كتاب المنطق
فهرسة الكتاب
الباب الرابع
القضايا وأحكامها
وفيه فصلان:
الفصل اﻷول: القضايا
القضية:
تقدم في الباب اﻷول ان الخبر هو القضية، وعرفنا الخبر ـ أو القضية ـ بأنه (المركب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الكذب).
وقولنا: المركب التام، هو (جنس قريب) يشمل نوعي التام، الخبر والانشاء. وباقي التعريف (خاصة) يخرج بها الانشاء، ﻷن الوصف بالصدق أو الكذب من عوارض الخبر المختصة به، كما فصلناه هناك، فهذا التعريف تعريف بالرسم التام.
وﻷجل أن يكون التعريف دقيقاً نزيد عليه كلمة (لذاته)، فنقول: القضية هي المركب التام الذي يصح أن نصفه بالصدق أو الكذب لذاته.
وكذا ينبغي زيادة كلمة (لذاته) في تعريف الانشاء. ولهذا القيد فائدة، فانه قد يتوهم غافل فيظن ان التعريف اﻷول للخبر يشمل بعض الانشاءات فلا يكون مانعاً، ويخرج هذا البعض من تعريف الانشاء فلا يكون جامعاً.
وسبب هذا الظن ان بعض الانشاءات قد توصف بالصدق والكذب، كما لو استفهم شخص عن شيء يعلمه، أو سأل الغني سؤال الفقير، أو تمنى انسان شيئاً هو واجد له، فان هؤلاء نرميهم بالكذب، وفي عين الوقت نقول للمستفهم الجاهل والسائل الفقير والمتمني الفاقد اليائس انهم صادقون. ومن المعلوم أن الاستفهام والطلب بالسؤال والتمني من أقسام الانشاء.
ولكنا إذا دققنا هذه اﻷمثلة وأشباهها يرتفع هذا الظن، ﻷننا نجد ان الاستفهام الحقيقي لا يكون إلا عن جهل، والسؤال لا يكون إلا عن حاجة، والتمني لا يكون إلا عن فقدان ويأس، فهذه الانشاءات تدل بالدلالة الالتزامية على اﻷخبار عن الجهل أو الحاجة أو اليأس، فيكون الخبر المدلول عليه بالالتزام هو الموصوف بالصدق أو الكذب، لا ذات الانشاء.
فالتعريف اﻷول للخبر في حد نفسه لا يشمل هذه الانشاءات، ولكن ﻷجل التصريح بذلك دفعاً للالتباس، نضيف كلمة (لذاته)، ﻷن هذه الانشاءات المذكورة لئن اتصفت بالصدق أو الكذب، فليس هذا الوصف لذاتها، بل ﻷجل مداليلها الالتزامية.
أقسام القضية
القضية: حمليَّة وشرطية:
1- (الحملية) مثل: الحديد معدن، الربا محرم، الصدق ممدوح، الكاذب ليس بمؤتمن، البخيل لا يسود.
وبتدقيق هذه اﻷمثلة نجد: أن كل قضية منها لها طرفان ونسبة بينهما، ومعنى هذه النسبة اتحاد الطرفين وثبوت الثاني للأول، أو نفي الاتحاد والثبوت. وبالاختصار نقول: معناها ان (هذا ذاك) أو (هذا ليس ذاك) فيصح تعريف الحملية بأنها:
ما حكم فيها بثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه
2- (الشرطية) مثل:
إذا أشرقت الشمس فالنهار موجود.
وليس إذا كان اﻹنسان تماماً كان أميناً.
ومثل: اللفظ إما أن يكون مفرداً أو مركباً.
وليس اﻹنسان إما أن يكون كاتباً أو شاعراً.
وعند ملاحظة هذه القضايا نجد: ان كل قضية منها لها طرفان، وهما قضيتان باﻷصل. ففي المثال اﻷول لولا (إذا) و (فاء الجزاء) لكان قولنا (أشرقت الشمس) خبراً بنفسه وكذا (النهار موجود). وهكذا باقي اﻷمثلة، ولكن لما جمع المتكلم بين الخبرين ونسب أحدهما إلى اﻵخر جعلهما قضية واحدة وأخرجهما عما كانا عليه من كون كل منهما خبراً يصح السكوت عليه، فانه لو قال (أشرقت الشمس...) وسكت فانه يعد مركباً ناقصاً، كما تقدم في بحث المركب.
وأما هذه النسبة بين الخبرين باﻷصل، فليست هي نسبة الثبوت والاتحاد كالحملية، ﻷن لا اتحاد بين القضايا، بل هي إما نسبة الاتصال والتصاحب، والتعليق، أي تعليق الثاني على ا ﻷول أو نفي ذلك كالمثالين اﻷولين، وإما نسبة التعاند والانفصال والتباين أو نفي ذلك كالمثالين اﻷخيرين.
ومن جميع ما تقدم نستطيع أن نستنتج عدة أمور:
(اﻷول): تعريف القضية الشرطية بأنها (ما حكم فيها بوجود نسبة بين قضية وأخرى أو لا وجودها).
الشرطية: متصلة ومنفصلة:
(الثاني): ان الشرطية تنقسم إلى متصلة ومنفصلة، ﻷن النسبة:
1- إن كانت هي الاتصال بين القضيتين وتعليق احداهما على ا ﻷخرى أو نفي ذلك، كالمثالين اﻷولين، فهي المسماة (بالمتصلة).
2- وإن كانت هي الانفصال والعناد بينهما أو نفي ذلك، كالمثالين اﻷخيرين فهي المسماة (بالمنفصلة).
الموجبة والسالبة:
(الثالث): ان القضية بجميع أقسامها سواء كانت حملية أو متصلة أو منفصلة، تنقسم إلى، موجبة وسالبة، ﻷن الحكم فيها:
1- إن كان بنسبة الحمل أو الاتصال أو الانفصال فهي (موجبة).
2- وإن كان بسلب الحمل أو الاتصال أو الانفصال فهي (سالبة).
وعلى هذا فليس من حق السالبة أن تسمى حملية أو متصلة أو منفصلة، ﻷنها سلب الحمل أو سلب الاتصال أو سلب الانفصال، ولكن تشبيهها لها بالموجبة سميت باسمها.
ويسمى الايجاب والسلب (كيف القضية)، ﻷنه يسأل بـ (كيف) الاستفهامية عن الثبوت وعدمه.
أجزاء القضية
قلنا: إن كل قضية لها طرفان ونسبة، وعليه ففي كل قضية ثلاثة أجزاء، ففي الحملية:
الطرف اﻷول: المحكوم عليه، ويسمى (موضوعاً).
الطرف الثاني: المحكوم به، ويسمى (محمولاً).
النسبة: والدال عليها يسمى (رابطة)
وفي الشرطية:
الطرف اﻷول: يسمى (مقدماً)
والطرف الثاني: يسمى (تالياً).
والدال على النسبة: يسمى (رابطة).
وليس من حق أطراف المنفصلة: أن تسمى مقدماً وتالياً، ﻷنها غير متميزة بالطبع كالمتصلة، فإن لك أن تجعل أيا شئت منها مقدماً وتالياً، ولا بتفاوت المعنى فيها، ولكن إنما سميت بذلك فعلى نحو العطف على المتصلة تبعاً لها، كما سميت السالبة باسم الموجبة الحملية أو المتصلة أو المنفصلة.
أقسام القضية باعتبار الموضوع
الحملية: شخصيَّة، وطبيعية، ومهملة، ومحصورة.
نبتدئ بالتقسيم باعتبار الموضوع للحملية، ثم نتبعه بتقسيم الشرطية، فنقول:
تنقسم الحملية باعتبار الموضوع إلى اﻷقسام اﻷربعة المذكورة في العنوان ﻷن الموضوع إما أن يكون جزئياً حقيقياً أو كلياً:
أ - فإن كان جزئياً سميت القضية (شخصية) و (مخصوصة) مثل: محمد رسول الله. الشيخ المفيد مجدد القرن الرابع. بغداد عاصمة العراق. أنت عالم. هو ليس بشاعر. هذا العصر لا يبشر بخير.
ب- وإن كان كلياً، ففيه ثلاث حالات تسمى - في كل حالة - القضية المشتملة عليه باسم مخصوص، فانه:
1- أما أن يكون الحكم في القضية على نفس الموضوع الكلي بما هو كلي مع غض النظر عن أفراده، على وجه لا يصح تقدير رجوع الحكم إلى اﻷفراد، فالقضية تسمى (طبيعية)، ﻷن الحكم فيها على نفس الطبيعة من حيث هي كلية، مثل: اﻹنسان نوع. الناطق فصل. الحيوان جنس. الضاحك خاصة... وهكذا، فانك ترى ان الحكم في هذه اﻷمثلة لا يصح ارجاعه إلى أفراد الموضوع، ﻷن الفرد ليس نوعاً ولا فصلاً ولا جنساً ولا خاصة.
2- وأما أن يكون الحكم فيها على الكلي بملاحظة أفراده، بأن يكون الحكم في الحقيقة راجعاً إلى اﻷفراد، والكلي جعلي عنواناً ومرآة لها، إلا أنه لم يبين فيه كمية اﻷفراد، لا جميعها ولا بعضها، فالقضية تسمى (مهملة) لاهمال بيان كمية أفراد الموضوع، مثل: اﻹنسان في خسر. رئيس القوم خادمهم. ليس من العدل سرعة العذل. المؤمن لا يكذب.
فانه ليس في هذه اﻷمثلة دلالة على أن الحكم عام لجميع ما تحت الموضوع أو غير عام.
(تنبيه) قال الشيخ الرئيس في الاشارات بعد بيان المهملة: «فإن كان ادخال اﻷلف واللام يوجب تعميماً وشركة وادخال التنوين يوجب تخصيصاً، فلا مهملة في لغة العرب، وليطلب ذلك في لغة أخرى. وأما الحق في ذلك فلصناعة النحو ولا نخالطها بغيرها...». والحق وجود المهملة في لغة العرب إذا كانت اللام للحقيقة، فيشار بها إلى نفس الطبيعة من حيث وجودها في مصاديقها، من دون دلالة على إرادة الجميع أو البعض. نعم إذا كانت للجنس فانها تفيد العموم. ويفهم ذلك من قرائن اﻷحوال. وهذا أمر يرجع فيه إلى كتب النحو وعلوم البلاغة.
3- وأما أن يكون الحكم فيها على الكلي بملاحظة أفراده، كالسابقة، ولكن كمية أفراده مبينة في القضية، إما جميعاً أو بعضاً، فالقضية تسمى (محصورة) وتسمى (مسوَّرة) أيضاً. وهي تنقسم بملاحظة كمية اﻷفراد إلى:
أ- (كلية): إذا كان الحكم على جميع اﻷفراد، مثل: كل إمام معصوم. كل ماء طاهر. كل ربا محرم. لا شيء من الجهل بنافع. ما في الدار ديار.
ب- (جزئية): إذا كان الحكم على بعض اﻷفراد، مثل: بعض الناس يكذبون. قليل من عبادي الشكور. وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين. ليس كل إنسان عالماً. رب أكلة منعت أكلات.
لا اعتبار إلا بالمحصورات
أما (الشخصية)، فلأن مسائل المنطق قوانين عامة، فلا شأن لها في القضايا الشخصية التي لا عموم فيها.
وأما (الطبيعية)، فهي بحكم الشخصية، ﻷن الحكم فيها ليس فيه تقنين قاعدة عامة، وانما الحكم ـ كما قلنا ـ على نفس المفهوم بما هو من غير أن يكون له مساس بأفراده. وهو بهذا الاعتبار كالمعنى الشخصي لا عموم فيه، فان اﻹنسان في مثال (اﻹنسان نوع) لا عموم فيه. ﻷن كلا من أفراده ليس بنوع.
وأما (المهملة)، فهي في قوة الجزئية، وذلك ﻷن الحكم فيها يجوز أن يرجع إلى جميع اﻷفراد ويجوز أن يرجع إلى بعضها دون البعض اﻵخر، كما تقول: (رئيس القوم خادمهم)، فانه إذا لم يبين في هذه القضية كمية اﻷفراد، فانك تحتمل ان كل رئيس قوم يجب أن يكون كخادم لقومه. وربما كان هذا الحكم من القائل غير عام لكل من يصدق عليه رئيس قوم، فقد يكون رئيس مستغنياً عن قومه إذ لا تكون قوته مستمدة منهم. وعلى كلا التقديرين يصدق (بعض الرؤساء لقومهم كخدم لهم)، ﻷن الحكم إذا كان في الواقع للكل، فإن البعض له هذا الحكم قطعاً أما البعض اﻵخر فهو مسكوت عنه. وإذا كان في الواقع للبعض، فقد حكم على البعض.
إذن الجزئية صادقة على كلا التقديرين قطعاً. ولا نعني بالجزئية إلا ما حكم فيها على بعض اﻷفراد من دون نظر إلى البعض الباقي بنفي ولا اثبات. فانك إذا قلت (بعض اﻹنسان حيوان)، فهي صادقة، ﻷنها ساكتة عن البعض اﻵخر فلا تدليل على أن الحكم لا يعمه. ولا شك ان بعض اﻹنسان حيوان وإن كان البعض الباقي في الواقع أيضاً حيواناً ولكنه مسكوت عنه في القضية.
وإذا كانت القضايا المعتبرة هي المحصورات خاصة سواء كانت كلية أو جزئية فإذا روعي مع (كم) القضية() كيفها، ارتقت القضايا المعتبرة إلى أربعة أنواع: الموجبة الكلية. السالبة الكلية. الموجبة الجزئية. السالبة الجزئية.
السور وألفاظه
يسمى اللفظ الدال على كمية أفراد الموضوع (سور القضية) تشبيهاً له بسور البلد الذي يحدها ويحصرها. ولذا سميت هذه القضايا (محصورة) و (مسورة). ولكل من المحصورات اﻷربع سور خاص بها:
1- (سور الموجبة الكلية): كل. جميع. عامة. كافة. لام الاستغراق... إلى غيرها من اﻷلفاظ التي تدل على ثبوت المحمول لجميع أفراد الموضوع.
2- (سور السالبة الكلية): لا شيء. لا واحد. النكرة في سياق النفي... إلى غيرها من اﻷلفاظ الدالة على سلب المحمول عن جميع أفراد الموضوع.
3- (سور الموجبة الجزئية): بعض. واحد. كثير. قليل. ربما. قلما... إلى غيرها مما يدل على ثبوت المحمول لبعض أفراد الموضوع.
4- (سور السالبة الجزئية): ليس بعض. بعض... ليس. ليس كل. ما كل... أو غيرها مما يدل على سلب المحمول عن بعض أفراد الموضوع.
وطلباً للاختصار نرمز لسور كل قضية برمز خاص كما يلي:
(كل): للموجبة الكلية
(لا): للسالبة الكلية
(ع): للموجبة الجزئية.
(س): للسالبة الجزئية
وإذا رمزنا دائماً للموضوع بحرف (ب) وللمحمول بحرف (حـ) فيكون رموز المحصورات اﻷربع كما يلي:
كل ب حـ ... ... ... ... الموجبة الكلية
لا ب حـ ... ... ... ... السالبة الكلية
ع ب حـ ... ... ... ... الموجبة الجزئية
س ب حـ ... ... ... ... السالبة الجزئية
تقسيم الشرطية
إلى شخصية، ومهملة، ومحصورة
لاحظنا ان الحملية تنقسم إلى اﻷقسام اﻷربعة السابقة باعتبار موضوعها. وللشرطية تقسيم يشبه ذلك التقسيم، ولكن لا باعتبار الموضوع، إذ لا موضوع لها، بل باعتبار اﻷحوال واﻷزمان التي يقع فيها التلازم أو العناد.
فتنقسم الشرطية بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام فقط: شخصية، مهملة، محصورة. وليس من أقسامها الطبيعية التي لا تكون إلا باعتبار الموضوع بما هو مفهوم موجود في الذهن.
1- (الشخصية): وهي ما حكم فيها بالاتصال، أو التنافي، أو نفيهما، في زمن معين شخصي، أو حال معين كذلك.
مثال المتصلة- إن جاء علي غاضباً فلا أسلم عليه. إذا مطرت السماء اليوم فلا أخرج من الدار. ليس إذا كان المدرس حاضراً اﻵن فإنه مشغول بالدرس.
مثال المنفصلة- إما أن تكون الساعة اﻵن الواحدة أو الثانية. وإما أن يكون زيد وهو في البيت نائماً أو مستيقظاً. ليس إما أن يكون الطالب وهو في المدرسة واقفاً أو في الدرس.
2- (المهملة): وهي ما حكم فيها بالاتصال أو التنافي أو رفعهما في حال أو زمان ما، من دون نظر إلى عموم اﻷحوال واﻷزمان أو خصوصهما.
مثال المتصلة- إذا بلغ الماء كراً فلا ينفعل بملاقاة النجاسة. ليس إذا كان اﻹنسان كاذباً كان محموداً.
مثال المنفصلة- القضية إما أن تكون موجبة أو سالبة. ليس إما أن يكون الشيء معدناً أو ذهباً.
3- (المحصورة): وهي ما بُيِّن فيها أحوال الحكم وأوقاته كلاً أو بعضاً وهي على قسمين كالحملية:
أ – (الكلية): وهي إذا كان اثبات الحكم أو رفعه فيها يشمل جميع اﻷحوال أو اﻷوقات.
مثال المتصلة- كلما كانت اﻷمة حريصة على الفضيلة كانت سالكة سبيل السعادة. ليس أبداً، أو ليس البتة إذا كان اﻹنسان صبوراً على الشدائد كان غير موفق في أعماله.
مثال المنفصلة- دائماً إما أن يكون العدد الصحيح زوجاً أو فرداً. ليس أبداً، أو ليس البتة إما أن يكون العدد الصحيح زوجاً أو قابلاً للقسمة على اثنين.
ب- (الجزئية): إذا كان اثبات الحكم أو رفعه فيها يختص في بعض غير معين من اﻷحوال واﻷوقات.
مثال المتصلة- قد يكون إذا كان اﻹنسان عالماً كان سعيداً. وليس كلما كان اﻹنسان حازماً كان ناجحاً في أعماله.
مثال المنفصلة- قد يكون إما أن يكون اﻹنسان مستلقياً أو جالساً (وذلك عندما يكون في السيارة مثلاً إذ لا يمكنه الوقوف). قد لا يكون إما أن يكون اﻹنسان مستلقياً أو جالساً (وذلك عندما يمكنه الوقوف منتصباً).
السور في الشرطية
السور في الحملية يدل على كمية أفراد الموضوع. أما في الشرطية فدلالته على عموم اﻷحوال واﻷزمان أو خصوصها. ولكل من المحصورات اﻷربع سور يختص بها كالحملية:
1- (سور الموجبة الكلية): كلما. مهما. متى. ونحوها، في المتصلة. ودائماً، في المنفصلة.
2- (سور السالبة الكلية): ليس أبداً. ليس البتة. في المتصلة والمنفصلة.
3- (سور الموجبة الجزئية): قد يكون، فيهما.
4- (سور السالبة الجزئية): قد لا يكون، فيهما. وليس كلما، في المتصلة خاصة.
الخلاصة:
القضية
حملية شرطية
محصورة مهملة طبعية شخصية متصلة منفصلة
كلية جزئية شخصية مهملة محصورة كلية جزئية
موجبة سالبة
تقسيمات الحملية
تمهيد:
تقدم ان الحملية تنقسم باعتبار الكيف إلى موجبة وسالبة، وباعتبار الموضوع إلى شخصية وطبيعية ومهملة ومحصورة، والمحصورة إلى كلية وجزئية. وهذه تقسيمات تشاركها الشرطية فيها في الجملة كما تقدم.
واﻵن نبحث في هذا الفصل عن التقسيمات الخاصة بالحملية، وهي: تقسيمها (أولاً) باعتبار وجود موضوعها في الموجبة. وتقسيمها (ثانياً) باعتبار تحصيل الموضوع والمحمول وعدولهما. وتقسيمها (ثالثاً) باعتبار جهة النسبة. فهذه تقسيمات ثلاثة:
1- الذهنية. الخارجية. الحقيقية.
إن الحملية الموجبة هي ما أفادت ثبوت شيء لشيء. ولا شك أن ثبوت شيء لشيء فرع لثبوت المثبت له، أي ان الموضوع في الحملية الموجبة يجب أن يفرض موجوداً قبل فرض ثبوت المحمول له، إذ لولا أن يكون موجوداً لما أمكن أن يثبت له شيء، كما يقولون في المثل (العرش ثم النقش). فلا يمكن أن يكون سعيد في مثل (سعيد قائم) غير موجود، ومع ذلك يثبت له القيام.
وعلى العكس من ذلك السالبة فانها لا تستدعي وجود موضوعها، ﻷن المعدوم يقبل أن يسلب عنه كل شيء. ولذا قالوا (تصدق السالبة بانتفاء الموضوع). فيصدق نحو «أب عيسى بن مريم لم يأكل ولم يشرب ولم ينم ولم يتكلم... وهكذا»، ﻷنه لم يوجد فلم تثبت له كل هذه اﻷشياء قطعاً، فيقال لمثل هذه السالبة (سالبة بانتفاء الموضوع).
والمقصود من هذا البيان ان الموجبة لابدّ من فرض وجود موضوعها في صدقها وإلا كانت كاذبة.
ولكن وجود موضوعها:
1- تارة يكون في الذهن فقط فتسمى (ذهنية) مثل: كل اجتماع النقيضين مغاير لاجتماع المثلين. كل جبل ياقوت ممكن الوجود. فان مفهوم اجتماع النقيضين وجبل الياقوت غير موجودين في الخارج، ولكن الحكم ثابت لهما في الذهن.
2- وأخرى يكون وجود موضوعها في الخارج على وجه يلاحظ في القضية خصوص اﻷفراد الموجودة المحققة منه في أحد اﻷزمنة الثلاثة نحو: كل جندي في المعسكر مدرّب على حمل السلاح. بعض الدور المائلة للانهدام في البلد هدمت. كل طالب في المدرسة مجد. وتسمى القضية هذه (خارجية).
3- وثالثة يكون وجوده في نفس اﻷمر والواقع، بمعنى ان الحكم على اﻷفراد المحققة الوجود والمقدرة الوجود معاً، فكلما يفرض وجوده وإن لم يوجد أصلاً فهو داخل في الموضوع ويشمله الحكم.
نحو: كل مثلث مجموع زواياه يساوي قائمتين. بعض المثلث قائم الزاوية. كل انسان قابل للتعليم العالي. كل ماء طاهر.
فانك ترى في هذه اﻷمثلة ان كل ما يفرض للموضوع من أفراد (سواء كانت موجودة بالفعل أو معدومة ولكنها مقدرة الوجود) تدخل فيه ويكون لها حكمه عند وجودها. وتسمى القضية هذه (حقيقية).
2- المعدولة والمحصلة
موضوع القضية الحملية أو محمولها قد يكون شيئاً (محصلاً) بالفتح، أي يدل على شيء موجود، مثل: انسان. محمد. أسد. أو صفة وجودية مثل: عالم. عادل. كريم. يتعلم.
وقد يكون موضوعها أو محمولها شيئاً معدولاً أي داخلاً عليه حرف السلب على وجه يكون جزءاً من الموضوع أو المحمول مثل: لا إنسان. لا عالم. لا كريم. غير بصير.
وعليه فالقضية باعتبار تحصيل الموضوع والمحمول وعدولهما، تنقسم إل قسمين: محصلة ومعدولة.
1- (المحصلة): ما كان موضوعها ومحمولها محصلاً سواء كانت موجبة أو سالبة مثل: الهواء نقي. الهواء ليس نقياً. وتسمى أيضاً (محصلة الطرفين).
2- (المعدولة): ما كان موضوعها أو محمولها أو كلاهما معدولاً، سواء كانت موجبة أو سالبة. وتسمى معدولة الموضوع أو معدولة المحمول أو معدولة الطرفين حسب دخول العدول على أحد طرفيها أو كليهما. ويقال لمعدولة أحد الطرفين: محصلة الطرف اﻵخر: الموضوع أو المحمول.
مثال معدولة الطرفين: كل لا عالم هو غير صائب الرأى. كل غير مجد ليس هو بغير مخفق في الحياة.
مثال معدولة الموضوع أو محصلة المحمول: غير العالم مستهان. غير العالم ليس بسعيد.
تنبيه
تمتاز معدولة المحمول عن السالبة محصلة المحمول:
1- في المعنى: فان المقصود بالسالبة سلب الحمل، وبمعدولة المحمول حمل السلب، أي يكون السلب في المعدولة جزءاً من المحمول فيحمل المسلوب بما هو مسلوب على الموضوع.
2- في اللفظ: فان السالبة تجعل الرابطة فيها بعد حرف السلب لتدل على سلب الحمل، والمعدولة تجعل الرابطة فيها قبل حرف السلب لتدل على حمل السلب.
وغالباً تستعمل (ليس) في السالبة و (لا) أو (غير) في المعدولة.
الخلاصة:
الحملية الموجبة
ذهنية خارجية حقيقية
الحملية
محصلة معدولة
3- الموجهات
مادة القضية:
كل محمول إذا نسب إلى موضوع، فالنسبة فيه لا تخلو في الواقع ونفس اﻷمر من احدى حالات ثلاث (بالقسمة العقلية).
1- (الوجوب). ومعناه: ضرورة ثبوت المحمول لذات الموضوع ولزومه لها، على وجه يمتنع سلبه عنه، كالزوج بالنسبة إلى اﻷربعة، فإن اﻷربعة لذاتها يجب أن تتصف بأنها زوج. وقولنا (لذات الموضوع) يخرج به ما كان لزومه ﻷمر خارج عن ذات الموضوع، مثل ثبوت الحركة للقمر، فانها لازمة له، ولكن لزومها لا لذاته، بل لسبب وضع الفلك وعلاقته باﻷرض.
2- (الامتناع). ومعناه: استحالة ثبوت المحمول لذات الموضوع فيجب سلبه عنه، كالاجتماع بالنسبة إلى النقيضين، فان النقيضين لذاتهما لا يجوز أن يجتمعا.
وقولنا: (لذات الموضوع) يخرج به ما كان امتناعه ﻷمر خارج عن ذات الموضوع، مثل سلب التفكير عن النائم، فان التفكير يمتنع عن النائم. ولكن لا لذاته، بل ﻷنه فاقد للوعي.
(تنبيه) - يفهم مما تقدم ان الوجوب والامتناع يشتركان في ضرورة الحكم، ويفترقان في أن الوجوب ضرورة الايجاب، والامتناع ضرورة السلب.
3- (الامكان). ومعناه: أنه لا يجب ثبوت المحمول لذات الموضوع، ولا يمتنع، فيجوز الايجاب والسلب معاً، أي ان الضرورتين ضرورة الايجاب وضرورة السلب مسلوبتان معاً، فيكون الامكان معنى عدمياً يقابل الضرورتين تقابل العدم والملكة، ولذا يعبر عنه بقولهم (هو سلب الضرورة عن الطرفين معاً)، أي طرف الايجاب وطرف السلب للقضية.
ويقال له: (الامكان الخاص) أو (الامكان الحقيقي) في مقابل (الامكان العام) الذي هو أعم من الامكان الخاص.
الامكان العام:
والمقصود منه: ما يقابل احدى الضرورتين ضرورة الايجاب أو السلب فهو أيضاً معناه سلب الضرورة، ولكن سلب ضرورة واحدة لا الضرورتين معاً، فإذا كان سلب (ضرورة الايجاب) فمعناه ان طرف السلب ممكن، وإذا كان سلب (ضرورة السلب) فمعناه ان طرف الايجاب ممكن.
فلو قيل: هذا الشيء ممكن الوجود أي انه لا يمتنع أو فقل ان ضرورة السلب (وهي الامتناع) مسلوبة، وإذا قيل: هذا الشيء ممكن العدم أي انه لا يجب، أو فقل ان ضرورة الايجاب (وهي الوجوب) مسلوبة.
ولذا عبر عنه الفلاسفة بقولهم: (هو سلب الضرورة عن الطرف المقابل) أي مع السكوت عن الطرف الموافق، فقد يكون مسلوب الضرورة وقد لا يكون. وهذا الامكان هو الشايع استعماله عند عامة الناس والمتداول في تعبيراتهم. وهو كما قلنا أعم من الامكان الخاص، ﻷنه إذا كان امكاناً للايجاب فانه يشمل الوجوب والامكان الخاص، وإذا كان امكاناً للسلب فانه يشمل الامتناع والامكان الخاص.
مثال امكان الايجاب ـ قولهم (الله ممكن الوجود)، و(الانسان ممكن الوجود)، فان معناه في المثالين ان الوجود لا يمتنع، أي ان الطرف المقابل وهو عدمه ليس ضرورياً، ولو كان العدم ضرورياً لكان الوجود ممتنعاً لا ممكناً. وأما الطرف الموافق وهو ثبوت الوجود فغير معلوم. فيحتمل أن يكون واجباً كما في المثال اﻷول، ويحتمل ألا يكون واجباً كما في المثال الثاني، بأن يكون ممكن العدم أيضاً، أي انه ليس ضروري الوجود كما لم يكن ضروري العدم، فيكون ممكناً بالامكان الخاص، فشمل هنا الامكان العام الوجوب والامكان الخاص.
مثال امكان السلب - قولهم: (شريك الباري ممكن العدم)، و(الانسان ممكن العدم)، فان معناه في المثالين ان الوجود لا يجب، أي ان الطرف المقابل وهو وجوده ليس ضرورياً ولو كان الوجود ضرورياً لكان واجباً وكان عدمه ممتنعاً لا ممكناً. وأما الطرف الموافق، وهو العدم فغير معلوم، فيحتمل أن يكون ضرورياً كما في المثال اﻷول (وهو الممتنع)، ويحتمل ألا يكون كذلك كما في الثاني: بأن يكون ممكن الوجود أيضاً، وهو الممكن (بالامكان الخاص)، فشمل هنا الامكان العام الامتناع والامكان الخاص.
وعلى هذا فالامكان العام معنى يصلح للانطباق على كل من حالات النسبة الثلاث: الوجوب والامتناع والامكان، فليس هو معنى يقابلها، بل في الايجاب يصدق على الوجوب والامكان الخاص، وفي السلب على الامتناع والامكان الخاص. وهذه الحالات الثلاث للنسبة التي لا يخلو من احداها واقع القضية تسمى (مواد القضايا) وتسمى (عناصر العقود) و(أصول الكيفيات). والامكان العام خارج عنها وهو معدود من الجهات على ما سيأتي.
جهة القضية
تقدم معنى مادة القضية التي لا تخرج عن احدى تلك الحالات الثلاث. ولهم اصطلاح آخر هنا وهو المقصود بالبحث، وهو قولهم (جهة القضية) والجهة غير المادة، فان المقصود بها: ما يفهم نويتصور من كيفية النسبة بحسب ما تعطيه العبارة من القضية.
والفرق بينهما مع ان كلا منهما كيفية في النسبة: ان المادة هي تلك النسبة الواقعية فينفس اﻷمر التي هي إما الوجوب أو الامتناع أو الامكان ولا يجب أن تفهم وتتصور في مقام توجه النظر إلى القضية، فقد تفهم وتبين في العبارة وقد لا تفهم ولا تبين. وأما الجهة فهي خصوص ما يفهم ويتصور من كيفية نسبة القضية عند النظر فيها فاذا لم يفهم شيء من كيفية النسبة فالجهة مفقودة، أي ان القضية لا جهة لها حينئذٍ، وهي أي الجهة لا يجب أن تكون مطابقة للمادة الواقعية فقد تطابقها وقد لا تطابقها.
فإذا قلت: (اﻹنسان حيوان بالضرورة)، فان المادة الواقعية هي الضرورة، والجهة فيها أيضاً الضرورة فقد طابقت في هذا المثال الجهة المادة وبتعبير آخر إن المادة الواقعية قد فهمت وبينت بنفسها في هذه القضية.
وأما إذا قلت في المثال: (اﻹنسان يمكن أن يكون حيواناً)، فان المادة في هذه القضية هي الضرورة لا تتبدل ﻷن الواقع لا يتبدل بتبدل التعبير والادراك. ولكن الجهة هنا هي الامكان العام، فانه هو المفهوم والمتصور من القضية، وهو لا يطابق المادة، ﻷنه في طرف الايجاب يتناول الوجوب والامكان الخاص كما تقدم، فيجوز أن تكون المادة واقعاً هي الضرورة كما في المثال، ويجوز أن تكون هي الامكان الخاص، كما لو كانت القضية هكذا (اﻹنسان يمكن أن يكون كاتباً).
وهكذا لو قلت (اﻹنسان حيوان دائماً) فإن المادة هي الضرورة والجهة هي الدوام الذي يصدق مع الوجوب والامكان الخاص، ﻷن الممكن بالامكان الخاص قد يكون دائم الثبوت كحركة القمر مثلاً، وكزرقة العين، فلم تطابق الجهة المادة هنا.
ثم ان القضية التي يبين فيها كيفية النسبة تسمى (موجَّهة) بصيغة اسم المفعول. وما أهمل فيها بيان الكيفية تسمى (مطلَقة) أو (غير موجهة).
ومما يجب أن يعلم انا إذ قلنا ان الجهة لا يجب أن تطابق المادة، فلا نعني انه يجوز أن تناقضها، بل يجب ألا تناقضها، فلو كانت مناقضة لها على وجه لا تجتمع معها، كما لو كانت المادة هي الامتناع مثلاً وكانت الجهة دوام الثبوت أو امكانه، فان القضية تكون كاذبة.
فيفهم من هذا ان من شروط صدق القضية الموجهة ألا تكون جهتها مناقضة لمادتها الواقعية.
أنواع الموجهات
تنقسم الموجهة إلى: بسيطة ومركبة.
و(المركبة): ما انحلت إلى قضيتين موجهتين بسيطتين، احداهما موجبة واﻷخرى سالبة. ولذا سميت مركبة، وسيأتي بيانها. أما البسيطة فخلافها، وهي لا
كتاب المنطق
فهرسة الكتاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق