منقول من الموسوعة العقدية
ومن غيرها
المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا
في اللغة
مادة (أول) في كل استعمالاتها اللغوية تفيد معنى الرجوع، والعود، جاء في اللسان: (الأول: الرجوع: آل الشيء يؤول أولاً ومآلاً: رجع، وأول إليه الشيء: رجعه، وآلت عن الشيء: ارتددت …والإيل والأيل: من الوحش، وقيل هو الوعل، قال الفارسي: سمي بذلك لمآله إلى الجبل يتحصن فيه …وقال أبو عبيد في قوله: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ [ آل عمران:7] قال: التأويل المرجع والمصير، مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه، وأولته: صيرته إليه …) (1) وفي تهذيب اللغة: (وأما التأويل فهو تفعيل من أول يؤول تأويلاً وثلاثيه آل يؤول: أي رجع وعاد) (2) وقال ابن فارس: (أول الحكم إلى أهله: أي أرجعه ورده إليهم... وآل الجسم إذا نحف، أي رجع إلى تلك الحالة، ومن هذا الباب تأويل الكلام وهو عاقبته وما يؤول إليه، وذلك قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:53]، ويقول: ما يؤول إليه في وقت بعثهم ونشورهم...) (3) .
إذا التأويل هو ما أول إليه أو يؤول إليه، أو تأول إليه، والكلام إنما يرجع ويعود ويستقر ويؤول إلى حقيقته التي هي عين المقصود به (4) ، وهذا هو المعنى الوارد في الكتاب والسنة.
ب- أما معنى التأويل في اصطلاح العلماء، فله ثلاثة معان:
الأول: (أن يراد بالتأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وإن وافق ظاهره، وهذا هو المعنى الذي يراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة، كقوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:53] ومنه قول عائشة – رضي الله عنها -: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد: اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)) (5) .
الثاني: يراد بلفظ التأويل: (التفسير) وهو اصطلاح كثير من المفسرين، ولهذا قال مجاهد – إمام أهل التفسير -: إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه، وهذا مما يعلمه الراسخون.
الثالث: أن يراد بلفظ (التأويل): صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه ظاهره إلى ما يخالف ذلك، لدليل منفصل يوجب ذلك، وهذا التأويل لا يكون إلا مخالفاً لما يدل عليه اللفظ ويبينه، وتسمية هذا تأويلاً لم يكن في عرف السلف، وإنما سمي هذا وحده تأويلاً طائفة من المتأخرين الخائضين في الفقه وأصوله والكلام، وهذا هو التأويل الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه، وصاحوا بأهله من أقطار الأرض، ورموا في آثارهم بالشهب...) (6) ، وهذا التأويل الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في مسألة الصفات والقدر ونحوها.
وهو من أعظم أصول الضلال والانحراف حيث صار ذريعة لغلاة الجهمية والباطنية والمتصوفة في تأويل التكاليف الشرعية على غير مقصودها أو إسقاطها أو تأويل جميع الأسماء والصفات.
وأهل التأويل المذموم (مراتب ما بين قرامطة وباطنية يتأولون الأخبار والأوامر، وما بين صائبة فلاسفة عامة الأخبار عن الله واليوم الآخر، حتى عن أكثر أحوال الأنبياء، وما بين جهمية ومعتزلة يتأولون بعض ما جاء في اليوم الآخر وفي آيات القدر ويتأولون آيات الصفات، وقد وافقهم بعض متأخري الأشعرية على ما جاء في بعض الصفات، وبعضهم في بعض ما جاء في اليوم الآخر، وآخرون من أصناف الأمة وإن كان تغلب عليهم السنة، فقد يتأولون أيضاً مواضع يكون تأويلهم من تحريف الكلم عن مواضعه …)
المطلب الثاني: العذر بالتأويل.
المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل.
المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب.
http://www.aqaed.com/ax/logo.jpg
=====موقع اخر للتاويل==============
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لابد أن نلفت انتباهك إلى أن التأويل لا يخضع أبداً إلى الأذواق الخاصة والعامة, لأنه يجري طبقاً لأصول وقواعد ثابته, أما الأمثلة التي ذكرتها في سؤالك فأكثرها لا يندرج تحت التأويل, وقد أطلقت عليها هذا الأسم ظناً منك بأن كل صرف للمعنى عما هو ظاهر يندرج تحت التأويل, وقد سرى إليك هذا الظن كما سرى إلى غيرك لعدم ذكر القوم لضابطة التأويل, وسوف نحاول أن نعطيك هذه الظابطة بعد تقديم هذا التمهيد:
قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: التأويل من الأول, أي الرجوع إلى الأصل, ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه, وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاً.
ولفظه (تأويل) قد استعملت في القرآن الكريم بمعان ثلاث:
1- إرجاع الكلام المبهم إلى ما قصد منه برفع الإبهام من خلال القرائن الحافة بها, فقوله سبحانه: (( وَالسَّمَاءَ بَنَينَاهَا بِأَيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ )) (الذاريات:47), كلام يكتنفه الإبهام ويثبت ظاهره ان لله سبحانه أيد بنى بها السماء, ولكن رفع الإبهام عن الآية بالإمعان في القرائن الحافة.
2- إرجاع الفعل إلى واقعه, بمعنى رفع الإبهام عنه بذكر مصالحه ودواعيه التي حملت الفاعل على الفعل, وهذا نظير عمل صاحب موسى حيث أتى بأفعال مبهمة ومريبة (من خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار) فسأله موسى فأجابه بأن (( ذَلِكَ تَأوِيلُ مَا لَم تَسطِع عَلَيهِ صَبراً )) (الكهف:82), فالتأويل في الآية رفع الإبهام عن الفعل وإرجاع ظاهره المريب إلى واقعه.
3- إرجاع الرؤيا الصادقة المتصرف فيها من قبل النفس إلى واقعها الذي تحولت عنه, كما هو الحال في رؤيا يوسف وصاحبي السجن والملك في سورة يوسف.
وسنحاول أن نقصر كلامنا في النقطتين الأولى والثانية, إذ لا كثير فائدة من الكلام عن النقطة الثالثة, أولاً: لوضوحها, وثانياً: لعدم مدخليتها بمنشأ النزاع في التأويل القرآني.
قد شاع بين بعض العلماء والباحثين معنى آخر للتأويل غير هذه الثلاثة, وهو ((صرف الكلام عن ظاهره المستقر إلى ما هو خلافه)), وهذا المعنى من مصطلح التأويل هو الشائع, وسؤالك متفرع عليه, وهو لا يمت إلى التأويل بالإصطلاح القرآني بصلة, وكان ابن منظور أول من روج للمصطلح الخاطئ في كتابه (لسان العرب) حيث قال: ((والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ)), ثم تبعه من أخذ عنه من علماء اللغة والتفسير.
والتأويل لا يتناول من القرآن إلاّ الآيات المتشابهة, لأنها في الغالب مبهمة وغير واضحة الدلالة ظاهراً, وفهمها بحسب الظاهر يفضي إلى الوقوع في محالات واحتمالات بعيدة.
وها هنا سؤال هل يستطيع أحد أن يقف على تأويل المتشابهات؟ لا جَرَمَ أن أهل الأهواء والأطماع الفاسدة يسعون وراء المتشابهات ابتغاء حرفها - ولا أقول تأويلها - إلى ما يلتئم وأهدافهم الباطلة, وقد جاء التصريح بذلك في قوله تعالى: (( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ )) (آل عمران:7), فلولا وجود علماء ربانيين في كل عصر ومصر ينفون عنه تأويل المبطلين - كما في الحديث الشريف - لأصبح القرآن معرضاً خصباً للشغب والفساد في الدين, فيجب بقاعدة اللطف وجود علماء عارفين بتأويل المتشابهات على وجهها الصحيح, ليقفوا سداً منيعاً في وجه أهل الزيغ والباطل ولهذا السبب فقد استظهر بعض العلماء أن الواو في قوله تعالى: (( وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا )) (آل عمران:7), هي للتشريك لا للاستئناف, إذ لو كانت الآيات المتشابهة مما لا يعرف تأويلها إلا الله لأصبح قسط كبير من أي القرآن لا فائدة في تنزيلها سوى ترداد قراءتها, وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها )) وقال تعالى: (( كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلبَابِ )) (صّ:29), ولكن هذا الاستظهار الذي ذكروه أصبح ذريعة لدى بعض المتعاطين لعلوم القرآن أن ينسب إلى نفسه القدرة على التأويل, بل لقد اشرأبت أعناق القوم فتأولوا وأفضى بهم التأويل إلى التنازع والابتداع في الدين مما اضطر بعضهم إلى القول: بأن الواو في الآية الكريمة للاستئناف لا للتشريك, لئلا يجره الأمر إلى الوقوع فيما وقع فيه الأولون.
والحق أن كون الواو للتشريك أمر مفروغ منه لا عتضاده بالدليل, ولكن النزاع في مسألة أخرى وهي: من هم العلماء الذين يعلمون تأويله؟ هل هم المفسرون مثلاً؟ هذا ما ذهب إليه العلامة الطبرسي في مجمع البيان حيث قال: ((ومما يؤيد هذا القول - أي أن الراسخين يعلمون التأويل - أن الصحابة والتابعين أجمعوا على تفسير جميع أي القرآن, ولم نرهم توقفوا على شيء منه لم يفسروه بأن قالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله)) تفسير مجمع البيان 2/410.
ومثل ذلك ما ذكره الإمام بدر الدين الزركشي قال: ((إن الله لم ينزل شيئاً من القرآن إلاّ لينتفع به عباده, وليدل به على معنى أراده, ولا يسوغ لأحد أن يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يعلم المتشابه,فإذا جاز أن يعرفه الرسول (صلى الله عليه وآله) مع قوله (( وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ )) (آل عمران:7), جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته والمفسرون من أمته)).
وقد وافقهما من المعاصرين الشيخ محمد هادي معرفة في كتابه (التمهيد في علوم القرآن) قال: ((فإنا لم نجد من علماء الأمة - منذ العهد الأول إلى الآن - من توقف في تفسير آية قرآنية بحجة أنها من المتشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله, وهذه كتب التفسير القديمة والحديثة طافحة بأقوال المفسرين في جميع أي القرآن بصورة عامة, سوى أن أهل الظاهر يأخذون بظاهر المتشابه, أما أهل التمحيص والنظر فيتعمقون فيه ويستخرجون تأويله الصحيح حسبما يوافقه العقل والنقل الصريح.
وقد ميّز العلامة جعفر سبحاني في كتابه (المناهج التفسيرية في علوم القرآن) بين معنيين جعل المعنى الأول منهما متعلق التفسير والآخر متعلق التأويل, لأجل أن يؤسس منهجاً يمكن تطبيقه في تأويل الآيات المتشابهة, ومحصل ما ذكره في هذا الصدد هو: ((إن للمفردات حكماً وظهوراً عند الإفراد, وللجمل المركبة من المفردات ظهوراً آخر, وقد يتحد الظهوران وقد يتخالفان, فلا شك أنك إذا قلت: ((أسد)) يتبادر منه الحيوان المفترس, كما أنك إذا قلت: ((رأيت أسداً في الغابة)) يتبادر من الجملة نفس ما يتبادر من المفرد, وإذا قلت: ((رأيت أسد يرمي, فإن المتبادر من الاسد في كلامك غير المتبادر منه حرفياً وانفراداً, وهو لحيوان المفترس, بل يكون حمله عليه حملاً على خلاف ظاهر, وأما حمله وتفسيره بالبطل الرامي عند القتال, فهو ليس تفسيراً للجملة بظاهرها من دون تصرف وتأويل, فالواجب علينا هو الوقوف على المفاد التصديقي و إثباته لله سبحانه, لا الجمود على المعنى التصوري الفرادي وإثباته أو نفيه عنه سبحانه)). وكلامه (حفظه الله) يشير إلى اعتقاده بجواز تأويل القرآن لمطلق العلماء السائرين على هذا المنهج, وقد ذكر لتطبيقه أمثلة كثيرة ليس هنا محل مناقشتها.
أما رأي السيد محمد حسين الطباطبائي وهو خريت فن التفسير, فقد أسسه على أصل عرفاني, فإذا اثبتنا أن هذا الأصل لا يصمد من جهة الدليل العلمي, فسوف لا يترتب على رأيه هذا آية نظرية لتصحيح التأويل عند العلماء وهو على رأسهم.
أن التأويل عنده ليس من دليل الألفاظ, وإنما هو عين خارجية, وهي الواقعة التي جاء الكلام اللفظي تعبيراً عنها, وهذا ما ذكره: ((الحق في تفسير التأويل أنه الحقيقة الواقعية التي تستند إليها البيانات القرآنية, من تشريع وموعظة وحكمة, وأنه موجود لجميع أي القرآن, وليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ, بل هي من الأمور العينية المتعالية من أن تحيط بها شبكات ألالفاظ, وأن وراء ما نقرأه ونتعقله من القرآن أمراً هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد والتمثيل بالمثال وليس من سنخ الألفاظ والمعاني, وهو المعبر عنه بالكتاب الحكيم, وهذا بعينه هو التأويل)). (تفسير الميزان 3/ 25, 45, 49).
والمسحة العرفانية في كلام الطباطبائي ظاهرة, والأصل الذي أشرنا إليه هو عدّه (قدس سره) اللوح المحفوظ شيئاً ذا وجود بذاته, كوعاء أو لوح أو مكان خاص, مادياً أو معنوياً, والحق أنه كناية عن علمه تعالى الأزلي الذي لا يتغير ولا يتبدل وهو المعبر عنه بالكتاب المكنون وأم الكتاب. ولعل من منشأ التوهم هو من قوله تعالى(لدينا), وإن كان معناه أن لهذا القرآن شأناً عظيماً عند الله في سابق علمه الأزلي, والتعبير بأم الكتاب كان بمناسبة أن علمه تعالى هو مصدر الكتاب وأصله المتفرع منه.
هذا تمام التمهيد الذي أشرنا إليه, ومنه نصل إلى الضابطة التي وعدناك بها: وهي أن التأويل في القرآن حق وأن هناك من أهل العلم جماعة يعلمونه غير أنهم ليسوا مطلق أهل العلم. وبعبارة فنية فإن التأويل لكي يصح لابد أن يتوافر شرطان: شرطً في مأخذ الدليل, وشرط في المؤوِّل.
أما مأخذ الدليل: فإنه إذا قادك الدليل إلى معنى من معاني القرآن بحيث جاز أن يقال: ((هذا المعنى يدل على كذا)) ودلالة هذا الدليل على المعنى يجب أن تكون غير متكلفة أي من دون غرض, على أن لا يحصر المستدل المعنى بما علمه من الدليل فيقول: ((ليس للآية معنى غير هذا)) وأما إذا حصر, فهو ممن يفسر القرآن برأيه, وقد روي عنه (صلى الله عليه وآله): من فسر القرآن برأيه فليتبوء مقعده من النار.
وأما شرط المؤول: فان يكون عارفاً بنوع الاعتقاد في توحيد الله وصفاته, وما يصح عليه ويمتنع عليه, ونوع ما يصح الاعتقاد في أفعاله وفي أوامره ونواهيه, وفي مراداته من عباده, ونوع الحكمة والصنع والتكاليف, ونوع حكمة الإيجاد, والقدر والبداء, والمنزلة بين المنزلتين وما أشبه ذلك, وأن يكون عارفاً بالنبوة لمحمد (صلى الله عليه وآله), والإمامة لأهل بيته(عليهم السلام), ونبوة الأنبياء ووصاية الأوصياء, وأحوال التكاليف, والموت والبرزخ وأحوال الآخرة.
ولا يجوز تأويل القرآن إلاّ بالدليل القطعي, ومن قال بغير ذلك فقد ضل سواء السبيل, فإن القرآن أمره عظيم وخطره جسيم, فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية طويله نقتبس منها موضع الحاجة, قال: ((إنه من لم يعرف من كتاب الله عز وجل الناسخ من المنسوخ, والخاص من العام والمحكم من المتشابه, والرخص من العزائم, والمكي والمدني, وأسباب التنزيل والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤلفة, وما فيه من علم القضاء والقدر, والتقديم والتأخير, والمبين والعميق, والظاهر والباطن, والابتداء من الانتهاء, والسؤال والجواب, والقطع والوصل, والمستثنى منه والجاري فيه, والصفة لما قبل مما يدل على ما بعد, والمؤكد منه والمفصل, وعزائمه ورخصه, ومواضع فرائضه وأحكامه ومعنى حرامه وحلاله الذي سلك فيه الملحدون, والموصول من الألفاظ, والمحمول على ما قبله وعلى ما بعده, فليس بعالم في القرآن ولا من أهله, ومتى ادعى معرفة هذه الأقسام مدّع بغير دليل فهو كاذب مرتاب مفتر على الله الكذب ورسوله, ومأواه جهنم وبئس المصير)) (انظر وسائل الشيعة 27/200).
وتحصل من كل ذلك ما يلي: أن التأويل في القرآن لا يجوز إلا ما أخذ عن أهله المخاطبين به وهم محمد وآله الطاهرين (صلى الله عليه وآله اجمعين).
وليس لأحد من المفسرين أن يقول في القرآن إلا بدليل عنهم (عليه السملا).
ومما قدمنا يظهر لك الحال في الأمثلة التي اوردتها:
1- ان المعنى المذكور للآية (مرج البحرين يلتقيان) ليس من التأويل وانما هو من علم الباطن الذي يعلمه الائمة (عليهم السلام) للقرآن وان كان يدخل في علم التأويل عند العلامة الطباطبائي.
2- قول الشيعة في آية (( وجوه يومئذٍ ناظره إلى ربها ناظره )) ليس من التأويل وإنما من الظهور التصديقي الذي يقول به السبحاني, نعم معناها وما يشابهها عند المعتزلة من التأويل بالدليل العقلي لفهم الدليل النقلي.
3- ان قول ابن عربي في آية (( وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالأِنسَ إِلَّا لِيَعبُدُونِ )) (الذريات:56) من التأويل البعيد الذي ليس عليه دليل وربما يريد المصداق وقد قلنا أن علم الباطن الذي يخبر بالمصداق لا يكون إلا عند اهله وهم الأئمة (عليهم السلام) وابن عربي لم يثبت لنا أنه من أهله.
4- واما حديث أبي هريرة فلا علاقة له بالتأويل وإنما يظهر منه مقدار مصداقية أبي هريره نفسه ووثاقته بالحديث إذ لا يقطع حلقوم الشخص إذا ثبت المعارف الإلهية الإ إذا كانت متعلقه بأهل البيت(عليهم السلام).
5- واما بقية الأمثلة فإن ذكر لها فهو من التأويلات التي لا دليل عليها مع عدم ثبوت حديث الاصبعين وحديث ان امير المؤمنين يمين الله بهذا المعنى الظاهر وأما الآية (( يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ ... )) (الأنعام:158) فلا يمكن الأخذ بظاهرها وفي معناها احاديث آحاد.
6- واما المجاز والتورية والكناية والاشتراك اللفظي فلا تدخل في بحث التأويل وان كان لها نوع مدخلية في الآي المتشابهة مما يحتاج إلى تأويل.أعني أن مدخليتها طريقية وليست أصلية .
=============
المطلب الثاني: التأويل
يعرف الجرجاني التأويل بأنه صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقاً بالكتاب والسنة، مثل قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الميت [الأنعام:95] إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيراً، وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلاً (1) .
وهذا يعني أن التأويل يقصد به صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى يحتمله .
وأصل التأويل في اللغة بمعنى التفسير ، وقد دعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لابن عباس، رضي الله عنه، فقال: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) (2) .
ولا خلاف بين علماء أهل السنة والجماعة في قبول التأويل الصحيح وهو تأويل الأمر بعمل المأمور به، وتأويل النهي بترك المنهي عنه، أما التأويل الذي يخالف الكتاب والسنة ويؤدي إلى تحريف الكلم عن مواضعه فهذا هو التأويل المذموم المنهي عنه.
وأيضاً من التأويلات الفاسدة المرفوضة عند علماء أهل السنة والجماعة ما يسمى بالتأويل الرمزي وفيه يؤول الباطنية والفلاسفة وغلاة الصوفية وغلاة الشيعة النصوص تأويلات باطنية غير صحيحة على الإطلاق.
من نماذج تأويل زعماء القاديانية للقرآن الكريم
يعد محمد على صاحب ترجمة القرآن للغة الإنجليزية من أبرز زعماء القاديانية وهو زعيم الفرع اللاهوري الذي يقول بأن المرزا غلام أحمد لم يدعِ النبوة، وإنما هو في زعمه مجدد القرن الرابع عشر الهجري، وهو مسيح هذه الأمة، وفي كتابه (بيان القرآن) يقدم تفسيراً وتأويلاً منحرفاً لمعاني القرآن الكريم.
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي: "يغلب على محمد على اتجاه تفسير المعجزات والأمور الغيبية التي تتعلق بقدرة الله الواسعة بالأمور الطبيعية والحوادث العادية التي تتفق مع النواميس الطبيعية والتجارب اليومية وهو يبالغ في ذلك ويغرق في التأويل، ولو أبت ذلك اللغة الصريحة، واللفظ الصريح ، وهو أسلوب لبق من أساليب إنكار المعجزات والأمور الغيبية والفرار من الإيمان بالغيب والاعتماد على قدرة الله وصفاته وأفعاله، والخضوع الزائد للمقررات الطبيعية التي لا تزال في دور التحول والتطور، وهذا تفكير خطير على الإسلام، ومعارضته للدين الذي يطلب الإيمان بالغيب" (3) .
ويقدم الأستاذ أبو الحسن الندوي نماذج لتأويلات محمد على زعيم الفرع اللاهوري من الطائفة القاديانية من خلال كتاب محمد على (بيان القرآن) فينقل عنه تفسيره لبعض الآيات الذي يظهر من خلالها تأويلاته المنحرفة لآيات الله تعالى، فمثلاً إنه يفسر قوله تعالى في مسألة طائفة من بني إسرائيل عبدت العجل وعاقبها الله بأن يقتل بعضها بعضا، يقول الله تعالى:َ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ [البقرة:54]، يقول: "إن المراد بالقتل عنا إماتة الشهوات وهذا الذي أرجحه بناءً على السياق السابق" (4) .
ومن هذا يتضح لنا مدى التعسف في تأويل آيات كتاب الله تعالى تأويلاً يخرجه عن معناه الحقيقي وهذا منهج باطني واضح في تأويل القرآن الكريم، وصدق الأستاذ أبو الحسن الندوي حين قال عن تفسير محمد على: "ما هذه التفسيرات المتطرفة إلا نسخة صادقة لتفسيرات الباطنية والإسماعيلية في العصور الماضية" (5) .
ومن أبرز تأويلات مرزا غلام أحمد الفاسدة أنه لما اعترض عليه العلماء في زعمه أنه المسيح الموعود وقالوا له: إن أحاديث نزول المسيح التي يرددها ويحتج بها تنص على أن المسيح ينزل وعليه رداءان أصفران.
فأوّل الحديث تأويلاً باطلاً عجيباً حين قال: "المراد بالرداء الأصفر: العلة، وقد جاء في الحديث أن المسيح ينزل وعليه رداءان أصفران وهذا شأني، فإنني أعاني من علتين: إحداهما: في مقدم جسمي وهو الدوار الشديد، الذي قد أخرُّ به إلى الأرض، وأخاف به على نفسي. والعلة الثانية: في أسفل الجسم وهي كثرة البول" (6) .
وبالطبع فهذا تأويل ظاهر البطلان والفساد ولا يقول بهذا التأويل إلا من انتابته الأمراض النفسية والقلبية والجسمية، وهو يعترف بذلك فيقول عن نفسه: "إنني أعاني علتين من مدة طويلة، إحداهما الصداع الشديد الذي أعالج منه الشدة والكرب والأهوال الشديدة ، وقد زال وبقي الدوار الذي ينتابني بعض الأحيان ، والعلة الثانية مرض السكر الذي أعانيه منذ عشرين سنة".
ومن التأويلات الباطلة التي يحاول من خلالها تأويل النص القرآني لصالح دعواه النبوة، تأويله لقول الله تعالى: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]. فقال: "إن الآية مبشراً برسول ومصداقها السيد المسيح الموعود المرزا، وهو المقصود باسم أحمد في هذه الآية" (7) .
وقال في تأويله لقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ التوبة:33].
"وردت هذه الآية في شأن المسيح الموعود، وقد نص بها منذ الأزل إعلاء حجة الإسلام الأرفع التي تنخفض لديها سائر الأصوات، وقدر منذ قديم الأيام أن يكون قدم المسيح الموعود على المنارة العليا التي لا تعلوها بناية أخرى" (8) .
ومن أعجب التأويلات تأويل القاديانية لمكة والمدينة بأنهما قاديان!!.
يقول محمود أحمد بن غلام أحمد وخليفته الثاني في جريدة الفضل في 5 يناير، سنة 1933م: ".. .. أما إلهام حضرة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بأننا نموت في مكة أو في المدينة فنقول: إن هذين الاسمين لقاديان" (9) .
ويقول في تأويل قوله تعالى: وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا [ آل عمران:97]، إن هذه الآية تنعت المسجد الذي أسس في قاديان. ويقول: "إن المراد بالمسجد الأقصى في قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ُ [ الإسراء:1] هو مسجد قاديان" (10) . (11)
انظر أيضا:
المطلب الأول: التناسخ والحلول.
المطلب الثالث: إلغاء الجهاد.
المطلب الرابع: استمرار الوحي والنبوة وتأويل معنى ختم النبوة .
المطلب الخامس: مجمل عقيدة القاديانية.
المنهجية والتأويل
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الخبير العليم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إن منهجية فن التأويل، مصطلح يطرح رؤى جديدة ومناهج متنوعة نظراً لكثرة المسائل التي تثار في تأويل النصوص في الإسلام، ولعل هذه الرؤى المنهجية تحتل اليوم الصدارة في ميدان الأبحاث المنهجية الدينية والنفسية والإنسانية وغيرها، وكون الحضارة الإسلامية تميزت بكثرة المناهج في التأويل وتعدد الاجتهادات واختلاف الآراء، فكان هذا التميز دليل على معاني التسامح وقبول الاختلاف والحوار الهادف والفكر المنظم والاجتهاد والتأويل، وذلك كله وفق ضوابط الفكر الإسلامي ليؤدي إلى التقارب ونبذ الخلاف، وهذا يحتاج إلى التفتح المنهجي من أجل مواكبة التحديات الفكرية التي ظهرت في الآونة الأخيرة لتوائم متطلبات العصر الحديث، بفكرة التجديد المنهجي للتأويل، فلا بد من أن تكون هناك منهجية تأويلية تشبع التطلعات المعرفية للبحث عن الحقائق والغايات والمقاصد الصحيحة.
لذا فالمعنى المنهجي هو الذي يحول التأويل من نظرية ثابتة إلى نظرية متغيرة متحركة يفصل أحادية المعنى وأولويته ليفتح على إمكانيات لا حصر لها، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7] [1].
وفي الآية دلالة واضحة على أن التأويل ابتداء هو لله عز وجل، ثم ذكر سبحانه ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ ، إذن لا بد من الرسوخ في العلم حتى يستقيم التأويل.
هدف البحث:
1- نشر ثقافة الاختلاف وتعدد الاجتهادات وتعدد مناهج التأويل وتجددها على مر العصور ضمن ضوابط الفكر الاسلامي.
2- الوصول إلى مناهج تأويلية ملائمة للتغيرات والمستجدات تقوم على مبدأ إمكانية إيجاد حلول نافعة لما يعانيه العالم عموما من أفكار الخلاف والتنازع.
أهمية البحث:
1- بيان أهمية المنهجية في التأويل وطرقها مما يؤدي إلى حل مشكلات المجتمع المسلم.
2- تفنيد حبس نصوص الإسلام في منهجية واحدة للتأويل.
منهج البحث:
الوصفي التحليلي الذي يقوم على دراسة الواقع القائم لغياب المنهجية المتجددة في الوصول إلى التأويل الصحيح للنصوص.
مشكلة البحث:
1- غياب دور المنهجية المتجددة في الوصول إلى التأويل الصحيح للنصوص.
2- وقوع الكثير من المشكلات في المجتمع الإسلامي نتيجة التأويلات الخاطئة والخلاف المستمر بين التيارات المختلفة.
خطة البحث: وتشمل:
التمهيد: التعريف بمفهوم التأويل والمنهجية.
المبحث الأول: المنهجية الصحيحة في التأويل.
وفيه: مطلبان:
المطلب الأول: منهج التأويل في الإسلام.
المطلب الثاني: منهج أهل السنة والجماعة.
المبحث الثاني: الإشكالية المنهجية في التأويل.
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: إشكالية قراءة النص.
المطلب الثاني: إشكالية المعنى في التأويل.
المطلب الثالث: إشكالية الفهم في التأويل.
المطلب الرابع: الإشكالية المنهجية الحديثة.
الخاتمة: وتشمل النتائج والتوصيات
♦♦♦♦♦
المنهجية والتأويل
التمهيد
التعريف بمفهوم التأويل والمنهجية
إن النصوص على اختلاف أنواعها ومجالاتها، سواء كانت تشريعية دينية أو أدبية أو نفسية أو طبية أو هندسية أو غير ذلك، تتفق في كونها ذات بنية لغوية تابعة للفهم والتفسير، لذا فغالباً ما يلجأ إلى تأويل محتوى هذه النصوص على تنوع تخصصاتها.
أولاً: مفهوم التأويل لغة واصطلاحاً
1-التأويل في اللغة:
من مادة (أول) تفيد معنى الرجوع، والعود، والأول: الرجوع: آل الشيْ يؤول أولاً ومآلاً: رجع، وأول إليه الشيء: رجعه، وآلت عن الشيْ: ارتددت، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 7] [2].
وقيل التأويل: المرجع والمصير، مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه، وأولته: صيرته إليه.[3] وقيل: أول الحكم إلى أهله: أي أرجعه ورده إليهم، وآل الجسم اذا نحف، وتأويل الكلام: عاقبته وما يؤول إليه [4]، قال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 53] [5] والكلام إنما يرجع ويعود ويستقر ويؤول إلى حقيقته التي هي عين المقصود به، وهذا المعنى الوارد في الكتاب والسنة؛ والتأويل رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلاً، ففي العلم نحو قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 7] [6].
وفي الفعل نحو قوله تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ [7] أي بيانه الذي هو غايته المقصودة منه، وقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [8]، قيل: أحسن معنىً وترجمةً.[9]
2- التأويل في الاصطلاح:
للتأويل عند العلماء معانٍ متعددة ومنها:
• التأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وإن وافق ظاهره أو خالفه، فهو تفسير الكلام وبيان معناه، [10] وهذا المعنى المراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة، كقوله تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 53] [11]، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده، سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن.[12].
• والتأويل يأتي بمعنى التفسير عند المفسرين، قال مجاهد: إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه، وهذا مما يعلمه الراسخون.
• والتأويل يأتي بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه إلى ما يخالف ذلك، لدليل منفصل يوجب ذلك، ويكون هذا التأويل مخالفاً لما يدل عليه اللفظ ويبينه، وهذا ما اصطلح عليه العلماء المتأخرين المتخصصين في الفقه واصوله وعلم الكلام، وهذا المعنى الذي حذر منه علماء السلف واتفقوا على ذمه، وحذروا من أهله، ورموا في أثارهم بالشهب [13].
وهذا المعنى هو الذي عليه أكثر من تكلم من المتأخرين في مسألة الصفات والقدر وما شابهها، وهو من أعظم أصول الضلال والانحراف حيث صار ذريعة لغلاة الجهمية والباطنية والشيعة والمتصوفة وغيرهم، في تأويل التكاليف الشرعية على غير مقصودها أو إسقاطها أو تأويل الاسماء والصفات [14].
• والتأويل: رد الكلام إلى غايته الواقعية وحقيقته المادية والعلمية بإعادته إلى أصله ودلالته وحسن فهمه، والرد لا بد أن يكون علمياً.
من خلال النظر في التعريف اللغوي والاصطلاحي للتأويل نتبين أن هناك تقارب بين المعنيين، فما يؤول إليه الكلام من معنى ظاهر أو باطن ويكون هو عين المقصود من الكلام، وإن كان غير ذلك فهو معنى فاسد ومذموم ولا يلتفت إليه.
ثانياً: مفهوم المنهج لغة واصطلاحا
1- المنهج لغة: من نهج، يقال: نهج فلان الأمر نهجاً؛ أي أبانه وأوضحه، ونهج الطريق: سلكه، وقيل أنهج الطريق: وضح واستبان، وصار نهجاً واضحاً بيناً، والمنهج: الطريق الواضح المستقيم، قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، وفي الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترككم على طريق ناهجة [15].
2- المنهج اصطلاحا: لم يذكر العلماء المتقدمون تعريفا للمنهج، إلا أننا نستطيع القول بأن المنهج له تعريفات عديدة ومنها الآتي:
• المنهج: مجموعة الركائز والأسس المهمة التي توضح مسلك الفرد أو المجتمع أو الأمة لتحقيق النتائج الإيجابية التي يصبو إليها كل منهم [16].
• نمط التفكير الإنساني، وبخاصة التفكير التأملي، والتفكير الاستقصائي المنظم، للأفكار في ميدان المعرفة على مختلف أنواعها[17]
• فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نقوم بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون لها عارفين [18]
المبحث الأول
المنهجية الصحيحة في التأويل
إن قضية المنهج مهمة جداً في التأويل، وخاصة في النواحي العلمية، وفي النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، ولقد ذخر التاريخ بكوكبة من العلماء كان أعظمهم قدرا وأكبرهم أثرا في تأويل النصوص، أوضحهم منهجا، كما أن الساحة العلمية عبر التاريخ واجهت مشكلات عديدة من أخطرها غياب المنهج الصحيح في التأويل أو عدم وضوحه للمتلقي.
المطلب الأول: منهج التأويل في الإسلام.
إن المستقرئ لحال العلماء في الإسلام قديما وحديثا، يجد أن لهم أصولا راسخة ومنهجا واضحا بنوا عليه مذاهبهم وتأويلاتهم، لذا تحقق النفع من علومهم ومنهجهم، وبقدر الاهتمام بالمنهج من قِبل العَالِم يهيئ الله له القبول، والاستفادة من علمه ومنهجه، ومن أجدر النماذج ذكرا الفقيه الفذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حيث حصل له من الأثر العام والخاص ما يقل نظيره وفي معظم فنون العلم المختلفة، من التفسير والأصول والفقه والعقيدة والأحكام والفتوى وغيرها، مما أكسبه ثروة علمية ومنهجية قوية في التأويل يندر نظيرها.
ولا بد للمنهج أن يكون متجدداً بعيدا عن مناهج وتصورات خرقاء، والتجديد صناعة إنسانية متفردة تقوم على قلب عاقل مخلص، وفهم ذكي أساسه نظرة فاحصة وهمة عالية تفرد بها أولو العزم من العلماء والباحثين.
إن المعنى المنهجي للتأويل هو الذي يحًول التأويل من نظرية ثابتة إلى نظرية متحركة وينفصل عن أحادية المعنى وأولويته ليفتح على إمكانيات لا حصر لها، ويتجلى التأويل في أبهى صوره عندما ينصهر أفق القارئ (المؤول) في أفق النص، وتلتحم المعاني عند كل إحداثية زمانية ومكانية، فالنصوص على اختلاف مجالاتها تشريعية أدبية ودينية تتفق في كونها ذات بنية لغوية تابعة للفهم والتفسير، لذا فغالبا ما يلجأ إليه في التأويل محتوى هذه النصوص على تنوع تخصصاتها، لأن التأويل فيه تشتت كبير، فلا يكون منضبطا بقواعد محددة تحكم عملية الفهم، وبهذا لا تصلح أن تكون علما قائما بذاته.
ولعل الوصول إلى المعنى الصحيح المراد في التأويل لا بد له من منهجين:
1- المنهج الوصفي اللغوي.
2- المنهج النفسي.
لأن المؤول لا يغوص في النص إلا بملكة لغوية ثرية وقدرة على استبطان النفوس البشرية، وعلى الصعيد الموضوعي تعمل اللغة كوسيط فعًال بين المخاطِب والمخاطَب من أجل فك شفرة المعنى، فعلى القارئ أن يأخذ مكان وزمن المؤلف في محاولة فهم العصر الذي عاش فيه، ومعرفة دوافع التأليف والكتابة والمؤثرات الخارجية ذات الصلة المباشرة بشخص الكاتب، حيث هناك فرق بين المعنى ودلالة التأويل، فالمعنى يعود على مراد الشارع ودلالة التأويل تختص بما يعنيه النص للحاضر.
وأساسيات التأويل في الإسلام عديدة ومنها الآتي:
1- علاقة الفهم بالتفسير
2- علاقة الواقع بالنص والقارئ
3- علاقة اللغة بالنص
4- علاقة المعنى بالنص
5- علاقة المعنى بالواقع تنزيلاً وتطبيقاً.
ويجب بالتالي أن يتطابق المعنى مع النص لإمكانية التطابق مع المنهج، حتى ندرك مقصد الشارع، وكلما حاد المنهج عن إمكانية التطابق مع المعنى والنص فلا يمكن معرفة مقصد الشارع.
والنصوص عوالم تنتقل من عصر إلى عصر، ومن زمن بعيد إلى زمن حي منتعش بالأحداث، فالقول بأن المعنى هو عين ما أراده الشارع يبقى مجرد ادعاء ووهم لا يمكن التأكد من صحته وسلامته، وأما الأمر الثابت فهو النص بحروفه المادية والذي يقبل التأويل باستمرار، ومن أجل الوصول إلى المعنى لا بد أن يحسن المتأوَل الفهم الخاص الذي يخدم الواقع الحالي.
أما المنهجية المتبعة في التأويل والتي تعتبر القاعدة الأساسية في فهم النصوص في الإسلام عند معظم العلماء فهي تعتمد على معرفة [19] الآتي:
• الاطلاع على التأويل الخاص لله عز وجل الواحد القهار، ولا يعلمه أحد من الناس، كالغيبيات، ومثاله: قول الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ﴾ [20].
• الاطلاع على التأويل الخاص بالرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن، فلا يمكن التأويل بدون الاطلاع على تأويل الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله قد أوكل إلى الرسول ببيان القرآن وتأويله، فلا يمكن الوصول إلى علم التأويل إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أول صلى الله عليه وسلم القرآن من وجوه عديدة من أمره ونهيه وفرائضه وحدوده، ومن ذلك أنصبة الزكاة وكيفية الصلاة وعدد ركعاتها وأوقاتها وغير ذلك الكثير، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [21].
• الاطلاع على التأويل من خلال العلم بلسان العرب واللغة التي نزل بها القرآن الكريم، وهذا القسم هو موضع التأويل الذي ترك للمتأولين المتدبرين الناظرين المفسرين، ليكون الأمر واسعاً لاستيعاب كل ما هو جديد، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [22]، وقال تعالى: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [23].
المطلب الثاني: منهج أهل السنة والجماعة
المنهج المعتمد عند أهل السنة والجماعة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، والسلف الصالح، وقد تعددت التأويلات وتميزت واختلفت باختلاف الاجتهادات وتعدد الآراء والأفهام للصحابة والسلف والمجتهدين والمتأولين، وهذا إنما هو شاهد على مرونة النصوص وعمقها ومخزونها من المعاني والإيحاءات التي تصلح لكل متغيرات الحضارة والتطور، وما هذا إلا نهج وطريق لحل الكثير من المشكلات التي تواجه الأمة، ولا بد من قبول الاختلاف والتأويل والاجتهاد وفق ضوابط الفكر الإسلامي والمقاصد العامة للشريعة وعلى رأسها مقصدي العدل والتسامح؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [24]، فالاختلاف سنة الله في خلقه ولكنه لابد أن يؤتي ثماره الإيجابية في التأويل للنصوص حسب الحاجة.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يتأول بعض آيات القرآن، وقد ورد عن أسامه بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار، على قطيفة فدكية، وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة، قبل وقعة بدر فمر بمجلس فيه عبد الله ابن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم، فإذا المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين وعبدة الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فغشيت المجلس عجاجة الدابة، فخًمر عبد الله ابن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجلسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجلسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا؛ ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته، فسار حتى دخل على سعد بن عباده فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا سعد ألم تسمع ما قال ابو حباب يريد عبدالله بن أبي، قال "كذا وكذا" قال سعد: يا رسول الله اعف عنه واصفح عنه، فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة، فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك،"[25] فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وكان أصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، قال تعالى: ﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾ [26]، وقال تعالى: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [27]، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول العفو بما أمره الله به، فأمر الله عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالعفو والصفح عن أهل الكتاب والمشركين حتى أتى أمر الله بقتال الكافرين.
لقد كان صلى الله عليه وسلم يتأول الآية بالتطبيق العملي لها الذي أمره الله به بالعفو والصفح، والتنفيذ الفعلي لمضمونها حيث كان يعفو ويصفح فعلا، حتى أنزل الله آيات بعد ذلك تأذن له بقتالهم، فالتأويل الفعلي للآية ليس مجرد الفهم والتفسير النظري، ولكنه التحقيق الواقعي، والأمثلة في ذلك كثيرة، [28].
وكما كان صلى الله عليه وسلم يتأول القرآن بتنفيذ أوامره وتحقيقها عملياً، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يخرجون عن تأويل الرسول صلى الله عليه وسلم، فيطبقون أوامر النصوص عمليا، ومن ذلك: ما حدًث به سعيد بن جبير أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي حيثما توجهت راحلته، ويقول: قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، يتأول قول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [29]، فكان يرى رضي الله عنه جواز التطوع على الراحلة حيثما توجهت به، ولا يشترط استقبال القبلة، فتأول ظاهر الآية.
ووقفة مع الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، الذي كان من أعلم الصحابة بالقرآن الكريم وفقهه ومنهجه وتأويله المميز حيث لقب بترجمان القرآن، وكان ذلك من بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالفقه في الدين وعلم التأويل، [30] فصار يعلم تأويله ومعانيه وأحكامه وفقهه، وبذلك نستطيع القول أن التأويل علم مستقل قائم بذاته، وهو يحصل بالتعلم والتحصيل والاكتساب، والفطنة والموهبة الربانية، فجمع بين التفسير القائم على معرفة أسباب النزول وفهم اللغة ثم التأويل الصائب والفهم الصحيح الدقيق ومعرفة عمق الآيات ومآلها كعلم من علوم القرآن، [31] فالتأويل إزالة ما في النصوص من غموض وإشكال وفهمها فهما صائبا وتأويلها تأويلا صحيحا، واستنباط لطائفها ودلالاتها واستخراج حقائقها وإشاراتها.
المبحث الثاني
الإشكاليات المنهجية في التأويل
إن الاهتمام بالمنهج الصحيح في التأويل من قِبل المؤول يهيئ الله له القبول والاستفادة من علمه، ومن ذلك ما نراه عند بعض النماذج من العلماء الذين كتب الله لهم القبول، فالعالم الجليل الفذ شيخ الإسلام ابن تيمية الإمام الحجة المجتهد قامع المبتدعين رحمه الله حيث حصل له من الأثر العام والخاص ما يقل نظيره في معظم فنون العلم من التفسير والتأويل والاحكام والفقه والعقيدة والفتوى وغيرها، مما أكسبه ثروة علمية ومنهجية قوية في التأويل يندر نظيرها.
وأن يكون الواقع المتغير هو القضية الأهم في فهم النصوص، بخلاف ما تم الانشغال به على مر العصور السابقة من علاقة العقل بالنقل وأسبقية كل منهما على الآخر فلا بد من أن نحقق انسجاما بينهما لحل الإشكاليات الحالية والمستقبلية، والتأويل لا بد له من منهجية تجمع بين المرجعية الدينية والعقدية واللغوية والنحوية والبلاغية والتاريخية والاجتماعية ثم الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص، فالمنهجية المحورية للتأويل يجب أن تعتمد على معرفة الواقع بحيث تسلط الضوء على حلً المشكلات الراهنة.
إشكالية الفهم والمعنى وقراءة النص:
نرى أن قراءة النصوص ومعرفة معانيها وفهمها، لا بد أن يكون على مراحل من أجل الوصول إلى المقصد المراد الصحيح لهذا النص ويتم ذلك من خلال:
المطلب الأول
إشكالية قراءة النص
قراءة النص، فكل ناظر في النص ومتدبر له، لا بد أن يطلع على تفسير النص أولاً من مصادره الموثوقة، ويقوم بعد ذلك بفهم النص فهما وافيا يصل به إلى المعنى المراد، ومن ثم يستطيع تأويله وملاحظة لطائفه وحقائقه ودلالاته، فهذه الأمور من القراءة والفهم ومعرفة المعنى من خلال التفسير تأخذ بنا إلى التأويل الصحيح، ويكون تأويلاً معتمداً.
وبالتالي فإن المتأول بعد اطلاعه على التفسير المعتمد على الرواية والمأثور، وتفسير النص بنص آخر من قرآن أو سنة أو أقوال للصحابة أو التابعين مع معرفة أسباب النزول وتفسير الغريب والناسخ والمنسوخ وتوجيه القراءات والشواهد الشعرية والمعاني اللغوية إنما جمع كل هذا في منهج تفسيره وتوصل بها إلى التفسير الظاهر للنص، والمعنى القريب المتبادر منها، نظراً لما عنده من معطيات تساعده على الوصول إلى التفسير الصحيح، وهذا هو بداية فهم النص ثم بعد ذلك يأتي التأويل الذي ينتقل بالمفسر ليكون مؤولا للنص، وهنا تبدأ مهمة المؤول بإمعان النظر في النص وتركيبه وتحليله وتدبره لاستخراج لطائفه وإشاراته وإيحاءاته فيأتي بالمعنى البعيد غير المتبادر إلى الذهن وغير الظاهر للمفسر، فيقف على المقصود والغرض ويزيل اللبس والاشتباه والغموض والإشكال [32].
• فالتأويل تأمل صاف عن كل شائبة، وعمل ذاتي ليس له اعتماد على ما سبقه إلا في حدود أن يبقى التأويل في دائرة الحل، فالتأويل ثمرة تظهر شخصية المتأول وإتقانه وتدبره في النص، فالتأمل روح التأويل وهي من فتوحات الله سبحانه لمن يشاء، وتتفاوت التأويلات في عمقها وفاعليتها وتأثيرها، وأبلغها ما كان بإخلاص وبتوفيق الله والقبول.
المطلب الثاني
إشكالية المعنى في التأويل
معرفة المعنى، بما أن القراءة المرحلة الأولى للتأويل، فإن معرفة المعنى أيضا ذات أهمية فائقة تسبق التأويل، فالنصوص إشارات ورموز لا حياة فيها، ربما نستطيع القول بهذا، والقارئ بمعرفة المعنى للنص يعمل على إحياءه وبث الروح فيه حتى يخرج للمتلقي بقوة، فالمعنى للنص يكون غالبا مباشر وهذا المعنى الأولي، وهناك معنى غير مباشر فهو المعنى التأولي، وبهذا فالنص ذو معان روحية ومجازية تظهر وتتولد ولا تنفك عنه.
وبالاستقراء للنماذج التفسيرية التي تبين المعاني للنصوص نلاحظ أن هناك تطابقاً بين النص والمعنى، من حيث احتمال النص للمعنى لغويا ونحويا؛ وتطابق بين النص والمعنى مع الخطوط العريضة للمقاصد العامة للقرآن والسنة والشريعة؛ وكذا تطابقاً بين النص والمعنى بالنسبة للواقع تنزيلا وتطبيقا؛وهذا ما كان يأخذ به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون.
ولذا نرى التعددية للمعنى القرآني والانفتاح الدلالي، فاللغة تنأى بنفسها عن الاطار الصوري الجامد إلى حركة المدلول وتجدد المعنى، فالعام يراد به الخاص والخاص يراد به العام [33]، وهكذا، فالقرآن نزل على سبعة أحرف ولكل قراءة معان مختلفة، واللغة تقتضي السمات الكثيرة والمتنوعة التي تؤثر على التأويل والوصول للمعنى المراد، وباللغة مع القراءات مستوى اصطلاحي يفوق كل المستويات المتعارف عليها في قدرته على اصطلاحات جديدة للتعبير عن التأويل والمقصدية المرادة من النصوص؛ وهذا التأويل في حقيقته يكشف عن الاصطلاحات التي تتطلبها المعارف الجديدة لمواكبة المتغيرات، وبيان المعاني البعيدة للنصوص، التي توحي بها كلماتها وجملها وتراكيبها عن طريق الإشارة واللطيفة والإيحاء والتأمل من أهم طرق الاستنباط بالدراسة والتدبر وإعمال النظر والوصول إلى معنى آخر تحتمله النصوص ولا يخالف الكتاب والسنة [34].
المطلب الثالث
إشكالية الفهم في التأويل
الفهم للنصوص، فالتأويل في المفهوم التقليدي يهدف إلى فهم حقيقة النصوص، من خلال معانيها المتعددة، وربما يختلط المفهوم التأويلي للنص مع التفسير، وما التأويل إلا أداة معرفية من أجل بلوغ الحقيقة والوصول إلى الفهم الصحيح للنص، خاصة اذا كان ظاهر اللفظ لا يعبر عن مقصد الشارع.
وإمكانية الفهم التي تناولت النص بالتفسير والتأويل، ما هي إلا طرح يبرر جهود الفلسفة الحديثة لإظهار أهمية التأويل عن طريق الفهم سواء من حيث كيفية فهم النص أم من حيث كيفية فهم الفهم [35].
والفهم للنص يؤول إلى التأويل السليم الصحيح على أن يكون التأويل قد أحاط اللفظ بفهم ومعنى صحيح في الاعتبار؛ وأن يكون وضع اللفظ والمعنى قابلا للتأويل لغة بوجه من وجوه الدلالة حقيقة أو مجازاً أو كناية [36].
ولا يتم الفهم إلا عن طريق معرفة المعنى، ويتبين ذلك من خلال الكشف عن دلالة المعنى بالطرق التي انتهجها الأصوليون ونذكر منها منهج الحنفية في دلالة المعنى التي تقودنا إلى الفهم وهي:
• عبارة النص والتي تبين دلالة الكلام على المعنى المقصود المتبادر فهمه.
• إشارة النص التي تبين دلالة الكلام على معنى غير مقصود من السياق وليس مراد به مباشرة.
• دلالة النص، وهي دلالة اللفظ عن طريق مناط الحكم أو علته [37].
المطلب الرابع
الإشكالية المنهجية الحديثة
هناك العديد من الإشكاليات المنهجية الحديثة التي ظهرت بمسميات عديدة، وهناك العديد من التطبيقات العملية للخطاب العلماني في نظريته التأويلية سواء كان ذلك في العقيدة أو النبوة أو الغيبيات وكذا في الأحكام والحدود والأسرة وغيرها، وهذه التطبيقات العلمانية لهذه النظرية أدت إلى:
1- التشكيك في موثوقية النصوص.
2- أسبقية العقل على النصوص.
3- سلطة الواقع.
4- نزع القداسة عن النصوص.
والإشكالية التي وقع بها هؤلاء هي التعامل غير العلمي لهذه النظرية، وعدم استقرارها، مما أدى إلى مساواة النصوص الشرعية (القرآن والسنة) بالنصوص الحديثة للثقافات المختلفة الغربية والشرقية، وبالتالي وجدت المغالطات الكبيرة، والله تعالى قال: ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ ﴾ [38].
والنقطة المفصلية بين التفسير الإسلامي للنصوص الدينية (القرآن والسنة) وبين النظريات التأويلية الحديثة، هي الإيمان بمصدرية النصوص ومقاصد الشارع سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالقراءات التأويلية الحديثة وقعت في إشكالية معرفية كبرى حيث نقلت الصراع التاريخي في فهم النصوص المقدسة بين طريقة الكنيسة وطريقة عصر الأنوار كما يسمونه، ونقل ذلك كله إلى الساحة الإسلامية وهذا النقل هو إسقاط للواقع الغربي على الواقع الإسلامي بدون مراعاة الظروف الدينية والاجتماعية وغيرها [39].
والإشكالية الأكثر خطورة في النظريات التأويلية العلمانية ومن على شاكلتها، أن منهجها يمارس تحت غطاء علمي كما يبدو في الظاهر، إلا أن حقيقتها لم تخل من أغراض مسمومة لإسقاط النصوص وأهلها في معتركات التيه والتخلف والرجعية والشك وبالتالي الوقوع بالمحظور من الشركيات وغيرها والله المستعان، وبالتالي فقدت هذه النظريات النزاهة العلمية والحيادية في البحث والتطبيق.
لذا فالنظريات التأويلية الحديثة لا يمكن معالجتها بالبحوث فقط بل يجب التصدي لها من عدة جوانب، من أجل العمل على تفنيدها وبيان بطلانها وزيفها وأهدافها المسمومة.
وأخيرا لا بد لنا من عودة وتوقف ونظر لما أصاب الأمة من فرقة وتشتت ومشكلات تحتاج منا إلى حلول وعمل جاد مثمر وفكر منظم وحوارات نافعة وقبول الاختلاف وتعدد طرق الاجتهاد والتأويل وفق ضوابط ومعطيات الفكر الإسلامي الشامخ الزاخر بكل ما هو جديد ومفيد لكل زمان ومكان ولكل مستجد والاختلاف لا يؤدي إلى الخلاف، بل هو طريق الألفة والتقارب وقبول الآخر، فلا بد من التسامح ونبذ الخلاف وقبول وجهات النظر المختلفة القائمة على المنهج العلمي الصحيح، وهذا من مرونة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان وملاءمته لكل الظروف والمعطيات المتجددة على مر الزمان.
الخاتمة:
أثر التطواف حول المنهجية والتأويل فإنه يمكن أن نخلص إلى ما يأتي من نتائج وتوصيات:
أولاً: النتائج
1- ثمة معان كثيرة ومتعددة للتأويل والمنهجية المتبعة فيه.
2- للمنهجية دور فعًال ومثمر في الوصول إلى التأويل الصحيح.
ثانياً: التوصيات
1- العمل على إثراء المكتبة الحديثة بنماذج منهجية حديثة للوصول إلى التأويل الصحيح.
2- التصدي للمناهج المنحرفة في تأويل النصوص ببيانها وبيان منتسبيها.
3- الاهتمام بفقه الاختلاف بين المناهج المتبعة للتأويل والعمل على تدريسها من أجل نبذ الخلاف.
ختم البحث بذكر أهم النتائج والثمار من خلال مباحثه والتوصيات التي توصل إليها؛ رب يسر وأعن واختم بخير يا كريم
المصادر والمراجع
أولاً: القرآن الكريم.
ثانيا: المصادر والمراجع:
1- الإكليل في المتشابه والتأويل، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، دار الإيمان للنشر، الاسكندرية، مصر.
2- تفسير الطبري، جامع البيان عن تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي الطبري، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط1، دار هاجر للطباعة والنشر، 1422هـ/2001م.
3- التفسير والتأويل في القرآن، صلاح عبد الفتاح الخالدي، الأولى، دار النفائس،، عمان، 1416هـ/1999م.
4- التفسير والمفسرون، محمد السيد حسين الذهبي، السابعة، مكتبة وهبة، القاهرة، 2000م.
5- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمد بن عبد الله الألوسي، ت: علي عبد الباري عطية، الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415ه.
6- صحيح البخاري، محمد بن اسماعيل أبوعبد الله البخاري، ت: محمد زهير الناصر، الأولى، دار طوق النجاة، 1422هـ.
7- صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
8- عبد الرزاق عفيفي ومعالم منهجه الأصولي، مجلة البحوث الإسلامية، العدد الثامن والخمسون، 1420هـ.
9- فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر، دار المعرفة، بيروت.
10- قراءة في كتاب ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر، ياسر المطرفي، 2011م، شبكة الألوكة، www.alakah.net.
11- لسان العرب، محمد بن علي أبو الفضل جمال الدين ابن منظور، الثالثة، دار صادر، بيروت، 1414هـ.
12- مجموع الفتاوى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، 1416هـ/ 1995م.
13- مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبوعبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، ت: شعيب الأرنؤوط، الأولى، مؤسسة الرسالة، 1421هـ/ 2001م.
14- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الرابعة، مكتبة الشروق الدولية.
15- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا القزويني، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1399هـ/1979م.
16- المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، الأولى، دار القلم، دمشق، 1412هـ.
17- مناهج البحث المعاصرة في أصول الفقه، عبد الله الصالح، مجلة جامعة دمشق، العدد الثاني، 2002م.
18- الموافقات، إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، تحقيق: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، السعودية.
19- نظرية التأويل في الفلسفة العربية الإسلامية، عبد القادر فيدوح، دار الأوائل للنشر والتوزيع، 2005م.
20- نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف، محمد بن عبد الله بن علي الوهيبي، دار المسلم، السعودية.
21- الهرمنيوطيقا والإشكالية في فهم القرآن الكريم، ريمة عسكراني، جامعة عبد القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة.
22- الوجيز في أصول الفقه، عبد الكريم زيدان، السادسة، مؤسسة قرطبة.
[1] آل عمران (7).
[2] آل عمران (7).
[3] لسان العرب، ابن منظور، ج11/ ص32-34.
[4] مقاييس اللغة، ابن فارس، ج1/ ص159؛ التعريفات، الجرجاني، ص 34.
[5] الأعراف (53).
[6] آل عمران (7).
[7] الأعراف (53).
[8] النساء (59).
[9] معجم مفردات ألفاظ الفرآن، الأصفهاني، ص27.
[10] الإكليل في المتشابه والتأويل، ابن تيمية، ص26-32.
[11] الأعراف (53).
[12] صحيح البخاري، رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله فسبح بحمد ربك واستغفره، (4683) * صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، (484).
[13] مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج4/ ص68-70، وأنظر ج3/ ص54-68.
[14] الفتاوى، مرجع سابق،ج13/ ص 278* نواقض الإيمان الاعتقادية، الوهيبي محمد، ج2/ ص20.
[15] لسان العرب، ج 11/ ص 32-34*.
[16] مجلة البحوث الإسلامية، عبد الرزاق عفيفي ومعالم منهجه الأصولي، العدد الثامن والخمسون، 1420هـ.
[17] دونالد شون وجون ديوى، شبكة الالوكة، www.alukah.net.
[18] مجلة جامعة دمشق، عبد الله الصالح، مناهج البحث المعاصرة في أصول الفقه، العدد الثاني، 2002م.
[19] التفسير والتأويل في القرآن، الخالدي، ص 195
[20] الأعراف (187)
[21] النساء (103)
[22] يوسف (2)
[23] الشعراء (195)
[24] هود(118، 119)
[25] البخاري، كتاب التفسير، باب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب، (4566)
[26] آل عمران (186)
[27] البقرة (109)
[28] ) انظر: البخاري، كتاب التفسير، باب سورة النصر (4967)، (4968)، حديث عائشة رضي الله عنها في تأويل الرسول لسورة النصر بالتطبيق والتنفيذ (يتأول القرآن) فيقول سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك في ركوعه وسجوده.
[29] البقرة (115)
[30] ورد الدعاء لابن عباس بروايات عديدة في البخاري ومسلم والسنن ومسند الامام أحمد بزيادة لفظ واختلاف لفظ، أنظر: البخاري، كتاب الوضوء، وكتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم علمه الكتاب، (3756)
[31] تفسير الطبري، ج1 / ص 75
[32] أنظر: التفسير والتأويل في القرآن، الخالدي، ص135
[33] الموافقات، الشاطبي، ص256
[34] روح المعاني، الآلوسي،ج1/ ص2 ؛ التفسير والمفسرين، الذهبي، ص12
[35] نظرية التأويل في الفلسفة العربية الإسلامية، فيدوح عبد القادر،ص16
[36] الموافقات، الشاطبي، 526
[37] الوجيز في أصول الفقه، عبد الكريم زيدان، ص365-366
[38] الفرقان (5)
[39] قراءة في كتاب ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر، ياسر المطرفي، شبكة الألوكة www.alukah.net
نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
مقالات ذات صلة
من غرائب التأويل!
ماذا عن الهرمينوطيقا أو التأويلية؟
دراسات مصطلحية: لفظ التأويل أنموذجا
معنى التأويل وأنواعه في القرآن
مختارات من الشبكة
المنهجية في تعلم وتعليم القاعدة النورانية برواية حفص عن عاصم (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
المنهجية في طلب العلم(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
القراءة المنهجية وأثرها في تغيب دور المدرس(مقالة - مجتمع وإصلاح)
المنهجية النبوية في التربية الأخلاقية(مقالة - آفاق الشريعة)
الضوابط المنهجية في فهم الحديث مقاصديا (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
المنهجية في طلب العلم (2)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عثمان السبت)
المنهجية في طلب العلم (1)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عثمان السبت)
المهارات المنهجية في تحليل الحديث الشريف (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
قوة المنهجية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
المنهجية الإسلامية في التعامل مع الخبر(مقالة - موقع أ. د. فؤاد محمد موسى)
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/119025/#ixzz6etqHYAqW
=====================
من نداء الايمان
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif.أولا: خصائص التفسير:
1- أكثر استعمال التفسير في الألفاظ والمفردات.
2- مهمة التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا.
3- غاية التفسير كشف معاني القرآن وبيان المراد منه.
4- يعتبر في التفسير الاتباع والسماع.
5- التفسير يتعلق بالرواية.
وهذه الخصائص تجعل مهمة المفسر محددة ومنضبطة، فلا يملك أن يخرج عن حدود مهمته، سواء من حيث ارتباطه بالاتباع والسماع أو من حيث وقوفه عند حدود بيان معاني الألفاظ والمفردات، وظاهر هذا التقييد يفيد أن المهمة البيانية للمفسر لا تؤهله لدور الاستنباط الذي يتطلب جهدا يتجاوز حدود البيان، والاستنباط هو غاية المفسر، وبخاصة فيما يتعلق بآيات الأحكام.
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif.ثانيا: خصائص التأويل:
1- موطن التأويل في المعاني والجمل.
2- غاية التأويل تفسير باطن اللفظ وإخبار عن حقيقة المراد.
3- التأويل يعتمد على الترجيح ولا مجال للقطع فيه.
4- التأويل يتعلق بالدراية.
وهذه الخصائص تجعل التأويل مرحلة متقدمة في التفسير ولا يستغنى عنه، لأنه يتعلق بالمعاني والجمل، ولأنه يكشف عن حقيقة المراد، وهذا الاختلاف في تعريف كل من التفسير والتأويل يؤكد غموض المعنى المراد بالتأويل، والحرص على أن يظل كل من التفسير والتأويل ملازما للآخر ومتتمما دوره في بيان المعاني الغامضة وكشف النقاب عن المراد.
وبالرغم من وضوح الخصائص لكل من التفسير والتأويل، فإن التداخل بين اللفظين واضح، ومن الصعب وضع معيار دقيق يحدد مواطن التفسير والتأويل، وما يعتبر من التفسير وما يعتبر من التأويل.
ولعل هذا هو السبب الذي دفع طائفة من العلماء إلى القول بأن كلا من التفسير والتأويل يدلان على معنى واحد.
ومع هذا، فإن السليقة العربية التي تعتبر حجة في دلالات الألفاظ والاستعمالات اللغوية لتلك الألفاظ، ومواطن وكيفيات استعمال القرآن للفظة التأويل تجعلنا نقف أمام لفظة التأويل مستوحين منها معاني ودلالات ليست هي نفس الدلالات المستوحاة من لفظة التفسير، فالمعنى البياني واضح في لفظة التفسير، وليس الأمر كذلك فيما تدل عليه كلمة التأويل، فالتأويل أدق وأعمق، ويحتاج لموهبة خاصة وقدرة متميزة، وإذا كان العقل هو أداة المفسر واللغة هي وسيلته، فإن القلب هو أداة التأويل وهو أداة الفهم، وهو موطن النقاء والصفاء في الإنسان، وليس المراد بالقلب ذلك الجزء النابض بالحياة، وإنما المراد به الخصوصية الإنسانية التي أناط بها الله تعالى مهمة الفقه والفهم، فإذا ختم الله على قلب الإنسان أصبح عاجزا عن الفهم، وعن إدراك المراد، والقلب المعمر بالتقوى والصلاح، يملك من أدوات الفهم وإمكاناته ما لا يملكه القلب الغافل المثقل بالأوساخ والحجب والستائر التي تحجب القلب عن إدراك الحقائق، فيدرك منها ما لا ينفعه ولا يضره، وقد يقوده عقله المحجوب بالغفلة إلى ضلال في الفهم وسقم في التأويل، فلا يحسن الفهم، ولا تستقيم رؤيته.
وليست هناك في موطن التفسير والتأويل ألفاظ ومعاني ينفصل بعضها عن البعض الآخر، بحيث يختص التفسير بألفاظها والتأويل بمعانيها، وإنما هناك أدوات للفهم، ووسائل للتعبير وهي ضرورية للفهم، فإذا استوعب المفسر كل أدوات التفسير الضرورية كمعرفة معاني المفردات وكل ما يحيط بالنص المراد تفسيره من بيان وتوضيح أدرك بخصوصيته الإنسانية النقية الصافية (حقيقة المراد) واستقرت في نفسه بطريقة تلقائية غير متكلفة وبانت له واضحة متيقنة وكأنه يراها بحواسه.
واستعمل القرآن الكريم لفظة (القلب) كثيرا، والقلب في القرآن ليس هو القلب الصنوبري النابض، وإنما هو الخصوصية الإنسانية. فالقلب هو موطن الإنابة وموطن الذكرى وموطن الإثم وموطن الاطمئنان وموطن الهداية وموطن الغفلة وموطن المرض وموطن الختم وموطن الرعب وموطن الفقه، وموطن الزيغ وموطن الاشمئزاز وموطن الرحمة وموطن القسوة وموطن التآلف وموطن الطهر، وكرر القرآن استعمال لفظة المرض في معرض وصفه للقلوب الغافلة القاسية، وعند ما يطبع الله على قلوب بعض الناس فإنهم لا يفقهون.
ولهذا فالتفسير يتطلب من المفسر نقاء في القلب لكي يدرك حقيقة المراد من معاني الألفاظ، فالألفاظ أدوات للتعبير والإنسان هو المخاطب، ولكي يدرك الإنسان فحوى الخطاب، فلابد من أن تكون أداة الفهم نقية صافية لم تشوهها توجهات سابقة وتنحرف بها، ولم تحجبها حجب عن إدراك المعاني المقصودة.
وتظل كلمة التأويل خاضعة للتفسير والبيان، لتحديد ما المراد بالتأويل، فبعض العلماء ذهب إلى أن التفسير مختص بالرواية والتأويل مختص بالدراية.
ولا أظن أن هذا الأمر يخضع لهذا المعيار، إذ لا يمكننا اعتبار التفسير قاصرا على الرواية وخاليا من الدراية، فهذا معنى يحمل بعض الانتقاص من مكانة العلماء الذين عرفوا بالتفسير، ولعل المعنى الأقرب في هذا المجال أن التفسير جهد خاضع لمعايير بيانية، ولابد في التفسير من رواية ودراية، وإذا خلا التفسير من الدراية، فقد خلا من قيمته البيانية والتوضيحية، وإذا كانت الرواية كافية في مجال التفسير بالمأثور، فإن التفسير بالرأي لابد فيه من دراية واسعة، ولا يحسن هذا النوع من التفسير إلا من أوتي سعة من علم ومعرفة.
وتختلف معاني التأويل بحسب موقع اللفظة في الجملة، فأحيانا تفيد معنى التفسير، وتكون مرادفة لها، وأحيانا تفيد معنى مغايرا للتفسير، بحيث يكون التأويل فيما يخرج عن نطاق مهمة التفسير، بسبب غموض المعاني وعدم وضوحها، وبخاصة فيما يتعلق بالقضايا التي لا تخضع للمقاييس العقلية، ولا تقدم الألفاظ في معانيها اللغوية ما يفيد في كشف الخفاء عن المراد، ويكون التأويل هنا هو بذل جهد متميز في استكشاف المراد، ويحتاج هذا الجهد إلى كفاءة علمية وقدرة ذاتية، وموهبة متميزة وحكمة مكتسبة.
ومن الطبيعي أن يقع الاختلاف في حكم التأويل واتجاهاته، وبخاصة إذا لم يلتزم المتصدي للتأويل بالضوابط اللغوية والشرعية، وعندئذ يكون التأويل مطية للانحراف والزلل، ولذلك يجب وضع ضوابط دقيقة، لكي يكون التأويل سليم الاتجاه مقبول المعاني، وأهم هذه الضوابط أن يكون منسجما مع قواعد الإسلام ومبادئ العقيدة.
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif.أهم ضوابط التأويل:
وأهم ضوابط التأويل ما يلي:
أولا: أن يكون المعنى مما يمكن استنباطه من النص، ومما تدل عليه اللغة من دلالات ومعاني، والتأويل الذي لا تفيده اللغة لا يمكن الاعتداد به وقبوله، لأنه لا سند له من اللغة، وكيف يستنبط معنى من لفظ لا يدل عليه ولا يفيده، ومن حقنا أن نطرح على صاحب التأويل سؤالا يبين لنا فيه وجه الاستدلال وكيفية الاستنباط، ولابد له من دليل حسي على ذلك، ولو وقع التسامح في هذا الشرط لأدى ذلك إلى انحراف مؤكد.
ثانيا: أن يكون المؤول عالما باللغة عارفا قواعدها ملما بمعاني الألفاظ، مستوعبا ما قاله العرب في معانيها ودلالاتها، لأن التأويل سواء اتفق في دلالته مع التفسير أو اختلف معه، لا يمكن أن يكون بمعزل عن المعاني المستفادة من الألفاظ، ولا يمكن للتأويل أن يكون مجرد عبث، ولو سلمنا بوضوح معنى الإلهام في التأويل، فهذا الإلهام يعبر عن قدرة المؤول في توجيه الألفاظ القرآنية نحو معاني خفية ليست مدركة لدى المفسر، ويمكن إدراكها بقوة التأويل ودقة صاحبه، بحيث يلتفت الذهن إلى أهمية المعنى المستنبط من تلك الألفاظ.
ثالثا: استقامة المؤول وسلامة عقيدته، وهذا الضابط غايته ضبط حركة الفكر لكي تكون صحيحة المنطلق صادقة التعبير عن رؤية فكرية، نزيهة في تجسيدها لقدرات الإنسان على استلهام معان دقيقة يعجز عنها المفسر الذي يتوقف غالبا عند حدود المعاني المتبادرة إلى الذهن الواضحة الدلالة.
رابعا: أن يكون الحكم المستنبط عن طريق التأويل واضح الانسجام مع التصور القرآني العام في إقراره لمبادئ الإسلام وعقيدته وأن يكون مؤكدا لقيم إسلامية ثابتة، داعيا إلى ترسيخ معاني العقيدة في النفوس، فإذا كان التأويل مناقضا لعقيدة الإسلام ناسخا لأحكام ثابتة في القرآن، مشوها مبادئ الفطرة الإسلامية مشجعا نمو عقائد منحرفة فهذا تأويل واضح البطلان لأمرين:
الأمر الأول: آثاره الضارة على الفكر الإسلامي، وإثارته للفتنة، ودعوته إلى فساد العقيدة.
الأمر الثاني: عدم استناده إلى دليل من لغة أو سند من قرآن أو حديث، وإذا افتقد التأويل سنده اللغوي والشرعي وثبت ضرره في مجال العقيدة، كان تأويلا فاسدا ووجبت مقاومته والتنبيه على فساده وخطره.
وإذا كنا تكلمنا عن خصائص التأويل، وأنه تفسير خفي وأنه يدخل في علم الدراية، وأن جانب الإلهام واضح فيه، فإن هذه الخصائص لا تنفي عنه صفة التأويل المرتبط بالنص، فإذا انتفت صلة التواصل والانتماء بين النص والتأويل انتفت شرعية ذلك التأويل، وأصبح من نوع العبث الدال على الجهل، ولو وقع إقرار هذا النوع من التأويل لتجرأ الجهلة على القرآن، وفسروا آياته تحت شعار التأويل بما شاءت لهم انحرافاتهم أن يقرروه، واختلط التأويل السليم الصحيح الذي يدل على عمق في الفهم ودقة في الإدراك بالتأويل الفاسد والسقيم الذي يدل على جهل صاحبه.
وهذه الضوابط ضرورية وهامة، ولا يجوز التساهل فيها، وإذا جاز لنا أن نقبل تأويل العلماء وأن نستفيد من آرائهم وتصوراتهم وأن نشجع حرية الرأي ونحترم قدسية الفكر فلا يجوز لنا أن نقبل الفكر السقيم ولا أن نسمح للجهال بأن يعبثوا بمعاني القرآن، إرضاء للعوام واستجابة للجهلة والمنحرفين.
قال أبو القاسم محمد بن حبيب النيسابوري:
وقد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل، ما اهتدوا إليه، لا يحسنون القرآن تلاوة، ولا يعرفون معنى السورة أو الآية، ما عندهم إلا التشنيع عند العوام، والتكثر عند الطغام، لنيل ما عندهم من الحطام، أعفوا أنفسهم من الكد والطلب وقلوبهم من الفكر والتعب، لاجتماع الجهال عليهم وازدحام ذوي الأغفال لديهم، لا يكفون الناس عند السؤال، ولا يأنفون عن مجالسة الجهال، مفتضحون عند السبر والزواق، زائغون عن العلماء عند التلاق.
http://www.al-eman.com/images/book/arrow_top.gif.الفصل الخامس: ترجمة القرآن:
لا خلاف بين العلماء في أن الإعجاز القرآني يتمثل في أسلوب القرآن، ودقة ألفاظه، وذلك التوافق والانسجام بين اللفظ والمعنى المراد، بحيث يصور اللفظ المعاني أدق تصوير، بحيث تبرز عظمة القرآن في روعة ألفاظه وجمالها، وذلك التناسق العجيب بين اللفظ والمعنى، والتكامل والترابط بين الألفاظ، بحيث تكون اللفظة اللغوية معبرة أدق تعبير عن المعنى المراد، ولو وقع أي إبدال أو تغيير في الألفاظ المترادفة لاختلت المعاني واضطرب الأسلوب.
إن كل لفظة في القرآن تعبر عن الإعجاز وتمثل جانبا من جوانبه وتصور عظمة الأسلوب القرآني، ولا مجال لإبدال كلمة بأخرى أو لفظة بما يماثلها، إذ لكل لفظة موسيقاها الخاصة بها من حيث موقعها من الكلام، ومن حيث دقة تعبيرها عن المعنى المراد.
وإبدال لفظة بأخرى ولو كانت مماثلة للمعنى، تخل بالمعنى العام، وتوجد حالة من التوقف في ذلك النسق القرآني، وكأن الآية ليست هي الآية، وكأن المعنى ليس هو المعنى، فالقرآن وحدة متكاملة، من حيث ألفاظه ومعانيه ورسمه وأداؤه، ولو كتب بغير الرسم القرآني لما أدى نفس المشاعر التي يولدها الرسم القرآني في كيفية تعبيره عن الكلمات القرآنية.
ولا يتصور من الناحية العقلية أو الفعلية أن تقع ترجمة القرآن من اللغة العربية إلى لغة أخرى، فالترجمة جهد بشري، ويقع التفاوت فيه، من حيث اختيار المفردات، ولهذا تتعدد الترجمة وتتباين ألفاظها، ويختلف الحكم عليها من حيث الدقة والضبط. وإذا كان من العسير على المفسر في نطاق اللغة العربية أن يستبدل لفظة قرآنية بما يماثلها أو يفسرها بما يدل عليها، فإن من المستحيل على من يريد ترجمة القرآن أن يجد الكلمة المعبرة عن المعنى القرآني فضلا عن استحالة الحفاظ على روعة الألفاظ القرآنية التي تعتبر من مظاهر الإعجاز القرآني.
وكيف يمكن لمترجم أن يعبر عن الألفاظ المتشابهة الدالة على معان متعددة، وأي المعاني هي الأولى والأقرب...
وإذا ثبت من الناحية الواقعية استحالة ترجمة القرآن إلى أية لغة أخرى وجب علينا القول بأن أية ترجمة للقرآن لا تعتبر قرآنا، لأن هذه الترجمات لا تخلو أولا من أغلاط في الترجمة، وثانيا لا يمكن توحيدها، لأن تفسير المترجمين للألفاظ القرآنية ليس واحدا، وإذا أمكن توحيد تفسير تلك الألفاظ، فإن من الصعب اختيار الكلمات المعبرة والدالة على تلك المعاني.
وهنا نجد أنفسنا أمام حقائق أساسية:
أولا: ترجمة القرآن غير ممكنة، من الناحية اللغوية، لتعدد المعاني المحتملة للألفاظ، وهذا أمر لا مجال لإنكاره، ومن اليسير أن يدرك حقيقته كل من كابد مهمة الترجمة ووقف أمام الألفاظ حائرا مترددا لا يدري بأي المعاني يأخذ، وأي الألفاظ يختار.
ثانيا: كل ترجمة للقرآن لا يمكن أن تكون قرآنا، وإذا انتفت قرآنية النص المترجم انتفت معه كل خصوصيات النص القرآني المتعبد بتلاوته، ولا خيار لنا في هذه الحالة إلا أن ننظر للقرآن المترجم نظرتنا إلى كتب التفسير المختصرة من حيث هي مصادر للتوضيح والبيان، تيسر المعاني وتقربها إلى القراء، وتساعد على معرفة القرآن.
ثالثا: لو جازت ترجمة القرآن إلى اللغات الأخرى، واعتبر النص المترجم قرآنا لتعددت نصوص القرآن وتكاثرت لغاته وتباينت معانيه، وضعف الاهتمام بالنص الأصلي المعجز الذي لا يأتيه الباطل، وفي هذا فتنة لا مجال لحصرها، وإذا أمكن التحكم في مسار القرآن المترجم على المدى القصير، فإن من الصعب التحكم في ذلك على المدى البعيد، وربما أصبحت النصوص المترجمة نصوصا أصلية تفسر ويترجم منها ويحتج بها، مما يؤدي إلى خطر محقق، وبخاصة إذا وقع التنافس بين الشعوب الإسلامية، واحتجت كل أمة بقرآنها الذي احتضنته وأمسكت به واعتزت بنصوصه، وهذا طريق محاط بالأشواك والأخطار، ومن الواجب تطويق الأخطار قبل أن يستفحل أمرها، وأن يمنع كل أمر يمكن أن يؤدي إلى خلاف وانقسام.
وهذا يؤكد لنا أن ترجمة القرآن ليست ممكنة من الناحية الواقعية، وكل ترجمة للقرآن لا تعتبر قرآنا، ولا يجوز أن يطلق عليها لفظ القرآن، إلا عن طريق المجاز
======
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق