقال أبرهة لترجمانه

قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت الآن فيك جئت الى بيت هو دينك لأهدمه فلم تكلمني فيه وكلمتني لإبل أصبتها فقال عبد المطلب أنا رب هذه الإبل ولهذا البيت رب سيمنعه فأمر بإبله فردت عليه فخرج فأخبر قريشا وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ورؤوس الجبال خوفا من معرة الجيش إذا دخل ففعلوا فأتى عبد المطلب الكعبة فأخذ بحلقه الباب وجعل يقول
... يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا ...
... إن عدو البيت من عاداكا ... إمنعهم أن يخربوا قراكا ...
وقال أيضا
... لا هم إن المرء يم ... نع رحله فامنع حلالك ...
... لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك

جروا جميع بلادهم ... والفيل كي يسبوا عيالك ...
... عمدوا حماك بكيدهم ... جهلا وما رقبوا جلالك ...
... إن كنت تاركهم وكع ... تنا فأمر ما بدالك ...
ثم إن أبرهة أبح متهيئا للدخول فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه فأبى فوجهوه الى اليمن راجعا فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل مثل ذلك والى المشرق ففعل مثل ذلك فوجهوه الى الحرم فأبى فأرسل الله طيرا من البحر
واختلفوا في صفتها فقال ابن عباس كانت لهم خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب وقال عكرمة كانت لها رؤوس كرؤوس السباع
وقال ابن إسحاق كانت أمثال الخطاطيف
واختلفوا في ألوانها على ثلاثة أقوال
أحدها أنها كانت خضراء قاله عكرمة وسعيد بن جبير
الثاني سوداء قاله عبيد بن عمير
والثالث بيضاء قاله قتادة قال وكان مع كل طير ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره
واختلفوا في صفة الحجارة فقال بعضهم كانت كأمثال الحمص والعدس
وقال عبيد بن عمير بل كان الحجر كرأس الرجل والجمل فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك وكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره وقيل كان على كل حجر اسم الذي وقع عليه

فهلكوا ولم يدخلوا الحرم وبعث الله على أبرهة داء في جسده فتساقطت أنامله وانصدع صدره قطعتين عن قلبه فهلك ورأى أهل مكة الطير وقد أقبلت من ناحية البحر فقال عبد المطلب إن هذه الطير غريبة ثم إن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله على فرس ينظر الى القوم فرجع يركض ويقول هلك القوم جميعا فخرج عبد المطلب وأصحابه فغنموا أموالهم وقيل لم ينج من القوم إلا أبو يكسوم فسار وطائر يطير من فوقه ولا يشعر به حتى دخل على النجاشي فأخبره بما أصاب القوم فلما أتم كلامه رماه الطائر فمات فأرى الله تعالى النجاشي كيف كان هلاك أصحابه
واختلفوا كم كان بين مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين هذه القصة على ثلاثة أقوال أحدها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد عام الفيل وهو الأصح

والثاني كان بينهما ثلاث وعشرون سنة قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثالث أربعون سنة حكاه مقاتل
قوله تعالى ألم يجعل كيدهم وهو ما أرادوا من تخريب الكعبة في تضليل أي في ذهاب والمعنى أن كيدهم ضل عما قصدوا له فلم يصلوا إلى مرادهم وأرسل عليهم طيرا أبابيل
وفي الأبابيل خمسة أقوال
أحدهما أنها المتفرقة من هاهنا وهاهنا قاله ابن مسعود والأخفش
والثاني أنها المتتابعة التي يتبع بعضها بعضا قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل
والثالث الكثيرة قاله الحسن وطاووس
والرابع أنها الجمع بعد الجمع قاله عطاء وأبو صالح وكذلك قال أبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج الأبابيل جماعات في تفرقة
والخامس المختلفة الألوان قاله زيد بن أسلم قال الفراء وأبو عبيدة الأبابيل لا واحد لها
قوله تعالى ترميهم قرأ أبو عبد الرحمن السلمي يرميهم بالياء وقد بينا معنى سجيل في هود 82 ومعنى العصف في سورة الرحمن 12 عز و جل
وفي معنى مأكول ثلاثة أقوال
أحدهما أن يكون أراد أنه أخذ ما فيه من الحب فأكل وبقي هو لا حب فيه

والثاني أن يكون أراد أن العصف مأكول البهائم كما يقال للحنطة هذا المأكول ولما يؤكل وللماء هذا المشروب ولما يشرب يريد أنهما مما يؤكل ويشرب ذكرهما ابن قتيبة
والثالث أن المأكول هاهنا الذي وقع فيه الأكال فالمعنى جعلهم كورق الزرع الذي جف وأكل أي وقع فيه الأكال قاله الزجاج

سورة قريش
ويقال لها سورة لإيلاف
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله الجمهور
والثاني مدنية قاله الضحاك وابن السائب
واختلف القراء في لإيلاف فقرأ ابن عامر لإلاف بغير ياء بعد الهمزة مثل لعلاف وقرأ أبو جعفر بياء ساكنة من غير همز وروى حماد بن أحمد عن الشموني بهمزتين مخففتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة على وزن لععلاف وقرأ الباقون بهمزة بعدها ياء ساكنة مثل لعيلاف
وفي لام لإيلاف ثلاثة أقوال
أحدها موصولة بما قبلها المعنى فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف هذا قول الفراء والجمهور

والثاني أنها لام التعجب كأن المعنى اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة رب هذا البيت قاله الأعمش والكسائي
والثالث أن معناها متصل بما بعدها المعنى فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف لأنهم كانوا في الرحلتين آمنين فإذا عرض لهم عارض قالوا نحن أهل حرم الله فلا يتعرض لهم قال الزجاج وهذا الوجه قول النحويين الذين ترتضى أقوالهم وقال ابن قتيبة بعض الناس يذهب الى أن هذه السورة وسورة الفيل واحدة وأكثر الناس على أنهما سورتان وان كانتا متصلتي الألفاظ والمعنى ان قريش كانت بالحرم آمنة من الأعداء والحرم واد جديب لا زرع فيه ولا شجر وإنما كانت قريش تعيش فيه بالتجارة وكانت لهم رحلتان في كل سنة رحلة في الشتاء ورحلة في الصيف الى الشام ولولا هاتان الرحلتان لم يكن به مقام ولولا أنهم بمجاورة البيت لم يقدروا على التصرف فلما قصد أصحاب الفيل هدم الكعبة أهلكهم الله لتقيم قريش بالحرم فذكرهم الله نعمته بالسورتين والمعنى أنه أهلك أولئك ليؤلف قريشا هاتين

الرحلتين اللتين بهما معاشهم ومقامهم بمكة تقول ألفت موضع كذا إذا لزمته وألفنيه الله كما تقول لزمت موضع كذا وكذا وألزمنيه الله وكرر لايلاف للتوكيد كما تقول أعطيتك المال لصيانة وجهك صيانة عن كل الناس قال الزجاج يقال ألفت المكان الفا وآلفته إيلافا بمعنى واحد
وأما قريش فهم ولد النضر بن كنانة وكل من لم يلده النضر فليس بقرشي
وقيل هم من ولد فهر بن مالك بن النضر فمن لم يلده فهر فليس بقرشي وإنما سموا قريشا لتجارتهم وجمعهم المال والقرش الكسب يقال هو يقرش لعياله ويقترش أي يكتسب وقد سأل معاوية ابن عباس رضي الله عنهم لم سميت قريش قريشا فقال ابن عباس بدابة تكون في البحر يقال لها القريش لا تمر بشيء من الغث والمسين إلا أكلته وأنشد
... وقريش هي التي تسكن البح ... ر بها سميت قريش قريشا ...
وقال ابن الأنباري قال قوم سموا قريشا بالأقتراش وهو وقوع الرماح بعضها على بعض قال الشاعر
... ولما دنا الرايات واقترش القنا ... وطار مع القوم القلوب الرواجف

بسم الله الرحمن الرحيم
لايلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
قوله تعالى إيلافهم قرأ أبو جفعر وابن فليح عن ابن كثير والوليد ابن عتبة عن ابن عامر والتغلبي عن ابن ذكوان عنه إلافهم بهمزة مكسورة من غم ياء بعدها مثل علافهم وروى الخزاعي عن ابن فليح وأبان ابن تغلب عن عاصم إلفهم بسكون اللام أيضا ورواه الشموني إلا حمادا بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ورواه حماد كذلك إلا أنه حذف الياء
وقرأ الباقون بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة مثل عيلافهم وجمهور العلماء على أن الرحلتين كانتا للتجارة وكانوا يخرجون الى الشام في الصيف والى اليمن في الشتاء لشدة برد الشام وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف قال الفراء والرحلة منصوبة بايقاع الفعل عليها
قوله تعالى فليعبدوا رب هذا البيت أي ليوحدوه 4 الذي أطعمهم من جوع أي بعد الجوع كما تقول كسوتك من عري وذلك أن الله تعالى آمنهم بالحرم فلم يتعرض لهم في رحلتهم فكان ذلك سببا لإطعامهم

بعدما كانوا فيه من الجوع وروى عطاء عن ابن عباس قال كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير حتى استغنوا
قوله تعالى وآمنهم من خوف وذلك أنهم كانوا آمنين بالحرم إن حضروا حماهم وإن سافروا قيل هؤلاء أهل الحرم فلا يعرض لهم أحد

سورة الماعون
ويقال لها سورة أرأيت
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله الجمهور
والثاني مدنية روى عن ابن عباس وقتادة وقال هبة الله المفسر نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل ونصفها بالمدينة في عبد الله بن أبي المنافق
بسم الله الرحمن الحرحيم
أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون
قوله تعالى أرأيت الذي يكذب بالدين اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على ستة أقوال
أحدها نزلت في رجل من المنافقين قاله ابن عباس
والثاني نزلت في عمرو بن عائذ قاله الضحاك

والثالث في الوليد بن المغيرة قاله السدي
والرابع في العاص بن وائل قاله ابن السائب
والخامس في أبي سفيان بن حرب قاله ابن جريج
والسادس في أبي جهل حكاه الماوردي
وفي الدين أربعة أقوال
أحدها أنه حكم الله عز و جل قاله ابن عباس
والثاني الحساب قاله مجاهد وعكرمة
والثالث الجزاء حكاه الماوردي
والرابع القرآن حكاه بعض المفسرين و يدع بمعنى يدفع وقد ذكرناه في قوله تعالى يوم يدعون الى نار جهنم الطور 13 والمعنى أنه يدفع اليتيم عن حقه دفعا عنيفا ليأخذ ماله وقد بينا فيما سبق أنهم كانوا لا يورثون الصغير وقيل يدفع اليتيم إبعادا له لأنه لا يرجو ثواب إطعامه ولا يحض على طعام المسكين أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه مكذب بالجزاء
قوله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون نزل هذا في المنافقين الذين يرجون لصلاتهم ثوابا ولا يخافون على تركها عقابا فإن كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم صلوا رياء وإن لم يكونوا معه لم يصلوا فذلك قوله تعالى الذين هم يراؤون وقال ابن مسعود والله ما تركوها البتة ولو تركوها البتة كانوا كفارا ولكن تركوا المحافظة على أوقاتها وقال ابن عباس يؤخرونها عن وقتها ونقل عن

أبي العالية أنه قال هو الذي لا يدري عن كم انصرف عن شفع أو عن وتر
ورد هذا بعض العلماء فقال هذا ليس بشيء لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد سها في صلاته ولأنه قال تعالى عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم ولأن ذاك لا يكاد يدخل تحت طوق ابن آدم
قال الشيخ رحمه الله قلت ولا أظن أبا العالية أراد السهو النادر وإنما أراد السهو الدائم وذلك ينبئنا عن التفات القلب عن احترام الصلاة فيتوجه الذم الى ذلك لا الى السهو
وفي الماعون ستة أقوال
أحدها أنه الإبرة والماء والنار والفأس وما يكون في البيت من هذا النحو رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم والى نحوه ذهب ابن مسعود وابن عباس في رواية وروى عنه أبو صالح أنه قال الماعون المعروف كله

حتى ذكر القدر والقصعة والفأس وقال عكرمة ليس الويل لمن منع هذا إنما الويل لمن جمعهن فراءى في صلاته وسها عنها ومنع هذا قال الزجاج والماعون في الجاهلية كل ما كان فيه منفعة كالفأس والقدر والدلو والقداحة ونحو ذلك وفي الإسلام أيضا
والثاني أنه الزكاة قاله علي وابن يعمر والحسن وعكرمة وقتادة
والثالث أنه الطاعة قاله ابن عباس في رواية
والرابع المال قاله سعيد بن المسيب والزهري
والخامس المعروف قاله محمد بن كعب
والسادس الماء ذكره الفراء عن بعض العرب قال وأنشدني
... يمج صبيرة الماعون صبا ...
والصبير السحاب

سورة الكوثر
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله ابن عباس والجمهور
والثاني مدنية قاله الحسن وعكرمة وقتادة
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر
وفي الكوثر ستة أقوال
أحدها أنه نهر في الجنة روى البخاري في أفراده من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب

الدر المجوف قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك عز و جل فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر
وروى مسلم أيضا في أفراده من حديث أنس أيضا قال أغفى رسول الله صلى الله عليه و سلم إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما إما قال لهم وإما قالوا له لم ضحكت فقال إنه أنزل علي الآن آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها وقال هل تدرون ما الكوثر فقالوا الله ورسوله أعلم قال هو نهر أعطانيه ربي عز و جل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد كواكب السماء يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
والثاني أن الكوثر الخير الكثير الذي أعطي نبينا صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس

والثالث العلم والقرآن قاله الحسن
والرابع النبوة قاله عكرمة
والخامس أنه حوض رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي يكثر الناس عليه قاله عطاء
والسادس أنه كثرة أتباعه وأمته قاله أبو بكر بن عياش
قوله تعالى فصل لربك في هذه الصلاة ثلاثة أقوال
أحدها صلاة العيد وقال قتادة صلاة الأضحى
والثاني صلاة الصبح بالمزدلفة قاله مجاهد
والثالث الصلوات الخمس قاله مقاتل
وفي قوله تعالى وانحر خمسة أقوال
أحدها اذبح يوم النحر رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال عطاء ومجاهد والجمهور
والثاني وضع اليمين على اليسرى عند النحر في الصلاة
والثالث أنه رفع اليدين بالتكبير الى النحر قاله أبو جعفر محمد بن علي
والرابع أن المعنى صل لله وانحر لله فإن ناسا يصلون لغيره وينحرون لغيره قاله القرظي

والخامس أنه استقبال القبلة بالنحر حكاه الفراء
قوله تعالى إن شانئك اختلفوا فيمن عنى بذلك على خمسة أقوال
أحدها أنه العاص بن وائل السهمي قاله ابن عباس نزلت في العاص ابن وائل لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم على باب المسجد فوقف يحدثه حتى دخل العاص المسجد وفيه أناس من صناديد قريش فقالوا له من الذي كنت تحدث قال ذاك الأبتر يعني النبي صلى الله عليه و سلم وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانوا يسمون من ليس له ابن أبتر فأنزل الله عز و جل هذه السورة
وممن ذهب الى أنها نزلت في العاص سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة
والثاني أنه أبو جهل روي عن ابن عباس أيضا
والثالث أبو لهب قاله عطاء
والرابع عقبة بن أبي معيط قاله شمر بن عطية

والخامس أنه عنى به جماعة من قريش قاله عكرمة والشانىء المبغض والأبتر المنقطع عن الخير

سورة الكافرون
بسم الله الرحمن الرحيم
قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله ابن مسعود والحسن والجمهور
والثاني مدنية روي عن قتادة
ذكر سبب نزولها اختلفوا على ثلاثة أقوال
أحدها أن رهطا من قريش منهم الوليد بن المغيرة والعاص وائل والأسود بن عبد يغوث لقوا العباس بن عبد المطلب فقالوا يا أبا الفضل لو أن ابن أخيك أسلم بعض آلهتنا لصدقناه بما يقول ولآمنا بالآهه فأتاه العباس فأخبره فنزلت هذه السورة رواه أبو صالح عن ابن عباس

والثاني أن عتبة بن ربيعة وأمية بن خلف لقيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالا يا محمد لا ندعك حتى تتبع ديننا ونتبع دينك فإن كان أمرنا رشدا كنت قد أخذت بحظك منه وإن كان أمرك رشدا كنا قد أخذنا بحظنا منه فنزلت هذه السورة قاله عبيد بن عمير
والثالث أن قريشا قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم إن سرك أن نتبع دينك عاما وترجع الى ديننا عاما فنزلت هذه السورة قاله وهب قال مقاتل في آخرين نزلت هذه السورة في أبي جهل وفي المستهزئين ولم يبق من الذين نزلت فيهم أحد وأما قوله تعالى لا أعبد فهو في موضع من ولكنه جعل مقابلا لقوله تعالى ما تعبدون وهي الأصنام وفي تكرار الكلام قولان
أحدهما لتأكيد الأمر وحسم أطماعهم فيه قاله الفراء وقد أنعمنا شرح هذا في سورة الرحمن 13

والثاني أن المعنى لا أعبد ما تعبدون في حالي هذه ولا أنتم في حالكم هذه عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم فيما أستقبل وكذلك أنتم فنفي عنه وعنهم ذلك في الحال والاستقبال وهذا في قوم بأعيانهم أعلمه الله عز و جل أنهم لا يؤمنون كما ذكرنا عن مقاتل فلا يكون حيئذ تكرارا هذا قول ثعلب والزجاج وقوله تعالى لكم دينكم ولي دين فتح ياء ولي نافع وحفص وأبان عن عاصم وأثبت ياء ديني في الحالين يعقوب وهذا منسوخ عندالمفسرين بآية السيف

سورة النصر
وهي مدنية بإجماعهم
وفي أفراد مسلم من حديث ابن عباس أنها آخر سورة نزلت جميعا

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه توابا
قوله تعالى إذا جاء نصر الله أي معونته على الأعداء والفتح فتح مكة قال الحسن لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة قالت العرب أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان فدخلوا في دين الله أفواجا قال أبو عبيدة والأفواج جماعات في تفرقة
قوله تعالى فسبح بحمد ربك فيه قولان
أحدهما أنه الصلاة قاله ابن عباس

والثاني التسبيح المعروف قاله جماعة من المفسرين قال المفسرون نعيت إليه نفسه بنزول هذه السورة وأعلم أنه قد اقترب أجله فأمر بالتسبيح والإستغفار ليخم له عمره بالزيادة في العمل الصالح قال ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح داع من الله ووداع من الدنيا قال قتادة وعاش بعد نزول هذه السورة سنتين

سورة تبت
وهي مكية بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد
وسبب نزولها ما روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال لما نزل وأنذر عشيرتك الأقربين الشعراء 214 صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم على الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا ما لك فقال أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
قال أبو لهب تبا لك ألهذا دعوتنا فأنزل الله تعالى تبت يدا أبي لهب

ومعنى تبت خسرت يدا أبي لهب وتب أي وخسر هو قال الفراء الأول دعاء والثاني خبر كما يقول الرجل أهلكك الله وقد أهلكك وجعلك الله صالحا وقد جعلك وقيل ذكر يديه والمراد نفسه ولكن هذا عادة العرب يعبرون ببعض الشيء عن جميعه كقوله تعالى ذلك بما قدمت يداك الحج 10 وقال مجاهد تبت يدا أبي لهب وتب ولد أبي لهب فأما أبو لهب فهو عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقيل إن اسمه عبد العزى وقرأ ابن كثير وحده أبي لهب بإسكان الهاء قال أبو علي يشبه أن يكون لغة كالشمع والشمع والنهر والنهر
فإن قيل كيف كناه الله عز و جل وفي الكنية نوع تعظيم
فعنه جوابان
أحدهما أنه إن صح أن اسمه عبد العزى فكيف يذكره الله بهذا الأسم وفيه معنى الشرك
والثاني أن كثيرا من الناس اشتهروا بكناهم ولم يعرف لهم أسماء
قال ابن قتيبة خبرني غير واحد عن الأصمعي أن أبا عمرو بن العلاء وأبا سفيان

ابن العلاء أساؤهما كناهما فإن كان اسم أبي لهب كنيته فإنما ذكره بما لايعرف إلا به
قوله تعالى ما أغنى عنه ماله قال ابن مسعود لما دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم أقربيه إلى الله عز و جل قال أبو لهب إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي بمالي وولدي فقال الله عز و جل ما أغنى عنه ماله و كسب قال الزجاج و ما في موضع رفع المعنى ما أغنى عنه ماله و كسبه أي ولده وكذلك قال المفسرون المراد بكسبه هاهنا ولده و أغنى بمعنى يغني سيصلى نارا ذات لهب أي تلتهب عليه من غير دخان وامرأته أي ستصلى امرأته وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان وفي هذا دلالة على صحة نبوة نبينا عليه الصلاة و السلام لأنه أخبر بهذا المعنى أنه وزوجته يموتان على الكفر فكان كذلك إذ لو قالابألسنتهما قد أسلمنا لوجد الكفار متعلقا في الرد على رسول الله صلى الله عليه و سلم غير أن الله علم أنهما لا يسلمان باطنا ولا ظاهرا فأخبره بذلك
قوله تعالى حمالة الحطب فيه أربعة أقوال
أحدهما أنها كانت تمشي بالنميمة قاله ابن عباس ومجاهد والسدي

والفراء وقال ابن قتيبة فشبهوا النميمة بالحطب والعداوة والشحناء بالنار لأنهما يقعان بالنميمة كما تلتهب النار بالحطب
والثاني أنها كانت تحتطب الشوك فتلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا رواه عطية عن ابن عباس وبه قال الضحاك وابن زيد
والثالث أن المراد بالحطب الخطايا قاله سعيد بن جبير
والرابع أنها كانت تعير رسول الله صلى الله عليه و سلم بالفقر وكانت تحتطب فعيرت بذلك قاله قتادة وليس بالقوي لأن الله تعالى وصفه بالمال
وقرأ عاصم وحده حمالة الحطب بالنصب
قال الزجاج من نصب حمالة فعلى الذم والمعنى أعني حمالة

الحطب والجيد العنق والمسد في لغة العرب الحبل إذا كان من ليف المقل وقد يقال لما كان من أوبار الإبل من الحبال المسد قال الشاعر
... ومسد أمر من أيانق ... صهب عتاق ذات مخ زاهق ...
وقال ابن قتيبة المسد عند كثير من الناس الليف دون غيره وليس كذلك إنما المسد كل ما ضفر وقتل من الليف وغيره
واختلف المفسرون في المراد بهذا الحبل على ثلاثة أقوال
أحدها أنها حبال كانت تكون بمكة رواه العوفي عن ابن عباس
وقال الضحاك حبل من شجر كانت تحتطب به
والثاني أنه قلادة من ودع قاله قتادة
والثالث أنه سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا قاله عروة بن

الزبير وقال غيره المراد بهذا الحبل السلسلةالتي ذكرها الله تعالى في النار طولها سبعون ذراعا والمعنى أن تلك السلسلة قد فتلت فتلا محكما فهي في عنقها تعذب بها في النار

سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
وفيها قولان
أحدهما أنها مكية قاله ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر
والثاني مدنية روي عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقد روى البخاري في أفراده من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن وروى مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة

أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إنها تعدل ثلث القرآن
وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال
أحدها أن المشركين قالوا يا محمد انسب لنا ربك فنزلت هذه السورة قاله أبي بن كعب

والثاني أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم إلام تدعونا يا محمد قال الى الله عز و جل قال صفه لي أمن ذهب هو أو من فضة أو من حديد فنزلت هذه السورة قاله ابن عباس
والثالث أن الذين قالوا هذا قوم من أحبار اليهود قالوا من أي جنس هو وممن ورث الدنيا ولمن يورثها فنزلت هذه السورة قاله قتادة والضحاك قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي أحد الله وقرأ أبو عمرو أحد الله بضم الدال ووصلها باسم الله قال الزجاج هو كناية عن ذكر الله عز و جل والمعنى الذي سألتم تبيين نسبته هو الله و أحد مرفوع على معنى هو أحد فالمعنى هو الله وهو أحد وقرئت أحد الله الصمد بتنوين أحد وقرئت أحد الله بترك التنوين وقرئت

بإسكان الدال أحد الله وأجودها الرفع بإثبات التنوين وكسر التنوين لسكونه وسكون اللام في الله ومن حذف التنوين فلالتقاء الساكنين أيضا ومن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ الله الصمد وهو أردؤها
فأما الأحد فقال ابن عباس وأبو عبيدة هو الواحد وفرق قوم بينهما وقال أبو سليمان الخطابي الواحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهية أحد
والأحد هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد وأصل الأحد عند النحويين الوحد ثم أبدلوا من الواو الهمزة
وفي الصمد أربعة أقوال
أحدها أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده قال أبو عبيدة هو السيد الذي ليس فوقه

أحد والعرب تسمي أشرافها الصمد قال الأسدي
... لقد بكر الناعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد ...
وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء قصد قصده وتأويل صمود كل شيء له أن في كل شيء أثر صنعه وقال ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم
والثاني أنه لا جوف له قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وابن جبير وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي وقال ابن قتيبة فكأن الدال من هذا التفسير مبدلة من تاء والمصمت من هذا
والثالث أنه الدائم
والرابع الباقي بعد فناء الخلق حكاهما الخطابي وقال أصح الوجوه الأول لأن الإشتقاق يشهد له فإن أصل الصمد القصد يقال اصمد صمد فلان أي اقصد قصده فالصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج
قوله تعالى لم يلد قال مقاتل لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك

وذلك أن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الرحمن وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله فبرأ نفسه من ذلك
قوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد قرأ الأكثرون بالتثقيل والهمز
ورواه حفص بالتثقيل وقلب الهمز واوا وقرأ حمزة بسكون الفاء والكفء المثل المكافىء وفيه تقديم وتأخير تقديره ولم يكن له أحد كفوا فقدم وأخر لتتفق رؤوس الآيات

سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد و من شر حاسد إذا حسد
وفيها قولان
أحدهما مدنية رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال قتادة في آخرين
والثاني مكية رواه كريب عن ابن عباس وبه قال الحسن وعطاء وعكرمة وجابر والأول أصح ويدل عليه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سحر وهو مع عائشة فنزلت عليه المعوذتان
فذكر أهل التفسير في نزولهما أن غلاما من اليهود كان يخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يزل به اليهود حتى أخذ مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها وكان الذي تولى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي
ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها بئر ذوران ويقال ذي أروان

فمرض رسول الله صلى الله عليه و سلم وانتشر شعر رأسه وكان يرى أنه يأتي النساء وما يأتيهن ويخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله فبينا هو ذات يوم نائم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما للآخر ما بال الرجل قال طب قال وما طب قال سحر قال ومن سحره قال لبيد بن أعصم قال وبم طبه قال بمشط ومشاطه قال وأين هو قال في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان والجوف قشر الطلع والراعوفة صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي عليها فانتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجوف وإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبرة فأنزل الله تعالى المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله صلى الله عليه و سلم خفة حين إنحلت العقدة الأخيرة وجعل جبريل عليه السلام يقول بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين والله يشفيك فقالوا يا رسول الله

أفلا نأخذ الخبيث فنقتله فقال أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا
وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة حديث سحر رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد بينا معنى أعوذ في أول كتابنا
وفي الفلق ستة أقوال
أحدها أنه الصبح رواه العفي عن إبن عباس وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد واللغويون قالوا ويقال هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح

والثاني أنه الخلق رواه الوالبي عن أبن عباس وكذلك قال الضحاك الفلق الخلق كله
والثالث سجن في جهنم روي عن ابن عباس ايضأ وقال وهب والسدي جب في جهنم وقال ابن السائب واد في جهنم
والرابع شجرة في النار قاله عبدالله بن عمرو
والخامس أنه كل من انفلق عن شيء كالصبح والحب والنوى وغير ذلك قاله الحسن قال الزجاج وإذا تأملت الخلق بأن لك أن اكثره عن انفلاق كالأرض بالنبات والسحاب بالمطر
والسادس أنه اسم من أسماء جهنم قاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الحبلي
قوله تعالى من شر ما خلق وقرأ ابن السميفع وابن يعمر خلق بضم الخاء وكسر اللام وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه عام وهو الأظهر
والثاني أن شر ما خلق إبليس وذريته قاله الحسن
والثالث جهنم حكاه الماوردي

وفي الغاسق أربعة أقوال
أحدها أنه القمر روت عائشة قالت نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم الى القمر فقال استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب رواه الترمذي والنسائي في كتابهما قال ابن قتيبة ويقال الغاسق القمر إذا كسف فاسود ومعنى وقب دخل في الكسوف
والثاني أنه النجم رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثالث أنه الليل قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والقرظي والفراء وأبو عبيد وابن قتيبة والزجاج قال اللغويون ومعنى وقب دخل في كل شيء فأظلم و الغسق الظلمة وقال الزجاج الغاسق البارد فقيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار
والرابع أنه الثريا إذا سقطت وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند

وقوعها وترتفع عند طلوعها قاله ابن زيد
فأما النفاثات فقال ابن قتيبة هن السواحر ينفثن أي يتفلن إذا سحرن ورقين قال الزجاج يتفلن بلا ريق كأنه نفح وقال ابن الأنباري قال اللغويون تفسير نفث نفخ نفخا ليس معه ريق ومعنى تفل نفخ نفخا معه ريق قال ذو الرمة
... ومن جوف ماء عرمض الحول فوقه ... متى يحس منه مائح القوم يتفل ...
وقد روى ابن أبي سريج النافثات بألف قبل الفاء مع كسر الفاء وتخفيفها
وقال بعض المفسرين المراد بالنفاثات هاهنا بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن رسول الله صلى الله عليه و سلم

ومن شر حاسد يعني اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ذكرنا حد الحسد في البقرة 109 والحسد أخس الطبائع وأول معصية عصي الله بها في السماء حسد إبليس لآدم وفي الأرض حسد قابيل هابيل

سورة الناس
وفيها قولان
أحدهما أنها مدنية رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أنها مكية رواه أبو كريب عن ابن عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس
فإن قيل لم خص الناس هاهنا بأنه ربهم وهو رب كل شيء
فعنه جوابان
أحدهما لأنهم معظمون متميزون على غيرهم
والثاني لأنه لما أمر بالأستعادة من شرهم أعلم أنه ربهم ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم ولما كان في الناس ملوك قال تعالى ملك الناس ولما كان فيهم

من يعبد غيره قال تعالى إله الناس
و الوسواس الشيطان وهو الخناس يوسوس في الصدور فإذا ذكر الله خنس أي كف وأقصر قال الزجاج الوسواس هنا ذو الوسواس

وقال ابن قتيبة الصدور هاهنا القلوب قال ابن عباس الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس
قوله تعالى من الجنة والناس الجنة وفي معنى الآية قولان
أحدهما يوسوس في صدور الناس جنتهم وناسهم فسمى الجن هاهنا ناسا كما سماهم رجالا في قوله تعالى يعوذون برجال من الجن الجن 6 وسماهم نفرا بقوله تعالى استمع نفر من الجن الجن 1 هذا قول الفراء وعلى هذا القول يكون الوسواس موسوسا للجن كما يوسوس للإنس
والثاني أن الوسواس الذي يوسوس في صدور الناس هو من الجنة وهم من الجن والمعنى من شر الوسواس الذي هو من الجن ثم عطف قوله تعالى والناس على الوسواس والمعنى من شر الوسواس ومن شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من الجن والإنس هذا قول الزجاج

فسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته } أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني كل همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق