الثلاثاء، 18 فبراير 2020

^^^ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ونظرة النووي له وأصحابه

روجع لصفحة 70
سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ونظرة النووي له وأصحابه
كتاب الإيمان 20. باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»
قال النووي
97- السَّبُّ فِي اللُّغَة الشَّتْم وَالتَّكَلُّم فِي عِرْض الْإِنْسَان بِمَا يَعِيبهُ. وَالْفِسْق فِي اللُّغَة: الْخُرُوج. وَالْمُرَاد بِهِ فِي الشَّرْع الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَة. وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَسَبُّ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَأَمَّا قِتَاله بِغَيْرِ حَقّ فَلَا يَكْفُر بِهِ عِنْد أَهْل الْحَقّ كُفْرًا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْمِلَّة
قلت المدون هذه بدعة جديدة ابتدعها أصحاب التأويل ليبرروا تحويل النص الأصلي إلي نص محرف مؤول يخرجون به من سور اله اأصلي لي عكس مدلوله الحقيقي والرد عليهم من خلال هذذه الروابط التالية اضغط الروابط التالية
 مهم جدا افتح وعاين خطورة الحكم بالتكفير علي المسلمين وبيان أن نصوص الزجر يبدأ تفعيلها من لحظة الموت
أدلة تحريز نصوص الشرع كلها من أيادي البشر دون الله ورسوله
ضوابط الحكم بالاسلام أو الخروج من الإسلام
*بقية الشروط المانعة للحكم بتكفير المسلمين
............
كيف تعمد النووي تحريف معني المقحمات ليتماشي مع منهجه الفج في تأويل نصوص الزجر تأويلا خاطئا
.............
كيف تعمد النووي تحريف معني المقحمات ليتماشي مع منهجه الفج في تأويل نصوص الزجر تأويلا خاطئا
*كيف حرَّف النووي معني المقحمات ومخالفته الصارخة في تجاوز معناها اللغوي العتيد
...........
٦من هو صاحب البطاقة؟
7.تابع حديث صاحب البطاقة
8.أدلة امتناع تناول أي نص من نصوص الشرع باللعب أو التأويل أو التحريف أو التبديل
9.بيان أن تأويلات أصحاب التأويل لا تلزم أمة محمد مثقال ذرة.
..............
10.
قانون تحريز نصوص الشرع من العبث بها منذ أن أكمل الله دينه وإلي يوم القيامة
11.
حجج النووي وأصحاب التأويل الواهية التي اعتمدوا عليها في تأسيس شرع موازٍ لشرع الله مناقضا له تماما في نصوص الوعيد والزجر
12
. إلي ماذا أدي تأثير تمادي أصحاب التأويل في نص الوعيد والزجر علي أمة الإسلام قرونا طويلة
13.
جدول المقارنة بين المؤمنين حقا بالله ورسوله وبين أصحاب التأويل في نظرتهم للدين القيم الذي قضي الله فيه بقيمته وقيامته
14.
الأدلة الستيقنة علي تحريز الله لنصوصه جل وعلا التي ضمنها شريعته التي كلف بها أمة الإسلام وامتنع علي أهل الباطل أن تطولها أيديهم في حقيقتها وأصلها وكل ما لغي فيها من المتأولين أصبح ساقطا لا قيمة له لوجودها في سورة المائدة آية3.
15.
حد التعامل الظاهري بين المسلمين وبعضهم
.................
16.
حديث صاحب البطاقة كيف فهمه الناس؟
17.//
لن يدخل الجنة إلا المؤمنون
18.
أدلة تحريز النصوص الشرعية من عبث العابثين وورد
19.
أدلة تحريز النصوص الشرعية من عبث العابثين
20.
انظر نموذج من تأويلات النووي الباطلة
21.
أدلة تحريز نصوص الشرع من تأويلات أهل الباطل*
22.
تحريز وورد وبي دي اف
23.
ok تحريز النصوص المنزلة بشكل نهائي من العبث
24.
أدلة تحريز نصوص الشريعة من لعاب اللاعبين والمحرفين والمتأولين
25.
أدلة حفظ الله لشريعته من عبث العابثين
26.
جديد منسق المقارنة بين النص الأصلي والمأول
27.
رابط1 الفرق بين التطبيق والتنظير في التعامل
28
.رابط 2 مع النص القرآني والحديث النبوي
دليل المدونة مجموعا    .0
رابط التنزيل من هنا ....
كبر مساحة العرض+.
.................قال النووي مستأنفا حديثه الباطل:

كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَوَاضِع كَثِيرَةٍ إِلَّا   إذَا اِسْتَحَلَّهُ. فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقِيلَ فِي تَأْوِيل الْحَدِيث أَقْوَالٌ
أَحَدُهَا: أَنَّهُ فِي الْمُسْتَحِلِّ
وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد كُفْر الْإِحْسَان وَالنِّعْمَة وَأُخُوَّة الْإِسْلَام لَا كُفْر الْجُحُودِ.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَئُول إِلَى الْكُفْر بِشُؤْمِهِ،
وَالرَّابِع أَنَّهُ كَفِعْلِ الْكُفَّار. وَاَللَّه أَعْلَم
ثُمَّ إِنَّ الظَّاهِر مِنْ قِتَاله الْمُقَاتَلَة الْمَعْرُوفَة. قَالَ الْقَاضِي: وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد الْمُشَارَّة وَالْمُدَافَعَة. وَاَللَّه أَعْلَم
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِالْإِسْنَادِ فَفيه (مُحَمَّد بْن بَكَّارٍ بْن الرَّيَّان) بِالرَّاءِ الْمَفْتُوحَة وَتَشْدِيد الْمُثَنَّاة تَحْت. وَفيه (زُبَيْد) بِضَمِّ الزَّايِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاة وَهُوَ زُبَيْد بْن الْحَارِثِ الْيَامِيُّ وَيُقَال الْأَيَامِيُّ وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُهُ. وَفِي الْمُوَطَّأ (زُيَيْد بْن الصَّلْت) بِتَكْرِيرِ الْمُثَنَّاة، وَبِضَمِّ الزَّاي وَكَسْرهَا قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي آخَر الْفُصُول. وَفيه (أَبُو وَائِل) شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ.
وَأَمَّا قَوْل مُسْلِم فِي أَوَّل الْإِسْنَاد: (حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَكَّارٍ وَعَوْن قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن طَلْحَة ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَان وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَة كُلُّهُمْ عَنْ زُبَيْد) فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا وَكَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا وَبَعْض الْأُصُول، وَوَقَعَ فِي الْأُصُول الَّتِي اِعْتَمَدَهَا الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه بِطَرِيقَيْ مُحَمَّد بْن طَلْحَة وَشُعْبَة. وَلَمْ يَقَع فيها طَرِيق مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى عَنْ اِبْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان
 وَأَنْكَرَ الشَّيْخ قَوْله كُلّهمْ مَعَ أَنَّهُمَا اِثْنَانِ مُحَمَّد بْن طَلْحَة وَشُعْبَة، وَإِنْكَاره صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي أُصُوله، وَأَمَّا عَلَى مَا عِنْدنَا فَلَا إِنْكَار فَإِنَّ سُفْيَان ثَالِثُهُمَا. وَاَللَّه أَعْلَم
باب: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»
98- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض»
قال النووي قِيلَ فِي مَعْنَاهُ سَبْعَة7 أقوال يلسوء ما آلت إليه عقائد الناس وأولهم هؤلاء المتأولون يقول النووي في الــ7 أقوال:
 أَقْوَال: أَحَدهَا: أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ فِي حَقّ الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ حَقٍّ،
وَالثَّانِي: الْمُرَاد كُفْر النِّعْمَة وَحَقّ الْإِسْلَام
وَالثَّالِث: أَنَّهُ يُقَرِّبُ مِنْ الْكُفْر وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ،
وَالرَّابِع  : أَنَّهُ فِعْلٌ كَفِعْلِ الْكُفَّار
وَالْخَامِس: الْمُرَاد حَقِيقَة الْكُفْر وَمَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا بَلْ دُومُوا مُسْلِمِينَ
وَالسَّادِس: حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره أَنَّ الْمُرَاد بِالْكُفَّارِ الْمُتَكَفِّرُونَ بِالسِّلَاحِ، يُقَال تَكَفَّرَ الرَّجُل بِسِلَاحِهِ إِذَا لَبِسَهُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي كِتَابه تَهْذِيب اللُّغَة: يُقَال لِلَابِسِ السِّلَاح كَافِرٌ
وَالسَّابِع: قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا يُكَفِّرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتَسْتَحِلُّوا قِتَالَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا

ثم قال النووي وَأَظْهَرُ الْأَقْوَال الرَّابِع وَهُوَ اِخْتِيَار الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه
ثُمَّ إِنَّ الرِّوَايَة (يَضْرِبُ) بِرَفْعِ الْبَاء هَكَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَكَذَا رَوَاهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ، وَبِهِ يَصِحُّ الْمَقْصُود هُنَا
وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض: أَنَّ بَعْض الْعُلَمَاء ضَبَطَهُ بِإِسْكَانِ الْبَاء قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ إِحَالَةٌ لِلْمَعْنَى، وَالصَّوَاب الضَّمُّ.
قُلْت أي النووي: وَكَذَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ أَنَّهُ يَجُوز جَزْم الْبَاء عَلَى تَقْدِير شَرْطٍ مُضْمِرٍ أَيْ إِنْ تَرْجِعُوا يَضْرِبْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثم يعقي بقوله :
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا» فَقَالَ الْقَاضِي قَالَ الصُّبَرِيُّ: مَعْنَاهُ بَعْد فِرَاقِي مِنْ مَوْقِفِي هَذَا، وَكَانَ هَذَا يَوْم النَّحْر بِمِنًى فِي حِجَّة الْوَدَاع، أَوْ يَكُون بَعْدِي أَيْ خِلَافِي أَيْ لَا تَخْلُفُونِي فِي أَنْفُسكُمْ بِغَيْرِ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ، أَوْ يَكُون تَحَقَّقَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ فِي حَيَاته فَنَهَاهُمْ عَنْهُ بَعْد مَمَاته
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِسْتَنْصِتْ النَّاسَ» مَعْنَاهُ مُرْهُمْ بِالْإِنْصَاتِ لِيَسْمَعُوا هَذِهِ الْأُمُور الْمُهِمَّة وَالْقَوَاعِد الَّتِي سَأُقَرِّرُهَا لَكُمْ وَأُحَمِّلُكُمُوهَا. وَقَوْله (فِي حَجَّة الْوَدَاع) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ النَّاس فيها وَعَلَّمَهُمْ فِي خُطْبَته فيها أَمْرَ دِينهمْ، وَأَوْصَاهُمْ بِتَبْلِيغِ الشَّرْع فيها إِلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيُبَلِّغ الشَّاهِد مِنْكُمْ الْغَائِب» وَالْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَة حَجَّة الْوَدَاع بِفَتْحِ الْحَاء. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة: الْمَسْمُوع مِنْ الْعَرَب فِي وَاحِدَة الْحِجَج حِجَّة بِكَسْرِ الْحَاء، قَالُوا: وَالْقِيَاس فَتْحُهَا لِكَوْنِهَا اِسْمًا لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَة وَلَيْسَتْ عِبَارَةً عَنْ الْهَيْئَة حَتَّى تُكْسَر. قَالُوا: فَيَجُوزُ الْكَسْرُ بِالسَّمَاعِ وَالْفَتْحُ بِالْقِيَاسِ. وَأَمَّا أَسَانِيد الْبَاب فَفيه (عَلِيُّ بْن مُدْرِك) بِضَمِّ الْمِيم وَإِسْكَان الدَّال وَكَسْر الرَّاء. وَفيه (أَبُو زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير) وَفِي اِسْمه خِلَاف مَشْهُور قَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّل الْكِتَاب وَهُوَ كِتَاب الْإِيمَان قِيلَ: اِسْمُهُ هَرَمٌ، وَقِيلَ عَمْرو، وَقِيلَ: عَبْد الرَّحْمَن، وَقِيلَ: عُبَيْدٌ. وَفيه وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّد بِالْقَافِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَافِد بِالْفَاءِ. وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ.

 قلت المدون راجع الرد في الروابط السابقة 



  ‏99- وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحكُمْ أَوْ قَالَ وَيْلكُمْ». قَالَ الْقَاضِي: هُمَا كَلِمَتَانِ اِسْتَعْمَلَتْهُمَا الْعَرَبُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّوَجُّعِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: (وَيْلٌ) كَلِمَة لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة، و(وَيْح) تَرَحُّم. وَحُكِيَ عَنْهُ: (وَيْح) زَجْر لِمَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَكَة. قَالَ غَيْره: وَلَا يُرَاد بِهِمَا الدُّعَاء بِإِيقَاعِ الْهَلَكَة وَلَكِنْ التَّرَحُّمُ وَالتَّعَجُّبُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: وَيْح كَلِمَة رَحْمَةٍ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: (وَيْح) لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَة لَا يَسْتَحِقُّهَا فَيُتَرَحَّم عَلَيْهِ وَيُرْثَى لَهُ. (وَيْل) لِلَّذِي يَسْتَحِقُّهَا، وَلَا يُتَرَحَّم عَلَيْهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. كتاب الايمان20.

32. كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
«من حمل علينا السلاح فليس منا»
143- فيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاح فَلَيْسَ مِنَّا»
رَوَاهُ اِبْن عُمَر وَسَلَمَة وَأَبُو مُوسَى وَفِي رِوَايَة سَلَمَة: «مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْف»

 وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَتَقَدَّمَ أَوَّل الْكِتَاب، وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَاعِدَة مَذْهَب أَهْل السَّنَة وَالْفُقَهَاء وَهِيَ أَنَّ مَنْ حَمَلَ السِّلَاح عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٍ، وَلَمْ يَسْتَحِلّهُ فَهُوَ عَاصٍ وَلَا يَكْفُر بِذَلك
/ فَإِنْ اِسْتَحَلَّهُ كَفَرَ::
فَأَمَّا تَأْوِيل الْحَدِيث فَقِيلَ{قلت المدون }: كذالك قال النووي : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَيَكْفُر وَيَخْرُج مِنْ الْمِلَّة،وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا الْكَامِلَة وَهَدْيِنَا. وَكَانَ سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَة رَحِمَهُ اللَّه يَكْرَه قَوْل مَنْ يُفَسِّرُهُ بِلَيْسَ عَلَى هَدْيِنَا، قلت المدون  أيها الناس قولوا لي بحكمكم الذي ستسألون عليه يوم القيامة --أيهما أحكم:  1. قول رسول الله  الذي هو بلا ريبة أو احتمالاتأو شك أو ترجيح ليس فيه أي احتمالات (وهو نص حديث ر سول الله صلي الله عليه وسلم/ أم قول باهت ممتلئاً بالاحتمالات والظن والشك والريبة ومعبرا عنه بلفظ قيل (وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا الْكَامِلَة وَهَدْيِنَا فأسلوب المبني للمجهول أسلوب ممتلاً بالشك والجهالة والريبة ولا يعلم المسلم له أصل ولا يعلم من الذي قال) إضافة إلي مخالفته لمنطوق الحديث الاصلي المحكم المنزل بعلم الله ومنطوق رسول الله صلي الله عليه وسلم)
النص الأصلي
النص المؤول
أيهما أحكم:  1. قول رسول الله  الذي هو بلا ريبة أو احتمالاتأو شك أو ترجيح ليس فيه أي احتمالات (وهو نص حديث ر سول الله صلي الله عليه وسلم
فَأَمَّا تَأْوِيل الْحَدِيث فَقِيلَ{قلت المدون }: كذالك قال النووي : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَيَكْفُر وَيَخْرُج مِنْ الْمِلَّة،  وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا الْكَامِلَة وَهَدْيِنَا. وَكَانَ سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَة رَحِمَهُ اللَّه يَكْرَه قَوْل مَنْ يُفَسِّرُهُ بِلَيْسَ عَلَى هَدْيِنَا،
هو قول حق قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم بوحي السماء وإقرار الله النلك القدوس السلام المؤمن المهيمن

هو قول باهت ممتلئاً بالاحتمالات والظن والشك والريبة ومعبرا عنه بلفظ قيل (وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا الْكَامِلَة وَهَدْيِنَا فأسلوب المبني للمجهول أسلوب ممتلاً بالشك والجهالة والريبة ولا يعلم المسلم له أصل ولا يعلم من الذي قال) إضافة إلي مخالفته لمنطوق الحديث الاصلي المحكم المنزل بعلم الله ومنطوق رسول الله صلي الله عليه وسلم)

فالنص الأصلي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاح فَلَيْسَ مِنَّا»
والنص الأصلي مسندا ورواه الحافظ مسلم بن الحجاج [«من حمل علينا السلاح فليس منا»
143- فيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاح فَلَيْسَ مِنَّا»رَوَاهُ اِبْن عُمَر وَسَلَمَة وَأَبُو مُوسَى وَفِي رِوَايَة سَلَمَة:«مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْف]
والنص المتهرئ المتأول هو  كما قال النووي وأهل التأويل مَعْنَى الْحَدِيث فَتَقَدَّمَ أَوَّل الْكِتَاب، وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَاعِدَة مَذْهَب أَهْل السَّنَة وَالْفُقَهَاء وَهِيَ أَنَّ مَنْ حَمَلَ السِّلَاح عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا تَأْوِيلٍ، وَلَمْ يَسْتَحِلّهُ فَهُوَ عَاصٍ وَلَا يَكْفُر بِذَلك
/ فَإِنْ اِسْتَحَلَّهُ كَفَرَ:: فَأَمَّا تَأْوِيل الْحَدِيث فَقِيلَ  كذالك قال النووي : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَيَكْفُر وَيَخْرُج مِنْ الْمِلَّة، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا الْكَامِلَة وَهَدْيِنَا. وَكَانَ سُفْيَانُ بْن عُيَيْنَة رَحِمَهُ اللَّه يَكْرَه قَوْل مَنْ يُفَسِّرُهُ بِلَيْسَ عَلَى هَدْيِنَا،
أما النص المؤول أقحم علي الدين بألفاظ لا تمت للتشريع الإلهي بذرة حق مثل 1، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتنَا الْكَامِلَة وَهَدْيِنَا 2.قال النووي فَقِيلَ : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ [كده بمزاجه من غير تأويل قلت المدون أنت عارف ما معني أن يؤلف النووي مصطلحات وتأويلات للنوص المحكمة المنزله بعلم الله وعلم رسوله؟؟يحرف بها النصوص المنزلة بإحكام تشريعي إلهي نبوي بحت ويغير مدلول التنزيل الإلهي من عند نفسه ومن هواه ؟؟] دي مصيبة كبري وفتنة أينعت بذورها في القرون اللاحقة علي زمان الخلافات الراشدة بإنصراف المسلمين عن دينهم من بعد الخلافات  الراشدة ومنذ جاء أولئك المشؤمون بمناهج التأويل الباطلة وحرفوا بها الدين حتي صنعوا شرعا موازيا لشريعة الله كله قائم علي المتشابهات والاحتمالات والظن معرضين عن المحكم الثابت المستيقن من شريعة الله وإلي يوم القيامة
السبيل إلي الرشد في النصوص الأصلية حق مستيقن لا يقوم علي الظن والاحتمالات وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم: 27، 28].
السبيل إلي الرشد عندهم في النصوص هو الضلال والإضلالو هو باطل وظن ومتشابهات تقوم علي الظن والاحتمالات وتحريف المعاني للضد.


3 جداول غاية في الأهمية
الجدول في نصوص الزجر وكيف جانب المأولين الصواب
الفرق بين النصوص الإلهية والنبوية الأصلية وتلك التي وقعت في أيدي غلاة التأويلات بلا هوادة  ولا حجة  وغيروا  بتلك التأويلات وجه الشرع الحنيف النقي وأضلوا خلق الله تعالي ومحقوا الخشية ومطالبة الشرع للمسلمين بالتقوي والخوف من الله تعالي والورع إلي مجرد نوافل إن فعلها المسلم فبها ونعمت وإن أهدرها ومات علي إهدارها فهو أيضا من الداخلين الجنة بالشفاعة ما دام قال لا إله إلا الله وإن مات علي المعصية غير تائب منها مصرا عليها
1.
النص  الأصلي
النص المؤول

    النص الأصلي                 
 النص بعد التأويل
نزل كما هو بكلمات الله وكلمات رسوله كما تنزل بالحق والميزان قال تعالي(اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)/سورة الشوري)
فكونه بالحق يعني نزل بمقصود إلهي امتنع فيه اللعب والعبث والتغيير والتحريف والتأويل وكل صفات السلب واستحال فيه أي مثقال وزن من الباطل تم بمقتضاه  نزوله بالحق بقانون التنزيل بالحق والميزان الذي عهده الله تعالي في كل نزول القران بأحرفه وكلماته وعباراته وجمله ودلالاته
*صُنع بإرادة بشرية ليس لها قوة التشريع بل حرمت علي كل بشر أن يشرع ما لم يأذن به الله قال تعالي(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)/سورة الشوري) تم بمقتضاه   تغيير قانون التنزيل بالحق والميزان الذي عهده الله تعالي في كل نزول القران بأحرفه وكلماته وعباراته وجمله ودلالاته. والهوي واتباع الهوي هو طريقهم الي إضلال المسلمين يقول الله -تعالى-: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ * أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد: 13، 14] وقال تعالي((إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم) وقال أيضا(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾ [الجاثية: 23])
من يلتزم بحرفيته لا يأثم حتي لو فرضنا توجهات المؤولين صحيحة وهي لم تصح 
*من سار وتبع كلام المؤولين فهو آثم  متبعا لباطل لم يتنزل بقانون الحق والميزان.
كلمات التشريع للنصوص الأصلية ربانية إلهية حقا أو نبوية عليها نور وجلال النبوة         
كلمات النصوص المؤولة مظلمة ليست ربانية وليست نبوية
نسبة البيان والوضوح والمطالبة باتكليف بها نسبة تامة 100%         
*نسبة البيان فيها معكوسة 100% بحيث انقلب فيها الحق إلي باطل والنفي فيها إلي إثبات كمثل قول النبي صلي الله عليه وسلم  لا يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه انقلب فيها التشريع  إلي  هو مؤمن من لم يأمن جاره بوائقه وزحلقوا النفي علي أعراضه وبعض صفاته أي قالوا  لا يؤمن  إيمانا كاملا فجعلو نفي أصل الإيمان بتأويلاتهم إلي نفي  كمال الإيمان وحولوا مضمون النص الشرعي الأصلي من نفي إلي إثبات وحولوا التوجيه المقصود للذات إلي توجيه مقصود لأعراض الذات 
>النصوص الأصلية للزجر تعمل في مجالين لا ثالث لهما :
المجال الأول هو: مجال تربية المؤمنين في الحياة الدنيا علي الورع والتقوي والخوف من الله  واتقاء المصير في الآخرة والحث علي التوبة مما وصفته النصوص بكونه ذنبا مُحدد العقوبة سلفا  إذا لم يتب المسلم منه
 أما المجال الثاني ولا مجال بعده هو سريان وتفعيل النص ذنبا وعقوبة بعد الموت والناس ازاء هذا المصير الي شأنين   1 . إما تائبين وقابلوا الله علي التوبة فهؤلاء ما أنعم ما سيكونون عليه من رضا ربهم.    2. وإما مذنبين وقابلوا الله مصرين علي ذنوبهم المزجورين بها  في نصوص الزجر هذه ويتحدد مصير كل ميت مزجور بما في نصه ذنبا وعقوبة يوم القيامة لكونه لم يبادر في حياته بالتوبة ومات علي ذنبه مصرا عليه. قلت المدون فهذه غاية ما في نصوص الزجر.. لكن المؤولين تمادوا في انحرافهم عن جادة الأمر وحَمَّلُوا تلك النصوص سوء فهمهم وزعموا أنها تُوجِه لتكفير المزجورين فأولوها إلي نصوصٍ تُكَفِّر صاحبها المسلم لكن بوصفهم: كفر أصغر وشرك أصغر وايمانا غير كامل..ومسلم عاصي .. وهلم جرَّا وخلقوا مصطلحات الكفر دون الكفر والظلم دون الظلم والشرك دون الشرك وزادوا في غفلتهم فأضافوا كفرا لا يخرج من الملة وشركا لا يخرج من الملة وفسقا لا يخرج من الملة وهلم جَرَّا... 
وبالنسبة للشفاعة:غفلوا عن ضوابط الشفاعة كما حدها الله تعالي ورسوله في كتابه وسنة نبييه الصحيحة المتن والسند وإليك نموذجا منها(اضغط:ضوابط حدوث الشفاعة كما أرادها الله عز وجل)
فضوابط أحكام الشفاعة وقواعدها الإلهية
 
القول الفصل في الشفاعة
١.أنها ستكون لمن مات تائبا لقول الله تعالي (ومن لم يتب فأؤلئك هم الظالمون)
وفي الآيات التالية كيف هم الظالمون؟؟ واضغط الرابط *👤*
قال تعالي(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)/سورة الأعراف) قلت المدون واللعن هو الطرد ابدا من رحمة الله فإذا لم يتب المسلم ويموت علي التوبة فهو من الظالمين ويكون مستحقا لجزاء الظالمين كاملاً..
وقوله تعالي(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)/سورة الشوري
قلت المدون اللام هنا في لفظة:
لـــ هم... هي للإختصاص وهو حرف يدل على نسبة الشيء لصاحبة واختصاصه به عن غيره ويحمل معني الملكية أيضا أي لا يمتلكون غير العذاب الأليم وفيها دلالة الأبد في الآخرة.
  وقوله تعالي(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) سورةالشوري
 وقوله تعالي:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)/سورة الجمعة  
 فالظالمون عَهِدَ الله تعالي أنه مضلهم ولا يهديهم فكيف بمن مات مصرا علي ذنبه رافضا التوبة وما بال النووي وأصحابه يقولون: وإن مات عاصيا مصرا علي مغصيته فسيدخل النار ثم يخرج منها فيدخل الجنة؟؟!!
قلت المدون: وفي قول الله والله لا يحب الظالمين .. وماذا بعد أن لا يحبه الله ذلك الذي رفض الموت علي التوبة مصرا عليها إنَّ من لا يحبه الله يَمْقُته ومن يمقته يجعله في نار جهنم خالدا فيها قال تعالي ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ  لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)/سورة غافر

 وقوله تعالي( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ  كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)/سورة غافر

وقال تعالي(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)/سورة الممتحنة.

ثم أنه مات علي قول لا إله إلا الله ولم يُفَعِّلُهَا ولم يعمل بها فوقع في مقت الله أتراه يقولها عبثا تنزه عن ذلك وعلا علوا كبيرا..
وقوله تعالي(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ  وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)/سورة نوح
قلت المدون والظالمون خاسرون وهم يَتْصِفُون لظلمهم: بزيادة الخسران فمن أين يُرجي لهم دخول الجنة أي من أين يُرجي لهم المكسب يوم القيامة وهم خاسرون ممعنون في خسرانهم لموتهم علي العصيان والإصرار عليه فالتبار هو الخسران
وقال تعالي( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) /سورة البقرة
قلت المدون ومن عهد الله أن يُدخل عباده المؤمنين الجنة..لكن الميت علي المعصية غير تائب منها من الظالمين لقوله تعالي (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) والله تعالي بهذه الآية حرم علي الظالمين أن ينالوا عهده ومن عهده الممتنع عليهم دخول الجنة.
وقال تعالي(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)/سورة البقرة.
قلت المدون وما دام الهُدَي محرما علي الظالمين أبدا   فلا يمكن لمن مات علي غير توبة أن يناله ولن يدخل الجنة أبدا من لم ينله، فقولة لا إله إلا الله تحاجه يوم القيامة ولأن من تبعات قولها الصدق في القلب والإخلاص والعمل بحقها والشهادة بنبوة رسول الله وكثيرا من كثير راجع الروابط...
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)/آل عمران
وقال تعالي( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)/آل عمران
*بينما لا يمكن لنصوص الزجر أن تستخدم في صنع أحكام التكفير للمسلمين لأنها فاقدة القدرة علي التكفير بها ولكونها نزلت من الله أو رسوله للتعليم والتربية علي كل ما يرضي الله ورسوله وتَحَدَّدَ تفعيلها فيما بعد الموت ..تجد أصحاب التأويل يتمحكون فيها لتحقيق أغراضهم من تحريف القرآن ووجه الشرع وصُنْعِ شرعٍ بشري نقيضا موازيا لشرع الله عكسا وهم مصممين علي أنها وصفت المسلمين بأفعال الكفر والخروج من الاسلام كحامل السلاح علي المسلمين وخلافه وترَّسوا أنفسهم في ذلك ليلجأوا بذلك إلي صنع مصطلحات لم نجد في العقل والنقل الأصيل شبها لها كقولهم  كفر دون كفر وكفر لا يُخرج من الملة  وكفر  أكبر  وكفر أصغر ومسلم كافر.. وشبيه ذلك في كل أجناس الخطايا كالظلم والفسق والنفاق حيث جعلوا من كل شيء اثنين أكبر وأصغر ..  وتخطوا هذا الباطل إلي أبطل منه فذهبوا يتعدون علي الدَيَّان جل وعلا وتنزه عن باطلهم في شأن عباده في الآخرة ولم يكتفوا بباطلهم في الحياة الدنيا مُتَعَدِّين منحشرين في شأن الآخرة ووضعوا قواعد هي هباء أمام الديان يوم القيامة متنها ينصب علي تصورهم بأن كل من قال لا إله إلا الله ومات- وإن مات عاصيا مصرا علي عصيانه- سيدخل النار قليلا ثم يخرج منها ليدخل الجنة ورسموا للأمة المسلمة خريطة ومسارا من صنعهم صوروا لجموع الأمة الإسلامية صحتها وهي منتهي البطلان وسيأتي بمشيئة الكلام عنها لا حقا ...  

مذهب النووي في تأويل نصوص الزجر
1.   اعتمد النووي علي صياغة حديث أن (من قال لا إله دخل الجنة)حتي دون فعل ولا توبة من معاصية وأكثر من ذلك لو مات علي معصيته مصرا عليها.
2.  اعتبر أن الموحد هو من قال(لا إله إلا الله) لمجرد القول.. وإن ارتكب المعاصي والذنووب ومات مصرا عليها ويكفي أنه موحدا قولا
3. لم يراع النووي أن هذا الحديث الذي أسس عليه شرعا موازيا من النصوص المستخدمة في الزجر أقول موازيا لشرع الله هو حديث شذ به الراوي متفردا مختصرا اياه قاصرا لفظه علي هذه الكلمات وغض الطرف عن النص الكامل للرواية والذي تضمن الصدق فيها والإخلاص بها والعمل بعلمها
4.  استخدم المتشابه من نصوص الزجر والتي استخدمها النووي في صنع مصطلحات الكفر دون كفر وكفر لا يخرج من الملة وخلافه واليك أمثلة :
النصوص الظنية التي اعتمد عليها النووي في صنع هذه المصطلحات :
1. نص من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ..هذا النص جاء التشابه فيه من:
أ) كونه رواية شاذة شذ بها الراوي منفردا مخالفا للثقات الذين رووه بزيادات الصدق واليقين  والإخلاص / وكذا والموت علي أنه لا يشرك بالله شيئا والشيئ هو أقل من مثقال الذرة إلي المجرة وأكبر / وتابع أطراف الحديث بالزيادات الصحيحة التي أهملها النووي واعتمد علي الرواية المختصرة الناقصة في تأسيس شرع كامل موازيا لشرع الله الحق مُهْمِلَاً كل الروايات الصحيحة التي تؤكد أن من مات يشهد أن لا إله إلا الله وحدها لا تكفي لدخول الجنة ولكون التقصير من الراواي المختصر وليس من رسول الله وقد أشار ابو عمرو بن الصلاح عالم مصطلح الحديث لهذا يقينا عندما قال: [قال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.
قلت المدون : وحديث هو بهذا الظن والتشابه كيف يبني النووي عليه شرعا موازيا لشرع الله في حمل كل نصوص الزجر المستيقنة  علي المجاز بدليل ظني متشابه ؟؟!! وإذن فهو هو مبطلٌ لكل تأويلات النووي وأصحابه في حمل القطعي علي الظني كما فعل النووي وأصحابه والصواب هو حمل الظني علي القطعي والمتشابه علي المحكم}
ب)(قلت المدون) وقد رفض أَجَلّ الناس من الحفاظ والورعين والعلماء في المصطلح وأكابر التابعين كسعيد ابن المسيب ةكذلك البخاري وابن الصلاح واورع المتقين الحسن البصري ومن هم علي حق المعرفة بربهم من الخوف والخشية والورع والتقوي معهم وأمثالهم مثل: سعيد ابن المسيب كما لم يوافق الحسن البصري ولا البخاري ولا ابن الصلاح وغيرهم من الأجلَّاءِ الورعين علي: ما قاله النووي وأصحابه: الطحاوي والخطابي (ابو حاتم البستي) والقاضي عياض ومن شاكلهم? ..فكلهم أي سعيد بن المسيب والحسن البصري والبخاري وابن الصلاح والاتقياء الورعين من كبار المسلمين علي رفض هذه التأويلات راجع أقوالهم الآتي بيانها بعد عدة اسطر) وفي تعليل رفض ابن الصلاح لهذه التأويلات قال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره. 
والدلالات التي أهملها النووي واعتمد الحديث الناقص بدونها (كما قال ابو عمرو بن الصلاح) مهملا لها مؤسساً شرعه الموازي بناءا علي تلك الرواية الناقصة هي:
   لا يشرك به شيئا   لم يتند بدم حرام يرجع ذاكم إلى قلب موقن
والحديث المرفوع الذي اخرجه مسلم في صحيحه قال) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي أَيُّوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ ، قَالَ : " كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ ، فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ ، نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ ، ثُمَّ نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ ، جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ ، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ، مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُونَ ! وَاللَّهُ يَقُولُ : إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ  سورة آل عمران آية 192 ،
وَ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا  سورة السجدة آية 20 ، فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ ، قَالَ : ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ ، وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ ، قَالَ : غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ ، أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا ، قَالَ : يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ ، قَالَ : فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ " فَرَجَعْنَا ، قُلْنَا : وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَجَعْنَا ، فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ
قلت المدون ولم يذكر في الحديث أحوالهم عند الممات  لكنني أجزم بوقوع الشفاعة الحق لمن مات تائبا وقابل الله علي توبته Bوقد يقول أحدهم فلما دخول النار ثم الخروج منها ما دام قد مات تائبا
قلت المدون: يلزم للجنة مغفرةة الله لعبده والمغفرة = توبة + كفارة والكفارة تحدث بأحد ثلاثة أشياء 1. إما بعفو الله  أو  بالعمل الصالح في الدنياأو  بالإبتلاء والصبر عليه في الدنيا .. Bفإن وافته المنية تائبا/ولم يعمل الصالحات/ولم يبتلي بالفتنة كالمرض وغيره فيصبر  فالكفارة في الآخرة بدخول النار بقدر تبعات ذنوبه ثم الخروج منها بإذن الله تعالي
الحديث الثاني .
 حديث مسلم قال) وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ ، ثُمَّ يَقُولُ : انْظُرُوا ، مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنَ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا ، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَا ، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ؟ "
قلت المدون : إن وجود مثقال حبة من خردل من إيمان دليل في ذاته علي موت صاحبها تائبا لأن التوبة حرز من الشرك ولو بقدر مثقال الحبة من الخردل من الشرك.
Bوحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ . ح Bوحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ كِلَاهُمَا ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى ، بِهَذَا الإِسْنَادِ وَقَالَا : فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ يُقَالَ لَهُ : الْحَيَاةُ ، وَلَمْ يَشُكَّا ، وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ : كَمَا تَنْبُتُ الْغُثَاءَةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ ، وَفِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ : كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِئَةٍ ، أَوْ حَمِيلَةِ السَّيْلِ
Eحديث أهل النار الذين هم أهلها أخرجه مسلم قال: وحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا ، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ  بِذُنُوبِهِمْ ، أَوَ قَالَ : " بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً ، حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا ، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ قِيلَ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ ، / قلت المدون وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ  بِذُنُوبِهِمْ ، أَوَ قَالَ : " بِخَطَايَاهُمْ .. هو عين ما أمر الله به من فرض توبة المخطئين وأوبة المذنبين لأنه قال تعالي (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) وقد اوردت كيف هو حال الظالمين فراجعه)
Bقال مسلم ..وحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وابْنُ بَشَّارٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ ، إِلَى قَوْلِهِ : فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ .  
قلت المدون  وفي الحديث وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ ، أَوَ قَالَ : " بِخَطَايَاهُمْ..) قلت المدون: ومعلوم أن كل من أذنب من المؤمنين حتما سيتوب وهؤلاء تابوا ثم ماتوا دون أن يُكَفَّرَ عنهم بالاعمال الصالحة أو الابتلاء فيدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة   وليس في الحديث قطع بموتهم علي غير التوبة والأدلة كثيرة فيمن يموت غير تائبا لا يتوب الله عليه..ويكفي قوله تعالي(ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) وفي الظالمين قال تعالي(فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ   لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)/سورة الأعرا)
قلت المدون واللعن هو الطرد ابدا من رحمة الله فإذا لم يتب المسلم ويموت علي التوبة فهو من الظالمين ويكون مستحقا لجزاء الظالمين كاملا 
 وقوله تعالي(وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)/سورة الشوري.
*تأويلات النووي علي مسلم بن الحجاج في شرحة للجامع الصحيح
۱.( من حمل علينا السلاح فليس منا ) قال النووي: صحيح مروي من طرق وقد ذكرها مسلم - رحمه الله - بعد هذا . {قلت المدون ثم قال النووي: ومعناه عند أهل العلم (قلت المدون: هذه العبارة مشهورة عند النووي فقط عندما يريد أن يغير حقيقة النص من أصله إلي معناه المضاد، يعني من كونه نصا مثبتا إلي نصٍ منفيا أو بمعني آخر من نص (ليس منا..) إلي (هو منا لكن فعله هو الذي ليس منا..) أو من نفي الايمان في (لا يؤمن..) إلي إثبات الإيمان في (يؤمن.. لكن المنفي هو كماله) فيقول: أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا، كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله :(لست مني) [قلت المدون ولم ينس النووي أن يختم بهذه الجملة الآتية دائما قبل وبعد مواطن التحريف والتأويل الذي ينتهجها ليؤسس قاعدته في تأويل النصوص الشرعية بالباطل فيقول:..وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول ، كقوله - صلى الله عليه وسلم(من غش فليس منا) وأشباهه] أما قوله الذي يستدل به علي تأويل نصوص الشرع في مسائل الزجر( كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله :(لست مني)  فهو يستدل بمجازٍ بشري أتاحته لغة العرب في بعض ظواهر الحياة الدنيا علي أحكام إلهية منزلة بالحق وبقصد إلهي يبطل فيه التأويل والتجوز لكونه هو الحجة علي الناس يوم القيامة وكونه منزلاً من لدن الله العليم الحكيم السميع البصير بقصد إلهي محدد والله تعالي هو الغني عن استخدام المجاز كما أنه الغني بعلمه عن علوم البشر لكي يؤولوا ما نزله الله بالحق ويوسعون أسوار الألفاظ التي نزلها الله تعالي بالحق وبالحق نزلت بُغْيَة قَلْبِ النص القراني أو النبوي من سلب الإيمان عن المسلم في مواطن الذنب الي إثباته بغير إذن الله تأويلا وتجوزا بالباطل وستأتي نماذج ذلك في الأسطر التالية
قلت المدون وسنذكر النصوص التي أهملها النووي وأطرافها ليتبين للقارئ مدي خطورة الاعتماد علي الرواية   القاصرة  الناقصة والمختصرة التي اعتمد عليها النووي وأصحابه في تأسيس شَرْعِهِم الموازي عكساً لشرع الله المنزل بالحق من لدن حكيم خبير كالاتي:
*قال ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر الله لها
*.قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما على الأرض نفس تموت  لا تشرك بالله شيئا تشهد أني رسول الله   يرجع ذاكم إلى قلب موقن  إلا غفر لها قال قلت أنت سمعت هذا من معاذ بن جبل
* رقم الحديث: 17009/ليس من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئا   لم يتند بدم حرام  إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء
*وطريق معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله شيئا تشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر لها قال قلت أنت سمعت هذا من معاذ بن جبل 
*رقم الحديث: 17009/ليس من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئا لم يتند بدم حرام إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء
وتابع الأطراف المتكاملة عن حديث النوو المختصر فيما يأتي مباشرة هنا↓↓↓↓↓
ذكر الروايات التي تحتوي علي زيادات صحيحة علي لفظ الحديث الذي اعتمد عليه النووي المختصر الشاذ:
 
لا يقولها عبد صادق بها إلا حرمت عليه النار
أنس بن مالك /مسند أحمد بن حنبل [قلت المدون ذكر أنس هنا شرط الصدق لقبول صاحب قول لا إله إلا الله في الجنة وتأكد أن كل الروايات التي اقتصر الرواه فيها علي قولة لا إه إلا الله فقط هي روايات مختصرة وناقصة في السياق والمتن] 6.ومثله عند أحمد ولفظه /20993 حدثنا إسماعيل، حدثنا يونس، عن حميد بن هلال، عن هصان بن الكاهن، قال دخلت المسجد الجامع بالبصرة فجلست إلى شيخ أبيض الرأس واللحية فقال حدثني معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر الله لها  قلت له أنت سمعته من معاذ فكأن القوم عنفوني قال لا تعنفوه ولا تؤنبوه دعوه نعم أنا سمعت ذاك من معاذ يدبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إسماعيل مرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت لبعضهم من هذا قال هذا عبد الرحمن بن سمرة حدثنا عبد الأعلى عن يونس عن حميد بن هلال عن هصان بن الكاهن قال وكان أبوه كاهنا في الجاهلية قال دخلت المسجد في إمارة عثمان بن عفان فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية يحدث عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث‏.‏
Fمن مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة /أنس بن مالك /مسند أحمد بن حنبل [ قلت المدون ذكر أنس قبلا شرط الصدق لقبول صاحب قول لا إله إلا الله في الجنة وتأكد أن كل الروايات التي اقتصر الرواه فيها علي قولة لا إله إلا الله فقط هي روايات مختصرة وناقصة في السياق والمتن لجأ بعض الرواة في إسنادها إلي إما التدليس أو قلة الحفظ وقلة الإتقان ومنها هذا الطريق لأنس]
Fأنس بن مالك /مسند أحمد بن حنبل
[قلت المدون وحديث أنس هو 20994 حدثنا محمد بن أبي عدي، عن الحجاج يعني ابن أبي عثمان، حدثني حميد بن هلال، حدثنا هصان بن الكاهن العدوي، قال جلست مجلسا فيه عبد الرحمن بن سمرة ولا أعرفه قال ثنا معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله شيئا تشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر لها قال قلت أنت سمعت هذا من معاذ بن جبل
Fرقم الحديث: 17009/ليس من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئا لم يتند بدم حرام إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء
Fلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، لَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ حَرَامٍ ، إِلَّا دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ
 أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله عبد مؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة
25..لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله إلا حرم على النار
29.من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه أو يقينا من قلبه لم يدخل النار
جابر بن عبد الله
31.من لقي الله لا يشرك به شيئا يصلي الخمس ويصوم رمضان غفر له قلت أفلا أبشرهم يا رسول الله قال دعهم يعملوا
33.من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله تبارك و الجنة على ما كان من عمل
34من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة
36من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا من قلبه دخل الجنة
37.أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة فخرجنا من عند النبي نبشر الناس فاستقبلنا عمر بن الخطاب فرجع بنا إلى رسول الله فقال عمر يا رسول الله إذا يتكل الناس قال فسكت رسول ا
39.أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة
44.أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحجب عنه الجنة
48.من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة قال قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء
53.من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
54.من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة 55/أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني عبد الله ورسوله ومن لقي الله بهما غير شاك دخل الجنة
56.من قال مثل ما قال هذا يقينا دخل الجنة






2.
بدأنا الجدول السابق بالصف الرأسي النص الأصلي   ثم في الصف الرأسي الثاني بــ النص المؤول والآن أبدأ الجدول الثاني بعكس الترتيب كما يأتي لبيان استكمال أباطيل اصحاب التأويل
ففي الجدول الثاني الآتي في شكل نموذج من حمل علينا السلاح فليس منا:ä


النص المؤول
النص الأصلي
1.هو نص بشري مُحَرَّف بدعوي التأويل أو والمجاز äتبدل فيه حامل السلاح علي المسلمين من كونه  هو الموصوف بنفي الإسلام عنه واعتبر المؤولون أن الموصوف بنفي الإسلام فعله وأعراضه  وليس هو ذاته باطلا..
1.هو نص رباني أو نبوي غير محرف نزل بقصد الله وعلمه محاطا بسور عباراته كما نزل
2.قال النووي وأصحابه يعني هو من المسلمين رغما عن النبي صلي الله عليه وسلم  {مش هم شافوا كده!! حاشا لرسول الله صلوات الله عليه بئس ما رأوا}لكن فعله هو الذي ليس من صفات المسلمين {هكذا سولت لهم أنفسهم ظلما وغطرسة وجبرا..}وهكذا تبدل الوصف من وصف حامل السلاح علي المسلمين بأنه ليس مسلما إلي كونه مسلما لكن فعله هو المراد وصفه بأنه ليس من الإسلام
2.مثاله روي مسلم(حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَا : حَدَّثَنَا يَحْيَي وَهُوَ الْقَطَّانُ . ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ح وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لَهُ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ " مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ ، فَلَيْسَ مِنَّا)
3.والنص المؤول ينفي الإسلام عن Eعرض من أعراضه هو صفة حمل السلاح Eوليس حامل السلاح نفسه
Eفحامل السلاح ذاته أثبتوا له الاسلام الذي نفاه عنه النبي صلي الله عليه وسلم وألصقوا النفي بعرض من أعراضه هو صفة الفاعل وليس الفاعل نفسه
3.فالنص الأصلي ينفي الإسلام عن حامل السلاه ذاته
4.والنص المؤول قد كشف نية المؤولين عن مرادهم ومقصدهم في تحريف النص الأصلي حتي لا يخرج حامل السلاح علي المسلمين من المسلمين والاسلام.
4.والنص الأصلي قد كشف عن مراد الله ورسوله في نفي الإسلام أصلاً عن حامل السلاح علي المسلمين(مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ ، فَلَيْسَ مِنَّا) وسيجد ذلك عندما يوافيه أجله وإن لم يظهر للمسلمين مصيره في الآخرة.
5E.اعتبر المؤولون أن حمل السلاح علي المسلمين من حامليه  أمرا لا ينقص من إسلام أصحابه إلا صفة الكمال لكن أصل الاسلام في نظرهم هو الباقي Eواعتبروا النص كأنه نصٌ سيسمح لهم باستخدامه كنص يصلح لإجراء أحكام بالتكفير Eفوقعوا في منتهي الخطأ وقاموا يحرفون كل نصوص الزجر لهذا السبب  بأنها نصوصا يعني الوصف فيها بنفي الإيمان أو نفي الإسلام من وجهة نظرهم المخطئة واعتقادهم أنها تأمرهم باستخدامها في تكفير المسلمين بقلة فهم فاستحدثوا لذلك مصطلحات لم تكن موجودة أيام النبي صلي الله عليه وسلم مثل Eكفر دون كفر
Eوكفر لا يخرج من الملة
Eوكفر عملي وكفر اعتقادي
Eوكفر أكبر وكفر أصغر  وهكذا بنفس التدرج في سائر المعاصي كالظلم والشرك والفسق والنفاق ..وإلخ.. إلخ
5E.والنص الأصلي قصد الله تعالي به ورسوله بيان خطورة حمل السلاح علي المسلمين وأنه يعني التبرء من الاسلام لكون حمل السلاح ليس مجرد فعل تهويش أو فرد عضلات لكن حامل السلاح علي المسلمين قصد قتالهم فعلا بمجرد حمله السلاح علي المسلمين.
قلت المدون أعرض أصحاب التأويل عن بيان النبي صلي الله عليه وسلم بأنا لم نؤمر
6.اعتبر أصحاب التأويل كالنووي والخطابي والطحاوي والقاضي عياض وغيرهم.. هذه النصوص تأمر بتكفير أصحابها في ظاهر الأمر فمالوا مع اعتبارهم.. وسلموا بكونها كذلك وجعلوا ذلك داعي من دواعي تأويلها
واستخدموا واخترعوا مصطلحات تليق بوصفهم الخاطئ واعتبارهم الباطل في حين أن النبي صلي الله عليه وسلم حدد للتعامل الظاهري غير ما اعتبروه وكانت معه من المسلمين نماذج حكم باسلامهم ظاهريا.. وهم كافرين بنص القران المنزل من رب البرية كأمثال ابن سلول وسائر من حكم الله بكفرهم من المنافقين لكن النبي صلي الله عليه وسلم أُمر أن يُعامل هؤلاء المسلمين ظاهرا والكفار باطنا  بأنهم مسلمون ما داموا يؤدون فروض الظاهر كالصلاة والزكاة وغير ذلك من ظاهر التكاليف التي يحين وقت الوفاء بأدائها وصرح صلي الله عليه وسلم بما لا مواربة فيه كما ورد في كتاب علام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم: محمد بن أبي بكر الزرعي(ابن قيم الجوزية)  قال (فإن قيل : قد أطلتم الكلام في مسألة القصود في العقود ، ونحن نحاكمكم إلى  القرآن والسنة وأقوال الأئمة ، قال الله تعالى حكاية عن نبيه نوح : { ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين } فرتب الحكيم على ظاهر إيمانهم ، ورد علم ما في أنفسهم إلى العالم بالسرائر تعالى.. المتفرد بعلم ذات الصدور وعلم ما في النفوس من علم الغيب ، وقد قال تعالى لرسوله : { ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب } وقد قال صلى الله عليه وسلم : { إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم } وقد قال : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله >فاكتفى منهم بالظاهر ، ووكل سرائرهم إلى الله ،> وكذلك فعل بالذين تخلفوا عنه واعتذروا إليه ، قبل منهم علانيتهم ، ووكل سرائرهم إلى الله عز وجل،> وكذلك كانت سيرته في المنافقين : قبول ظاهر إسلامهم ، ويكل سرائرهم إلى الله عز وجل >وقال تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم }.ولم يجعل لنا علما بالنيات والمقاصد تتعلق الأحكام الدنيوية بها ، فقولنا لا علم لنا به قلت المدون: وقال الشافعي ( فرض الله تعالى على خلقه طاعة نبيه ، ولم يجعل لهم من الأمر شيئا ، فأولى ألا يتعاطوا حكما على غيب أحد بدلالة ولا ظن ; لقصور علمهم من علوم أنبيائه الذين فرض عليهم الوقوف عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره ; فإنه تعالى ظاهر عليهم الحجج ، فما جعل إليهم الحكم في الدنيا إلا بما ظهر من المحكوم عليه ، ففرض على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى يسلموا فتحقن دماؤهم إذا أظهروا الإسلام <وأعلم أنه لا يعلم صدقهم بالإسلام إلا الله ; ثم أطلع الله رسوله على قوم يظهرون الإسلام ويسرون غيره فلم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام ، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروا ; فقال لنبيه{قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا }يعني أسلمنا بالقول مخافة القتل والسبي ، ثم أخبرهم أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله ، يعني إن أحدثوا طاعة الله ورسوله ، وقال في المنافقين وهم صنف ثان : { إذا جاءك المنافقون } إلى قوله : { اتخذوا أيمانهم جنة } يعني جنة من القتل ، وقال : { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم } فأمر بقبول ما أظهروا ، ولم يجعل لنبيه أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإيمان ، وقد أعلم الله نبيه أنهم في الدرك الأسفل من النار ; فجعل حكمه تعالى عليهم على سرائرهم ، وحكم نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم بإظهار التوبة وما قامت عليه بينة من المسلمين وبما أقروا بقوله وما جحدوا من قول الكفر ما لم يقروا به ولم يقم به بينة عليهم ، وقد كذبهم في قولهم في كل ذلك>وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله ، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن يزيد عن عدي بن الخيار : أن { رجلا سار النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يدر ما ساره حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : بلى ، ولا شهادة له ، فقال : أليس يصلي ؟ قال : بلى ، ولا صلاة له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم } ثم ذكر حديث : { أمرت أن أقاتل الناس } ثم قال : فحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم ، وسرائرهم إلى الله العالم بسرائرهم المتولي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكام خلقه)
>وبذلك مضت أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق ، أعلمهم أن جميع أحكامه على ما يظهرون ، والله يدين بالسرائر ، ثم ذكر حديث {عويمر العجلاني في لعانه امرأته ، ثم قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا : لولا ما قضى الله لكان لي فيها قضاء غيره } يعني لولا ما قضى الله من ألا يحكم على أحد إلا باعتراف على نفسه أو بينة ، ولم يعرض لشريك ولا للمرأة ، وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب ، ثم علم بعد أن الزوج هو الصادق 
>ثم ذكر : حديث ركانة أنه طلق امرأته ألبتة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم استحلفه ما أردت إلا واحدة ، فحلف له فردها إليه }، قال : وفي ذلك وغيره دليل على أن حراما على الحاكم {قلت المدون والمسلمين بعده} أن يقضي [قلت المدون هو أو أي أحد من المسلمين] أبدا على أحد من عباد الله  قلت المدون خاصة المسلمين إلا بأحسن ما يظهر ، وإن احتمل ما يظهر غير أحسنه وكانت عليه دلالة على ما يخالف أحسنه <ومن قوله : بلى لما حكم الله في الأعراب الذين  قالوا آمنا وعلم الله أن الإيمان لم يدخل في قلوبهم لما أظهروا من الإسلام <ولما حكم في المنافقين الذين علم أنهم آمنوا ثم كفروا وأنهم كاذبون بما أظهروا من الإيمان بحكم الإسلام ، { وقال في المتلاعنين : أبصروها ، فإن جاءت به كذا وكذا فلا أراه إلا قد صدق عليها فجاءت به كذلك ، ولم يجعل له إليها سبيلا ; إذ لم تقر ولم تقم عليها بينة } . وأبطل في حكم الدنيا عنهما استعمال الدلالة التي لا توجد في الدنيا دلالة بعد دلالة الله على المنافقين والأعراب أقوى مما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في امرأة العجلاني على أن يكون ، ثم كان كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، والأغلب على من{ سمع الفزاري يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : إن امرأتي ولدت غلاما أسود وعرض بالقذف أنه يريد القذف ثم لم يحده النبي صلى الله عليه وسلم >إذ لم يكن التعريض ظاهر قذف ، فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بحكم القذف >والأغلب على من سمع قول ركانة لامرأته : " أنت طالق ألبتة " أنه قد أوقع الطلاق بقوله أنت طالق وأن ألبتة إرادة شيء غير الأول أنه أراد الإبتات بثلاث ، ولكنه لما كان ظاهرا في قوله واحتمل غيره لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بظاهر الطلاق واحدة .
ثم قال: من حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم استدلالا على أن ما أظهروا خلاف ما أبطنوا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة ، وذلك مثل أن يقول قائل : من رجع عن الإسلام ممن ولد عليه قتلته ولم أستتبه ، ومن رجع عنه ممن لم يولد عليه أستتبه ، ولم يحكم الله على عباده إلا حكما واحدا ، ومثله أن يقول : من رجع عن الإسلام ممن أظهر نصرانية أو يهودية أو دينا يظهره كالمجوسية أستتبه فإن أظهر التوبة قبلت منه ، ومن رجع إلى دين خفية لم أستتبه ، وكل قد بدل دين الحق ورجع إلى الكفر ، فكيف يستتاب بعضهم ولا يستتاب بعض ؟ فإن قال : لا أعرف توبة الذي يسر دينه ؟ قيل : ولا يعرفها إلا الله ، وهذا - مع خلافه حكم الله ثم رسوله - كلام محال ، يسأل من قال هذا : هل تدري لعل الذي كان أخفى الشرك يصدق بالتوبة والذي كان أظهر الشرك يكذب بالتوبة ؟ فإن قال : نعم ، قيل : فتدري لعلك قتلت المؤمن الصادق الإيمان واستحييت الكاذب بإظهار الإيمان ؟ فإن قال : ليس علي إلا الظاهر ، قيل : فالظاهر فيهما واحد وقد جعلته اثنين بعلة محالة ، والمنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يظهروا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية بل كانوا يستسرون بدينهم فيقبل منهم ما يظهرون من الإيمان ، فلو كان قائل هذا القول حين خالف السنة أحسن أن يقول شيئا له وجه ، ولكنه يخالفها ويعتل بما لا وجه له ، كأنه يرى أن اليهودية والنصرانية لا تكون إلا بإتيان الكنائس ، أرأيت إن كانوا ببلاد لا كنائس فيها إما يصلون في بيوتهم فتخفى صلاتهم على غيرهم ؟ قال : وما وصفت من حكم الله ثم حكم  رسوله في المتلاعنين يبطل حكم الدلالة التي هي أقوى من الذرائع ، فإذا بطل الأقوى من الدلائل بطل الأضعف من الذرائع كلها ، وبطل الحد في التعريض بالقذف .
Jفإن من الناس من يقول : إذا تشاتم الرجلان فقال أحدهما : " ما أنا بزان ولا أمي بزانية " حد ; لأنه إذا قاله على المشاتمة فالأغلب أنه إنما يريد به قذف الذي يشاتم وأمه ، وإن قاله على غير المشاتمة لم أحده إذا قال : " لم أرد القذف " مع إبطال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم التعريض في حديث الفزاري الذي ولدت امرأته غلاما أسود ، فإن قال قائل : فإن عمر حد في التعريض في مثل هذا ، قيل : استشار أصحابه ، فخالفه بعضهم ، ومع من خالفه ما وصفنا من الدلالة   


6.هذه النصوص جعلها الله ورسوله نصوصا لا تصلح لإجراء ظاهر الأحكام بالتكفير لكنها تُقَوِّمَ سلوك المسلمين وتُرَبِّيِهم علي خشية الله وطاعة رسوله برادع  كون تفعيلها يبدأ من بعد موت أصحابها: فإما تائبين منها أو مقيمين مصرين عليها وجعل الله تعالي أول تفعيلها هو لحظة موت المسلم عليها سلبا أو ايجابا فمن تاب من معصية حمل السلاح علي المسلمين وندم واتقي الله ثم مات علي هذه التوبة فهو من المسلمين وقد نجا من عقوبة ما زجر منه  × ومن مات مُصِرَّاً علي فعله فهو من لحظة موته إلي يوم القيامة ليس من المسلمين شاء الكون كله أم أبي ونهايته ليست الإسلام

7. ولا يصلح التحاكم في الظاهر إلي هذه النصوص ولا يصلح تحويلها إلي نصوص تكفير وحكم في ظاهر الأمر لكونها نصوصا جردها الله تعالي من هذه الصفة وقد شاء سبحانه أن تكون هذه النصوص حقيقة لتربية المسلم علي الخشية من الله وتعلمه للتقوي والورع والخوف من مردودها الحق بعد مماته فهي نصوصاً علي الحقيقة لكن مجردة من تفعيل استخدامها لتكفير المسلمين ظاهريا وهي تصف العلاقة الحقيقية بين العبد المؤمن وربه ومن أمثالها من(قال لأخيه المسلم يا كافر فقد باء بها أحدهما)

8. نماذج منها :
روي مسلم في صحيحه
1.(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ"إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا)
2.وروي أيضا(وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ يَحْيَي بْنِ يَعْمَرَ ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ ، إِلَّا كَفَرَ ، وَمَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ ، أَوَ قَالَ : عَدُوَّ اللَّهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ)
3. ومنها(وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل ابْنُ عُلَيَّةَ . ح وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ كِلَاهُمَا ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ : الرَّجُلُ ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
4. ومنها(حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ جميعا ، عَنْ إِسْمَاعِيل بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل ، قَالَ : أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)وهو كلام النبوة القاطع ليس فيه شك ولا تأويل والشرط الضمني هو إذا مات علي غير توبة من فعله
5. ومنها(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا ، أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " . وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، بِهَذَا الإِسْنَادِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، وَوَكِيعٍ)
6. ومنها(حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ ، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، يَقُولَانِ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) والضمني فيها أنه ينتفي عنه الإيمان حال اتيانه السرقة أو الزنا أو شرب الخمر ثم يعود إليه فور إقلاعه لكنه لا يعود إذا ظل مقيما علي ذنبه مصرا عليه
7. ومنها(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارِ بْنِ الرَّيَّانِ ، وَعَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ . ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ . ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ كُلُّهُمْ ، عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)
8. ولن نحصي كم الأحاديث التي زجرت عباراتها أصحابها وجعل التعويل فيها علي الآخرة ويبدأ تفعيلها كحساب بعد الموت عليه(عياذا بالله) مباشرة

الجدول الثالث كله مقالة تقارن بين 1. معتنقي مذاهب التأويل الذين ضيعوا دين الله الحق بتأويلاتهم   2. وبين أولئك الغلاة الجائرين الظالمين الذين استخدموا نصوص الزجر ذاتها بكونها نصوص تهذيب وتخويف وإعداد للمؤمنين  لملاقاة ربهم علي الوصف الذي أراده سبحانه منهم مقابل حسابهم علي الزجر المقابل لأفعالهم باليقين  إن لاقوه تائبين  فلا عذاب ولا مقابل يحاسبون به غير رحمته  أو   إن لا قوه ميتين غير مستجيبين ومصرين علي عصيان ما طلبه سبحانه  منهم فسيحاسبون بقسوة الزجر الموجود في نص الزجر كما شرعه هو سبحانه  ورسوله وقد خاب وخسر من حمل الأماني وتبع كلا الفريقين :  1. أصحاب التأويل لهذه النصوص      2. وأصحاب التكفير بنفس النصوص
.............
ومقولة إنما نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر  هي مثل رائع لبيان الفرق بين:  محرفي نصوص الشرع بالتأويل والتفريط  والتهوين وبين  غلاة المسلمين باستخدامهم نفس النصوص  للتكفير والقتل والتدمير   وكلاهما  ضيعوا دين الله حتي يرفعه سبحانه بإذنه حين يشاء
  جدول    3.
فقد يظن البعض أن هذا متن حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس الأمر كذلك، ولكن هي كلمة قال معناها الإمام الشافعي فتناقلها بعض الفقهاء بعده على أنها حديث مرفوع، ولكن هي من حيث المعنى صحيحة، وقد دل عليها أدلة شرعية كثيرة
وأولها أن محمدا صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم الموحى إليه من ربه قال يوما للمختصمين عندهإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار» متفق عليه،
EEوقال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد لما قتل في المعركة رجلا قال لا إله إلا الله وزعم أنه قالها خوفا من السلاح أفلا شققت عن قلبه» رواه مسلم وفي رواية لهوكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاء يوم القيامة"
 Eوخلاف الظاهر هو الظن، ومحاولة الكشف عن الباطن ضرب من التجسس Bوقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا) (الحجرات:12)،
Eوهذه القاعدة عظيمة لو وعاها المسلمون وعملوا بها في جميع الميادين في الحكم بين الناس، وفي الحكم عليهم وفي تقويم أعمالهم، ولكن من المسلمين -وهم في غفلة شبه عامة- يحسبون أنهم أذكياء ومن ذوي البصائر النافذة التي تخترق القلوب فتستخرج ما فيها، وتقرأ الغيب في ملامح الوجوه، ولا يعترضن هنا معترض بأن الفراسة والتوسم حق لأننا نقول للفراسة أهلها من الذين نوَّر الله قلوبهم بالعلم والإيمان، وهي مع ذلك لا يجوز الحكم بها؛    1.  لأن الله تولي السرائر وكلف المسلمين بالظواهر..    2   ولأن صاحب الفراسة مهما علا شأنه فلن يبلغ رتبة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يقضي ويحكم بالظاهر بل وينزل الوحي يبين له المنافقين علي الحقيقة لكنه أبي أن يستخدم الحقيقة مكان الظاهر في التعامل المرئي بين المسلمين ، Eقال الشاطبي في الموافقات (2/271):« فإن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصا، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموما أيضا، فإن سيد البشر صلى الله عليه وسلم مع إعلامه بالوحي يجرى الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم وإن علم بواطن أحوالهم ولم يكن ذلك بمخرجة عن جريان الظواهر على ما جرت عليه".
E وهذا دليل آخر على هذا الأصل أعني معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين الذين كان يعلمهم  بل ويبلغ من قبل الوحي بكفرهم الحقيقي –  قلت المدون: لكن الحقيقة لا تصلح في معايير الظاهر - ومع ذلك قبل منهم علانيتهم وعاملهم معاملة المسلمين في الأنكحة والجنائز وغير ذلك، (فكان علي أصحاب التأويل فيما مضي والمتسارعين في حلبة التكفير والتفسيق والتبديع لعباد الله بالباطل والظنون فيما نعيشه ونحياه.. وما سيأتي.. أن ينضبطوا بضوابط الشرع الحنيف الذي من حكم بغير أحكامه الظاهرة كان أحق الناس بأن يكون محكوما عليه لا حاكما، وكلا الفريقين  أخطأ وأساء
 1.      فأصحاب التأويل  اندفعوا بهذا التصور إلي تأويل نصوص الزجر مخافة استخدامها  في المستوي الظاهري فوقعوا في مصيبة تأويل كل نصوص الشرع والعقيدة إلي حد وصف فعلهم بأنهم صنعوا شرعا موازيا لشرع الله فأثبتوا الإيمان لمن نفي الله ورسوله عنه الإيمان  وأثبتوا  السلب  لم أوجب الله ورسوله له الإيجاب   وصارت  معجنة لم يسلم منها كبير ولا صغير إلا من رحم الله 
 2.     وأصحاب التكفير اندفعوا  بعدم علم   وقلة إحاطة باستخدام نفس نصوص الزجر وتهذيب العقيدة لتفعيلها حقيقة في القلوب بما توجه إليه من تقوي لله وخشية له وطاعة وعبادة تضيئ جنبات نفوسهم وتنور  ذات قلوبهم  أقول حولوها  إلي نصوص تصنع من أصحاب هذا التصور قتلة للأطفال والنساء والشيوخ والولدان  ومدمرين لكل كيان بتصورهم  أن نصوص الحقيقة  هذه تطالبهم  بتفعيلها في ظاهر الأمر   وكلا الصنفين أهلكوا الأمة وضيعوا الإسلام وهلكوا إلا من تاب وأناب ..
  أ)       أصحاب مناهج التأويل  فيما مضي كالنووي وأشباهه ..
 ب)   وفيما نحياه ونعاينه أصحاب التكفير بالباطل مستخدمين ذات النصوص  لتكفير الناس
أما    أ) فتلك النظرة التي خاف منها أصحاب التأويل فيما مضي  فاحترزوا  ولجأوا باطلا لتحريف تلك النصوص وإخراجها عن غير مرادها بحيث حولوا   السلب فيها إلي إيجاب  وحطوا الإيجاب فيها إلي موضع الدناءة والوضاعة  /فهونوا علي المسلمين دينهم   /وحطوا  الهيبة والقيمة في نفوسهم  حتي تري المسلم شكلا ::  /يزني /ويقتل /ويسرق /ويفعل كل الموبقات وهو موقن أنه داخل الجنة لا محالة لا لشيئ إلا لأنه قال لا إله إلا الله.هكذا قال علماؤه...ولم يدرك هوؤلاء وأولئكم أن كليهما قد دمر الإسلام ونزع الهيبة والخوف من نفوس المسلمين فصار الدين الإسلامي فاقدا 1) لروحة   2) ونوره  3) وقيامته{بفتح القاف } في أعين كل البشر  وحديثا   صارت الوصمة التي تصم كيانات من تسموا وانتسبوا للإسلام  في أوربا حديثا  أنهم قتلة إرهابييون  وأدي ذلك إلي  اضطهادهم في شتي ربوع بلاد أوربا بل داخل بلادهم  ولا حول ولا قوة إلا بالله
وأيضا  فيما مضي اندفع من تسموا بالعلماء ومذاهب التأويل إلي تبديل الخشية والحذر  والخوف من الله ومن نيرانه  والالتزام بكل تكاليفه كما أمر  سبحانه  إلي شعور بالأمان واطمئنان علي الآخرة والمصير المؤكد الي الجنة  مما دفعهم أن يعايشوا حياتهم الدنيا كاملة لا يفوتهم منها متعة حلال كانت أم حرام  ويأتون كل الموبقات والمعاصي وحتي الكفر والشرك لأن هؤلاء المسمون بالعلماء أوجدوا لهم طريقا إلي الجنة رغما عن كل هذا الفسق والكفر والفجور والعصيان حتي وجدوا لهم تأويلا لما لم يستطيعوا حلَّ عقدته بتأليفهم لمصطلحات غاية الإعتقاد فيها أنه تحقق لهم أمان الآخرة  وأعلي متع الحياة الدنيا فليفعلوا ما يفعلون وليأثموا كل ما يريدون وقد أوجدوا لهم مبررا (هو : قولهم لا إله إلا الله)  كمصطلحات  كفر دون كفر وكفر لا يخرج من الملة وكفر أصغر وكفر أكبر  وعلي هذه الشاكلة وضعوا مصطلحات  للفسق والظلم والشرك وكل الموبقات ختي النفاق ... فلله الأمر من قبل ومن بعد وله الحكم في الأولي والآخرة وهو يحكم بين عباده فيما فيه يختلفون  ..
/ وقد عبَّر علي ذلك  التعبير   وبإقتضاب شديد  شيخ الإسلام ابن تيمية  عن ذلك بقوله:« وإن أردت بالتستر أنهم يجتنون به ويتقون به غيرهم ويتظاهرون به حتى إذا خوطب أحدهم قال أنا على مذهب السلف وهذا الذي أراده والله أعلم، فيقال له لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا فإن كان موافقا له باطنا وظاهرا فهو بمنزلة المؤمن الذي هو على الحق باطنا وظاهرا، وإن كان موافقا له في الظاهر فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق فتقبل منه علانيته وتوكل سريرته إلى الله، فإنا لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس ولا نشق بطونهم « مجموع الفتاوى (4/149).
..............
اضغط الروابط التالية
الفرق بين النصوص الإلهية والنبوية الأصلية وتلك التي وقعت في أيدي غلاة التأويلات بلا هوادة  ولا حجة  وغيروا  بتلك التأويلات وجه الشرع الحنيف النقي وأضلوا خلق الله تعالي ومحقوا الخشية ومطالبة الشرع للمسلمين بالتقوي والخوف من الله تعالي والورع إلي مجرد نوافل إن فعلها المسلم فبها ونعمت وإن أهدرها ومات علي إهدارها فهو أيضا من الداخلين الجنة بالشفاعة ما دام قال لا إله إلا الله وإن مات علي المعصية غير تائب منها مصرا عليها وكذلك ما وقع لغلاة التكفير وفهمهم ..

‏144- سبق شرحه بالباب.
‏145- فِي إِسْنَاد أَبِي مُوسَى لَطِيفَة وَهِيَ أَنَّ إِسْنَاده كُلّهمْ كُوفِيُّونَ وَهُمْ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة، وَعَبْد اللَّه بْن بَرَّاد، وَأَبُو كُرَيْب. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَة عَنْ بُرَيْد عَنْ أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِي مُوسَى. فَأَمَّا (بَرَّاد) فَبِفَتْحِ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَتَشْدِيد الرَّاء وَآخِره دَالٌ. و(أَبُو كُرَيْب) مُحَمَّد بْن الْعَلَاء. و: (أَبُو أُسَامَة) حَمَّاد بْن أُسَامَة. و(بُرَيْد) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة و(أَبُو بُرْدَة) اِسْمه عَامِر وَقِيلَ: الْحَارِثُ. و(أَبُو مُوسَى) عَبْد اللَّه بْن قَيْس. 32. كتاب الايمان
18.كتاب الإيمان باب نهي من اكل ثوما او بصلا او كراثا او نحوها عن حضور المسجد 870- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة يَعْنِي الثَّوْم فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِد» هَذَا تَصْرِيح يَنْهَى مَنْ أَكَلَ الثَّوْم وَنَحْوه عَنْ دُخُول كُلّ مَسْجِد، وَهَذَا مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء: أَنَّ النَّهْي خَاصّ فِي مَسْجِد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض رِوَايَات مُسْلِم: «فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدنَا». وَحُجَّة الْجُمْهُور: «فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِد»، ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَنْ حُضُور الْمَسْجِد، لَا عَنْ أَكْل الثَّوْم وَالْبَصَل وَنَحْوهمَا، فَهَذِهِ الْبُقُول حَلَال بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ، وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض عَنْ أَهْل الظَّاهِر تَحْرِيمهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْنَع عَنْ حُضُور الْجَمَاعَة وَهِيَ عِنْدهمْ فَرْض عَيْن، وَحُجَّة الْجُمْهُور: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيث الْبَاب: «كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي». وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيّهَا النَّاس إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه لِي» قَالَ الْعُلَمَاء: وَيَلْحَق بِالثَّوْمِ وَالْبَصَل وَالْكُرَّاث كُلّ مَا لَهُ رَائِحَة كَرِيهَة مِنْ الْمَأْكُولَات وَغَيْرهَا. قَالَ الْقَاضِي: وَيَلْحَق بِهِ مَنْ أَكَلَ فُجْلًا وَكَانَ يَتَجَشَّى، قَالَ: وَقَالَ اِبْن الْمُرَابِط: وَيَلْحَق بِهِ مَنْ بِهِ بَخَر فِي فيه أَوْ بِهِ جُرْح لَهُ رَائِحَة. قَالَ الْقَاضِي: وَقَاسَ الْعُلَمَاء عَلَى هَذَا مَجَامِع الصَّلَاة غَيْر الْمَسْجِد، كَمُصَلَّى الْعِيد وَالْجَنَائِز وَنَحْوهَا مِنْ مَجَامِع الْعِبَادَات، وَكَذَا مَجَامِع الْعِلْم وَالذِّكْر وَالْوَلَائِم وَنَحْوهَا، وَلَا يَلْتَحِق بِهَا الْأَسْوَاق وَنَحْوهَا.
‏871- قَوْله: صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَة». فيه: تَسْمِيَة الثَّوْم شَجَرًا وَبَقْلًا. قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْبَقْل كُلّ نَبَات اِخْضَرَّتْ بِهِ الْأَرْض.

‏872- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة فَلَا يَقْرَبَنَّا وَلَا يُصَلِّ مَعَنَا» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ: «وَلَا يُصَلِّ» عَلَى النَّهْي، وَوَقَعَ فِي أَكْثَر الْأُصُول: «وَلَا يُصَلِّي» بِإِثْبَاتِ الْيَاء عَلَى الْخَبَر الَّذِي يُرَاد بِهِ النَّهْي، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. فيه: نَهْي مَنْ أَكَلَ الثَّوْم وَنَحْوه عَنْ حُضُور مَجْمَع الْمُصَلِّينَ، وَإِنْ كَانُوا فِي غَيْر مَسْجِد، وَيُؤْخَذ مِنْهُ النَّهْي عَنْ سَائِر مَجَامِع الْعِبَادَات وَنَحْوهَا كَمَا سَبَقَ.
‏873- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدنَا وَلَا يُؤْذِيَنَّا» هُوَ بِتَشْدِيدِ نُون يُؤْذِيَنَّا. وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ، لِأَنِّي رَأَيْت مَنْ خَفَّفَهُ ثُمَّ اِسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ إِثْبَات الْيَاء مَعَ أَنَّ إِثْبَات الْيَاء الْمُخَفَّفَة جَائِز عَلَى إِرَادَة الْخَبَر كَمَا سَبَقَ.
‏874- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ الْمَلَائِكَة تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْس» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِتَشْدِيدِ الذَّال فيهمَا وَهُوَ ظَاهِر، وَوَقَعَ فِي أَكْثَر الْأُصُول: «تَأَذَّى مِمَّا يَأْذَى مِنْهُ الْإِنْس» بِتَخْفِيفِ الذَّال فيهمَا. وَهِيَ لُغَة يُقَال: أَذِيَ يَأْذَى مِثْل عَمِيَ يَعْمَى، وَمَعْنَاهُ: تَأَذَّى. قَالَ الْعُلَمَاء: وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى مَنْع آكِل الثَّوْم وَنَحْوه مِنْ دُخُول الْمَسْجِد- وَإِنْ كَانَ خَالِيًا- لِأَنَّهُ مَحَلّ الْمَلَائِكَة، وَلِعُمُومِ الْأَحَادِيث. ‏875- قَوْله: «أُتِيَ بِقِدْرٍ فيه خَضِرَاتٌ» هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ صَحِيح مُسْلِم كُلّهَا: «بِقِدْرٍ»، وَوَقَعَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَسُنَن أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرهمَا مِنْ الْكُتُب الْمُعْتَمَدَة: «أَتَى بِبَدْرِ» بِبَاءَيْنِ مُوَحَّدَتَيْنِ، قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا هُوَ الصَّوَاب، وَفَسَّرَ الرُّوَاة وَأَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب الْبَدْر بِالطَّبَقِ: قَالُوا: سَمَّى بَدْرًا لِاسْتِدَارَتِهِ كَاسْتِدَارَةِ الْبَدْر.
‏877- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَة الْخَبِيثَة» سَمَّاهَا خَبِيثَة لِقُبْحِ رَائِحَتهَا. قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْخَبِيث فِي كَلَام الْعَرَب الْمَكْرُوه مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل أَوْ مَال أَوْ طَعَام أَوْ شَرَاب أَوْ شَخْص. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيّهَا النَّاس إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَة أَكْرَهُ رِيحهَا» فيه: دَلِيل عَلَى أَنَّ الثَّوْم لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَهُوَ إِجْمَاع مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا سَبَقَ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي الثَّوْم هَلْ كَانَ حَرَامًا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَمْ كَانَ يَتْرُكهُ تَنَزُّهًا. وَظَاهِر هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ يَقُول: الْمُرَاد لَيْسَ لِي أَنْ أُحَرِّم عَلَى أُمَّتِي مَا أَحَلَّ اللَّه لَهَا.

‏878- قَوْله: «مَرَّ عَلَى زَرَّاعَة بَصَل» هِيَ بِفَتْحِ الزَّاي وَتَشْدِيد الرَّاء وَهِيَ الْأَرْضُ الْمَزْرُوعَةُ.
‏879- قَوْله: (حَدَّثَنَا هِشَام قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَالِم بْن أَبِي الْجَعْد عَنْ مَعْدَان بْن أَبِي طَلْحَة أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ خَطَبَ يَوْم الْجُمُعَة) هَذَا الْحَدِيث مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِم، وَقَالَ: خَالَفَ قَتَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيث ثَلَاثَة حُفَّاظ وَهُمْ: مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر، وَحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن، وَعُمَر بْن مُرَّة؛ فَرَوَوْهُ عَنْ سَالِم عَنْ عُمَر مُنْقَطِعًا لَمْ يَذْكُرُوا فيه مَعْدَان. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَتَادَة وَإِنْ كَانَ ثِقَة وَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة عِنْدنَا، فَإِنَّهُ مُدَلِّس، وَلَمْ يَذْكُر فيه سَمَاعه مِنْ سَالِم فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُون بَلَغَهُ عَنْ سَالِم فَرَوَاهُ عَنْهُ، قُلْت هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ قَتَادَةَ وَإِنْ كَانَ مُدَلِّسًا، فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِع مِنْ هَذَا الشَّرْح أَنَّ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ الْمُدَلِّسِينَ وَعَنْعَنُوهُ فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ- مِنْ طَرِيق آخَر- سَمَاع ذَلِكَ الْمُدَلِّس هَذَا الْحَدِيث مِمَّنْ عَنْعَنَهُ عَنْهُ، وَأَكْثَر هَذَا أَوْ كَثِير مِنْهُ يَذْكُر مُسْلِم وَغَيْره سَمَاعه مِنْ طَرِيق آخَر مُتَّصِلًا بِهِ، وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُدَلِّس لَا يُحْتَجّ بِعَنْعَنَتِهِ، كَمَا سَبَقَ بَيَانه فِي الْفُصُول الْمَذْكُورَة فِي مُقَدِّمَة هَذَا الشَّرْح، وَلَا شَكّ عِنْدنَا فِي أَنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى يَعْلَم هَذِهِ الْقَاعِدَة وَيَعْلَم تَدْلِيس قَتَادَةَ، فَلَوْلَا ثُبُوت سَمَاعه عِنْده لَمْ يَحْتَجّ بِهِ، وَمَعَ هَذَا كُلّه فَتَدْلِيسه لَا يَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَذْكُر مَعْدَانًا مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون لَهُ ذِكْر، وَالَّذِي يَخَاف مِنْ الْمُدَلِّس أَنْ يَحْذِف بَعْض الرُّوَاة، أَمَّا زِيَادَة مَنْ لَمْ يَكُنْ فَهَذَا لَا يَفْعَلهُ الْمُدَلِّس، وَإِنَّمَا هَذَا فِعْل الْكَاذِب الْمُجَاهِر بِكَذِبِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَعْدَان زِيَادَة ثِقَة فَيَجِب قَبُولهَا. وَالْعَجَب مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي كَوْنه جَعَلَ التَّدْلِيس مُوجِبًا لِاخْتِرَاعِ ذِكْر رَجُل لَا ذِكْر لَهُ وَنَسَبَهُ إِلَى مِثْل قَتَادَةَ الَّذِي مَحَلّه مِنْ الْعَدَالَة وَالْحِفْظ وَالْعِلْم بِالْغَايَةِ الْعَالِيَة. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق. قَوْله: «وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأْمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِف، وَإِنَّ اللَّه لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّع دِينه وَلَا خِلَافَته» مَعْنَاهُ: إِنْ أَسْتَخْلِف فَحَسَن، وَإِنْ تَرَكْت الِاسْتِخْلَاف فَحَسَن، فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِف؛ لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُضَيِّع دِينه، يُقِيم لَهُ مَنْ يَقُوم بِهِ. قَوْله: «فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْن هَؤُلَاءِ السِّتَّة» مَعْنَى (شُورَى) يَتَشَاوَرُونَ فيه وَيَتَّفِقُونَ عَلَى وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ السِّتَّة: عُثْمَان وَعَلِيّ وَطَلْحَة وَزُبَيْر وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف. وَلَمْ يُدْخِل سَعِيد بْن زَيْد مَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَشَرَة؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقَارِبه، فَتَوَرَّعَ عَنْ إِدْخَاله كَمَا تَوَرَّعَ عَنْ إِدْخَال اِبْنه عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. قَوْله: «وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَقْوَامًا يَطْعَنُونَ فِي هَذَا الْأَمْر» إِلَى قَوْله: «فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْكَفَرَة الضُّلَّال» مَعْنَاهُ: إِنْ اِسْتَحَلُّوا ذَلِكَ فَهُمْ كَفَرَة ضُلَّال، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلُّوا ذَلِكَ فَفِعْلهمْ فِعْل الْكَفَرَة. وَقَوْله: (يَطْعَنُونَ) بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْحهَا وَهُوَ الْأَصَحّ هُنَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا تَكْفِيك آيَة الصَّيْف الَّتِي فِي آخِر سُورَة النِّسَاء» مَعْنَاهُ: الْآيَة الَّتِي نَزَلَتْ فِي الصَّيْف، وَهِيَ قَوْل اللَّه تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَك قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} إِلَى آخِرهَا وَفيه: دَلِيل عَلَى جَوَاز قَوْل: سُورَة النِّسَاء وَسُورَة الْبَقَرَة، وَسُورَة الْعَنْكَبُوت وَنَحْوهَا، وَهَذَا مَذْهَب مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاء، وَالْإِجْمَاع الْيَوْم مُنْعَقِد عَلَيْهِ، وَكَانَ فيه نِزَاع فِي الْعَصْر الْأَوَّل، وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول: لَا يُقَال سُورَة كَذَا، إِنَّمَا يُقَال: السُّورَة الَّتِي يُذْكَرُ فيها كَذَا، وَهَذَا بَاطِل مَرْدُود بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة، وَاسْتِعْمَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ مِنْ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ، وَلَا مَفْسَدَة فيه، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُوم وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله: «لَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحهمَا مِنْ الرَّجُل فِي الْمَسْجِد أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيع» هَذَا فيه: إِخْرَاج مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيح الثَّوْم وَالْبَصَل وَنَحْوهمَا مِنْ الْمَسْجِد وَإِزَالَة الْمُنْكَر بِالْيَدِ لِمَنْ أَمْكَنَهُ. قَوْله: «فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا» مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ أَكْلهمَا فَلْيُمِتْ رَائِحَتهمَا بِالطَّبْخِ، وَإِمَاتَة كُلّ شَيْء كَسْر قُوَّته وَحِدَّته، وَمِنْهُ قَوْلهمْ: قَتَلْت الْخَمْر إِذَا مَزَجَهَا بِالْمَاءِ وَكَسَرَ حِدَّتهَا. 18.كتاب الايمان
.كتبت القسامة 9. باب تغليظ تحريم الدماء والاعراض والاموال 3179- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض: السَّنَة اثْنَيْ عَشَر شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُمٌ، ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات: ذُو الْقَعَدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب شَهْر مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان» أَمَّا ذُو الْقَعْدَة: فَبِفَتْحِ الْقَاف، وَذُو الْحِجَّة بِكَسْرِ الْحَاء هَذِهِ اللُّغَة الْمَشْهُورَة، وَيَجُوز فِي لُغَة قَلِيلَة كَسْر الْقَاف وَفَتْح الْحَاء. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْأَشْهُر الْحُرُم الْأَرْبَعَة هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث، وَلَكِنْ اِخْتَلَفُوا فِي الْأَدَب الْمُسْتَحَبّ فِي كَيْفِيَّة عَدّهَا، فَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة وَأَهْل الْأَدَب: يُقَال: الْمُحَرَّم وَرَجَب وَذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة لِيَكُونَ الْأَرْبَعَة مِنْ سَنَة وَاحِدَة، وَقَالَ عُلَمَاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء: هِيَ ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب، ثَلَاثَة سَرْد وَوَاحِد فَرْد، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، مِنْهَا هَذَا الْحَدِيث الَّذِي نَحْنُ فيه، وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَال أَطْبَقَ النَّاس مِنْ الطَّوَائِف كُلّهَا. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَرَجَب مُضَرَ الَّذِي بَيْن جُمَادَى، وَشَعْبَان» وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ هَذَا التَّقْيِيد مُبَالَغَة فِي إِيضَاحه وَإِزَالَة لِلَّبْسِ عَنْهُ، قَالُوا: وَقَدْ كَانَ بَيْن بَنِي مُضَرَ وَبَيْن رَبِيعَة اِخْتِلَاف فِي رَجَب، فَكَانَتْ مُضَرَ تَجْعَل رَجَبًا هَذَا الشَّهْر الْمَعْرُوف الْآن، وَهُوَ الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان، وَكَانَتْ رَبِيعَة تَجْعَلهُ رَمَضَان، فَلِهَذَا أَضَافَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُضَرَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ أَكْثَر مِنْ غَيْرهمْ، وَقِيلَ: إِنَّ الْعَرَب كَانَتْ تُسَمِّي رَجَبًا وَشَعْبَان الرَّجَبَيْنِ، وَقِيلَ: كَانَتْ تُسَمِّي جُمَادَى وَرَجَبًا جَمَادَيْنِ، وَتُسَمِّي شَعْبَان رَجَبًا. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض» فَقَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّة يَتَمَسَّكُونَ بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيم الْأَشْهُر الْحُرُم، وَكَانَ يَشُقّ عَلَيْهِمْ تَأْخِير الْقِتَال ثَلَاثَة أَشْهُر مُتَوَالِيَات، فَكَانُوا إِذَا اِحْتَاجُوا إِلَى قِتَال أَخَّرُوا تَحْرِيم الْمُحَرَّم إِلَى الشَّهْر الَّذِي بَعْده وَهُوَ صَفَر، ثُمَّ يُؤَخِّرُونَهُ فِي السَّنَة الْأُخْرَى إِلَى شَهْر آخَر، وَهَكَذَا يَفْعَلُونَ فِي سَنَة بَعْد سَنَة، حَتَّى اِخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ الْأَمْر، وَصَادَفَتْ حَجَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمهمْ، وَقَدْ تَطَابَقَ الشَّرْع، وَكَانُوا فِي تِلْكَ السَّنَة قَدْ حَرَّمُوا ذَا الْحِجَّة لِمُوَافَقَةِ الْحِسَاب الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الِاسْتِدَارَة صَادَفَتْ مَا حَكَمَ اللَّه تَعَالَى بِهِ يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانُوا يَنْسَئُونَ، أَيْ: يُؤَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فيه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَة فِي الْكُفْر} فَرُبَّمَا اِحْتَاجُوا إِلَى الْحَرْب فِي الْمُحَرَّم، فَيُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمه إِلَى صَفَر، ثُمَّ يُؤَخِّرُونَ صَفَر فِي سَنَة أُخْرَى، فَصَادَفَ تِلْكَ السَّنَة رُجُوع الْمُحَرَّم إِلَى مَوْضِعه. وَذَكَرَ الْقَاضِي وُجُوهًا أُخَر فِي بَيَان مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ وَيُنْكَر بَعْضهَا. قَوْله: «ثُمَّ قَالَ: أَيّ شَهْر هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اِسْمه، قَالَ: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّة؟ قُلْنَا. بَلَى، قَالَ: فَأَيّ بَلَد هَذَا؟ قُلْنَا. اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم إِلَى آخِره» هَذَا السُّؤَال وَالسُّكُوت وَالتَّفْسِير أَرَادَ بِهِ التَّفْخِيم وَالتَّقْرِير وَالتَّنْبِيه عَلَى عِظَم مَرْتَبَة هَذَا الشَّهْر وَالْبَلَد وَالْيَوْم، وَقَوْلهمْ: «اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم». هَذَا مِنْ حُسْن أَدَبهمْ، وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ الْجَوَاب فَعَرَفُوا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد مُطْلَق الْإِخْبَار بِمَا يَعْرِفُونَ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ حَرَام عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمكُمْ هَذَا فِي بَلَدكُمْ هَذَا فِي شَهْركُمْ هَذَا» الْمُرَاد بِهَذَا كُلّه: بَيَان تَوْكِيد غِلَظ تَحْرِيم الْأَمْوَال وَالدِّمَاء وَالْأَعْرَاض وَالتَّحْذِير مِنْ ذَلِكَ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي ضُلَّالًا يَضْرِب بَعْضكُمْ رِقَاب بَعْض» هَذَا الْحَدِيث سَبَقَ شَرْحه فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي أَوَّل الْكِتَاب، وَذِكْر بَيَان إِعْرَابه، وَأَنَّهُ لَا حُجَّة فيه لِمَنْ يَقُول بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَعَاصِي، بَلْ الْمُرَاد بِهِ كُفْرَان النِّعَم، أَوْ هُوَ مَحْمُول عَلَى مَنْ اِسْتَحَلَّ قِتَال الْمُسْلِمِينَ بِلَا شُبْهَة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيُبَلِّغ الشَّاهِد الْغَائِب» فيه: وُجُوب تَبْلِيغ الْعِلْم، وَهُوَ فَرْض كِفَايَة، فَيَجِبُ تَبْلِيغه بِحَيْثُ يَنْتَشِر. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَعَلَّ بَعْض مَنْ يَبْلُغهُ يَكُون أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْض مَنْ سَمِعَهُ» اِحْتَجَّ بِهِ الْعُلَمَاء لِجَوَازِ رِوَايَة الْفُضَلَاء وَغَيْرهمْ مِنْ الشُّيُوخ الَّذِينَ لَا عِلْم لَهُمْ عِنْدهمْ وَلَا فِقْه، إِذَا ضَبَطَ مَا يُحَدِّث بِهِ.
 ‏3180- قَوْله: «قَعَدَ عَلَى بَعِيره وَأَخَذَ إِنْسَان بِخِطَامِهِ» إِنَّمَا أَخَذَ بِخِطَامِهِ لِيَصُونَ الْبَعِير مِنْ الِاضْطِرَاب عَلَى صَاحِبه، وَالتَّهْوِيش عَلَى رَاكِبه، وَفيه: دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب الْخُطْبَة عَلَى مَوْضِع عَالٍ مِنْ مِنْبَر وَغَيْره، سَوَاء خُطْبَة الْجُمُعَة وَالْعِيد وَغَيْرهمَا، وَحِكْمَته أَنَّهُ كُلَّمَا اِرْتَفَعَ كَانَ أَبْلَغ فِي إِسْمَاعه النَّاس وَرُؤْيَتهمْ إِيَّاهُ، وَوُقُوع كَلَامه فِي نُفُوسهمْ. قَوْله: «اِنْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا وَإِلَى جُزَيْعَة مِنْ الْغَنَم فَقَسَمَهَا بَيْننَا» اِنْكَفَأَ بِهَمْزِ آخِره، أَيْ: اِنْقَلَبَ، وَالْأَمْلَح: هُوَ الَّذِي فيه بَيَاض وَسَوَاد وَالْبَيَاض أَكْثَر، وَقَوْله: (جُزَيْعَة) بِضَمِّ الْجِيم وَفَتْح الزَّاي، وَرَوَاهُ بَعْضهمْ (جَزِيعَة) بِفَتْحِ الْجِيم وَكَسْر الزَّاي وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور فِي رِوَايَة الْمُحَدِّثِينَ، وَهُوَ الَّذِي ضَبَطَهُ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة، وَهِيَ الْقِطْعَة مِنْ الْغَنَم تَصْغِير جِزْعَة بِكَسْرِ الْجِيم، وَهِيَ الْقَلِيل مِنْ الشَّيْء، يُقَال جَزَعَ لَهُ مِنْ مَاله أَيْ: قَطَعَ، وَبِالثَّانِي ضَبَطَهُ اِبْن فَارِس فِي الْمُجْمَل، قَالَ: وَهِيَ الْقِطْعَة مِنْ الْغَنَم، كَأَنَّهَا فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة كَضَفِيرَةٍ بِمَعْنَى مَضْفُورَة، قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: قَوْله: (ثُمَّ اِنْكَفَأَ) إِلَى آخِر الْحَدِيث، وَهْم مِنْ اِبْن عَوْن فِيمَا قِيلَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ اِبْن سِيرِينَ عَنْ أَنَس فَأَدْرَجَهُ اِبْن عَوْن هُنَا فِي هَذَا الْحَدِيث، فَرَوَاهُ عَنْ اِبْن سِيرِينَ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ هَذَا الْحَدِيث عَنْ اِبْن عَوْن، فَلَمْ يَذْكُر فيه هَذَا الْكَلَام فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ عَمْدًا، وَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوب وَقُرَّة عَنْ اِبْن سِيرِينَ فِي كِتَاب مُسْلِم فِي هَذَا الْبَاب، وَلَمْ يَذْكُرُوا فيه هَذِهِ الزِّيَادَة، قَالَ الْقَاضِي: وَالْأَشْبَه أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيث آخَر فِي خُطْبَة عِيد الْأَضْحَى، فَوَهَمَ فيها الرَّاوِي، فَذَكَرَهَا مَضْمُومَة إِلَى خُطْبَة الْحَجَّة، أَوْ هُمَا حَدِيثَانِ ضُمَّ أَحَدهمَا إِلَى الْآخَر، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم هَذَا بَعْد هَذَا فِي كِتَاب الضَّحَايَا مِنْ حَدِيث أَيُّوب وَهِشَام عَنْ اِبْن سِيرِينَ عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، فَأَمَرَ مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْل الصَّلَاة أَنْ يُعِيد، ثُمَّ قَالَ فِي آخِر الْحَدِيث: «فَانْكَفَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا فَقَامَ النَّاس إِلَى غُنَيْمَة فَتَوَزَّعُوهَا» فَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ دَافِعٌ لِلْإِشْكَالِصِحَّةِ الإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ وَتَمْكِينِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ مِنَ الْقِصَاصِ وَاسْتِحْبَابِ طَلَبِ الْعَفْوِ مِنْهُ:3181- قَوْله: «جَاءَ رَجُل يَقُود آخَر بِنِسْعَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه هَذَا قَتَلَ أَخِي، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقَتَلْته؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِف أَقَمْت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، قَالَ: نَعَمْ قَتَلْته، قَالَ: كَيْف قَتَلْته؟ قَالَ: كُنْت أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِط مِنْ شَجَرَة فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي فَضَرَبْته بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنه فَقَتَلْته». أَمَّا النِّسْعَة: فَبِنُونٍ مَكْسُورَة ثُمَّ سِين سَاكِنَة ثُمَّ عَيْن مُهْمَلَة وَهِيَ حَبْل مِنْ جُلُود مَضْفُورَة. وَقَرْنه: جَانِب رَأْسه. وَقَوْله: «يَخْتَبِط» أَيْ يَجْمَع الْخَبْط، وَهُوَ وَرِق الثَّمَر بِأَنْ يَضْرِب الشَّجَر بِالْعَصَا فَيَسْقُط وَرَقه فَيَجْمَعهُ عَلَفًا. وَفِي هَذَا الْحَدِيث: الْإِغْلَاظ عَلَى الْجُنَاة وَرَبْطهمْ وَإِحْضَارهمْ إِلَى وَلِيّ الْأَمْر. وَفيه: سُؤَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَاب الدَّعْوَى، فَلَعَلَّهُ يُقِرّ فَيَسْتَغْنِي الْمُدَّعِي وَالْقَاضِي عَنْ التَّعَب فِي إِحْضَار الشُّهُود وَتَعْدِيلهمْ، وَلِأَنَّ الْحُكْم بِالْإِقْرَارِ حُكْم بِيَقِينٍ، وَبِالْبَيِّنَةِ حُكْم بِالظَّنِّ. وَفيه: سُؤَال الْحَاكِم وَغَيْره الْوَلِيّ عَنْ الْعَفْو عَنْ الْجَانِي. وَفيه جَوَاز الْعَفْو بَعْد بُلُوغ الْأَمْر إِلَى الْحَاكِم. وَفيه: جَوَاز أَخْذ الدِّيَة فِي قَتْل الْعَمْد؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَام الْحَدِيث: «هَلْ لَك مِنْ شَيْء تُؤَدِّيه عَنْ نَفْسك؟» وَفيه: قَبُول الْإِقْرَار بِقَتْلِ الْعَمْد. قَوْله: «فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُل، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْله، فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه بَلَغَنِي إِنَّك قُلْت: إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْله، وَأَخَذْته بِأَمْرِك، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا تُرِيد أَنْ يَبُوء بِإِثْمِك وَإِثْم صَاحِبك؟ قَالَ: يَا نَبِيّ اللَّه لَعَلَّهُ قَالَ بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاك قَالَ: فَرَمَى بِنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيله». وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «إِنَّهُ اِنْطَلَقَ بِهِ فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّار». أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَتَلَهُ فَهُوَ مِثْله» فَالصَّحِيح فِي تَأْوِيله أَنَّهُ مِثْله فِي أَنَّهُ لَا فَضْل وَلَا مِنَّة لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَر؛ لِأَنَّهُ اِسْتَوْفَى حَقّه مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَفَى عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ الْفَضْل وَالْمِنَّة وَجَزِيل ثَوَاب الْآخِرَة، وَجَمِيل الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: فَهُوَ مِثْله فِي أَنَّهُ قَاتَلَ، وَإِنْ اِخْتَلَفَا فِي التَّحْرِيم وَالْإِبَاحَة، لَكِنَّهُمَا اِسْتَوَيَا فِي إِطَاعَتهمَا الْغَضَب وَمُتَابَعَة الْهَوَى، لاسيما وَقَدْ طَلَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ الْعَفْو، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ بِهَذَا اللَّفْظ الَّذِي هُوَ صَادِق فيه لِإِيهَامِ لِمَقْصُودٍ صَحِيح، وَهُوَ أَنَّ الْوَلِيّ رُبَّمَا خَافَ فَعَفَا، وَالْعَفْو مَصْلَحَة لِلْوَلِيِّ وَالْمَقْتُول فِي دِيَتهمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَبُوء بِإِثْمِك وَإِثْم صَاحِبك». وَفيه: مَصْلَحَة لِلْجَانِي وَهُوَ إِنْقَاذه مِنْ الْقَتْل، فَلَمَّا كَانَ الْعَفْو مَصْلَحَة تَوَصَّلَ إِلَيْهِ بِالتَّعْرِيضِ، وَقَدْ قَالَ الضَّمْرِيّ وَغَيْره مِنْ عُلَمَاء أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ: يُسْتَحَبّ لِلْمُفْتِي إِذَا رَأَى مَصْلَحَة فِي التَّعْرِيض لِلْمُسْتَفْتِي أَنْ يُعَرِّض تَعْرِيضًا يَحْصُل بِهِ الْمَقْصُود، مَعَ أَنَّهُ صَادِق فيه، قَالُوا: وَمِثَاله أَنْ يَسْأَلهُ إِنْسَان عَنْ الْقَاتِل، هَلْ لَهُ تَوْبَة؟ وَيَظْهَر لِلْمُفْتِي بِقَرِينَةٍ أَنَّهُ إِنْ أَفْتَى بِأَنَّ لَهُ تَوْبَة تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَفْسَدَة، وَهِيَ أَنَّ السَّائِل يَسْتَهْوِنُ الْقَتْل لِكَوْنِهِ يَجِد بَعْد ذَلِكَ مِنْهُ مَخْرَجًا، فَيَقُول الْمُفْتِي الْحَالَة هَذِهِ: صَحَّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: لَا تَوْبَة لِقَاتِلٍ، فَهُوَ صَادِق فِي أَنَّهُ صَحَّ عَنْ اِبْن عَبَّاس، وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي لَا يَعْتَقِد ذَلِكَ، وَلَا يُوَافِق اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة، لَكِنَّ السَّائِل إِنَّمَا يُفْهَم مِنْهُ مُوَافَقَته اِبْن عَبَّاس فَيَكُون سَبَبًا لِزَجْرِهِ، فَهَكَذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَنْ يَسْأَل عَنْ الْغِيبَة فِي الصَّوْم، وَهَلْ يُفْطِر بِهَا؟ فَيَقُول: جَاءَ فِي الْحَدِيث: «الْغِيبَة تُفْطِر الصَّائِم» وَاللَّهُ أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تُرِيد أَنْ يَبُوء بِإِثْمِك وَإِثْم صَاحِبك» فَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَتَحَمَّل إِثْم الْمَقْتُول بِإِتْلَافِهِ مُهْجَته، وَإِثْم الْوَلِيّ لِكَوْنِهِ فَجَعَهُ فِي أَخِيهِ، وَيَكُون قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فِي هَذَا الرَّجُل خَاصَّة، وَيَحْتَمِل أَنَّ مَعْنَاهُ يَكُون عَفْوُكَ عَنْهُ سَبَبًا لِسُقُوطِ إِثْمك وَإِثْم أَخِيك الْمَقْتُول، وَالْمُرَاد إِثْمهمَا السَّابِق بِمَعَاصٍ لَهُمَا مُتَقَدِّمَة لَا تَعَلُّق لَهَا بِهَذَا الْقَاتِل، فَيَكُون مَعْنَى يَبُوء: يَسْقُط، وَأُطْلِقَ هَذَا اللَّفْظ عَلَيْهِ مَجَازًا قَالَ الْقَاضِي: وَفِي الْحَدِيث: أَنَّ قَتْل الْقِصَاص لَا يُكَفِّر ذَنْب الْقَاتِل بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ كَفَّرَهَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: «فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ» وَيَبْقَى حَقّ الْمَقْتُول. وَاللَّهُ أَعْلَم.
 ‏3182- «قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّار» فَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ فِي هَذَيْنِ، فَكَيْف تَصِحّ إِرَادَتهمَا مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَهُ لِيَقْتُلهُ بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ الْمُرَاد غَيْرهمَا، وَهُوَ إِذَا اِلْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفيهمَا فِي الْمُقَاتَلَة الْمُحَرَّمَة كَالْقِتَالِ عَصَبِيَّة وَنَحْو ذَلِكَ، فَالْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّار، وَالْمُرَاد بِهِ التَّعْرِيض كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَسَبَب قَوْله مَا قَدَّمْنَاهُ لِكَوْنِ الْوَلِيّ يَفْهَم مِنْهُ دُخُوله فِي مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا تَرَكَ قَتْله فَحَصَلَ الْمَقْصُود. وَاللَّهُ أَعْلَم. . 9.
13.كتاب الجنة باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء 5082- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحَاجَّتْ النَّار وَالْجَنَّة» إِلَى آخِره، هَذَا الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره، وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّار وَالْجَنَّة تَمْيِيزًا تُدْرَكَانِ بِهِ فَتَحَاجَّتَا، وَلَا يَلْزَم مِنْ هَذَا أَنْ يَكُون ذَلِكَ التَّمْيِيز فيهمَا دَائِمًا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَالَتْ الْجَنَّة: فَمَا لِي لَا يَدْخُلنِي إِلَّا ضُعَفَاء النَّاس وَسَقَطهمْ وَعَجَزهمْ؟» أَمَّا (سَقَطهمْ): فَبِفَتْحِ السِّين وَالْقَاف، أَيْ: ضُعَفَاؤُهُمْ وَالْمُحْتَقَرُونَ مِنْهُمْ، وَأَمَّا (عَجَزهمْ) بِفَتْحِ الْعَيْن وَالْجِيم جَمْع عَاجِز، أَيْ: الْعَاجِزُونَ عَنْ طَلَب الدُّنْيَا وَالتَّمَكُّن فيها وَالثَّرْوَة وَالشَّوْكَة، وَأَمَّا الرِّوَايَة رِوَايَة مُحَمَّد بْن رَافِع فَفيها: «لَا يَدْخُلنِي إِلَّا ضِعَاف النَّاس وَغِرَّتهمْ» فَرُوِيَ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه حَكَاهَا الْقَاضِي وَهِيَ مَوْجُودَة فِي النُّسَخ إِحْدَاهَا (غَرَثهمْ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَفْتُوحَة وَثَاء مُثَلَّثَة، قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ مِنْ شُيُوخنَا، وَمَعْنَاهَا: أَهْل الْحَاجَة وَالْفَاقَة وَالْجُوع، وَالْغَرَث: الْجُوع. وَالثَّانِي: (عَجَزَتهمْ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة وَجِيم وَزَاي وَتَاء، جَمْع عَاجِز كَمَا سَبَقَ. وَالثَّالِث: (غِرَّتهمْ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَكْسُورَة وَرَاء مُشَدَّدَة وَتَاء مُثَنَّاة فَوْق، وَهَكَذَا هُوَ الْأَشْهَر فِي نُسَخ بِلَادنَا، أَيْ: الْبُلْه الْغَافِلُونَ، الَّذِينَ لَيْسَ بِهِمْ فَتْك وَحِذْق فِي أُمُور الدُّنْيَا. وَهُوَ نَحْو الْحَدِيث الْآخَر: «أَكْثَر أَهْل الْجَنَّة الْبُلْه» قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ سَوَاد النَّاس وَعَامَّتهمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان، الَّذِينَ لَا يَفْطِنُونَ لِلسُّنَّةِ، فَيَدْخُل عَلَيْهِمْ الْفِتْنَة، أَوْ يُدْخِلهُمْ فِي الْبِدْعَة أَوْ غَيْرهَا، فَهُمْ ثَابِتُو الْإِيمَان، وَصَحِيحُوا الْعَقَائِد، وَهُمْ أَكْثَر الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ أَكْثَر أَهْل الْجَنَّة. وَأَمَّا الْعَارِفُونَ وَالْعُلَمَاء الْعَامِلُونَ، وَالصَّالِحُونَ الْمُتَعَبِّدُونَ، فَهُمْ قَلِيلُونَ، وَهُمْ أَصْحَاب الدَّرَجَات، قَالَ: وَقِيلَ: مَعْنَى الضُّعَفَاء هُنَا وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «أَهْل الْجَنَّة كُلّ ضَعِيف مُتَضَعِّف» أَنَّهُ الْخَاضِع لِلَّهِ تَعَالَى، الْمُذِلّ نَفْسه لَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى، ضِدّ الْمُتَجَبِّر الْمُسْتَكْبِر. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتَقُول قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئ وَيُزْوَى بَعْضهَا إِلَى بَعْض» مَعْنَى (يُزْوَى) يُضَمّ بَعْضهَا إِلَى بَعْض فَتَجْتَمِع وَتَلْتَقِي عَلَى مَنْ فيها، وَمَعْنَى (قَطُّ) حَسْبِي، أَيْ: يَكْفِينِي هَذَا، وَفيه ثَلَاث لُغَات: قَطْ قَطْ بِإِسْكَانِ الطَّاء فيهمَا، وَبِكَسْرِهَا مُنَوَّنَة، وَغَيْر مُنَوَّنَة.
 ‏5083- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَمَّا النَّار فَلَا تَمْتَلِئ حَتَّى يَضَع اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْله» وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا: «لَا تَزَال جَهَنَّم تَقُول هَلْ مِنْ مَزِيد حَتَّى يَضَع فيها رَبّ الْعِزَّة تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمه فَتَقُول: قَطْ قَطْ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُولَى: «فَيَضَع قَدَمه عَلَيْهَا» هَذَا الْحَدِيث مِنْ مَشَاهِير أَحَادِيث الصِّفَات، وَقَدْ سَبَقَ مَرَّات بَيَان اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فيها عَلَى مَذْهَبَيْنِ:أَحَدهمَا: وَهُوَ قَوْل جُمْهُور السَّلَف وَطَائِفَة مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ: أَنَّهُ لَا يُتَكَلَّم فِي تَأْوِيلهَا بَلْ نُؤْمِن أَنَّهَا حَقّ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّه، وَلَهَا مَعْنَى يَلِيق بِهَا، وَظَاهِرهَا غَيْر مُرَاد. وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْل جُمْهُور الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا تُتَأَوَّل بِحَسَبِ مَا يَلِيق بِهَا، فَعَلَى هَذَا اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث، فَقِيلَ: الْمُرَاد بِالْقَدَمِ هُنَا الْمُتَقَدِّم، وَهُوَ شَائِع فِي اللُّغَة وَمَعْنَاهُ: حَتَّى يَضَع اللَّه تَعَالَى فيها مَنْ قَدَّمه لَهَا مِنْ أَهْل الْعَذَاب، قَالَ الْمَازِرِيّ وَالْقَاضِي: هَذَا تَأْوِيل النَّضْر بْن شُمَيْلٍ، وَنَحْوه عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَاد قَدَم بَعْض الْمَخْلُوقِينَ، فَيَعُود الضَّمِير فِي قَدَمه إِلَى ذَلِكَ الْمَخْلُوق الْمَعْلُوم. الثَّالِث: أَنَّهُ يُحْتَمَل أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَات مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَة، وَأَمَّا الرِّوَايَة الَّتِي فيها: «يَضَع اللَّه فيها رِجْله» فَقَدْ زَعَمَ الْإِمَام أَبُو بَكْر بْن فَوْرك أَنَّهَا غَيْر ثَابِتَة عِنْد أَهْل النَّقْل، وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهَا مُسْلِم وَغَيْره فَهِيَ صَحِيحَة وَتَأْوِيلهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْقَدَم، وَيَجُوز أَيْضًا أَنْ يُرَاد بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَة مِنْ النَّاس، كَمَا يُقَال: رِجْل مِنْ جَرَاد، أَيْ: قِطْعَة مِنْهُ، قَالَ الْقَاضِي: أَظْهَر التَّأْوِيلَات أَنَّهُمْ قَوْم اِسْتَحَقُّوهَا، وَخُلِقُوا لَهَا، قَالُوا: ولابد مِنْ صَرْفه عَنْ ظَاهِره؛ لِقِيَامِ الدَّلِيل الْقَطْعِيّ الْعَقْلِيّ عَلَى اِسْتِحَالَة الْجَارِحَة عَلَى اللَّه تَعَالَى. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَظْلِم اللَّه مِنْ خَلْقه أَحَدًا» قَدْ سَبَقَ مَرَّات بَيَان أَنَّ الظُّلْم مُسْتَحِيل فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى، فَمَنْ عَذَّبَهُ بِذَنْبٍ أَوْ بِلَا ذَنْب فَذَلِكَ عَدْل مِنْهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَمَّا الْجَنَّة فَإِنَّ اللَّه يُنْشِئ لَهَا خَلْقًا» هَذَا دَلِيل لِأَهْلِ السُّنَّة أَنَّ الثَّوَاب لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْأَعْمَال، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُخْلَقُونَ حِينَئِذٍ، وَيُعْطَوْنَ فِي الْجَنَّة مَا يُعْطَوْنَ بِغَيْرِ عَمَل، وَمِثْله أَمْر الْأَطْفَال وَالْمَجَانِين الَّذِينَ لَمْ يَعْمَلُوا طَاعَة قَطُّ، فَكُلّهمْ فِي الْجَنَّة بِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى وَفَضْله. وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلِيل عَلَى عِظَم سَعَة الْجَنَّة، فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيح: أَنَّ لِلْوَاحِدِ فيها مِثْل الدُّنْيَا وَعَشْرَة أَمْثَالهَا، ثُمَّ يَبْقَى فيها شَيْء لِخَلْقٍ يُنْشِئهُمْ اللَّه تَعَالَى.
‏5087- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ كَبْش فَيُوقَف بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار فَيُذْبَح ثُمَّ يُقَال: خُلُود فَلَا مَوْت» قَالَ الْمَازِرِيّ: الْمَوْت عِنْد أَهْل السُّنَّة عَرَض يُضَادّ الْحَيَاة، وَقَالَ بَعْض الْمُعْتَزِلَة: لَيْسَ بِعَرَضٍ؛ بَلْ مَعْنَاهُ: عَدَم الْحَيَاة، وَهَذَا خَطَأ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَ الْمَوْت وَالْحَيَاة} فَأَثْبَتَ الْمَوْت مَخْلُوقًا، وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لَيْسَ الْمَوْت بِجِسْمٍ فِي صُورَة كَبْش أَوْ غَيْره، فَيُتَأَوَّل الْحَدِيث عَلَى أَنَّ اللَّه يَخْلُق هَذَا الْجِسْم، ثُمَّ يُذْبَح مِثَالًا لِأَنَّ الْمَوْت لَا يَطْرَأ عَلَى أَهْل الْآخِرَة، وَالْكَبْش الْأَمْلَح قِيلَ: هُوَ الْأَبْيَض الْخَالِص، قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ: وَقَالَ الْكِسَائِيّ: هُوَ الَّذِي فيه بَيَاض وَسَوَاد، وَبَيَاضه أَكْثَر، وَسَبَقَ بَيَانه فِي الضَّحَايَا. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَيَشْرَئِبُّونَ» بِالْهَمْزِ، أَيْ: يَرْفَعُونَ رُءُوسهمْ إِلَى الْمُنَادِي.
‏5090- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْس الْكَافِر مِثْل أُحُد، وَغِلَظ جِلْده مَسِيرَة ثَلَاث وَمَا بَيْن مَنْكِبَيْهِ مَسِيرَة ثَلَاث» هَذَا كُلّه لِكَوْنِهِ أَبْلَغ فِي إِيلَامه، وَكُلّ هَذَا مَقْدُور لِلَّهِ تَعَالَى يَجِب الْإِيمَان بِهِ لِإِخْبَارِ الصَّادِق بِهِ.
‏5091- سبق شرحه بالباب.
‏5092- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي أَهْل الْجَنَّة: «كُلّ ضَعِيف مُتَضَعَّف» ضَبَطُوا قَوْله (مُتَضَعَّف) بِفَتْحِ الْعَيْن وَكَسْرهَا الْمَشْهُور الْفَتْح، وَلَمْ يَذْكُر الْأَكْثَرُونَ غَيْره، وَمَعْنَاهُ: يَسْتَضْعِفهُ النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَجَبَّرُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَاله فِي الدُّنْيَا، يُقَال: تَضَعَّفَه وَاسْتَضْعَفَهُ، وَأَمَّا رِوَايَة الْكَسْر فَمَعْنَاهَا: مُتَوَاضِع مُتَذَلِّل خَامِل وَاضِع مِنْ نَفْسه، قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يَكُون الضَّعْف هُنَا: رِقَّة الْقُلُوب وَلِينهَا وَإِخْبَاتهَا لِلْإِيمَانِ، وَالْمُرَاد أَنَّ أَغْلَب أَهْل الْجَنَّة هَؤُلَاءِ، كَمَا أَنَّ مُعْظَم أَهْل النَّار الْقِسْم الْآخَر، وَلَيْسَ الْمُرَاد الِاسْتِيعَاب فِي الطَّرَفَيْنِ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّه لَأَبَرَّهُ» مَعْنَاهُ: لَوْ حَلَفَ يَمِينًا طَمَعًا فِي كَرَم اللَّه تَعَالَى بِإِبْرَارِهِ لَأَبَرَّهُ، وَقِيلَ: لَوْ دَعَاهُ لَأَجَابَهُ، يُقَال: أَبْرَرْت قَسَمه وَبَرَرْته، وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْل النَّار: «كُلّ عُتُلّ جَوَّاظ مُسْتَكْبِر» أَمَّا (الْعُتُلّ) بِضَمِّ الْعَيْن وَالتَّاء، فَهُوَ: الْجَافِي الشَّدِيد الْخُصُومَة بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ: الْجَافِي الْفَظّ الْغَلِيظ.
‏5093- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلّ جَوَّاظ زَنِيم مُتَكَبِّر» أَمَّا (الْجَوَّاظ) بِفَتْحِ الْجِيم وَتَشْدِيد الْوَاو وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَة، فَهُوَ: الْجَمُوع الْمَنُوع، وَقِيلَ: كَثِير اللَّحْم الْمُخْتَال فِي مِشْيَته، وَقِيلَ: الْقَصِير الْبَطِين، وَقِيلَ: الْفَاخِر بِالْخَاءِ، وَأَمَّا (الزَّنِيم) فَهُوَ: الدَّعِيّ فِي النَّسَب الْمُلْصَق بِالْقَوْمِ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ شَبَه بِزَنَمَةِ الشَّاة، وَأَمَّا (الْمُتَكَبِّر وَالْمُسْتَكْبِر) فَهُوَ صَاحِب الْكِبْر، وَهُوَ بَطَر الْحَقّ وَغَمْط النَّاس.
‏5094- وَمَعْنَى (الْأَشْعَث): مُتَلَبِّد الشَّعْر مُغْبَرّه، الَّذِي لَا يَدْهُنهُ وَلَا يُكْثِر غَسْله، وَمَعْنَى (مَدْفُوع بِالْأَبْوَابِ) أَنَّهُ لَا يُؤْذَن لَهُ بَلْ يُحْجَب وَيُطْرَد لِحَقَارَتِهِ عِنْد النَّاس.
‏5095- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي عَقَرَ النَّاقَة: «عَزِيز عَارِم» الْعَارِم بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَالرَّاء، قَالَ أَهْل اللُّغَة: هُوَ الشِّرِّير الْمُفْسِد الْخَبِيث، وَقِيلَ: الْقَوِيّ الشَّرِس، وَقَدْ عَرِمَ- بِضَمِّ الرَّاء وَفَتْحهَا وَكَسْرهَا- عَرَامَة- بِفَتْحِ الْعَيْن- وَعُرَامًا- بِضَمِّهَا- فَهُوَ عَارِم وَعَرِم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث: النَّهْي عَنْ ضَرْب النِّسَاء لِغَيْرِ ضَرُورَة التَّأْدِيب. وَفيه: النَّهْي عَنْ الضَّحِك مِنْ الضَّرْطَة يَسْمَعهَا مِنْ غَيْره، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَل عَنْهَا وَيَسْتَمِرّ عَلَى حَدِيثه وَاشْتِغَاله بِمَا كَانَ فيه مِنْ غَيْر اِلْتِفَات وَلَا غَيْره، وَيُظْهِر أَنَّهُ لَمْ يَسْمَع. وَفيه حُسْن الْأَدَب وَالْمُعَاشَرَة.
‏5096- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْت عَمْرو بْن لُحَيّ بْن قَمْعَة بْن خِنْدِف أَخَا بَنِي كَعْب هَؤُلَاءِ يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «رَأَيْت عَمْرو بْن عَامِر الْخُزَاعِيّ يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار وَكَانَ أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب» أَمَّا (قَمْعَة) ضَبَطُوهُ عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه، أَشْهَرهَا: قِمَّعَة بِكَسْرِ الْقَاف وَفَتْح الْمِيم الْمُشَدَّدَة، وَالثَّانِي: كَسْر الْقَاف وَالْمِيم الْمُشَدَّدَة، حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَة الْبَاجِيّ عَنْ اِبْن مَاهَان، وَالثَّالِث: فَتْح الْقَاف مَعَ إِسْكَان الْمِيم، وَالرَّابِع: فَتْح الْقَاف وَالْمِيم جَمِيعًا وَتَخْفِيف الْمِيم، قَالَ الْقَاضِي: وَهَذِهِ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ. وَأَمَّا (خِنْدِف) فَبِكَسْرِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال، هَذَا هُوَ الْأَشْهَر، وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق فيه وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا: هَذَا وَالثَّانِي: كَسْر الْخَاء وَفَتْح الدَّال، وَآخِرهَا فَاء، وَهِيَ اِسْم الْقَبِيلَة، فَلَا تَنْصَرِف وَاسْمهَا لَيْلَى بِنْت عِمْرَان بْن الْجَافّ بْن قُضَاعَة. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبَا بَنِي كَعْب» كَذَا ضَبَطْنَاهُ (أَبَا) بِالْبَاءِ، وَكَذَا هُوَ فِي كَثِير مِنْ نُسَخ بِلَادنَا، وَفِي بَعْضهَا (أَخَا) بِالْخَاءِ، وَنَقَلَ الْقَاضِي هَذَا عَنْ أَكْثَر رُوَاة الْجُلُودِيّ، قَالَ: وَالْأَوَّل رِوَايَة اِبْن مَاهَان، وَبَعْض رُوَاة الْجُلُودِيّ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَاب، قَالَ: وَكَذَا ذَكَرَ الْحَدِيث اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ وَمُصْعَب الزُّبَيْرِيّ وَغَيْرهمَا؛ لِأَنَّ كَعْبًا هُوَ أَحَد بُطُون خُزَاعَة وَابْنه. وَأَمَّا (لُحَيّ): فَبِضَمِّ اللَّام وَفَتْح الْحَاء وَتَشْدِيد الْيَاء. وَأَمَّا (قُصْبه) فَبِضَمِّ الْقَاف وَإِسْكَان الصَّاد، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَعْنِي أَمْعَاءَهُ، وَقَالَ أَبُو عَبِيد: الْأَمْعَاء وَاحِدهَا قَصَب. أَمَّا قَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: (عَمْرو بْن عَامِر) فَقَالَ الْقَاضِي الْمَعْرُوف فِي نَسَب اِبْن خُزَاعَة (عَمْرو بْن لُحَيّ بْن قَمْعَة) كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى، وَهُوَ قَمْعَة بْن إِلْيَاس بْن مُضَر، وَإِنَّمَا عَامِر عَمّ أَبِيهِ أَبِي قَمْعَة، وَهُوَ مُدْرِكَة بْن إِلْيَاس، هَذَا قَوْل نُسَّاب الْحِجَازِيِّينَ، وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول: إِنَّهُمْ مِنْ الْيَمَن مِنْ وَلَد عَمْرو بْن عَامِر، وَأَنَّهُ عَمْرو بْن لُحَيّ، وَاسْمه: رَبِيعَة بْن حَارِثَة بْن عَمْرو بْن عَامِر، وَقَدْ يَحْتَجّ قَائِل بِهَذِهِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة، هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي. وَاَللَّه أَعْلَم.
‏5097- سبق شرحه بالباب.
‏5098- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْل النَّار لَمْ أَرَهُمَا: قَوْم مَعَهُمْ سِيَاط كَأَذْنَابِ الْبَقَر، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاس، وَنِسَاء كَاسِيَات عَارِيَات مَائِلَات مُمِيلَات رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت الْمَائِلَة، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّة، وَلَا يَجِدْنَ رِيحهَا، وَإِنَّ رِيحهَا لَتُوجَد مِنْ مَسِيرَة كَذَا وَكَذَا» هَذَا الْحَدِيث مِنْ مُعْجِزَات النُّبُوَّة، فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا أَصْحَاب السِّيَاط فَهُمْ غِلْمَان وَالِي الشُّرْطَة. أَمَّا (الْكَاسِيَات) فَفيه أَوْجُه أَحَدهَا: مَعْنَاهُ: كَاسِيَات مِنْ نِعْمَة اللَّه، عَارِيَات مِنْ شُكْرهَا، وَالثَّانِي: كَاسِيَات مِنْ الثِّيَاب، عَارِيَات مِنْ فِعْل الْخَيْر وَالِاهْتِمَام لِآخِرَتِهِنَّ، وَالِاعْتِنَاء بِالطَّاعَاتِ. وَالثَّالِث: تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا، فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات. وَالرَّابِع: يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا، كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى. وَأَمَّا (مَائِلَات مُمِيلَات): فَقِيلَ: زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا، وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ، وَقِيلَ: مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ، مُمِيلَات أَكْتَافهنَّ، وَقِيلَ: مَائِلَات يَتَمَشَّطْنَ الْمِشْطَة الْمَيْلَاء، وَهِيَ مِشْطَة الْبَغَايَا مَعْرُوفَة لَهُنَّ، مُمِيلَات يُمَشِّطْنَ غَيْرهنَّ تِلْك الْمِشْطَة، وَقِيلَ: مَائِلَات إِلَى الرِّجَال مُمِيلَات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا. وَأَمَّا (رُءُوسهنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت) فَمَعْنَاهُ: يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس، حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الْإِبِل الْبُخْت، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره، قَالَ الْمَازِرِيّ: وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلَا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ، وَلَا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّ الْمَائِلَات تُمَشِّطْنَ الْمِشْطَة الْمَيْلَاء، قَالَ: وَهِيَ ضَفْر الْغَدَائِر وَشَدّهَا إِلَى فَوْق، وَجَمْعهَا فِي وَسَط الرَّأْس فَتَصِير كَأَسْنِمَةِ الْبُخْت، قَالَ: وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالتَّشْبِيهِ بِأَسْنِمَةِ الْبُخْت إِنَّمَا هُوَ لِارْتِفَاعِ الْغَدَائِر فَوْق رُءُوسهنَّ، وَجَمْع عَقَائِصهَا هُنَاكَ، وَتُكْثِرهَا بِمَا يُضَفِّرْنَهُ حَتَّى تَمِيل إِلَى نَاحِيَة مِنْ جَوَانِب الرَّأْس، كَمَا يَمِيل السَّنَام، قَالَ اِبْن دُرَيْد: يُقَال: نَاقَة مَيْلَاء إِذَا كَانَ سَنَامهَا يَمِيل إِلَى أَحَد شِقَّيْهَا. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّة» يُتَأَوَّل التَّأْوِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي نَظَائِره أَحَدهمَا: أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَنْ اِسْتَحَلَّتْ حَرَامًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ عِلْمهَا بِتَحْرِيمِهِ، فَتَكُون كَافِرَة مُخَلَّدَة فِي النَّار، لَا تَدْخُل الْجَنَّة أَبَدًا. وَالثَّانِي: يُحْمَل عَلَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلهَا أَوَّل الْأَمْر مَعَ الْفَائِزِينَ. وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم. 13.كتبت الجنة
  كتيب الإرشاد إلى توحيد رب العباد
(2) معنى شهادة أن لا إله إلا الله معنى شهادة أن لا إله إلا الله: لا معبود بحق في الأرض ولا في السماء إلا الله وحده لا شريك له. قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف، الآيات 26، 28]. وكلمة التوحيد دلت على معنين هما: نفي، وإثبات، فقول: لا إله - نفي لجميع الآلهة وقوله: إلا الله – إثبات لألوهية الله – عز وجل-. والإله هو: المألوه بالعبادة، وهو الذي تألهه القلوب، وتقصده رغبة إليه في حصول نفع أو دفع ضر. و – لا – في «لا إله» نافية للجنس، وخبرها محذوف تقديره حق، والمستثنى بالإ هو «الله» هو الإله الحق وحده لا شريك له. شروط لا إله إلا الله: وشهادة أن لا إله إلا الله – لا تنفع قائلها و لا تقيه من عذاب الله إلا بشروط سبعة. الأول: العلم بمعناها نفيًا وإثباتًا، فمن يتلفظ بها دون فهم لما دلَّت عليه، ودون اعتقاد لتوحيد الله في ألوهيته وفي جميع أنواع العبادة لا تنفعه. الثاني: اليقين المنافي للشك. الثالث: الإخلاص المنافي للشرك. وعلامة ذلك. أن لا يجعل بينه وبين الله واسطة يُعطيها أي حق من حقوق الله تعالى. الرابع: الصدق المانع من النفاق – فمن تظاهر بالإسلام وهو منطو على الكفر لم ينتفع في الآخرة بتلفظه بالشهادتين ولا بما يظهره من أعمال صالحة، بل هو في الدرك الأسفل من النار. الخامس: المحبة لهذه الكلمة، ولما دلت عليه، والسرور بذلك. السادس: الانقياد لحقوقها. وهي: الأعمال الواجبة إخلاصًا لله وطلبًا لمرضاته. السابع: القبول المنافي للرد... فقد يقولها من يعرفها لكن لا يقبلها ممن دعاه إليها تعصبًا وتكبرًا كما قد وقع من كثير من الناس، أما ما يعصم الدم والمال فقد دلت عليه النصوص من القرآن الكريم والسنة. من ذلك قوله : «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه» رواه مسلم عن مالك الأشجعي، ورواه أحمد أيضًا وقوله – تعالى –فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة: الآية 5] فالله أمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك ويخلصوا أعمالهم لله – تعالى – ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن أبوا عن ذلك أو بعضه قوتلوا إجماعًا وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وجسابهم على الله».
۞ معنى شهادة أن محمدًا رسول الله أما شهادة أن محمدًا رسول الله فمعناها: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. فلابد للمسلم من تحقيق أركان تلك الشهادة. لأن من يشهد برسالة محمد ثم لا يبالي بأمره ونهيه أو يتعبد الله بغير شريعته غير صادق في شهادته قال : «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله». وقال : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم. والذين يتعلقون بغير الله – عز وجل – فيما لا يقدر عليه إلا الله لم يُحققوا معنى الشهادتين، ولم يحسنوا الظن بالله، ولم يقدروه حق قدره. كما أن ما يفعله المدعون للسيادة على الناس، وحق المشاركة لهم في الأموال، والقدرة على جلب النفع وإيقاع الضرِّ، وما يفعله كثير من الجهلة من تصديقهم وطاعتهم كل ذلك افتراء على الله، ومحاربة لرسوله واتباع لغير سبيل المؤمنين ولو أن هؤلاء رجعوا إلى كتاب الله، وسنة رسوله لوجدوا فيهما ما يهديهم إلى الحق، ويبين لهم بطلان ما هم عليه من شرك وبدع وخرافات يعرفها العامي من الموحدين. ومما تقدم يتبين معنى الشهادتين فليتفقد كل مسلم نفسه ويعرف مدى تحقيقه لتوحيد ربه، فإن كان موحدًا مجتنبًا تلك البدع والشركيات على اختلافها فليحمد الله ويسأله الثبات على الحق وإن كان واقعًا في شيء من ذلك فليستغفر الله وليتب إليه وليبتعد عن تلك المحذورات ولا ينخدع بأقوال أهل الشرك والبدع الذين طالما ضلوا وأضلوا من اغتر بهم وبشعوذاتهم وأكاذيبهم التي اختلقوها أو ورثوها عن أمثالهم نعوذ بالله من ذلك .
۞ أركان الإسلام ونواقضه الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك. والبراءة منه وأهله. أما أركان الإسلام: فهي التي لا يقوم إسلام المرء إلا عليها مجتمعة، فلو انهدم واحد منها لانهدم إسلامه – وهي خمسة أركان. الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. الثاني: إقام الصلاة. الثالث: إيتاء الزكاة. الرابع: صوم رمضان. الخامس: حج البيت لمن استطاع سبيلا.
۞ نواقض الإسلام: ونواقض الإسلام كثيرة، أشهرها ما يأتي: الأول: الإشراك بالله. والدليل قوله – تعالى : إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ . وقوله – تعالى -: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة: الآية 72]. ومن الشرك الذي لا يغفره الله: الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر، وجعل العباد وسائط بينه وبين الله يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم. فأهل الجاهلية مؤمنون بتوحيد الربوبية ويتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله، ولكنهم كفروا لأنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله يقولون: نتقرب بهم إليه، ومن هؤلاء الوسائط أنبياء وصالحون كعيسى، عليه السلام، ومريم والملائكة، فلم يدخلهم ذلك في التوحيد. لأنهم أشركوا مع الله في عبادته كما قال تعالى: أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر: الآية: 3]. الثاني: عدم تكفير المشركين أو الشك في كفرهم أو تصحيح مذهبهم. الثالث: اعتقاد أن غير هدى النبي أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه ومن ذلك: تفضيل الحكم بالقوانين المخالفة للكتاب والسنة على الحكم بهما قال الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: الآية44] وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: الآية 50] وقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: الآية 65]. ومن استحل الحكم بغير ما أنزل الله يكفر ولو قال: إن حكم الله أفضل. الرابع: بغض الرسول أو شيء مما جاء به. الخامس: الاستهزاء بشيء من دين الرسول قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: الآية 65، 66]. السادس: السحر، ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضي به كفر. قال الله – تعالى -: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ [البقرة: 102] وفي الحديث: عن جندب – رضي الله عنه – مرفوعا «حد الساحر ضربه بالسيف» رواه الترمذي ووقفه، وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - «أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال فقتلنا ثلاث سواحر». السابع: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين. قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة الآية: 51]. الثامن: اعتقاد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، عليه السلام. التاسع: الإعراض عن دين الله . كما قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة آية : 22]. وقال تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: الآية: 124]. فليحذر المسلم من الوقوع فيما ينتقص به إسلامه، وليحافظ على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ولا يبتدع فإن النجاة في الاتباع لا في الابتداع. والبدعة: ما لا يوجد له أصل في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع. ومن كان همه معرفة ما كان عليه الرسول وصحابته ليتأسى بهم ابتغاء مرضاة الله فسيوفقه الله ويهديه إليه كما قال – سبحانه -: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت: الآية69] وكما قال – تعالى: وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ [الرعد: الآية: 27] وكما قال تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن الآية: 11]، وصار همه تقليد من هم على خلافهما فذلك ممن قال الله فيهم: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [المائدة الآية: 104].
 وما أكثر المبتدعين الذين ضلوا وأضلوا غيرهم بتزيين البدع وتبريرها بالروايات المكذوبة وبالتأويلات الفاسدة لآيات الله وأحاديث رسوله قال الله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [آل عمران: الآية 7] وقال : «لقد تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك». رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بإسناد حسن، وفي الحديث الذي رواه العرباض ابن سارية رضي الله عنه عن النبي قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة» رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». والفرقة الناجية أهل السنة والجماعة. يعملون بمحكم الكتاب، ويؤمنون بمتشابه ولا يؤولونه وفي الآيات المحكمة الظاهرة المعنى بيان لكل شيء وهدى ورحمة للعالمين .
۞ فلا حجة من كتاب أو سنة لمن ذبح عند قبور الأموات، أو نذر لهم أو دعاهم، أو استغاث بهم، أو طلبهم الشفاعة أو طاف بقبورهم أو تمسح بها , أو جعلهم وسائط بينه وبين الله في أي أمر من الأمور، ولو كانوا أنبياء أو أولياء لأن هذه الأمور عبادات لا يستحقها إلا الخالق – جل وعلا – والأدلة على تحريم صرف شيء من المذكورات لغير الله وإن ذلك شرك في عبادة الله كثيرة جدًا منها ما ذكر في هذا الكتاب، ومنها ما لم يذكر. والأنبياء والأولياء لا يرضون بصرف شيء من العبادات لغير الله – عز وجل وسيتبرءون ممن فعل ذلك يوم القيامة قال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا [الفرقان الآيتان: 17 – 18] وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [المائدة الآية: 116] إلى قوله: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة: الآية 117] وقال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ: الآيتان 40، 41] إلى قوله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى [سبأ: الآية: 43].
۞ وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام يعلم مما تقدم أن الرسل، عليهم الصلاة والسلام، عباد لله اصطفاهم لحمل رسالته إلى خلقه، مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة من بعد الرسل. ويعلم أن وظيفتهم التي كلفوا بها هي: دعوة الناس إلى التوحيد، وتحذيرهم من الشرك وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، والتزام الطاعات، وتجنب المعاصي. وقد دعا خاتم النبيين محمد إلى ما دعوا إليه ونهى عما نهوا عنه قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [الأنبياء: الآية: 108] وقال تعالى: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف الآية: 188] وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] وقال : «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله» رواه البخاري ومسلم عن عمر – رضي الله عنه – وقال : «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله» رواه الطبراني بإسناده. وقال : «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله» رواه الترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنه – في حديث طويل وصححه. وقال : «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه مالك في الموطأ وقال وهو في الاحتضار: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها. فصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة . وإذا عرف الموحد ما تقدم، وعرف دين الرسل، وعرف ما أصبح كثير من الناس فيه من الجهل استفاد: الفرح بفضل الله ورحمته عليه حيث أنجاه من أعظم معصية وهي: الشرك الذي لا يغفره الله، واستفاد الخوف العظيم منه.
۞ إبطال الشبهات نذكر إخواننا المسلمين فيما يلي بإجابات لكثير من الشبه التي يعترض بها بعض المبتدعين على ما سبق الكلام عليه من أنواع الشرك، ونبدؤها بهذا الجواب العام المجمل لشيخ الإسلام: يقول الله – تعالى -: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [آل عمران: الآية7] وقد صح عن رسول الله أنه قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم». مثال ذلك إذ قال بعض المشركين: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس، الآية: 61] وإن الشفاعة حق، وإن الأنبياء لهم جاه عند الله أو ذكر كلامًا للنبي ، يستدل به على باطله. فجوابه: أن كفر المشركين بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء، كما قال تعالى عنهم: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ وهذا أمر محكم بين لا يقدر أحد أن يغير معناه، وكلام الله لا يتناقض، وكلام النبي لا يخالف كلام الله أما الإجابات المفصلة فتشملها المسائل الآتية. الأولى: أن الذين قاتلهم الرسول، يقولون: نحن نشهد بتفرد الله بالخلق والرزق والنفع والضر، ونقر بأن أوثاننا لا تدبر شيئًا وإنما أردنا بعبادة الصالحين مع الله الجاه والشفاعة. كما في قوله تعالى عنهم: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر، الآية:3] وقوله: هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس، الآية: 18]. الثانية: أن من الكفار من يدعو الصالحين والأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء، الآية 57]. ويدعون عيسى بن مريم وأمه، وقد قال – تعالى -: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المائدة، الآية:75] وقال تعالى: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ [سبأ، الآيتان: 40ـ 41] والله سبحانه قد كفر من قصد الأصنام، وكفر من قصد الصالحين بالعبادة كذلك، وقاتلهم الرسول . الثالثة: أن العبادات كلها حق لله على عباده فرض عليهم إخلاصها له – سبحانه -: فمن دعا مخلوقًا أو ذبح له أو لجأ إليه فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك بالله وعبد غيره، ولا ينفعه الاعتذار بالجاه والشفاعة ... لأن عبادة المشركين للصالحين وللأصنام لم تكن إلا بالدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك طلبًا للجاه والشفاعة. الرابعة: أن شفاعة الرسول حق .. فهو الشافع المشفع أعطاه الله الشفاعة، ولكن الله بين لنا أن الشفاعة كلها له – سبحانه – قال تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر، الآية:44] وبين شرطها وهو إذنه في قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ، الآيتان: 22، 23]. قال العلماء في تفسير هذه الآية: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له – سبحانه – كما قال: «ولا يشفعون إلا لمن ارتضى» فالشفاعة التي يظنها المشركون. منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن الكريم، وأخبر النبي ، «أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة ثم يقال له: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع».اهـ. الحديث في الصحيحين بطوله. وخرجه أحمد . وقال أبو هريرة – رضي الله عنه – للرسول : من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه». رواه البخاري وأحمد والنسائي وصححه ابن حبان، وفيه «وشفاعتي لمن قال لا إله إلا الله مخلصًا ويصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه» وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله : «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئًا». فتأمل هذا الحديث كيف جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته، تجريد التوحيد – عكس ما عند المشركين أن الشفاعة تنال باتخاذهم شفعاء فقلب النبي ما في زعمهم الكاذب وأخبر أن سبب الشفاعة تجريد التوحيد فحيئنذ يأذن الله للشافع أن يشفع. الخامسة: أن محبة الرسول فوق محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين واجبة على كل مسلم ففي الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ، قال: «  لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» رواه البخاري ومسلم
/ وفي الحديث: أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –قال: «يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا نفسي. فقال: والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي فقال الآن يا عمر». رواه البخاري. وينافي هذه المحبة الإعراض عن متابعة الرسول ، وينافيها تقديم قول غيره على قوله، كما قال – تعالى -: وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [النور، الآية: 47].
ومحبة الرسول ، تابعة لمحبة الله لازمة لها، لأنها محبة لله، ولأجله، والمحبة نوعان: شرعية وشركية. فالشرعية هي: المحبة في الله كمحبة المؤمنين للرسول ، ولبعضهم البعض محبة جمعهم عليها الإيمان بالله. والمحبة الشركية هي: محبة غير الله كحب الله، كمحبة المشركين لأصنامهم، ولبعض الأنبياء والملائكة والصالحين حتى أدى بهم ذلك الحب إلى دعائهم وجعلهم وسائط بينهم وبين الله، كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة، الآية: 165] وهؤلاء توعدهم الله بالعذاب، كما قال سبحانه: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة، الآية: 167]. والمؤمن الحقيقي يحب الرسول ، فوق محبته لكل مخلوق، وعلامة ذلك تمسكه بكتاب الله وسنة رسوله ، وعدم مخالفتهما. أما من يأتي عند أي قبر كان فيدعو صاحبه ويطلب منه الشفاعة ويذكر له حوائجه أو نحو ذلك مما هو خلاف الشريعة، وكذا من يعمل مثل ذلك مع الغائبين أو مع الأحياء الحاضرين فيما لا يقدر عليه إلا الله. فهذا غير محب للرسول ، وغير محب لله المحبة الشرعية الصحيحة لأنه انتهك حرمة الوحي وعمله دليل على أن محبته لمن يرتكب تلك الأمور عند قبره محبة شركية محرمة. والمحبة التي يستحق المحبوب بها أن يعبد إنما هي محبة الله وحده لا شريك له لأنه هو الخالق الرازق الهادي للإيمان هداية التوفيق التي لا يقدر عليها إلا هو فلذلك يوحد المؤمن ربه – عز وجل – ويعتقد فيه وحده النفع والضر فيرجع إليه في جميع أموره ويعبده حق عبادته.
۞ عقائد جديدة .
كتيب صفات المنافقين 116 كتيب صفات المنافقين بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: وأما النفاق: فالداء العضال الباطن، الذي يكون الرجل ممتلئًا منه وهو لا يشعر. فإنه أمر خفي على الناس، وكثيرًا ما يخفى على من تلبِّس به، فيزعم أنه مصلح وهو مفسد. وهو نوعان: أكبر، وأصغر. فالأكبر: يوجب الخلود في النار في دركها الأسفل، وهو أن يُظهِر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.. وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به، لا يؤمن بأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر جعله رسولاً للناس، يهديهم بإذنه، وينذرهم بأسه، ويخوفهم عقابه.
وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين، وكشف أسرارهم في القرآن، وجلَّى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر، وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول سورة البقرة:
1.المؤمنين،
2.والكفار،
3.والمنافقين،
1.فذكر في المؤمنين أربع آيات،
2.وفي الكفار آيتين،
13.وفي المنافقين ثلاث عشرة آية،
لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله.
فإن بليَّة الإسلام بهم شديدة جدًا، لأنهم منسوبون إليه، وإلى نصرته وموالاته، وهم أعداؤه في الحقيقة؛ يُخرِجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح وهو غاية الجهل والإفساد.
/ فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه؟!
/ وكم من حِصْن له قد قلعوا أساسه وخربوه؟!
/ وكم من عَلَمٍ له قد طمسوه؟!
/ وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه؟!
/ وكم ضربوا بمعاول الشُّبَه في أصول غِراسه ليقلعوها؟!
/ وكم عَمُّوا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها؟!
/ فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية،
/ ولا يزال يطرقه من شُبههم سَرِيَّةٌ بعد سرية، ويزعمون أنهم بذلك مصلحون... أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 12]. . يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف: 8]. اتفقوا على مفارقة الوحي، فهم على ترك الاهتداء به مجتمعون.. فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون: 53]. . يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام: 112]. . ولأجل ذلك اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا [الفرقان: 30].
۞ دَرَستْ معالم الإيمان في قلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرتْ معاهده عندهم فليسوا يعمرونها، وأَفَلتْ كواكبه النَّيِّرة من قلوبهم فليسوا يحيونها، وكسفت شمسه عند اجتماع ظلم آرائهم وأفكارهم فليسوا يبصرونها، لم يقبلوا هدى الله الذي أرسل به رسوله، ولم يرفعوا به رأسًا، ولم يروا بالإعراض عنه إلى آرائهم وأفكارهم بأسًا، خلعوا نصوص الوحي عن سلطنة الحقيقة، وعزلوها عن ولاية اليقين، وشنُّوا عليها غارات التأويلات الباطلة، فلا يزال يخرج منهم كَمين بعد كمين. نزلت عليهم نزول الضيف على أقوام لئام فقابلوها بغير ما ينبغي لها من القبول والإكرام، وتلقَّوها من بعيد، ولكن بالدفع في الصدور منها والأعجاز، وقالوا: مالكِ من عندنا من عبور – وإن كان لابد – فعلى سبيل الاجتياز، أعدُّوا لدفعها أصناف العدد وضروب القوانين، وقالوا – لما حلَّت بساحتهم -: ما لنا ولظواهر لفظية لا تفيدنا شيئًا من اليقين. وعوامُّهم قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه خَلَفنا من المتأخرين، فإنهم أعلم بها من السلف الماضين وأقوم بطرائق الحجج والبراهين.
وأولئك غلبت عليهم السذاجة وسلامة الصدور ولم يتفرغوا لتمهيد قواعد النظر،
ولكن صرفوا هِمَمَهم إلى فعل المأمور وترك المحظور.. فطريقة المتأخرين: أعلم وأحكم، وطريقة السلف الماضين: أجهل، ولكنها أسلم. أنزلوا نصوص السنة والقرآن منزلة الخليفة في هذا الزمان، اسمه على السِّكَّة وفي الخطبة فوق المنابر مرفوع، والحكم النافذ لغيره، فحكمه غير مقبول ولا مسموع. لبسوا ثياب أهل الإيمان، على قلوب أهل الزيغ والخسران، والغل والكفران،
فالظواهر ظواهر الأنصار، والبواطن قد تحيَّزت إلى الكفار.
/ فألسنتهم ألسنة المسالمين،
/ وقلوبهم قلوب المحاربين،
/ ويقولون: آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8].
/ رأس مالهم الخديعةُ والمكر،
/ وبضاعتهم الكذب والخَتْر،
/ وعندهم العقل المعيشي: أن الفريقين عنهم راضون،
/ وهم بينهم آمنون يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9].
/ قد نهَكَت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها،
/وغلبت القصود السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها...
/ ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك، فعجز عنه الأطباء العارفون: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة: 10].
۞ من عَلَقت مخالب شكوكهم بأديم إيمانه مزَّقته كل تمزيق،
۞ ومن تعلق شَرَرُ فتنتهم بقلبه ألقاه في عذاب الحريق،
۞ ومن دخلت شبهات تلبيسهم في مسامعه حال بين قلبه وبين التصديق،
۞ ففسادهم في الأرض كثير، وأكثر الناس عنه غافلون: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 11، 12].
۞ المتمسك عندهم بالكتاب والسنة صاحب ظواهر، مبخوسٌ حظه من المعقول،
۞ والدائر مع النصوص عندهم كحمار يحمل أسفارًا.. فهمُّه في حمل المنقول.. وبضاعة تاجر الوحي لديهم كاسدة..
۞ وما هو عندهم بمقبول؛
۞ وأهل الاتباع عندهم سفهاء، فهم في خلواتهم ومجالسهم بهم يتطيرون.. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ [البقرة: 13].
۞۞ لكل منهم وجهان: وجه يلقى به المؤمنين، ووجه ينقلب به إلى إخوانه من الملحدين..
۞ وله لسانان: أحدهما يقبله بظاهره المسلمون، والآخر يترجم به عن سره المكنون..
۞ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة: 14].
۞ قد أعرضوا عن الكتاب والسنة استهزاءً بأهلهما واستحقارًا، وأبوا أن ينقادوا لحكم الوحيين فرحًا بما عندهم من العلم الذي لا ينفع الاستكثار منه إلا أثرًا واستكبارًا، فتراهم أبدًا بالمتمسكين بصريح الوحي يستهزئون.. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة: 15].
/خرجوا في طلب التجارة البائرة في بحار الظلمات، فركبوا مراكب الشُّبَه والشكوك تجري بهم في موج الخيالات، فلعبت بسفنهم الريح العاصف، فألقتها بين سفن الهالكين.. أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة: 16].
/أضاءت لهم نار الإيمان فأبصروا في ضوئها مواقع الهدى والضلال، ثم طُفئ ذلك النور، وبقيت لهم نارًا تأجَّجُ ذاتَ لهب واشتعال، فهم بتلك النار مُعذَّبون، وفي تلك الظلمات يعمهون.. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ [البقرة: 17].
۞ أسماع قلوبهم قد أثقلها الوقر، فهي لا تسمع منادي الإيمان، وعيون بصائرهم عليها غشاوة العمى، فهي لا تبصر حقائق القرآن، وألسنتهم بها خَرَسٌ عن الحق، فهم به لا ينطقون.. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [البقرة: 18].
۞ صابَ عليهم صَيِّبُ الوحي، وفيه حياة القلوب والأرواح، فلم يسمعوا منه إلا رَعْد التهديد والوعيد والتكاليف التي وُظِّفت عليهم في المساء والصباح.. فجعلوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وجَدُّوا في الهرب، والطلب في آثارهم والصياح، فنودي عليهم على رؤوس الأشهاد.. وكُشفت حالهم للمستبصرين..
۞ وضُرب لهم مثلان بحسب حال الطائفتين منهم: المناظرين والمقلدين؛ فقيل: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة: 19].
۞ ضعفت أبصار بصائرهم عن احتمال ما في الصيِّب من بروق أنواره وضياء معانيه، وعجزت أسماعهم عن تلقي رُعود وعوده وأوامره ونواهيه، فقاموا عند ذلك حيارى في أودية التِّيه، لا ينتفع بسمعه السامع ولا يهتدي ببصره البصير: كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 20]. لهم علامات يُعرفون بها مبينة في القرآن والسنة، بادية لمن تدبرها من أهل بصائر الإيمان، قام بهم – والله – الرياء.. وهو أقبح مقام قامه الإنسان.. وقعد بهم الكسل عما أُمروا به من أوامر الرحمن.. فأصبح الإخلاص عليهم لذلك ثقيلاً.. وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142].
/ أحدهم كالشاة العائِرَةِ بين الغنمين، تَعِيرُ إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تستقر مع إحدى الفئتين، فهم واقفون بين الجمعين، ينظرون أيهم أقوى وأعز قبيلاً.. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء: 143].
/ يتربَّصون الدوائر بأهل السنة والقرآن، فإن كان لهم فتحٌ من الله قالوا: ألم نكن معكم؟
/ وأقسموا على ذلك بالله جَهْد أيمانهم، وإن كان لأعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا: ألم تعلموا أن عقد الإخاء بيننا محكم، وأن النسب بيننا قريب؟
/ فيا من يريد معرفتهم، خذ صفاتهم من كلام رب العالمين فلا تحتاج بعده دليلاً: الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: 141]. يُعجب السامع قولُ أحدهم لحلاوته ولينه، ويُشْهِدَ الله على ما فيه قلبه من كذبه ومَيْنِه؛ فتراه عند الحق نائمًا، وفي الباطل على الأقدام، فخذ وصفهم من قول القدوس السلام: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204].
/ أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد،
/ ونواهيهم عما فيه صلاحهم في المعاش والمعاد.. وأحدهم تلقاه بين جماعة أهل الإيمان في الصلاة والذكر والزهد والاجتهاد.. وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة: 205].
۞ فهم جنسٌ بعضه يشبه بعضًا، يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه، وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه، ويبخلون بالمال في سبيل الله ومرضاته أن ينفقوه،
۞ كم ذكَّرهم بنعمه فأعرضوا عن ذكره ونسوه؟
۞ وكم كشف حالهم لعباده المؤمنين ليجتنبوه؟ فاسمعوا أيها المؤمنون: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة: 67].
۞ إن حاكمتهم إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين،
۞ وإن دعوتهم إلى حكم كتاب الله وسنة رسوله رأيتهم عنه معرضين،
۞ فلو شهدت حقائقهم لرأيت بينها وبين الهدى أمدًا بعيدًا، ورأيتها معرضة عن الوحي إعراضًا شديدًا.. ۞ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء: 61].
۞ فكيف لهم بالفلاح والهدى بعد ما أصيبوا في عقولهم وأديانهم؟!
۞ وأنَّى لهم التخلص من الضلال والردى وقد اشتروا الكفر بإيمانهم؟! فما أخسر تجارتهم البائرة! وقد استبدلوا بالرحيق المختوم حريقًا.. فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا [النساء: 62].
۞ نَشَبَ زَقُّوم الشُّبَه والشوك في حلوقهم، فيجدون له مسيغًا.. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا [النساء: 63].
۞۞ تبًّا لهم، ما أبعدهم عن حقيقة الإيمان! وما أكذب دعواهم للتحقيق والعرفان، فالقوم في شأن وأتباع الرسول في شأن..
۞ لقد أقسم الله جل جلاله في كتابه بنفسه المقدسة قسمًا عظيمًا، يعرف مضمونه أولو البصائر، فقلوبهم منه على حذر إجلالاً له وتعظيمًا.. فقال تعالى تحذيرًا لأوليائه وتنبيهًا على حال هؤلاء وتفهيمًا.. فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65].
۞ تسبق يمين أحدهم كلامه من غير أن يعترض عليه، لعلمه أن قلوب أهل الإيمان لا تطمئن إليه، فيتبرأ بيمينه من سوء الظن وكشف ما لديه..
> وكذلك أهل الريبة يكذبون، ويحلفون ليحسب السامع أنهم صادقون قد.. اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [المنافقون: 2].
> تَبًّا لهم ابرزوا إلى البيداء مع ركب الإيمان، فلما رأوا طول الطريق وبُعْدَ الشُّقة نكصوا على أعقابهم ورجعوا، وظنوا أنهم يتمتعون بطيب العيش ولذة المنام في ديارهم. فما مُتِّعوا به ولا بتلك الهجعة انتفعوا، فما هو إلا أن صاح بهم الصائح فقاموا عن موائد أطعمتهم والقوم جياع ما شبعوا، فكيف حالهم عند اللقاء؟ وقد عرفوا ثم أنكروا، دعموا بعد ما عاينوا الحق وأبصروا: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [المنافقون: 3].
> أحسن الناس إجسامًا، وأخْلبهم لسانًا، وألطفهم بيانًا، وأخبثهم قلوبًا، وأضعفهم جَنانًا، فهم كالخُشُب المُسنَّدة التي لا ثمر لها، قد قُلعت من مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها لئلا يطأها السالكون.. وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون: 4].
> يؤخرون الصلاة عن وقتها الأول إلى شَرَقِ الموتى، فالصبح عند طلوع الشمس، والعصر عند الغروب، وينقرونها نَقْر الغراب، إذ هي صلاة الأبدان لا صلاة القلوب، ويلتفتون فيها التفاف الثعلب، إذ يتيقن أنه مطرود مطلوب، ولا يشهدون الجماعة، بل إن صلى أحدهم ففي البيت أو الدكان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر، وإذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. هذه معاملتهم للخلق، وتلك معاملتهم للخالق، فخذ وصفهم من أول المطففين وآخر وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق: 1].
فلا ينبئك عن أوصافهم مثل خبير.. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة: 73]. فما أكثرهم! وهم الأقلون، وما أجبرهم! وهم الأذلون، وما أجهلهم! وهم المتعالمون، وما أضرهم بالله! إذ هم بعظمته جاهلون.. وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [التوبة: 56]. إن أصاب أهلَ الكتاب والسنة عافيةٌ ونصر وظهور ساءهم ذلك وغمَّهم، وإن أصابهم ابتلاء من الله وامتحان يمحِّص به ذنوبهم، ويكفر به عنهم سيئاتهم أفرحهم ذلك وسرهم. وهذا يحقق إرثهم وإرث من عداهم، ولا يستوي مَن موروثه الرسول ومن موروثهم المنافقون.. إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ * قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 50، 51]. وقال تعالى في شأن السَّلَفين المختلفين، والحق لا يندفع بمكابرة أهل الزيع والتخليط.. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران: 120]. كره الله طاعتهم لخبث قلوبهم وفساد نياتهم؛ فثبَّطهم عنها وأقعدهم، وأبغض قُربهم منه وجواره، لميلهم إلى أعدائه، فطردهم عنه وأبعدهم، وأعرضوا عن وحيه فأعرض عنهم، وأشقاهم وما أسعدهم، وحكم عليهم بحكم عدلٍ لا مطمع لهم في الفلاح بعده إلا أن يكونوا من التائبين، فقال تعالى: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46]. ثم ذكر حكمته في تثبيطهم وإقعادهم وطردهم عن بابه وإبعادهم، وإن ذلك من لطفه بأوليائه وإسعادهم، فقال وهو أحكم الحاكمين: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47].
>  ثقلت عليهم النصوص فكرهوها، وأعياهم حملها فألقوها عن أكتافهم ووضعوها، وتفلَّتت منهم السنن أن يحفظوها فأهملوها، وصالت عليهم نصوص الكتاب والسنة فوضعوا لها قوانين ردوها بها ودفعوها، ولقد هتك الله أستارهم وكشف أسرارهم وضرب لعباده أمثالهم، واعلم أنه كلما انقرض منهم طوائف خلفهم أمثالهم، فذكر أوصافهم لأوليائه ليكونوا منها على حذر وبيَّنها لهم فقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9].
> هذا شأن من ثقلت عليه النصوص فرآها حائلة بينه وبين بدعته وهواه، فهي في وجهه كالبنيان المرصوص، فباعها بمحصَّل من الكلام الباطل واستبدل منها بالفصوص؛ فأعقبهم ذلك أن أفسد عليهم إعلانهم وإسرارهم.. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 26-28].
>  أسرُّوا سرائر النفاق فأظهرها الله على صفحات الوجوه منهم، وفلتات اللسان، ووَسَمَهم لأجلها بسيماء لا يخفون بها على أهل البصائر والإيمان، وظنوا أنهم إذ كتموا كفرهم وأظهروا إيمانهم راجون على الصيارف والنقاد، كيف؟ والناقد البصير قد كشفها لكم... أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 29، 30].
> فكيف إذا جُمعوا ليوم التلاق، وتجلى الله – جل جلاله – للعباد وقد كُشف عن ساق؟ ودُعوا إلى السجود فلا يستطيعون.. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم: 43]. أم كيف بهم إذا حُشروا إلى جسر جهنم؟ وهو أدق من الشعرة وأحَدُّ من الحسام، وهو دَحَض مَزَلَّة، مظلم لا يقطعه أحد إلا بنور يبصر به مواطئ الأقدام، فقُسِّمت بين الناس الأنوار، وهم على قدر تفاوتهم في المرور والذهاب، وأُعْطُوا نورًا ظاهرًا مع أهل الإسلام، كما كانوا بينهم في هذه الدار يأتون بالصلاة والزكاة والحج والصيام.. فلما توسطوا الجسر عَصَفَتْ على أنوارهم أهوية النفاق، فأطفأت ما بأيديهم من المصابيح، فوقفوا حيارى لا يستطيعون المرور، فضُرِب بينهم وبين أهل الإيمان بسور له باب، ولكن قد حيل بين القوم وبين المفاتيح، باطنه – الذي يلي المؤمنين – فيه الرحمة، وما يليهم من قِبلهم العذاب والنقمة، ينادون من تقدمهم من وفد الإيمان، ومشاعلُ الركب تلوح على بُعد كالنجوم، تبدو لناظر الإنسان.. انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: 13]. . لنتمكن في هذا المضيق من العبور، فقد طُفئت أنوارنا، ولا جواز اليوم إلا بمصباح من النور قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد: 13] حيث قُسِمَت الأنوار، فهيهات الوقوف لأحد في المضمار! كيف نلتمس الوقوف في هذا المضيق؟ فهل يلوي اليوم أحد على أحدٍ في هذا الطريق؟ وهل يلتفت اليوم رفيق إلى رفيق؟ فذكَّروهم باجتماعهم معهم وصحبتهم لهم في هذه الدار كما يذكِّر الغريب صاحب الوطن بصحبته له في الأسفار: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [الحديد: 14] نصوم كما تصومون، ونصلي كما تصلون، ونقرأ كما تقرؤون، ونتصدق كما تتصدقون، ونحج كما تحجون؟!! فما الذي فَرَّق بيننا اليوم حتى انفردتم دوننا بالمرور؟ قَالُوا بَلَى [الحديد: 14] ولكنكم كانت ظواهركم معنا وبواطنكم مع كل ملحد، وكل ظلوم كفور.. وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد: 14، 15]. لا تَسْتَطِل أوصاف القوم، فالمتروك – والله – أكثر من المذكور. كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم، لكثرتهم على ظهر الأرض وفي أجواف القبور. فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات وتتعطل بهم أسباب المعايش وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات.
>۞ سمع حذيفة رجلاً يقول: اللهم أَهْلِك المنافقين. فقال: يا ابن أخي.. لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك». تالله لقد قَطَّع خوف النفاق قلوبَ السابقين الأولين لعلمهم بدقِّه وجله وتفاصيله وجمله.. ساءت ظنونهم بنفوسهم حتى خشوا أن يكونوا من جملة المنافقين. قال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما: «يا حذيفة! نشدتك بالله، هل سمَّاني لك رسول الله منهم؟.. قال: لا، ولا أزكِّي بعدك أحدًا». وقال ابن أبي مُليكة: «أدركت ثلاثين من أصحاب محمد كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل. ذكره البخاري.
وذُكر عن الحسن البصري: «ما أَمِنَه إلا منافق، ولا خافه إلا مؤمن»
ولقد ذكر عن بعض أصحابه أنه كان يقول في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من خشوع النفاق.. قيل: وما خشوع النفاق؟.. قال: أن يُرى البدنُ خاشعًا والقلب ليس بخاشع». تالله لقد مُلئت قلوب القوم إيمانًا ويقينًا، وخوفهم من النفاق شديد، وهَمُّهم لذلك ثقيل، وسواهم كثير منهم لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، وهم يدَّعون أن إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل.
> زَرْعُ النفاق ينبت على ساقيتين: ساقية الكذب، وساقية الرياء، ومخرجهما من عينين: عين ضعف البصيرة، وعين ضعف العزيمة، فإذا تمت هذه الأركان الأربع: استحكم نبات النفاق وبنيانه، ولكنه بمدارج السيول على شفا جُرُفٍ هارٍ. فإذا شاهدوا سيل الحقائق يوم تُبلى السرائر، وكُشف المستور، وبُعثر ما في القبور، وحُصِّل ما في الصدور، تبين حينئذ لمن كانت بضاعته النفاق أن حواصله التي حصَّلها كانت كالسراب.. يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [النور: 39].
> قلوبهم عن الخيرات لاهية، وأجسادهم إليها ساعية، والفاحشة في فِجاجهم فاشية، وإذا سمعوا الحق كانت قلوبهم، عن سماعه قاسية، وإذا حضروا الباطل وشهدوا الزور انفتحت أبصار قلوبهم وكانت آذانهم واعية. فهذه – والله – أمارات النفاق. فاحذرها أيها الرجل قبل أن تنزل بك القاضية. إذا عاهدوا لم يفوا، وإن وعدوا أخلفوا، وإن قالوا لم ينصفوا، وإن دُعوا إلى الطاعة وقفوا، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صَدَفُوا، وإذا دعتهم أهواؤهم إلى أغراضهم أسرعوا إليها وانصرفوا، فَذَرْهم وما اختاروا لأنفسهم من الهوان والخزي والخسران؛ فلا تثق بعهودهم، ولا تطمئن إلى وعودهم، فإنهم فيها كاذبون، وهم لما سواها مخالفون.. وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [التوبة: 75-77].
 كتير صفات المنافقين 115....كتير
كتاب ذم اتباع الهوي 113. كتيب ذم اتباع الهوى
 أحمد الله وأشكره، وأثني عليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه. وبعد: فهذه محاضرة ألقيتها في بعض المساجد، وقام بتسجيلها بعضُ الحاضرين، ثم نسخها أحد الإخوان وقصد بذلك نشرها، فلم أرَ مانعًا من ذلك، وإن كانت عباراتها غير بليغة؛ فإن الكلام المرتجل يقع فيه خلل ونقص في البيان والفصاحة وقوة السبك والأسلوب، وعدم استحضار ما يتصل بالموضوع كاملاً، وكذا عدم الاستيفاء للأدلة والتعليلات، ولكن مع ذلك فقد ذكرت فيها ما حضرني في اتباع الأهواء والشهوات، وما وقع فيه أكثر الذين يتبعون ما تهوى الأنفس، وذكرت بعض نتائج اتباع الهوى، وكيف أصبح الذين اتخذوا أهواءهم آلة في فعل الحرام والتخلف عن الواجبات، ونحو ذلك. نسأل الله أن ينفع بها، وأن يرد ضال المسلمين ردًّا جميلاً، وصلى الله على محمد وصحبه وسلم. قاله وكتبه: عبد اللَّـه بن عبد الرَّحمن الجبرينٍ عضو الإفتاء سابقًا
۞ « المُقدِّمة » الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإننا نفرح ونسر عندما نرى شباب الأمة متحابين ومتعاونين على الخير، ومقبلين على ما ينفعهم، ومفكرين في الحال التي بها نجاتهم، وفيها سلامتهم. ولا شك أن هذا واجب الأمة، وهو أن يهتموا بما فيه نجاة الأمة جمعاء، حتى يعرفوه ويألفوه، ويعملوا به، ويدلوا عليه، وكذلك أن يهتموا بما فيه خطر عليهم، وبما فيه ضرر على الأمة الإسلامية، حتى يعرفوه، ويحذروه، ويبتعدوا عنه، ويحذروا الأمة منه. ومعرفة الشرور التي تحدث بسبب اتباع الهوى وتعلمها فرض على الأمة، فالعمل بالمحرمات وإيثارها على الواجبات ناتج من اتباع الهوى الذي يجب علينا أن نحذره، ونبتعد عنه. نسأل الله -جل وعلا- أن يعيذنا من شر أنفسنا، ومن نزغات الشيطان، وأن يحمينا ويعصمنا من الأهواء المضلة الضارة، وأن يبصرنا بالحق، ويرزقنا التمسك به.
۞ « أهمية كشف الشر والتحذير منه »: لا شك أن من الواجب على كل فرد أن يعرف الشر حتى يحذره ويبتعد عنه،
كما في حديث حذيفة المشهور، يقول: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟! قال:« نعم ». قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال:« نعم ، وفيه دخن ». قلت: وما دخنه؟ قال:« قوم يهدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر ». قلت: وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال:« نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها ». قلت: صفهم لنا. قال: « هم قوم من جلدتنا، ويتكلمون بلساننا...» إلخ. رواه مسلم وغيره.
ففي هذا الحديث يتبين أن الشرور موجودة قبل النبوة وبعدها، وأن الذي يعرفها هو الذي يحذرها ويبتعد عنها، والذي لا يعرفها قد يستحسنها ويقع فيها، والسبيل إلى معرفتها هو البحث عن كونها شرورًا ومعاصي ومحرمات، والبحث عن الأدلة على كونها شرًّا، وكذلك البحث عن العلل والمفاسد التي اشتملت عليها حتى أصبحت شرًّا محضًا. « اتباع الهوى يقود إلى العمل بالمحرمات »:
 يراد بالهوى: الميل الإنساني الذي لا تفكير معه؛ وذلك لأن الإنسان متى لم يفكر في العواقب واتبع هواه فإن ذلك الهوى سيقوده إلى العواقب السيئة وإلى الشرور..
وفي ذلك يقول الشاعر: إذا أنتَ طاوَعْتَ الهَوى قَادَكَ الهَوَى إلى كلِّ مـا فِيه عَلَيك مَقَــال ومن أجل ذلك جعل الهوى من جملة الأشياء التي تهلك الإنسان، وتتسلط عليه، وقد ذكر بعضهم أنها أربعة، ونظمها في هذا البيت: إبليسُ والدُّنْيـا ونَفْسِي والهَوَى كَيْفَ الخَلاصُ وكُلُّهم أَعْدَائِي؟ فالأعداء تتكالب على الإنسان حتى تهلكه، إذا لم يكن معه بصيرة ومعرفة بعداوتها.. وهذا الناظم جعل الأعداء أربعة، وبدأهم بإبليس! ولا شك في عداوة إبليس، فإنه هو الذي يزين للإنسان الهوى واتباعه. فالشر الذي يجر إليه الهوى واتباعه، لا شك أن أصله والدافع إليه هو الشيطان الرجيم؛ فهو الذي يملي للإنسان، ويحمله على أن يتمادى مع هواه، وأن يميل إلى ما يلائمه، ويخلد إليه. قد عُرفت عداوة الشيطان قديمًا، وقد حذرنا الله -تعالى- منه أشد تحذير، وأخبرنا أنه أعدى الأعداء. قال -تعالى-: ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].
> فأخبرنا بأنه لهم عدو من أشد الأعداء غواية.. وكذلك الدنيا أيضا عدو للإنسان؛ لأنها ضرة الآخرة. فالدار الآخرة لها أعمال، ولها أهل، وكذلك الدار الدنيا لها أهل يألفونها، ويميلون إليها. وإذا أطاع الإنسان الميل إلى الدنيا، فإنه ينشغل عن الميل إلى الدار الآخرة، والاستعداد لها. لذلك تكون الدنيا من أعدى الأعداء للإنسان، كما ذكر الشاعر. كذلك النفس.. وقد يتعجب الإنسان ويقول: كيف تكون نفسي عدوة ؟! فالجواب: أن النفس يراد بها النفس الأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. ومعنى هذا أن الإنسان إذا أطاع نفسه مالت به إلى الشر، وأمرته به، وحذرته من الخير، وكسَّلته عن العمل به. فتعد النفس من جملة الأعداء الذين يردون الإنسان ويوقعونه في الهلاك، أو ما يقرب من الهلاك. إذن فالذي يدفع إلى الهوى: الشيطان، والدنيا، والنفس اللوامة. ويكون الهوى هو الشهوة المطاعة، التي إذا اتُّبِعَتْ، أوقعت في الهلاك، أو قاربت منه. « وصف من اتبع الهوى »: لقد ذم الله تعالى في كتابه العزيز من يتبع الهوى وعابهم على ذلك الاتباع. يقول الله -تعالى-: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ * أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 13، 14].
> فالقرية التي أخرجته هي مكة . ويخبر -سبحانه وتعالى- بأن هناك قرى قد أهلكهم الله لما كذبوا، ويخبر بالسبب، وهو أنهم زين لهم سوء أعمالهم، واتبعوا أهواءهم؛ فأعمالهم السيئة هي: الكفر، والكذب والتكذيب بالرسل، ورد ما جاءوا به، وكل ذلك فيه اتباع للأهواء. وقد زين للبعض سوء عمله، واتبعوا أهواءهم، وقد أخبر الله -تعالى- بذم مثل هذا بقوله: ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ﴾ [فاطر: 8].
> فالذين يتبعون الهوى، لا شك أنهم قد استحسنوا العمل السيئ، واتبعوه، واستقبحوا الصالحات وتركوها، فصار الحسن عندهم قبيحا، والقبيح عندهم حسنا؛ فكانوا لذلك هالكين. ولا بد أن زينت لهم الأعمال السيئة، فرأوها حسنة، واتبعوا في ذلك أهواءهم. وقد أخبر الله -تعالى- بأنهم لا يستوون مع غيرهم، يقول -تعالى-: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 16]. فذم الله الذين اتبعوا أهواءهم في هذه الآية؛ لأنهم لا يستفيدون مما يسمعون، ولا يتأثرون بموعظة، ولا يعون أو يعقلون ما يرشدون به. وذكر -تعالى- أنهـم يستمعون القرآن الذي هو غاية في الإعجاز والبلاغة والبيان، ولكن يُحال بينهم وبين فهمه وعقله؛ فكأنهم لا يسمعون أصلا، أو كأنهم قد حِيلَ بينهم وبين سماعه، فإذا خرجوا بعد سماعه يقولون لمن أوتي العلم: ﴿ مَاذَا قَالَ آنِفًا ﴾ [محمد: 16]. كأنهم ما سمعوا. ما الذي حال بينهم وبين الفهم مع أن الكلام فصيح؟! ومع كونهم عربا ويفهمون ويعقلون؟ إن الذي حال بينهم وبين ذلك ما ذكره الله عنهم أنهم اتبعوا أهواءهم؛ لأن الله -تعالى- طبع على قلوبهم، وطمس على معرفتهم حيث اتبعوا أهواءهم، فلم يستفيدوا. فإذا رأيت الذين يهربون من مجالس الذكر فقل: إنهم اتبعوا أهواءهم. وإذا رأيت الذي يستمعون ولكن لا يستفيدون، فقل: هؤلاء من الذين اتبعوا أهواءهم، بل من الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم؛ حيث طمست معرفتهم التي وهبت لهم، فكانوا بذلك مثل ما ذكر الله عن المنافقين: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18]. معلوم أن لهم أسماع، ولكن لا ينفعهم ما يسمعون، ولهم أبصار، ولكن لا ينفعهم ما يقرءون أو ينظرون، ولهم عقول، ولكن لا ينفعهم ما يتعقلون. هؤلاء هم نصيب النار الذين أعدهم الله لها، كما ذكرهم في قوله -تعالى-: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
> فهذا وصف الذين اتبعوا أهواءهم، يستمعون ولا يفهمون، يقرءون ولا يعتبرون، يعقلون ولا يتأملون، لم تنفعهم قلوبهم، وكذلك أبصارهم وأسماعهم، لم يستفيدوا بها. * يقول بعض المتأخرين في وصف من اتبعوا الهوى: صمٌّ ولو سمعوا، بكم ولو نطقوا، عمي ولو نظروا...!! عموا عن الحق، صُموا عن تدبره ! ولكن ما الذي أعماهم؟! الهوى ! ما الذي أصمّهم؟! الهوى ! ورد في بعض الآثار: الهوى يعمي ويصم؛ لما أنهم صار هواهم مخالفا لما جاء به الشرع.. أصم آذانهم، وأعمى أبصارهم، وأصبحوا كأنهم لا يستفيدون من حواسهم التي منحهم الله إياها. وقد وصف الله الكافرين بقوله: ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 171]. * يقول المفسرون: إن الله ضرب هذا المثل للكفار الذين حيل بينهم وبين فهم الحق، واتبعوا شهواتهم وميلهم، فضرب لهم مثلا بمن ينادي بهائم، كغنم ونحوها؛ فالنعيق هو نداء الغنم، والأغنام لا تدري ما تقول، ولكنها تسمع الصوت فتتبع ذلك الصوت. وهذا مثل العصاة والطغاة، الذين يُدعون إلى الحق فلا يقبلونه، ولا يتقبلونه ! كذلك يُدعون إلى الإيمان فيكفرون! يُبين لهم الحق فلا يقبلونه، ولا يرضون بموعظة، ولا يقبلون إرشادا، ولا يتأثرون بتذكير، حال بينهم وبين ذلك كله اتباع أهواءهم، بسبب ميلهم إلى الشهوات والمحرمات. ولقد ذكر الله -تعالى- أن الهوى من جملة المعبودات التي تُعبد، قال -تعالى-: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾ [الجاثية: 23]. أول أعماله أنه اتخذ إلهه هواه؛ فهو لا يهوى شيئا إلا ركبه، كلما منته نفسه بشيء لم يفكر هل هو خير أم شر؟ هل هو طاعة أم معصية؟ بل يقدم عليه ويقتحمه، ولو كان ذنبا كبيرا أو صغيرا. ومثل هذا قد ضل وهو على علم ومعرفة ولكنه لم يقبل الخير؛ فأصبح من الضالين، بحيث إنه لا يقبل الإرشاد، ولا يقبل التذكير، بل إذا سمعه ابتعد عنه، وعن الطرق التي توصل الخير إلى قلبه. وقد وصفه الله في آية أخرى بقوله -تعالى- : ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ﴾ [لقمان: 7]. ما الذي حمله على ذلك ؟! إذا سمع القرآن والمواعظ، وإذا مر بأهل مسجد أو مدرسة لا يتركه هواه بأن يجلس عندهم، بل يصد ويعرض؛ ويكاد أن يصم أذنيه مخافة أن يدخل عليه شيء يفسد عليه ميله وشهوته وهواه، ﴿كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ﴾ أي: ثقلا، لا يستفيد، ولا يسمع ما يفيده. هذا وصف الذين يتبعون أهواءهم، ومن جملتهم المشركون الذين صدهم الهوى عن قبول رسالة النبي لذلك أعرضوا عنه، كما ذكر الله -تعالى- عنهم: ﴿ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴾ [فصلت: 4، 5].
>  انظر كيف وصفوا أنفسهم بهذه الأوصاف، اعترافا منهم !! لقد صدهم الهوى عما يدعوهم إليه النبي فكأن قلوبهم في أغطية لا يصل إليها الخير، ولا تتقبل الدعوة. ﴿ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الأنعام: 25] اعترفوا بأنهم لا يسمعون، وكأن في آذانهم وقرا، ﴿وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾،
> يعني حاجز منيع يحجز كلامك عنَّا، ولا ننتفع به. وهذا كما وقع في الأولين فإنه يقع في المتأخرين. فالذين ابتعدوا عن الخير وأهله هم الذين اتبعوا ما تهواه أنفسهم وما تميل إليه، والذين يميلون إلى الظن واتباع الهوى أقوالهم وأفعالهم ناتجة عن ذلك. يقول -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى *وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم: 27، 28].
وهكذا ذكرهم في قوله -تعالى-: ﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى* تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 21- 23]. فالظن واتباعهم ما تهوى الأنفس هو الذي أوقعهم في الكفر والمعاصي.. وهذا نتيجة اتباع الهوى. ولأجل ذلك ذكر الله -تعالى- أن الهوى معبود في موضعين من القرآن في سورة الفرقان في قوله -تعالى-: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43]. وفى سورة الجاثية قوله -تعالى-: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾ [الجاثية: 23].
ففي هذين الموضعين ذكر الله -تعالى- أن الهوى إله، عبادة غير الله والإشراك به في الطاعة. وقد ذكرنا أن العلماء فسروا ذلك بأنه لا يهوى شيئا إلا ركبه، وأنه ورد في الأثر: ما تحت أديم السماء إله يُعبد أشد من هوى مُتبع. فاتباع الهوى، والميل النفسي هو الذي يؤدي إلى ما نراه كثيرا مما هو واقع من كثير من الناس في هذه الأزمنة! فالذين يصدون عن الخير وعن مَجالِسه اتبعوا أهواءهم، والذين يبغضون الجلساء الصالحين، ويألفون جلساء الشر والفسقة والعصاة.. هؤلاء ممن اتبعوا أهواءهم واتبعوا الشهوات.. وهم في هذا لا ينظرون إلى تلك الشهوات من حيث تحريمها أو إباحتها، فجرتهم تلك الشهوات إلى الحرام؛ ولا شك أن ذلك نتيجة اتباعهم أهواءهم، ولو كان شرًّا.
۞ فلا شك أن الميل إلى الهوى قد يقود الإنسان إلى الضلال والخسران، كما أنه يجر إلى نتيجة سيئة، وهي التثاقل عن العبادات. ذلك أنهم إذا أعطوا أنفسهم ما تشتهيه من المباح جرتهم إلى المكروه، ثم إلى الحرام.

كتبت الزهد 6. باب من اشرك في عمله غير الله 5300- قَوْله تَعَالَى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاء عَنْ الشِّرْك، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فيه غَيْرِي تَرَكْته وَشِرْكه»هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول: (وَشِرْكه)، وَفِي بَعْضهَا (وَشَرِيكه)، وَفِي بَعْضهَا: (وَشَرِكَته). وَمَعْنَاهُ أَنَا غَنِيّ عَنْ الْمُشَارَكَة وَغَيْرهَا، فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا لِي وَلِغَيْرِي لَمْ أَقْبَلهُ، بَلْ أَتْرُكهُ لِذَلِكَ الْغَيْر. وَالْمُرَاد أَنَّ عَمَل الْمُرَائِي بَاطِل لَا ثَوَاب فيه، وَيَأْثَم بِهِ.
  ‏5301- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّه بِهِ، وَمَنْ رَايَا رَايَا اللَّه بِهِ» قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ مَنْ رَايَا بِعَمَلِهِ، وَسَمَّعَهُ النَّاس لِيُكْرِمُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ وَيَعْتَقِدُوا خَيْره سَمَّعَ اللَّه بِهِ يَوْم الْقِيَامَة النَّاس، وَفَضَحَهُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِهِ، وَأَذَاعَهَا، أَظْهَرَ اللَّه عُيُوبه، وَقِيلَ: أَسْمَعَهُ الْمَكْرُوه، وَقِيلَ: أَرَاهُ اللَّه ثَوَاب ذَلِكَ مِنْ غَيْر أَنْ يُعْطِيه إِيَّاهُ لِيَكُونَ حَسْرَة عَلَيْهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ النَّاس أَسْمَعَهُ اللَّه النَّاس، وَكَانَ ذَلِكَ حَظّه مِنْهُ. ✯✯✯✯✯✯ ‏5302- قَوْله: (سَمِعْت جُنْدُبًا الْعَلَقِيّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَاللَّام وَبِالْقَافِ مَنْسُوب إِلَى الْعَلَقَة بَطْن مِنْ بَجِيلَة، سَبَقَ بَيَانه فِي كِتَاب الصَّلَاة. كتاب الزهد 6.

لا يزني الزاني وهو مؤمن باب بيان نقصان الايمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية 86- فِي الْبَاب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِن، وَلَا يَسْرِق السَّارِق حِين يَسْرِق وَهُوَ مُؤْمِن، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْر حِين يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِن» الْحَدِيث وَفِي رِوَايَة: «وَلَا يَغُلُّ أَحَدكُمْ حِين يَغُلّ وَهُوَ مُؤْمِن» وَفِي رِوَايَة (وَالتَّوْبَة مَعْرُوضَة بَعْد)، هَذَا الْحَدِيث مِمَّا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَاهُ. فَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ: لَا يَفْعَل هَذِهِ الْمَعَاصِي وَهُوَ كَامِل الْإِيمَان. وَهَذَا مِنْ الْأَلْفَاظ الَّتِي تُطْلَق عَلَى نَفْيِ الشَّيْء وَيُرَاد نَفْي كَمَالِهِ وَمُخْتَاره كَمَا يُقَال: لَا عِلْم إِلَّا مَا نَفَعَ، وَلَا مَال إِلَّا الْإِبِل، وَلَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة. وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرّ وَغَيْره: «مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» وَحَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت الصَّحِيح الْمَشْهُور أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا، وَلَا يَعْصُوا إِلَى آخِره. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه، وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَته، وَمَنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعَاقَب فَهُوَ إِلَى اللَّه تَعَالَى إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ» فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَعَ نَظَائِرهمَا فِي الصَّحِيح مَعَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} مَعَ إِجْمَاع أَهْل الْحَقّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاتِلَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَصْحَاب الْكَبَائِر غَيْر الشِّرْك، لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ، بَلْ هُمْ مُؤْمِنُونَ نَاقِصُو الْإِيمَان. إِنْ تَابُوا سَقَطَتْ عُقُوبَتهمْ، وَإِنْ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِر كَانُوا فِي الْمَشِيئَة. فَإِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ وَأَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة أَوَّلًا، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة. وَكُلّ هَذِهِ الْأَدِلَّة تَضْطَرُّنَا إِلَى تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث وَشِبْهِهِ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا التَّأْوِيل ظَاهِرٌ سَائِغ فِي اللُّغَة مُسْتَعْمَلٌ فيها كَثِير. وَإِذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ ظَاهِرًا وَجَبَ الْجَمْع بَيْنهمَا. وَقَدْ وَرَدَا هُنَا فَيُجِبْ الْجَمْع وَقَدْ جَمَعْنَا. وَتَأَوَّلَ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْحَدِيث عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا لَهُ مَعَ عِلْمه بِوُرُودِ الشَّرْع بِتَحْرِيمِهِ. وَقَالَ الْحَسَن وَأَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيُّ: مَعْنَاهُ يُنْزَع مِنْهُ اِسْم الْمَدْح الَّذِي يُسَمَّى بِهِ أَوْلِيَاء اللَّه الْمُؤْمِنِينَ، وَيَسْتَحِقُّ اِسْم الذَّمّ فَيُقَال: سَارِق، وَزَانٍ وَفَاجِر، وَفَاسِق. وَحُكِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ: يُنْزَع مِنْهُ نُور الْإِيمَان. وَفيه حَدِيث مَرْفُوع. وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: يُنْزَع مِنْهُ بَصِيرَته فِي طَاعَة اللَّه تَعَالَى. وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث. وَمَا أَشْبَهَهُ، يُؤْمَنُ بِهَا، وَيُمَرُّ عَلَى مَا جَاءَتْ، وَلَا يُخَاض فِي مَعْنَاهَا وَأَنَّا لَا نَعْلَم مَعْنَاهَا. وَقَالَ: أَمِرُّوهَا كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلكُمْ. وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيث غَيْر مَا ذَكَرْته مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ بَعْضهَا غَلَطٌ، فَتَرَكْتهَا. وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْتهَا فِي تَأْوِيله كُلُّهَا مُحْتَمَلَة. وَالصَّحِيح فِي مَعْنَى الْحَدِيث مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلًا وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْل اِبْن وَهْب: أَخْبَرَنِي يُونُس عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ: سَمِعْت أَبَا سَلَمَة وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُولَانِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِن» إِلَى آخِره قَالَ اِبْن شِهَاب فَأَخْبَرَنِي عَبْد الْمَلِكِ بْن أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ يُحَدِّثُهُمْ هَؤُلَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ثُمَّ يَقُول: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يُلْحِقُ مَعَهُنَّ: «وَلَا يَنْتَهِب نُهْبَة ذَات شَرَف يَرْفَع النَّاس إِلَيْهِ فيها أَبْصَارهمْ حِين يَنْتَهِبهَا وَهُوَ مُؤْمِن» فَظَاهِر هَذَا الْكَلَام أَنَّ قَوْله: «وَلَا يَنْتَهِب» إِلَى آخِره لَيْسَ مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هُوَ مِنْ كَلَام أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، مَوْقُوف عَلَيْهِ، وَلَكِنْ جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه فِي ذَلِكَ كَلَامًا حَسَنًا فَقَالَ: رَوَى أَبُو نُعَيْم فِي مُخَرَّجه عَلَى كِتَاب مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه مِنْ حَدِيث هَمَّام بْن مُنَبَّه هَذَا الْحَدِيث، وَفيه: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْتَهِب أَحَدكُمْ» وَهَذَا مُصَرَّح بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ ذِكْر هَذَا بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيث اللَّيْث بِإِسْنَادِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم عَنْهُ مَعْطُوفًا فيه ذِكْر النُّهْبَة عَلَى مَا بَعْد قَوْله قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَقًا مِنْ غَيْر فَصْل بِقَوْلِهِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يُلْحِق مَعَهُنَّ ذَلِكَ. وَذَلِكَ مُرَاد مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه بِقَوْلِهِ: وَاقْتَصَّ الْحَدِيث يَذْكُر مَعَ ذِكْر النُّهْبَة وَلَمْ يَذْكُر ذَات شَرَف وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِهَذَا فِي الِاسْتِدْلَال عَلَى كَوْن النُّهْبَة مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ قِبَل الْمُدْرَج فِي الْحَدِيث مِنْ كَلَام بَعْضِ رُوَاته اِسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ مَنْ فَصَّلَ، فَقَالَ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يُلْحِق مَعَهُنَّ. وَمَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْم يَرْتَفِع عَنْ أَنْ يَتَطَرَّق إِلَيْهِ هَذَا الِاحْتِمَال. وَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْل أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يُلْحِق مَعَهُنَّ مَعْنَاهُ يُلْحِقهَا رِوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ عِنْد نَفْسه، وَكَأَنَّ أَبَا بَكْر خَصَّهَا بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ بَلَغَهُ أَنَّ غَيْره لَا يَرْوِيهَا. وَدَلِيل ذَلِكَ مَا تَرَاهُ مِنْ رِوَايَة مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه الْحَدِيث مِنْ رِوَايَة عُقَيْل أَنَّ اِبْن شِهَاب عَنْ أَبِي سَلَمَة وَابْن الْمُسَيَّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مِنْ غَيْر ذِكْر النُّهْبَة. ثُمَّ إِنَّ فِي رِوَايَة عُقَيْل أَنَّ اِبْن شِهَاب رَوَى ذِكْرَ النُّهْبَة عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الرَّحْمَن نَفْسه وَفِي رِوَايَة يُونُس عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي عِكْرِمَة عَنْهُ. فَكَأَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ اِبْنه عَنْهُ، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْهُ نَفْسه. وَأَمَّا قَوْل مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه: (وَاقْتَصَّ الْحَدِيث يَذْكُر مَعَ ذِكْر النُّهْبَة) فَكَذَا وَقَعَ يَذْكُر مِنْ غَيْر هَاء الضَّمِير فَإِمَّا أَنْ يُقَال حَذَفَهَا مَعَ إِرَادَتهَا، وَإِمَّا أَنْ يُقْرَأَ (يُذْكَر) بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الْكَاف عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله، عَلَى أَنَّهُ حَال، أَيْ اِقْتَصَّ الْحَدِيث مَذْكُورًا مَعَ ذِكْر النُّهْبَة. هَذَا آخَر كَلَام الشَّيْخ أَبِي عَمْرو رَحِمَهُ اللَّه. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله: (ذَات شَرَف) فَهُوَ فِي الرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة وَالْأُصُول الْمَشْهُورَة الْمُتَدَاوَلَة بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه عَنْ جَمِيع الرُّوَاة لِمُسْلِمٍ. وَمَعْنَاهُ ذَات قَدْر عَظِيم، وَقِيلَ ذَات اِسْتِشْرَاف يَسْتَشْرِف النَّاس لَهَا نَاظِرِينَ إِلَيْهَا رَافِعِينَ أَبْصَارهمْ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره رَحِمَهُمْ اللَّه: وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيُّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة. قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو: وَكَذَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ فِي كِتَاب مُسْلِمٍ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ أَيْضًا ذَات قَدْر عَظِيم. وَاَللَّه أَعْلَم. (وَالنُّهْبَة) بِضَمِّ النُّون وَهِيَ مَا يَنْهَبهُ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَغُلّ» فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمَّ الْغَيْن وَتَشْدِيد اللَّام وَرَفْعهَا، وَهُوَ مِنْ الْغُلُول، وَهُوَ الْخِيَانَة. وَأَمَّا قَوْله: «فَإِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ» فَهَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَات إِيَّاكُمْ إِيَّاكُمْ مَرَّتَيْنِ وَمَعْنَاهُ اِحْذَرُوا اِحْذَرُوا. يُقَال: إِيَّاكَ وَفُلَانًا أَيْ اِحْذَرْهُ، وَيُقَال إِيَّاكَ أَيْ اِحْذَرْ مِنْ غَيْر ذِكْر فُلَان كَمَا وَقَعَ هُنَا. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِالْإِسْنَادِ فَفيه حَرْمَلَة التُّجِيبِيُّ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّات أَنَّهُ بِضَمِّ التَّاء وَفَتْحهَا. وَفيه عُقَيْل عَنْ اِبْن شِهَاب وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ بِضَمِّ الْعَيْن. وَفيه الدَّرَاوَرْدِيُّ بِفَتْحِ الدَّال وَالْوَاو وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي بَاب الْأَمْر بِقِتَالِ النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه. وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ.
✯✯✯✯✯✯ ‏87- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالتَّوْبَة مَعْرُوضَة بَعْد» فَظَاهِر وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث. وَلِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَة أَرْكَان: أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا وَيَعْزِم أَنْ لَا يَعُود إِلَيْهَا فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته. هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ. وَخَالَفَتْ الْمُعْتَزِلَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَاَللَّه أَعْلَم. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: أَشَارَ بَعْض الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ مَا فِي الْحَدِيث تَنْبِيه عَلَى جَمِيع أَنْوَاع الْمَعَاصِي وَالتَّحْذِير مِنْهَا: فَنَبَّهَ بِالزِّنَا عَلَى جَمِيع الشَّهَوَات، وَبِالسَّرِقَةِ عَلَى الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا وَالْحِرْص عَلَى الْحَرَام، وَبِالْخَمْرِ عَلَى جَمِيع مَا يَصُدّ عَنْ اللَّه تَعَالَى وَيُوجِب الْغَفْلَة عَنْ حُقُوقه، وَبِالِانْتِهَابِ الْمَوْصُوف عَنْ الِاسْتِخْفَاف بِعِبَادِ اللَّه تَعَالَى وَتَرْكِ تَوْقِيرهمْ وَالْحَيَاء مِنْهُمْ وَجَمْع الدُّنْيَا مِنْ غَيْر وَجْهِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم. 16/لا يزني الزاني وهو مؤمن
.... باب من مات لا يشرك بالله شيئا 30 باب من مات لا يشرك بالله شييا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار 134- قَالَ مُسْلِم: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيع عَنْ الْأَعْمَش عَنْ شَقِيق عَنْ عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ وَكِيع: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ اِبْن نُمَيْر: سَمِعْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «مَنْ مَاتَ يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار. قُلْت أَنَا وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة». أَمَّا الْإِسْنَاد فَكُلّه كُوفِيُّونَ؛ مُحَمَّد بْن نُمَيْر، وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وَمَنْ بَيْنهمَا. وَقَوْله: (قَالَ وَكِيع: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ اِبْن نُمَيْر: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا وَمَا أَشْبَهَ مِنْ الدَّقَائِق الَّتِي يُنَبِّه عَلَيْهَا مُسْلِم رَضِيَ اللَّه عَنْهُ دَلَائِل قَاطِعَة عَلَى شِدَّة تَحَرِّيه وَإِتْقَانه، وَضَبْطه وَعِرْفَانه، وَغَزَارَة عِلْمه وَحِذْقه وَبَرَاعَته فِي الْغَوْص عَلَى الْمَعَانِي وَدَقَائِق عِلْم الْإِسْنَاد وَغَيْر ذَلِكَ فَرَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وَالدَّقِيقَة فِي هَذَا أَنَّ اِبْن نُمَيْر قَالَ رِوَايَة عَنْ اِبْن مَسْعُود: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُتَّصِل لَا شَكٍّ فيه. وَقَالَ وَكِيع رِوَايَة عَنْهُ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مِمَّا اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فيه هَلْ يُحْمَل عَلَى الِاتِّصَال أَمْ عَلَى الِانْقِطَاع؟ فَالْجُمْهُور أَنَّهُ عَلَى الِاتِّصَال كَسَمِعْت. وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَل عَلَى الِاتِّصَال إِلَّا بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، فَإِذَا قِيلَ بِهَذَا الْمَذْهَب كَانَ مُرْسَل صَحَابِيٍّ، وَفِي الِاحْتِجَاج بِهِ خِلَاف. فَالْجَمَاهِير قَالُوا: يُحْتَجُّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجّ بِمُرْسَلِ غَيْره. وَذَهَبَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الْإِسْفَرَايِينِيّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه إِلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجّ بِهِ. فَعَلَى هَذَا يَكُون هَذَا الْحَدِيث قَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا وَمُرْسَلًا. وَفِي الِاحْتِجَاج بِمَا رُوِيَ مُرْسَلًا وَمُتَّصِلًا خِلَاف مَعْرُوف. قِيلَ: الْحُكْم لِلْمُرْسَلِ؛ وَقِيلَ: لِلْأَحْفَظِ رِوَايَة، وَقِيلَ: لِلْأَكْثَرِ. وَالصَّحِيح أَنَّهُ تُقَدَّم رِوَايَة الْوَصْل فَاحْتَاطَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه وَذَكَر اللَّفْظَيْنِ لِهَذِهِ الْفَائِدَة، وَلِئَلَّا يَكُون رَاوِيًا بِالْمَعْنَى فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرِّوَايَة بِاللَّفْظِ أَوْلَى. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار، وَقُلْت أَنَا: وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة» هَكَذَا وَقَعَ فِي أُصُولنَا مِنْ صَحِيح مُسْلِمٍ. وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. وَكَذَا ذَكَره الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه فِي رِوَايَته لِصَحِيحِ مُسْلِم. وَوُجِدَ فِي بَعْض الْأُصُول الْمُعْتَمَدَة مِنْ صَحِيح مُسْلِمٍ عَكْس هَذَا: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة». قُلْت أَنَا: وَمَنْ مَاتَ يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار. وَهَكَذَا ذَكَره الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْع بَيْن الصَّحِيحَيْنِ عَنْ صَحِيح مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَة فِي كِتَابه الْمُخَرَّج عَلَى صَحِيح مُسْلِم، وَقَدْ صَحَّ اللَّفْظَانِ مِنْ كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث جَابِرٍ الْمَذْكُور. فَأَمَّا اِقْتِصَار اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى رَفْع إِحْدَى اللَّفْظَتَيْنِ وَضَمّه الْأُخْرَى إِلَيْهَا مِنْ كَلَام نَفْسه فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره: سَبَبه أَنَّهُ لَمْ يَسْمَع مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِحْدَاهُمَا وَضَمَّ إِلَيْهَا الْأُخْرَى لَمَّا عَلِمَهُ مِنْ كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَوَحْيه، أَوْ أَخَذَهُ مِنْ مُقْتَضَى مَا سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ فيه نَقْص مِنْ حَيْثُ إِنَّ اللَّفْظَتَيْنِ قَدْ رَفَعَهُمَا مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود كَمَا ذَكَرْنَاهُ، فَالْجَيِّد أَنْ يُقَال: سَمِعَ اِبْن مَسْعُود اللَّفْظَتَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ فِي وَقْتٍ حَفِظَ إِحْدَاهُمَا وَتَيَقَّنَهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَحْفَظ الْأُخْرَى فَرَفَعَ الْمَحْفُوظَة وَضَمَّ الْأُخْرَى إِلَيْهَا وَفِي وَقْتٍ آخَر حَفِظَ الْأُخْرَى وَلَمْ يَحْفَظ الْأُولَى مَرْفُوعَة، فَرَفَعَ الْمَحْفُوظَة وَضَمَّ الْأُخْرَى إِلَيْهَا. فَهَذَا جَمْع ظَاهِرٌ بَيْن رِوَايَتَيْ اِبْن مَسْعُود، وَفيه مُوَافَقَةٌ لِرِوَايَةِ غَيْره فِي رَفْع اللَّفْظَتَيْنِ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا حُكْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ مَاتَ يُشْرِك بِدُخُولِ النَّار وَمَنْ مَاتَ غَيْر مُشْرِك بِدُخُولِهِ الْجَنَّة فَقَدْ أَجْمَع عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. فَأَمَّا دُخُول الْمُشْرِك النَّار فَهُوَ عَلَى عُمُومه فَيَدْخُلهَا وَيَخْلُد فيها وَلَا فَرْق فيه بَيْن الْكِتَابِيِّ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَبَيْن عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَسَائِرِ الْكَفَرَةِ. وَلَا فَرْق عِنْد أَهْل الْحَقِّ بَيْنَ الْكَافِر عِنَادًا وَغَيْره، وَلَا بَيْن مَنْ خَالَفَ مِلَّة الْإِسْلَام وَبَيْن مَنْ اِنْتَسَبَ إِلَيْهَا. ثُمَّ حُكِمَ بِكُفْرِهِ بِجَحْدِهِ مَا يَكْفُر بِجَحْدِهِ وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَمَّا دُخُول مَنْ مَاتَ غَيْر مُشْرِك الْجَنَّة فَهُوَ مَقْطُوع لَهُ بِهِ لَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِب كَبِيرَة مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا دَخَلَ الْجَنَّة أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ صَاحِب كَبِيرَة مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا فَهُوَ تَحْت الْمَشِيئَة، فَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ دَخَلَ أَوَّلًا وَإِلَّا عُذِّبَ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ النَّار، وَخُلِّدَ فِي الْجَنَّة. وَاَللَّه أَعْلَم.
✯✯✯✯✯✯ ‏135- قَوْله: عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقَالَ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّار» وَأَمَّا (أَبُو سُفْيَان) الرَّاوِي عَنْ جَابِر فَاسْمه طَلْحَة بْن نَافِع. وَأَمَّا قَوْله (مَا الْمُوجِبَتَانِ؟) فَمَعْنَاهُ الْخَصْلَة الْمُوجِبَة لِلْجَنَّةِ، وَالْخَصْلَة الْمُوجِبَة لِلنَّارِ. ✯✯✯✯✯✯ ‏136- قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه: وَحَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوب الْغَيْلَانِيُّ سُلَيْمَان بْن عُبَيْد اللَّه وَحَجَّاج بْن الشَّاعِر قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْد الْمَلِك حَدَّثَنَا قُرَّة عَنْ أَبِي الزُّبَيْر حَدَّثَنَا جَابِرٌ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «مَنْ لَقِيَ اللَّه تَعَالَى لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِك بِهِ دَخَلَ النَّار»، قَالَ أَبُو أَيُّوب: قَالَ أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر. و: (أَبُو الزُّبَيْر) اِسْمه مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن تَدْرُس تَقَدَّمَ بَيَانه. وَأَمَّا قَوْله: (قَالَ أَبُو أَيُّوب: قَالَ أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر) فَمُرَاده أَنَّ أَبَا أَيُّوب وَحَجَّاجًا اِخْتَلَفَا فِي عِبَارَة أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر فَقَالَ أَبُو أَيُّوب: عَنْ جَابِر وَقَالَ حَجَّاج: حَدَّثَنَا جَابِر. فَأَمَّا حَدَّثَنَا فَصَرِيحَة فِي الِاتِّصَال، وَأَمَّا (عَنْ) فَمُخْتَلَف فيها. فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهَا لِلِاتِّصَالِ كَحَدَّثَنَا. وَمِنْ الْعُلَمَاء مَنْ قَالَ: هِيَ لِلِانْقِطَاعِ وَيَجِيء فيها مَا قَدَّمْنَاهُ إِلَّا أَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا الْمَذْهَب يَكُون مُرْسَلَ تَابِعِيٍّ. وَأَمَّا (قُرَّة) فَهُوَ اِبْن خَالِد. ✯✯✯✯✯✯ ‏137- قَوْله: عَنْ الْمَعْرُور بْن سُوَيْد قَالَ: سَمِعْت أَبَا ذَرّ يُحَدِّث عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتك لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة. قُلْت: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ وَأَمَّا (الْمَعْرُور) فَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَبِرَاءٍ مُهْمَلَة مُكَرَّرَة. وَمِنْ طُرَف أَحْوَاله أَنَّ الْأَعْمَش قَالَ رَأَيْت الْمَعْرُور وَهُوَ اِبْن عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة أَسْوَد الرَّأْس وَاللِّحْيَة. ✯✯✯✯✯✯ ‏138- قَوْله: عَنْ اِبْن بُرَيْدَةَ أَنْ يَحْيَى بْن يَعْمُر حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَد الدِّيْلِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا ذَرّ حَدَّثَهُ قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ، ثُمَّ أَتَيْته فَإِذَا هُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْته وَقَدْ اِسْتَيْقَظَ، فَجَلَسْت إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّة. قُلْت: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْت: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ (ثَلَاثًا) ثُمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَة: عَلَى رَغْم أَنْف أَبِي ذَرّ قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو ذَر وَهُوَ يَقُول وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرّ» وَأَمَّا (أَبُو ذَرّ) فَتَقَدَّمَ أَنَّ اِسْمه جُنْدُب بْن جُنَادَة عَلَى الْمَشْهُور وَقِيلَ غَيْره. وَفِي الْإِسْنَاد (أَحْمَد بْن خِرَاش) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة تَقَدَّمَ. وَأَمَّا (اِبْن بُرَيْدَةَ) فَاسْمه عَبْد اللَّه، وَلِبُرَيْدَةَ اِبْنَانِ سُلَيْمَان وَعَبْد اللَّه وَهُمَا ثِقَتَانِ وُلِدَا فِي بَطْنٍ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرهمَا أَوَّل كِتَاب الْإِيمَان. وَابْن بُرَيْدَةَ هَذَا وَيَحْيَى بْن يَعْمُر وَأَبُو الْأَسْوَد ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض. (وَيَعْمُر) بِفَتْحِ الْمِيم وَضَمّهَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. و: (أَبُو الْأَسْوَد) اِسْمه ظَالِم بْن عَمْرو هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَقِيلَ: اِسْمه عَمْرو بْن ظَالِم، وَقِيلَ: عُثْمَان بْن عَمْرو، وَقِيلَ: عَمْرو بْن سُفْيَان، وَقِيلَ: عُوَيْمِر بْن ظُوَيْلِم. وَهُوَ أَوَّل مَنْ تَكَلَّمَ فِي النَّحْو وَوَلِيَ قَضَاء الْبَصْرَة لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّه وَجْهه. وَأَمَّا (الدِّيْلِيّ) فَكَذَا وَقَعَ هُنَا بِكَسْرِ الدَّال وَإِسْكَان الْيَاء. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فيه فَذَكَر الْقَاضِي عِيَاض أَنَّ أَكْثَر أَهْل السُّنَّة يَقُولُونَ فيه وَفِي كُلِّ مَنْ يُنْسَب إِلَى هَذَا الْبَطْن الَّذِي فِي كِنَانَة (دِيْلِيّ) بِكَسْرِ الدَّال وَإِسْكَان الْيَاء كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّ أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُولُونَ فيه الدُّؤَلِيّ بِضَمِّ الدَّال وَبَعْدهَا هَمْزَة مَفْتُوحَة. وَبَعْضهمْ يَكْسِرهَا وَأَنْكَرَهَا النُّحَاة. هَذَا كَلَام الْقَاضِي. وَقَدْ ضَبَطَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه هَذَا وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ ضَبْطًا حَسَنًا وَهُوَ مَعْنَى مَا قَالَهُ الْإِمَام أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ، قَالَ الشَّيْخ: هُوَ الدِّيْلِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول: (الدُّؤَلِيّ) عَلَى مِثَال الْجُهَنِيّ وَهُوَ نِسْبَةٌ إِلَى (الدُّئِل) بِدَالِ مَضْمُومَة بَعْدهَا هَمْزَة مَكْسُورَة حَيٌّ مِنْ كِنَانَة وَفَتَحُوا الْهَمْزَة فِي النَّسَب كَمَا قَالُوا فِي النَّسَب إِلَى نَمِر: نَمَرِيّ بِفَتْحِ الْمِيم. قَالَ: وَهَذَا قَدْ حَكَاهُ السِّيرَافِيّ عَنْ أَهْل الْبَصْرَة قَالَ: وَجَدْت عَنْ أَبِي عَلِيّ الْقَالِيّ وَهُوَ بِالْقَافِ فِي كِتَاب (الْبَارِع) أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ، وَسِيبَوَيْهِ، وَابْن السِّكِّيت، وَالْأَخْفَش، وَأَبِي حَاتِم، وَغَيْرهمْ، وَأَنَّهُ حَكَى عَنْ الْأَصْمَعِيِّ عَنْ عِيسَى بْن عُمَر أَنَّهُ كَانَ يَقُول فيه: (أَبُو الْأَسْوَد الدُّئِلِيّ) بِضَمِّ الدَّال وَكَسْر الْهَمْزَة عَلَى الْأَصْل. وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ يُونُس وَغَيْره عَنْ الْعَرَب يَدَعُونَهُ فِي النَّسَب عَلَى الْأَصْل وَهُوَ شَاذٌّ فِي الْقِيَاس. وَذَكَر السِّيرَافِيّ عَنْ أَهْل الْكُوفَة أَنَّهُمْ يَقُولُونَ (أَبُو الْأَسْوَد الدِّيْلِيُّ) بِكَسْرِ الدَّال وَيَاء سَاكِنَة، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْكِسَائِيِّ، وَأَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَام، وَعَنْ صَاحِب كِتَاب الْعَيْن، وَمُحَمَّد بْن حُبَيْبَ بِفَتْحِ الْبَاء غَيْر مَصْرُوف، لِأَنَّهَا أُمّه، كَانُوا يَقُولُوا فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ كِنَانَة: الدِّيْل بِإِسْكَانِ الْيَاء وَكَسْر الدَّال، وَيَجْعَلُونَهُ مِثْل (الدِّيْل) الَّذِي هُوَ فِي عَبْد الْقَيْس. وَأَمَّا (الدُّوْل) بِضَمِّ الدَّال وَإِسْكَان الْوَاو فَحَيٌّ مِنْ بَنِي حَنِيفَة. وَاَللَّه أَعْلَم. هَذَا آخِر كَلَام الشَّيْخ أَبِي عَمْرو رَحِمَهُ اللَّه. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» فَهُوَ حُجَّة لِمَذْهَبِ أَهْل السَّنَة أَنَّ أَصْحَاب الْكَبَائِر لَا يُقْطَع لَهُمْ بِالنَّارِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ دَخَلُوهَا أُخْرِجُوا مِنْهَا وَخُتِمَ لَهُمْ بِالْخُلُودِ فِي الْجَنَّة. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلّه مَبْسُوطًا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رَغْم أَنْف أَبِي ذَرْ» فَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاء وَضَمَّهَا وَكَسَرَهَا. قَوْله: «وَإِنْ رَغِمَ أَنْف أَبِي ذَرّ» هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْن وَكَسْرهَا. ذَكَر هَذَا كُلّه الْجَوْهَرِيُّ، وَغَيْره. وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ (الرَّغَام) بِفَتْحِ الرَّاء وَهُوَ التُّرَاب. فَمَعْنَى: «أَرْغَمَ اللَّه أَنْفه» أَيْ أَلْصَقَهُ بِالرَّغَام، وَأَذَلَّهُ فَمَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رَغْم أَنْف أَبِي ذَرّ» أَيْ عَلَى ذُلٍّ مِنْهُ لِوُقُوعِهِ مُخَالِفًا لِمَا يُرِيد. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَلَى كَرَاهَة مِنْهُ، وَإِنَّمَا قَالَهُ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِاسْتِبْعَادِهِ الْعَفْو عَنْ الزَّانِي السَّارِق الْمُنْتَهِك لِلْحُرْمَةِ، وَاسْتِعْظَامه ذَلِكَ، وَتَصَوُّر أَبِي ذَرّ بِصُورَةِ الْكَارِه الْمُمَانِع. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَانِعًا وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَبِي ذَرّ لِشِدَّةِ نَفْرَته مِنْ مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى وَأَهْلِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم. ....30 .




.... 35/كتاب الإيمان باب بيان غلظ تحريم النميمة 151- قَوْله: (لَا يَدْخُل الْجَنَّة نَمَّام) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْره: يُقَال: نَمَّ الْحَدِيث يَنُمّهُ وَيَنِمّهُ بِكَسْرِ النُّون وَضَمّهَا نَمًّا، وَالرَّجُل نَمَّام وَنَمٌّ وَقَتّه يَقُتّهُ بِضَمِّ الْقَاف قَتًّا قَالَ الْعُلَمَاء: النَّمِيمَة نَقْل كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ بَيْنهمْ. قَالَ الْإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّه فِي الْإِحْيَاء: اِعْلَمْ أَنَّ النَّمِيمَة إِنَّمَا تُطْلَق فِي الْأَكْثَر عَلَى مَنْ يَنِمّ قَوْل الْغَيْر إِلَى الْمَقُولِ فيه، كَمَا تَقُول: فُلَان يَتَكَلَّم فِيك بِكَذَا، قَالَ: وَلَيْسَتْ النَّمِيمَة مَخْصُوصَة بِهَذَا بَلْ حَدُّ النَّمِيمَةِ كَشْف مَا يُكْرَه كَشْفه سَوَاء كَرِهَهُ الْمَنْقُول عَنْهُ، أَوْ الْمَنْقُول إِلَيْهِ، أَوْ ثَالِث، وَسَوَاء كَانَ الْكَشْف بِالْكِنَايَةِ أَوْ بِالرَّمْزِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ، فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إِفْشَاءُ السِّرِّ، وَهَتْك السِّتْر عَمَّا يَكْرَه كَشْفه، فَلَوْ رَآهُ يُخْفِي مَالًا لِنَفْسِهِ فَذَكَره فَهُوَ نَمِيمَة، قَالَ: وَكُلُّ مَنْ حَمَلْت إِلَيْهِ نَمِيمَة، وَقِيلَ لَهُ: فُلَان يَقُول فِيك، أَوْ يَفْعَل فِيك كَذَا، فَعَلَيْهِ سِتَّة أُمُور:الْأَوَّل: أَلَّا يُصَدِّقُهُ لِأَنَّ النَّمَّام فَاسِقٌ. الثَّانِي: أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَنْصَحهُ وَيُقَبِّح لَهُ فِعْله. الثَّالِث: أَنْ يُبْغِضهُ فِي اللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى، وَيَجِب بُغْض مَنْ أَبْغَضه اللَّه تَعَالَى. الرَّابِع: أَلَّا يَظُنَّ بِأَخِيهِ الْغَائِب السُّوء. الْخَامِس: أَلَّا يَحْمِلهُ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّس وَالْبَحْث عَنْ ذَلِكَ. السَّادِس: أَلَّا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا نُهِيَ النَّمَّام عَنْهُ؛ فَلَا يَحْكِي نَمِيمَته عَنْهُ، فَيَقُول: فُلَان حَكَى كَذَا فَيَصِير بِهِ نَمَّامًا، وَيَكُون آتِيًا مَا نُهِيَ عَنْهُ. هَذَا آخِر كَلَام الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّه. وَكُلّ هَذَا الْمَذْكُور فِي النَّمِيمَة إِذَا لَمْ يَكُنْ فيها مَصْلَحَة شَرْعِيَّة فَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَيْهَا فَلَا مَنْع مِنْهَا؛ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّ إِنْسَانًا يُرِيد الْفَتْك بِهِ، أَوْ بِأَهْلِهِ، أَوْ بِمَالِهِ، أَوْ أَخْبَرَ الْإِمَام، أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ بِأَنَّ إِنْسَانًا يَفْعَل كَذَا، وَيَسْعَى بِمَا فيه مَفْسَدَة. وَيَجِب عَلَى صَاحِب الْوِلَايَةِ الْكَشْف عَنْ ذَلِكَ وَإِزَالَته. فَكُلّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَدْ يَكُون بَعْضه وَاجِبًا، وَبَعْضه مُسْتَحَبًّا عَلَى حَسَب الْمَوَاطِن. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي الْإِسْنَاد (فَرُّوخ) وَهُوَ غَيْر مَصْرُوف تَقَدَّمَ مَرَّات. وَفيه (الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفَتْح الْمُوَحَّدَةِ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة نَمَّامٌ» فَفيه التَّأْوِيلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي نَظَائِره: أَحَدهمَا: يُحْمَل عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، مَعَ الْعِلْم بِالتَّحْرِيمِ. وَالثَّانِي لَا يَدْخُلهَا دُخُول الْفَائِزِينَ. وَاَللَّه أَعْلَم.
 

‏152- وَقَوْله (قَتَّات) وَهُوَ مِثْل الْأَوَّل. فَالْقَتَّات هُوَ النَّمَّام وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَتَشْدِيد التَّاء الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق.  
‏153- وَقَوْله فِي الْإِسْنَاد الْأَخِير (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة إِلَى آخِرَة) كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ إِلَّا حُذَيْفَة بْن الْيَمَان فَإِنَّهُ اِسْتَوْطَنَ الْمَدَائِن.
 ‏154- فيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَة لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَة، وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم». قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث مَرَّات: «الْمُسْبِل وَالْمَنَّان وَالْمُنْفِق سِلْعَته بِالْحَلِفِ الْكَاذِب» وَفِي رِوَايَة: «الْمَنَّان الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ، وَالْمُسْبِل إِزَاره» وَفِي رِوَايَة: «شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّاب، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» وَفِي رِوَايَة: «رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنْ اِبْن السَّبِيل، وَرَجُل بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْد الْعَصْر فَحَلَفَ لَهُ بِاَللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْر ذَلِكَ، وَرَجُل بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ». أَمَّا أَلْفَاظ أَسْمَاء الْبَاب فَفيه (عَلِيّ بْن مُدْرِك) بِضَمِّ الْمِيم وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْمَلَة وَكَسْر الرَّاءِ. وَفيه (خَرَشَة) بِخَاءِ مُعْجَمَة ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ. وَفيه (أَبُو زُرْعَة) وَهُوَ اِبْن عَمْرو بْن جَرِير، وَتَقَدَّمَ مَرَّات الْخِلَاف فِي اِسْمه، وَأَنَّ الْأَشْهَر فيه هَرَم. وَأَمَّا أَلْفَاظ اللُّغَة وَنَحْوهَا فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ» هُوَ عَلَى لَفْظِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قِيلَ: مَعْنَى: «لَا يُكَلِّمهُمْ» أَيْ لَا يُكَلِّمهُمْ تَكْلِيم أَهْل الْخَيْرَاتِ بِإِظْهَارِ الرِّضَا، بَلْ بِكَلَامِ أَهْل السُّخْط وَالْغَضَب، وَقِيلَ: الْمُرَاد الْإِعْرَاض عَنْهُمْ. وَقَالَ جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ: لَا يُكَلِّمهُمْ كَلَامًا يَنْفَعهُمْ وَيَسُرّهُمْ، وَقِيلَ: لَا يُرْسِل إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة بِالتَّحِيَّةِ. وَمَعْنَى: «لَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ» أَيْ: يُعْرِض عَنْهُمْ. وَنَظَرُهُ- سُبْحَانه وَتَعَالَى- لِعِبَادِهِ- رَحْمَته وَلُطْفه بِهِمْ. وَمَعْنَى (لَا يُزَكِّيهِمْ) لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَس ذُنُوبِهِمْ. وَقَالَ الزَّجَّاج وَغَيْره: مَعْنَاهُ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ. وَمَعْنَى (عَذَابٌ أَلِيمٌ) مُؤْلِم. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُوَ الْعَذَاب الَّذِي يَخْلُص إِلَى قُلُوبهمْ وَجَعُهُ. قَالَ: وَالْعَذَاب كُلُّ مَا يُعْيِي الْإِنْسَانَ وَيَشُقّ عَلَيْهِ. قَالَ وَأَصْل الْعَذَاب فِي كَلَام الْعَرَبِ مِنْ الْعَذْب وَهُوَ الْمَنْع. يُقَال: عَذَبْته عَذْبًا إِذَا مَنَعْته، وَعَذُبَ عُذُوبًا أَيْ اِمْتَنَعَ، وَسُمِّيَ الْمَاء عَذْبًا لِأَنَّهُ يَمْنَع الْعَطَش، فَسُمِّيَ الْعَذَاب عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَع الْمُعَاقَب مِنْ مُعَاوَدَة مِثْل جُرْمه، وَيَمْنَع غَيْره مِنْ مِثْل فِعْله. وَاَللَّه أَعْلَم. 

  ‏155- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُنْفِق سِلْعَته بِالْحَلِفِ الْفَاجِر» فَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى (بِالْحَلِفِ الْكَاذِب) وَيُقَال (الْحَلِف) بِكَسْرِ اللَّام وَإِسْكَانهَا. وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْإِسْكَان اِبْن السِّكِّيت فِي أَوَّل إِصْلَاح الْمَنْطِق. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْبِل إِزَارَهُ» فَمَعْنَاهُ الْمُرْخِي لَهُ، الْجَارّ طَرَفه خُيَلَاء. كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث الْآخَر: «لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبه خُيَلَاء» وَالْخُيَلَاء الْكِبْر. وَهَذَا التَّقْيِيد بِالْجَرِّ خُيَلَاء يُخَصِّص عُمُوم الْمُسْبِل إِزَاره وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْوَعِيدِ مَنْ جَرَّهُ خُيَلَاء. وَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَقَالَ: «لَسْت مِنْهُمْ» إِذْ كَانَ جَرَّهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاء. وَقَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْن جَرِيرٍ الطَّبَرِيّ وَغَيْره: وَذَكَرَ إِسْبَال الْإِزَار وَحْده لِأَنَّهُ كَانَ عَامَّةَ لِبَاسِهِمْ، وَحُكْم غَيْره مِنْ الْقَمِيص وَغَيْره حُكْمه. قُلْت: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مِنْ كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَة سَالِم بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِسْبَال فِي الْإِزَار وَالْقَمِيص وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاء لَمْ يَنْظُر اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة» رَوَاه أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَاَللَّه أَعْلَم.  

‏156- فيه (أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) هُوَ أَبُو حَازِم سَلْمَان الْأَغَرّ مَوْلَى عَزَّة. وَأَمَّا تَخْصِيصه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيث: «الشَّيْخ الزَّانِي وَالْمَلِك الْكَذَّاب وَالْعَائِل الْمُسْتَكْبِر» بِالْوَعِيدِ الْمَذْكُور: فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: سَبَبه أَنَّ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمْ اِلْتَزَمَ الْمَعْصِيَة الْمَذْكُورَة مَعَ بُعْدِهَا مِنْهُ، وَعَدَم ضَرُورَته إِلَيْهَا، وَضَعْف دَوَاعِيهَا عِنْده؛ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْذَر أَحَدٌ بِذَنْبٍ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي ضَرُورَة مُزْعِجَة، وَلَا دَوَاعِي مُعْتَادَة، أَشْبَهَ إِقْدَامُهُمْ عَلَيْهَا الْمُعَانَدَةَ، وَالِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى، وَقَصْد مَعْصِيَته لَا لِحَاجَةٍ غَيْرهَا؛ فَإِنَّ الشَّيْخ لِكَمَالِ عَقْله وَتَمَام مَعْرِفَته بِطُولِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَان، وَضَعْف أَسْبَاب الْجِمَاع وَالشَّهْوَة لِلنِّسَاءِ، وَاخْتِلَال دَوَاعِيهِ لِذَلِكَ، عِنْدَهُ مَا يُرِيحهُ مِنْ دَوَاعِي الْحَلَال فِي هَذَا وَيُخَلِّي سِرَّهُ مِنْهُ فَكَيْف بِالزِّنَا الْحَرَام، وَإِنَّمَا دَوَاعِي ذَلِكَ الشَّبَاب، وَالْحَرَارَة الْغَرِيزِيَّة، وَقِلَّة الْمَعْرِفَة، وَغَلَبَة الشَّهْوَة لِضَعْفِ الْعَقْل، وَصِغَر السِّنّ. وَكَذَلِكَ الْإِمَام لَا يَخْشَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ، وَلَا يَحْتَاج إِلَى مُدَاهَنَته وَمُصَانَعَته؛ فَإِنَّ الْإِنْسَان إِنَّمَا يُدَاهِن وَيُصَانِع بِالْكَذِبِ وَشِبْهه مَنْ يَحْذَرُهُ، وَيَخْشَى أَذَاهُ وَمُعَاتَبَتَه، أَوْ يَطْلُب عِنْده بِذَلِكَ مَنْزِلَة أَوْ مَنْفَعَة، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْكَذِب مُطْلَقًا. وَكَذَلِكَ الْعَائِلُ الْفَقِيرُ قَدْ عَدِمَ الْمَال وَإِنَّمَا سَبَب الْفَخْر وَالْخُيَلَاء وَالتَّكَبُّر وَالِارْتِفَاع عَلَى الْقُرَنَاء الثَّرْوَة فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا فيها، وَحَاجَات أَهْلهَا إِلَيْهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْده أَسْبَابهَا فَلِمَاذَا يَسْتَكْبِر وَيَحْتَقِر غَيْره؟ فَلَمْ يَبْقَ فِعْله، وَفِعْل الشَّيْخِ الزَّانِي، وَالْإِمَام الْكَاذِب، إِلَّا لِضَرْبٍ مِنْ الِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم. وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الْأُصُول فِي هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: «ثَلَاثٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه» بِحَذْفِ الْهَاء وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَعْنَى ثَلَاث أَنْفُس. وَجَاءَ الضَّمِير فِي يُكَلِّمهُمْ مُذَكَّرًا عَلَى الْمَعْنَى وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم.  
‏157- فيه (أَبُو صَالِح) وَهُوَ ذَكْوَان، تَقَدَّمَ. وَفيه (سَعِيد بْن عَمْرو الْأَشْعَثِيّ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْعَيْن الْمُهْمَلَة وَالثَّاء الْمُثَلَّثَة مَنْسُوب إِلَى جَدّه الْأَشْعَث بْن قَيْس الْكِنْدِيِّ فَإِنَّهُ سَعِيد بْن عَمْرو بْن سَهْل اِبْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد الْأَشْعَث بْن قَيْس الْكِنْدِيّ. وَفيه (عَبْثَر) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَبَعْدهَا بَاءَ مُوَحَّدَة سَاكِنَة ثُمَّ ثَاء مُثَلَّثَة. وَأَمَّا (الْفَلَاة) بِفَتْحِ الْفَاء فَهِيَ الْمَفَازَة وَالْقَفْر الَّتِي لَا أَنِيس بِهَا. وَأَمَّا الثَّلَاثَة فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة فَمِنْهُمْ. رَجُلٌ مَنَعَ فَضْل الْمَاء مِنْ اِبْن السَّبِيل الْمُحْتَاج وَلَا شَكَّ فِي غِلَظ تَحْرِيم مَا فَعَلَ، وَشِدَّة قُبْحِهِ. فَإِذَا كَانَ مَنْ يَمْنَع فَضْل الْمَاءِ الْمَاشِيَةَ عَاصِيًا فَكَيْف بِمَنْ يَمْنَعُهُ الْآدَمِيَّ الْمُحْتَرَم فَإِنَّ الْكَلَام فيه. فَلَوْ كَانَ اِبْن السَّبِيل غَيْر مُحْتَرَم كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ لَمْ يَجِب بَذْلُ الْمَاءِ لَهُ. وَأَمَّا الْحَالِف كَاذِبًا بَعْد الْعَصْر فَمُسْتَحِقّ هَذَا الْوَعِيد وَخَصَّ مَا بَعْد الْعَصْر لِشَرَفِهِ بِسَبَبِ اِجْتِمَاع مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَمَّا مُبَايِع الْإِمَام عَلَى الْوَجْه الْمَذْكُورِ فَمُسْتَحِقّ هَذَا الْوَعِيد لِغِشِّهِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامهمْ، وَتَسَبُّبِهِ إِلَى الْفِتَن بَيْنهمْ بِنَكْثِهِ بَيْعَته لاسيما إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. .35/ كتاب الايمان... 

 [[[[[[[الدعاء]]]]]]]]  
اولا::{أوقات الإجابة}
 ثانيا : [[[الألحاح في الدعاء]]]]

من كتاب الداء والدواء لابن قيم الجوزية في [[[[[[[الدعاء]]]]]]]] ☆☆☆اولا::{أوقات الإجابة} ثانيا : [[[الألحاح في الدعاء]]]] أما الألحاح في الدعاء : فمِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ : الْإِلْحَاحُ فِي الدُّعَاءِ  وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :[[مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ]] وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [[ لَا تَعْجِزُوا فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَعَ الدُّعَاءِ أَحَدٌ ]] وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [[ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ]] وَفِي كِتَابِ الزُّهْدِ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قَالَ مُوَرِّقٌ :[[ مَا وَجَدْتُ لِلْمُؤْمِنِ مَثَلًا إِلَّا رَجُلٌ فِي الْبَحْرِ عَلَى خَشَبَةٍ ، فَهُوَ يَدْعُو : يَا رَبِّ يَا رَبِّ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُنْجِيَهُ  الإلحاح في الدعاء: واوقات الاجابة من كتاب الداء والدواء لابن القيم قال ابن القيم رحمه الله وعفا عنه فَإِذَا جَمَعَ مَعَ الدُّعَاءِ 1/ الدعاء بصدق 2/ُحضُورَ الْقَلْبِ 2و/َجَمْعِيَّتَهُ بِكُلِّيَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ، 3و/َصَادَفَ وَقْتًا مِنْ أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ السِّتَّةِ ، وَهِيَ : 1♡الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ ، 2♡وَعِنْدَ الْأَذَانِ ، 3♡وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ، 4♡وَأَدْبَارُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ، 5♡وَعِنْدَ صُعُودِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى تُقْضَى الصَّلَاةُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، 6♡وَآخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ . 7♡وَصَادَفَ خُشُوعًا فِي الْقَلْبِ ، 8♡ وَانْكِسَارًا بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ ، 9♡وَذُلًّا لَهُ ، 10♡وَتَضَرُّعًا ، 11♡وَرِقَّةً . 12♡وَاسْتَقْبَلَ الدَّاعِي الْقِبْلَةَ . 13♡وَكَانَ عَلَى طَهَارَةٍ . 14♡وَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللَّهِ . 15♡وَبَدَأَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ . 16♡ثُمَّ ثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . 17♡ثُمَّ قَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ حَاجَتِهِ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ . 18♡ثُمَّ دَخَلَ عَلَى اللَّهِ ، 19♡♡وَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، 20♡♡وَتَمَلَّقَهُ 21♡وَدَعَاهُ رَغْبَةً وَرَهْبَةً . 22♡وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَوْحِيدِهِ . 23♡وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ دُعَائِهِ صَدَقَةً ، ♡*♡ فَإِنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَا يَكَادُ يُرَدُّ أَبَدًا ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ صَادَفَ الْأَدْعِيَةَ الَّتِي أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا مَظَنَّةُ الْإِجَابَةِ ، أَوْ أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلِاسْمِ الْأَعْظَمِ .
...من كتاب الداء والدواء لابن القيم الذين اعتمدوا على عفو الله فضيعوا امره ونهيه وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ اعْتَمَدُوا عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَكَرَمِهِ ، وَضَيَّعُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ ، وَنَسُوا أَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْعَفْوِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ فَهُوَ كَالْمُعَانِدِ . قَالَ مَعْرُوفٌ : رَجَاؤُكَ لِرَحْمَةِ مَنْ لَا تُطِيعُهُ مِنَ الْخِذْلَانِ وَالْحُمْقِ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَنْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْكَ فِي الدُّنْيَا بِسَرِقَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ، لَا تَأْمَنُ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى نَحْوِ هَذَا . وَقِيلَ لِلْحَسَنِ : نَرَاكَ طَوِيلَ الْبُكَاءِ ، فَقَالَ : أَخَافُ أَنْ يَطْرَحَنِي فِي النَّارِ وَلَا يُبَالِي . وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ أَمَانِيُّ الْمَغْفِرَةِ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ تَوْبَةٍ ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ : لِأَنِّي أُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّي ، وَكَذَبَ ، لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ لَأَحْسَنَ الْعَمَلَ . وَسَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيدٍ كَيْفَ نَصْنَعُ بِمُجَالَسَةِ أَقْوَامٍ يُخَوِّفُونَا حَتَّى تَكَادَ قُلُوبُنَا تَطِيرُ ؟ فَقَالَ : وَاللَّهِ لَأَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُخَوِّفُونَكَ حَتَّى تُدْرِكَ أَمْنًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَصْحَبَ أَقْوَامًا يُؤَمِّنُونَكَ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْمَخَاوِفُ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ ، فَيَطُوفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ ، فَيَقُولُونَ : يَا فُلَانُ : مَا أَصَابَكَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ . وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَقِيعِ فَقَالَ : أُفٍّ لَكَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُنِي ، قَالَ : لَا ، وَلَكِنَّ هَذَا قَبْرُ فُلَانٍ ، بَعَثْتُهُ سَاعِيًا إِلَى آلِ فُلَانٍ ، فَغَلَّ نَمِرَةً فَدُرِّعَ الْآنَ مِثْلَهَا مِنْ نَارٍ . [ ص: 29 ] وَفِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ ، قَالُوا : خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ . وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ ، وَصُدُورَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْهُ ، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ : يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ شَاءَ . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِجِبْرِيلَ : مَا لِي لَمْ أَرَ مِيكَائِيلَ ضَاحِكًا قَطُّ ؟ قَالَ : مَا ضَحِكَ مُنْذُ خُلِقَتِ النَّارُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ . وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - ثُمَّ  قَالَ :
 إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ، فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا ، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا : مَا هَذِهِ الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ ؟ فَيَقُولُونَ : رُوحُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُ ، فَيُشُيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى[ ص: 30 ] السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ، فَقَالَ : فَتُعَادُ رُوحُهُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ ، فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : دِينَيَ الْإِسْلَامُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ صَدَقَ عَبْدِي ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رُوحِهَا وَطِيبِهَا ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ، قَالَ : وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ ، حَسَنُ الثِّيَابِ ، طَيِّبُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ ، حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي ، قَالَ : وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا ، وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ، سُودُ الْوُجُوهِ ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ : أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ ، قَالَ : فَتَغْرَقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا ، كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ ، فَيَأْخُذُهَا ، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، حَتَّى يَجْعَلُونَهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَيَصْعَدُونَ بِهَا ، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا : مَا هَذِهِ الرُّوحُ الْخَبِيثَةُ . فَيَقُولُونَ : رُوحُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ، بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا ، فَيُسْتَفْتَحُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [ الْأَعْرَافِ : 40 ] فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى ، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ، ثُمَّ قَرَأَ : وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [ سُورَةُ الْحَجِّ : 31 ] فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي ، فَيَقُولَانِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ عَبْدِي ، فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ، [ ص: 31 ] وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ ، فَيَقُولُ : أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ : وَمَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّرِّ ، فَيَقُولُ : أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ ، فَيَقُولُ : رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ . وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ أَيْضًا ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ ، فِي يَدِهِ مِرْزَبَّةٌ ، لَوْ ضَرَبَ بِهَا جَبَلًا كَانَ تُرَابًا ، ثُمَّ يُعِيدُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا كَانَ ، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ ، قَالَ الْبَرَاءُ : ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ وَيُمَدُّ لَهُ مِنْ فِرَاشِ النَّارِ . وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا عَنْهُ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ بَصُرَ بِجَمَاعَةٍ ، فَقَالَ : عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ؟ قِيلَ : عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ ، فَفَزِعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَبَدَرَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ مُسْرِعًا ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، فَاسْتَقْبَلْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : أَيْ إِخْوَانِي ، لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا . وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ : خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا فَنَادَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَتَدْرُونَ مَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَقَالَ إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ قَوْمٍ خَافُوا عَدُوًّا يَأْتِيهِمْ فَبَعَثُوا رَجُلًا يَتَرَاءَى لَهُمْ ، فَأَبْصَرَ الْعَدُوَّ ، فَأَقْبَلَ لِيُنْذِرَهُمْ ، وَخَشِيَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يُنْذِرَ قَوْمَهُ ، فَأَهْوَى بِثَوْبِهِ : أَيُّهَا النَّاسُ أُتِيتُمْ ، أَيُّهَا النَّاسُ أُتِيتُمْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ، وَإِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ، قِيلَ : وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ . وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَبُو ذَرٍّ : وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ . وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنَازَةٍ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ قَعَدَ عَلَى سَاقَيْهِ ، فَجَعَلَ يُرَدِّدُ بَصَرَهُ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : يُضْغَطُ الْمُؤْمِنُ فِيهِ ضَغْطَةً تَزُولُ مِنْهَا حَمَائِلُهُ وَيُمْلَأُ عَلَى الْكَافِرِ نَارًا ، وَالْحَمَائِلُ عُرُوقُ الْأُنْثَيَيْنِ . [ ص: 32 ] وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حِينَ تُوُفِّيَ ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُضِعَ فِي قَبْرِهِ ، وَسُوِّيَ عَلَيْهِ ، سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَبَّحْنَا طَوِيلًا ، ثُمَّ كَبَّرَ ، فَكَبَّرْنَا ، فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ سَبَّحْتَ ، ثُمَّ كَبَّرْتَ ؟ فَقَالَ : لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ قَبْرُهُ حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ ، وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ : قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ ، قَالَتْ : يَا وَيْلَهَا ، أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا ؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصُعِقَ . وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مِيلٍ ، وَيُزَادُ فِي حَرِّهَا كَذَا وَكَذَا ، تَغْلِي مِنْهَا الرُّءُوسُ كَمَا تَغْلِي الْقُدُورُ ، يَعْرَقُونَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ خَطَايَاهُمْ ، مِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى كَعْبِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى سَاقَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى وَسَطِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ . وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ؟ وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَسْمَعُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ : كَيْفَ نَقُولُ ؟ قَالَ : قُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا . وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ يَرْفَعُهُ : مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ ، أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْمُصَوِّرِينَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ . وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 
 إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْأَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَيُقَالُ : هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، ثُمَّ يُذْبَحَ ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتٌ ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتٌ ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ قَالَ : مَنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ فِيهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ [ ص: 33 ] صَلَاةً مَادَامَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَدْخَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ ثُمَّ قَالَ صُمَّتَا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ . وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ سُكْرًا مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَأَنَّمَا كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا فَسُلِبَهَا ، وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ سُكْرًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ طِينَةَ الْخَبَالِ ، قِيلَ : وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ جَهَنَّمَ . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مَرَّةً لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَلَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ : فَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدْغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . . وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ مَاتَ مُدْمِنًا لِلْخَمْرِ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ نَهْرِ الْغُوطَةِ ، قِيلَ : وَمَا نَهْرُ الْغُوطَةِ ؟ قَالَ نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ ، يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِنَّ . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرْضَاتٍ ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي ، فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ ، أَوْ آخِذٌ بِشِمَالِهِ . وَفِي الْمُسْنَدِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ : فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَضَرَبَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ - مَثَلًا ، كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا وَأَجَّجُوا نَارًا ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا . وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ ، اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ، وَعَلَى حَافَّتَيْهِ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، فَمِنْهُمُ الْمُوثَقُ بِعَمَلِهِ ، وَمِنْهُمُ الْمُجَرْدَلُ ، ثُمَّ يَنْجُو ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْحَمَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ ، فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مِنْ مَاءٍ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحَبَّةِ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ . 

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى فِيهِ [ ص: 34 ] يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ : رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا ، فَقَالَ : مَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى قُتِلْتُ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنْ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ : هُوَ جَرِئٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ : مَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ تَعَلَّمْتُ فِيكَ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ ، فَقَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ ، هُوَ عَالِمٌ ، فَقَدْ قِيلَ ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَفِي لَفْظٍ فَهَؤُلَاءِ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَقُولُ : كَمَا أَنَّ خَيْرَ النَّاسِ الْأَنْبِيَاءُ فَشَرُّ النَّاسِ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ ، فَخَيْرُ النَّاسِ بَعْدَهُمُ الْعُلَمَاءُ ، وَالشُّهَدَاءُ ، وَالصِّدِّيقُونَ ، وَالْمُخْلِصُونَ ، وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لِأَخِيهِ مَظْلَمَةٌ فِي مَالٍ أَوْ عِرْضٍ فَلْيَأْتِهِ ، فَلْيَسْتَحِلَّهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَأُعْطِيهَا هَذَا ، وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ هَذَا فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ . 


وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ، قَالُوا : وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةٌ ، قَالَ : فَإِنَّهَا قَدْ فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا

وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ مُعَاذٍ قَالَ : أَوْصَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَإِنْ قُتِلْتَ أَوْ حُرِّقْتَ ، وَلَا تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا ، فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ ، وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا ، فَإِنَّهُ رَأَسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ ، وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ تُحِلُّ سَخَطَ اللَّهِ . وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا ذَكَرْنَا ، فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ أَنْ يَتَعَامَى عَنْهَا ، وَيُرْسِلَ نَفْسَهُ فِي الْمَعَاصِي ، وَيَتَعَلَّقَ بِحُسْنِ الرَّجَاءِ وَحُسْنِ الظَّنِّ . قَالَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ : احْذَرْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِهِ ، فَإِنَّهُ قَطَعَ الْيَدَ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ ، وَجَلَدَ الْحَدَّ فِي مِثْلِ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِنَ الْخَمْرِ ، وَقَدْ دَخَلَتِ الْمَرْأَةُ النَّارَ فِي هِرَّةٍ ، وَاشْتَعَلَتِ الشَّمْلَةُ نَارًا عَلَى مَنْ غَلَّهَا وَقَدْ قُتِلَ شَهِيدًا . [ ص: 35

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ يَرْفَعُهُ قَالَ : دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ فِي ذُبَابٍ ، وَدَخَلَ رَجُلٌ النَّارَ فِي ذُبَابٍ ، قَالُوا : وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ مَرَّ رَجُلَانِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لَا يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا ، فَقَالُوا لِأَحَدِهِمَا : قَرِّبْ ، فَقَالَ لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ ، قَالُوا قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا ، فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ ، فَدَخَلَ النَّارَ ، وَقَالُوا لِلْآخَرِ : قَرِّبْ ، فَقَالَ : مَا كُنْتُ لِأُقَرِّبَ لِأَحَدٍ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ ، فَدَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُيَتَكَلَّمُ بِهَا الْعَبْدُ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ . وَرُبَّمَااتَّكَلَ بَعْضُ الْمُغْتَرِّينَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِهِ ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ ، وَأَنَّهُ يُعْطِيهِ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ، فَهَذَا مِنَ الْغُرُورِ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 44 ] وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَاحْذَرْهُ ؛ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُيَسْتَدْرِجُكَ بِهِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [ سُورَةُ الزُّخْرُفِ : 33 - 35 ] وَقَدْ رَدَّ سُبْحَانَهُ عَلَى مَنْ يَظُنُّ هَذَا الظَّنَّ بِقَوْلِهِ : فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي كَلَّا [ سُورَةُ الْفَجْرِ : 15 - 17 ] أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ نَعَّمْتُهُ وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أَكُونُ قَدْ أَكْرَمْتُهُ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ ابْتَلَيْتُهُ وَضَيَّقْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أَكُونُ قَدْ أَهَنْتُهُ ، بَلْ أَبْتَلِي هَذَا بِالنِّعَمِ ، وَأُكْرِمُ هَذَا بِالِابْتِلَاءِ . وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ [ ص: 36 ] وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : رُبَّ مُسْتَدْرَجٍ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، وَرُبَّ مَغْرُورٍ بِسَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، وَرُبَّ مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ . الذين اعتمدوا علي عفو الله ضيعوا أمره وتهيئة

الرجاء والاماني الرجاء والاماني



الداء والدواء لابن القيم

الرجاء والاماني الرجاء والاماني وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنَّ مَنْ رَجَا شَيْئًا اسْتَلْزَمَ رَجَاؤُهُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ :أَحَدُهَا : مَحَبَّةُ مَا يَرْجُوهُ . الثَّانِي : خَوْفُهُ مِنْ فَوَاتِهِ . الثَّالِثُ : سَعْيُهُ فِي تَحْصِيلِهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ . وَأَمَّا رَجَاءٌ لَا يُقَارِنُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمَانِيِّ ، وَالرَّجَاءُ شَيْءٌ وَالْأَمَانِيُّ شَيْءٌ آخَرُ ، فَكُلُّ رَاجٍ خَائِفٌ ، وَالسَّائِرُ عَلَى الطَّرِيقِ إِذَا خَافَ أَسْرَعَ السَّيْرَ مَخَافَةَ الْفَوَاتِ . وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ خَافَ أَدْلَجَ ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ . [ ص: 40 ] وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا جَعَلَ الرَّجَاءَ لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، فَكَذَلِكَ جَعَلَ الْخَوْفَ لِأَهْلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، فَعُلِمَ أَنَّالرَّجَاءَ وَالْخَوْفَ النَّافِعَ مَا اقْتَرَنَ بِهِ الْعَمَلُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [ سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ : 57 - 61 ] وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقُلْتُ : أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ، وَيَزْنُونَ ، وَيَسْرِقُونَ ، فَقَالَ : لَا يَا ابْنَةَ الصِّدِّيقِ ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَيَخَافُونَ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَفَ أَهْلَ السَّعَادَةِ بِالْإِحْسَانِ مَعَ الْخَوْفِ ، وَوَصَفَ الْأَشْقِيَاءَ بِالْإِسَاءَةِ مَعَ الْأَمْنِ . خَوْفُ الصَّحَابَةِ مِنَ اللَّهِمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَجَدَهُمْ فِي غَايَةِ الْعَمَلِ مَعَ غَايَةِ الْخَوْفِ ، وَنَحْنُ جَمِيعًا بَيْنَ التَّقْصِيرِ ، بَلِ التَّفْرِيطِ وَالْأَمْنِ ، فَهَذَا الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ : وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي جَنْبِ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ ، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ . وَذَكَرَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَمْسِكُ بِلِسَانِهِ وَيَقُولُ : هَذَا الَّذِي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ ، وَكَانَ يَبْكِي كَثِيرًا ، وَيَقُولُ : ابْكُوا ، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا . وَكَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ عُودٌ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَأَتَى بِطَائِرٍ فَقَلَبَهُ ثُمَّ قَالَ : مَا صِيدَ مِنْ صَيْدٍ ، وَلَا قُطِعَتْ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرَةٍ ، إِلَّا بِمَا ضَيَّعَتْ مِنَ التَّسْبِيحِ ، فَلَمَّا احْتَضَرَ ، قَالَ لِعَائِشَةَ : يَا بُنَيَّةُ ، إِنِّي أَصَبْتُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْعَبَاءَةَ وَهَذِهِ الْحِلَابَ وَهَذَا الْعَبْدَ ، فَأَسْرِعِي بِهِ إِلَى ابْنِ الْخَطَّابِ ، وَقَالَ : وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ تُؤْكَلُ وَتُعْضَدُ . وَقَالَ قَتَادَةُ : بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ : لَيْتَنِي خُضْرَةٌ تَأْكُلُنِي الدَّوَابُّ . وَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَرَأَ سُورَةَ الطُّورِ إِلَى أَنْ بَلَغَ : إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ [ سُورَةُ الطُّورِ : 77 ] فَبَكَى وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ حَتَّى مَرِضَ وَعَادُوهُ . [ ص: 41 ] وَقَالَ لِابْنِهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ : وَيْحَكَ ضَعْ خَدِّي عَلَى الْأَرْضِ عَسَاهُ أَنْ يَرْحَمَنِي ، ثُمَّ قَالَ : وَيْلُ أُمِّي ، إِنْ لَمْ يَغْفِرْ لِي ( ثَلَاثًا ) ، ثُمَّ قُضِيَ . وَكَانَ يَمُرُّ بِالْآيَةِ فِي وِرْدِهِ بِاللَّيْلِ فَتُخِيفُهُ ، فَيَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَيَّامًا يُعَادُ ، يَحْسَبُونَهُ مَرِيضًا ، وَكَانَ فِي وَجْهِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَطَّانِ أَسْوَدَانِ مِنَ الْبُكَاءِ . وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ، مَصَّرَ اللَّهُ بِكَ الْأَمْصَارَ ، وَفَتَحَ بِكَ الْفُتُوحَ ، وَفَعَلَ ، فَقَالَ : وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ . وَهَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الْقَبْرِ يَبْكِي حَتَّى تُبَلَّ لِحْيَتُهُ ، وَقَالَ : لَوْ أَنَّنِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَا أَدْرِي إِلَى أَيَّتِهِمَا يُؤْمَرُ بِي ، لَاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ رَمَادًا قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ إِلَى أَيَّتِهِمَا أَصِيرُ . وَهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبُكَاؤُهُ وَخَوْفُهُ ، وَكَانَ يَشْتَدُّ خَوْفُهُ مِنِ اثْنَتَيْنِ : طُولِ الْأَمَلِ ، وَاتِّبَاعِ الْهَوَى ، قَالَ : فَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ ، وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ ، أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ مُدَبِّرَةً ، وَالْآخِرَةَ مُقْبِلَةٌ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَنُونُ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابٌ ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ . وَهَذَا أَبُو الدَّرْدَاءِ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ أَشَدَّ مَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُقَالَ لِي : يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، قَدْ عَلِمْتَ ، فَكَيْفَ عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ ؟ وَكَانَ يَقُولُ : لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَنْتُمْ لَاقُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمَا أَكَلْتُمْ طَعَامًا عَلَى شَهْوَةٍ ، وَلَا شَرِبْتُمْ شَرَابًا عَلَى شَهْوَةٍ ، وَلَا دَخَلْتُمْ بَيْتًا تَسْتَظِلُّونَ فِيهِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَضْرِبُونَ صُدُورَكُمْ ، وَتَبْكُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ ثُمَّ تُؤْكَلُ . وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْفَلُ عَيْنَيْهِ مِثْلُ الشِّرَاكِ الْبَالِي مِنَ الدُّمُوعِ . وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يَقُولُ : يَا لَيْتَنِي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ ، وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أُخْلَقْ وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ ، فَقَالَ : مَا عِنْدَنَا عَنْزٌ نَحْلِبُهَا وَحُمُرٌ نَنْقُلُ عَلَيْهَا ، وَمُحَرَّرٌ يَخْدِمُنَا ، وَفَضْلُ عَبَاءَةٍ ، وَإِنِّي أَخَافُ الْحِسَابَ فِيهَا . وَقَرَأَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ لَيْلَةً سُورَةَ الْجَاثِيَةِ ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [ سُورَةُ الْجَاثِيَةِ : 21 ] جَعَلَ يُرَدِّدُهَا وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ . [ ص: 42 ] وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ الْجَرَّاحِ : وَدِدْتُ أَنِّي كَبْشٌ فَذَبَحَنِي أَهْلِي ، وَأَكَلُوا لَحْمِي وَحَسُوا مَرَقِي . وَهَذَا بَابٌ يَطُولُ تَتَبُّعُهُ . قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : بَابُ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يُحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ . وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ : مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا . وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ : إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ . وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ : مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ ، وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، يَعْنِي فِي الْمُنَافِقِينَ ، فَيَقُولُ : لَا ، وَلَا أُزَكِّي بَعْدَكَ أَحَدًا . فَسَمِعْتُ شَيْخَنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ : لَيْسَ مُرَادُهُ لَا أُبْرِئُ غَيْرَكَ مِنَ النِّفَاقِ ، بَلِ الْمُرَادُ لَا أَفْتَحُ عَلَى نَفْسِي هَذَا الْبَابَ ، فَكُلُّ مَنْ سَأَلَنِي هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُزَكِّيهِ . قُلْتُ : وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ : سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ . وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ عُكَاشَةَ وَحْدَهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِمَّنْ عَدَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَلَكِنْ لَوْ دَعَا لَقَامَ آخَرُ وَآخَرُ وَانْفَتَحَ الْبَابُ ، وَرُبَّمَا قَامَ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ ، فَكَانَ الْإِمْسَاكُ أَوْلَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . الرجاء والأماني
..........


الداء والدواء لابن قيم الجوزية هوان العاصي على ربه [ ص: 58 ] وَمِنْهَا : أَنَّ الْمَعْصِيَةَ سَبَبٌ لِهَوَانِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِهِ . قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : هَانُوا عَلَيْهِ فَعَصَوْهُ ، وَلَوْ عَزُّوا عَلَيْهِ لَعَصَمَهُمْ ، وَإِذَا هَانَ الْعَبْدُ عَلَى اللَّهِ لَمْ يُكْرِمْهُ أَحَدٌ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [ سُورَةُ الْحَجِّ : 18 ] وَإِنْ عَظَّمَهُمُ النَّاسُ فِي الظَّاهِرِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ أَوْ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ ، فَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ أَحْقَرُ شَيْءٍ وَأَهْوَنُهُ . هَوَانُ الْمَعَاصِي عَلَى الْمُصِرِّينَوَمِنْهَا : أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ يَرْتَكِبُ الذَّنْبَ حَتَّى يَهُونَ عَلَيْهِ وَيَصْغُرَ فِي قَلْبِهِ ، وَذَلِكَ عَلَامَةُ الْهَلَاكِ ، فَإِنَّ الذَّنَبَ كُلَّمَا صَغُرَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ عَظُمَ عِنْدَ اللَّهِ . وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ . هوان المعاصي على ربه
....

المعاصي تورق اللعن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْهَا : أَنَّ الذُّنُوبَ تُدْخِلُ الْعَبْدَ تَحْتَ لَعْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَعَنَ عَلَى مَعَاصِي وَالَّتِي غَيْرُهَا أَكْبَرُ مِنْهَا ، فَهِيَ أَوْلَى بِدُخُولِ فَاعِلِهَا تَحْتَ اللَّعْنَةِ . فَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ ، وَالْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ، وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ ، وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ . وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ . وَلَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ . وَلَعَنَ السَّارِقَ . وَلَعَنَ شَارِبَ الْخَمْرِ وَسَاقِيهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا ، وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ . وَلَعَنَ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَهِيَ أَعْلَامُهَا وَحُدُودُهَا . وَلَعَنَ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ . وَلَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا يَرْمِيهِ بِسَهْمٍ . وَلَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ . [ ص: 61 ] وَلَعَنَ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ . وَلَعَنَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا . وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ . وَلَعَنَ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ . وَلَعَنَ مَنْ سَبَّ أَبَاهُ وَأُمَّهُ . وَلَعَنَ مَنْ كَمِهَ أَعْمًى عَنِ الطَّرِيقِ . وَلَعَنَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً . وَلَعَنَ مَنْ وَسَمَ دَابَّةً فِي وَجْهِهَا . وَلَعَنَ مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا أَوْ مَكَرَ بِهِ . وَلَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ . وَلَعَنَ مَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا ، أَوْ مَمْلُوكًا عَلَى سَيِّدِهِ . وَلَعَنَ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا . وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ بَاتَتْ مُهَاجِرَةً لِفِرَاشِ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ . وَلَعَنَ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ . وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ . وَلَعَنَ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ . مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُوَقَدْ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْضِ وَقَطَعَ رَحِمَهُ ، وَآذَاهُ وَآذَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَلَعَنَ مَنْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى . وَلَعَنَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ بِالْفَاحِشَةِ . وَلَعَنَ مَنْ جَعَلَ سَبِيلَ الْكَافِرِ أَهْدَى مِنْ سَبِيلِ الْمُسْلِمِ . وَلَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ . وَلَعَنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي وَالرَّائِشَ ، وَهُوَ : الْوَاسِطَةُ فِي الرِّشْوَةِ . وَلَعَنَ عَلَى أَشْيَاءَ أُخْرَى غَيْرِ هَذِهِ . فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِ ذَلِكَ إِلَّا رِضَاءُ فَاعِلِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَلْعَنُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَلَائِكَتُهُ لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْعُو إِلَى تَرْكِهِ . المعاصي تورث اللعن حرمان دعوة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم [ ص: 62 ] وَمِنْهَا : حِرْمَانُ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعْوَةِ الْمَلَائِكَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَقَالَ تَعَالَى : الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّشَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [ سُورَةُ غَافِرٍ : 7 - 9 ] فَهَذَا دُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِكِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الَّذِينَ لَا سَبِيلَ لَهُمْ غَيْرُهُمَا ، فَلَا يَطْمَعُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ بِإِجَابَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ ، إِذْ لَمْ يَتَّصِفْ بِصِفَاتِ الْمَدْعُوِّ لَهُ بِهَا ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق