الخميس، 7 أبريل 2022

دروس في سنن الله وأيامه /حمد بن نجم بن عبد الله الدهلوس/ وكتاب الحب بين الله وعباده المؤلف نبيل عطوه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  دروس في سنن الله وأيامه    

الحمد لله المبدي المعيد، الفعال لما يريد، خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار، ويكور النهار على الليل، أحصى على الخلق أعمالهم فهو بكل شيء محيط، وعلى كل شيء شهيد، أحمده سبحانه وأشكره وأسأله من فضله المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الولي الحميد، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله دعا إلى الله وهاجر في سبيل الله وجاهد وصابر حتى أقام الملة ورفع راية التوحيد، صلى الله عليه وسلم وبارك وعلى آله وصحبه أهل الهجرة والنصرة والتأييد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فلا يخفى على كلِّ ذي لبٍّ أن لله سننًا ونواميس ومقادير قدرها جلَّ وعز لحكمة يعلمها، وهو الحكيم الخبير، ومن هذه السنن والمقادير التي قدرها الله تبارك وتعالى الابتلاءات بشتى أنواعها، وإنه في زماننا هذا خاصة قد كثرت وبانت واتضحت }لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ{ [ق: 37] وهي والله كفتنة الذهب حينما يصفى تفصل بين الجوهر الأصيل والزبد الزائف، فهي توضح بجلاء عن معادن النفوس وجواهرها فتبين من أسس بنيانه على شفا جرف هار - عياذًا بالله - ومن أسس بُنيانه على تقوى من الله ورضوان؛ لذلك قال r: «يبتلى الرجل على قدر دينه..»([1]) فعلى المؤمن حين تنزل هذه الفتن أن يستعيذ بالله من شرورها، وأن يصبر ويثبت، ويسأل الله العون والتأييد، وحينما يفعل ذلك فإنه يسكن ويطمئن وترتاح نفسه لوعد الله ونصره.

* ولما رأيت حالنا اليوم كما قال الله: }اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ{ [الأنبياء: 1-3] أردت أن أَذْكُرَ بعض هذه السنن التي قدَّرها الله وأذكِّرَ نفسي وإخواني المسلمين بما فيها من الدروس والعبر، وقدوتي في ذلك رسول الله محمد r إذ يقول كما في صحيح الإمام مسلم من حديث عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله r في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلحُ خباءه ومنا من ينتضل([2])، ومنا من هو في جَشَرِهِ([3]) إذ نادى منادي رسول الله r الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله r فقال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاءُ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقِّق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه. فمن أحبَّ أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه».

والله أسأل أن يعينني في بيان بعضها وتوضيحه نصحًا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأسأله أن يجنبني فيها الخطأ والزلل، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وفيما نأتي ونذر وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وقد قرأت هذه الرسالة على شيخنا فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله ورعاه وعلق عليها بعض التعليقات وأوصى بطباعتها فله مني الشكر والدعاء.

هذا وقد استعنت في هذه الدروس ببعض كتب أهل العلم والدعوة، واستفدت منها كثيرًا، كَتَبَ الله لأصحابها الأجر والمثوبة، وأنبِّه أيضًا أنني في هذه الرسالة أشير إلى مواطن الآيات من السور وأُخرج الأحاديث من غير إطالة، ويا أخي الكريم في هذه الرسالة – باستثناء كلام الله وكلام رسوله – كلام بشر وهو عرضة للخطأ والنسيان والقصور، والمعصوم من عصمه الله.

فإن أصبتُ فمن الله وحده، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله من ذلك بريئان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


السنن الكونية الإلهية

 

إن لله سننًا في خليقته لا تتبدل ولا تتغير ومنها:

1- أن الأمور لا تبقى على حال:

فالله جل شأنه من سنته أنه يغيِّر أحوال العباد وينقلهم من حال إلى حال، فالأيام دول }وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ{ [آل عمران: 140] فمرة شدة ومرة رخاء وحال غنى وبعده فقر، ويوم عزة وآخر ذل، وهكذا تتداول الأيام وتتقلب لحكمة يعلمها الله عز وجل، وقد ذُكِرَ أن محمد المهلبي – وكان من أهل الأدب – أصابته فاقة شديدة فبينما هو في بعض أسفاره سمعه رفيق له وهو يقول:

ألا موت يُباع فأشتريه

 

 

 

 

فهذا العيش ما لا خيرَ فيه

ألا رحم المهيمن نفس حر

 

 

 

 

تصدق بالوفاة على أخيه






فرثى له، وأحضر له بدرهم ما سدَّ به رمقه، وتفرقا ثم ترقى المهلبي إلى الوزارة، ودارت الأيام على صاحبه، فكتب إليه قائلاً:

ألا قل للوزير فدته نفسي

 

 

 

 

مقال مذكر ما قد نسيه

أتذكر إذ تقول لضنك عيش

 

 

 

 

ألا موت يُباع فأشتريه






فلما قرأها أمر له بسبعمائة درهم ثم قلَّده عملاً يرتزق منه.

فيا عبد الله، اعلم رحمك الله أنه لا يأس من رحمة الله، وأنه إذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اشتد الحبل انقطع، وإذا اشتد ظلام الليل داهمه ضياء الفجر فسطع }فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{ [الشرح: 5، 6] فمن حِِكَم الله وجود الضدين وهو عام في كل مكان وزمان؛ لأن لكل منهما أجل مسمى: العسر واليسر، والفرح والحزن، والكرب والرخاء، والصحة والسقم، والحياة والموت، والفقر والغنى، والنصر والهزيمة. وكتاب الله خير دليل على ذلك؛ فكم قصَّ الله علينا في القرآن عن الأمم والشعوب والأشخاص ومن الأحوال التي كانوا عليها ثم تبدلت، والسنة كذلك والتاريخ والحوادث والوقائع تحكي ذلك.

2- أن المصائب والشدائد والفتن والنوازل تبيِّن معادن الناس:

قال تعالى: }مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ{ [آل عمران: 179] وقال تعالى: }الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{ [العنكبوت: 1، 2] فلولا هذه الابتلاءات ما عُرِفَ المؤمن الصادق من الذي في قلبه دخن، وأعظم درس في هذه السنة الربانية ما علمتنا إياه السيرة النبوية كما في غزوة الأحزاب }وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا{ [الأحزاب: 12] فمثل هذه الشدائد التي يقدرها الله تكشف عن الحقيقة الإيمانية وتجرد الإنسان أمام نفسه، فكل الناس يدَّعي الإيمان ولكن الدعاوى إذا لم يقم عليها أصحابها بينات يكن أصحابها أدعياء، فبهذه الشدائد تقف النفوس على حقيقة ما هي عليه، فالصحيح لا يعرف قيمة الصحة إلا حينما يعرف المرض أو يصاب به، ولا يعرف الإنسان نعمة الأمن إلا حينما يبتلى بالخوف والهلع.

والحادثات وإن أصابك بؤسها

 

 

 

 

فهو الذي أنباك كيف نعيمها






3- إن الله ما رفع شيئًا إلا وضعه:

وهذه السنة الربانية قد أخبر بها النبي r في الحديث الصحيح، فعن أنس بن مالك t قال: كانت العَضْبَاء لا تسبق فجاء أعرابي على قَعَوْدٍ له فسابقها فسبقها الأعرابي، فكأنَّ ذلك شقَّ على أصحاب رسول الله r فقال r: «حق على الله ألا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه»([4]).

فانظر يا أخي هي حادثة بسيطة جمل يسبق آخر وانتهت القصة لكن هذا الخبر من أصدق الخلق r عن سنة من سنن الله في هذه الدنيا، فليس الأمر مقصورًا على ذلك القَعود بل كل ما ارتفع من هذه الدنيا فلابد أن يعود بعد الصعود، وهذه من الدروس الميدانية في المدرسة المحمدية يؤكد هذه السنة في هذه الحادثة، فهي وإن كانت صغيرة ولكن شأنها خطير أعني هذه السنة فانتبه لها.

فمن حكمها أن البشر مهما أوتوا من قوة وشدة فنهايتها إلى ضعف، ومهما كانت لهم من عزة فنهايتها إلى زوال، وينسحب هذا على كل الخلق فالقوة المطلقة والعزة المطلقة التي لا تتغير ولا تتبدل هيب قوة الله وحده الواحد القهار العزيز الجبار، فلله العزة جميعًا وهو القوي القهار، فسبحان من لا يزول ملكه ولا تضعف قوته وإليه يرجع الأمر كله.

ولكي نتأمل هذه السنة أكثر فأكثر علينا مراجعة التاريخ.

اقرأ التاريخ إذ فيه العبر

 

 

 

 

ضلَّ قوم ليس يدرون الأثر

وتأمل كيف أفنى ملكهم

 

 

 

 

من على الملك تولى وقهر






فكم من دولة زالت بعد ملك ومنعة كانت غالبة فأصبحت مغلوبة، أصبحت أثرًا بعد عين، وكتاب ربنا فيه القصص الحق عن ذلك، وكم من ملكٍ حسب أنه سَيُخلَّدُ في الملك ويحكم على الدوام فمُزِّقَ ملكه وَشُتِّتَ شمله، وصار عبرة للمعتبرين وفرعون دليل على ذلك، وهكذا أهل المال والكنوز والدور والقصور وقارون مثال لذلك على مرِّ الدهور والعصور في ليلة وضحاها أصبح فقيرًا وبداره مقبورًا وأصبح بعد العلو وضيعًا }فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ{ [القصص: 81]، حقًّا والله إن الله ما رفع شيئًا في الدنيا إلا حطَّه، يُذْكَرُ أنه لما تولى بعض بني أمية الخلافة قالوا: سوف تبقى لنا على الدوام فما أكمل – والله – ملكهم ثمانين عامًا.

ومن حكم هذه السنة ولطيف دقائقها أن يعلم الناس كل الناس، والخلق كل الخلق شعوبًا وأممًا حكامًا ومحكومين وحتى الجن والشياطين! أن هناك حقيقة واحدة هي أن الله ما رفع شيئًا إلا حطَّه، وأن }كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{ [الرحمن: 26، 27].

4- أن البلاء ما نزل إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة:

ويا ليت قومي يعلمون أن هذه السنة الربانية قد فصلها الله في كتابه، وجاءت السنة النبوية موضحة لها ومبينة إياها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!!! بل لقد ظهر في المسلمين من ينكر هذه السنة الربانية ويردها ولنا أن ننظر حال الأمم التي جهلت أو تجاهلت هذه السنة الإلهية، قال تعالى: }فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{ [العنكبوت: 40].

فانظر كيف قال الله }بِذَنْبِهِ{ أي بسبب ذنبه، فالذنوب السبب المباشر بل هي من أعظم أسباب العذاب والعقوبة التي يرسلها الله على خلقه سنة ربانية وحكمة إلهية فـ «عاد» أخذهم حاصب: وهو الريح الصرصر التي تتطاير معها حصياء الأرض فتضربهم وتقتلهم، و «ثمود» أخذتهم الصيحة، و«قارون» خسف الله به وبداره الأرض، و«فرعون وهامان» وغيرهم، سنة الله }وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا{ [الأحزاب: 62] }وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا{ [فاطر: 43]. وهنا لطيفة دقيقة في هذه الآية العظيمة تدل أيضًا على هذه السنة فتأمل كيف عدد الله المعاصي المُرتكبة: كالكفر بالله، والتكذيب والصد عن سبيل الله، ومحاولة قتل رسل الله، وفعل الفواحش المستقبحة، والاغترار بإمهال الله، وغيرها من المعاصي كلها أخذ الله فاعليها بسبب ذنوبهم، وكان ذلك هو السبب المباشر لعقوبة الله.

وحتى هذه العقوبات تنوعت بتنوع الذنب المرتكب!! حتى لا يأتي قائل فيقول: هذه العقوبة وقعت فقط بسبب هذا الذنب دون غيره ولا تأتي العقوبة إلا لهذا الذنب دون غيره من الذنوب، فهل أدركت يا عبد الله حكمة الله وإعجاز هذا الكتاب العظيم في بيان الحال للناس على أكمل وجه لكل زمان ومكان؟!

وقد جاء في الصحيح من حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ رسول الله r من النوم محمرًا وجهه وهو يقول: «لا إله إلا الله ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجود مثل هذه – وعقد سفيان تسعين أو مائة – قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث».

قال الحسن البصري رحمه الله في أصحاب المعاصي: هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم.

وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص رأيت أبا الدرداء جالسًا وحده وهو يبكي. فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير؟ ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره ... بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.

فيا أخي الكريم: إن سن الله عز وجل تأبى أن تترك المجرمين من غير قصاص }أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ{ [العنكبوت: 4] فماذا ينتظر المقصرون؟!!

5- قانون الاستخلاف وسنة الله فيه:

المُلكُ لله وبيد الله يهبه لمن يشاء وينزعه ممن يشاء! ولكن هناك سنة ربانية للاستخلاف في الأرض، فالله خلق الإنسان في الأرض ليستخلفه فيها فينظر ماذا يعمل }ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ{ [يونس: 14] وهذا الاستخلاف مشترك بين البر والفاجر والمؤمن والكافر، فهو استخلاف ابتلاء لا استخلاف تكريم ومحبة فإن ذلك لا يكون إلا للأنبياء ومن اتبعهم على طريق الهدى، ولهذا الاستخلاف شروط ونواميس متى تحققت تحقق وعد الله ولن يخلف الله وعده }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [النور: 55].

وهذه السنة كما كانت قائمة في الأمم السابقة فهي كذلك في الأمم اللاحقة! ولكن بشرط الإيمان والعمل الصالح والاستقامة على أمر الله وإقامة حدوده فمتى ما قصر الناس في شرط من هذه الشروط تأخر موعد الاستخلاف حتى تتحقق جميع الشروط، جزاءً وفاقًا }إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{ [الرعد: 11].

وهنا قد يسأل سائل فيقول: أليس أمم الكفر لم تتحقق فيها هذه الشروط المذكورة؟ ومع ذلك نراها مُمكنة ومسيطرة وغالبة ... فكيف يكون ذلك؟

* والجواب على هذا يكون من وجهين:

الوجه الأول: يخص المسلمين والجواب متعلق بهم وذلك يوم تخليهم عن مكانتهم التي أرادها الله لهم }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ{ [آل عمران: 110]، مكان السيادة والقيادة كما كان سلفنا الصالح حين ملكوا الدنيا مع وجود ممالك عظيمة في ذلك الوقت مثل الفرس والروم، ولكن لما بُعد الناس عن كتاب الله وسنة رسول الله وتكالبوا على الدنيا وآثروا الفاني على الباقي؛ فأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وأكلوا الربا وفشا الزنا واتبعوا خطوات الشيطان إلا من رحم الله كان الجزاءُ من جنس العمل }إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ{ [الرعد: 11].

ولا إله إلى الله! ما أعظم الفاروق عمر t وهو يعلم الناس هذه السنة الربانية، ولا عجب فهو الذي تخرَّج من مدرسة المصطفى وهو التلميذ النجيب الملهم! يقول t لأصحابه يوم استلام مفاتيح القدس حينما طلبوا منه أن يتزين ويخرج بالأبهة التي عليها الملوك في الشام، وهم يريدون أن يعظم الإسلام في عيون النصارى؛ لأنهم يعظمون ذلك!! ولكن العظمة عند الفاروق شكلها يختلف وطريقها يختلف وصفتها تختلف كيف ذلك؟ العظمة عند الفاروق هي في معرفة سنن الله وأيامه، وفي ذلك يقول: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله» لا فض فوك أيها الفاروق.

بالله لفضك هذا سال من عسل

 

 

 

 

أم قد صبيت على أفواهنا العسلا






نحن لا ننتصر على الأعداء بعدد ولا عتاد وإن كان هذا مطلوبًا من باب الأخذ بالأسباب، ولكن النصر الحقيقي بيد الله يهبه لمن يشاء، ومن سنة الله المعلومة أن الله ينصر من نصره }وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ{ [الحج: 40] }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{ [محمد: 7] فيا ليت قومي يعلمون ...!

الوجه الثاني: وهو لما تساوينا والكفار بالاعتماد على النفس وعدم التوكل على الله والركون إلى حولنا وقوتنا مع ما وافق هذا من حبِّ الدنيا وكراهية الموت وهو الوهن الذي شخَّصه رسول الله، والداء الخطير الذي حذَّرنا منه r؛ كان التفوق في الميدان والاستخلاف للأقوى والأكثر تقدمًا وعددًا وعُدَّة، وهم بلا شك أوفر حظًّا في هذا الجانب، وهذا أمر بديهي لا ينكره عاقل فإلى الله المشتكى وإليه الملتجأ ولا حول ولا قوة إلا بالله }قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ{ [آل عمران: 138].

 

* * * *


دروس ووصايا

 

وبعد يا عباد الله، فإنه ولا شك ها هنا دروس ووصايا نتعلمها من هذه السنن الربانية ومنها:

1- أن كل شيء قدره الله وكتبه جل وعز، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطاك لم يكن ليصيبُك، وهذا على مستوى الفرد والمجتمع والأمم والدول، وعليه فالمطلوب الصبر والاحتساب والتمسك بالكتاب والسنة والإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره وخاصة عند نزول البلايا والفتن والرزايا، فإن الصبر عند الصدمة الأولى، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه سخطه ولا يضرُّ الله شيئًا، ولا يضر إلا نفسيه، وسنة الله ماضية ومشيئة الله نافذة }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{ [البقرة: 155-157].

2- هذه السنن والمحن التي يقدرها الله فيها شيء من التمحيص والاختبار، ليميز الله الخبيث من الطيب، وهكذا سنن الله تبين معادن الناس ومواقفهم }مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ{ [آل عمران: 179] وهكذا الفتن كما أخبر بذلك الصادق المصدوق حتى ينقسم الناس إلى فسطاطين: إيمان لا كفر فيه، وكفر لا إيمان فيه ويكون ذلك قريبًا من قيام الساعة حتى تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين كما جاء في حديث النواس بن سمعان t عند الإمام مسلم في صحيحه، فنسأل الله أن يثبتنا والمسلمين أجمعين حتى نلقاه.

3- أن مما يخفف المصاب ويعين على الصبر والثبات في الفتن، أن يعلم أنه كلما مر وقت وزمن ويوم على هذه البلية ألقى عن كاهله بعضًا من هذه الشدة والمحنة، وقرب من ذلك نور الفرج وضياء الأمل وشعاع النهاية، وما ذاك إلا لأن زمن المحنة محدود مؤقت وكما قيل: لا يأس مع الأمل، ولا أمل مع اليأس، فكلما مرَّ بالمصاب ساعة فقد سقط عنه همُّ تلك الساعة، وسقط عنه شيء من هذه الشدة، فالليل لا يبقى مع النهار، فهذا يُنقص من هذا وهذا يعلن خروج هذا، وذكروا أن يحيى بن خالد البرمكي كتب لهارون الرشيد من السجن أن كل ساعة تمر تأخذ بحقها من عذابي وبحقها من نعيمك حتى نلقى الله عز وجل أنا وأنت، وهذا كلام جميل يدل على ذكاء قائله، فمن أصيب بمصيبة فليعلم أنه ينقص عنه كل يوم جزء من المصيبة وكذلك من الهمِّ والغمِّ والحزن والعذاب؛ لأن ذلك اليوم أخذ بحظه من المصاب كلما ذهبت شمسه.

قال عمارة بن عقيل:

ترى كل يوم مرّ من سوء حالنا

 

 

 

 

يمر بيوم من نعيمك يسلبُ






 

4- معادلة دقيقة محسوبة سلفًا: الصبر واليقين طريق إلى التمكين!!!

قال تعالى }وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ{ [السجدة: 24] قال ابن القيم رحمه الله: «فالناس إذا أرسل إليهم الرسل بين أمرين: إما أن يقولوا أمنا، وإما أن لا يقولوا أمنا بل يستمروا على عمل السيئات، فمن قال: أمنا امتحنه الله عز وجل وابتلاه وألبسه الابتلاء والاختبار ليبين الصادق من الكاذب.

ومن لم يقل أمنا فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته فإن أحد لن يعجز الله وهذه سنة الله ... إلى أن قال: لكن المؤمن يحصل له من الألم ابتداءً ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة». اهـ.

قال تعالى: }أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ{ [آل عمران: 142].

5- هذه السنن والابتلاءات فيها تنبيه للغافل وتذكير للناسي، كي يرجع إلى الله ويتوب إليه، وهذه لعلها من حكمها أنها تفتح للناس بابًا من أبواب التوبة فتجد بعض العصاة في هذه الفتن يرجع إلى الله ويراجع نفسه فيستغفر ويندم ويستقيم على أمر الله ويخاف من عذاب الله، قال تعالى: }وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ [الأعراف: 168].

وكذلك قد تفتح هذه المصيبة على العبد باب التوكل وهو من أعظم أبواب الخير، فمع التوبة والرجوع يتوكل العبد على الله ويستعين به؛ لأنه يعلم أن من توكل على الله كفاه، ومن التجأ إليه حماه، ومن استنصر به نصره.

وهذا من أعظم أسباب تجريد التوحيد، فالتوكل تارة يكون اضطرارًا وإلجاءً بحيث لا يجد العبد ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه، فإذا ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وظن أن لا منجا من الله إلا إليه، ففي هذا الموطن وعلى هذه الحال يأتي الفرج والتيسير ولا يتخلف البتة كما قال ابن القيم رحمه الله.

وتارة يكون التوكل اختيارًا وهذا يكون بحسبه مع وجود السبب المفضي إلى المراد، والواجب القيام بهما جميعًا بنص القرآن والسنة.

قال ابن القيم التوكل على الله نوعان:

أ- توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية.

ب- توكل عليه في حصول ما يحبه ويرضاه من الإيمان واليقين والجهاد والدعوة إليه([5]).

فالشاهد من هذا: أنه قد يحصل في المصائب والنوازل نفعه للعبد من التوبة والاستغفار والتوكل والتوحيد والاستعانة والإنابة والخشية وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله؛ لذلك قال كثير من الصالحين: كم من محنة في طيها منحة.

6- أن المؤمن لا يطلب الفتنة ولا يتمنَّاها:

ولكن إذا وقعت صبر وصابر ورابط وجاهد واعتصم بحبل الله ودعا الله وألح عليه بالدعاء أن يكشف الكروب، ويهون الخطوب، ويثبت القلوب، وينجي له كل محبوب من شر هذه الفتن والسبل والدروب.

وهذا ما أرشدنا إليه نبينا r حيث يقول: «لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية»([6]) وقد بوَّب عليه البخاري رحمه الله: باب كراهية لقاء العدو.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أمر بترك التمني لما فيه من التعرض للبلاء وخوف اغترار النفس إذ لا يؤمن غدرها عند الوقوع، ثم أمرهم بالصبر عند الوقوع لما فيه من التعرض للبلاء. اهـ.

7- الدعاء:

وهذه من أعظم فوائد الابتلاءات أن يلح المؤمن على الله بالدعاء ويرجوه ويدعوه في كشف الضر ورفع الفتن والنجاة منها، فيظهر الافتقار والانكسار إلى الواحد القهار، قال تعالى: }قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [الأنعام: 40-43].

قال ابن كثير رحمه الله: أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على دفع ذلك سواه، ثم قال }بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ{ وقال ابن سعدي رحمه الله([7]): }فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{ [الأنعام: 42]، أي: بالفقر والمرض والآفات والمصائب رحمة منا بهم }لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ{ إلينا ويلجئون عند الشدة إلينا.

فلا إله إلا الله سؤالنا له وقضاؤه إلينا حوائجنا عبادة له، وتركنا دعاءه إثم خطير.

أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «من لم يسأل الله يغضب عليه»([8]) وما أحسن من قال:

لا تسألنَّ بُنيَّ آدم حاجةً

 

 

 

 

وسلِ الذي أبوابُه لا تحجبُ

الله يغضبُ إن تركت سؤالَه

 

 

 

 

وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضبُ






قال تعالى: }أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ{ [النمل: 62].

قال ابن القيم رحمه الله: «والدعاء يقطع بقبوله لعموم الآيات والأحاديث إذا استوفى شروط الصحة». اهـ.

وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلي بأسانيد جيدة والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد الخدري t أن النبي r قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها».

وقال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{ [غافر: 60].

وعن عمر بن الخطاب t قال: «أنا لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء، فمن ألهم الدعاء فإن الإجابة معه».

اللهم ألهمنا رشدنا وثبت أقدامنا، وأرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

يا حي يا قيوم نسألك الإخلاص في القول والعمل، والعفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه/ حمد بن نجم بن عبد الله الدهلوس

الرياض 18/7/1422هـ


([1]) الترمذي وأحمد والبيهقي.
([2]) المناضلة: وهي المراماة بالنشاب.
([3]) جشره: هي الدواب التي ترعى وتبيت مكانها.
([4]) أبو داود والنسائي.
([5]) الفوائد ص112.
([6]) البخاري ومسلم.
([7]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
([8]) الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو حديث حسن إن شاء الله.
يغضب عليه: لأنه إما قانط وإما متكبر، وكل واحد من الأمرين موجب للغضب.

=======

 كتاب  الحب بين الله وعباده المؤلف نبيل عطوه 

كتاب  الحب بين الله وعباده المؤلف نبيل عطوه 

  يتناول الكتاب حقيقة العلاقة بين الله وعباده ويتناول مفهوم الحب وأنواعه وفضل الله على عباده في الدنيا والآخرة وكيف يعرف العبد حب الله له حتى وهو عاص وكيفية التقرب من الله سبحانه وتعالى

المؤلف - نبيل عطوه مصري الجنسية 

 دبلوم في الدراسات الاسلامية من المعهد العالي للدراسات الاسلامية -ودارس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة 

بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء , بسم الله الواحد الأحد الفرد الصمد ،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، بسم الله مالك الملك يؤتى الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء ،ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، اللهم صلى على سيدنا محمد إمام المتقين ،وسيد المرسلين،وخاتم النبيين ،وحبيب رب العالمين، أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ،أول شافع و أول مشفع،و أول من يدخل الجنة صلى الله عليه وسلم، اللهم أحينا على سنته،وأمتنا على ملته ،واحشرنا تحت لواءه ،و أوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا ،واجعلنا من رفقائه في الجنة صلى الله عليه وسلم.

إلى كل من ذاق حب الله تعالى ،وأحس بنعيم القرب منه ،وأيقن فضله عليه ،ورحمته به ،وعلم أن العزة في التذلل إليه. إلى كل قلب خاشع ،وصدر منشرح، وعين دامعة ،ولسان ذاكر,أهدي إليكم هذه الرسالة لتفرحوا بحب الله لكم ولتسعدوا بحبكم لله ، ولعلها تكون لكم استمرارا في طريق الهدى والنور، ولتكون لكم عونا في مواجهة الشيطان ،وإبطال حيله ،والتغلب علي وساوسه . إلى كل من انحرف عن طريق الله ،ولم يذق حبه ،وجذبه الشيطان جذبا إلى طريق الغواية ،أهدي إليكم هذه الرسالة علها تكون لكم هداية وإرشادا إلى معرفة الله ،والتقرب منه ،ليتسلل إليكم حبه، ولتتعرفوا على رحمته بكم ،ولتكون لكم بداية في إصلاح النفس ،وطهارة القلب من دنس المعاصي، حتى تستقبلوا حب الله لكم بنقاء سريرة، وصفاء نفس، وطهارة روح.

وإن هذه الرسالة أول كتاباتي،وقد شاء الله عز وجل بعد تفكير عميق أن تكون رسالة حب ،تجتمع عليه القلوب، فتزداد نورا وشفافية ،وأردت أن أبني بيني وبينكم جسورا من الحب، تمتد إلى أعماق القلوب ،فلم أجد أعظم وأجل من حب الله يجمعنا ويضمنا ،فلا تؤثر فيه رياح النفس، أو عواصف الهوى، أو وساوس الشيطان، أو ملذات الدنيا، أو شهوات الإنسان ،فمن أنعم الله عليه بالحب لا يكون في قلبه مكانا لغيره ؛وقد قلت لنفسي إن من أهم ما يجمع الحب بين مجموعة من الأشخاص ،هو اشتراك المحبوب بينهم، فيجتمعون يتدارسون سيرته ،ويتجاذبون أطراف الحديث عنه، وتعمهم السعادة إذا ذُكر اسمه ،ويتسابقون في الوصول إلى حبه، ويسهبون في مدحه ،ويساندون أفكاره ،ويتحمسون لها، ويثنون على أفعاله وتصرفاته،وإذا اجتمعوا اجتمعوا على سيرته، وإذا افترقوا افترقوا عليها أيضا، وإذا تحدث استمعوا له بآذان صاغية، وإذا أمر أو نهى أطاعوه، وإذا أراد أن يقابلهم تمنوا لقاءه ،وإذا التقى بهم تمنوا مصافحته و إطالة اللقاء معه ،ثم يحاولون أن يفعلوا ما يرضيه، وإذا تركهم أصابهم الحزن والهم ،وإذا بالغوا في حبه كونوا حزبا يرأسه يتبنون أفكاره ويحاولون أن ينشرونها ،ويستقطبون الناس إليها  كل ذلك حباً له .نقول ولله المثل الأعلى، فلكي يتحقق الحب بين العباد وجب عليهم حب الله أولا،فإذا مُلئت قلوبُهم بحب الله اشتاقوا إلى لقاء بعضهم حتى يَطربوا آذانهم بالحديث عنه سبحانه وتعالى، وعن رحمته وعن فضله على العباد ، فيكون تعاملهم مع بعضهم في إطار حب الله كما قال تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا). ويكون حب الله هو العامل المشترك بين العباد، فيكون الحب في الله والبغض في الله ،كما في الحديث :عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ (رواه أبوداود )

وإذا تحقق في قلوبنا حب الله أطعناه ، والتزمنا منهجه لأنه من أحب أحداً أطاعه، فنتعامل ونسير وفق منهج الله،ويسود بيننا شرع الله، فلا توجد لدينا مشكلة ليس لها حل طالما طبقنا شرعه ،بل يمكن أن نقول أنه لن تظهر بيننا أي مشكلة  ،فيسود بيننا الحب والرحمة التي يجب أن  يتعامل بهما المسلون، فنحن كالجسد الواحد  نحس بالألم جميعا إذا اشتكى منه أي عضو كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْكَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى (رواه البخاري)

فإذا تعاملنا في إطار الحب لله خضع لنا كل شيء ،وكُتِب لنا جميعا القبول في الأرض، وهان علينا أمر الدنيا، وساد بيننا الود، وذقنا حلاوة الإيمان ،وابتعدنا عن كل الأخلاق السيئة كالحسد والحقد، وكنا كالبناء الواحد يشد بعضه بعضا كما في الحديث قال رسول الله صلى الله علية وسلم: الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (رواه البخاري)

وقبل أن نُسهب في الحديث لابد من معرفة الآتي

ما هو الحب

معني الحب بين الناس

العلاقة بين المحب والحبيب

أنواع الحب و أعظمها

حب الله للعباد

حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأُمته

حب الملائكة للمؤمنين

حب العباد لله

أولا - معنى الحب في اللغة

الحب أصله في لغة العرب الصفاء لأن العرب تقول لصفاء الأسنان حبب، وقيل مأخوذ من الحـُباب الذي يعلوا المطر الشديد وعليه عرفوا المحبة بأنها : غليان القلب عند الاحتياج للقاء المحبوب، وقيل غير ذلك .

ثانيا-معنى الحب بين الناس

وأما كلام الناس في وصفه فقيل هو ميل القلب للمحبوب ، و موافقة الحبيب في وجوده وغيبته ، ،وأن يستولي ذكر المحبوب على قلب المحب ،و أن تهب نفسك وروحك لمن أحببته ،وإلا تفكر في أحد غيره ،وأن تغار عليه وأن تحفظ حدوده، وتقوم لمحبوبك بكل ما يحبه منك ،وأن يعمى القلب عن رؤية غير المحبوب وفي الحديث :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك للشيء يعمي ويصم (رواه الإمام أحمد)

ثالثا-العلاقة بين المحب والمحبوب

يجب أن توجد رابطة تمثل الموافقة بين المحب والمحبوب، إذ أن أطراف العلاقة ثلاث: أولها المحبوب ولابد أن تتوافر فيه أسباب الجذب من جمال وكمال تجعل الطرف الثاني- وهو المحب - يتعلق وَيُعجَب به ،ويجب أن تتوافر في المحبوب صفات لا يجدها المحب في غيره ؛و أما الطرف الثالث :هي الرابطة التي بينهما فمتى قَويت وتفردت صفات المحبوب زادت الرابطة بين المحب ومحبوبه ،ومتى ضعفت صفاته ضعفت الرابطة بينهما ،ولا يوجد محبوب أعظم من الله سبحانه وتعالى له صفات جمال وجلال ،فإنه جميل يحب الجمال بل الجمال كله له والإجلال كله منه

إيثار الأعلى والأنفع

فالإنسان يترك حب الأدنى لما هو أعلى منه ،ويترك حب الأضعف لما هو أقوى منه. وكل واحد منا يحب ما يجلب له المنفعة ويترك ما يضره ، فمن كان حب الله -وهو الأعلى والأقوى- متمكنا في قلبه ترك الأدنى والأضعف- وهو حب الشهوات- وتحقق له الأنفع فلا يجد الشيطان له مكانا في قلبه،

وهذا هو قلب المؤمن الذي امتلأ بحب الله سبحانه وتعالى ففاض الحب على من حوله ،و أضاء له الطريق، فيمشى بمراد الله إلي مراد الله ،حتى يتحقق العدل والحب بين الناس ،وكما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِب)ُّ

رابعا - أنواع المحبوبات

والمحبوبات تنقسم إلى قسمين :قسم محبوب لنفسه وذاته ،ولا يُحَبُ شيءٌ لذاته إلا الله سبحانه وتعالى. وقسم يحب لغيره وهو: حب ما سواه، فالله هو المحبوب المعظم في المحبة ،فمن تمام محبة الشيء محبة محبوب المحبوب وبغض بغيضه ،ويشهد لهذا الحديث (أوثق عُري الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) وفي الحديث (من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) رواه أبو داود

خامسا - محبة الله لعباده

بعد أن خلق الله الخلق واختصهم بالتكليف، أرسل إلى الإنس والجن رسلا مبشرين بالجنة ونعيمها ،ومنذرين من النار وجحيمها .يدعون الناس إلى عبادة الله الواحد الأحد التي يجب أن تقوم على الحب المتبادل بين الله وعبيده، والحب على ثلاثة أقسام : إلهي وروحاني وطبيعي , فحب الله العبد حب إلهي , وحب جبريل والملائكة لله حب روحاني , وحب العباد له حب طبيعي، ويمكن أن نضيف قسم رابع وهو :الحب البشرى، وهو حب العباد للعباد ،فإذا كان هذا الحب في الله تحول إلى حب طبيعي وهو حب العباد لله. وتنشأ بين الله ورسله والعباد_ والتي يكون العبد طرفا فيها_ علاقات حب متعددة منها:

حب الله للعبد

حب الرسول للعبد

حب العبد لله ورسوله

حب العبد للعبد

محبة الله للعبد

اعلموا-أكرمكم الله بحبه- أن الله لم يخلق هذا الخلق إلا حبا لعباده، فالله وهو الخالق والمتفرد بصفات الجمال والجلال والكمال ليس في احتياج لنا ،و إنما خلقنا ليسبغ علينا نعمه، ويعمنا بفضله ،والدليل على ذلك :أن الله خلقنا و أوجدنا من عدم ،وهل العدم ينفع أو يضر؟ كما قال تعالي" قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شيئا" أي كما خلقك الله تعالى من العدم ولم تكُ شيئاً موجودا ،ًوكذلك قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ِمَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ)

ويظهر حب الله سبحانه وتعالي على الإنسان في جميع مراحل تطوره من خلق الله له حتى دخوله الجنة.

ومحبة الله لعباده تنقسم إلى قسمين :

محبة مطلقة

محبة خاصة

أولا- محبة الله المطلقة لعباده

1- خلق الإنسان بيده

لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان عندما خلقه من غير واسطة، وأنه خلقه بيده كما قال تعالى "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ العالين". وقيل : أراد باليد القدرة

وهنا نتساءل لو أنك صنعت شيئا بيدك ألا تحب ذلك الشيء ،ولو أنك أعددت طعاما بنفسك ألا تحب أن تأكله ،ولو لم يكن شهيا ،  كما كان نبي الله داوود يحب أن يأكل من عمل يده ، كما في الحديث الذي رواه البخاري (عن  أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)

ولله دائما المثل الأعلى وهو الذي خلقنا من عدم بيده ،ألا يكون ذلك دليلا على حب الله لنا، ولو أنصفنا نسميه إحسانا إلينا، فنحن نذنب وهو يغفر ويستر، ولكن أصبحنا نحتاج إلى أدله لنثبت محبة الله لنا، مع أنها واضحة وضوح الشمس .

والله قدم لنا محبته وتركنا نحن نختار، فإذا اخترنا محبته كنا من عباده المؤمنين، أعزنا بالقرب منه ،و أغنانا عمن سواه، ولكن إذا تركنا محبته سبحانه لغيره أذلنا الله لأننا طلبنا العزة من غيره ،وإن ذلنا الآن بين الأمم والشعوب يرجع إلى أننا قصرنا في حق الله، وأننا لم نذل إليه ، فأذلنا غيره ،وهنا على الناس لأن الله سبحانه وتعالى هان علينا،فهيا بنا نعود ونصحح الإختيار، ونختار محبة الله ورسوله على ما سواهما، حتى نعود إلى عزتنا مرة أخرى، فهو القائل سبحانه: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ )

فالله عندما خلقنا لم يفرق بين مؤمن ومشرك، و إنما أثبت خلقه لكل الموجودات، فبذلك يكون التكريم والإحسان للإنسان عموما ،فمن قبل محبة الله أصبح مؤمنا ،ومن رفض محبة الله أصبح كافرا كما قال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "

2- الله صور الإنسان في أحسن صوره

إن الله خلق الإنسان في أحسن صوره من حيث اعتداله واستوائه ،فلم يخلقه منكبا كالحيوانات ،ولم يخلقه من ذوات الأربع بدليل أن الإنسان لا يقبل أن يكون علي هيئة الحيوان  فالله خلقنا في أحسن تقويم كما قال تعالى : "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ "  وكما في تفسير القرطبي :أن الإنسان أحسن خلق الله باطناً وظاهراً، جمال هيئة، وبديع تركيب: الرأس بما فيه، والصدر بما جمعه، والبطن بما حواه، والفرج وما طواه، واليدان وما بطشتاه، والرجلان وما احتملتاه. ولذلك قالت الفلاسفة: إنه العالم الأصغر، إذ كل ما في المخلوقات جُمع فيه. وهذا يظهر في قوله  تعالى "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ "

3-نفخ الروح في الإنسان

بعد أن خلقنا الله وسوانا من طين ،نفخ فينا من روحه سبحانه وتعالى والنفخ: هو إجراء الريح في الشيء، وهذا دليل آخر من التكريم والحب، لأن إضافة روح في هذه الآية  إضافة إلى نفسه تشريفاً وتكريماً ،وهل التكريم والتشريف الا حبا ،و ذلك يظهر في قوله تعالى:"فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ "

4- سجود الملائكة لآدم

حيث أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة أن تسجد لآدم ،وهو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة. -ولله أن يفضل من يريد - فسجدوا إلا إبليس اللعين الذي أبى أن يسجد لأبينا آدم عليه السلام كما قال تعالى:"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ "

- العقــل :  إن الله سبحانه وتعالى وهب الإنسان عقلا

يستطيع به أن يدرك الأشياء، ويختار من بدائلها ،وبالعقل يعرف الإنسان ربه عز وجل ،وفضله عليه ،فيؤمن به ويعبده ،ولقد كرم الله الإنسان بالعقل عن سائر مخلوقاته كما قال تعالى :"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا "

6-  التسخير

حيث سخر الله كل شئ في الكون لخدمة الإنسان من جماد ونبات وحيوان ،ومن هذه الأشياء تتحقق لنا الاستفادة في البر والبحر والجو ،وفي أمور حياتنا كلها كما في قوله تعالى:"وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " أي تفضلاً وتكرماً وإحسانا

الرزق

حيث أن الله عز وجل يرزق بني آدم كلهم مؤمنهم وكافرهم، وكذلك جميع خلقه ،فلا رازق غيره فمن سواه يرزقنا ان لم يرزقنا هوسبحانه وتعالى  كما في قوله تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) وقوله تعالى: (أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ ونفور)  إذ أنه لا رازق إلا الله ،ولا واهب إلا الله ،ولا رحيم إلا الله سبحانه وتعالى عما يشركون.

و الآن نتساءل أبعد كل هذا التكريم والإحسان من الله تعالى نرفض حبه وعبادته، ألا نعود إلي رشدنا وعقلنا الذي كرمنا الله به ،وننظر في الدعوة التي دعانا الله بها إلى محبته

و تخيلوا أن هذه المحبة للكافر أيضا ،وهو يأبى إلا أن يكفر بالله ،ويجحد نعمه ،وينكر فضله ،ويتبع شهواته إنه الجحود!! ولكن بعد أن تأكد كفره أصبح هذا الحب فضلا ومنَّة من الله عليه.

محبة الله الخاصة

و إنا لنتساءل أيضا إذا كانت كل هذه المحبة المطلقة من الله،فكيف بمحبة الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين والصالحين ،الذين لا يعصون الله ما أمرهم ،و إذا تحدثنا في أمر هذه المحبة فحدث ولا حرج نقول وبالله التوفيق .

إن الله ما خلق هذه الدنيا إلا ليسبغ نعمه على المؤمنين من عباده ،و الحب بين الله و عباده المؤمنين حب متبادل، و يقول سبحانه في هذا: ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ )) فحين يحبون الله يرد سبحانه على تحية الحب بحب زائد، و هم يردون على تحية الحب منه سبحانه بحب زائد، و هكذا تتوالى زيادات و زيادات، حتى نصل إلى قمة الحب. ولكن فيوضات الله على عباده المؤمنين لا تنتهي أبدا، ولو نظرنا في الآية نجد أن الله قدم محبته أولا ثم تبعها بمحبة العباد له، مما يدل على أن محبة الله لعباده إحسانا منه لا ينتهي ولن ينته.

ويمكن أن نقسم حب الله لعباده المؤمنين إلى قسمين

* محبة الله لعباده المؤمنين في الدنيـا

* محبة الله لعباده المؤمنين في الآخرة

أولا- محبة الله لعباده المؤمنين في الدنيـا

تأمل كيف أن كل هذا الحب من الله سبحانه وتعالى لكل بني آدم ،وهذا ما يسميه العلماء: عطاء الربوبية يستفيد منه المؤمن والكافر على حد سواء، ولكن عطاء الربوبيه ينتهي بالنسبة للكافر بمجرد موته ،وذلك لأنه رفض عطاء آخر من الله سبحانه وتعالى وهو: عدم قبوله التكليف الذي أمر الله به ،وهو ما يسميه العلماء، عطاء الألوهية ،وهذا ليس تكليفا بقدر ما هو تكريم وتشريف لأن الله أراد لنا النعيم الدائم في الآخرة ،وأن العبادة تكون في مصلحة العبد ،وليس في مصلحة الله .

مثال لذلك :الطالب يتعب في المذاكرة عددا من السنين ،ولكنه بعد أن ينهي دراسته يحس بالراحة والطمأنينة ،ويحس أنه قد استراح من المذاكرة، وأن الكل في خدمته.

الحب والقبول في الأرض

إذا أحب الله عبدا أحاطه برعايته وعنايته ،وجعل كل شيء في طاعته، ويسر له كل صعب، وقرب إليه كل بعيد، وهون عليه أمر الدنيا ،فلا يحس بتعب ولانصب ،وكُتب له القبول في الأرض ،وأحبه كل شيء إلا الكافر لأنه رفض حب الله تعالى، فكيف له بحب أحباب الله ،وهذا ما يدل عليه الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ( رواه البخاري ) أي أن العبد إذا التمس محبة الله تعالى يقول لجبريل: ألا وإن رحمتي سبقت غضبى ،ألا وإني أنا الرحمن الرحيم، يا جبريل اجعل كل من في السماوات والأرض يحبون هذا العبد، لأنه اختارني على من سواي، واجعل بين المؤمنين مودة ورحمة ودليل ذلك قوله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) أي مودة ورحمة .وسأضرب لكم مثالا بسيطا :لو أنك نظرت إلى رجل أسمر اللون ،ولكنه يستقبل فيوضات الله، تجد في وجهه نورا يفيض منه ،أما إذا نظرت إلى رجل أبيض اللون ،ولكن لم ينعم الله عليه بنوره، لا تجد في وجهه نورا، وأيضا إنك قد ترى إنسانا لأول مرة، ولكنك تقول له أنا رأيتك من قبل ذلك، فهذا القبول ما هو إلا فيض من حب الله .

المؤمن في معية الله

إذا أحب الله العبد كان الله معه يرعاه ،ويحيطه بعنايته، ينظر إليه فلا يعذبه أبدا، ولا يسلط عليه أحدا فيؤذيه أو يسوءه، ويُذِل له رقاب من يكرهه ويعاديه، ثم يرزقه الله العزة على الكافرين ،فلا يسمع إلا ما يُرضي الله، ولا يبصر إلا ما يُحبه الله ،وكانت يده ورجله وجميع جوارحه في طاعة الله ،فلا تمتد يده إلى ما يُغضب الله، ولا تسير رجله إلى مُحَرَّم، فتجده دائمَ الذهاب إلى المساجد متعلقا بها كما في الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأنا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ (رواه البخاري) انظروا إلى حب الله لنا يعلن الحرب على من  يؤذي له وليا، ،وكأنه يقول للمؤمن إذا كنت حبيبي جعلتك لا تسمع ولا تبصر إلا ما يرضيني. انه الحب الإلهي!! ولا أريد أن أسهب في شرح الحديث، ولكني اكتفيت بمعنى وحيد منه وهو حب الله لنا ولأوليائه ،وهذه المعية هي المعية الخاصة المذكورة في قوله تعالى:( إن الله معنا) وقول رسول الله: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما) وقوله تعالى (وإن الله لمع المحسنين) وقوله (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وقوله (واصبروا إن الله مع الصابرين) وقوله كلا (إن معي ربي سيهدين) وقوله تعالى لموسى وهارون( إنني معكما أسمع وأرى)

وإذا كان الله معنا فمن يكون علينا. إن الله أعزنا بالقرب منه، وجعلنا رحماء فيما بيننا، أعزة على من يكفر به كما في قوله تعالى :(محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)وقوله : (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )

البركة في الرزق

إذا أحب الله العبد بارك له في رزقه ،ورَزَقه القناعة، فلا يشكو من الفقر أبدا .كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْب (رواه ابن ماجه ) ومن دلائل حب الله لنا سعة العيش، والبركة في الرزق، والطمأنينة في الدنيا، كما قال تعالى:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) أما من يطع الله فيبسط الله له في رزقه ،ويرزقه القناعة

استجابة الدعاء

من دلائل حب الله لعباده المؤمنين أن يستجيب لدعائهم ،وينعم عليهم بنعمه بمجرد أن يرفع يده للسماء ويقول يا رب كما في قوله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ، وانظر إلى هذا الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وأنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا( رواه مسلم ) انظر إلى رقة النداء في يا عبادي -ولله المثل الأعلى- كما يخاطب الأب ولده فيقول له يا بني ،ولم يكلفنا سبحانه مشقة، فكل ما علينا هو أن نطلب فقط، وهو يجيب. نطلب الهداية فيهدنا، نطلب الرزق فيرزقنا، نطلب المغفرة فيغفر لنا.وهنا يجب أن نسأل أيوجد حب مثل ذلك!؟ أيضا في الحديث القدسي ٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وأنا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً (رواه البخاري) كأنه يقول يا عبدي إذا تقربت إلي فسوف أتقرب إليك بضعف أضعاف ما تتقرب به إلي ، يا عبدي إذا كنت تتعب من المشي فأنا آتي إليك هرولة ،فأنا لا أتعب أبدا، وكما في قوله تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)  كأنه يقول لنا ناموا واطمأنوا ،فإن كانت الأم تسهر على ولدها حتى ينام، فإنها أيضا تنام، أما أنا فأنا الحي الذي لا ينام ولا ينبغي له أن ينام،فأنا قيوم عليكم فاطمأنوا واهدأو ،ولا ترهقوا أنفسكم.

أمن المؤمن عند الموت

وإذا أحب الله العبد أمَّنَه في الدنيا ،ورزقه عند الموت أمنا وثباتا، فيرسل عليه ملائكته يقبضون روحه برفق وحنان، ويُثبتونه عند الموت، ويبشرونه بالجنة ،ويقولون له لا تخف ولا تحزن ،فان الله أرسلنا إليك مبشرين، فاطمئن سننقبض روحك، ونضعها في حنوط من حنوط الجنة، ونصعد بها إلى بارئها، ونناديك بأحب أسمائك إليك،وسيكون مصيرك إلى الجنة كما في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فلا تخف ولا تحزن، وأبشر بالجنة التي وعدك الله بها، فهذا جزاء محبتك لله في الدنيا، وأما في الآخرة فلك جزاء عظيم، وكما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ( رواه النسائي) وذلك عند موته وإن الله يحب عباده الصالحين الطائعين كما في قوله  (إن الله يحب المحسنين) وقوله(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)وقوله (فإن الله يحب المتقين )وقوله (والله يحب الصابرين )وقوله (إن الله يحب المتوكلين )وقوله( إن الله يحب المقسطين ) وقوله (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص)

والله لا يحب الكافرين الظالمين كما في قوله( إن الله لا يحب المعتدين )وقوله( والله لا يحب الفساد) وقوله (والله لا يحب كل كفار أثيم )وقوله (فإن الله لا يحب الكافرين )وقوله( والله لا يحب الظالمين )وقوله( إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) وقوله (إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما) وقوله (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) وقوله (والله لا يحب المفسدين )وقوله (إن الله لا يحب المعتدين) وقوله (إنه لا يحب المسرفين )وقوله (إن الله لا يحب الخائنين )وقوله (إنه لا يحب المستكبرين )وقوله (إنه لا يحب الكافرين)

محبة الله لعباده المؤمنين في الآخرة

الخلــــود في الجنــة

إذا كان المؤمن في الدنيا في أمن الله ،فإنه في الآخرة يكن في رحاب الله، وإذا كان الله أنعم على كل الخلائق في الدنيا، فان كَرَمه علي المؤمن في الآخرة لم يخطر علي بال أحد ،ولن يخطر فان الله وعد أحبابه بجنة فيها من الحور العين ،وكل ما تشتهيه الأنفس ،فالله تكفل بإعداد الجنة للمؤمنين ،كما في الحديث القدسي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ( رواه البخاري )تأمل في قوله أعددت وما تحمل هذه الكلمة من معاني الحب ولله  المثل الأعلى إنه أحن علينا من زوجاتنا عندما تستقبلنا بكل حنان وحب ،وتكون قد أعددت لنا الطعام،وقد جعل الله لنا في جنته ما لم يخطر على قلب بشر،ويدل على ذلك قوله (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)وقوله( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) وتدل كلمة خالدين على دوام النعيم، وأن الخلود ينهي على القلق النفسي الذي قد ينتاب العبد من زوال النعمة التي في يديه ،وكلمة مغفرة أيضا تعني الستر يريد الله أن يقول لنا اطمأنوا كما غفرت لكم ذنوبكم في الدنيا ،وسترتها عليكم ،فأنا الآن أسترها عليكم أيضا ،بل محوتها من ذاكرتكم حتى لا تفكروا في هذه الذنوب مرة أخرى، فيكون في أنفسكم حرج من التنعم في جناتي .

رؤية ربــهم

أما أعظم نعمة أنعم الله بها على المؤمنين في الآخرة: هي رؤية ربهم عز وجل ، فيتجلى عليهم سبحانه بنوره ،فلا يرون أحب من ذلك أبدا كما جاء في الحديث عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (رواه البخاري ) فمن منا لا يرغب في رؤية ربه سبحانه وتعالى ،وهل يوجد حب مثل ذلك الحب الذي أنعم الله علينا به!!

وإذا كنا من المؤمنين فان الله سبحانه وتعالى يرسل إلينا إرسالات حب لا تنتهي حتى نلقى ربنا ، فمن يستقبل هذه الإرسالات يتصل بهذا الحب ،ومن يكون جهاز الاستقبال لدية لا يعمل، لا يستقبل هذا الحب- ولله المثل الأعلى -إذا نظرت إلى إرسال التليفزيون فتجده دائما جاهز لإرسال تردداته، فمن يملك جهاز تليفزيون يستقبل هذا الإرسال ، كذلك المؤمن فان جهاز استقباله يعمل دائما، أما من يرفض حب الله فان جهاز الاستقبال لديه لا يعمل، و لذلك قال سبحانه : ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)) فاحرص دائما أن تتناول من يد ربك المدد الذي لا ينتهي.

سادسا - محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأُمتِه

الشفاعة:   اعلموا أن من اعظم النعم التي انعم الله بها علينا في الدنيا إن لم يكن أعظمها على الإطلاق هي :انه أرسل إلينا رسولا عظيما يخرجنا من الظلمات إلى النور ،من طريق الضلال إلى طريق الهداية، من طريق الجهل إلى طريق العلم ،من طريق التخلف إلى طريق التقدم والحضارة، من طريق سوء الخلق إلى طريق حسن الخلق،وقد أرسله الله رحمة لنا كما قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وقال تعالى(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فهو بنا رؤوف رحيم. ومن دلائل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم انه إختبأ دعوته إلى يوم القيامة ليشفع لنا بها عند ربنا سبحانه وتعالى كما في حديث الشفاعة المشهور عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ أنت رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَخِرُّ سَاجِدًا لِرَبِّي ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالَ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُالنَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ (رواه الترمذي)

تأمل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لك إنه لم يدعُ لنفسه ،ولكنه يدعو لأمته، ويظهر ذلك واضحا في الحديث التالي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ يَدْعُو بِهَا وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ (رواه البخاري)  وكذلك كما جاء في الحديث التالي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَالَ اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ (رواه مسلم) انظر إلى بكاء النبي صلى الله عليه وسلم إنه يبكي من أجلك ،وأنت لم تبكِ من أجل نفسك، وغارق في ملذاتك ،وهو قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ألا يستحق رسول الله صلى الله عليه وسلم حبك؟ ما أعظم هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم!!

الورود على الحوض

ويوم القيامة يفرح بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ويسقينا بيده الشريفة من حوض الكوثر الذي وهبه له ربه سبحانه وتعالى كما في الحديث عَنْ أَنَسٍ قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ فَقُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ رَبِّ إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ ( رواه مسلم ) ومعنى يختلج أي يتخطف إلى النار لأنه رفض حب النبي صلى الله عليه وسلم

وأكتفي بذكر ذلك لأن حب الرسول صلى الله عليه وسلم لنا لن ينتهي أيضا، فسوف نأنس به إن شاء الله في الجنة، ونتحدث معه، ونقابله ،ونحتضنه ،ونقبل يديه ، ونقول له اشتقنا إلى لقاءك، فأنت رسولنا ،وأنت حبيبنا ،وأنت شفيعنا ، فالحمد لله الذي جمعنا بك على خير.

سابعا - محبة الملائكة للمؤمنين

من حب الله لنا أن الملائكة تحب المؤمنين فتستغفر لهم ،ويطلبون لهم من الله الرحمة كما في قوله تعالى :(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)وكذلك إذا جلس قوم يذكرون الله سبحانه وتعالى فإن الملائكة تحيط بهم ،وتستغفر لهم أيضا كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ رواه مسلم

كيف تعرف حب الله لك وأنت عاصٍ

و قد يسأل سائل كيف أعرف حب الله لي وأنا أعصيه ؟فأنا أريد دليل عملي يحدث لي في حياتي حتى أحس بهذا الحب . قبل أن نتحدث في هذه النقطة نريد أن نسألك بعض الأسئلة ،ونترك لك بعض الوقت تجيب عليها بينك وبين نفسك.

كم مرة أذنبت؟

ما هو حجم هذه الذنوب ؟

هل رآك أحد وأنت تذنب ؟

هل أنت الآن على معصيتك أم  أن الله منَّ عليك بالتوبة ؟

و الآن هل أجبت عن هذه  الأسئلة في نفسك ؟

نقول لك إن من دلائل حب الله لك ،وفضله عليك، إنك قد أذنبت كثيرا ،و أغرقت نفسك في ظلمة المعصية، حتى ظننت انك لن تعود إلى نور الإيمان، لان ذنبك عظيم، وانك هالك لا محالة ،وقد ضاقت عليك الدنيا بما رحبت ، فإذا  كانت هذه هي حالتك، فتأمل  فضل الله عليك.

إذا كنت أنت قد عصيت الله، واستبحت حرماته ،فهو لم يقبض روحك، و لم يمنع رزقه عنك، ومازال يرزقك ،ثم نريد أن نسألك

ما هي عقوبة ذنوبك ؟ هل عاقبك الله بها في الحال ؟ ماذا لو عاقبك الله بها في الحال ؟

فإذا كنت قد ارتكبت جريمة الزنا مثلا ،هل عاقبك الله بعقوبة الزنا ،وهي إما الجلد، وإما الرجم، وماذا لو كانت عقوبتك الرجم ؟ أكنت على قيد الحياة الآن ؟ ولو كنت قد سرقت هل عاقبك الله بقطع يدك؟ ولكن الله وهو الحليم أمهلك ،وأعطى لك مزيدا من الفرص، لتعود إليه ،وترجوه أن يغفر لك هذه الذنوب، ثم بعد ذلك منَّ الله عليك بالستر فسترك عن أعين الناس ،حتى لا تكونَ بينهم مذموما مُحْتَقرا، كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (رواه مسلم)   وكما سترك الله في الدنيا أمر المؤمنين بسترك أيضا كما جاء في الحديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا (رواه احمد )ومعنى مَوْءُودَةً : البنت كانت تدفن حية في الجاهلية

أما إذا عاقبك الله بعقوبة جريمتك في الدنيا، فإن ذلك رحمة بك، وبدلا لك من عذاب الآخرة ،فلا يجمع الله بين عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة، كما في الحديث: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَذْنَبَ فِي الدُّنْيَا ذَنْبًا فَعُوقِبَ بِهِ فَاللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فِي الدُّنْيَا فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ فَاللَّهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي شَيْءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ (رواه احمد) ومعني يُثَنِّيَ : يجمع

وتخيل وأنك غارق في ذنوبك يبسط الله لك يديه لتتوب ،ويناديك يا عبدي: هل لك رب سواي يغفر لك ذنوبك، هل لك رب سواي يسترك ،و كما في قوله تعالى( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ )وكما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ(رواه البخاري) وكما في الحديث أيضا عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا (رواه مسلم) تأمل حب الله لك جعل باب التوبة مفتوحا لك حتى قيام الساعة ، و أما  إذا كانت ذنوبك تنوء بحملها أولى العصبة ،وظننت أنك هالك لا محالة ،خاطبك قائلا لك في الحديث القدسي عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً (رواه الترمذي) ومعنى قراب : أي ما يقارب ملء الأرض

تأمل حب الله لك، وعفوه عنك في هذا الحديث، إنه يغفر لك كل ذنوبك ،حتى لو بلغت السحاب في السماء ،ولو كانت ملء الأرض، وليس ذلك فقط بل يدخلك جنته إذا بادرت بالتوبة ،وندمت على ما فعلت ، بشرط وحيد ألا تشرك به شيئا  ،وكما سترك في الدنيا يسترك في الآخرة ،و في الحديث سئل ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين َ رواه البخاري ومسلم وكنفه : ستره وعفوه   و النجوى : محادثة الله عبده

و الآن نتساءل أليس كل ذلك حبا لك؟ أذنبت فسترك وأمهلك، وإذا رجعت وتبت قبلك وكرَّمَك، حتى أسبغ عليك نعمه وفي جنته أدخلك، فارجع إلى الله ،فلا ملاذ لك غيره ،ولا مأوى لك سواه، كما في قوله تعالى (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَاتذكرون)

أيا من لا يخيب إليه راجي            ولم يراه الحاج المناجي

ويا ثقتي على سرفي وجرمي      وإيثار التمادي في اللجاج

أقلني عثرتي واغفر ذنوبي     وهب لي منك عفواً واقض حاجي

فما لي غير إقراري بجرمي        وعفوك حجة يوم احتجاجي  .

 

الإبتلاء

و قد يسأل سائل إذا كان الله يحبني كل هذا الحب فلما يبتليني بالفقر مثلا أو بالمرض ؟

نقول له اعلم أن من شدة حب الله للعبد ابتلاءه ،وقد تتعجب من ذلك، ولكن لا تعجب، وهل كان الله لا يحب أنبياءه ورسلَه ؟! فانهم كانوا أشد الناس إبتلاءً . واعلم أن البلاء نوعان :بلاء بالنعمة كالمال والولد والسلطان ،فإذا كان هؤلاء عند العبد أحب إليه من الله، أصبحت النعمة نقمة عليهم ،والدليل على أن النعمة بلاء قوله تعالى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي) أما النوع الثاني فهو بلاء بالمشقة ،كالفقر والمرض كما في قوله (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي)

الإشراك في محبة الله

واعلم أن حب الأموال والأولاد مثلا -وهم نعمةٌ من الله- إن كانوا أَحَبَّ إلي العبد من الله سبحانه وتعالى ،فانه قد أشرك في محبة الله سبحانه وتعالى ،كما قال تعالي :(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) واعلم أن محبة المؤمنين لربهم أشد من محبة هؤلاء المشركين لربهم ولأندادهم ، ثم إن اتخاذ الأنداد هو من  أعظم الذنوب، كما في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ (رواه البخاري) فأنزل الله تصديق ذلك: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)  فدعاء إله آخر مع الله هو اتخاذ ند من دون الله يحبه كحب الله، إذ أصل العبادة المحبة ، وكما قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رحيم) وكما قال تعالى (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) إذن كل نعمة تؤدي إلى البعد عن الله فهي فتنة ونقمة، ولا يفرح الإنسان بالنعمة لأنه إن لم يشكر الله عليها، و إن لم تقربه من الله تعالى تكن عليه و بالاً وجحيماً ، أما إذا ابتلى الله عبده ببعض الأمراض مثلا أو بالفقر فصبر واحتسب ذلك عند الله، فسوف يكون من الذين يحبهم الله تعالى كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وكما قال تعالى (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) واعلم أن أمر المؤمن كله خير كما في الحديث عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ (رواه مسلم ) علمت كيف يحبك الله سبحانه وتعالى إذا صبرت على الأذى والبلاء !!

ثامنا - محبة العبـد لله

والآن وقد تأكد لك وعلمت علم اليقين محبة الله لك، وأنه جعل كل شيء يحبك كما وعد، فجعل الملائكة يحبونك و يستغفرون لك،و وجعل لك القبول في الأرض، وجعل بين المؤمنين مودةً ورحمة، ألا تستحي وتبادل الحب بحب ؟واعلم أن المحبة على أربعة أقسام:

الأول- محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من الله من عذابه والفوز بثوابه،فان عباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله ،وهذه المحبة باللسان فقط دون العمل ،و بالقول دون تصديق بالقلب ،ويدخل تحتها المنافقون أيضا.

الثاني -محبة الله بالقول والعمل وهذه هي التي تدخله في الإسلام،وتخرجه من الكفر ،وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها.

الثالث- الحب لله وفيه وهي محبة ما يحب الله .

الرابع- المحبة مع الله وهى المحبة الشركية ،وكل من أحب شيئا مع الله ،لا لله، ولا من أجله، ولا فيه، فقد اتخذه ندا من دون الله وهذه محبة المشركين.

والحب أصل كل عمل من حق وباطل، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها، وأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله، كما أن أصل الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله،فالتصديق بالمحبة هو أصل الإيمان وهو قول وعمل ،و محبة الله تنقسم إلى:

المحبة الواجبة :  وهي تقتضي أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ،بحيث لا يحب شيئا يبغضه كما قال تعالي (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ  ) وذلك يقتضي محبة جميع ما أوجبه الله تعال،ي وبغض ما حرمه الله تعالى ،وذلك واجب،  فيجب علي كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغضه الله

المحبة المستحبة :  وهي أن يحب ما أحبه الله من النوافل والفضائل محبة تامة وهذه حال المقربين الذين قربهم الله إليه كما في الحديث القدسي الذي رواه البخاري أن رسول الله قال فيما يرويه عن ربه (وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)

ويجب أن نعرف انه لا فرق بين الأركان التعبدية من شهادة أن لاإله إلا الله محمد رسول الله ،وإقام الصلاة، وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ،وبين عمارة الدنيا ،والتي تؤدي إلى إسعاد الناس .

فالأركان التعبدية ضرورية للشحن الإيماني حتى نستطيع إعمار الدنيا .وأما تقسيم علماء الفقه للأركان إلى عبادات ومعاملات إنما هو تقسيم اصطلاحي فقط والبتالي تنقسم محبة العبد لله إلى:

محبة العبد لله في الأركان التعبدية وهي خالصة بين العبد وربه

محبة العبد لله في عمارة الدنيا وهي محبة العبد للعبد(رسالة قادمة )

محبة العبد لله

اعلموا أن دلائل محبة العبد لله سبحانه وتعالى هي الطاعة فإذا سألتك هل تحب الله سبحانه وتعالى؟ سوف تكون الاجابة: نعم طبعا وهل أحد  يحب الله مثلي. فأقول هل تطيعه هل تصلى هل تصوم ؟ لا تترد في الإجابة

تعصي الإله وأنت تزعم حبه    هذا محال في القياس شنيع

لو كان حبك صادقا  لأطعته     إن المحب لمن أحب مطيع

إذا أراد العبد أن يتأكد من محبته لله لابد وأن تكون عبادته خالصة لوجه الله تعالى بمعنى أنه إذا ذهب إلى الصلاة ليصلي لابد أن يسأل نفسه لماذا يذهب للصلاة- وهكذا في كل العبادات- فيسأل هل الغاية هي الحصول على أجر هذه الصلاة -وهى مثلا الصلاة بعشر صلوات- وهذا لا حرج فيه إطلاقا ،لأن ذلك وعد الله سبحانه وتعالى لنا، أم أن الغاية هي حب لقاء الله سبحانه وتعالى، والتذلل والخشوع له، والشوق إلى لقاءه، حيث يجب أن تكون عبادتك لله عز وجل خالصة له كما قال تعالى (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)ثم إذا ذهبت إلى الصلاة هل تريد أن يقصر الإمام في الصلاة حتى تلحق بالمسلسل أو بالمباراة ؟أم تريد أن يطيل في الصلاة حتى تطيل اللقاء مع الله سبحانه وتعالى؟ فتأنس به وينشرح صدرك وتحس أنك في ملكوت الله ،ولكن قبل أن تجيب انظر إلى قول الله تعالى لسيدنا موسى (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا موسى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) وهنا يجب أن نسأل لماذا أطال سيدنا موسى في الحديث مع الله ،ولم يكتفي بقوله هي عصاي أتوكأ عليها فقط ،ولكنه زاد - وأهش بها على غنمي -إنما أراد أن يتلذذ بالكلام مع الله سبحانه وتعالى وهذا حال المحبين لا يملوا الحديث مع بعضهم .والآن أيهما أحب إليك: الانصراف مسرعا من الصلاة إلى مشاهدة التليفزيون أم التلذذ بالوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى ؟

المقصود من ذلك ألا ننظر إلى حجم الجزاء فقط  بقدر أننا نقصد بهذا العمل  التقرب من الله، والحب له، وإن كان هدف الحصول على الجزاء من الله مشروع أيضا بل واجب الحصول عليه ،لأنه من الله، ولكن حب الله غاية أسمى وأجل، وكذلك في كل العبادات يجب أن تكون الغاية منها هي محبة الله سبحانه فيجب أن يكون الله ورسوله أحب ألينا مما سواهما وهذا واضح من الحديث الآتي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإيمان أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار (رواه البخاري)  فمحبة الله ورسوله تُوجِد حلاوة في القلب لا يحس الإنسان بمثلها، حتى ولو كانت في جماع الزوجة ،فإن كانت هذه لذة عظيمة فإن لذة التضرع إلى الله أعظم وأحلى، ولما لا يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، وقد قدم الله لنا محبته فهو الذي خلقنا ،وهو الذي يرزقنا، وهو الذي أنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى كما قال تعالى (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)  فإياك أن تنشغل بالنعمة عن المنعم أو أن تعبد الله طمعا في جنته فقط أو خوفا من ناره فقط، و إنما تعبد الله لأنك تريد أن تراه في الآخرة . وإنا لنتساءل لو لم يكن هناك جنة أو نارا ألم نعبد الله سبحانه وتعالى ؟ يجب أن يحب الله تعالى لذاته

أحبك  حبين  حب   الهوى        وحبا لأنك   أهـل   لذاكـا

فأما الذي هو حب الهـوى        فشغلي بذكرك عمن سواكـا

وأما الذي أنت أهل لــه        فكشفك  لي  حتى  أراكــا

فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي        ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

وقد يسأل سائل كيف أصل إلى محبة الله عز وجل ؟

إن الله سبحانه تعالى لم يخلقنا مقهورين على عبادته وإنما خلقنا مختارين لنقبل على عبادته بكامل إرادتنا ووعينا، وأن نأتيه سبحانه عن حب له ولذاته ،فالله أراد لنا عبادة المحبوبية ،وأول طريق الوصول إلى حب الله سبحانه وتعالى أن تطيعه عن حب وليس عن قهر ،ولكي تصل إلى هذه المرحلة من الحب يجب أن تفعل الآتي:

أولا :  اجعل لسانك دائما رطبا بذكر الله وشكره على كل أحوالك كما قال تعالى(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) فذكر الله يبعث في القلب الطمأنينة والراحة النفسية كما قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) فإذا لم يشغلك ذكر الله شغلتك عنه المعاصي ،وذكر الله أيضا يجعل القلب في شوق دائم له سبحانه وتعالى  كما كان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإيمان وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِين (رواه النسائيَ) وإذا ذُكر الله تعالى أمامك تجد قلبك قد خشع له كما في قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فإذا ذُكر الله تعالى ولم يخشع قلبك ولم تتحرك جوارحك يناديك سبحانه (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) وإذا ذَكرت الله تعالى طالبا حبه سوف تجد حلاوة هذا الحب في قلبك إن شاء الله تعالى .

ثانيا :  اقرأ القرآن الكريم كثيرا ،وتدبر معانيه،وجمال ألفاظه وإذا قرأت القرآن ولم تبكِ تباكى، فإنه أدعى للخشوع كما في الحديث عَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا ( رواه ابن ماجة)  وكذلك وأنت تقرأ القرآن تدبر معانيه كما قال تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وإذا لم يخشع قلبك لقراءة القرآن فلأي شيء غيره يخشع، يا أخي إن الجبال تخشع من خشية الله إذا قريء عليها القرآن كما قال تعالى(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

ثالثا : اجعل قلبك دائما خاليا من الحقد والحسد،ومن كل أمراض القلوب ،واملأه بحب الله تعالى

رابعا : طاعة الله سبحانه وتعالى في كل ما يأمر به وما ينهى عنه

خامسا : أقبل على عبادة الله رويدا رويدا بحيث لا تكلف نفسك ما لا تطيق، فإن الله لا يمل حتى تمل، بحيث لا ترهق نفسك ،فتكون العبادة حملا ثقيلا عليك لا تتحمله ،واجعل عبادتك على مراحل كلا منها تكمل الأخرى حتى تصل إلى قمة العبادة ولا يؤثر ذلك عليك كثيرا.

سادسا : اختلِ بنفسك مع الله، وناجه واعترف له بذنوبك ،واندم على ما فعلت من معاصي، وابكِ على خطيئتك، فناجه بقولك ربى ليس لي رب سواك ،وليس لي ملجأ إلا إليك، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري ،ربي أصلح لي شأني كله ،ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ربي إني أذنبت وندمت وأنت غفرت لي وسترتني ولم تفضحني ورزقتني ولم تحرمني أتمم علي نعمتك وسترك في الدنيا والآخرة . ناجه وقل له ربي ربي أنت ربي أنت أرحم الراحمين ارحمني في الدنيا والآخرة، أنت القوي وأنا الضعيف، أنت الغني وأنا الفقير، أنت العزيز وأنا الذليل، أنت الغفور وأنا الذي أغرقتني الذنوب .ربي أريد أن أحبك فارزقني حبك وحب من أحبك وحب كل عمل يوصلني إلى حبك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما منعته عني مما أحب فاجعله لي فراغا فيما تحب . المقصود من ذلك أن تقول كل ما تريد لله سبحانه وتعالى بكل حب وذل وخضوع ،واعلم إنما الذل إلى الله عزه ما بعدها عزة تجد حلاوتها في قلبك .

وإني لا آت الذنب أعرف قدره        وأعلم أن الله يعفو ويغفر

لئن عظم الناس الذنوب فإنها       وإن عظمت في رحمة الله تصغر

سابعا : احرص على قدر المستطاع على صلاة قيام الليل، فإنها تدخل في القلب سرورا وطمأنينة وراحة بال .

ثامنا : كن اجتماعيا تحب الناس ،وتعمل على قضاء مصالحهم ولا تحكم على نفسك بالعزلة بدعوى العبادة ،فلم يخلقنا الله سبحانه إلا لنتفاعل مع الآخرين.ونرشدهم إلى عبادة الرحمن .

تاسعا: إذا أردت أن تكلم الله تعالى أُدخل في الصلاة اجعله أكبر من كل شيء في حياتك وسبح بحمده وعظمه وادعوه وإذا أردت أن يكلمك الله تعالى إقرأ القرآن فسوف تجده يحدثك بقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا،أو يا أيها الناس، ويأمرك بأشياء هي في صالحك وصلاح المجتمع، وينهاك عن أشياء يكون فيها ضرر لك وفساد المجتمع  .

عاشرا: اعلم أننا كلنا خطاءون ،واعلم أيضا أن خير الخطائين التوابون فلا تجرك المعصية إلى أختها أو إلى اكبر منها فتهلك ولكن كن على يقين أن الحسنات يذهبن السيئات وأن الله تواب رحيم لمن أراد أن يتوب . هذا باختصار ولا أريد أن أطيل أو أسهب في شرح كل نقطة من النقاط السابقة  فلذلك تؤلف الكتب وإنما هو إرشاد لمن أراد أن يعرف حب الله في قلبه ويحس به وانظر إلى الإنس بالله

فليتك  تحلـو  والحياة  مريرة       وليتك ترضى والأنام   غضاب

وليت الذي بيني وبينك  عامر      وبيني  وبين   العالمين   خراب

إذا صح منك الود فالكل هين      وكل الذي فوق التراب تراب

وايضا قال الإمام الشافعي

تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك     ربي كان  عفـــوك  أعظمـا

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي      جعلت الرجا منك لعفوك سلمـا

فمازلت ذا عفو عن الذنب لم     تزل تجود  وتعفو  منة  وتكرمـا

فلولاك لم يصمد لإبليس عابد      فكيف وقد  أغوى صفيك   آدما

وانظر إلى حب الله لك ورحمته بك وحرصه عليك يقول الله تعالى في الحديث القدسي عن  أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : قال الله عز و جل : إني و الإنس و الجن في نبأ عظيم أخلق و يعبد غيري و أرزق و يشكر غيري خيري إلى العباد صاعد وشرهم إلي نازل أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إلي ،أهل طاعتي أهل محبتي،أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ،إن تابوا إلي فأنا حبيبهم ،وإن أبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب ، من أتاني منهم تائبا تلقيته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب أقول له : أين تذهب ؟ ألك رب سواي،الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد،والسيئة عندي بمثلها وأعفو،وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم (روى البيهقي في شعب الإيمان الجزء الأول منه )

دعوة للحب

أحبوا الله الذي خلقكم بيده وصوركم فأحسن صوركم ونفخ فيكم من روحه ،واعلموا أن الله خلقكم ليسبغ عليكم نعمه وأن الله غني عن العالمين ، فإذا كان الناس يأنسون بالناس فأنسوا أنتم بالله ،وإذا كان الناس يتوددون إلى الناس فتوددوا أنتم إلى الله، وإذا استغنى الناس بالدنيا عن الناس فاستغنوا أنتم عن الدنيا بالله، وإذا استعان الناس على مصائبهم بالناس فاستعينوا أنتم على مصائبكم بالله ،وإذا غفل الناس عن ذكر الله  فاذكروا أنتم الله

أحبوا الله بل املئوا قلوبكم بحب الله تحبون كل شيء ويحبكم كل شيء، اجعلوا الله أغلى شيء في حياتكم اجعلوه أغلى من ملذاتكم وأغلى من شهواتكم وأغلى من دنياكم التي تغركم ،اجعلوه أغلى من أنفسكم ومن أولادكم ومن أزواجكم

دعاء الحب

اللهم ارزقني حبك وحب من أحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب اللهم إني أغرقتني الذنوب وأهلكتني المعاصي وخدعتني قوتي وغرتني دنياي وأغواني الشيطان وفتنني المال وأنت أرحم الراحمين ذو الفضل العظيم تغفر وترحم  فاغفر لي ذنوبي واستر علي معصيتي وارزقني قوة في سبيلك وهون علي أمر الدنيا وانصرني على الشيطان اللهم أنت ربي فليس لي رب سواك لا تكلني إلى نفسي فأهلك أو إلى الدنيا فأذل أو إلى الشيطان فأشقى وخذ بيدي إلى رحابك أأنس بالقرب منك وأسعد بالتودد إليك  وأفرح بحبك لي. اللهم لك الحمد كله, اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت, ولا هادي لمن أضللت, ولا مضل لمن هديت, ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت, ولا مقرب لما باعدت, ولا مباعد لما قربت. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك, اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول. اللهم إني أسألك النعيم يوم العيلة والأمن يوم الخوف. اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين. اللهم ارزقنا الشوق إلى لقاءك ولذة النظر إلى وجهك، يا أرحم الراحمين ،يا أكرم العالمين ،يا أمان الخائفين، يا مجير المستجيرين يا الله . وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا ما انتهيت إليه فإن أصبت فمن الله وحده ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ، والله أعلم .

وفي النهاية أتمنى من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في أن ألقي الضوء على حقيقة الحب بين الله وعباده ويسعدني أن أتلقى آرائكم وتقيمكم لهذا الموضوع وإبداء مقترحاتكم حتى تكون نورا يضيء لي الطريق ويصحح لي المسار والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

nabilatwa84@islamway.net

ت / 0101181618

مصر

====