الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

1 و2و3.الوابل الصيب من الكلم الطيب لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي

 

ج1وج2وج3-كتاب : الوابل الصيب من الكلم الطيب
المؤلف : أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي
تحقيق : محمد عبد الرحمن عوض
عدد الأجزاء / 1
( المقدمة )
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم الله سبحانه وتعالى المسؤول المرجو الاجابه ان يتولاكم في الدنيا والاخرة وان يسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وان يجعلكم ممن اذا انعم عليه شكر واذا ابتلى صبر واذا اذنب استغفر فان هذه الامور الثلاثة عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه واخراه ولاينفك عبد عنها ابد فان العبد دائم التقلب بين هذه الاطباق الثلاث
الاول نعم من الله تعالى تترادف عليه فقيدها الشكر وهو مبني على ثلاثة اركان الاعتراف بها باطنا والتحدث بها ظاهرا وتصريفها في مرضاة وليها ومسديها ومعطيها فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها
الثاني محن من الله تعالى يبتليه بها ففرضه فيها الصبر والتسلي والصبر حبس النفس عن التسخط بالمقدور وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ونتف الشعر ونحوه فمدار الصبر على هذه الاركان الثلاثة فاذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة واستحالت البلية عطية وصار المكروه محبوبا فان الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه وانما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته فان لله تعالى على العبد عبودية الضراء  
"""""" صفحة رقم 12 """"""
الضراء وله عبودية عليه فيما يكره كما له عبودية فيما يحب واكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ففيه تفاوت مراتب العباد وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبودية ومباشرة زوجته الحسناء التي يحبها عبودية ونفقته عليها وعلى عياله ونفسه عبودية هذا والوضوء بالماء البارد في شدة البرد عبودية وتركه المعصية التي اشتدت دواعي نفسه اليها من غير خوف من الناس عبودية ونفقته في الضراء عبودية ولكن فرق عظيم بين العبوديتين فمن كان عبدا لله في الحالتين قائما بحقه في المكروه والمحبوب فذلك الذي تناوله قوله تعالى ) أليس الله بكاف عبده ( وفي القراءة الاخرى عباده وهما سواء لان المفرد مضاف فينعم عموم الجمع فالكفاية التامة مع العبودية التامة والناقصة فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه
وهؤلاء هم عباده الذين ليس لعدوه عليهم سلطان قال تعالى ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( ولما علم عدو الله ابليس ان الله تعالى لا يسلم عباده اليه ولا يسلطه عليهم قال ) فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ( وقال تعالى ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ( فلم يجعل لعدوه سلطانا على عباده المؤمنين فانهم في حرزه وكلاءته وحفظه وتحت كنفه وان اغتال عدوه احدهم كما يغتال اللص الرجل الغافل فهذا لا بد منه لان العبد قد بلي بالغفلة 

 
"""""" صفحة رقم 13 """"""
والشهوه والغضب ودخوله على العبد من هذه الابواب الثلاثة ولو احترز العبد ما احترز العبد ما احترز فلا بد له من غفلة ولا بد له من شهوة ولا بد له من غضب
وقد كان ادم أبو البشر ( صلى الله عليه وسلم ) من احلم الخلق وارجحهم عقلا واثبتهم ومع هذا فلم يزل به عدو الله حتى اوقعه فيما اوقعه فيه فما الظن بفراشه الحلم و من عقله في جنب عقل أبيه كتفلة في بحر ولكن عدو الله لا يخلص إلى المؤمن الا غيلة على غرة وغفلة فيوقعه ويظن انه لا يستقبل ربه عز وجل بعدها و ان تلك الوقعة قد اجتاحته واهلكته وفضل الله تعالى ورحمته وعفوه ومغفرته وراء ذلك كله
فإذا اراد الله بعبده خيرا فتح له من ابواب التوبة والندم والانكسار والذل والافتقار والاستعانة به وصدق اللجا اليه ودوام التضرع والدعاء و التقرب اليه بما امكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به رحمته حتى يقول عدو الله يا ليتنى تركته ولم اوقعه
وهذا معنى قول بعض السلف ان العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة ويعمل الحسنة يدخل بها النار قالوا كيف قال يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه منه مشفقا وجلا باكيا نادما مستحيا من ربه تعالى ناكس الراس بين يديه منكسر القلب له فيكون ذلك الذنب انفع له من طاعات كثيرة بما ترتب عليه من هذه الامور التي بها سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب سبب دخوله الجنة
ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه ويتكبر بها ويرى نفسه ويعجب بها ويستطيل بها ويقول فعلت وفعلت فيورثه من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه فاذا اراد الله تعالى بهذا المسكين خيرا ابتلاه بأمر يكسره به ويذل به عنقه ويصغر به نفسه عنده وان اراد به غير ذلك خلاه 

 
"""""" صفحة رقم 14 """"""
وعجبه وكبره وهذا هو الخذلان الموجب لهلاكه
فإن العارفين كلهم مجمعون على ان التوفيق ان لايكلك الله تعالى إلى نفسك والخذلان ان يكلك الله تعالى إلى نفسك فمن اراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار ودوام اللجا إلى الله تعالى والافتقار اليه ورؤية عيوب نفسه وجهلها وعدوانها ومشاهدة فضل ربه واحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين لايمكنه ان يسير الا بهما فمتى فاته واحد منهما فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه
قال شيخ الإسلام العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل وهذا معنى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الصحيح من حديث بريدة رضي الله تعالى عنه
سيد الاستغفار ان يقول العبد اللهم انت ربي لا اله الا انت خلقتني وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت اعوذ بك من شر ما صنعت ابوء بنعمتك علي وابوء بذنبي فاغفر لي انه لايغفر الذنوب الا انت فجمع في قوله ( صلى الله عليه وسلم )
أبوء لك بنعمتك علي وابوء بذنبي مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل
فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان
(1/14)
"""""" صفحة رقم 15 """"""
ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبه في كل وقت وان لايرى نفسه الا مفلسا واقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو الافلاس فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاما ولا سببا يتعلق به ولا وسيلة منه يمن بها بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف والافلاس المحض دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع وشملته الكسرة من كل جهاته وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل وكمال فاقته وفقره اليه وان في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى وانه ان تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر الا ان يعود إلى الله تعالى عليه ويتداركه برحمته
ولا طريق إلى الله اقرب من العبودية ولا حجاب اغلظ من الدعوى والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلهاحب كامل وذل تام ومنشا هذين الاصلين عن ذينك الاصلي المتقدمين وهما مشاهدة المنة التي تورث المحبة ومطالعة عيب النفس والعمل التي تورث الذل التام واذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الاصلين لم يظفر عدوه به الا على غرة وغيلة وما اسرع ما ينعشه الله عز وجل ويجبره ويتداركه برحمته
فصل استقامة القلب وانما يستقيم له هذا باستقامة قلبه وجواره فاستقامة
القلب بشيئين أحدهما ان تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب
(1/15)
"""""" صفحة رقم 16 """"""
فاذا تعارض حب الله تعالى وحب غيره سبق حب الله تعالى حب ما سواه فرتب على ذلك مقتضاه
ما اسهل هذا بالدعوى و ما اصعبه بالفعل فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان و ما اكثر ما يقدم العبد ما يحبه هو ويهواه أو يحبه كبيره واميره وشيخه واهله على ما يحبه الله تعالى فهذا لم تتقدم محبة الله تعالى في قلبه جميع المحاب ولا كانت هي الملكة المؤمرة عليها وسنة الله تعالى فيمن هذا شانه ان ينكد عليه محابه وينغصها عليه ولا ينال شيئا منها الا بنكد وتنغيص جزاء له على ايثار هواه وهوى من يعظمه من الخلق أو يحبه على محبة الله تعالى
وقد قضى الله تعالى قضاء لا يرد ولا يدفع ان من احب شيئا سواه عذب به ولا بد وان من خاف غيره سلط عليه وان من اشتغل بشئ غيره كان شؤما عليه ومن اثر غيره عليه لم يبارك فيه ومن ارضى غيره بسخطه اسخطه عليه ولا بد الامر الثاني الذي يستقيم به القلب تعظيم الامر والنهي وهو ناشئ عن تعظيم الامر الناهي فان الله تعالى ذم من لا يعظم امره ونهيه قال سبحانه وتعالى ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( قالوا في تفسيرها مالكم لا تخافون لله تعالى عظمة ما احسن ما قال شيخ الإسلام في تعظيم الامر والنهي هو ان لا يعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشديد غال ولايحملا على علة توهن الانقياد
(1/16)
"""""" صفحة رقم 17 """"""
ومعنى كلامه ان اول مراتب تعظيم الحق عز وجل تعظيم امره ونهيه وذلك المؤمن يعرف ربه عز وجل برسالته التي ارسل بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى كافة الناس ومقتضاها الانقياد لامره ونهيه وانما يكون ذلك بتعظيم امر الله عز وجل واتباعه وتعظيم نهيه و اجتنابه فيكون تعظيم المؤمن لامر الله تعالى ونهيه دالا على تعظيمه لصاحب الامر والنهي ويكون بحسب هذا التعظيم من الابرار المشهود لهم بالايمان والتصديق وصحة العقيدة والبراءة من النفاق الاكبر
(1/17)
"""""" صفحة رقم 18 """"""
فإن الرجل قد يتعاطى فعل الامر لنظرالخلق وطلب المنزلة والجاه عندهم ويتقي المناهي خشية سقوطه من اعينهم وخشية العقوبات الدنيوبة من الحدود التي رتبها الشارع ( صلى الله عليه وسلم ) على المناهي فهذا ليس فعله وتركه صادرا عن تعظيم الامر والنهي ولا تعظيم الامر الناهي فعلامة التعظيم للاوامر رعاية اوقاتها وحدودها والتفتيش على اركانها وواجباتها وكمالها والحرص على تحينها في اوقاتها والمسارعة اليها عند وجوبها والحزن والكابة والاسف عند فوت حق من حقوقها كمن يحزن على فوت الجماعة ويعلم انه تقبلت منه صلاته منفردا فانه قد فاته سبعة وعشرون ضعفا ولو ان رجلا يعاني البيع والشراء تفوته صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة قيمتها سبعة وعشرون دينارا لاكل يديه ندما واسفا فكيف وكل ضعف مما تضاعف به صلاة الجماعة خير من الف والف الف وما شاء الله تعالى
فادا فوت العبد عليه هذا الربح قطعا وكثير من العلماء لا صلاة له وهو بارد القلب فارغ من هذه المصيبة غير مرتاع لها فهذا عدم تعظيم امر الله تعالى في قلبه وكذلك اذا فاته اول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى أو فاته الصف الاول الذي يصلي الله وملائكته على ميامنه ولو يعلم العبد فضيلته لجالد عليه ولكانت قرعة وكذلك فوت الجمع الكثير الذي تضاعف الصلاة بكثرته وقلته كلما كثر الجمع كان احب إلى الله عز وجل وكلما بعدت الخطا كانت خطوة تحط خطيئة واخرى ترفع درجة وكذلك
(1/18)
"""""" صفحة رقم 19 """"""
فوت الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها بين يدي الرب تبارك وتعالى الذي هو روحها ولبها فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت لاروح فيه افلا يستحي العبد ان يهدي إلى مخلوق مثله عبدا ميتا أو جارية ميته فما ظن هذا العبد ان تقع تلك الهدية ممن قصده بها من ملك أو امير اوغيره فهكذا سواء الصلاة الخيالية عن الخشوع والحضور وجمع الهمة على الله تعالى فيها بمنزلة هذا العبد أو الامة الميت الذي يريد اهداءه إلى بعض الملوك ولهذا لا يقبلها الله تعالى منه وان اسقطت الفرض في احكام الدنيا ولا يثبه عليها فانه ليس للعبد من صلاته الا ما عقل منها كما في السنن ومسند الامام أحمد وغيره عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال
ان العبد ليصلي الصلاة وما كتب له الا نصفها الا ثلثها الا ربعها الا خمسها حتى بلغ عشرها
وينبغي ان يعلم ان سائر الاعمال تجري هذا المجرى فتفاضل الاعمال عند الله تعالى يتفاضل ما في القلوب من الايمان والاخلاص والمحبة وتوابعها وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيرا كاملا والناقص بحسبه وبهاتين القاعدتين تزول اشكالات كثيرة وهما
(1/19)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
تفاضل الاعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الايمان وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه وبهذا يزول الاشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه
ان صوم يوم عرفة يكفر سنتين ويوم عاشوراء يكفر سنة قالوا فاذا كان دأبه دائما انه يصوم يوم عرفه فصامه وصام يوم عاشوراء فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كل سنة واجاب بعضهم عن هذا بان ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات
ويالله العجب فليت العبد اذا اتى بهذه المكفرات كلها ان تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض والتكفير بهذه مشروط بشروط موقوف على انتفاء موانع في العمل وخارجه فان علم العبد انه جاء بالشروط كلها وانتفت عنه الموانع كلها فحينئذ يقع التكفير واما عمل شملته الغفلة أو لاكثره وفقد الاخلاص الذي هو روحه ولم يوف حقه ولم يقدره حق قدره فاي شئ يكفر هذا فان وثق العبد من عمله بانه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهرا وباطنا ولم يعرض له مانع يمنع تكفيره ولا مبطل يحبطه من عجب أو رؤية نفسه فيه أو يمن به أو يطلب من العباد تعظيمه به أو يستشرف بقلبه لمن يعظمه عليه أو يعادي من لا يعظمه عليه ويرى انه قد بخسه حقه وانه قد استهان بحرمته فهذا أي شئ يكفر ومحبطات الاعمال ومفسداتها اكثر من ان تحصر وليس الشان في العمل انما الشان في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه
(1/20)
"""""" صفحة رقم 21 """"""
فالرياء وان دق محبط للعمل وهو ابواب كثيرة لاتحصر وكون العمل غير مقيد باتباع السنة ايضا موجب لكونه باطلا والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والاحسان والصلة مفسد لها كما قال سبحانه وتعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ( واكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات وقد قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ( فحذر المؤمنين من حبوط اعمالهم بالجهر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما يجهر بعضهم لبعض وليس هذا بردة بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها فما الظن بمن قم على قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وهدية وطريقة قول غيره وهدية وطريقة
اليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر ومن هذا قوله ( صلى الله عليه وسلم )
من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ومن هذا قول عائشة رضي الله تعالى عنها وعن ابيها لزيد بن ارقم رضي الله عنه لما باع بالعينة انه قد ابطل جهاده مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الا ان يتوب وليس التبايع بالعينة ردة و انما غايته انه معصية فمعرفة ما يفسد الاعمال في حال وقوعها ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من اهم ما ينبغي ان يفتش عليه العبد ويحرص على عمله ويحذره وقد جاء في اثر معروف ان العبد ليعمل العمل سرا لا يطلع عليه احدا الا الله تعالى
(1/21)
"""""" صفحة رقم 22 """"""
فيتحدث به فينتقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية ثم يصير في ذلك الديوان على حسب العلانية فان تحدث به للسمعة وطلب الجاه والمنزلة عند غير الله تعالى ابطله كما لو فعله لذلك
فان قيل فإذا تاب هذا هل يعود اليه ثواب العمل قيل ان كان قد عمله لغير الله تعالى واوقعه بهذه النية فانه لا ينقلب صالحا بالتوبة بل حسب التوبة ان تمحو عنه عقابه فيصير لا له ولا عليه واما ان عمله لله تعالى خالصا ثم عرض له عجب ورياء أو تحدث به ثم تاب من ذلك وندم فهذا قد يعود له ثواب عمله ولا يحبط وقد يقال انه لا يعود اليه بل يستانف العمل والمسالة مبنية على اصل وهو ان الردة هل تحبط العمل بمجردها أو لا يحبطه الا الموت عليها فيه للعلماء قولان مشهوران وهما روايتان عن الامام أحمد رضي الله عنه فان قلنا تحبط العمل بنفسها فمتى استلم استانف العمل وبطل ما كان قد عمل قبل الإسلام وان قلنا لا يحبط العمل الا اذا مات مرتدا فمتى عاد إلى الإسلام عاد اليه ثواب عمله وهكذا العبد اذا فعل حسنة ثم فعل سيئة تحبطها ثم تاب من تلك السيئة هل يعود اليه ثواب تلك الحسنة المتقدمة يخرج على هذا الاصل
ولم يزل في نفسي من هذه المسالة ولم ازل حريصا على الصواب فيها وما رايت احدا شفي فيها والذي يظهر والله تعالى اعلم وبه المستعان ولا قوة الا به ان الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل ويكون الحكم فيها للغالب وهو يقهر المغلوبون ويكون الحكم له حتى كان المغلوب لم يكن فاذا غلبت على العبد الحسنات رفعت حسناته الكثيرة سيئاته ومتى تاب من السيئة ترتب على توبته منها حسنات كثيرة قد تربي وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة فإذا عزمت التوبة وصحت ونشات من صميم القلب احرقت ما مرت عليه من السيئات
(1/22)
"""""" صفحة رقم 23 """"""
حتى كانها لم تكن فان التائب من الذنب لا ذنب له
وقد سال حكيم بن حزام رضي الله عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن عتاقة وصلة وبر فعله في الشرك هل يثاب عليه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم )
اسلمت على ما اسلفت من خير فهذا يقتضي ان الإسلام اعاد عليه ثواب تلك الحسنات التي كانت باطلة بالشرك فلما تاب من الشرك عاد اليه ثواب حسناته المتقدمة فهكذا اذا تاب العبد توبة نصوحا صادقة خالصة احرقت ما كان قبلها من السيئات واعادت عليه ثواب حسناته يوضح هذا ان السيئات والذنوب هي امراض قلبية كما ان الحمى والاوجاع وامراض بدنية والمريض اذا عوفي من مرضه عافية تامة عادت اليه قوته وافضل منها حتى كانه لم يضعف قط فالقوة المتقدمة بمنزلة الحسنات والمرض بمنزلة الذنوب والصحة والعافية بمنزلة التوبة وكما ان المريض من لاتعود اليه صحته ابدا لضعف عافيته ومنهم من تعود صحته كما كانت لتقاوم الاسباب وتدافعها ويعود البدن إلى كماله الاول ومنهم من يعود اصح مما كان واقوى وانشط لقوة اسباب العافية وقهرها وغلبتها لاسباب الضعف والمرض حتى ربما كان مرض هذا سببا لعافيته كما قال الشاعر
لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الاجسام بالعلل
فهكذا العبد بعد التوبة على هذه المنازل الثلاث والله الموفق لا اله غيره ولا رب سواه
(1/23)
"""""" صفحة رقم 24 """"""
فصل دلائل تعظيم الامر والنهي
واما علامات تعظيم المناهي فالحرص على التباعد من مظانها واسبابها وما يدعو اليها ومجانبة كل وسيلة تقرب منها كمن يهرب من الاماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها وان يدع ما لا باس به حذرا مما به باس وان يجانب الفضول من المباحات خشية الوقوع في المكروه و مجانبة من يجاهد بارتكابها ويحسنها ويدعو اليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها فان مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه ولا يخالطه الا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته ومن علامات تعظيم النهي ان يغضب لله عز وجل اذا انتهكت محارمه وان يجد في قلبه حزنا وكسرة اذا عصى الله تعالى في ارضه ولم يضلع باقامة حدوده وأوامره ولم يستطع هو ان يغير ذلك
ومن علامات تعظيم الامر والنهي ان لايسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافيا غير مستقيم على المنهج الوسط مثال ذلك ان السنة وردت بالابراد بالظهر في شدة الحر فالترخيص الجافي ان يبرد إلى فوات الوقت أو مقاربة خروجه فيكون مترخصا جافيا وحكمه هذه الرخصة ان الصلاة في شدة الحر تمنع صاحبها من الخشوع والحضور ويفعل العبادة بتكره وضجر فمن حكمة الشارع ( صلى الله عليه وسلم ) ان امرهم بتاخيرها حتى ينكسر الحر فيصلى العبد بقلب حاضر ويحصل له مقصود الصلاة من الخشوع والاقبال على الله تعالى
(1/24)
"""""" صفحة رقم 25 """"""
ومن هذا نهيه ( صلى الله عليه وسلم ) ان يصلي بحضرة الطعام أو عند مدافعة البول والغائط لتعلق قلبه من ذلك بما يشوش عليه مقصود الصلاة ولايحصل المراد منها فمن فقه الرجل في عبادته ان يقبل على شغله فيعمله ثم يفرغ قلبه للصلاة فيقوم فيها وقد فرغ قلبه لله تعالى ونصب وجهه له واقبل بكليته عليه فركعتان من هذه الصلاة يغفر للمصلي بهما ما تقدم من ذنبه
والمقصود ان لا يترخص ترخصا جافيا ومن ذلك انه أرخص للمسافر في الجمع بين الصلاتين عند العذر وتعذر فعل كل صلاة في وقتها لمواصلة السير وتعذر النزول أو تعسيره عليه فاذا قام في المنزل اليومين والثلاثة أو أقام اليوم فجمعه بين الصلاتين لا موجب له لتمكنه من فعل كل صلاة وقتها من غير مشقة فالجمع ليس سنة راتبة كما يعتقد اكثر المسافرين ان سنة السفر الجمع سواء وجد عذر أو لم يوجد بل الجمع رخصة والقصر سنة راتبة فسنة المسافر قصر الرباعية سواء كان له عذر أو لم يكن واما جمعه بين الصلاتين فحاجة ورخصة فهذا لون وهذا لون ومن هذا ان الشبع في الاكل رخصة غير محرمة فلا ينبغي ان يجفو العبد فيها حتى يصل به الشبع إلى حد التخمة والامتلاء فيتطلب ما يصرف به الطعام فيكون همه بطنه قبل الاكل وبعده بل ينبغي للعبد ان يجوع ويشبع و يدع الطعام وهو يشتهيه وميزان ذلك قول النبي ( صلى الله عليه وسلم )
ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ولا يجعل الثلاثة الاثلاث كلها للطعام وحده
واما تعريض الامر والنهي للتشديد الغالي فهو كمن يتوسوس في الوضوء
(1/25)
"""""" صفحة رقم 26 """"""
متغاليا فيه حتى يفوت الوقت أو يردد تكبيره الاحرام إلى ان تفوته مع الامام قراءة الفاتحة أو يكاد تفوته الركعة أو يتشدد في الورع الغالي حتى لا ياكل شيئا من طعام عامة المسلمين خشية دخول الشبهات عليه ولقد دخل هذا الورع الفاسد على بعض العباد الذين نقص حظهم من العلم حتى امتنع ان ياكل شيئا من بلاد الإسلام وكان يتقوت بما يحمل اليه من بلاد النصارى ويبعث بالقصد لتحصيل ذلك فاوقعه الجهل المفرط والغلو الزائد في اساءة الظن بالمسلمين وحسن الظن بالنصارى نعوذ بالله من الخذلان
فحقيقة التعظيم للامر والنهي ان لا يعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشديد غال فان المقصود هو الصراط المستقيم الموصل إلى الله عز وجل بسالكه وما امر الله عز وجل بأمر الا وللشيطان فيه نزغتان اما تقصير وتفريط واما افراط وغلو فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين فانه ياتي إلى قلب العبد فيستامه فان وجد فيه فتورا وتوانيا وترخيصا اخذه من هذه الخطة فثبطه واقعده وضربه بالكسل والتواني والفتور وفتح له باب التاويلات والرجاء وغير ذلك حتى ربما ترك العبد المامور جملة
وان وجد عنده حذرا وجدا وتشميرا ونهضه وايس ان ياخده من هذا الباب امره بالاجتهاد الزائد وسول له ان هذا لايكفيك وهمتك فوق هذا وينبغي لك ان تزيد على العاملين وان لا ترقد اذا رقدوا و لا تفطر اذا افطروا وان لا تفتر اذا فتروا واذا غسل احدهم يديه ووجهه ثلاث مرات فاغسل انت سبعا واذا توضا للصلاة فاغتسل انت لها ونحو ذلك من الافراط والتعدي فيحمله على الغلو والمجاوزه وتعدي الصراط المستقيم كما يحمل الاول على التقصير دونه وان لايقربه ومقصوده من الرجلين اخراجهما
(1/26)
"""""" صفحة رقم 27 """"""
عن الصراط المستقيم هذا بان لا يقربه ولا يدلو منه وهذا بان يجاوزه ويتعداه وقد فتن بهذا اكثر الخلق ولا ينجي من ذلك الا علم راسخ وايمان وقوة على محاربته ولزوم الوسط والله المستعان
ومن علامات تعظيم الامر والنهي ان لا يحمل الامر على علة تضعف الانقياد والتسليم لامر الله عز وجل بل يسلم لامر الله تعالى وحكمته ممتثلا ما امر به سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر فان ظهرت له حكمة الشرع في امره ونهيه حمله ذلك على مزيد الانقياد والتسليم ولا يحمله ذلك على الانسلاخ منه وتركه كما حمل ذلك كثيرا من زنادقة الفقراء والمنتسبين إلى التصوف فان الله عز وجل شرع الصلوات الخمس اقامة لذكره واستعمالا للقلب والجوارح واللسان في العبودية واعطاء كل منها قسطة من العبودية التي هي المقصود بخلق العبد فوضعت الصلاة على اكمل مراتب العبودية
فان الله سبحانه وتعالى خلق هذا الادمي واختاره من بين سائر البرية وجعل قلبه محل كنوزه من الايمان والتوحيد والاخلاص والمحبة والحياء والتعظيم والمراقبة وجعل ثوابه اذا قدم عليه اكمل الثواب وافضله وهو النظر إلى وجهه والفوز برضوانه ومجاورته في جنته وكان مع ذلك قد ابتلاه بالشهوة وبالغضب والغفلة وابتلاه بعدوه ابليس لا يفتر عنه فهو يدخل عليه من الابواب التي هي من نفسه وطبعه فتميل نفسه معه لانه يدخل عليها بما تحب فيتفق هو ونفسه وهواه على العبد ثلاثة مسلطون امرون فيبعثون الجوارح في قضاء وطرهم والجوارح الة منقادة فلا يمكنها الا الانبعاث
(1/27)
"""""" صفحة رقم 28 """"""
فهذا شأن هذه الثلاثة وشان الجوارح فلا تزال الجوارح في طاعتهم كيف امروا واين يمموا
هذا مقتضى حال العبد فاقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم به ان اعانه بجند اخر وامده بمدد اخر يقاوم به هذا الجند الذي يريد هلاكه فارسل اليه رسوله وانزل عليه كتابه وايده بملك كريم يقابل عدوه الشيطان فاذا امره الشيطان بأمر امره الملك بأمر ربه وبين له ما في طاعة العدو من الهلاك فهذا يلم به مرة وهذا مرة والمنصور من نصره الله عز وجل والمحفوظ من حفظه الله تعالى وجعل له مقابل نفسه الامارة نفسا مطمئنة اذا امرته النفس الامارة بالسوء نهته عنه النفس المطمئنة وإذا نهته الامارة عن الخير امرته به النفس المطمئنة فهو يطيع هذه مرة وهذه مرة وهو الغالب منهما وربما انقهرت احداهما بالكلية قهرا لاتقوم معه ابدا وجعل له مقابل الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الامارة نورا وبصيرة وعقلا يرده عن الذهاب مع الهوى الحامل له على طاعة الشيطان والنفس الامارة نورا وبصيرة وعقلا يرده عن الذهاب مع الهوى فكلما اراد ان يذهب مع الهوى ناداه العقل والبصيرة والنور الحذر الحذر فان المهالك والمتالف بين يديك وانت صيد الحرامية وقطاع الطريق ان سرت خلف هذا الدليل فهو يطيع الناصح مرة فيبين له رشده ونصحه ويمشي خلف دليل الهوى مرة فيقطع عليه الطريق ويؤخذ ماله
(1/28)
"""""" صفحة رقم 29 """"""
ويسلب ثيابه فيقول ترى من اين اتيت
والعجب انه يعلم من اين اتى ويعرف الطريق التي قطعت عليه واخذ فيها ويابى الا سلوكها لان دليلها قد تمكن منه وتحكم فيه وقوي عليه ولو اضعفه بالمخالفة له وزجره اذا دعاه ومحاربته اذا اراد اخذه لم يتمكن منه ولكن هو مكنه من نفسه وهو اعطاه يده فهو بمنزلة الرجل يضع يده في يد عدوه فيباشر ثم يسومه سوء العذاب فهو يستغيث فلا يغاث فهكذا يستاسر للشيطان والهوى ولنفسه الامارة ثم يطلب الخلاص فيعجز عنه فلما ان بلي العبد بما بلي به اعين بالعساكر والعدد والحصون وقيل قاتل عدوك وجاهده فهذه الجنود خذ منها ما شئت وهذه الحصون تحصن باي حصن شئت منها ورابطه إلى الموت فالامر قريب ومدة المرابطة يسيرة جدا فكانك بالملك الاعظم وقد ارسل اليك رسله فنقلوك إلى داره واسترحت من هذا الجهاد وفرق بينك وبين عدوك واطلقت في داره الكرامة تتقلب فيها كيف شئت وسجن عدوك في اصعب الحبوس وانت تراه فالسجن الذي كان يريد ان يودعك فيه قد ادخله واغلقت عليه ابوابه وايس من الروح والفرج وانت فيما اشتهت نفسك وقرت عينك جزاء على صبرك في تلك المدة اليسيرة ولزومك الثغر للرباط وما كنت الا ساعة ثم انقضت وكان الشدة لم تكن
فان ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه فليتدبر قوله عز وجل ) كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة ( وقوله عز وجل ) كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ( وقوله عز وجل قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسال العادين قال ان لبثتم الا قليلا لو انكم كنتم تعملون وقوله عز وجل يوم يفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم ان لبثتم الا عشرا نحن اعلم بما يقولون اذ يقول امثلهم طريقة ان لبثتم الا يوما
(1/29)
"""""" صفحة رقم 30 """"""
وخطب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اصحابه يوما فلما كانت الشمس على رؤوس الجبال وذلك عند الغروب قال
انه لم يبق من الدنيا فيما مضى الا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه فليتامل العاقل الناصح لنفسه هذا الحديث وليعلم أي شئ حصل له من هذا الوقت الذي قد بقي من الدنيا باسرها ليعلم انه في غرور واضغاث احلام وانه قد باع سعادة الابد والنعيم المقيم بحظ خسيس لايساوي شيئا ولو طلب الله تعالى والدار الاخرة لاعطاه ذلك الحظ موفورا واكمل منه كما في بعض الاثار ابن ادم بع الدنيا بالاخرة تربحهما جميعا ولاتبع الاخرة بالدنيا تخسرهما جميعا وقال بعض السلف ابن ادم انت محتاج إلى نصيبك من احوج فان بدات بنصيبك من الدنيا اضعت نصيبك من الاخرة وكنت من نصيب الدنيا على خطر وان بدات بنصيبك من الاخرة فزت بنصيبك من الدنيا فانتظمته انتظاما وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول في خطبته ايها الناس انكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى وان لكم معادا يجمعكم الله عز وجل فيه للحكم فيكم والفصل بينكم فخاب وشقي عبد أخرجه الله عز وجل من رحمته التي وسعت كل شئ وجنته التي
(1/30)
"""""" صفحة رقم 31 """"""
عرضها السموات والأرض وانما يكون الامان غدا لمن خاف الله تعالى واتقى وباع قليلا بكثير وفانيا بباق وشقاوة بسعادة الا ترون انكم في اصلاب الهالكين وسيخلفه بعدكم الباقون الا ترون انكم في كل يوم تشيعون غاديا رائحا إلى الله قد قضى نحبه وانقطع امله فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد قد خلع الاسباب وفارق الاحباب وواجه الحساب
والمقصود ان الله عز وجل قد امد العبد في هذه المدة اليسيرة بالجنود والعدد والامداد وبين له بماذا يحرز نفسه من عدوه وبماذا يفتك نفسه إذا اسر وقد روى الامام أحمد رضي الله عنه والترمذي من حديث الحارث الاشعري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال
ان الله سبحانه وتعالى امر يحيى بن زكريا ( صلى الله عليه وسلم ) بخمس كلمات ان يعمل بها ويامر بني اسرئيل ان يعملوا بها وانه كاد ان يبطئ بها فقال له عيسى عليه السلام ان الله تعالى امرك بخمس كلمات لتعمل بها وتامر بني اسرائيل ان يعملوا بها فاما ان تامرهم واما ان امرهم فقال يحيى اخشى ان سبقتني بها ان يخسف بي واعذب فجمع يحيى الناس في بيت المقدس فامتلا المسجد وقعد على الشرف فقال ان الله تبارك وتعالى امرني بخمس كلمات ان اعملهن وامركم ان تعملوا بهن اولهن ان تعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا وان من اشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل واد الي فكان يعمل و يؤدي إلى غير سيده فايكم يرضي ان يكون عبده كذلك وان الله امركم بالصلاة فاذا صليتم فلا تلتفتوا فان الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يكن يلتفت وامركم بالصيام فان مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك كلهم يعجب أو يعجبه ريحه وان ريح الصائم اطيب عند الله تعالى من ريح المسك وامركم بالصدقة فان مثل ذلك مثل رجل اسره العدو فاوثقوا يديه إلى عنقه وقدموه ليضربوا عنقه فقال انا افتدي منكم
(1/31)
"""""" صفحة رقم 32 """"""
بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم وامركم ان تذكروا الله تعالى فان مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في اثره سراعا حتى اذا اتى على حصن حصين فاحرز نفسه منهم كذلك العبد لايحرز نفسه من الشيطان الا بذكر الله تعالى قال النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وانا امركم بخمس الله امرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فانه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه الا ان يراجع ومن ادعى دعوى الجاهلية فانه من جثى جهنم فقال رجل يارسول الله وان صلى وصام
قال وان صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح فقد ذكر ( صلى الله عليه وسلم ) في هذا الحديث العظيم الشان الذي ينبغي لكل مسلم حفظه وتعقله ما ينجي من الشيطان وما يحصل للعبد به الفوز والنجاة في دنياه واخراه فذكر مثل الموحد والمشرك فالموحد كمن عمل لسيده في داره وادى لسيده مااستعمله فيه والمشرك كمن استعمله سيده في داره فكان يعمل ويؤدي خراجه وعمله إلى غير سيده فهكذا المشرك يعمل لغير الله تعالى في دار الله تعالى ويتقرب إلى عدو الله بنعم الله تعالى ومعلوم ان العبد من بني ادم لو كان مملوكه كذلك لكان امقت المماليك عنده وكان اشد شيئا غضبا عليه وطردا له وابعادا وهو مخلوق مثله كلاهما في نعمة غيرهما فكيف برب العالمين الذي ما بالعبد من نعمة فمنه وحده لاشريك له ولا ياتي بالحسنات الا هو ولا يصرف السيئات الا هو وهو وحده المنفرد بخلق عبده ورحمته وتدبيره ورزقه ومعافاته وقضاء حوائجه فكيف يليق به مع هذا ان يعدل به غيره في الحب والخوف والرجاء والحلف والنذر والمعاملة فيحب غيره كما يحبه أو اكثر ويخاف غيره ويرجوه كما يخافه
(1/32)
"""""" صفحة رقم 33 """"""
او اكثر وشواهد احوالهم بل واقوالهم واعمالهم ناطقة بانهم يحبون انداده من الاحياء والاموات ويخافونهم ويرجونهم ويطلبون رضاءهم ويهربون من سخطهم اعظم مما يحبون الله تعالى ويخافون ويرجون ويهربون من سخطه وهذا هو الشرك الذي لايغفره الله عز وجل قال الله سبحانه وتعالى ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء (
والظلم عند الله عز وجل يوم القيامة له دواوين ثلاثه ديوان لايغفر الله منه شيئا وهو الشرك به فان الله لا يغفر ان يشرك به وديوان لايترك الله تعالى منه شيئا وهو ظلم العباد بعضهم بعضا فان الله تعالى يستوفيه كله وديوان لايعبا الله به وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل فان هذا الديوان اخف الدواوين واسرعها محوا فانه يمحي بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ونحو ذلك بخلاف ديوان الشرك فانه لا يمحي الا بالتوحيد وديوان المظالم لايمحى الا بالخروج منها إلى اربابها واستحلالهم منها ولما كان الشرك اعظم الدواوين الثلاثة عند الله عز و جل حرم الجنة على اهله فلا تدخل الجنة نفس مشركة وانما يدخلها اهل التوحيد فان التوحيد هو مفتاح بابها فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها وكذلك ان اتى بمفتاح لا اسنان له لم يمكن الفتح به
والنهي عن المكر وصدق الحديث واداء الامانة وصلة الرحم وبر الوالدين فاي عبد اتخذ في هذه الدار مفتاحا صالحا من التوحيد وركب فيه اسنانا من الاوامر جاء يوم القيامة إلى باب الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح الا به فلم يعقه عن الفتح عائق اللهم الا ان تكون له ذنوب وخطايا واوزار لم
(1/33)
"""""" صفحة رقم 34 """"""
يذهب عنه اثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار فانه يحبس عن الجنة حتى يتطهر منها وان لم يطهره الموقف واهواله وشدائده فلا بد من دخول النار ليخرج خبثه فيها ويتطهر من درنه ووسخه ثم يخرج منها فيدخل الجنة فانها دار الطيبين لايدخلها الا طيب قال سبحانه وتعالى ) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة ( وقال تعالى ) وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ( فعقب دخولها على الطيب بحرف الفاء الذي يؤذن بانه سبب للدخول أي بسبب طيبكم قيل لكم ادخلوها
واما النار فانها دار الخبث في الاقوال والاعمال والماكل والمشارب ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض ثم يجعله في جهنم مع اهله فليس فيها الا الخبيث ولما كان الناس على ثلاث طبقات طيب لايشينه خبث وخبيث لا طيب فيه واخرون فيهم خبث وطيب دورهم ثلاثة دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض وهاتان الداران لا تفنيان ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة فانه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد فانهم اذا عذبوا بقدر جزائهم اخرجوا من النار فادخلوا الجنة ولا يبقى الا دار الطيب المحض ودار الخبث المحض
وقوله في الحديث
وأمركم بالصلاة فاذا صليتم فلا تلتفتوا فان الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان
(1/34)
"""""" صفحة رقم 35 """"""
احدهما التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى الثاني التفات البصر وكلاهما منهى عنه ولا يزال الله مقبلا على عبده ما دام العبد مقبلا على صلاته فادا التفت بقلبه أو بصره اعرض الله تعالى عنه وقد سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن التفات الرجل في صلاته فقال
اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد وفي اثر يقول الله تعالى
إلى خير مني إلى خير مني ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه مثل رجل قد استدعاه السلطان فاوقفه بين يديه واقبل يناديه و يخاطبه وهو فى خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينا و شمالا وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به لان قلبه ليس حاضرا معه فما ظن هذا الرجل ان يفعل به السلطان افليس اقل المراتب فى حقه ان ينصرف من بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من عينيه
فهذا المصلى لا يستوى والحاضر القلب المقبل على الله تعالى فى صلاته الذى قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلا قلبه من هيبته وذلت عنقه له واستحى من ربه تعالى ان يقبل على غيره أو يلتفت عنه وبين
(1/35)
"""""" صفحة رقم 36 """"""
صلاتيهما كما قال حسان بن عطية ان الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة وان مابينهما في الفضل كما بين السماء والأرض وذلك ان أحدهما مقبل على الله عز وجل والآخر ساه غافل
فادا اقبل العبد على مخلوق مثله وبينه حجاب لم يكن اقبالا ولا تقريبا فما الظن بالخالق عز وجل واذا اقبل على الخالق عز وجل وبينه وبينه حجاب الشهوات والوساوس والنفس مشغوفة بها ملاى منها فكيف يكون ذلك اقبالا وقد الهته الوساوس والافكار وذهبت به كل مذهب والعبد اذا قام في الصلاة غار الشيطان منه فانه قدم قام في اعظم مقام واقربه واغيظه للشيطان واشده عليه فهو يحرص ويجتهد ان لا قيمة فيه بل لايزال به يعده ويمنيه وينسيه و يجلب عليه بخيله ورجله حتى يهون عليه شان الصلاة فيتهاون بها فيتركها
فان عجز عن ذلك منه و عصاه العبد وقام في ذلك المقام اقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه ويحول بينه وبين قلبه فيذكره في الصلاة مالم يذكر قبل دخوله فيها حتى ربما كان قد نسي شئ والحاجة وايس منها فيذكره اياها في الصلاة ليشغل قلبه بها ويأخذه عن الله عز وجل قيقوم فيها بلا قلب فلا ينال من اقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته فينصرف من صلاته مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه واثقاله لم تخف عنه بالصلاة فان الصلاة انما تكفر سيئات من ادى حقها واكمل خشوعها ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقابله فهذا اذا انصرف منها وجد خفة من نفسه واحسن باثقال قد وضعت عنه فوجد نشاطا وراحة وروحا حتى يتمنى انه لم يكن خرج منها لانها قرة عينه ونعيم روحه وجنة قلبه ومستراحه في الدنيا فلا يزال كانه في سجن وضيق حتى
(1/36)
"""""" صفحة رقم 37 """"""
يدخل فيها فيستريح بها لا منها فالمحبون يقولون نصلي فنستريح بصلاتنا كما قال امامهم وقدوتهم ونبيهم ( صلى الله عليه وسلم )
يا بلال ارحنا بالصلاة ولم يقل ارحنا منها وقال ( صلى الله عليه وسلم )
جعلت قرة عيني في الصلاة فمن جعلت قرة عينه في الصلاة كيف تقر عينه ( صلى الله عليه وسلم ) بدونها وكيف يطيق الصبر عنها فصلاة هذا الحاضر بقلبه الذي قرة عينه في الصلاة هي التي تصعد ولها نور وبرهان حتى يستقل بها الرحمن عز وجل فتقول حفظك الله تعالى كما حفظتني واما صلاة المفرط المضيع لحقوقها وحدودها وخشوعها فانها تلف كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها وتقول ضيعك الله كما ضيعتني وقد روي في حديث مرفوع رواه بكر بن بشر عن سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه انه قال ما من مؤمن يتم الوضوء إلى امكانه ثم يقوم إلى الصلاة في وقتها فيؤديها لله عز وجل لم ينقص من وقتها وركوعها وسجودها ومعالمها شيئا الا رفعت له إلى الله عز وجل بيضاء مسفرة يستضئ بنورها ما بين الخافقين حتى ينتهي بها إلى الرحمن عز وجل ومن قام إلى الصلاة فلم يكمل وضوءها واخرها عن وقتها واسترق ركوعها وسجودها ومعالمها رفعت عنه سوداء مظلمة ثم لاتجاوز شعر راسه تقول ضيعك الله كما ضيعتني ضيعك كما ضيعتني
(1/37)
"""""" صفحة رقم 38 """"""
فالصلاة المقبولة والعمل المقبول ان يصلي العبد صلاة تليق بربه عز وجل فإذا كانت صلاة تصلح لربه تبارك وتعالى وتليق به كانت مقبولة
والمقبول من العمل قسمان
احدهما ان يصلي العبد ويعمل سائر الطاعات وقلبه متعلق بالله عز وجل ذاكر لله عز وجل على الدوام فاعمال هذا العبد تعرض على الله عز وجل حتى تقف قبالته فينظر الله عز وجل اليها فاذا نظر اليها راها خالصه لوجهه مرضية قد صدرت عن قلب سليم مخلص محب لله عز جل ومتقرب اليه احبها و رضها وقبلها
والقسم الثاني ان يعمل العبد الاعمال على العادة والغفلة وينوي بها الطاعة والتقرب إلى الله فاركانه مشغولة بالطاعة وقلبه لاه عن ذكر الله وكذلك سائر اعماله فاذا رفعت اعمال هذا إلى الله عز وجل لم تقف تجاهه ولا يقع نظره عليها ولكن توضع حيث توضع دواوين الاعمال حتى تعرض عليه يوم القيامة فتميز فيثيبه على ما كان له منها ويرد عليه ما لم يرد وجهه به منها فهذا قبوله لهذا العمل اثابته عليه بمخلوق من مخلوقاته من القصور والاكل والشرب والحور العين واثابة الاول رضا العمل لنفسه ورضاه عن معاملة عاملة وتقريبه منه واعلاء درجته و منزلته فهذا يعطيه بغير حساب فهذا لون والاول لون
والناس في الصلاة على مراتب خمسة
(1/38)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
احدهما مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها واركانها
الثاني من يحافظ على مواقيتها وحدودها واركانها الظاهرة ووضوئها لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس والافكار
الثالث من حافظ على حدودها واركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والافكار فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته فهو في صلاة وجهاد
الرابع من اذا قام إلى الصلاة اكمل حقوقها وركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئا منها بل همه كله مصروف إلى اقامتها كما ينبغي واكمالها واتمامها قد استغرق قلب شان الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها
الخامس من اذا قام إلى الصلاة قام اليها كذلك ولكن مع هذا قد اخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ناظرا بقلبه اليه مراقبا له ممتلئا من محبته وعظمته كانه يراه ويشاهده وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات وارتفعت حجبها بينه وبين ربه فهذا بينه وبين غيره في الصلاة افضل واعظم مما بين السماء والأرض وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به
فالقسم الاول معاقب والثاني محاسب والثالث مكفر عنه والرابع مثاب والخامس مقرب من ربه لان له نصيبا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الاخرة وقرت عينه ايضا به في الدنيا ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات وقد روي ان العبد اذا قام يصلي قال الله عز وجل
ارفعوا الحجب فاذا التفت قال ارخوها
وقد فسر هذا الالتفات بالتفات القلب عن الله عز وجل إلى غيره فاذا التفت إلى غيره ارخى الحجاب بينه وبين العبد فدخل الشيطان وعرض عليه امور الدنيا واراه اياها في صورة المراة واذا اقبل بقلبه على الله ولم يلتفت لم يقدر
(1/39)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
الشيطان على ان يتوسط بين الله تعالى وبين ذلك القلب وانما يدخل الشيطان اذا وقع الحجاب فان فر إلى الله تعالى واحضر قلبه فر الشيطان فان التفت حضر الشيطان فهو هكذا شانه وشان عدوه في الصلاة
فصل انواع القلوب وانما يقوي العبد على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها
بربه عز وجل اذا قهر شهوته وهواه والا فقلب قد قهرته الشهوه واسره الهوى ووجد الشيطان فيه مقعدا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والافكار
والقلوب ثلاثة قلب خال من الايمان وجميع الخير فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من القاء الوساوس اليه لانه قد اتخذه بيتا ووطنا وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن
القلب الثاني قلب قد استنار بنور الايمان وأوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الاهوية فللشيطان هناك اقبال وادبار ومجالات ومطامع فالحرب دول وسجال وتختلف احوال هذا الصنف بالقلة والكثرة فمنهم من اوقات غلبته لعدوه اكثر ومنهم من اوقات غلبة عدوه له اكثر ومنهم من هو تارة وتارة
القلب الثالث قلب محشو بالايمان قد استنار بنور الايمان وانقشعت عنه حجب الشهوات واقلعت عنه تلك الظلمات فلنوره في صدره اشراق ولذلك الاشراق ايقاد لو دنا منه الوسواس احترق به فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق وليست السماء باعظم حرمه من المؤمن وحراسة الله تعالى له اتم من حراسة السماء والسماء متعبد الملائكة ومستقر الوحي وفيها انوار الطاعات وقلب المؤمن مستقر التوحيد والمحبة
(1/40)
"""""" صفحة رقم 41 """"""
والمحبة والمعرفة والايمان وفيه انوارها فهو حقيق ان يحرس ويحفظ من كيد العدو فلا ينال منه شيئا الا خطفه
وقد مثل ذلك بمثال حسن وهو ثلاثة بيوت بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره وبيت للعبد فيه كنوز العبد وذخائره وليس جواهر الملك وذخائره وبيت خال صفر لاشئ فيه فجاء اللص يسرق من أحد البيوت فمن ايها يسرق فإن قلت من البيت الخالي كان محالا لان البيت الخالي ليس فيه شئ يسرق ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنهما ان اليهود تزعم انها لا توسوس في صلاتها فقال وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب وان قلت يسرق من بيت الملك كان ذلك كالمستحيل الممتنع فان عليه من الحرس واليزك ومالا يستطيع اللص الدنو منه كيف وحارسه الملك بنفسه وكيف يستطيع اللص الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله فلم يبق للص الا البيت الثالث فهو الذي يشن عليه الغارات
فليتامل اللبيب هذا المثال حق التامل ولينزله على القلوب فانها على منواله
فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد احرزه لنفسه واستوطنه واتخذه سكنا ومستقرا فاي شئ يسرق منه وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه وخيالاته ووساوسه
وقلب قد امتلا من جلال الله عز وجل وعظمته ومحبته ومراقبته والحياء منه فاي شيطان يجترئ على هذا القلب وان اراد سرقة شئ منه فماذا يسرق منه وغايته ان يظفر في الاحايين منه بخطفه ونهب يحصل له على غره من العبد وغفلة لا بد له اذ هو بشر واحكام البشرية جارية عليه من الغفلة والسهو والذهول وغلبة الطبع
(1/41)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
وقد ذكر عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى انه قال و في بعض الكتب الالهية لست اسكن البيوت ولا تسعني واي شئ يسعني والسموات حشو كرسي ولكن انا في قلب الوداع التارك لكل شئ سواي وهذا معنى الاثر الاخر
ما وسعتني سمواتي ولا ارضي ووسعني قلب عبدي المؤمن وقلب فيه توحيد الله تعالى ومعرفته و محبته والايمان به والتصديق بوعده ووعيده وفيه شهوات النفس واخلاقها ودواعي الهوى والطبع وقلب بين هذين الداعيين فمرة يميل بقلبه داعي الايمان والمعرفة والمحبة لله تعالى وارادته وحده ومرة يميل بقلبه داعي الشيطان والهوى والطباع فهذا القلب للشيطان فيه مطمع وله منه منازلات ووقائع ويعطي الله النصر من يشاء ) وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ( وهذا لايتمكن الشيطان منه الا بما عنده من سلاحه فيدخل اليه الشيطان فيجد سلاحه عنده فياخده ويقاتله فان اسلحته هي الشهوات والشبهات والخيالات والاماني الكاذبة وهي في القلب فيدخل الشيطان فيجدها عتيده فياخدها ويصول بها على القلب فان كان عند العبد عدة عتيده من الايمان تقاوم تلك العدة و تزيد عليها انتصف من الشيطان والا فالدولة لعدوه عليه ولا حول ولا قوة الا بالله فاذا اذن العبد لعدوه و فتح له باب بيته وادخله عليه ومكنه من السلاح يقاتله به فهو الملوم
فنفسك لم ولا تلم المطايا ومت كمدا فليس لك اعتذار
(1/42)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
خلوف فم الصائم
عدنا إلى شرح حديث الحارث الذي فيه ذكر ما يحرز العبد من عدوه قوله ( صلى الله عليه وسلم )
وأمركم بالصيام فان مثل ذلك مثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك فكلهم يعجب أو يعجبه ريحه وان ريح الصيام اطيب عند الله من ريح المسك انما مثل ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك بصاحب الصرة التي فيها المسك لانها مستورة عن العيون مخبوءة تحت ثيابه كعادة حامل المسك وهكذا الصائم صومه مستور عن مشاهدة الخلق لا تدركه حواسهم
والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الاثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور وبطنه عن الطعام والشراب وفرجه عن الرفث فان تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه وان فعل لم يفعل ما يفسد صومه فيخرج كلامه كله نافعا صالحا وكذلك اعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وامن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الامساك عن الطعام والشراب ففي الحديث الصحيح
من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة ان يدع طعامه وشرابه وفي الحديث
رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش
فالصوم هو صوم الجوارح عن الاثام وصوم البطن عن الشراب والطعام فكما ان الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الاثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم
وقد اختلف في وجود هذه الرائحة من الصائم هل هي في الدنيا أو في الاخرة على قولين ووقع بين الشيخين الفاضلين أبي محمد عز الدين بن عبد السلام وابي عمرو ابن الصلاح في ذلك تنازع فمال أبو محمد إلى ان
(1/43)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
تلك في الاخرة خاصة وصنف فيه مصنفا رد فيه على أبي محمد و سلك أبو عمرو في ذلك مسلك أبي حاتم بن حبان فانه في صحيحه بوب عليه كذلك فقال ذكر البيان بان خلوف فم الصائم اطيب عند الله تعالى من ريح المسك ثم ساق حديث الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
كل عمل ابن ادم له الا الصيام والصيام لي وانا اجزي به ولخلوف فم الصائم اطيب عند الله من ريح ثم قال ذكر البيان بان خلوف فم الصائم يكون اطيب عند الله من ريح المسك يوم القيامة ثم ساق حديثا من حديث ابن جريج عن عطاء عن أبي صالح الزيات انه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
قال الله تبارك وتعالى كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي وانا اجزي به والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم اطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك للصائم فرحتان اذا افطر فرح بفطره واذا لقي الله تعالى فرح بصومه
قال أبو حاتم شعار المؤمنين يوم القيامة التحجيل بوضوئهم في الدنيا فرقا بينهم وبين سائر الامم وشعارهم في القيامة بصومهم طيب خلوف افواههم اطيب من ريح المسك ليعرفوا من بين ذلك الجمع بذلك العمل جعلنا الله تعالى منهم ثم قال ذكر البيان بان خلوف فم الصائم قد يكون ايضا من ريح المسك في الدنيا ثم ساق من حديث شعبه عن سليمان ذكوان عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كل حسنة يعملها ابن ادم بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف يقول الله عز وجل الا الصوم فهو لي وانا اجزي به يدع الطعام من اجلي والشراب من اجلي وانا اجزي به وللصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه عز وجل ولخلوف فم الصائم حين يخلف
(1/44)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
من الطعام اطيب عند الله من ريح المسك واحتج الشيخ أبو محمد بالحديث الذي فيه تقييد الطيب بيوم القيامة قلت ويشهد لقوله الحديث المتفق عليه
والذي نفسي بيده ما من مكلوم يكلم في سبيل الله والله اعلم بمن يكلم في سبيله الا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللون لون الدم والريح ريح المسك فاخبر ( صلى الله عليه وسلم ) عن رائحة كلم المكلوم في سبيل الله عز وجل بانها كريح المسك يوم القيامة وهو نظير اخباره عن خلوف فم الصائم فان الحس يدل على ان هذا دم في الدنيا وهذا خلوف له ولكن يجعل الله تعالى رائحة هذا وهذا مسكا يوم القيامة
واحتج الشيخ أبو عمر بما ذكره أبو حاتم في صحيحه من تقييد ذلك بوقت اخلافه وذلك يدل على انه في الدنيا فلما قيد المبتدا وهو خلوف فم الصائم بالظروف وهو قوله حين يخلف كان الخبر عنه وهو قوله اطيب عند الله خبرا عنه في حال تقييده فان المبتدا اذا تقيد بوصف أو حال أو ظرف كان الخبر عنه حال كونه مقيدا فدل على ان طيبه عند الله تعالى ثابت حال اخلافه
قال ما وروي الحسن بن سفيان في مسنده عن جابر ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
اعطيت امتي في شهر رمضان خمسا فذكر الحديث وقال فيه
واما الثانية فانهم يمسون وريح افواههم اطيب عند الله من ريح المسك ثم ذكر كلام الشراح في معنى طيبه وتاويلهم اياه بالثناء على الصائم والرضا بفعله على عادة كثير منهم بالتاويل من غير ضرورة حتى كانه قد بورك فيه فهو موكل به واي ضرورة تدعو إلى تاويل كونه اطيب عند الله من ريح المسك بالثناء على فاعله
(1/45)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
والرضا بفعله واخراج اللفظ عن حقيقته وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى ثم يدعي ارادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له ومعلوم ان هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بان مراده من كلامه كيت وكيت فان لم يكن ذلك معلوما بوضع اللفظ لذلك المعنى أو عرف الشارع ( صلى الله عليه وسلم ) وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به والا كانت شهادة باطلة
ومن المعلوم ان اطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك فمثل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا واعظم ونسبة استطابة ذلك اليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وافعاله اليه فانها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين كما ان رضاه وغضبه وفرحه وكراهيته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك كما ان ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه وصفاته لا تشبه صفاتهم وافعالهم وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد اليه والعمل الصالح فيرفعه وليست هذه الاستطابه كاستطابتنا
ثم ان تاويله لايرفع الاشكال اذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابه يلزم مثله الرضا فان قال رضا ليس كرضا المخلوقين فقولوا استطابه ليست كاستطابة المخلوقين وعلى هذا جميع ما يجئ من هذا الباب ثم قال واما ذكر يوم القيامة في الحديث فلانه يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على المسك المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبا لرضاء الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها واجتلاب الرائحة الطيبة كما في المساجد والصلوات وغيرها من العبادات فخص يوم القيامة بالذكر وفي بعض الروايات كما خص في قوله تعالى ) إن ربهم بهم يومئذ لخبير ( واطلق في باقيها نظرا إلى ان اصل افضليته ثابت في الدارين
قلت من العجب رده على أبي محمد بما لا ينكره أبو محمد وغيره فان
(1/46)
"""""" صفحة رقم 47 """"""
الذي فسر به الاستطابة المذكورة في الدنيا بثناء الله تعالى على الصائمين ورضائه بفعلهم امر لا ينكره مسلم فان الله تعالى قد أثنى عليهم في كتابه وفيما بلغه عنه رسول ( صلى الله عليه وسلم ) ورضي بفعله فان كانت هذه هي الاستطابة فيرى الشيخ أبو محمد لا ينكرها والذي ذكره الشيخ أبو محمد ان هذه الرائحة انما يظهر طيبها على طيب المسك في اليوم الذي يظهر فيه طيب دم الشهيد ويكون كرائحة المسك ولا ريب ان ذلك يوم القيامة فان الصائم في ذلك اليوم يجئ ورائحة فمه اطيب من رائحة المسك كما يجئ المكلوم في سبيل الله عز وجل ورائحة دمه كذلك لاسيما والجهاد افضل من الصيام فان كان طيب رائحته انما يظهر يوم القيامة فكذلك الصائم واما حديث جابر فانهم يمسون وخلوف افواههم اطيب من ريح المسك فهذه جملة حالية لا خبرية فان خبر امسائه لا يقترن بالواو لانه خبر مبتدا فلا يجوز اقترانه بالواو واذا كانت الجملة حالية فلأبي محمد ان يقول هي حال مقدرة والحال المقدرة يجوز تاخيرها عن زمن الفعل العامل فيها ولهذا لو صرح بيوم القيامة في مثل هذا فقال يمسون وخلوف افواههم اطيب من ريح المسك يوم القيامة لم يكن التركيب فاسدا كانه قال يمسون وهذا لهم يوم القيامة واما قوله لخلوف فم الصائم حين يخلف فهذا الظرف تحقيق للمبتدا أو تاكيد له وبيان ارادة الحقيقة المفهومة منه لا مجازة ولا استعارته وهذا كما تقول جهاد المؤمن حين يجاهد وصلاته حين يصلي يجزيه الله تعالى بها يوم القيامة ويرفع بها درجته يوم القيامة وهذا قريب من قوله ( صلى الله عليه وسلم )
لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن وليس المراد تقييد نفي الايمان المطلق عنه حالة مباشرة تلك الافعال فقط بحيث اذا كملت مباشرته وانقطع فعله عاد اليه الايمان بل هذا النفي مستمر إلى حين التوبة والا فما دام مصرا وان لم يباشر الفعل فالنفي لاحق به و لا يزول عنه اسم الذم والاحكام المترتبة على المباشرة الا بالتوبة النصوح والله سبحانه وتعالى اعلم
(1/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
وفصل النزاع في المسألة ان يقال حيث اخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بان ذلك الطيب يكون يوم القيامة فلأنه الوقت الذي يظهر فيه ثواب الاعمال و موجباتها من الخير والشر فيظهر للخلق طيب ذلك الخلوف على المسك كما يظهر فيه رائحة دم المكلوم في سبيله كرائحة المسك وكما تظهر فيه السرائر وتبدو على الوجوه وتصير علانية ويظهر فيه قبح رائحة الكفار وسواد وجوههم وحيث اخبر بان ذلك حين يخلف وحين يمسون فلانه وقت ظهور اثر العبادة ويكون حينئذ طيبها على ريح المسك عند الله تعالى وعند ملائكته وان كانت تلك الرائحة كريهة للعباد فرب مكروه عند الناس محبوب عند الله تعالى وبالعكس فان الناس يكرهونه لمنافرته طباعهم والله تعالى يستطيبه ويحبه لموافقته امره ورضاه ومحبته فيكون عنده اطيب من ريح المسك عندنا فإذا كان يوم القيامة ظهر هذا الطيب للعباد وصار علانية وهكذا سائر اثار الاعمال من الخير والشر
وانما يكمل ظهورها ويصير علانية في الاخرة وقد يقوى العمل ويتزايد حتى يستلزم ظهور بعض اثره على العبد في الدنيا في الخير والشر كما هو مشاهد بالبصر والبصيرة
قال ابن عباس ان للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وان للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق
(1/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
وقال عثمان بن عفان ما عمل رجل عملا الا البسه الله رداءه ان خيرا فخير وإن شرا فشر وهذا امر معلوم يشترك فيه وفي العلم به اصحاب البصائر وغيرهم حتى ان الرجل الطيب البر لتشم منه رائحة طيبة وان لم يمس طيبا فيظهر طيب رائحة روحه على بدنه وثيابه والفاجر بالعكس والمزكوم الذي اصابه الهوى لا يشم لا هذا ولا هذا بل زكامه يحمله على الانكار فهذا فصل الخطاب في هذه المسالة والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب
فصل الصدقة واثارها وامركم بالصدقة فان مثل ذلك مثل رجل اسره العدو
فاوثقوايده منهم هذا ايضا من الكلام الذي برهانه وجوده ودليله وقوعه فان للصدقة تاثيرا عجيبا في دفع انواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فان الله تعالى يدفع بها عنه انواعا من البلاء وهذا امر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم واهل الأرض كلهم مقرون به لانهم جربوه
(1/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
وقد روى الترمذي في جامعه من حديث انس بن مالك ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
ان الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء وكما انها تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى فهي تطفئ الذنوب والخطايا كما تطفئ الماء النار وفي الترمذي عن معاذ بن جبل قال كنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في سفر فاصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقال ألا ادلك على ابواب الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل شعار الصالحين ثم تلا ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ( وفي بعض الاثار باكروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطى الصدقة وفي تمثيل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك بمن قدم ليضرب عنقه فافتدى نفسه منهم بماله كفاية فان الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى فان ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه فتجئ الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه ولهذا قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الصحيح لما خطب النساء يوم العيد
يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فاني رايتكن اكثر اهل النار وكانه حثهن ورغبهن على ما يفدين به انفسهن من النار وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
ما منكم من أحد الا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر ايمن منه فلا يرى الا ما قدم وينظر اشام منه فلا يرى الا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى الا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة وفي حديث أبي ذر انه قال سالت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ماذا ينجي العبد من النار
قال الايمان بالله قلت يا نبي الله مع الايمان عمل قال ان ترضخ مما خولك الله أو ترضخ مما رزق الله قلت يا نبي الله فان كان فقيرا لا يجد ما يرضخ قال يامر بالمعروف وينهى عن المنكر قلت ان كان لا
(1/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
يستطيع ان يامر بالمعروف وينهى عن المنكر قال فليعن الاخرق قلت يارسول الله ارايت ان كان لا يحسن ان يصنع قال فليعن الا مظلوما قلت يارسول الله ارايت ان كان ضعيفا لا يستطيع ان يعين مظلوما قال ما تريد ان تترك في صاحبك من خير ليمسك اذاه عن الناس قلت يا رسول الله ارايت ان فعل هذا يدخل الجنة قال ما من مؤمن يصيب خصلة من هده الخصال الا اخذت بيده حتى ادخلته الجنة ذكره البيهقي في كتاب شعب الايمان قال عمر بن الخطاب ذكر لي ان الاعمال تتباهى فتقول الصدقة انا افضلكم وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال ضرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد أو جنتان من حديد قد اضطرت ايديهما إلى ثدييهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى انامله وتعفو اثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت واخذت كل حلقة مكانها قال أبو هريرة فانا رايت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول باصبعه هكذا في جبته فرايته يوسعها ولا تتسع ولما كان البخيل محبوسا عن الاحسان ممنوعا عن البر والخير كان جزاؤه من جنس عمله فهو ضيق الصدر ممنوع من الانشراح ضيق العطن صغير النفس قليل الفرح كثير الهم والغم والحزن لا يكاد تقضى له حاجة ولا يعان على مطلوب فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من اخراجها ولا حركتها وكلما اراد اخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقه من حلقها موضعها وهكذا البخيل كلما اراد ان يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو
والمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح بها صدره فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح وقوي فرحه وعظم سروره ولو لم يكن في الصدقة الا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقا بالاستكثار منها والمبادرة اليها وقد قال تعالى ) ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (
(1/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
كان عبد الرحمن بن عوف أو سعد بن أبي وقاص يطوف بالبيت وليس له دأب الا هذه الدعوة رب قني شح نفسي رب قني شح نفسي فقيل له اما تدعو بغير هذه الدعوة فقال اذا وقيت شح نفسي فقد افلحت
والفرق بين الشح والبخل ان الشح هو شدة الحرص على الشئ والإحفاء في طلبه والاستقساء في تحصيله وجشع النفس عليه والبخل منع انفاقه بعد حصوله وحبه وامساكه فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله فالبخل ثمرة الشح والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس فمن بخل فقد اطاع شحه ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقى شره وذلك هو المفلح ) ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (
والسخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن اهله وقريب من الجنة وبعيد من النار والبخيل بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار فجود الرجل يحببه إلى اضداده وبخله يبغضه إلى اولاده
ويظهر عيب المرء في الناس بخله ويستره عنهم جميعا سخاؤه
تغط باثواب السخاء فانني
ارى كل عيب فالسخاء غطاؤه
وقارن اذا قارنت حرا فانما
يزن ويزري بالفتى قرناؤه
واقلل اذا ما اسطعت قولا فانه اذا قل قول المرء قل خطاؤه
اذا قل مال المرء قل صديقه
وضاقت عليه ارضه وسماؤه
(1/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
واصبح لا يدري وان كان حازما اقدامه خير له أم وراؤه
اذا المرء لم يختر صديقا لنفسه
فناد به في الناس هذا جزاؤه
وحد السخاء بذل ما يحتاج اليه عند الحاجة وان يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة وليس كما قال البعض من نقص عمله حد الجود بذل الموجود ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير وقد ورد الكتاب بذمهما وجاءت السنة بالنهي عنهما
واذا كان السخاء محمودا فمن وقف على حده سمي كريما وكان للحمد مستوجبا ومن قصر عنه كان بخيلا وكان للذم مستوجبا وقد روي في اثر ان الله عز وجل اقسم بعزته الا يجاوزه بخيلوالسخاء نوعان فاشرفهما سخاؤك عما بيد غيرك والثاني سخاؤك ببذل ما في يدك فقد يكون الرجل من اسخى الناس وهو لايعطيهم شيئا لإنه سخا عما في ايديهم وهذا معنى قول بعضهم السخاء ان تكون بمالك متبرعا وعن مال غيرك متورعا وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول اوحي الله إلى إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم )
اتدري لم اتخدتك خليلا قال لا قال لاني رايت العطاء احب اليك من الاخذ وهذه صفة من صفات الرب جل جلاله فانه يعطي ولا ياخذ ويطعم ولا يطعم وهو اجود الاجودين واكرم الاكرمين واحب الخلق اليه من اتصف بمقتضيات صفاته فانه كريم يحب الكريم من عباده وعالم يحب العلماء وقادر يحب الشجعان وجميل يحب الجمال
وروى الترمذي في جامعه قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر اخبرنا خالد بن الياس عن صالح بن أبي حسان قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ان الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا اخبيتكم ولا تشبهوا باليهود قال فذكرت للمهاجرين مسمار فقال حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه رضي الله تعالى عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
(1/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
الا انه قال
فنظفوا افنيتكم هذا حديث غريب خالد بن الياس يضعف
وفي الترمذي ايضا في كتاب البر قال حدثنا الحسن بن عرفه حدثنا سعيد بن محمد الوراق عن يحيى بن سعيد عن الاعرج عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخي احب إلى الله تعالى من عابد بخيل وفي الصحيح
ان الله تعالى وتر يحب الوتر
وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء وانما يرحم من عباده الرحماء وهو ستير يحب من يستر على عباده وعفو يحب من يعفوا عنهم من عباده وغفور يحب من يغفر لهم من عباده ولطيف يحب من اللطيف من عباده ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ ورفيق يحب الرفق وحليم يحب الحلم وبر يحب البر واهله وعدل يحب العدل وقابل المعاذير يحب من يقبل معاذير عباده ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجودا وعدما فمن عفا عفا عنه ومن غفر غفر له ومن سامح سامحه ومن حاقق حاققه ومن رفق بعباده رفق به ومن رحم خلقه رحمه ومن احسن اليهم احسن اليه ومن جاد عليهم جاد عليه ومن نفعهم نفعه ومن سترهم ستره ومن صفح عنهم صفح عنه ومن تتبع عورتهم تتبع عورته ومن هتكهم هتكه وفضحه ومن منعهم خيره منعه خيره ومن شاق شاق الله تعالى به ومن مكر مكر به ومن خادع خادعه ومن عامل خلقه بصفة عاملة الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والاخرة فالله تعالى لعبده على ما حسب ما يكون العبد لخلقه ولهذا جاء في الحديث
من ستر مسلما ستره الله تعالى في الدنيا والاخرة ومن نفس عن
(1/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
مؤمن كربه من كرب الدنيا نفس الله تعالى عنه كربه من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله تعالى حسابه ومن اقال نادما اقال الله تعالى عثرته ومن انظر معسرا أو وضع عنه اظله الله تعالى في ظل عرشه لانه لما جعله في ظل الانظار والصبر ونجاه من حر المطالبة وحرارة تكلف الاداء مع عسرته وعجز نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش وكذلك الحديث الذي في الترمذي وغيره عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال في خطبته يوما
يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من تتبع عورة اخيه يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته فكما تدين تدان وكن كيف شئت فان الله تعالى لك كما تكون انت ولعباده
ولما اظهر المنافقون الإسلام واسروا الكفر واظهر الله تعالى لهم يوم القيامة نورا على الصراط واظهر لهم انهم يجوزون الصراط واسر لهم ان يطفئ نورهم وان يحال بينهم وبين الصراط من جنس اعمالهم وكذلك من يظهر للخلق خلاف ما يعمله الله فيه فان الله تعالى يظهر له في الدنيا والاخرة اسباب الفلاح والنجاح والفوز ويبطن له خلافها وفي الحديث
من راءى راءى الله به
(1/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
ومن سمع سمع الله به والمقصود ان الكريم المتصدق يعطيه الله مالا يعطي جزاء له من جنس عمله
ذكر الله وفوائده وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) وامركم ان تذكروا الله تعالى فان مثل ذلك
رجل خرج العدو في اثره سراعا حتى اذا اتى إلى حصن حصين فاحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان الا بذكر الله فلو لم يكن في الذكر الا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقا بالعبد ان لايفتر لسانه من ذكر الله تعالى وان لا يزال لهجا بذكره فانه لا يحرز نفسه من عدوه الا بالذكر ولا يدخل عليه العدو الا من باب الغفلة فهو يرصده فاذا غفل وثب عليه وافترسه
واذا ذكر الله تعالى انخنس عدو الله وتصاغر وانقمع حتى يكون كالوصع وكالذباب ولهذا سمي الوسواس الخناس أي يوسوس في الصدور فاذا ذكر الله تعالى خنس أي كف وانقبض قال ابن عباس الشيطان جاثم على قلب ابن ادم فاذا سها وغفل وسوس فاذا ذكر الله تعالى خنس وفي مسنذ الامام أحمد عن عبد العزيز بن أبي سلمه الماجشون عن زياد ابن أبي زياد مولي عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة انه بلغه عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
ما عمل ادمي عملا قط انجي له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل
(1/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
وقال معاذ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الا اخبركم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والفضة ومن ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى يارسول الله قال ذكر الله عز وجل وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال
سيروا هذا جمدان سبق المفردون قيل وما المفردون يارسول الله قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات وفي السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
ما من يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه الا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة وفي رواية الترمذي ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم الا كان عليهم ترة فان شاء عذبهم وان شاء غفر لهم
وفي صحيح مسلم عن الاغر أبي مسلم قال اشهد على أبي هريرة و أبي سعيد انهما شهدا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال
لا يقعد قوم يذكرون الله فيه الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده وفي الترمذي عن عبد الله بن بشر ان رجلا قال يارسول الله ان ابواب الخير كثيرة ولا استطيع القيام بكلها فأخبرني بما شئت اتشبت به ولا تكثر علي فانسى وفي رواية ان شرائع الإسلام قد كثرت علي وانا كبرت فاخبرني بشئ اتشبت به قال
لايزال لسانك رطبا بذكر الله تعالى وفي الترمذي ايضا عن أبي سعيد ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل أي العباد افضل وارفع درجة عند الله يوم القيامة قال
الذاكرون الله كثيرا قيل يا
(1/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
قيل يارسول الله ومن الغازي في سبيل الله قال
لو ضرب بسيفه في الكفار والشركين حتى يتكسر ويختصب دما كان الذاكر لله تعالى افضل منه درجة
وفي صحيح البخاري عن أبي موسى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
يقول الله تبارك وتعالى انا عند ظن عبدي بي وانا معه اذا ذكرني فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وان تقرب الي شبرا تقربت اليه ذرعا وان تقرب الي ذرعا تقربت منه باعا واذا اتاني يمشي اتيته هرولة وفي الترمذي عن انس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
اذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا يارسول الله وما رياض الجنة قال
حلق الذكر
وفي الترمذي ايضا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الله عز وجل انه يقول
ان عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه وهذا الحديث هو فصل الخطاب والتفصيل بين الذاكر والمجاهد فان الذاكر المجاهد افضل من الذاكر بلا جهاد والمجاهد الغافل والذاكر بلا جهاد افضل من المجاهد الغافل عن الله تعالى فافضل الذاكرين المجاهدون وافضل المجاهدين الذاكرون
قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكرا الله كثيرا لعلكم تفلحون
(1/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
فامرهم بالذكر الكثير والجهاد معا ليكونوا على رجاء من الفلاح وقد قال تعالى ياايها الذين امنوا اذكروا الله كثيرا وقال تعالى ) والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ( أي كثيرا وقال تعالى ) فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ( ففيه الامر بالذكر بالكثرة والشدة لشدة حاجة العبد اليه وعدم استغنائه عنه طرفة عين فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله عز وجل كانت عليه لا له وكان خسرانه فيها اعظم مما ربح في غفلته عن الله وقال بعض العارفين لو اقبل عبد على الله تعالى كذا وكذا سنة ثم اعرض عنه لحظة لكان ما فاته اعظم مما حصله
وذكر البيهقي عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال
ما من ساعة تمر بابن ادم لا يذكر فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة وذكر عن معاذ بن جبل يرفعه ايضا ليس تحسر اهل الجنة الا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها
وعن أم حبيبه زوج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
كلام ابن ادم كله عليه لا له الا امرا بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكرا لله عز وجل
(1/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
وعن معاذ بن جبل قال سالت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي الاعمال احب إلى الله عز وجل قال ان تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه لكل شئ جلاء وان جلاء القلوب ذكر الله عز وجل وذكر البيهقي مرفوعا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه كان يقول
لكل شئ صقالة وان صقالة القلوب ذكر الله عز وجل وما من شئ انجى من عذاب الله عز وجل من ذكر الله عز وجل قالوا ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل قال
ولو ان يضرب بسيفه حتى ينقطع
ولا ريب ان القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما وجلاؤه بالذكر فانه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء فادا ترك صدئ فاذا جلاه وصدا القلب بامرين بالغفلة والذنب وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر
فمن كانت الغفلة اغلب اوقاته كان الصدا متراكبا على قلبه وصداه بحسب غفلته واذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه فيرى الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل لانه لما تراكم عليه الصدا اظلم فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه فاذا تراكم عليه الصدا واسود وركبه الران فسد تصوره وادراكه فلا يقبل حقا و لا ينكر باطلا وهذا اعظم عقوبات القلب
واصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره قال تعالى ) ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا (
فاذا اراد العبد ان يقتدي برجل فلينظر هل هو من اهل الذكر أو من الغافلين و هل الحاكم عليه الهوى أو الوحي فان كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من اهل الغفلة كان امره فرطا ومعنى الفرط قد فسر
(1/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
بالتضييع أي امره الذي يجب ان يلزمه ويقوم به وبه رشده وفلاحه ضائع قد فرط فيه وفسر بالإسراف أي قد أفرط وفسر بالاهلاك وفسر بالخلاف للحق وكلها اقوال متقاربة والمقصود ان الله سبحانه وتعالى نهى عن طاعة من جمع هذه الصفات فينبغي للرجل ان ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه فان وجده كذلك فليبعد منه وان وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى عز وجل واتباع السنة وامره غير مفروط عليه بل هو حازم في امره فليستمسك بغرزه ولا فرق بين الحي والميت الا بالذكر فمثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت وفي المسند مرفوعا
اكثروا ذكر الله تعالى حتى يقال مجنون
وفي الذكر اكثر من مائة فائدة
احداها انه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره
الثانية انه يرضي الرحمن عز وجل
الثالثة انه يزيل الهم والغم عن القلب
الرابعة انه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط
الخامسة انه يقوي القلب والبدن
السادسة انه ينور الوجه والقلب
السابعة انه يجلب الرزق
الثامنة انه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة
التاسعة انه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين
(1/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
ومدار السعادة والنجاة وقد جعل الله لكل شئ سببا وجعل سبب المحبة دوام الذكر فمن اراد ان ينال محبة الله عز وجل فليلهج بذكره فانه الدرس والمذاكرة كما انه باب العلم فالذكر باب المحبة وشارعها الاعظم وصراطها الاقوم
العاشرة انه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الاحسان فيعبد الله كانه يراه ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الاحسان كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت
الحادية عشرة انه يورثه الانابة وهي الرجوع إلى الله عز وجل فمتى اكثر الرجوع اليه بذكره اورثه ذلك رجوعه بقلبه اليه في كل احواله فيبقى الله عز وجل مفزعه وملجأه وملاذه ومعاذه وقبلة قلبه ومهربه عند النوازل والبلايا
الثانية عشرة انه يورثه القرب منه فعلى قدر ذكره لله عز وجل يكون قربه منه وعلى قدر غفلته يكون بعده منه
الثالثة عشرة انه يفتح له بابا عظيما من ابواب المعرفة وكلما اكثر من الذكر ازداد من المعرفة
الرابعة عشرة انه يورث الهيبة لربه عز وجل واجلاله لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى بخلاف الغافل فان حجاب الهيبة رقيق في قلبه
الخامسة عشرة انه يورثه ذكر الله تعالى له كما قال تعالى ) فاذكروني أذكركم ( ولو لم يكن في الذكر الا هذه وحدها لكفى بها فضلا وشرفا وقال ( صلى الله عليه وسلم ) فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى
من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي
(1/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
ومن ذكرني في ملا ذكرته في ملا خير منهم
السادسة عشرة انه يورث حياة القلب وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله تعالى روحه يقول الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك اذا فارق الماء
السابعة عشرة انه قوت القلب والروح فاذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم اذا حيل بينه وبين قوته و حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكرالله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت الي وقال هذه غدوتي ولو لم أتغد الغداء سقطت قوتي أو كلاما قريبا من هذا وقال لي مرة لا اترك الذكر الا بنية اجمام نفسي واراحتها لاستعد بتلك الراحة لذكر اخر أو كلاما هذا معناه
الثامنة عشرة انه يورث جلاء القلب من صداه كما تقدم في الحديث وكل صدا وصدا القلب الغفلة والهوى وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار وقد تقدم هذا المعنى
التاسعة عشرة انه يحط الخطايا ويذهبها فانه من اعظم الحسنات والحسنات يذهبن السيئات
العشرون انه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى فان الغافل بينه وبين الله عز وجل وحشه لا تزول الا بالذكر
الحادية والعشرون ان ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده يذكر بصاحبه عند الشدة فقد روي الامام أحمد في المسند
(1/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال
ان ما تذكرون من جلال الله عز وجل من التهليل والتكبير والتحميد يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوى النحل يذكرن بصاحبهن افلا يحب احدكم ان يكون له ما يذكره به هذا الحديث أو معناه
الثانية والعشرون ان العبد اذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة وقد جاء اثر معناه ان العبد المطيع الذاكر لله تعالى اذا اصابته شدة أو سأل الله تعالى حاجة قالت الملائكة يارب صوت معروف من عبد معروف والغافل المعرض عن الله عز وجل اذا دعاه وساله قالت الملائكة يارب صوت منكر من عبد منكر
الثالثة والعشرون انه ينجي من عذاب الله تعالى كما قال معاذ رضي الله عنه ويروى مرفوعا
ما عمل ادمي عملا انجي من عذاب الله عز وجل من ذكر الله تعالى
الرابعة والعشرون انه سبب تنزيل السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر كما اخبر به النبي ( صلى الله عليه وسلم )
الخامسة والعشرون انه سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل فان العبد لا بد له من ان يتكلم فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر اوامره تكلم بهذه المحرمات أو بعضها ولا سبيل إلى السلامة منها البتة الا بذكر الله تعالى والمشاهدة والتجربة شاهدان بذلك فمن عود لسانه ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو ومن يبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش ولا حول ولا قوة الا بالله
(1/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
السادسة والعشرون ان مجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس اللغو والغفلة ومجالس الشياطين فليتخير العبد اعجبهما اليه وأولاهما به فهو مع اهله في الدنيا والاخرة
السابعة والعشرون انه يسعد الذاكر بذكره ويسعد به جليسه وهذا هو المبارك اين ما كان والغافل واللاغي يشقى بلغوه وغفلته ويشقى به مجالسه
الثامنة والعشرون انه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة فان كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة
التاسعة والعشرون انه مع البكاء في الخلوة سبب لاظلال الله تعالى العبد يوم الحر الاكبر في ظل عرشه والناس في حر الشمس قد صهرتهم في الموقف وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن عز وجل
الثلاثون ان الاشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر افضل ما يعطي السائلين ففي الحديث عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
قال سبحانه وتعالى من شغله ذكري عن مسالتي اعطيته افضل ما اعطي السائلين
الحادية والثلاثون انه ايسر العبادات وهو من اجلها وافضلها فان حركة اللسان اخف حركات الجوارح وايسرها ولو تحرك عضو من الانسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة بل لا يمكنه ذلك
الثانية والثلاثون انه غراس الجنة فقد روي الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقيت ليلة اسري بي
(1/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
ابراهيم الخليل عليه السلام فقال يا محمد اقرئ امتك السلام واخبرهم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غراسها سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر قال الترمذي حديث حسن غريب من حديث ابن مسعود
وفي الترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخله في الجنة قال الترمذي حديث حسن صحيح
الثالثة والثلاثون ان العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الاعمال ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي و لم يات أحد بافضل مما جاء به الا رجل عمل اكثر منه ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لان اقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر احب الي مما طلعت عليه الشمس
وفي الترمذي من حديث انس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال حين يصبح أو يمسي اللهم اني اصبحت اشهدك واشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك انت الله لا اله الا انت وان محمدا عبدك ورسولك اعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا اعتق الله ثلاثة ارباعه من النار ومن قالها اربعا اعتقه الله تعالى من النار وفيه عن
(1/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
ثوبان ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال حين يمسي واذا اصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) رسولا كان حقا على الله ان يرضيه وفي الترمذي من دخل السوق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير كتب الله له الف الف حسنة ومحا عنه الف الف سيئة ورفع له الف الف درجة
الرابعة والثلاثون ان دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الامان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده فان نسان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها قال تعالى ) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ( واذا نسي العبد نفسه اعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا بد كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك ومما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه فانه يفسد ولابد هذا مع امكان قيام غيره مقامه فيه فكيف الظن بفساد نفسه وهلاكها وشقائها اذا اهملها ونسيها واشتغل عن مصالحها وعطل مراعاتها وترك القيام عليها بما يصلحها فما شئت من فساد وهلاك وخيبة وحرمان وهذا هو الذي صار امره كله فرطا فانفرط عليه امره وضاعت مصالحه واحاطت به اسباب القطوع والخيبة والهلاك
ولاسبيل إلى الامان من ذلك الا بدوام ذكر الله تعالى واللهج به وان لا يزال اللسان رطبا به وان يتولى منزلة حياته التي لا غنى له عنها و منزلة غذائه الذي اذا فقده فسد جسمه وهلك وبمنزلة الماء عند شدة العطش وبمنزلة اللباس في الحر والبرد وبمنزلة الكن في شدة الشتاء والسموم
فحقيق بالعبد ان ينزل ذكر الله منه بهذه المنزلة واعظم فاين هلاك الروح
(1/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
والقلب وفسادهما من هلاك البدن وفساده هذا هلاك لا بد منه وقد يعقبه صلاح لا بد واما هلاك القلب والروح فهلاك لا يرجى معه صلاح ولا فلاح ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم في فوائد الذكر وادامته الا هذه الفائدة وحدها لكفي بها فمن نسي الله تعالى انساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة قال تعالى ) ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ( أي تنسى في العذاب كما نسيت اياتي فلم تذكرها ولم تعمل بها واعراضه عن ذكره يتناول اعراضه عن الذكر الذي انزله وهو ان يذكر الذي انزله في كتابه وهو المراد بتناول اعراضه عن ان يذكر ربه بكتابه واسمائه وصفاته واوامره والائه ونعمه فان هذه كلها توابع اعراضه عن كتاب ربه تعالى فان الذكر في الاية اما مصدر مضاف إلى الفاعل أو مضاف اضافة الاسماء المحضة اعرض عن كتابي ولم يتله ولم يتدبره ولم يعمل به ولا فهمه فان حياته ومعيشته لا تكون الا مضيقة عليه منكده معذبا فيها
والضنك الضيق والشدة والبلاء ووصف المعيشة نفسها بالضنك مبالغة وفسرت هذه المعيشة بعذاب البرزخ والصحيح انها تتناول معيشته في الدنيا وحاله في البرزخ فانه يكون في ضنك في الدارين وهو شدة وجهد وضيق وفي الاخرة تنسى في العذاب وهذا عكس اهل السعادة والفلاح فان حياتهم في الدنيا اطيب الحياة ولهم في البرزخ وفي الاخرة افضل الثواب
قال تعالى ) من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ( فهذا في الدنيا ثم قال ولنجزيهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فهذا في البرزخ والاخرة وقال تعالى ) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (
(1/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
وقال تعالى ) وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ( فهذا في الاخرة وقال تعالى قل يا عبادي الذين امنوا اتقوا ربكم للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة و ارض الله واسعة انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب فهذه اربعة مواضيع ذكر تعالى فيها انه يجزي المحسن باحسانه جزاءين جزاء في الدنيا وجزاء في الاخرة
فالاحسان له جزاء معجل ولا بد والإساءة لها جزاء معجل ولابد ولو لم يكن الا ما يجازي به المحسن من انشراح صدوره في انفساح قلبه وسروره ولذاته بمعاملة ربه عز وجل وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبته
وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى اعظم مما يفرح القريب من السلطان الكريم عليه بسلطانه وما يجازي به المسئ من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه وهذا امر لايكاد من له ادنى حس وحياة يرتاب فيه بل الغموم والهموم والاحزان والضيق عقوبات عاجلة ونار دنيوية وجهنم حاضرة والاقبال على الله تعالى والانابة اليه والرضاء به وعنه وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك اليه البته
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول ان في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الاخرة وقال لي مرة ما يصنع اعدائي بي انا جنتي وبستاني في صدري ان رحت فهي معي لا تفارقني ان حبسي خلوة وقتلي شهادة واخراجي من بلدي سياحة وكان يقول في محبسه في القلعة لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة او
(1/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا وكان يقول في سجوده وهو محبوس اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله وقال لي مرة المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والماسور من اسره هواه ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر اليه وقال ) فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ( وعلم الله ما رايت احدا اطيب عيشا منه قط مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والارهاق وهو مع ذلك من اطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا واقواهم قلبا واسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه وكنا اذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض اتيناه فما هو الا ان نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحها وقوة ويقينا وطمأنينة فسبحان من اشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم ابوابها في دار العمل فاتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة اليها
وكان بعض العارفين يقول لو علم الملوك وابناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف وقال اخر مساكين اهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا اطيب ما فيها قيل و ما اطيب ما فيها قال محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا وقال اخر انه لتمر بالقلب اوقات يرقص فيها طربا وقال اخر انه لتمر بي اوقات اقول ان كان اهل الجنة في مثل هذا انهم لفي عيش طيب
فبمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون اليه والطمانينة اليه وافراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد و عزماته وإرادته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين وانما تقر عيون الناس به على حسب قرة اعينهم بالله عز وجل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه
(1/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات
وانما يصدق هذا من قلبه حياة واما ميت القلب فيوحشك ما له ثم فاستأنس بغيبته ما امكنك فانك لا يوحشك الا حضوره عندك فإذا ابتليت به فاعطه ظاهرك وترحل عنه بقلبك وفارقه بسرك ولا تشغل به عما هو اولى بك واعلم ان الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لا يجر عليك الاشتغال به الا فوت نصيبك وحظك من الله عز وجل وانقطاعك عنه وضياع وقتك وضعف عزيمتك وتفرق همك
فإذا بليت بهذا ولا بد لك منه فعامل الله تعالى فيه واحتسب عليه ما امكنك وتقرب إلى الله تعالى بمرضاته فيه واجعل اجتماعك به متجرا لك لا تجعله خسارة وكن معه كرجل سائر في طريقه عرض له رجل وقفه عن سيره فاجتهد ان تاخده معك وتسير به فتحمله ولا يحملك فان أبي ولم يكن في سيره مطمع فلا تقف معه بلا ركب الدرب ودعه ولاتلتفت اليه فانه قاطع الطريق ولو كان من كان فانج بقلبك وضن بيومك وليلتك لاتغرب عليك الشمس قبل وصول المنزلة فتؤخذ أو يطلع الفجر اني لك بلماقهم
الخامسة والثلاثون ان الذكر يسير العبد هو في فراشه وفي
(1/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
سوقه وفي حال صحته وسقمه وفي حال نعيمه ولذته وليس شئ يعم الاقات والاحوال مثله حتى يسير العبد وهو نائم على فراشه فيسبق القائم مع الغفلة فيصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه ويصبح ذلك الغافل في ساقه الركب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
وحكى عن رجل من العباد انه نزل برجل ضيفا فقام العابد ليلة يصلي وذلك الرجل مستلق على فراشه فلما اصبحا قال له العابد سبقك الركب أو كما قال فقال ليس الشان فيمن بات مسافرا واصبح مع الركب الشان فيمن بات على فراشه واصبح قد قطع الركب
وهذا ونحوه له محمل صحيح ومحمل فاسد فمن حكم على ان الراقد المضطجع على فراشه يسبق القائم القانت فهو باطل وانما محمله ان هذا المستلقي على فراشه علق بربه عز وجل والصق حبه قلبه بالعرش وبات قلبه يطوف حول العرش مع الملائكة قد غاب عن الدنيا ومن فيها وقد عاقه عن قيام الليل عائق من وجع أو برد يمنعه القيام أو خوف على نفسه من رؤية عدو يطلبه أو غير ذلك من الاعذار فهو مستلق على فراشه وفي قلبه ما الله تعالى به عليم واخر قائم يصلي ويتلوا وفي قلبه من الرياء والعجب وطلب الجاه والمحمدة عند الناس ما الله به عليم أو قلبه في واد وجسمه في واد فلا ريب ان ذلك الراقد يصبح وقد سبق هذا القائم بمراحل كثيرة فالعمل على القلوب لا على الابدان والمعول على الساكن ويهيج الحب المتواري ويبعث الطلب الميت الذكر وحقيقة النور الالهي
السادسة والثلاثون ان الذكر نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط فما استنارت القلوب والقبور
(1/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
بمثل ذكر الله تعالى قال الله تعالى اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها فالاول هو المؤمن استنار بالايمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره والاخر هو الغافل عن الله تعالى المعرض عن ذكره ومحبته والشان كل الشان والفلاح كل الفلاح في النور والشقاء كل الشقاء في فواته ولهذا كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يبالغ في سؤال ربه تبارك وتعالى حين يسأله ان يجعله في لحمه وعظامه وعصبه وشعره وبشره وسمعه وبصره ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وخلفه وامامه حتى يقول واجعلني نورا فسال ربه تبارك وتعالى ان يجعل النور في ذراته الظاهرة والباطنة وان يجعله محيطا به من جميع جهاته وان يجعل ذاته وجملته نورا فدين الله عز وجل نور وكتابه نور ورسوله نور وداره التي اعدها لاوليائه نور يتلالا وهو تبارك وتعالى نور السماوات والأرض ومن اسمائه النور واشرقت الظلمات لنور وجهه وفي دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم الطائف
اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا الاخرة ان يحل على غضبك أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك وقال ابن مسعود رضي الله عنه ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه ذكره عثمان الدارمي وقد قال تعالى ) وأشرقت الأرض بنور ربها ( فإذا جاء تبارك وتعالى يوم القيامة للفصل بين عباده واشرقت بنوره الأرض وليس اشراقها يومئذ بشمس ولا قمر فان الشمس تكور والقمر يخسف ويذهب نورهما وحجابه تبارك وتعالى النور
قال أبو موسى قام فينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بخمس كلمات فقال
ان الله لا ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع اليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره
(1/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
من خلقه ثم قرأ ) أن بورك من في النار ومن حولها ( فاستناره ذلك الحجاب بنور وجهه ولولاه لاحرقت سبحات وجهه ونوره ما انتهى اليه بصره ولهذا لما تجلى تبارك وتعالى للجبل وكشف من الحجاب شيئا يسيرا ساخ الجبل في الأرض وتدكدك ولم يقم لربه تبارك وتعالى وهذا معنى قول ابن عباس في قوله سبحانه وتعالى ) لا تدركه الأبصار ( قال ذلك الله عز وجل اذا تجلى بنوره لم يقم له شئ وهذا من بديع فهمه رضي الله تعالى عنه ودقيق فطنته كيف وقد دعا له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان يعلمه الله التأويل فالرب تبارك وتعالى يرى يوم القيامة بالابصار عيانا ولكن يستحيل ادراك الابصار له وان راته فالادراك امر وراء الرؤية وهذه الشمس ولله المثل الاعلى نراها ولا ندركها كما هي عليه ولا قريبا من ذلك ولذلك قال ابن عباس لمن ساله واورد عليه ) لا تدركه الأبصار ( فقال الست ترى السماء قال بلى قال افتدركها قال لا قال فالله تعالى اعظم واجل
وقد ضرب سبحانه وتعالى النور في قلب عبده مثلا لا يعقله الا العالمون
(1/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
فقال سبحانه وتعالى الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شئ عليم قال أبي بن كعب مثل نوره في قلب المسلم
وهذا هو النور الذي اودعه في قلبه من معرفته ومحبته والايمان به وذكره وهو نوره الذي انزله اليهم فاحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس واصله في قلوبهم ثم تقوى مادته فتتزايد حتى يظهر على وجوههم وجوارحهم وابدانهم بل وثيابهم ودورهم يبصره من هو من جنسهم وسائر الخلق له منكر فاذا كان يوم القيامة برز ذلك النور وصار بايمانهم يسعى بين ايديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه وهم فيه على حسب قوته وضعفه في قلوبهم في الدنيا فمنهم من نوره كالشمس واخر كالقمر واخر كالنجوم واخر كالسراج واخر يعطي نورا على ابهام قدمه يضئ مرة ويطفأ اخرى اذا كانت هذه حال نوره في الدنيا فاعطى على الجسر بمقدار ذلك بل هو نفس نوره ظهر له عيانا ولما لم يكن للمنافق نور ثابت في الدنيا بل كان نوره ظاهرا لا باطنا اعطى نورا ظاهرا ماله إلى الظلمة والذهاب
وضرب الله عز وجل لهذا النور ومحله وحامله ومادته مثلا بالمشكاة وهي الكوة في الحائط فهي مثل الصدر وفي تلك المشكاة زجاجة من اصفى الزجاج
(1/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
وحتى شبهت بالكوكب الدري في بياضة وصفائه وهي مثل القلب وشبه بالزجاجة لانها جمعت اوصافا هي في قلب المؤمن وهي الصفاء والرقة فيرى الحق والهدى بصفائه وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته ويجاهد اعداء الله تعالى ويغلظ عليهم ويشتد في الحق ويصلب فيه بصلابته ولا تبطل صفة منه صفة اخرى ولا تعارضها بل تساعدها وتعاضدها ) أشداء على الكفار رحماء بينهم ( وقال تعالى ) فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ( وقال تعالى ) يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ( وفي اثر القلوب انية الله تعالى في ارضه فاحبها اليه وارقها واصلبها واصفاها وبازاء هذا القلب قلبان مذمومان في طرفي نقيص
احدهما قلب حجري قاس لا رحمة فيه ولا احسان ولا بر ولا له صفاء يرى به الحق بل هو جبار جاهل لا علم له بالحق ولا رحمة للخلق
وبازائه قلب ضعيف مائي لاقوة فيه ولا استمساك بل يقبل كل صورة وليس له قوة حفظ تلك الصور ولا قوة التاثير في غيره وكل ما خالطه اثر فيه من قوي وضعيف وطيب وخبيث
وفي الزجاجة مصباح وهو النور الذي في الفتيلة وهي حاملته
(1/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
ولذلك النور مادة وهو زيت قد عصر من زيتونة في اعدل الاماكن تصيبها الشمس اول النهار واخره فزيتها من اصفى الزيت وابعده من الكدر حتى انه ليكاد من صفائه يضئ بلا نار فهذه مادة نور المصباح
وكذلك مادة نور المصباح الذي في قلب المؤمن هو من شجرة الوحي التي هي اعظم الاشياء بركة وابعدها من الانحراف بل هي اوسط الامور واعدلها وافضلها لم تنحرف انحراف النصرانية ولا انحراف اليهودية بل هي وسط بين الطرفين المذمومين في كل شئ فهذه مادة مصباح الايمان في قلب المؤمن
ولما كان ذلك الزيت قد اشتد صفاؤه حتى كاد ان يضئ بنفسه ثم خالط النار فاشتدت بها اضاءته وقويت مادة ضوء النار به كان ذلك نورا على نور وهكذا المؤمن قلبه مضئ يكاد يعرف الحق يفطرته وعقله ولكن لا مادة له من نفسه فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه وخالطت بشاشته فازداد نورا بالوحي على نوره الذي فطره الله تعالى عليه فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة نور على نور فيكاد ينطق بالحق وان لم يسمع فيه اثر ثم يسمع الاثر مطابقا لما شهدت به فطرته فيكون نورا على نور فهذا شان المؤمن يدرك الحق بفطرته مجملا ثم يسمع الاثر جاء به مفصلا فينشأ ايمانه عن شهادة الوحي والفطرة
فليتأمل اللبيب هذه الاية العظيمة ومطابقتها لهذه المعاني الشريفة فذكر سبحانه وتعالى نوره في السموات والأرض ونوره في قلوب عباده المؤمنين النور المعقول المشهود بالبصائر والقلوب والنور المحسوس المشهود بالابصار الذي استنارت به اقطار العالم العلوي والسفلي فهما نوران عظيمان أحدهما اعظم من الاخر وكما انه اذا فقد أحدهما من مكان أو موضع لم يعش فيه ادمي ولا غيره لان الحيوان انما يتكون حيث النور ومواضع الظلمة التي لا يشرق عليها نور لا يعيش فيها حيوان ولا يتكون البتة فكذلك أمة فقد فيها نور الوحي والايمان ميتة وقلب فقد منه هذا النور ميت ولا بد لاحياة له البتة كما لا حياة للحيوان في مكان لا نور فيه
(1/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
والله سبحانه وتعالى يقرن بين الحياة والنور كما في قوله عز وجل أو من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نور يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها وكذلك قوله عز وجل وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبدنا وقد قيل ان الضمير في جعلناه عائد إلى الامر وقيل إلى الكتاب وقيل إلى الايمان والصواب انه عائد إلى الروح أي جعلنا ذلك الروح الذي اوحيناه اليك نورا فسماه روحا لما يحصل به من الحياة وجعله نورا لما يحصل به من الاشراق والاضاءة وهما متلازمان فحيث وجدت هذه الحياة بهذا الروح وجدت الاضاءة والاستنارة وحيث وجدت الاستنارة والاضاءة وجدت الحياة فمن لم يقبل هذا الروح فهو ميت مظلم كما ان المائي والناري لما يحصل بالماء من الحياة وبالنار من الاشراق والنور كما ضرب ذلك في اول سورة البقرة في قوله تعالى ) مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ( وقال ) ذهب الله بنورهم ( ولم يقل بنارهم لان النار فيها الاحراق
وكذلك حال المنافقين ذهب نور ايمانهم بالنفاق وبقي في قلوبهم حرارة الكفر والشكوك والشبهات تغلي في قلوبهم قلوبهم قد صليت بحرها واذاها وسمومها ووهجها في الدنيا فاصلاها الله تعالى اياها يوم القيامة نارا موقدة تطلع على الافئدة فهذا مثل من لم يصحبه نور الايمان في الدنيا بل خرج منه وفارقه بعد أن استضاء به وهو حال المنافق عرف ثم أنكر وأقر ثم جحد فهو في ظلمات اصم ابكم اعمى كما قال تعالى في حق اخوانهم من الكفار ) والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات ( وقال تعالى
(1/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ( وشبه تعالى حال المنافقين في خروجهم من النور بعد أن أضاء لهم بحال مستوقد النار وذهاب نورها عنه بعد ان اضاءت ما حوله لان المنافقين بمخالطتهم المسلمين وصلاتهم معهم وصيامهم معهم وسماعهم القران ومشاهدتهم اعلام الإسلام ومناره قد شاهدوا الضوء وراوا النور عيانا ولهذا قال تعالى في حقهم ) فهم لا يرجعون ( اليه لانهم فارقوا الإسلام بعد ان تلبسوا به واستناروا فهم لا يرجعون اليه
وقال تعالى في حق الكفار ) فهم لا يعقلون ( لانهم لم يعقلوا الإسلام ولا دخلوا فيه ولا استناروا به ولا يزالون في ظلمات الكفر صم بكم عمي فسبحان من جعل كلامه لادواء الصدور شافيا والى الايمان وحقائقه مناديا والى الحياة الابدية والنعيم المقيم داعيا والى الطريق الرشاد هاديا لقد أسمع منادي الايمان لو صادف اذانا واعية وشفت مواعظ القران لو وافقت قلوبا خالية ولكن عصفت على القلوب اهوية الشبهات والشهوات فأطفأت مصابيحها وتمكنت منها ايدي الغفلة والجهالة فأغلقت ابواب رشدها واضاعت مفاتيحها وران عليها كسبها فلم ينفع فيها الكلام وسكرت بشهوات الغي وشهادة الباطل فلم تصغ بعده إلى الملام ووعظت بمواعظ انكى فيها الاسنة والسهام ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة واسر الهوى والشهوة وما لجرح بميت ايلام
والمثل الثاني قوله تعالى ) أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ( الصيب المطر الذي يصوب من السماء أي ينزل منها بسرعة وهو مثل القران الذي به حياة القلوب كالمطر الذي به حياة الأرض والنبات
(1/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
والحيوان فادرك المؤمنين ذلك منه وعلموا ما يحصل به من الحياة التي لا تخطر لها فلم يمنعهم منها ما فيه من الرعد والبرق وهو الوعيد والتهديد والعقوبات والمثلات التي حدر الله بها من خالف امره واخبر انه منزلها بمن كذب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو ما فيه من الاوامر الشديدة كجهاد الاعداء والصبر على الامر أو الاوامر الشاقة على النفوس التي هي بخلاف ارادتها فهي كالظلمات والرعد والبرق ولكن من علم مواقع الغيث وما يحصل به من الحياة لم يستوحش لما معه من الظلمة والرعد والبرق بل يستانس لذلك ويفرح به لما يرجو من الحياة والخصب
واما المنافق فانه عمي قلبه لم يجاوز بصره الظلمة ولم ير الا برقا يكاد يخطف البصر و رعدا عظيما وظلمة فاستوحش من ذلك وخاف منه فوضع اصابعه في اذنيه لئلا يسمع صوت الرعد وهاله ذلك البرق وشدة لمعانه وعظم نوره فهو خائف ان يختطف معه بصره لان بصره اضعف من ان يثبت معه فهو في ظلمة يسمع اصوات الرعد القاصف ويرى ذلك البرق الخاطف فان اضاء له ما بين يديه مشى في ضوئه وان فقد الضوء قام متحير ا لا يدري اين يذهب ولجهله لا يعلم ان ذلك من لوازم الصيب الذي به حياة الأرض والنبات وحياته هو نفسه بل لا يدرك الا رعدا وبرقا وظلمة ولا شعور له بما وراء ذلك فالوحشة لازمة له والرعب والفزع لا يفارقه واما من انس بالصيب وعلم انه لا بد فيه من رعد وبرق وظلمة بسبب الغيم استانس بذلك ولم يستوحش منه ولم يقطعه ذلك عن اخذه بنصيبه من الصيب فهذا مثل مطابق للصيب الذي نزل به جبريل ( صلى الله عليه وسلم ) من عند رب العالمين تبارك وتعالى على قلب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليحيي به القلوب والوجود اجمع اقتضت
(1/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
حكمته ان يقارنه من الغيم والرعد والبرق ما يقارن الصيب من الماء حكمة بالغة واسبابا منتظمة نظمها العزيز الحكيم فكان حظ المنافق من ذلك الصيب سحابة ورعوده وبروقه فقط لم يعلم ما وراءه فاستوحش بما انس المؤمنين وارتاب بما اطمان به العالمون وشك فيما يتقيه المبصرون العارفون فبصره في المثل الناري كبصر الخفاش نحو الظهيرة وسمعه في المثل المائي كسمع من يموت من صوت الرعد وقد ذكر عن بعض الحيوانات انها تموت من سمع الرعد
واذا صادف هذه العقول والاسماع والابصار شبهات شيطانية وخيالات فاسدة وظنون كاذبة حالت فيها وصالت وقامت بها وقعدت واتسع فيها مجالها وكثر بها قيلها وقالها فملأت الاسماع من هذيانها والأرض من دواوينها وما اكثر المستجيبين لهؤلاء والقابلين منهم والقائمين بدعوتهم والمحامين عن حوزتهم والمقاتلين تحت الويتهم والمكثرين لسوادهم ولعموم البلية هم وضرر القلوب بكلامهم هتك الله استارهم في كتابه غاية الهتك وكشف اسرارهم غاية الكشف وبين علاماتهم واعمالهم واقوالهم ولم يزل عز وجل يقول ومنهم ومنهم ومنهم حتى انكشف امرهم وبانت حقائقهم وظهرت اسرارهم
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في اول سورة البقرة اوصاف المؤمنين والكفار والمنافقين فذكر في اوصاف المؤمنين ثلاث آيات وفي اوصاف الكفار ايتين
(1/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
وفي اوصاف هؤلاء بضع عشرة آية لعموم الابتلاء بهم وشدة المصيبة بمخالطتهم فانهم من الجلدة مظهرون الموافقة والمناصرة بخلاف الكافر الذي قد تابد بالعداوة واظهر السريرة ودعالك بما أظهره إلى مزايلته مفارقته
ونظير هذين المثلين المذكورين في سورة الرعد في قوله تعالى ) أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ( فهذا هو المثل المائي شبه الوحي الذي انزله بحياة القلوب بالماء الذي انزله من السماء وشبه القلوب الحاملة له بالاودية الحاملة للسيل فقلب كبير يسع علما عظيما كواد كبير يسع ماء كثيرا وقلب صغير كواد صغير يسع علما قليلا فحملت القلوب من هذا العلم بقدرها كما سالت الاودية بقدرها ولما كانت الاودية ومجاري السيول فيها الغثاء ونحوه مما يمر عليه السيل فيحتمله السيل فيطفوا على وجه الماء زبدا عاليا يمر عليه متراكبا ولكن تحته الماء الفرات الذي به حياة الأرض فيقدف الوادي ذلك الغثاء إلى جنبتيه حتى لا يبقى الماء الذي تحت الغثاء يسقي الله تعالى به الأرض فيحيى به البلاد والعباد والشجر والدواب والغثاء يذهب جفاء يجفي ويطرح على شفير الوادي
فكذلك العلم والايمان الذي انزله في القلوب فاحتملته فاثار منها بسبب مخالطته لها ما فيها من غثاء الشهوات وزبد الشبهات الباطلة يطفو في اعلاها واستقر العلم والايمان والهدى في جذر القلب فلا يزال ذلك الغثاء والزبد يذهب جفاء و يزول شيئا فشيئا حتى يزول كله ويبقى العلم النافع والايمان الخالص في جذر القلب يرده الناس فيشربونه و يسقون ويمرعون
وفي الصحيح من الحديث أبي موسى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
مثل ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم كمثل غيث اصاب ارضا فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء فانبتت الكلا والعشب الكثير وكان منها طائفة أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا وأصاب منها طائفة اخرى انما هي قيعان لا تمسك ماء
(1/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع يذلك راسا ولم يقبل هدى الله الذي ارسلت به فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الناس بالنسبة إلى الهدى والعلم ثلاث طبقات
الطبقة الاولى ورثة الرسل وخلفاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام وهم الذين قاموا بالدين علما وعملا ودعوة إلى الله عز وجل ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فهؤلاء اتباع الرسل صلوات الله عليهم وسلامه حقا وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكت فقبلت الماء فانبتت الكلا والعشب الكثير فزكت في نفسها وزكا الناس بها وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين والقوة على الدعوة ولذلك كانوا ورثة الانبياء ( صلى الله عليه وسلم ) الذين قال الله تعالى فيهم واذكروا عبادنا إبراهيم واسحق ويعقوب اولي الايدي والابصار أي البصائر في دين الله عز وجل فالبصائر يدرك الحق ويعرف وبالقوى يتمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة اليه فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ والفهم في الدين والبصر بالتاويل ففجرت من النصوص انهار العلوم واستنبطت منها كنوزها ورزقت فيها فهما خاصا كما قال امير المؤمنين علي ابن أبي طالب وقد سئل هل خصكم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بشئ دون الناس فقال لا والذي فلق الحبة وبرا النسمة الا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه
فهذا الفهم هو بمنزلة الكلا والعشب الكثير الذي انبتته الاض وهو الذي تميزت به هذه الطبقة عن
الطبقة الثانية فانها حفظت النصوص وكان همها جفظها وضبطها فوردها الناس وتلقوها منهم فاستنبطوا منها واستخرجوا كنوزها واتجروا فيها وبذروها في ارض قابلة للزرع والنبات ووردها كل بحسبه ) قد علم كل أناس مشربهم ( وهؤلاء هم الذين قال فيهم النبي ( صلى الله عليه وسلم )
نضر الله امرءا سمع
(1/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
مقالتي فوعاها ثم اداها كما سمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو افقه منه وهذا عبد الله بن عباس حبر الامة وترجمان القران مقدار ما سمع من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يبلغ نحو العشرين حديثا الذي يقول فيه سمعت ورايت وسمع الكثير من الصحابة وبورك في فهمه والاستنباط منه حتى ملا الدنيا علما وفقها قال أبو محمد بن حزم وجمعت فتاويه في سبعه اسفار كبار وهي بحسب ما بلغ جامعها والا فعلم ابن عباس كالبحر وفقهه واستنباطه وفهمه في القران بالموضع الذي فاق به الناس وقد سمع كما سمعوا وحفظ القران كما حفظوه ولكن ارضه كانت من اطيب الاراضي واقبلها للزرع فبذر فيها النصوص فانبتت من كل زوج كريم ) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ( واين تقع فتاوي ابن عباس وتفسيره واستنباطه من فتاوي أبي هريرة وتفسيره وابو هريرة احفظ منه بل هو حافظ الامة على الاطلاق يؤدي الحديث كما سمعه ويدرسه بالليل درسا فكانت همته مصروفة إلى الحفظ وبلغ ما حفظه كما سمعه وهمة ابن عباس مصروفه إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الانهار منها واستخراج كنوزها
وهكذا الناس بعده قسمان
قسم الحفاظ معتنون بالضبط والحفظ والاداء كما سمعوا ولا يستنبطون ولا يستخرجون كنوز ما حفظوه وقسم معتنون بالاستنباط واستخراج الاحكام من النصوص والتفقه فيها فالاول كابي زرعة وابي حاتم وابن دارة وقبلهم كبندار محمد بن بشار وعمرو الناقد وعبد الرزاق وقبلهم كمحمد بن جعفر غندر وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم من اهل الحفظ والاتقان
(1/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
والضبط لما سمعوه من غير استنباط وتصرف واستخراج الاحكام من الفاظ النصوص
والقسم الثاني كمالك والشافعي والاوزاعي واسحق والامام أحمد بن حنبل والبخاري وابي داود ومحمد بن نصر المروزي وامثالهم ممن جمع الاستنباط والفقه إلى الرواية فهاتان الطائفتان هما اسعد الخلق بما بعث الله تعالى به رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم الذين قبلوه ورفعوا به راسا
واما الطائفة الثالثة وهم اشقى الخلق الذين لم يقبلوا هدي الله ولم يرفعوا به راسا فلا حفظ ولا فهم ولا رواية ولا دراية ولا رعاية
فالطبقة الاولى اهل رواية ودراية
والطبقة الثانية اهل رواية ورعاية ولهم نصيب من الدراية بل حفظهم من الرواية اوفر
والطبقة الثالثة الاشقياء لا رواية ولا دراية ولا رعاية ) إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ( فهم الذين يضيقون الديار ويغلون الاسعار ان همة احدهم الا بطنه وفرجه فان ترقت همته كان همه مع ذلك لباسه وزينته فإن ترقت همته فوق ذلك كان همه في الرياسة والانتصار للنفس الغضبية فان ارتفعت همته عن نصرة النفس الغضبية كان همه في نصرة النفس الكلبية فلم يعطها إلى نصرة النفس السبعية فلم يعطها أحد من هؤلاء فان النفوس كلبية وسبعية وملكية
فالكلبية تقنع بالعظم والكسرة والجيفة والقذرة والسبعية لا تقنع بذلك بل تقهر النفوس تريد الاستيلاء عليها بالحق والباطل واما الملكية فقد ارتفعت عن ذلك وشمرت إلى الرفيق الاعلى فهمتها العلم والايمان ومحبة الله
(1/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
تعالى والانابة اليه وايثار محبته ومرضاته وانما تاخذ من الدنيا ما تاخذ لتستعين به على الاصول إلى فاطرها وربها ووليها لالتنقطع به عنه
ثم ضرب سبحانه وتعالى مثلا ثانيا وهو المثل الناري فقال ) ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ( وهذا كالحديد والنحاس والفضة والذهب وغيرها فانها تدخل الكير لتمحص وتخلص من الخبث فيخرج خبثها فيرمي به ويطرح ويبقى خالصها فهو الذي ينفع الناس
ولم ضرب الله سبحانه وتعالى هذين المثلين ذكر حكم من استجاب له ورفع بهداه راسا وحكم من لم يستجب له ولم يرفع بهداه راسا فقال الذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو ان لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به اولئك لهم سوء الحساب وماواهم جهنم وبئس المهاد والمقصود ان الله تعالى جعل الحياة حيث النور والموت حيث الظلمة فحياة الوجودين الروحي والجسمي بالنور وهو مادة الحياة كما انه مادة الاضاءة فلا حياة بدونه كما لا اضاءة بدونه وكما به حياة القلب فبه انفساحه وانشراحه وسعته كما في الترمذي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
اذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قالوا وما علامة ذلك قال
الانابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله
ونور العبد هو الذي يصعد عمله وكلمه إلى الله تعالى فان الله تعالى لا يصعد اليه من الكلم الا الطيب وهو نور ومصدر عن النور ولا من العمل الا الصالح ولا من الارواح الا الطيبة وهي ارواح المؤمنين التي استنارت بالنور الذي انزله على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) والملائكة الذين خلقوا من نور كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
خلقت الملائكة من نور وخلقت الشياطين من نار وخلق ادم مما وصف لكم فلما كانت مادة الملائكة
(1/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""


2.
ج2 الوابل الصيب من الكلم الطيب
من نور كانوا هم الذين يعرجون إلى ربهم تبارك وتعالى وكذلك ارواح المؤمنين هي التي تعرج إلى ربها وقت قبض الملائكة لها فيفتح لها باب السماء الدنيا ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة إلى ان ينتهي بها إلى السماء السابعة فتوقف بين يدي الله عز وجل ثم يامر ان يكتب كتابه في اهل عليين فلما كانت هذه الروح روحا زاكية طيبة نيرة مشرقة صعدت إلى الله عز وجل مع الملائكة واما الروح المظلمة الخبيثة الكدرة فانها لا تفتح لها ابواب السماء ولا تصعد إلى الله تعالى بل ترد من السماء الدنيا إلى عالمها ومحتدها لانها ارضية سفلية والاولي علوية سمائية فرجعت كل روح إلى عنصرها وما هي منه وهذا منه مبين في حديث البراء بن عازب الطويل الذي رواه الامام أحمد وابو عوانه الاسفرائيني في صحيحه والحاكم وغيرهم وهو حديث صحيح
والمقصود ان الله عز وجل لا يصعد اليه من الاعمال والاقوال والارواح الا ما كان منها نورا اقربهم اليه واكرمهم عليه وفي المسند من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
ان الله تعالى خلق خلقه في ظلمة والقى عليهم من نوره فمن اصاب من ذلك النور اهتدى ومن اخطاه ضل فلذلك اقوال
جف القلم على علم الله تعالى وهذا الحديث العظيم اصل من اصول الايمان وينفتح به باب عظيم من ابواب سر القدر وحكمته والله تعالى الموفق
وهذا النور الذي القاه عليهم سبحانه وتعالى هو الذي احياهم وهداهم فاصابت الفطرة منه حظها ولكن لما لم يستقل بتمامه وكماله أكمله لهم واتمه بالروح الذي القاه على رسله عليهم الصلاة والسلام والنور الذي اوحاه اليهم فادركته الفطرة بذلك النور السابق الذي حصل لها يوم القاء النور فانصاف نور الوحي والنبوة إلى نور الفطرة نور على نور فاشرقت منه القلوب واستنارت به الوجوه وحييت به الارواح واذعنت به الجوارح للطاعات طوعا
(1/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
واختيارا فازدادت به القلوب الصفات العليا الذي يضمحل فيه كل نور سواه فشاهدته ببصائر الايمان مشاهدة نسبتها إلى القلب نسبة المرئيات إلى العين ذلك لاستيلاء اليقين عليها وانكشاف حقائق الايمان لها حتى كانها تنظر إلى عرش الرحمن تبارك وتعالى بارزا والى استوائه عليه كما اخبر به سبحانه وتعالى في كتابه وكما اخبر به عنه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) يدبر امر الممالك ويامر وينهى ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويقضي وينفذ ويعز ويذل ويقلب الليل والنهار ويداول الايام بين الناس ويقلب الدول فيذهب بدولة وياتي باخرى والرسل من الملائكة عليهم الصلاة والسلام بين صاعد اليه بالامر ونازل من عنده به واوامره ومراسيمه متعاقبة على تعاقب الايات نافذه بحسب ارادته فما شاء كما شاء في الوقت الذي يشاء على الوجه الذي يشاء من غير زيادة ولا نقصان ولا تقدم ولا تاخر وامره وسلطانه نافد في السموات واقطارها وفي الا رض وما عليها وما تحتها وفي البحار والجو وفي سائر اجزاء العالم وذراته يقبلها ويصرفها ويحدث فيها ما شاء وقد احاط بكل شئ علما واحصى كل شئ عددا ووسع كل شئ رحمة وحكمة ووسع سمعه الاصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على كثرة حاجاتها لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بالحاح ذوي الحاجات واحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية يعلم السر واخفى من السر فالسر ما انطوى عليه ضمير العبد وخطر بقلبه ولم تتحرك به شفتاه واخفى منه ما لم يخطر بعد فيعلم انه سيخطر بقلبه كذا وكذا في وقت كذا وكذا له الخلق والامر وله الملك والحمد وله الدنيا
(1/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
والاخرة وله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن له الملك كله وله الحمد كله وبيده الخير كله واليه يرجع الامر كله شملت قدرته كل شئ ووسعت رحمته كل شئ وسعت نعمته إلى كل حي
يساله من في السموات والأرض كل يوم هو في شان يغفر ذنبا ويفرج هما ويكشف كربا ويجبر كسيرا ويغني فقيرا ويعلم جاهلا ويهدي ضالا ويرشد حيران ويغيث لهفان ويفك عانيا ويشبع جائعا ويكسو عاريا ويشفي مريضا ويعافى مبتل ويقبل تائبا ويجزي محسنا وينصر مظلوما ويقصم جبارا ويقيل عثرة ويستر عورة ويؤمن من روعة ويرفع اقواما ويضع اخرين لا ينام ولاينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع اليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلفه ويمينه ملاى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار ارايتم ما انفق منذ خلق الخلق فانه لم يغض ما في يمينه
قلوب العباد وتواصيهم بيده وازمة الامور معقودة بقضائه وقدره الأرض جميعا يوم القيامة والسموات مطوبات بيمينه يقبض سمواته كلها بيده الكريمة والأرض باليد الاخرى ثم يهزهن ثم يقول انا الملك انا
(1/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
الملك انا الذي بدات الدنيا ولم تكن شيئا وانا الذي أعيدها كما بدأتها لا يتعاظمه ذنب ان يغفره ولاحاجة يسالها ان يعطيها لو ان اهل سمواته واهل ارضه واول خلقه واخرهم وانسهم وجنهم كانوا على اتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئا ولو ان اول خلقه واخرهم وانسهم وجنهم كانوا على افجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئا ولو ان اهل سمواته واهل ارضه وانسهم و جنهم وحيهم وميتهم ورطبهم ويابسهم قاموا في صعيد واحد فسالوه فاعطي كلا منهم ما ساله ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة ولو ان اشجار الأرض كلها من حين وجدت إلى ان تنقضي الدنيا اقلام والبحر وراءه سبعة ابحرتمده من بعده مداد فكتب بتلك الاقلام وذلك المداد لفنيت الاقلام ونفذ المداد ولم تنفذ كلمات الخالق تبارك وتعالى وكيف تفنى كلماته عز وجل جلاله وهي لا بداية لها ولا نهاية والمخلوق له بداية ونهاية فهو احق بالفناء والنفاد وكيف يفنى المخلوق غير المخلوق
هو الاول الذي ليس قبله شئ والاخر الذي ليس بعده شئ والظاهر الذي ليس دونه شئ والباطن الذي ليس دونه شئ تبارك وتعالى احق من ذكر واحق من عبد واحق من حمد واولى من شكر وانصر من ابتغى وارأف من ملك واجود من سئل و اعفى من قدر واكرم من قصد واعدل من انتقم حلمه بعد علمه وعفوه بعد قدرته ومغفرته عن عزته ومنعه عن حكمته و موالاته عن احسانه ورحمته
ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا سعي لديه ضائع
ان عذبوا فبعدله أو نعموا
فبفضله وهو الكريم الواسع
وهو الملك لاشريك له والفرد فلا ندله والغني فلا ظهير له والصمد فلا ولد له ولا صاحبة والعلي فلا شبيه له ولا سمي له كل شئ
(1/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
هالك الا وجهه وكل ملك زائل الا ملكه وكل ظل قالص الا ظله وكل فضل منقطع الا فضله لن يطاع الا باذنه ورحمته ولن يعصي الابعلمه الا بعلمه وحكمته يطاع فيشكر ويعصى فيتجاوز ويغفر كل نقمة منه عدل وكل نعمة منه فضل اقرب شهيد وادنى حفيظ حال دون النفوس واخذ بالنواصي وسجل الاثار وكتب الاجال فالقلوب له مفضية والسر عنده علانية والغيب عنده شهاده عطاؤه كلام وعذابه كلام ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (
فاذا اشرقت على القلب انوار هذه الصفات اضمحل عندها كل نور ووراء هذا ما لا يخطر بالبال ولا تناله عبارة والمقصود ان الذكر ينور القلب والوجه والاعضاء وهو نور العبد في دنياه وفي البرزخ وفي القيامة وعلى حسب نور الايمان في قلب العبد تخرج اعماله واقوله ولها نور وبرهان حتى ان المؤمن من يكون نور اعماله اذا صعدت إلى الله تبارك وتعالى كنور الشمس وهكذا نور روحه اذا قدم بها على الله عز وجل وهكذا يكون نور وجهه في القيامة والله تعالى المستعان وعليه الاتكال تكلمة فوائد الذكر
السابعة والثلاثون ان الذكر راس الاصول وطريق عامة الطائفة ومنشور الولاية فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل فليتطهر وليدخل على ربه عز وجل يجد عنده كل ما يريد فان وجد ربه عز وجل وجد كل شئ وان فاته ربه عز وجل فاته كل شئ
الثامنة والثلاثون في القلب خلة وفاقة لا يسدها شئ البته الا ذكر الله عز وجل فإذا صار شعار القلب بحيث يكون هو الذاكر بطريق الاصالة
(1/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
واللسان تبع له فهذا هو الذكر الذي يسد الخله ويفني الفاقة فيكون صاحبه غنيا بلا مال عزيزا بلا عشيرة مهيبا بلا سلطان فإذا كان غافلا عن ذكر الله عز وجل فهو بضد ذلك فقير مع كثرة جدته ذليل مع سلطانه حقير مع كثرة عشيرته
التاسعة والثلاثون ان الذكر يجمع المتفرق و يفرق المجتمع ويقرب البعيد ويبعد القريب فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وارادته وهمومه وعزومه والعذاب كل العذاب في تفرقتها وتشتتها عليه وانفراطها له والحياة والنعيم في اجتماع قلبه وهمه وعزمه وارادته ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم والاحزان والحسرات على فوت حظوظه ومطالبه ويفرق أيضا ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه واوزاره حتى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحل ويفرق ايضا ما اجتمع على حربه من جند الشيطان فان ابليس لا يزال يبعث له سرية وكلما كان اقوى طلبا لله سبحانه وتعالى وامثل تعلقا به وارادة له كانت السرية اكثف واكثر واعظم شوكة بحسب ما عند العبد من مواد الخير والارادة ولا سبيل إلى تفريق هذا الجمع الا بدوام الذكر
واما تقريبه البعيد فانه يقرب اليه الاخرة التي يبعدها منه الشيطان والامل فلا يزال يلهج بالذكر حتى كانه قد دخلها وحضرها فحينئذ تصغر في عينه الدنيا وتعظم في قلبه الاخرة ويبعد القريب اليه وهي الدنيا التي هي ادنى اليه من الاخرة فان الاخرة متى قربت من قلبه بعدت منه الدنيا كلما قربت منه هذه مرحلة بعدت منه هذه مرحلة ولا سبيل إلى هذا الا بدوام الذكر
الاربعون ان الذكر ينبه القلب من نومه ويوقظه من سنته والقلب اذا كان نائما فاتته الارباح والمتاجر وكان الغالب عليه الخسران فادا استيقظ وعلم ما فاته في نومته شد المئزر واحيا بقية عمره واستدرك ما فاته ولا تحصل يقظته الا بالذكر فان الغفلة نوم ثقيل
الحادية والاربعون ان الذكر شجرة تثمر المعارف والاحوال التي شمر اليها السالكون فلا سبيل إلى نيل ثمارها الا من شجرة الذكر وكلما عظمت
(1/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
تلك الشجرة ورسخ اصلها كان اعظم لثمرتها فالذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد وهو اصل كل مقام وقاعدته التي ينبني ذلك المقام عليها كما يبنى الحائط على رأسه وكما يقوم السقف على حائطه وذلك ان العبد إذا لم يستيقظ لم يمكنه قطع منازل السير ولا يستيقظ الا بالذكر كما تقدم فالغفلة نوم القلب أو موته
الثانية والاربعون ان الذاكر قريب من مذكوره ومذكوره معه وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والاحاطة العامة فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتوفيق كقوله تعالى ) إن الله مع الذين اتقوا ( ) والله مع الصابرين ( ) وإن الله لمع المحسنين ( ) لا تحزن إن الله معنا ( وللذاكر من هذه المعية نصيب وافر كما في الحديث الالهي
انا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه وفي اثر اخر
اهل ذكري اهل مجالستي وهل شكري اهل زيارتي واهل طاعتي اهل كرامتي واهل معصيتي لا اقنطهم من رحمتي ان تابوا فانا حبيبهم فاني احب التوابين واحب المتطهرين وان لم يتوبوا فانا طبيبهم ابتليهم بالمصائب لاطهرهم من المعايب
والمعية الحاصلة للذاكر معية لا يشبهها شئ وهي اخص من المعية الحاصلة للمحسن والمتقي وهي معية لا تدركها العبارة ولا تنالها الصفة وانما تعلم بالذوق وهي مزلة اقدام ان لم يصحب العبد فيها تمييز بين القديم والمحدث بين الرب والعبد بين الخالق والمخلوق بين العابد والمعبود والا وقع في حلول يضاهي به النصارى أو اتحاد يضاهي به القائلين بوحدة الوجود وان وجود الرب عين وجود هذه الوجودات بل ليس عندهم رب
(1/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
وعبد ولا خلق وحق بل الرب هو العبد والعبد هو الرب والخلق المشبه هو الحق المنزه تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا والمقصود انه ان لم يكن مع العبد عقيدة صحيحة والا فاذا استولى عليه سلطان الذكر وغاب بمذكوره عن ذكره و عن نفسه ولج باب الحلول والاتحاد ولا بد
الثالثة والاربعون ان الذكر يعدل عتق الرقاب ونفقة الاموال والحمل على الخيل فى سبيل الله عز وجل ويعدل الضرب بالسيف فى سبيل الله عز وجل وقد تقدم ان من قال فى يوم مائة مرة لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه حتى يمسى الحديث
وذكر ابن أبي الدنيا عن الاعمش عن سالم بن أبي الجعد قال قيل لابي الدرداء ان رجلا اعتق مائة نسمة قال ان مائة نسمة من مال رجل كثير وافضل من ذلك وافضل ايمان ملزوم بالليل والنهار ان لا يزال لسان احدكم رطبا من ذكر الله عز وجل وقال ابن مسعود لان اسبح الله تعالى تسبيحات احب إلى من ان انفق عددهن دنانير فى سبيل الله عز وجل وجلس عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود فقال عبد الله سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر احب إلى من ان انفق عددهن دنانير فى سبيل الله عز وجل فقال عبد الله بن عمرو لان اجد فى طريق فاقولهن احب إلي من احمل عددهن على الخيل فى سبيل الله عز وجل وقد تقدم حديث ابى الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها فى درجاتكم وخير لكم من انفاق الورق والذهب وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا
(1/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى يارسول الله قال
اذكروا الله رواه ابن ماجه والترمذي وقال الحاكم صحيح الإسناد
الرابعة والاربعون ان الذكر راس الشكر فما شكر الله تعالى من لم يذكره وذكر البيهقي عن زيد بن اسلم ان موسى عليه السلام قال رب قد انعمت علي كثيرا فدلني على ان اشكرك كثيرا قال اذكرني كثيرا فاذا ذكرتني كثيرا فقد شكرتني كثيرا واذا نسيتني فقد كفرتني وقد ذكر البيهقي ايضا في شعب الايمان عن عبد الله بن سلام قال قال موسى عليه السلام يارب مالشكر الذي ينبغي لك فاوحى الله تعالى اليه ان لا يزال لسانك رطبا من ذكري قال يارب اني اكون على حال اجلك ان اذكرك فيها قال وما هي اكون جنبا أو على الغائط أو اذا بلت فقال وان كان قال يارب فما اقول قال تقول سبحانك وبحمدك وجنبني الاذى وسبحانك وبحمدك فقني الاذى
قلت قالت عائشة كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يذكر الله تعالى على كل احيانه ولم تستثن حالة من حالة وهذا يدل على انه كان يذكر ربه تعالى في حال طهارته وجنابته واما في حال التخلي فلم يكن يشاهده أحد يحكي عنه ولكن شرع لامته من الاذكار قبل التخلي وبعده مايدل على مزيد الاعتناء بالذكر وانه لا يخل به عند قضاء الحاجة وبعدها وكذلك شرع للامة من الذكر عند الجماع ان يقول احدهم بسم الله اللهم جنبنا الشيطان ما رزقتنا واما عند نفس قضاء الحاجة وجماع الاهل فلا ريب انه لا يكره بالقلب لانه لابد لقلبه من ذكر ولا يمكنه صرف قلبه عن ذكر من هو احب شئ اليه فلو كلف القلب نسيانه لكان تكليفه بالمحال كما قال القائل
(1/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل
فأما الذكر باللسان على هذه الحالة فليس مما شرع لنا ولا ندبنا اليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا نقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم وقال عبد الله بن أبي الهذيل ان الله تعالى ليحب ان يذكر في السوق ويحب ان يذكر على كل حال الا على الخلاء
ويكفي في هذه الحال استشعار الحياء والمراقبة والنعمة عليه في هذه الحالة وهي من اجل الذكر فذكر كل حال بحسب ما يليق بها واللائق بهذه الحال التقنع بثوب الحياء من الله تعالى واجلاله وذكر نعمته عليه واحسانه اليه في اخراج هذا العدو المؤذي له لو بقي فيه لقتله فالنعمة في تيسير خروجه كالنعمة في التغذي به وكان علي بن أبي طالب اذا خرج من الخلاء مسح بطنه وقال يالها نعمة لو يعلم الناس قدرها وكان بعض السلف يقول الحمد لله الذي اذاقني لذته وابقى في منفعة واذهب عني مضرته وكذلك ذكره حال الجماع ذكر هذه النعمة التي من بها عليه وهي اجل نعم الدنيا فاذا ذكر نعمة الله تعالى عليه بها هاج من قلبه هائج الشكر فالذكر راس الشكر وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لمعاذ والله يامعاذ اني لاحبك فلا تنس ان تقول دبر كل صلاة اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فجمع بين الذكر والشكر كما جمع سبحانه وتعالى بينهما في قوله تعالى ) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ( فالذكر والشكر جماع السعادة والفلاح
الخامسة والاربعون ان اكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطبا بذكره فانه اتقاه في امره ونهيه وجعل ذكره شعاره فالتقوى اوجبت له دخول الجنة والنجاة من النار وهذا هو الثواب والاجر والذكر يوجب له القرب من الله عز وجل والزلفى لديه وهذه هي المنزلة
وعمال الاخرة على قسمين منهم من يعمل على الاجر والثواب ومنهم
(1/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
من يعمل على المنزلة والدرجة فهو ينافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله تعالى ويسابق إلى القرب منه وقد ذكر الله تعالى النوعين في سورة الحديد في قول الله تعالى ) إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم ( فهؤلاء اصحاب الاجور والثواب ثم قال ) والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ( فهؤلاء اصحاب المنزلة والقرب ثم قال والشهداء عند ربهم لهم اجرهم و نورهم فقيل هذا عطف على الخبر من الذين امنوا بالله ورسله اخبر عنهم بانهم هم الصديقون وانهم الشهداء الذين يشهدون على الامم ثم اخبر عنهم ان لهم اجرا وهو قوله تعالى ) لهم أجرهم ونورهم ( فيكون قد اخبر عنهم باربعة امور انهم صديقون وشهداء فهذه هي المرتبة والمنزلة
قيل تم الكلام عند قوله تعالى ) الصديقون ( ثم ذكر بعد ذلك حال الشهداء فقال ) والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ( فيكون قد ذكر المتصدقين اهل البر والاحسان ثم المؤمنين الذين قد رسخ الايمان في قلوبهم وامتلاوا منه فهم الصديقون وهم اهل العلم والعمل والاولون اهل البر والاحسان ولكن هؤلاء اكمل صديقية منهم ثم ذكر الشهداء وانه تعالى يجري عليهم رزقهم ونورهم لانهم لما بذلوا انفسهم لله تعالى اثابهم الله تعالى عليها ان جعلهم احياء عنده يرزقون فيجري عليهم رزقهم ونورهم فهؤلاء السعداء
ثم ذكر الاشقياء فقال ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( والمقصود انه سبحانه وتعالى ذكر اصحاب الاجور والمراتب وهذان الامران هما اللذان وعدهما فرعون السحرة ان غلبوا موسى عليه الصلاة والسلام فقالوا ان لنا لاجرا ان كنا الغا لبين قال نعم وانكم لمن المقربين أي اجمع لكم بين الاجر والمنزلة عندي والقرب مني فالعمال عملوا على الاجور والعارفون عملوا على المراتب والمنزلة والزلفى عند الله
(1/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
واعمال هؤلاء القلبية اكثر من اعمال اولئك واعمال اولئك البدنية قد تكون اكثر من اعمال هؤلاء وذكر البيهقي عن محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى قال قال موسى عليه السلام يا رب أي خلقك اكرم عليك قال الذي لايزال لسانه رطبا بذكري قال يارب فاي خلقك اعلم الذي يلتمس إلى عمله علم غيره قال يارب أي خلقك اعدل قال الذي يقضي على نفسه كما يقضي على الناس قال يارب أي خلقك اعظم ذنبا قال الذي يتهمني قال يارب وهل يتهمك أحد قال الذي يستخبرني ولا يرضى بقضائي وذكر ايضا عن ابن عباس قال لما وقد موسى عليه السلام إلى طور سيناء قال يارب أي عبادك احب اليك قال الذي يذكرني ولا ينساني وقال كعب قال موسى عليه السلام يارب اقريب انت فاناجيك أم بعيد فاناديك فقال تعالى ياموسى انا جليس من ذكرني قال اني اكون على حال اجلك عنها قال ما هي ياموسى قال عند الغائط والجنابة قال اذكرني على كل حال وقال عبيد بن عمير تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمن خير له من جبال الدنيا تجري معه ذهبا وقال الحسن اذا كان يوم القيامة نادى مناد سيعلم اهل الجمع من اولى بالكرم اين الذين كانت ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ( قال فيقومون فيتخطون رقاب الناس قال ثم ينادى مناد سيعلم اهل الجع من اولى بالكرم اين الذي كانت ) لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( قال فيقومون فيتخطون من رقاب الناس قال ثم ينادي مناد سيعلم اهل الجمع من اولى بالكرم اين الحمادون لله على كل حال قال فيقومون وهم كثير ثم يكون التنعيم والحساب فيمن بقي واتى رجل مسلم الخولاني فقال له اوصني يا أبا مسلم قال اذكر الله تعالى تحت كل شجرة ومدرة فقال زدني فقال اذكر الله تعالى حتى يحسبك الناس من ذكر
(1/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
الله تعالى مجنونا قال وكان أبو مسلم يكثر ذكر الله تعالى فراه رجل وهو يذكر الله تعالى فقال امجنون صاحبكم هذا فسمعه أبو مسلم فقال ليس هذا بالجنون ياابن اخي ولكن هذا ذو الجنون
السادسة والاربعون ان في القلب قسوة لا يذيبها الا ذكر الله تعالى فينبغي للعبد ان يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى وذكر حماد بن زيد عن المعلى ابن زياد ان رجلا قال للحسن يا أبا سعيد اشكو اليك قسوة قلب قال اذبه بالذكر وهذا لان القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فاذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار فلما اذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل
السابعة والاربعون ان الذكر شفاء القلب ودواؤه والغفلة مرضه فالقلوب مريضة وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى قال مكحول ذكر الله تعالى شفاء وذكر الناس داء وذكر البيهقي عن مكحول مرفوعا و مرسلا ذكرته شفاها وعافاها فاذا غفلت عنه انتكست كما قيل
اذا مرضنا تداوينا بذكركم فتترك الذكر احيانا فننتكس
الثامنة والاربعون ان الذكر اصل موالاة الله عز وجل وراسها والغفلة اصل معاداته وراسها فان العبد لا يزال يذكر ربه عز وجل حتى يحبه فيواليه ولايزال يغفل عنه حتى يبغضه فيعاديه قال الاوزاعي قال حسان ابن عطية ما عادى عبد ربه بشئ اشد عليه من ان يكره ذكره أو من يذكره فهذه المعاداة سببها الغفلة ولا تزال بالعبد حتى يكره ذكر الله ويكره من ذكره فحينئذ يتخذه عدوا كما اتخذه الذاكر وليا
التاسعة والاربعون انه ما استجلبت نعم الله عز وجل واستدفعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى فالذكر جلاب للنعم دافع للنقم قال سبحانه وتعالى
(1/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
ان الله يدفع عن الذين امنوا وفي القراءة الاخرى ) إن الله يدافع ( فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة ايمانهم و كماله ومادة الايمان وقوته بذكر الله تعالى فمن كان اكمل ايمانا وأكثر ذكرا كان دفع الله عنه ودفاعه اعظم و من نقص نقص ذكرا بذكر ونسيانا بنسيان وقال سبحانه وتعالى ) وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ( والذكر راس الشكر كما تقدم والشكر جلاب النعم وموجب للمزيد قال بعض السلف رحمة الله عليهم ما اقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن ذكرك
الخمسون ان الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد افلح كل الفلاح وفاز كل الفوز قال سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا و سبحوه بكرة واصيلا هو الذي يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما فهذة الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته انما هى سبب الاخراج لهم من الظلمات إلى النور واذا حصلت لهم الصلاة من الله تبارك وتعالى وملائكته واخرجوهم من الظلمات إلى النور فاى خير لم يحصل لهم واي شر لم يندفع عنهم فيا حسرة الغافلين عن ربهم ماذا حرموا من خيره وفضلهوبالله التوفيق
الحادية والخمسون ان من شاء الله ان يسكن رياض الجنة فى الدنيا وغيره من حديث جابر بن عبد الله قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا ايها الناس ارتعوا فى رياض الجنة قلنا يا رسول الله وما رياض الجنة قال مجالس الذكر ثم قال اغدوا وروحوا واذكروا فمن كان يجب ان يعلم منزلته عند الله تعالى فلينظر كيف منزلة الله تعالى عنده فان الله تعالى ينزل العمل منه حيث انزله من نفسه
(1/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
الثانية والخمسون ان مجالس الذكر مجالس الملائكة فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس الا مجلس يذكر الله تعالى فيه كما أخرجا في الصحيحين من حديث الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان لله ملائكة فضلا عن كتاب الناس يطوفون في الطرق يلتمسون اهل الذكر فاذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم باجنحتهم إلى السماء الدنيا فيسالهم ربهم تعالى وهو اعلم بهم ما يقول عبادي قال يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك قال فيقول هل رأوني قال فيقولون لا والله ما رأوك قال فيقول كيف لو رأوني قال فيقولون لو رأوك كانوا اشد لك عبادة واشد لك تحميدا وتمجيدا واكثر لك تسبيحا قال فيقول ما يسالوني قال يسالونك الجنة قال يقول وهل راوها قال يقولن لا والله يارب ماراوها قال فيقول فكيف لو انهم راوها قال يقولون لو انهم راوها كانوا اشد عليها حرصا واشد لها طلبا واعظم فيها رغبة فيقول فمم يتعوذون قال يقولون من النار قال يقول وهل راوها قال يقولون لا والله يارب ماراوها قال يقول فكيف لو راوها قال يقولون لو راوها كانوا اشد منها فرارا واشد لها مخافة قال يقول فأشهدكم اني قد غفرت لهم فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم و انما جاء لحاجة قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب من قوله وجعلني مباركا اينما كنت فهكذا المؤمن مبارك اين حل والفاجر مشئوم اين حل فمجالس الذكر مجالس الملائكة ومجالس الغفلة مجالس الشياطين وكل مضاف إلى شكله واشباهه امرئ يصير إلى ما يناسبه
(1/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
الثالثة والخمسون ان الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته كما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال مااجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله تعالى قال الله ما اجلسكم الا ذاك قالو والله ما اجلسنا الا ذاك قال اما اني لم استحلفكم تهمة لكم وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اقل عنه حديثا مني وان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرج على حلقة من اصحابه فقال مااجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للاسلام ومن علينا بك قال الله مااجلسكم الاذاك قالو والله مااجلسنا الا ذاك قال اما اني لم استحلفكم تهمة لكم ولكنه اتاني جبريل فاخبرني ان الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة فهذه المباهاة من الرب تبارك وتعالى دليل على شرف الذكر عنده ومحبته له وان له مزية على غيره من الاعمال
الرابعة والخمسون ان مدمن الذكر يدخل الجنة وهويضحك لما ذكر ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاويه بن صالح عن عبد الرحمن ابن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه عن أبي الدرداء قال
الذين لا تزال السنتهم رطبة من ذكر الله عز وجل يدخل احدهم الجنة وهو يضحك
الخامسة و الخمسون ان جميع الاعمال انما شرعت اقامة لذكر الله تعالى والمقصود بها تحصيل ذكر الله تعالى قال سبحانه وتعالى اقم الصلاة لذكري قيل المصدر مضاف إلى الفاعل أي لاذكرك بها وقيل مضاف إلى المذكور أي لتذكروني بها واللام على هذا لام التعليل وقيل هي اللام الوقتية أي اقم الصلاة عند ذكري كقوله ) أقم الصلاة لدلوك الشمس ( وقوله تعالى ) ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ( وهذا المعنى يراد بالاية لكن تفسيرها به يجعل معناها فيه نظر لان هذه اللام الوقتية يليها اسماء الزمان والظروف
(1/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
والذكر مصدر الا ان يقدر زمان محذوف أي عند وقت ذكري وهذا محتمل
والأظهر انها لام التعليل أي اقم الصلاة لاجل ذكري ويلزم من هذا ان تكون اقامتها عندذكره واذا ذكرالعبد ربه فذكر الله تعالى سابق على ذكره فانه لما ذكره الهمه ذكره فالمعاني الثلاثة حق
وقال سبحانه وتعالى ) اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ( فقيل المعنى انكم في الصلاة تذكرون الله وهو من ذكره ولذكره الله تعالى اياكم اكبر من ذكركم اياه وهذا يروي عن ابن عباس وسلمان وابي الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهم وذكر ابن أبي الدنيا عن فضيل بن مرزوق عن عطية ) ولذكر الله أكبر ( قال وهو قوله تعالى ) فاذكروني أذكركم ( فذكر الله تعالى لكم اكبر من ذكركم اياه
وقال ابن زيد وقادة معناه ولذكر الله اكبر من كل شئ وقيل لسلمان أي الاعمال افضل اما تقرأ القران ولذكر الله تعالى ويشهد لهذا حديث أبي الدرداء المتقدم
ألا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وخير لكم من انفاق الذهب والورق الحديث
وكان شيخ الإسلام أبو العباس قدس الله روحه يقول الصحيح ان معنى الاية ان الصلاة فيها مقصودان عظيمان واحدهما اعظم من الاخر فانها تنهي عن الفحشاء والمنكر وهي مشتملة على ذكر الله تعالى ولما فيها من ذكر الله اعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر وذكر ابن أبي الدنيا عن ابن عباس انه سئل أي العمل افضل قال ذكر الله اكبر وفي السنن عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
انما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لاقامة ذكر الله تعالى رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح
(1/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
السادسة والخمسون ان افضل اهل كل عمل اكثرهم فيه ذكرا لله عز وجل فافضل الصوام اكثرهم ذكرا لله عز وجل في صومهم وافضل المتصدقين اكثرهم ذكرا لله عز وجل وافصل الحاج اكثرهم ذكرا لله عز وجل وهكذا سائر الاحوال وقد ذكر ابن أبي الدنيا حديثا مرسلا في ذلك ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سئل أي اهل المسجد خير قال اكثرهم ذكرا لله عز وجل قيل أي الجنازة خير قال أكثرهم ذكرا لله عز وجل قيل فأي المجاهدين خير قال أكثرهم ذكرا لله عز وجل قيل فأي الحجاج خير قال أكثرهم ذكرا لله عز وجل قيل وأي العباد خير قال أكثرهم ذكرا لله عز وجل قال أبو بكر ذهب الذاكرون بالخير كله وقال عبيد بن عمير ان اعظمكم هذا الليل أن تكابدوه وبخلتم على المال ان تنفقوه وجبتم عن العدو ان تقاتلوه فاكثروا من ذكر الله عز وجل
السابعة والخمسون ان ادامته تنوب عن التطوعات وتقوم مقامها سواء كانت بدنية أو مالية كحج التطوع وقد جاء ذلك صريحا في حديث أبي هريرة ان فقراء المهاجرين اتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يارسول الله ذهب اهل الدثور بالدرجات العلي والنعيم والمقيم يصلون كما يصومون كما نصوم ولهم فضل اموالهم يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون فقال الا اعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا أحد يكون افضل منكم الا من صنع مثل ما صنعتم قالوا بلى يارسول الله قال
تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة الحديث متفق عليه فجعل الذكر عوضا لهم عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد واخبر انهم يسبقونهم بهذا الذكر فلما سمع اهل الدثور بذلك عملوا به فازدادوا إلى صدقاتهم وعبادتهم بمالهم التعبد بهذا الذكر فحازوا الفضيلتين فنفسهم الفقراء واخبروا رسول
(1/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
الله ( صلى الله عليه وسلم ) بانهم قد شاركوهم في ذلك وانفردوا عنهم بما لا قدرة لهم عليه فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
وفي حديث عبدالله بن بسر قال جاء اعرابي فقال يارسول الله كثرث علي خلال الإسلام وشرائعه فاخبرني بأمر جامع يكفيني قال عليك بذكر الله تعالى قال ويكفيني يارسول الله قال نعم ويفضل عنك فدله الناصح ( صلى الله عليه وسلم ) على شئ يبعثه على شرائع الإسلام والحرص عليها والاستكثار منها فانه اذا اتخذ ذكر الله تعالى شعاره احبه واحب ما يحب فلا شئ احب من التقرب بشرائع الإسلام فدله ( صلى الله عليه وسلم ) على ما يتمكن به من شرائع الإسلام وتسهل به عليه وهو ذكر الله عز وجل يوضحه
الثامنة والخمسون ان ذكر الله عز وجل من اكبر العون على طاعته فانه يحببها إلى العبد ويسهلها عليه ويلذذها له ويجعل قرة عينه فيها ونعيمه وسروره بها بحيث لا يجد لها من الكلفة والمشقة والثقل ما يجد الغافل والتجربة شاهدة بذلك يوضحه
التاسعة والخمسون ان ذكر الله عز وجل يسهل الصعب وييسر العسير ويخفف المشاق فما ذكر الله عز وجل على صعب الا هان ولا على عسير الا تيسر ولا مشقة الا خفت ولا شدة الا زالت ولا كربه الا انفرجت فذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر والفرج بعد الغم والهم يوضحه
الستون ان ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها وله تاثير عجيب في حصول الامن فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه انفع من ذكر الله عز وجل اذ بحسب ذكره يجد الامن ويزول خوفه حتى كان المخاوف التي يجدها امان له والغافل خائف مع امنه حتى كان ما هو فيه من الامن كله
(1/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
مخاوف ومن له ادنى حس قد جرب هذا وهذا والله المستعان
الحادية والستون ان الذكر يعطي الذاكر قوة حتى انه ليفعل مع الذكر مالم يظن فعله بدونه وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه واقدامه وكتابة امرا عجيبا فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعه واكثر وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب امرا عظيما وقد علم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ابنته فاطمة وعليا رضي الله عنهما ان يسبحا كل ليلة اذا اخذوا مضاجعهما ثلاثا وثلاثين ويحمدا ثلاثا وثلاثين ويكبرا اربعا وثلاثين لما سالته الخادم وشكت اليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة فعلمها ذلك وقال انه خير لكما من خادم فقيل ان من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنيه عن خادم
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يذكر اثرا في هذا الباب ويقول ان الملائكة لما امروا بحمل العرش قالو ياربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك فقال قولوا لا حول ولا قوة الا بالله فلما قالوا حملوه حتى رايت ابن أبي الدنيا قد ذكر هذا الاثر بعينه عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح قال حدثنا مشيختنا انه بلغهم ان اول ماخلق الله عز
(1/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
وجل حين كان عرشه على الماء حملة العرش قالوا ربنا لم خلقتنا قال خلقتكم لحمل عرشي قالوا ربنا ومن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك قال لذلك خلقتكم فاعادوا عليه ذلك مرارا فقال لهم قولوا لا حول ولا قوة الا بالله فحملوه
وهذه الكلمة لها تاثير عجيب في معاناة الاشغال الصعبة وتحمل المشاق والدخول على الملوك ومن يخاف وركوب الاهوال ولها ايضا تاثير في دفع الفقر كما
روى ابن أبي الدنيا عن الليث بن معاوية بن صالح عن اسد ابن وداعة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قال لاحول ولا قوة الا بالله مائة مرة في كل يوم لم يصبه فقرا ابدا وكان حبيب بن سلمه يستحب اذا لقي عدوا أو ناهض حصنا قال لاحول ولا قوة الا بالله وانه ناهض يوما حصنا للروم فانهزم فقالها المسلمون وكبروا فانهدم الحصن
الثانية والستون ان عمال الاخرة كلهم في مضمار السباق والذاكرون هم اسبقهم في ذلك المضمار ولكن القترة والغبار يمنع من رؤية سبقهم فاذا انجلى الغبار وانكشف راهم الناس وقد حازوا قصب السبق قال الوليد بن مسلم قال محمد بن عجلان سمعت عمر ومولى غفرة يقول اذا انكشف الغطاء للناس يوم القيامة عن ثواب اعمالهم لم يروا عملا افضل ثوابا من الذكر فيتحسر عند ذلك اقوام فيقولون ما كان شئ ايسر علينا من الذكر وقال أبو هريرة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سيروا سبق المفردون قال الذين اهتروا في ذكر الله تعالى يضع الذكر عنهم اوزارهم اهتروا بالشئ وفيه اولعوا به ولزموه وجعلوه دأبهم وفي بعض الفاظ الحديث المستهترون بذكر الله ومعناه الذين اولعوا به يقال استهتر فلان بكذا اذا ولع به
وفيه تفسير اخر ان اهتروا في ذكر الله أي كبروا وهلك اقرانهم وهم في ذكر الله تعالى يقال اهتر الرجل فهو مهتر اذا سقط في كلامه من الكبر والهتر السقط من الكلام كانه بقي في ذكر الله تعالى حتى خرف وانكر عقله
(1/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
والهتر الباطل ايضا ورجل مستهتر اذا كان كثير الاباطيل وفي حديث ابن عمر اعوذ بالله ان اكون من المستهترين وحقيقة اللفظ ان الاستهتار الاكثار من الشيء والولوع به حقا كان اوباطلا وغلب استعماله على المبطل حتى اذا قيل فلان مستهتر لا يفهم منه الا الباطل وانما اذا قيد بشيء تقيد به نحو مستهتر وقد اهتر فى ذكر الله تعالى أي اولع به وأغرى به ويقال استهتر فيه وبه وتفسير هذا فى الاثر الاخر اكثروا ذكر الله تعالى حتى يقال مجنون
الثالثة والستون ان الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده فانه اخبر عن الله تعالى باوصاف كماله و نعوت جلاله فاذا اخبر بها العبد صدقه ربه ومن صدقه الله تعالى لم يحشر مع الكاذبين ورجى له ان يحشر مع الصادقين
وروي أبو إسحاق عن الاغر ابى مسلم انه شهد على ابى هريرة وابى سعيد الخدرى رضى الله عنهما انهما شهدا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال اذا قال العبد لا اله الا الله و الله اكبر قال بقول الله تبارك وتعالى صدق عبدى لا اله الا انا وانا اكبر واذا قال لا اله الا الله وحده قال صدق عبدى لا اله الا انا وحدى واذا قال لا اله الا الله لا شريك له قال صدق عبدى لا اله الا انا لا شريك لى واذا قال لا اله الا الله له الملك وله الحمد قال صدق عبدى لا اله الا انا لى الملك ولى الحمد واذا قال لا اله الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله قال صدق عبدى لا اله الا انا ولا حول ولا قوة الا بى قال أبو إسحاق ثم قال فى الاخر شيئا لم افهمه قلت لابي جعفر ما قال قال من رزقهن عند موته لم تمسه النار
(1/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
الرابعة والستون ان دور الجنة تبنى بالذكر فاذا امسك الذاكر عن الذكر امسكت الملائكة عن البناء ذكر ابن أبي الدنيا في كتابه عن حكيم بن محمد الاخنسي قال بلغني ان دور الجنة تبنى بالذكر فاذا امسك عن الذكر امسكوا عن البناء فيقال لهم فيقولون حتى تاتينا نفقة
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم سبع مرات بني له برج في الجنة وكما ان بناءها بالذكر فغراس بساتينها بالذكر كما تقدم في حديث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن إبراهيم الخليل عليه السلام ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غرسها سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فالذكر غراسها وبناؤها
وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال اكثروا من غراس الجنة قالوا يارسول الله وما غراسها قال ما شاء الله لا حول ولا قوة الا بالله
الخامسة والستون ان الذكر سد بين العبد وبين جهنم فاذا كانت له إلى جهنم طريق من عمل من الاعمال كان الذكر سدا في تلك الطريق فاذا كان ذكرا دائما كاملا كان سدا محكما لا منفذ فيه والا فبحسبه قال قال عبد العزيز بن أبي رواد كان رجل بالبادية قد اتخذ مسجدا فجعل في قلبه سبعة احجار كان اذا قضى صلاته قال يااحجار اشهدكم انه لا اله الا الله قال فمرض الرجل فعرج بروحه قال فرايت في منامي انه امر بي إلى النار قال فرايت حجرا من تلك الاحجار اعرفه قد عظم فسد عني بابا من ابواب جهنم ثم إلى الباب الاخر واذا حجر من تلك الاحجار اعرفه قد عظم فسد عني بابا من ابواب جهنم حتى سدت عني بقية الاحجار ابواب جهنم
السادسة والستون ان الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب كما روى حسين المعلم عن عبدالله بن بريدة عن عامر الشعبي عن عبد الله بن
(1/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
عمرو بن العاص قال اجد في كتاب الله المنزل أن العبد اذا قال الحمد لله قالت الملائكة رب العالمين واذا قال الحمد لله رب العالمين قالت الملائكة اللهم اغفر لعبدك واذا قال سبحان الله قالت الملائكة اللهم اغفر لعبدك واذا قال لا اله الا الله قالت الملائكة اللهم اغفر لعبدك
السابعة والستون ان الجبال والقفار تتباهى وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها قال ابن مسعود ان الجبل لينادي باسمه امر بك اليوم أحد يذكر الله عز وجل فاذا قال نعم استبشر وقال عون بن عبد الله ان البقاع لينادي بعضها بعضا يا جارتاه امر بك اليوم أحد يذكر الله فقائلة نعم وقائلة لا فقال الاعمش عن مجاهد ان الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله عز وجل فمن قائل لا ومن قائل نعم
الثامنة والستون ان كثرة ذكر الله عز وجل امان من النفاق فان المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل قال الله عز وجل في المنافقين ولا يذكرون الله الا قليلا وقال كعب من اكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق ولهذا والله اعلم ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى ياايها الذين امنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يقول ذلك فاولئك هم الخاسرون فان في ذلك تحذيرا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق وسئل بعض الصحابة رضي الله عنهم عن الخوارج منافقون هم قال لا المنافقون لا يذكرون الله الا قليلا فهذا من علامة النفاق قلة ذكر الله عز وجل وكثرة ذكره امان من النفاق والله عز وجل اكرم من ان يبتلي قلبا ذاكرا بالنفاق وانما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل
التاسعة والستون ان للذكر من بين الاعمال لذة لا يشبهها شئ فلو لم يكن للعبد من ثوابه الا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفي به ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة قال مالك بن دينار وما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل فليس شئ من الاعمال اخف مؤنة منه
(1/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
ولا اعظم لذة ولا اكثر فرحة وابتهاجا للقلب
السبعون انه يكسو الوجه نضرة في الدنيا ونورا في الاخرة فالذاكرون انضر الناس وجوها في الدنيا وانورهم في الاخرة ومن المراسيل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قال كل يوم مائة مرة لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شئ قدير اتى الله تعالى يوم القيامة ووجهه اشد بياضا من القمر ليلة البدر
الحادية والسبعون ان في دوام الذكر في الطريق والبيت والحضر والسفر والبقاع تكثيرا لشهود العبد يوم القيامة فان البقعة والدار والجبل والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة قال تعالى اذا زلزلت الأرض زلزالها واخرجت الأرض اثقالها وقال الانسان مالها يومئذ تحدث اخبارها بان ربك اوحى لها
فروى الترمذي في جامعه من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قرا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الاية ) يومئذ تحدث أخبارها ( اتدرون ما اخبارها قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على كل عبد أو امة بما عمل على ظهرها تقول عمل يوم كذا كذا وكذا قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح والذاكر لله عز وجل في سائر البقاع مكثر شهوده ولعلهم أو اكثر هم ان يقبلوه يوم القيامة يوم قيام الاشهاد واداء الشهادات فيفرح ويغتبط بشهادتهم
الثانية والسبعون ان في الاشتغال بالذكراشتغ الا عن الكلام الباطل من الغيبة واللغو ومدح الناس وذمهم وغير ذلك فان اللسان لا يسكت البتة فاما لسان ذاكر واما لسان لاغ ولا بد من أحدهما فهي النفس ان لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل وهو القلب ان لم تسكنه محبة الله عز وجل سكنه محبة المخلوقين ولا بد وهو اللسان ان لم تشغله بالذكر شغلك باللغو وما هو عليك ولا بد فاختر لنفسك احدى الخطتين وانزلها في احدى المنزلتين
الثالثة والسبعون وهي التي بدانا بذكرها واشرنا اليها اشارة فنذكرها هاهنا مبسوطة لعظيم الفائدة بها وحاجة كل أحد بل ضرورته اليها وهي ان
(1/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
الشياطين قد احتوشت العبد وهم اعداؤه فما ظنك برجل قد احتوشه اعداؤه المحنقون عليه غيظا واحاطوا به وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والاذى ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه الا بذكر الله عز وجل وفي هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم ان يحفظه فنذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق اليه وهو حديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة بن جندب قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوما وكنا في صفه بالمدينة فقام علينا فقال اني رايت البارحة عجبا رايت رجلا من امتي اتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه ورايت رجلا من امتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فاستنقده من ذلك ورايت رجلا من امتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه ورايت رجلا من امتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من ايديهم ورايت رجلا من امتي يلهب وفي رواية يلهث عطشا كلما دنا من حوض منع وطرد فجاءه صيام شهر رمضان فاسقاه وارواه ورايت رجلا من امتي ورايت النبيين جلوسا حلقا حلقا كلما دنا إلى حلقة طرد فجاءه غسله من الجنابة فاخده بيده فاقعده إلى جنبي ورايت رجلا من امتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها فجاءه حجة وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وادخلاه في النور ورايت رجلا من امتي يتقي بيده وهج النار وشرره فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على راسه ورايت رجلا من امتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمة فقالت يامعشر المسلمين انه كان وصولا لرحمة فكلموه فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم ورايت رجلا من امتي قد احتوشته الزبانية فجاءه امره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ايديهم وادخله في ملائكة الرحمة ورايت رجلا من امتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله عز وجل حجاب فجاءه حسن خلقه فاخذه بيده فادخله على الله عز وجل ورايت رجلا من امتي قد
(1/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
ذهبت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فاخذه صحيفته فوضعها في يمينه ورايت رجلا من امتي خف ميزانه فجاءه افراطه ورايت رجلا من امتي قائما على شفير جهنم فجاءه في الله عز وجل فاستنقده من ذلك ومضى ورايت رجلا من امتي قد هوى في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك ورايت رجلا من امتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكن رعدته ومضى ورايت رجلا من امتي يزحف على الصراط ويحبو احيانا فجاءته صلاته علي فاقامته وانقذته ورايت رجلا من امتي انتهى إلى ابواب الجنة فغلقت الابواب دونه فجاءته شهادة ان لااله الا الله ففتحت له الابواب وادخلته الجنة رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الترغيب في الخصال المنجية والترهيب من الخلال المردية وبنى كتابه عليه وجعله شرحا له وقال هذا حديث حسن جدا رواه عن سعيد بن المسيب عمرو بن ازر وعلي بن زيد بن جدعان وهلال أبو جبلة وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شان هذا الحديث وبلغني عنه انه كان يقول شواهد الصحة عليه والمقصود منه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ورايت رجلا من امتي حتوشته الشياطين ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه فهذا مطابق لحديث الحارث الاشعري الذي شرحناه في هذه الرسالة وقوله فيه وامركم بذكر الله عز وجل وان مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو فانطلقوا في طلبه سراعا وانطلق حتى اتى حصنا حصينا فاحرز نفسه فيه فكذلك الشيطان لا يحرز العباد انفسهم منه الا بذكر الله عز وجل وفي الترمذي عن انس بن مالك قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قال يعني اذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله يقال له كفيت وهديت ووقيت وتنحى عنه الشيطان فيقول
(1/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
لشيطان اخر كيف لك برجل قد هدى وكفى ووقى رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن
وقد تقدم قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من قال في يوم مائة مرة لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير كانت له حرزا من الشيطان حتى يمسي
وذكر سفيان عن أبي الزبير عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال اذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله قال هديت واذا قال توكلت على الله قال الملك كفيت واذا قال لاحول ولا قوة الا بالله قال الملك حفظت فيقول الشياطين بعضهم لبعض ارجعوا ليس لكم عليه سبيل كيف لكم بمن كفى وهدي وحفظ
وقال أبو خلاد المصري من دخل في الإسلام دخل في حصن ومن دخل المسجد فقد دخل في حصنين ومن جلس في حلقة يذكر الله عز وجل فيها فقد دخل في بيته حصونا وقد روى الحافظ أبو موسى في كتابه من حديث أبي عمران الجوني عن انس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال اذا وضع العبد جنبه على فراشه فقال بسم الله وقرا فاتحة الكتاب امن من شر الجن والانس ومن كل شئ
وفي صحيح البخاري عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال ولاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زكاة رمضان ان احتفظ بها فاتاني ات فجعل يحثو من الطعام فاخذته فقال دعني فاني لا اعود فذكر الحديث وقال فقال له في الثالثة اعلمك كلمات ينفعك الله بهن اذا اويت إلى فراشك فاقرا آية الكرسي من اولها إلى اخرها فانه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخلى سبيله فاصبح فاخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله فقال صدقك وهو كذوب وذكر الحافظ أبو موسى من حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا اوى الانسان إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك اختم بخير ويقول الشيطان وبات يكلأه فاذا استيقظ ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك افتح بخير ويقول الشيطان افتح بشر فان قال الحمد لله الذي احيا نفسي بعد موتها ولم يمتها في منامها الحمد لله الذي يمسك التي قضي عليها الاخرى إلى اجل مسمى الحمد لله الذي يمسك السموات
(1/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من أحد من بعده الحمد لله الذي يمسك السماء ان تقع على الأرض الا باذنه طرد الملك الشيطان وظل يكلأه
وفي الصحيحين من حديث
سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اما ان احدكم اذا اتى اهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فيولد فيولد بينهما ولد لايضره الشيطان ابدا وذكر الحافظ أبو موسى عن الحسن بن علي قال انا ضامن لمن قرا هذه العشرين الاية ان يعصمه الله تعالى من كل شيطان ظالم ومن كل شيطان مريد ومن كل سبع ضار ومن كل لص عاد آية الكرسي وثلاث آيات من الاعراف ان ربكم الله الذي خلق السموات والأرض وعشرا من الصافات وثلاث آيات من الرحمن ) يا معشر الجن والإنس ( وخاتمة سورة الحشر ) لو أنزلنا هذا ( وقال محمد بن ابان بينما رجل يصلي في المسجد اذا هو بشئ إلى جنبه فجفل منه فقال ليس عليك مني باس انما جئتك في الله تعالى ائت عروة فسله مالذي يتعوذه يعني من ابليس الاباليس قال قل امنت بالله العظيم وحده وكفرت بالجبت والطاغوت واعتصمت بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله سميع عليم حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراءه الله منتهى
وقال بشر بن منصور عن وهيب ابن الورد قال خرج رجل إلى الجبانة بعد ساعة من الليل قال فسمعت حسا أو صوتا شديدا وجئ بسرير حتى وضع وجاء شئ حتى جلس عليه قال واجتمعت اليه جنوده ثم صرخ فقال من لي بعروة بن الزبير فلم يجبه أحد حتى تتابع ماشاء الله عز وجل من الاصوات فقال واحد انا اكفيكه قال فتوجه نحو المدينة وانا ناظر ثم اوشك الرجعة فقال لاسبيل إلى عروة وقال ويلكم وجدته يقول كلمات اذا اصبح واذا امسى فلا نخلص اليه معهن قال الرجل فلما اصبحت قلت لاهلي جهزوني فاتيت المدنية فسالت عنه حتى دللت عليه فاذا بشيخ كبير فقلت شيئا تقوله اذا اصبحت واذا امسيت فابى ان يخبرني فاخبرته بما رايت وما سمعت فقال ماادري غير اني اقول اذا
(1/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
اصبحت امنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم واذا اصبحت قلت ثلاث مرات واذا امسيت قلت ثلاث مرات وذكر أبو موسى عن مسلم البطين قال قال جبريل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان عفريتا من الجن يكيدك فاذا اويت إلى فراشك فقل اعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ من الأرض ومايخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل والنهار والا طارقا يطرق بخير يا رحمن
وقد ثبت في الصحيح ان الشيطان يهرب من الاذان قال سهل بن أبي صالح ارسلني أبي إلى بني حارثه ومعي غلام أو صاحب لنا فنادى مناد من حائط باسمه فاشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لابي فقال لو شعرت انك تلقي هذا لم ارسلك ولكن اذا سمعت صوتا فنادي بالصلاة فاني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال ان الشيطان اذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص وفي رواية اذا سمع النداء ولى وله ضراط حتى لا يسمع التاذين الحديث
وذكر الحافظ أبو موسى من حديث أبي بكر الصديق قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استكثروا من لا اله الا الله والاستغفار فان الشيطان قال قد اهلكتهم بالذنوب واهلكوني بقول لا اله الا الله والاستغفار فلما رايت ذلك منهم اهلكتهم بالاهواء حتى يحسبون مهتدون فلا يستغفرون
وذكر ايضا عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمه قال بينا رجل مسافر اذ مر برجل نائم وراى عنده شياطين فسمع المسافر أحد الشياطين يقول لصاحبه اذهب فافسد على هذا النائم قلبه فلما دنا منه رجع إلى صاحبه فقال لقد نام على آية مالنا اليه سبيل فذهب إلى النائم فلما دنا منه رجع قال صدقت فذهب ثم ان المسافر ايقظه واخبره بما راى من الشياطين فقال اخبرني على أي آية نمت قال على هذه الاية ان ربكم الذي خلق السموات والأرض في ستة ايام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين
(1/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
وقال أبو النضر هاشم بن القاسم كنت ارى في داري فقيل ياابا النضر تحول عن جوارنا قال فاشتد علي فكتبت إلى الكوفة إلى ابن ادريس والمحاربي وابي اسامة فكتب الي المحاربي ان بئرا بالمدينة كان يقطع رشاؤها فنزل بهم ركب فشكوا ذلك اليهم فدعوا بدلو من ماء ثم تكلموا بهذا الكلام فصبوه في البئر فخرجت نار من البئر فطفئت على راس البئر قال أبو النضر فاخذت تورا من ماء ثم تكلمت فيه بهذا الكلام ثم تتبعت به زوايا الدار فرششته فصاحوا بي احرقتنا نحن نتحول عنك وهو بسم الله امسينا بالله الذي ليس منه شئ ممتنع وبعزة الله التي لا ترام ولا تضام وبسلطان الله المنيع نحتجب وباسمائه الحسنى كلها عائذ من الابالسة ومن شر شياطين الانس والجن ومن شر معلن أو مسر ومن شر مايخرج بالليل ويكمن بالنهار ويكمن بالليل ويخرج بالنهار ومن شر ماخلق وذرأ وبرأ ومن شر ابليس وجنوده ومن شر كل دابة انت اخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم اعوذ بالله بما استعاذ به موسى وعيسى وابراهيم الذي وفى من شر ماخلق وذرأ وبرأ ومن شر ابليس وجنوده ومن شر ما يبغي اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ان الهكم لواحد رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق انا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأالاعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واضب الا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب
فهذا بعض ما يتعلق بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لذلك العبد يحرز نفسه من الشيطان بذكر الله تعالى ولنذكر فصولا نافعة تتعلق بالذكر تكميلا للفائدة
(1/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
الفصل الأول الذكر نوعان أحدهما ذكر اسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته والثناء عليه بهما وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى
وهذا ايضا نوعان
احدهما انشاء الثناء عليه بها من الذاكر وهذا النوع هو المذكور في الاحاديث نحو سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر وسبحان الله وبحمده ولا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ونحو ذلك فافضل هذا النوع اجمعه للثناء واعمه نحو سبحان الله عدد خلقه فهذا افضل من مجرد سبحان الله وقولك الحمد لله عدد ما خلق في السماء وعدد ما خلق في الأرض وعدد ما بينهما وعدد ما هو خالق افضل من مجرد قولك الحمد لله وهذا في حديث جويرية ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لها لقد قلت بعدك اربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضاء نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته رواه مسلم
وفي الترمذي وسنن أبي داود عن سعد بن أبي وقاص انه دخل مع رسول الله على امراة بين يديها نوى أو حصى تسبح بها فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ماخلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ماهو خالق والله اكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا اله الا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة الا بالله مثل ذلك
الثاني الخبر عن الرب تعالى باحكام اسمائه وصفاته نحو قولك الله عز وجل يسمع اصوات عباده ويرى حركاتهم ولا تخفي عليه خافية من اعمالهم وهو ارحم بهم من ابائهم وامهاتهم وهو على كل شئ قدير وهو افرح بتوبة عبده من الفاقد راحلته ونحو ذلك وافضل هذا النوع الثناء
(1/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
عليه بما اثنى به على نفسه وبما اثنى به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل وهذا النوع ايضا ثلاثة انواع حمد وثناء ومجد فالحمدلله الاخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضاء به فلا يكون المحب الساكت حامدا ولا المثني بلا محبة حامدا حتى تجتمع له المحبة والثناء فان كرر المحامد شيئا بعد الشئ كانت ثناء فان كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجددا وقد جمع الله تعالى لعبده الانواع الثلاثة في اول الفاتحة فإذا قال العبد ) الحمد لله رب العالمين ( قال الله حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال اثنى علي عبدي واذا قال ) مالك يوم الدين ( قال مجدني عبدي
النوع الثاني من الذكر ذكر امره ونهيه واحكامه وهو ايضا نوعان أحدهما ذكره بذلك اخبارا عنه امر بكذا ونهى عنه كذا واحب كذا وسخط كذا ورضى كذا
والثاني ذكره عند امره فيبادر اليه وعند نهيه فيهرب منه فذكر امره ونهيه شئ وذكره عند امره ونهيه شئ اخر فاذا اجتمعت هذه الانواع
(1/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
للذاكر فذكره افضل الذكر واجله واعظمه
فائدة فهذا الذكر من الفقه الاكبر وما دونه أفضل الذكر اذا صحت فيه النية
ومن ذكره سبحانه وتعالى ذكر الائه وانعامه واحسانه واياديه ومواقع فضله على عبيده وهذا ايضا من اجل انواع الذكر
فهذه خمسة انواع وهي تكون بالقلب واللسان تارة وذلك افضل الذكر وبالقلب وحده تارة وهي الدرجة الثانية وباللسان وحده تارة وهي الدرجة الثالثة فافضل الذكر ما تواطا عليه القلب واللسان وانما كان ذكر القلب وحده افضل من ذكر اللسان وحده لان ذكر القلب يثمر المعرفة ويهيج المحبة ويثير الحياء ويبعث على المخافة ويدعو إلى المراقبة ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا منها فثمرة ضعيفة
الفصل الثاني الذكر أفضل من الدعاء
الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل اوصافه والائه واسمائه والدعاء سؤال العبد حاجته فاين هذا من هذا
ولهذا جاء في الحديث من شغله ذكري عن مسالتي اعطيته افضل ما اعطي السائلين ولهذا كان المستحب في الدعاء ان يبدا الداعي بحمد الله تعالى والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسال حاجته كما في حديث فضالة بن عبيد ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله تعالى ولم يصلي على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره اذا صلى احدكم فليبدا بتمجيد ربه عز وجل والثناء عليه ثم يصلي على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم يدعو بعد بما شاء رواه الامام أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه الحاكم في صحيحه وهكذا دعاء ذي النون عليه السلام قال فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعوة اخي ذي النون ما دعا بها مكروب الا فرج الله كربته لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
(1/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
وفي الترمذي دعوة اخي ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت ) لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ( فانه لم يدع بها مسلم قط الا استجاب له
وهكذا عامة الادعية النبوية على قائلها افضل الصلاة والسلام ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) في دعاء الكرب لا اله الا الله العظيم الحليم لا اله الا الله رب العرش العظيم لااله الا رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ومنه حديث بريدة الاسلمي الذي رواه اهل السنن وابن حبان في صحيحه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سمع رجلا يدعو وهو يقول اللهم اني اسالك باني اشهد انك انت الله لا اله الا انت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال والدي نفسي بيده لقد سال الله باسمه الاعظم الذي دعي به اجاب واذا سئل به اعطى وروى أبو داود والنسائي من حديث انس انه كان مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جالسا ورجل يصلي ثم دعا اللهم اني اسالك بان لك الحمد ولا اله الا انت المنان بديع السموات والأرض ياذا الجلال والاكرام يا حي ياقيوم فقال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقد دعا الله باسمه الاعظم الذي دعي به اجاب وإذا سئل به اعطى فاخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان الدعاء يستجاب اذا تقدمه هذا الثناء والذكر وانه اسم الله الاعظم فكان ذكر الله عز وجل والثناء عليه انجح ما طلب به العبد حوائجه
وهذه فائدة اخرى من فوائد الذكر والثناء انه يجعل الدعاء مستجابا فالدعاء الذي تقدمه الذكر والثناء افضل واقرب إلى الاجابة من الدعاء المجرد فان انضاف إلى ذلك اخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان ابلغ في الاجابة وافضل فانه يكون قد توسل المدعو بصفات كماله واحسانه وفضله
(1/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
وعرض بل صرح بشدة حاجته وضرورته وفقره ومسكنته فهذا المقتضى منه واوصاف المسؤول مقتضى من الله فاجتمع المقتضي من السائل والمقتضي من المسؤول في الدعاء وكان ابلغ وألطف موقعا واتم معرفة وعبودية
وانت ترى في المشاهد ولله المثل الاعلى ان الرجل اذا توسل إلى ما يريد معروفة بكرمة وجوده وبره وذكر حاجته هو وفقره ومسكنته كان اعطف لقلب المسؤول واقرب لقضاء حاجته فاذا قال له انت جودك قد سارت به الركبان وفضلك كالشمس لاتنكر ونحو ذلك وقد بلغت بي الحاجة والضرورة مبلغا لا صبر معه ونحو ذلك كان ابلغ في قضاء حاجته من ان يقول ابتداء اعطني كذا وكذا فاذا عرفت هذا فتامل قول موسى ( صلى الله عليه وسلم ) في دعائه ) رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ( وقول ذي النون ( صلى الله عليه وسلم ) في دعائه لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين وقول ابينا ادم ( صلى الله عليه وسلم ) ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين وفي الصحيحين ان أبا بكر الصديق قال يارسول الله علمني دعاء ادعو به في صلاتي فقال قل اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا وانه لا يغفر الذنوب الا انت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك انت الغفور الرحيم فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحالة والتوسل إلى ربه عز وجل بفضله وجوده وانه المنفرد بغفران الذنوب ثم سال حاجته بعد التوسل بالامرين معا فهكذا ادب الدعاء واداب العبودية
الفصل الثالث قراءة القرءان أفضل من الذكر والذكر أفضل من الدعاء
هذا من حيث النظر لكل منهما مجردا وقد يعرض للمفضول ما يجعله اولى من الفاضل بل يعينه فلا يجوز ان يعدل عنه إلى الفاضل وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود فانه افضل من قراءة القران فيهما بل القراءة فيهما منهي عنها
(1/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
تحريم أو كراهة وكذلك التسميع والتحميد في محلهما افضل من القراءة وكذلك التشهد وكذلك رب اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني بين السجدتين افضل من القراءة وكذلك الذكر عقيب السلام من الصلاة ذكر التهليل والتسبيح والتكبير والتحميد افضل من الاشتغال عنه بالقراءة وكذلك اجابة المؤذن والقول كما يقول افضل من القراءة
وان كان فضل القران على كل كلام كفضل الله تعالى على خلقه لكن لكل مقام مقال متى فات مقاله فيه وعدل عنه إلى غيره اختلت الحكمة وفقدت المصلحة المطلوبة منه
وهكذا الاذكار المقيدة بمحال مخصوصة افضل من القراءة المطلقة والقراءة المطلقة افضل من الاذكار المطلقة اللهم الا ان يعرض للعبد مايجعل الذكر أو الدعاء انفع له من قراءة القران مثاله ان يتفكر في ذنوبه فيحدث ذلك له توبة من استغفار أو يعرض له ما يخاف اذاه من شياطين الانس والجن فيعدل إلى الاذكار والدعوات التي تحصنه وتحطه وكذلك ايضا قد يعرض للعبد حاجة ضرورية اذا اشتغل عن سؤالها أو ذكر لم يحضر قلبه فيهما واذا اقبل على سؤالها والدعاء اليها اجتمع قلبه كله على الله تعالى واحدث له تضرعا وخشوعا وابتهالا فهذا يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه انفع وان كان كل من القراءة والذكر افضل واعظم اجرا
وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس وفرقان بين فضيلة الشئ في نفسه وبين فضيلته العارضة فيعطي موضع وللرجل موضع وللماء موضع وللحم موضع وحفظ المراتب هو من تمام الحكمة التي هي نظام الامر والنهي والله تعالى الموفق
(1/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
وهكذا الصابون والاشنان انفع للثوب في وقت والتجمير وماء الورد وكيه انفع له في وقت وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يوما سئل بعض اهل العلم ايما انفع للعبد التسبيح أو الاستغفار فقال اذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد انفع له وان كان دنسا فالصابون والماء الحار انفع له فقال لي رحمه الله تعالى فكيف والثياب لا تزال دنسة ومن هذا الباب ان سورة ) قل هو الله أحد ( تعدل ثلث القران ومع هذا فلا تقوم مقام آيات المواريث والطلاق والخلع والعدد ونحوها بل هذه الايات في وقتها وعند الحاجة اليها انفع من تلاوة سورة الاخلاص
ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء وهي جامعة لاجزاء العبودية على اتم الوجوه كانت افضل من كل من القراءة والدكر والدعاء بمفرده لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الاعضاء فهذا اصل نافع جدا يفتح للعبد باب معرفة مراتب الاعمال وتنزيلها منازلها لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها فيربح ابليس الفضل الذي بينهما أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها ان كان ذلك وقته فتفوته مصلحته بالكلية لظنه ان اشتغاله بالفاضل اكثر ثوابا واعظم اجرا وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الاعمال وتفاوتها ومقاصدها وفقه في اعطاء كل عمل منها حقه وتنزله في مرتبته وتفويته لما هو اهم منه أو تفويت ما هو اولى منه وافضل لامكان تداركه والعود اليه وهذا المفضول ان فات لا يمكن تداركه فالاشتغال به اولى وهذا كترك القراءة لرد السلام وتشميت العاطس وان كان القران افضل لانه يمكنه الاشتغال بهذا المفضول والعود إلى الفاضل بخلاف ما اذا اشتغل بالقراءة فاتته مصلحة رد السلام وتشميت العاطس وهكذا سائر الاعمال اذا تزاحمت والله تعالى الموفق
(1/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
فصل في الأذكار الموظفة التي لا ينبغي للعبد ان يخل بها
لشدة الحاجة اليها وعظم الانتفاع في الاجل والعاجل بها وفيه فصول
(1/125)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
صفحة فارغة
(1/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
الفصل الأول في ذكر طرفي النهار
وهما ما بين الصبح وطلوع الشمس وما بين العصر والغروب قال سبحانه وتعالى ياايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا والاصيل قال الجوهري هو الوقت بعد العصر إلى المغرب وجمعه اصل واصال واصائل كانه اصيله قال الشاعر
لعمري لانت اكرم اهله واقعد في افيائه بالاصائل ويجمع ايضا على اصلان مثل بعير وبعران ثم صغروا الجمع فقالوا اصيلان ثم ابدلوا من النون لا ما فقالوا اصيلال قال الشاعر
وقفت فيها اصيلالا اسائلها
اعيت جوابا وما بالربع من أحد وقال تعالى ) وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ( فالابكار اول النهار والعشي اخره وقال تعالى فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وهذا تفسير ما جاء في الاحاديث من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي ان المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وان محل هذه الاذكار بعد الصبح وبعد العصر
(1/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
وفي صحيح مسلم ان أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بافضل مما جاء به الا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه وفي صحيحه ايضا عن ابن مسعود قال كان نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا امسى قال امسينا وامسى الملك لله والحمد لله لا إله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رب اسالك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها واعوذ بك من شر مافي هذه الليلة وشر ما بعدها رب اعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب اعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر واذا اصبح قال ذلك ايضا اصبحنا واصبح الملك لله
وفي السنن عن عبد الله بن حبيب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قل قلت يارسول الله ما اقول قال ) قل هو الله أحد ( والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شئ قال الترمذي حديث حسن صحيح وفي الترمذي ايضا عن أبي هريرة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعلم اصحابه يقول اذا اصبح احدكم فليقل اللهم بك اصبحنا وبك امسينا وبك نحيا وبك نموت واليك النشور واذا امسى فليقل اللهم بك امسينا وبك اصبحنا وبك نحيا وبك نموت واليك المصير قال الترمذي حديث حسن صحيح
وفي صحيح البخاري عن شداد بن اوس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال سيد الاستغفار اللهم انت ربي لا اله الا انت خلقتني وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت اعوذ بك من شر ما صنعت ابوء لك بنعمتك علي وابوء بذنبي فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت من قالها حين
(1/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
يمسي فمات من ليلته دخل الجنة ومن قالها حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة
وفي الترمذي عن أبي هريرة ان أبا بكر الصديق قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مرني بشئ اقوله اذا اصبحت واذا امسيت قال قل اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شئ ومليكه اشهد ان لا اله الا انت اعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه وان نقترف سوءا على انفسنا أو نجره إلى مسلم قلة اذا اصبحت واذا امسيت واذا اخذت مضجعك قال الترمذي حديث حسن صحيح وفي الترمذي ايضا عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شئ قال الترمذي حديث حسن صحيح وفيه ايضا عن ثوبان وغيره ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قال حين يمسي واذا اصبح رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) نبيا كان حقا على الله ان يرضيه وقال حديث حسن صحيح وفي الترمذي ايضا عن انس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قال حين يصبح أو يمسي اللهم اني اصبحت اشهدك واشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك انت الله لا اله الا انت وان محمدا عبدك ورسولك اعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا اعتق الله ثلاثة ارباعه من النار ومن قالها اربعا اعتقه الله من النار
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن غنام ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من
(1/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
قال حين يصبح اللهم ما اصبح بي من نعمه أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لاشريك لك لك الحمد ولك الشكر فقد ادى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد ادى شكر ليلته وفي السنن وصحيح الحاكم عن عبدالله ابن عمر قال لم يكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح اللهم اني اسالك العافية في الدنيا والاخرة اللهم اني اسالك العفو والعافية في ديني ودنياي واهلي ومالي اللهم استر عوراتي وامن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي واعوذ بعظمتك ان اغتال من تحتي قال وكيع يعني الخسف وعن طلق بن حبيب قال جاء رجل إلى أبي الدرداء فقال ياابا الدرداء قد احترق بيتك فقال ما احترق لم يكن الله ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قالها اول النهار لم تصبه مصيبة حتى يمسي ومن قالها اخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح اللهم انت ربي لا اله الا انت عليك توكلت وانت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم اعلم ان الله على كل شئ قدير وان الله قد احاط بكل شئ علما اللهم اني اعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم
(1/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
فصل في أذكار النوم
وفي الصحيحين عن حذيفة قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا اراد ان ينام قال باسمك اللهم اموت واحيا واذا واستيقظ من منامه قال الحمد لله الذي احيانا بعد ما اماتنا واليه النشور
وفي الصحيحين ايضا عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا اوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما ) قل هو الله أحد ( ) قل أعوذ برب الفلق ( و ) قل أعوذ برب الناس ( ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدا بهما على راسه ووجهه وما اقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة انه اتاه ات يحشو من الصدقة وكان قد جعله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليها ليلة بعد ليلة فلما كان في الليلة الثالثة قال لارفعنك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال دعني اعلمك كلمات ينفعك الله بهن وكان احرص شئ على الخير فقال اذا اويت إلى فراشك فاقرا آية الكرسي ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( حتى ختمها فانه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك
(1/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
شيطان حتى تصبح فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) صدقك وهو كذوب وقد روى الامام أحمد نحو هذه القصة في مسنده انها جرت لابي الدرداء ورواها الطبراني في معجمه انها جرت لابي بن كعب
وفي الصحيحين عن أبي مسعود الانصاري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قرا بالايتين من اخر سورة البقرة كفتاه الصحيح ان معناها كفتاه من شر ما يؤذيه وقبل كفتاه من قيام الليل وليس بشئ قال علي بن أبي طالب ما كنت ارى احدا يغفل قبل ان يقرا الايات الثلاث والاواخر من سورة البقرة وفي الصحيحين عن أبي هريرة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال اذا قام احدكم عن فراشه ثم رجع اليه فلينفضه بصنفة ازاره ثلاث مرات فانه لا يدري ما خلفه عليه بعده واذا اضطجع فليقل باسمك اللهم ربي وضعت جنبي وبك ارفعه فان امسكت نفسي فارحمها وان ارسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين
وفي الصحيحين عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا استيقظ احدكم فليقل الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي واذن لي بذكره
وقد تقدم حديث علي ووصية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) له ولفاطمة رضي الله تعالى عنهما ان يسبحا اذا اخذا مضاجعهما للنوم ثلاثا وثلاثين ويحمدا ثلاثا وثلاثين ويكبرا اربعا ثلاثين وقال هو خير لكما من خادم قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه بلغنا انه من حافظ على هذه الكلمات لم ياخذه اعياء
(1/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
فيما يعانيه من شغل وغيره وفي سنن أبي داود عن حفصة أم المؤمنين ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا اراد ان يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاث مرات قال الترمذي حديث حسن وفي صحيح مسلم عن انس ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا اوى إلى فراشه قال الحمد لله الذي اطعمنا وسقانا وكفانا واوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي وفي صحيحه ايضا عن ابن عمر امر رجلا اذا اخذ مضجعه ان يقول اللهم انت خلقت نفسي وانت تتوفاها لك مماتها ومحياها وان احييتها فاحفظها وان امتها فاغفر لها اللهم اني اسالك العافية قال ابن عمر سمعتهن من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قال حين يأوي إلى فراشه استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه ثلاث مرات غفر الله ذنوبه وان كانت مثل زبد البحر وان كان عدد رمل عالج وان كانت عدد ايام الدنيا وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا اوى إلى فراشه قال اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى منزل التوراة والانجيل والفرقان اعوذ بك من شر كل ذى شر انت اخذ بناصيته انت الاول وليس قبلك شىء وانت الاخر وليس بعدك شيء وانت الظاهر فليس فوقك شيء وانت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين واغننا من الفقر وفى الصحيحين عن البراء بن عازب
(1/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
قال قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا اتيت مضجعك فتوضا وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن وقل اللهم اسلمت نفسي اليك ووجهت وجهي اليك وفوضت امري اليك والجات ظهري اليك رغبة ورهبة اليك لا ملجا ولا منجا منك الا اليك امنت بكتابك الذي انزلت وبنبيك الذي ارسلت فان مت مت على الفطرة واجعلهن اخر ما تقول
(1/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
فصل في أذكار الانتباه من النوم
روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من تعار من الليل فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير الحمد لله وسبحان الله ولا اله الا الله والله اكبر و لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له فان توضا وصلى قبلت صلاته وفي الترمذي عن أبي امامه قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول من اوى إلى فراشه طاهرا وذكر الله تعالى حتى يدركه النعاس لم ينقلب ساعة من الليل يسال الله تعالى فيها خير الا اعطاه اياه حديث حسن وفي سنن ساعة من الليل يسال الله تعالى خير الا اعطاه اياه حديث حسن وفي سنن أبي داود عن عائشة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا استيقظ من الليل قال لا اله الا انت سبحانك اللهم استغفرك لذنبي واسالك رحمتك اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد اذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك انت الوهاب
(1/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
الفصل الرابع في أذكار الفزع في النوم والفكر
روى الترمذي عن بريدة قال شكا خالد بن الوليد إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يارسول الله ما انام الليل من الارق فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا اويت إلى فراشك فقل اللهم رب السموات السبع وما اظلت ورب الارضين وما اقلت ورب الشياطين وما اضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا ان يفرط علي أحد منهم أو ان يطغى علي عز وجل ثناؤك ولا اله غيرك ولا اله الا انت
وفي الترمذي عن عبد الله بن عمرو ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعلمهم من الفزع كلمات اعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده ومن همزات الشياطين وان يحضرون وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه ومن لم يعقل كتبه وعلقه عليه
(1/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
الفصل الخامس في أذكار من راى رؤيا يكرهها أو يحبها
في الصحيحين عن أبي قتادة قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فاذا راى احدكم الشئ يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات اذا ستيقظ وليتعوذ بالله من شرها فانها لن تضره ان شاء الله قال أبو قتاده كنت ارى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الرؤيا الصالحة من الله فاذا رأى احدكم ما يحب فلا يحدث به الا من يحب واذا راى ما يكرهه فلا يحدث به وليتفل عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر ماراى فانها لا تضره
وفي صحيح مسلم عن جابر عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال اذا راى احدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاث مرات وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ويذكر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان رجلا قص عليه رؤيا فقال خيرا رايت و خيرا يكون وفي رواية خير تلقاه وشرا توقاه خيرا لنا وشرا على اعدائنا والحمد لله رب العالمين
(1/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
الفصل السادس في أذكار الخروج من المنزل
في السنن عن انس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قال يعني اذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة الا بالله يقال له كفيت ووقيت وهديت وتنحى عنه الشيطان فيقول لشيطان اخر كيف لك برجل قد هدى وكفي ووقي وفي مسند الامام أحمد بسم الله امنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله ولا حول ولا قوة الا بالله حديث حسن وفي السنن الاربع عن أم سلمة قالت ماخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بيتي الا رفع طرفه إلى السماء فقال اللهم اني اعوذ بك ان اضل أو اضل أو ازل أو ازل أو اظلم أو اظلم أو اجهل أو يجهل علي قال حديث حسن صحيح
(1/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
الفصل السابع في أذكار دخول المنزل
وفي صحيح مسلم عن جابر قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء واذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان ادركتم المبيت فاذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال ادركتم المبيت والعشاء وفي سنن أبي داود عن أبي مالك الاشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم اني اسالك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا و على ربنا توكلنا ثم ليسلم على اهله وفي الترمذي عن انس قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا بني اذا دخلت على اهلك فسلم تكن بركة عليك وعلى اهل بيتك وقال الترمذي حديث حسن صحيح
(1/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
الفصل الثامن في أذكار دخول المسجد والخروج منه
في صحيح مسلم عن أبي حميد أو أبي اسيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا دخل احدكم إلى مسجد فليسلم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وليقل اللهم افتح لي ابواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم اني اسالك من فضلك وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه إذا دخل المسجد قال اعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم فاذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم
(1/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
الفصل التاسع في أذكار الأذان
في الصحيحين عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا سمعتم الندا فقولوا مثل مايقول المؤذن وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو انه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فانه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فانها منزلة في الجنة لا تنبغي الا لعبد من عباد الله وارجوا ان اكون انا هو فمن سال لي الوسيلة حلت له الشفاعة وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا قال المؤذن الله اكبر الله اكبر فقال احدكم الله اكبر الله اكبر ثم قال اشهد ان لا اله الا الله فقال اشهد ان لااله الا الله ثم قال اشهد ان محمد رسول الله قال اشهد ان محمد رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لاحول ولا قوة الا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة الا بالله ثم قال الله اكبر الله اكبر قال الله اكبر الله اكبر ثم قال لا اله الا الله قال لا اله الا الله من قلبه دخل الجنة
وفي صحيح البخاري عن جابر ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ات محمدا الوسيلة
(1/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة
وفي سنن أبي داود عن عبدالله بن عمرو قال يا رسول الله ان المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قل كما يقولون فإذا انتهيت فقل تعطه وفي الترمذي عن انس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الدعاء لا يرد بين الاذان والاقامة قالو فماذا نقول يا رسول الله قال سلوا الله العافية في الدنيا والاخرة قال الترمذي حديث حسن صحيح وفي سنن أبي داود عن سهل بن سعد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثنتان لاتردان أو قلما تردان الدعاء عند النداء وعند الباس حين يلحم بعضهم بعضا
وفي سنن أبي داود عن أم سلمة قالت علمني رسول الله ان اقول عند المغرب اللهم هذا اقبال ليلك وادبار نهارك واصوات دعائك وحضور صلواتك فاغفر لي وفي سنن أبي داود عن بعض اصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان بلالا اخذ في الاقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اقامها الله وادامها فهذه خمس سنن في الاذان اجابته وقول رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) رسولا وسؤال الله تعالى لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) الوسيلة والفضيلة والصلاة عليه ( صلى الله عليه وسلم ) والدعاء لنفسه ماشاء وعن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله قال من قال حين يسمع المؤذن وانا اشهد ان لااله الا الله وحده لا شريك له وان محمد عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) رسولا غفر الله ذنوبه
(1/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
الفصل العاشر في أذكار الاستفتاح
وفي الصحيحين ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول في استفتاحه اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد وفي سنن أبي داود عن جبير بن مطعم انه راى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي صلاة قال الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا ثلاثا اعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخة ونفثه وهمزه قال نفثه الشعر ونفخه وهمزه الموتة
وفي السنن الاربعة عن عائشة وابي سعيد وغيرهما ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك وهو صحيح مسلم عن عمر موقوف عليه وفي صحيح مسلم عن ابن أبي طالب قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا قام للصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما انا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا من المسلمين اللهم انت الملك لا اله الا انت انت ربي وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت
(1/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا انه لا يغفر الذنوب الا انت واهدني لاحسن الاخلاق لايهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس اليك انا بك واليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك وكان اذا ركع يقول في ركوعه اللهم لك ركعت وبك امنت ولك اسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي واذا رفع راسه من الركوع يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ماشئت من شئ بعد واذا سجد يقول في سجوده اللهم لك سجدت وبك امنت ولك اسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله احسن الخالقين وكان اخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انك انت المقدم وانت المؤخر لا اله الا انت
وفي صحيح مسلم عن عائشة كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يفتح صلاته اذا قام من الليل اللهم رب جبريل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه
(1/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""



ج3 الوابل الصيب من الكلم الطيب
من الحق باذنك انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم وفي الصحيحين عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اذا قام إلى الصلاة من جوف الليل اللهم لك الحمد وانت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد انت قيام السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد انت رب السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد انت الحق ووعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد حق والساعة حق اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت واليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت انت الهي لااله الا انت
(1/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
الفصل الحادي عشر في ذكر الركوع والسجود والفصل بينهما وبين السجدتين
في السنن الأربعة عن حذيفة رضي الله تعالى عنه انه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اذا ركع سبحان ربي العظيم ثلاث مرات واذا سجد قال سبحان ربي الاعلى ثلاث مرات وفيه حديث علي رضي الله عنه وقد سبق في الفصل قبله بطوله وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكثر ان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي وفي صحيح مسلم عنها رضي الله عنها كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول في ركوعه سبوح قدوس رب الملائكة والروح وفي سنن أبي داود عن عوف بن مالك رضي الله عنه ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول في ركوعه وسجوده سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة
(1/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا رفع راسه من الركوع قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء مابينهما وملء ماشئت من شئ بعد اهل الثناء والمجد احق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وفي صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال كنا نصلي يوما وراء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلما رفع راسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل من ورائه ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف قال من المتكلم قال انا يا رسول الله قال لقد رايت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها ايهم يكتبها اول
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء وعنه رضي الله ان رسول الله كان يقول في سجوده اللهم اغفر لي بذنبي كله دقه وجله وعلانيته وسره وقالت عائشة رضي الله عنها افتقدت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذات ليلة فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد هما منصوبتان وهو يقول اللهم اني اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك روى مسلم هذه الاحاديث
وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول
(1/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وعافني وارزقني وفي السنن ايضا ان حذيفة رضي الله عنه وارضاه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي
(1/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
الفصل الثاني عشر في أدعية الصلاة بعد التشهد
في الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا فرغ احدكم من التشهد فليتعوذ بالله من اربع من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال وفيهما ايضا عن عائشة رضي الله عنها ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يدعو في الصلاة اللهم اني اعوذ بك من عذاب القبر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال واعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم اني اعوذ بك من الماثم والمغرم فقال قائل ما اكثر مانستعيذ من المغرم فقال ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ووعد فاخلف وقد تقدم في الصحيحين ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علمني دعاء ادعو به في صلاتي فقال قل اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب الا انت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني انك انت الغفور الرحيم وفي صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه في صفة صلاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد تقدم بطوله في الفصل العاشر وفي سنن أبي داود ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لرجل كيف تقول في الصلاة قال اتشهد واقول اللهم اني اسالك الجنة واعوذ بك من النار اما اني لا احسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حولها ندندن
(1/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
وفي المسنذ والسنن عن شداد بن اوس رضي الله عنه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول في صلاته اللهم اني اسالك الثباث في الامر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك واسالك قلبا سليما ولسانا صادقا واسالك من خير ما تعلم واعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم انك انت علام الغيوب وفي سنن النسائي ان عمار بن ياسر صلى صلاة ودعا بدعوات وقال سمعتهن من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احيني اذا علمت الحياة وخيرا لي وتوفني اذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم اني اسالك خشيتك في الغيب والشهادة واسالك كلمة الحق في الغضب والرضا واسالك القصد في الفقر والغنى واسالك نعيما لا ينفذ واسالك قرة عين لا تنقطع واسالك الرضا بعد القضاء واسالك برد العيش بعد الموت واسالك لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا مهتدين
(1/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
الفصل الثالث عشر في الأذكار المشروعة بعد السلام وهو أدبار السجود
وفي صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال اللهم انت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا فرغ من الصلاة قال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يهلل دبر كل صلاة حين يسلم بهؤلاء الكلمات لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا حول ولا قوة الا بالله الا اله الا الله ولا نعبد الا اياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا اله الا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وقال تمام المائة لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وفي السنن عن عبد الله بن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال خصلتان اوخلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم الا دخل الجنة هما يسير ومن يعمل بهما قليل يسبح الله في دبر كل
(1/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
صلاة عشرا ويحمده عشرا ويكبره عشرا فذلك خمسون ومائة باللسان والف وخمسماية في الميزان ويكبر اربعا وثلاثين اذا اخذ مضجعه ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبح ثلاثا وثلاثين فذلك مائة باللسان والف في الميزان قال ولقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعقدها بيده قالوا يارسول الله كيف هما يسير ومن يعمل بهما قليل قال ياتي احدكم يعني الشيطان في منامه فينومه قبل ان يقولهما وياتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل ان يقولهما و في السنن عن عقبة ابن عامر قال امرني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان اقرا بالمعوذتين دبر كل صلاة وفي النسائي الكبير عن أبي هريرة قال قال رسول الله من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة الا ان يموت يعني لم يكن بينه وبين دخول الجنة الا الموت
(1/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
الفصل الرابع عشر في ذكر التشهد
في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال علمني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) التشهد وكفى بين كفيه كما يعلمني السورة من القران التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القران وكان يقول التحيات المباركات للصلوات الطيبات لله السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وفي صحيح مسلم عن أبي موسى ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علمهم التشهد التحيات الطيبات والصلوات لله السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله وروى أبو داود عن عمر بن الخطاب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في التشهد التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله
وروى أبو داود عن سمرة بن جندب امرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا كان في وسط الصلاة أو حين انقضائها فابدأوا قبل السلام فقولوا التحيات والصلوات الملك لله ثم سلموا على اليمين ثم على قارئكم وعلى انفسكم وذكر مالك
(1/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
في الموطأ ان عمر كان يعلم الناس التشهد وهو على المنبر يقول قولوا التحيات لله الزاكيات لله الصلوات الطيبات لله السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله
فاي تشهد اتي به من هذه التشهدات اجزاءه وذهب الامام أحمد وابوحنيفة إلى تشهد ابن مسعود وذهب الشافعي إلى تشهد ابن عباس وذهب مالك إلى تشهد عمر رضي الله عنه والكل كاف يجزئ
(1/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
الفصل الخامس عشر في ذكر الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وفي الصحيحين عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على إبراهيم انك حميد مجيد وفي الصحيحين ايضا عن أبي حميد الساعدي انهم قالو يارسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى ازواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى ازواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد
وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود الانصاري قال اتانا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد امرنا الله ان نصلي عليك يارسول الله كيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى تمنينا انه لم يساله ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قولوا اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ال إبراهيم وبارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم
وذكر ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن مسعود قال اذا صليتم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاحسنوا الصلاة فانكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قال فقالوا له
(1/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وامام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك امام الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما يغبطه به الاولون اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على إبراهيم وال إبراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على إبراهيم وال إبراهيم انك حميد مجيد
(1/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
الفصل السادس عشر في الاستخارة
في صحيح البخاري عي جابر قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلمنا الاستخارة في الامر كما يعلمنا السورة من القران اذا هم احدكم بالامر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم اني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك واسالك من فضلك العظيم فانك تقدر ولا اقدر وتعلم ولا اعلم وانت علام الغيوب اللهم ان كنت تعلم ان هذا الامر ويسمى حاجته خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وان كنت تعلم ان هذا الامر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم ارضني به وفي مسند الامام أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال من سعادة ابن ادم استخارة الله ومن
(1/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
سعادة ابن ادم رضاه بما قضى الله ومن شقوة ابن ادم تركه استخارة الله ومن شقوة ابن ادم سخطه بما قضى الله
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه يقول ما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين وثبت في امره وقد قال سبحانه وتعالى ) وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله ( وقال قتاده ما تشاور قوم يبتغون وجه الله الا هدوا إلى ارشد امرهم
(1/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
الفصل السابع عشر في أذكار الكرب والغم والحزن والهم
وفي الصحيحين عن ابن عباس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول عند الكرب لااله الا الله العظيم الحليم لا اله الا رب العرش العظيم لا اله الا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم وفي الترمذي عن انس رضي الله عنه ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا حز به امر قال ياحي يا قيوم برحمتك استغيث وفيه ايضا عن أبي هريرة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا اهمه الامر رفع راسه إلى السماء فقال سبحان الله العظيم واذا اجتهد في الدعاء قال ياحي ياقيوم
وفي سنن أبي داود عن أبي بكرة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال دعوات المكروب اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين واصلح لي شاني كله لا اله الا انت وفي السنن ايضا عن اسماء بنت عميس قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الا اعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب الله الله ربي لا اشرك به شيئا وفي رواية انها تقال سبع مرات وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعوة ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت ) لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ( لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط الا استجيب له وفي رواية اني لاعلم كلمة لا يقولها مكروب الا فرج الله عنه كلمة اخي يونس عليه السلام
(1/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
وفي مسند الامام أحمد وصحيح ابن حبان عن عبدالله بن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما اصاب عبدا هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت له نفسك أو انزلته في كتابك أو علمته احدا من خلقك أو استاثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القران ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي الا اذهب الله همه وحزنه وابدله مكانه فرحا
(1/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
الفصل الثامن عشر في الاذكار الجالبة للرزق الدافعة للضيق والاذى
قال الله سبحانه وتعالى عن نبيه نوح ( صلى الله عليه وسلم ) ) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( وفي بعض المسانيد عن ابن عباس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب وذكر أبو عمر بن عبدالبر في التمهيد له حديثا مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قرا سورة الواقعة كل يوم لم تصبه فاقة ابدا
(1/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
الفصل التاسع عشر في الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطانا وغيره
في سنن أبي داود والنسائي عن أبي موسى ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا خاف قوما قال اللهم انا نجعلك في نحورهم ونعذ بك من شرورهم ويذكر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه كان يقول عند لقاء العدو اللهم أنت عضدي وانت ناصري وبك اقاتل وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) انه كان في غزوة فقال يامالك يوم الدين اياك اعبد واياك استعين قال انس فلقد رايت الرجال تصرعها الملائكة من بين يديها ومن خلفها وعن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا خفت سلطانا أو غيره فقل لااله الاالله الحليم الكريم سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العضيم لااله الاانت عز جارك وجل ثناؤك وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال حسبنا الله ونعم الوكيل إبراهيم ( صلى الله عليه وسلم ) حين القى في النار وقالها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال له الناس ) إن الناس قد جمعوا لكم (
(1/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
الفصل العشرون في الاذكار التي تطرد الشيطان
قد تقدم ان من قرا آية الكرسي عند نومه لم يقربه شيطان وان من قرا الايتين من آخر سورة البقرة كفتاه ومن قال في يوم مائة مرة لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير كانت له حرزا من الشيطان يومه كله وقد قال تعالى ) وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون ( وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزة ونفخه ونفثه وقال سبحانه وتعالى ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ( وهو الاذان يطرد الشياطين كما تقدم وعن زيد بن اسلم انه ولي معادن فذكروا كثرة الجن فامرهم ان يؤذنوا كل وقت ويكثروا من ذلك فلم يكونوا يرون بعد ذلك شيئا وفي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه انه قال يا رسول الله ان الشيطان حال بيني وبين صلاتي وبين قراءتي يلبسها علي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذاك شيطان يقال له خنزب فاذا احسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ففعلت ذلك فاذهبه الله
(1/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
عز وجل عني وامر ابن عباس رجلا وجد في نفسه شيئا من الوسوسة والشك ان يقرا هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم ومن اعظم ما يندفع به شره قراءة المعوذتين واول الصافات واخر الحشر
(1/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
الفصل الحادي والعشرون في الذكر الذي تحفظ به النعم وما يقال عند تجردها
قال الله سبحانه وتعالى في قصة الرجلين ) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ( فينبغي لمن دخل بستانه أو داره أو راى في ماله واهله ما يعجبه ان يبادر إلى هذه الكلمة فانه لا يرى فيه سوءا وعن انس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ماانعم الله على عبده نعمه في اهل ومال وولد فقال ) ما شاء الله لا قوة إلا بالله ( فيرى فيها افة دون الموت وعنه ( صلى الله عليه وسلم ) انه كان اذا راى مايسره قال الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات واذا راى ما يسوءه قال الحمد لله على كل حال
(1/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
الفصل الثاني والعشرون في الذكر عند المصيبة
قال الله تعالى ) وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( ويذكر عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليسترجع احدكم في كل شئ حتى في شسع نعله فانها من المصائب
وقالت أم سلمة سمعت رسول الله يقول ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها الا اجره الله تعالى في مصيبته واخلف له خيرا منها قالت فلما توفي أبو سلمة قلت كما امرني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاخلف الله لي خيرا منه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
وروى ايضا عنها رضي الله عنها قالت دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال ان الروح اذا قبض تبعه البصر فضج ناس من اهله فقال لا تدعوا على انفسكم الا بخير فان الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لابي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه
(1/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
الفصل الثالث والعشرون في الذكر الذي يدفع به الدين ويرجى قضاءه
في الترمذي عن علي رضي الله عنه ان مكاتبا جاءه فقال اني عجزت عن كتابتي فاعني فقال الا اعلمك كلمات علمنيهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو كان عليك مثل جبل أحد دينا الا اداه الله عنك قل اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك قال الترمذي حديث حسن
(1/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
الفصل الرابع والعشرون في الذكر الذي يرقي به من اللسعة واللدغة وغيرهما
في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ويقول ان باكما إبراهيم كان يعوذ بها اسماعيل واسحاق اعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامه ومن كل عين لامة وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رجلا من اصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رقى لديغا بفاتحة الكتاب فجعل يتفل عليه ويقرا ) الحمد لله رب العالمين ( فكانما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبه الحديث
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا اشتكى الانسان الشئ أو كانت قرحة به أو جرح قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) باصبعه هكذا ووضع سفيان بن عيينه اصبعه بالارض ثم رفعها وقال بسم الله تربة ارضنا بريقة بعضنا يشفي به سقيمنا باذن ربنا وفي الصحيحين ايضا عنها رضي الله عنها ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعوذ بعض اهله يمسح بيده اليمنى ويقول اللهم
(1/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
رب الناس اجمعين اذهب الباس واشف انت الشافي لا شفاء الا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما وفي صحيح مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه انه شكا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجعا يجده في جسده منذ اسلم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات اعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما اجد وما أحاذر
وفي السنن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من عاد مريضا لم يحضر اجله فقال عنده سبع مرات اسال الله العظيم رب العرش العظيم ان يشفيك ويعافيك الا عافاه الله تعالى وفي سنن أبي داود والنسائي عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول من اشتكى منكم اواشتكى اخ له فليقل ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك امرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا انت رب الطيبين انزل رحمتك وشفاء من شفاءك على هذا الوجع فيبرأ
(1/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
الفصل الخامس والعشرون في ذكر دخول المقابر
في صحيح مسلم عن بريدة قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلمهم اذا خرجوا من المقابر ان يقول قائلهم السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وفي سنن ابن ماجه عن عائشة انها فقدت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فاذا هو بالبقيع فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط وانا بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا اجرهم و لا تفتنا بعدهم
(1/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
الفصل السادس والعشرون في ذكر الاستسقاء
قال تعالى واستغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا عن جابر بن عبدالله قال اتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بواك فقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافقا غير ضار عاجلا غير اجل فاطبقت عليهم السماء وعن عائشة شكا الناس إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قحوط المطر فامر بمنبر فوضع له في المعلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال انكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن ابان زمانه عنكم وقد امركم الله سبحانه وتعالى ان تدعوه ووعدكم ان يستجيب لكم ثم قال الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا اله الا الله يفعل ما يريد اللهم انت الله لا اله الا انت انت الغني ونحن الفقراء انزل علينا الغيث واجعل ما انزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين ثم يرفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم اقبل على الناس فنزل فصلى ركعتين فأنشأ الله عز وجل سحابة فرعدت وبرقت ثم امطرت باذن الله تعالى فلم يات مسجده حتى سالت السيول فلما راى سرعتهم إلى السكن ضحك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى بدت نواجذه وقال اشهد ان الله على كل شئ قدير واني عبد الله ورسوله وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا استسقى قال اللهم
(1/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك واحيي بلدك الميت قال الشعبي خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقالوا ما رأيناك استسقيت فقال لقد طلبت الغيث بمحاديح السماء التي يستزلون بها المطر ثم قرأ ) استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ( ) وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى (
(1/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
الفصل السابع والعشرون في أذكار الريح اذا هاجت
قال أبو هريرة سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الريح من روح الله تعالى تاتي بالرحمة وتاتي بالعذاب فاذا رايتموه فلا تسبوها واسالوا الله من خيرها واستعيذوا بالله من شرها رواه أبو داود وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا عصفت الريح قال اللهم اني اسالك خيرها وخير ما فيها وخير ما ارسلت به واعوذ بك من شرها وشر ماارسلت به وفي سنن أبي داود عن عائشة ايضا رضي الله عنها ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا راى ناشئا في افق السماء ترك العمل وان في صلاة ثم يقول اللهم اني اعوذ بك من شرها فان مطرت قال اللهم صيبا هنيئا
(1/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
الفصل الثامن والعشرون في الذكر عند الرعد
كان عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما ادا سمع الرعد ترك الحديث فقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وعن كعب انه قال من قال ذلك ثلاثا عوفي من ذلك الرعد وفي الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا سمع صوت الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك
(1/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
الفصل التاسع والعشرون في الذكر عند نزول الغيث
في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال صلى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلاة الصبح بالحديبية في اثر سماء كانت من الليل فلما انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قال اصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي ومؤمن بالكواكب وقد قيل ان الدعاء عند نزول الغيث مستجاب وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا راى المطر قال صيبا نافعا وفي صحيح مسلم عن انس رضي الله عنه قال اصابنا ونحن مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مطر فحسر رسول الله ثوبه حتى اصابه المطر فقلنا يارسول الله لم صنعت هذا قال لانه حديث عهد بربه
(1/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
الفصل الثلاثون في الذكر والدعاء عند زيادة المطر وكثرة المياه والخوف
منها
وفي الصحيحين عن انس قال دخل رجل المسجد يوم الجمعة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائم يخطب الناس فقال يارسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يديه ثم قال اللهم اغثنا اللهم اغثنا قال انس والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من ينيان ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم امطرت فلا والله ماراينا الشمس ستا ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قائم يخطب فاستقبله قائما فقال يارسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا فرفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الاكام والظراب وبطون الاودية ومنابت الشجر قال فاقلعت وخرجنا نمشي في الشمس
(1/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
الفصل الحادي والثلاثون في الذكر عند رؤية الهلال
عن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا راى الهلال قال الله اكبر اللهم اهله علينا بالامن والايمان والسلامة والاسلام والتوفيق لما تحب وترضى ربنا وربك الله وفي سنن أبي داود عن قتادة انه بلغه ان نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا راى الهلال قال هلال خير ورشد هلال خير ورشد امنت بالله الذي خلقك ثلاث مرات ثم يقول الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا
(1/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
الفصل الثاني والثلاثون في الذكر للصائم وعند فطره
عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة لاترد دعوتهم الصائم حين يفطر والامام العادل ودعوة المظلوم رواه الترمذي وقال حديث حسن وروى ابن ماجه عن ابن أبي ملكية عن عبد الله بن عمر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ان للصائم عند فطره دعوة ما ترد قال ابن أبي ملكية سمعت عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما اذا افطر يقول اللهم اني اسالك برحمتك التي وسعت كل شئ ان تغفر لي ويذكر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه كان اذا افطر قال اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت ومن وجه اخر اللهم لك ضمنا وعلى رزقك افطرنا فتقبل منا انك انت السميع العليم
(1/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
الفصل الثالث والثلاثون في أذكار السفر
روى الطبراني عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال ماخلف أحد عند اهله افضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا وفي مسند الامام أحمد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال من اراد سفرا فليقل لمن يخلف استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وفي المسند ايضا عن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ان الله اذا استودع شيئا حفظه
وقال سالم كان ابن عمر يقول للرجل اذا اراد سفرا ادن مني اودعك كما كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يودعنا فيقول استودع الله دينك وامانتك وخواتيم عملك ومن وجه اخر كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا ودع رجلا اخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر تمام الحديث قال الترمذي حديث حسن صحيح
وقال انس رضي الله عنه جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يارسول الله اريد سفرا فزودني فقال زودك الله التقوى قال زدني قال وغفر ذنبك قال زدني قال ويسر لك الخير حيث ما كنت قال الترمذي حديث حسن وعن أبي هريرة ان رجلا قال يارسول الله اني اريد ان اسافر
(1/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
فاوصني قال عليك بتقوى الله عز وجل والتكبير على كل شرف فلما ولى الرجل قال اللهم اطوله البعد وهون عليه السفر قال الترمذي حديث حسن
(1/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
الفصل الرابع والثلاثون في ركوب الدابة والذكر عنده
قال علي بن ربيعة شهدت عليا بن أبي طالب رضي الله عنه اتى بدابه ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى على ظهرها قال الحمد لله ثم قال ) سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( ثم قال الحمد لله ثلاث مرات ثم قال الله اكبر ثلاث مرات ثم قال سبحانك اني ظلمت نفسي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب الا انت ثم ضحك فقيل ياامير المؤمنين من أي شئ ضحكت قال رايت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فعل كما فعلت ثم ضحك فقلت يارسول الله من أي شئ ضحكت فقال ان ربك سبحانه وتعالى يعجب من عبده اذا قال اغفر لي ذنوبي يعلم انه لا يغفر الذنوب غيري رواه اهل السنن وصححه الترمذي
وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال ) سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( اللهم نسالك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده انت الصاحب في السفر والخليفة في الاهل اللهم
(1/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
اني اعوذ بك من وعثاء السفر وكابة المنظر وسوء المنقلب في المال والاهل واذا رجع قالهن وزاد فيهن ايبون تائبون عابدون لربنا حامدون وفي جه اخر وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واصحابه رضي الله عنهم اذا علوا الثنايا كبروا واذا هبطوا سبحوا
(1/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
الفصل الخامس والثلاثون في ذكر الرجوع من السفر
قال عبد الله بن عمر كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا قفل من غزو أو حج أو اعتمر يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث مرات ثم يقول لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ايبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده وهزم الاحزاب وحده رواه البخاري ومسلم
(1/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
الفصل السادس والثلاثون في الذكر على الدابة اذا استصعبت
قال يونس بن عبيد ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في اذنها افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها واليه يرجعون الا وقفت باذن الله تعالى قال شيخنا قدس الله روحه وقد فعلنا ذلك فكان كذلك
(1/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
الفصل السابع والثلاثون في الدابة اذا انفلتت وما يذكر عند ذلك
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال اذا انفلتت دابة احدكم بارض فلاة فليناد ياعباد الله احبسوا فان لله عز وجل حاضرا سيحبسه
(1/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
الفصل الثامن والثلاثون في الذكر عند القرية أو البلدة اذا اراد دخولها
عن صهيب رضي الله عن ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم ير قرية يريد دخولها الا قال حين يراها اللهم رب السموات السبع وما اظللن ورب الارضين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما اضللن ورب الرياح وما ذرين اسالك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها واعوذ بك من شرها وشر ما فيها رواه النسائي
(1/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
الفصل التاسع والثلاثون في ذكر المنزل يريد نزوله
قالت خولة بنت حكيم رضي الله عنها سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول من نزل منزلا ثم قال اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره حتى يرتحل من منزله ذلك رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا سافر فاقبل الليل قال ياارض ربي وربك الله اعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما يدب عليك واعوذ بالله من اسد واسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد رواه أبو داود
(1/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
الفصل الاربعون في ذكر الطعام والشراب
قال سبحانه وتعالى ياايها الذين امنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله ان كنتم اياه تعبدون وقال عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يابني سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك متفق عليه وقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا اكل احدكم فليذكر اسم الله تعالى في اوله فان نسي ان يذكر اسم الله تعالى في اوله فليقل بسم الله اوله واخره قال الترمذي حديث حسن صحيح وقال امية بن مخشي رضي الله عنه كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جالسا ورجل ياكل فلم يسم حتى لم يبق من طعامه الا لقيمة فلما رفعها إلى فيه قال بسم الله اوله واخره فضحك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال ما زال الشيطان ياكل معه فلما ذكر اسم الله تعالى استقام ما في بطنه رواه أبو داود
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان الله ليرضي عن العبد ان ياكل الاكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها رواه مسلم في صحيحه من حديث انس رضي الله عنه وقال أبو هريرة ما عاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) طعاما قط ان
(1/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
اشتهاه اكله والا تركه متفق عليه وعن وحشي ان اناسا قالوا يا رسول الله انا ناكل ولا نشبع قال ولعلكم تفترقون قالوا نعم قال فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله تعالى يبارك لكم فيه رواه أبو داود وعن معاذ رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من اكل أو شرب فقال الحمد لله الذي اطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه قال الترمذي حديث حسن وعن أبي سعيد رضي الله عنه ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا فرغ من طعامه قال الحمد لله الذي اطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين رواه أبو داود والترمذي وذكر النسائي عن رجل خدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه كان يسمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا قرب اليه طعامه يقول بسم الله واذا فرغ من طعامه قال اللهم اطعمت وسقيت واغنيت واقنيت وهديت واجتبيت فلك الحمد على ما اعطيت وفي صحيح البخاري عن أبي امامة رضي الله عنه ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا رفع مائدته قال الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا
(1/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
الفصل الحادي والاربعون في ذكر الضيف اذا نزل بقوم
عن عبدالله بن بسر قال نزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أبي فقربنا اليه طعاما ووطبة فاكل منها ثم اتى بتمر فكان ياكله ويلقي النوى بين اصبعيه ويجمع السبابة والوسطى قال شعبة هو ظني وهو فيه ان شاء الله القاء النوى ثم اتى بشراب فشربه ثم ناوله الذي عن يمينه قال فقال أبي واخذ بلجام دابته ادع الله تعالى لنا فقال اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم رواه مسلم
وعن انس ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وبزيت فاكل ثم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) افطر عندكم الصائمون واكل طعامكم الابرار وصلت عليكم الملائكة وراه أبو داود وعن جابر قال صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) طعاما فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واصحابه فلما فرغوا قال اثيبوا اخاكم قالوا يا رسول الله وما اثابته قال ان الرجل اذا دخل بيته فاكل طعامه وشرابه فادعوا له فذلك اثابته رواه أبو داود
(1/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
الفصل الثاني والاربعون في السلام
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ان رجلا سال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرا السلام على من عرفت ومن لم تعرف متفق عليه وقال أبو هريرة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا افلا ادلكم على شئ اذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم رواه أبو داود
وقال عمار بن ياسر رضي الله عنهما ثلاث من جمعهن جمع الايمان الانصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والانفاق من الاقتار ذكره البخاري وقال عمران بن حصين جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عشر ثم جاء اخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال عشرون ثم جاء اخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه فجلس فقال ثلاثون قال الترمذي حديث حسن وعن أبي امامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان اولى الناس بالله من بدا بالسلام قال الترمذي حديث حسن وخرج
(1/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
ابو داود عن علي رضي الله عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يجزئ عن الجماعة اذا مروا ان يسلم احدهم وقال انس مر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على صبيان يلعبون فسلم عليهم حديث صحيح وقال أبو هريرة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا انتهى احدكم إلى المجلس فليسلم فاذا اراد ان يقوم فليسلم الاولى باحق من الاخرة
(1/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
الفصل الثالث والاربعون في الذكر عند العطاس
قال أبو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فاذا عطس احدكم وحمد الله كان على كل من سمعه ان يقول يرحمك الله واما التثاؤب فانما هو من الشيطان فاذا تثاءب احدكم فليرده ما استطاع فان احدكم اذا تثاءب ضحك الشيطان منه رواه البخاري وعنه ايضا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال اذا عطس احدكم فليقل الحمد لله وليقل له اخوه أو صاحبه يرحمك الله فاذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم رواه البخاري وفي لفظ أبي داود الحمد لله على كل حال وقال أبو موسى الاشعري رضي الله عنه سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اذا عطس احدكم فحمد الله فشمتوه فان لم يحمد الله فلا تشمتوه
(1/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
الفصل الرابع والاربعون في ذكر النكاح والتهنئة به وذكر الدخول بالزوجة
قال ابن مسعود علمنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطبة الحاجة الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله وفي رواية زيادة ارسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصمها فلا يضر الا نفسه ولا يضر الله شيئا ياايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون ) واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ( ياايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما رواه اهل السنن الاربعة وقال الترمذي حديث حسن وعن أبي هريرة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان اذا رفأ الانسان اذا تزوج قال بارك الله لك وبارك عليكما وجمع بينكما في
(1/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
خير قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال اذا تزوج احدكم امراة أو اشترى خادما فليقل اللهم إني اسالك خيرها وخير ما جبلتها عليه واعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه واذ اشترى بعيرا فلياخذ بذوره سنامة وليقل مثل ذلك رواه أبو داود وفي الصحيحين عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ان احدكم اذا اتى اهله قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضي بينهما ولد لم يضره الشيطان ابدا
(1/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
الفصل الخامس والأربعون في الذكر عند الولادة والذكر المتعلق بالولد
يذكر ان فاطمة رضي الله تعالى عنها لما دنا ولادها امر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أم سلمة وزينب بنت جحش ان تاتيا فتقرا عليها آية الكرسي ان ربكم الله الذي خلق السموات والأرض إلى اخر الايتين وتعوذانها بالمعوذتين وقال أبو رافع رايت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة قال الترمذي حديث حسن صحيح ويذكر عن الحسين بن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من ولد له مولود فاذن في اذنه اليمنى واقام في اذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان وقالت عائشة كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يؤتي بالصبيان فيدعو لهم بالبركة ويحنكهم رواه أبو داود وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بالصبيان ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) امر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الاذى عنه والعق قال الترمذي حديث حسن وقد سمى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ابنه إبراهيم وابراهيم أبي موسى وعبدالله بن أبي طلحة والمنذر بن اسيد قريبا من ولادتهم وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انكم تدعون يوم القيامة باسمائكم فاحسنوا اسماءكم ذكره أبو داود وذكر مسلم عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان احب اسمائكم إلى الله عز وجل عبدالله وعبدالرحمن وعن أبي وهب الجشمي
(1/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
رضي الله عنه قال قال رسول الله تسموا باسماء الأنبياء وان احب الاسماء إلى الله عز وجل عبدالله وعبدالرحمن واصدقها حارث وهمام واقبحها حرب ومرة رواه أبو داود والنسائي وغير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الاسماء المكروهه إلى اسماء حسنة فغير اسم برة إلى زينب وغير اسم حزن إلى سهل وغير اسم عاصية فسماها جميلة وغير اسم اصرم إلى زرعة وسمى حربا سلما وسمى المضطجع المنبعث وسمى ارضا يقال لها عفرة خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهدى وبنو الزينة سماهم بني الرشدة
(1/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
الفصل السادس والاربعون في صياح الديكة والنهيق والنباح
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال اذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فانها رات شيطانا واذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله فانها رات ملكا وفي سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل فتعوذا بالله منهن فانهن يرين ما لا ترون رواه أبو داود
(1/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
الفصل السابع والاربعون في الذكر يطفا به الحريق
يذكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا رايتم الحريق فكبروا فان التكبير يطفئه
(1/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
الفصل الثامن والاربعون في كفارة المجلس
عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل ان يقوم من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك الا كفر الله له ماكان في مجلسه ذلك قال الترمذي حديث حسن صحيح وفي حديث اخر انه كان في مجلس خير كان كالطابع له وان كان في مجلس تخليط كان كفارة له وفي السنن عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه الا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة وعن ابن عمر قال قلما كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقوم من مجلس حتى يدعوا بهؤلاء الكلمات لاصحابه اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مضار الدنيا اللهم امتعنا باسماعنا وابصارنا وقوتنا ما احييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا قال الترمذي حديث حسن
(1/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
الفصل التاسع والاربعون فيما يقال ويفعل عند الغضب
قال سبحانه وتعالى ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ( وقال سليمان بن صرد كنت جالسا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ورجلان يستبان أحدهما قد احمر وجهه وانتفخت اوداجه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه متفق عليه وعن عطية بن عروة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان الغضب من الشيطان وان الشيطان خلق من النار وانما تطفا النار الماء فاذا غضب احدكم فليتوضا رواه أبو داود وفي حديث اخر انه امر من غضب ان كان قائما ان يجلس وان كان جالسا ان يضطجع
(1/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
الفصل الخمسون فيما يقال عند رؤية اهل البلاء
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من راى مبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء وقال الترمذي حيث حسن
(1/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
الفصل الحادي والخمسون في الذكر عند دخول السوق
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من دخل السوق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير كتب الله له الف الف حسنة ومحا عنه الف الف سيئة ورفع له الف الف درجة رواه الترمذي وعن بريدة رضي الله عنها قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا دخل السوق قال بسم الله اللهم اني اسالك خير هذه السوق وخير ما فيها واعوذ بك من شرها وشر ما فيها اللهم اني اعوذ بك اصيب بها يمينا فاجرة اوصفقة خاسرة
(1/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
الفصل الثاني والخمسون في الرجل اذا اخدرت رجله
عن الهيثم بن حنش قال كنا عند عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فخدرت رجله فقال له رجل اذكر احب الناس اليك فذكر محمدا فكانما نشط من عقال وعن مجاهد رحمه الله قال خدرت رجل رجل عند ابن عباس رضي الله عنهما فقال اذكر احب الناس اليك فقال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فذهب خدره
(1/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
الفصل الثالث والخمسون في الدابة اذا عثرث
عن أبي المليح عن رجل قال كنت رديف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فعثرت دابته فقلت تعس الشيطان فقال لا تقل تعس الشيطان فانك اذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ولكن قل بسم الله فانك اذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب
(1/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
الفصل الرابع والخمسون في من اهدى هدية أو تصدق بصدقة فدعا له ماذا يقول
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت اهديت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شاه فقال اقتسميها وكانت عائشة رضي الله عنها اذا رجعت الخادم تقول ما قالوا تقول الخادم قالوا بارك الله فيكم تقول عائشة رضي الله عنها وفيهم بارك الله نرد عليهم مثل ما قالوا ويبقى أجرنا لنا وقد روى عنها في الصدقة مثل ذلك
(1/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
الفصل الخامس والخمسون فيمن اميط عنه اذى
عن أبي ايوب رضي الله عنه انه تناول من لحية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مسح الله عنك يا أبا ايوب ما تكره وفي لفظ اخر لا يكن بك السوء يا أبا ايوب وعن عمر رضي الله عنه انه اخذ عن رجل شيئا فقال الرجل صرف الله عنك السوء فقال عمر رضي الله عنه صرف الله عنا السوء منذ اسلمنا ولكن اذا اخذ عنك شيئا فقل اخذت يداك خيرا
(1/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
الفصل السادس والخمسون في رؤية باكورة الثمرة
قال أبو هريرة رضي الله عنه كان الناس اذا راوا الثمر جاءوا به إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا ثم يعطيه اصغر من يحضره من الولدان رواه مسلم
(1/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
الفصل السابع والخمسون في الشئ يراه ويعجبه ويخاف عليه العين
قال الله سبحانه وتعالى ) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله (
وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) العين حق ولو كان شئ سابق القدر لسبقته العين حديث صحيح ويذكر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال اذا راى احدكم ما يعجبه في نفسه أو ماله فليتبرك عليه فان العين حق ويذكر عنه ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال من راى شيئا فاعجبه فليقل ماشاء الله لا قوة الا بالله
ويذكر عنه ( صلى الله عليه وسلم ) فيمن خاف ان يصيب شيئا بعينه قال اللهم بارك لنا فيه ولا تضره وقال أبو سعيد كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتعوذ من الجان وعين الانسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا اخذ بهما وترك ما سواهما قال الترمذي حديث حسن و رواه ابن ماجه في سننه
(1/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
الفصل الثامن والخمسون في الفأل والطيرة
قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا عدوى ولا طيرة اصدقها الفال قيل وما الفال قال الكلمة الحسنة يسمعها الرجل وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعجبه الفال كما كان في سفر الهجرة فلقيهم رجل فقال ما اسمك قال بريدة قال برد امرنا وقال ( صلى الله عليه وسلم ) رايت في منامي كاني في دار عقبة بن رافع واتينا من رطب ابن طاب فاولتها الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة لنا في الاخرة وان ديننا قد طاب
واما الطيرة فقال معاوية بن الحكم قلت يارسول الله منا رجال يتطيرون قال ذلك شئ تجدونه في صدوركم فلا يصدنكم وهذه الاحاديث
(1/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
في الصحاح وعن عقبة بن عامر قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الطيرة فقال اصدقها الفال ولا ترد مسلما واذا رايتم من الطيرة شيئا تكرهونه فقولوا اللهم لاياتي بالحسنات الا انت ولا يذهب بالسيئات الا انت ولا حول ولا قوة الا بالله
(1/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
الفصل التاسع والخمسون في الحمام
يذكر عن أبي هريرة انه قال نعم البيت الحمام يدخله المسلم اذا دخله سال الله الجنة واستعاذ به من النار
(1/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
الفصل الستون في الذكر عند دخول الخلاء والخروج منه
في الصحيحين عن انس رضي الله عنه قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا دخل الخلاء قال اللهم اني اعوذ بك من الخبث والخبائث وزاد سعيد بن منصور بسم الله وفي مسند الامام أحمد عن زيد بن ارقم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان هذه الحشوش محتضرة فاذا اتى احدكم الخلاء فليقل اعوذ بالله من الخبث والخبائث وفي سنن ابن ماجه عن أبي امامة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا يعجز احدكم اذا دخل موقعه ان يقول اللهم اني اعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم
وفي الترمذي عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ستر ما بين الجن وعورات بني ادم اذا دخل الكنيف ان يقول بسم الله وقالت عائشة كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا خرج من الغائط قال غفرانك رواه الامام أحمد واهل السنن وفي سنن ابن ماجه عن انس رضي الله عنه كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي اذهب عني الاذى وعافاني
(1/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
الفصل الحادي والستون في الذكر عند ارادة الوضوء
ثبت في النسائي عنه ( صلى الله عليه وسلم ) انه وضع يده في الجفنة وقال توضأ ببسم الله وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل وفيه ياجابر ناد بوضوء فقلت الا وضوء الا وضوء وفيه فقال خذ ياجابر فصب علي وقل بسم الله فصببت عليه وقلت بسم الله فرايت الماء يفور من بين اصابع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي المسنذ والسنن من حديث سعد بن زيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه وقال البخاري هذا احسن شئ في هذا الباب
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه رواه الامام أحمد وابو داود وفي المسنذ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه
(1/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
الفصل الثاني والستون في الذكر بعد الفراغ من الوضوء
روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما منكم من أحد يتوضا فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله الا فتحت له ابواب الجنة الثمانية يدخل من ايها شاء وزاد فيه الترمذي بعد ذكر الشهادتين اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وفي بعض طرقة ذكرها أبو داود والامام أحمد فاحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات اشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله
وفي سنن النسائي عن أبي سعيد الخدري قال من توضا ففرغ من وضوئه وقال سبحانك اللهم اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك طبع بطابع ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة هكذا رواه من قول أبي سعيد رضي الله عنه واما الاذكار التي يقولها العامة على الوضوء عند كل وضوء فلا اصل لها عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ولا الائمة الاربعة وفيها كذب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
(1/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
الفصل الثالث والستون في ذكر صلاة الجنازة
في صحيح مسلم عن عوف بن مالك قال صلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه واكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس وابدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من اهله و زوجا خيرا من زوجه وادخله الجنة واعذه من عذاب القبر قال حتى تمنيت ان اكون انا ذلك الميت لدعاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي لفظ وقه فتنة القبر وعذاب النار وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال صلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على جنازة فقال اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وانثانا اللهم من احييته منا فاحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الايمان اللهم لا تحرمنا اجره و لا تضلنا بعده وفي سنن أبي داود ايضا عن واثلة بن الاسقع قال صلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على رجل من المسلمين فاسمعه يقول اللهم ان فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وانت اهل الوفاء والحمد اللهم فاغفر له وارحمه انك انت الغفور الرحيم
(1/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
وسال مروان أبا هريرة كيف سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي على الجنازة قال اللهم انت ربها وانت خلقتها وانت هديتها للاسلام وانت قبضت روحها وانت اعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر له رواه الامام أحمد وابو داود
(1/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
الفصل الرابع والستون في الذكر اذا قال هجرا أو جرى على لسانه ما يسخط
ربه عز وجل
ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حلف منكم فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا اله الا الله ومن قال لصاحبه تعال اقامرك فليتصدق فكل من حلف بغير الله فقد اشرك حديث صحيح
فهذا كفارة لان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من حلف بغير الله فقد اشرك حديث صحيح وكفارة الشرك التوحيد وهو كلمة الا اله الا الله ومن قال تعال اقامرك فقد تكلم بهجر وفحش يتضمن اكل المال واخراجه بالباطل وكفارة هذه الكلمة بضد القمار وهو اخراج المال بحق في مواضعه وهو الصدقة وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه حلفت باللات والعزى وكان العهد قريبا فذكرت ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قد قلت هجرا قل لا اله الا الله وحده لاشريك له وانفث عن يسارك سبعا ولا تعد
(1/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
الفصل الخامس والستون فيما يقول من اغتاب اخاه المسلم
يذكر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان كفارة الغيبة ان تستغفر لمن اغتبته تقول اللهم اغفر لنا وله ذكره البيهقي في الدعوات الكبير وقال في اسناده ضعف وهذه المسالة فيها قولان للعلماء هما روايتان عن الامام أحمد وهما هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب أم لابد من اعلامه وتحليله والصحيح انه لايحتاج إلى اعلامه بل يكفيه الاستغفار وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره والذين قالوا لا بد من اعلامه جعلوا الغيبة كالحقوق المالية والفرق بينهما ظاهر فان الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته اليه فان شاء اخذها وان شاء تصدق بها واما في الغيبة فلا يمكن ذلك و لا يحصل له باعلامه الا عكس مقصود الشارع ( صلى الله عليه وسلم ) فانه يوغر صدره ويؤذيه اذا سمع ما رمى به ولعله يهيج عداوته ولا يصفوا له ابدا وما كان هذا سبيله فان الشارع الحكيم ( صلى الله عليه وسلم ) لا يبيحه ولا يجوزه فضلا عن ان يوجبه ويامر به ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها لا على تحصيلها وتكميلها والله تعالى اعلم
(1/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
الفصل السادس والستون فيما يقال ويفعل عند كسوف الشمس وخسوف القمر
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ان الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فاذا رايتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وفي صحيح مسلم عن عبدالرحمن بن سمرة قال بينا انا ارمي باسهم لي في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذ كسفت الشمس فنبذتهن وقلت لانظرن ما حدث لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في كسوف الشمس اليوم فانتهت اليه وهو رافع يديه يسبح ويحمد ويهلل ويدعو حتى حسر عن الشمس فقرا بسورتين وركع ركعتين
والنبي امر في الكسوف بالصلاة والعتاقة والمبادرة إلى ذكر الله تعالى والصدقة فان هذه الامور تدفع اسباب البلاء
(1/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
الفصل السابع والستون فيما يقول من ضاع له شئ ويدعو به
ذكر علي بن العيني عن سفيان عن ابن عجلان عن عمر بن كثير بن افلح قال كان ابن عمر يقول للرجل اذا اضل شيئا قل اللهم رب الضالة هادي الضالة تهدي من الضلالة رد علي ضالتي بقدرتك وسلطانك فانها من عطاءك وفضلك وفي وجه اخر سئل ابن عمر رضي الله عن الضالة فقال يتوضا ويصلي ركعتين ثم يتشهد ثم يقول اللهم راد الضالة هادي الضلالة تهدي من الضلال رد علي ضالتي بعزتك وسلطانك فانها من فضلك وعطائك قال البيهقي هذا موقوف وهو حسن وقد قيل ان من ضاع له شئ فقال ياجامع الناس ليوم لا ريب فيه رد علي ضالتي ردها الله تعالى عليه
(1/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالاصابع وانه افضل من السبحة
روى الاعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبدالله بن عمر قال رايت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعقد التسبيح بيمينه رواه أبو داود وروت بسيرة احدى المهاجرات رضي الله عنها قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين الرحمة واعقد بالانامل فانهن مسؤولات ومستنطقات
(1/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
الفصل التاسع والستون في احب الكلام إلى الله عز وجل بعد القران
ثبت في صحيح مسلم عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحب الكلام إلى الله تعالى أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر وفي جه آخر أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن سبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر
وفي أثر آخر أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر أحب الي مما طلعت عليه الشمس
(1/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
الفصل السبعون في الذكر المضاعف
في صحيح مسلم عن جويرية أم المؤمنين أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد ما أضحى وهي جالسة فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضاء نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته وعن سعد بن أبي وقاص انه دخل مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به فقال أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل فقال سبحان الله عدد ما خلق في السماء سبحان الله عدد ما خلق في الأرض سبحان الله عدد ما بين ذلك سبحان الله عدد ما هو خالق والله أكبر مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك رواه أبو داود والترمذي قال حديث حسن
(1/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
الفصل الحادي والسبعون فيما يقال لمن حصل له وحشه
روينا في معجم الطبراني عن البراء بن عازب ان رجلا اشتكى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الوحشة فقال قل سبحان الله الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السموات والأرض بالعزة والجبروت فقالها الرجل فأذهب الله عنه الوحشة
(1/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
الفصل الثاني والسبعون في الذكر الذي يقوله أو يقال له اذا لبس ثوبا
جديدا
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا استجد ثوبا سماه باسمه قميصا أو إزارا أو عمامة يقول اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك من خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له قال أبو نضرة وكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذا رأى أحدهم على صاحبه ثوبا قال تبلى ويخلف الله تعالى ذكره البيهقي وعن سهل بن معاذ ابن أنس عن أبيه أن رسول الله قال من لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
(1/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
الفصل الثالث والسبعون فيما يقال عند رؤية الفجر
روى ابن وهب عن سليمان بن بلال عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان في سفر فبدا له الفجر قال سمع سامع بحمد الله ونعمته وحسن بلائه علينا ربنا صاحبنا فأفضل علينا عائذا بالله من النار يقول ذلك ثلاث مرات ويرفع بها صوته هذا اسناد صحيح على شرط مسلم
(1/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
الفصل الرابع والسبعون في التسليم للقضاء والقدر بعد بذل الجهد في تعاطي
ما أمر به من الأسباب
قال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخوانهم اذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحي ويميت والله بما تعملون بصير نهى سبحانه عباده ان يتشبهوا بالقائلين لو كان كذا وكذا لما وقع قضاؤه بخلافه وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واياك واللو فان اللو تفتح عمل الشيطان وقال أبو هريرة قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وان اصابك شئ فلا تقل لو اني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل الشيطان رواه مسلم
وعن عوف بن مالك ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما ادبر حسبنا الله ونعم الوكيل فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فاذا غلبك امر فقل حسبي الله ونعم الوكيل فنهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ان يقول عن جريان القضاء ما يضره ولا ينفعه وامره ان يفعل من
(1/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
الاسباب مالا غنى له عنه فان اعجزه القضاء قال حسبي الله فاذا قال حسبي الله بعد تعاطي ما امره من الأسباب قالها وهو محمود فانتفع بالفعل والقول واذا عجز وترك الأسباب وقالها قالها وهو ملوم بترك الأسباب التي اقتضتها حكمة الله عز وجل فلم تنفعه الكلمة نفعها لمن فعل ما امر به
(1/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
الفصل الخامس والسبعون في جوامع ادعية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتعوذاته لاغنى للمرء عنها
قالت عائشة كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يحب الجوامع من الدعاء ويدع مابين ذلك وفي المسند والنسائي وغيرهما ان سعدا سمع ابنا له يقول اللهم اني أسألك الجنة وغرفها لقد سألت الله خيرا كثيرا وتعوذت من شر كثير وإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول سيكون قوم يعتدون في الدعاء وبحسبك ان تقول اللهم اني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم اعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه و ما لم اعلم وفي مسنذ الإمام أحمد وسنن النسائي عن ابن عباس قال كان من دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رب اعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي وانصرني على من بغى علي رب اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مختبا اليك اواها منيبا رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي هذا حديث صحيح ورواه الترمذي وحسنه وصححه
وفي الصحيحين من حديث انس بن مالك قال كنت اخدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فكنت اسمعه يكثر ان يقول اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن والعجز
(1/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال وفي صحيح مسلم عن زيد بن ارقم رضي الله عنه قال لا اقول لكم الا كما كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول كان يقول اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم آت نفسي تقواها زكها انت خير من زكاها انك وليها ومولاها اللهم اني اعوذ بك من قلب لا يخشع ونفس لا تشبع وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعو اللهم اني اعوذ بك من عذاب القبر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم اني اعوذ بك من المأثم والمغرم فقال قائل ما اكثر ما تستعيذ من المغرم قال ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف
وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنهما قال كان من دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم اني اعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك ومن فجاءة نقمتك ومن جميع سخطك
وفي الترمذي عن عائشة قالت قلت يارسول الله ان وافقت ليلة القدر أسأل قال قولي اللهم انك عفو تحب العفو فاعف عني قال الترمذي صحيح وفي مسند الإمام أحمد عن أبي بكر الصديق عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال عليكم بالصدق فانه مع البر وهما في الجنة واياكم والكذب فانه مع الفجور وهما في النار وسلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت رجل بعد اليقين خيرا من المعافاة وفي صحيح الحاكم عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ماسئل الله عز وجل شيئا احب اليه من ان يسأل العافية وذكر الفريابي في كتاب الذكر من
(1/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
حديث انس بن مالك رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أي الدعاء افضل قال تسأل الله العفو والعافية فاذا اعصيت ذلك فقد افلحت وفي الدعوات للبيهقي عن معاذ بن جبل قال مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) برجل يقول اللهم اني أسألك الصبر قال سألت الله البلاء فسل العافية ومر برجل يقول اللهم اني أسألك تمام النعمة فقال وما تمام النعمة قال سألت وأنا ارجو الخير قال له تمام النعمة الفوز من النار ودخول الجنة
وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الاشجعي رضي الله عنه قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلم من اسلم ان يقول اللهم اهدني وارزقني وعافني وارحمني وفي المسند عن بسر بن ارطاة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اللهم احسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وفي المسند وصحيح الحاكم عن ربيعة بن عامر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الظوا بياذا الجلال والإكرام أي الزموها وداوموا عليها وفي صحيح الحاكم ايضا عن أبي هريرة ان رسول الله قال لهم اتحبون ايها الناس ان تجتهدوا في الدعاء قالوا نعم يارسول الله قال اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وفي الترمذي وغيره ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اوصى معاذا ان يقولها دبر كل صلاة
وفي صحيحه ايضا عن انس قال كنا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في حلقة ورجل قائم يصلي فلما ركع وسجد تشهد ودعا فقال في دعائه اللهم اني أسألك بان لك الحمد لا اله الا انت بديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام ياحي يا قيوم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقد سأل الله باسمه العظيم الذي اذا دعي به اجاب وإذا سئل به اعطى وفي المسند وصحيح الحاكم ايضا عن شداد بن اوس رضي الله عنه قال قال لي رسول الله ياشداد اذا رأيت الناس يكنزون الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات اللهم اني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبا
(1/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
سليما ولسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم انك انت علام الغيوب
وفى الترمذي ان حصين ابن المنذر الخزاعى رضى الله عنه قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كم تعبد الها قال سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء قال فمن تعد لرغبتك ورهبتك قال الذي في السماء قال اما لو اسلمت لعلمتك كلمتين تنفعانك فلما اسلم قال يا رسول الله علمني الكلمتين قال قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي حديث صحيح وزاد الحاكم فيه في صحيحه اللهم قني شر نفسي واعزم لي على ارشد امري اللهم اغفر لي ما اسررت وما اعلنت وما أخطأت وما تعمدت ما علمت وما جهلت واسناده على شرط الصحيحين
وفي صحيح الحاكم عن عائشة قالت دخل علي أبو بكر رضي الله عنهما فقال هل سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعاء علمنيه قلت ما هو قال كان عيسى بن مريم ( صلى الله عليه وسلم ) يعلمه اصحابه قال لو كان على احدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه اللهم فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما انت ترحمني فارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك وفي صحيحه ايضا عن أم سلمة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذا ما سأل محمد ربه اللهم إني أسألك خير المسالة وخير الدعاء وخير النجاح وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات وثبتني وثقل موازيني وحقق ايماني وارفع درجتي وتقبل الخير وخواتمه وأوله وآخره وظاهره وباطنه والدرجات العلى من الجنة آمين اللهم اني اسالك خير ما آتي وخير ما افعل وخير ما بطن وخير ما ظهر اللهم إني أسألك ان ترفع ذكري وتضع وزري وتصلح امري وتطهر قلبي وتحصن فرجي وتنور لي قلبي وتغفر لي ذنبي وأسألك ان تبارك لي في نفسي وفي سمعي وفي بصري وفي روحي وفي خلقي وأهلي وفي محياي وفي مماتي وفي عملي وتقبل حسناتي وأسألك الدرجات العلى من الجنة آمين وفي صحيحه ايضا من حديث معاذ قال أبطأ عنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بصلاة الفجر حتى كادت ان تدركنا الشمس ثم خرج فصلى بنا
(1/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
فخفف ثم اقبل علينا بوجهه فقال على مكانكم اخبركم ما بطأني عنكم اليوم اني صليت في ليلتي هذه ما شاء الله ثم ملكتني عيني فنمت فرأيت ربي تبارك وتعالى فألهمني ان قلت اللهم اني أسألك الطيبات وفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تتوب علي وتغفر لي وترحمني وإذا أردت في خلقك فتنة فنجني إليك منها غير مفتون اللهم وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يبلغني إلى حبك ثم اقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال تعلموهن وادرسوهن فإنه حق ورواه الترمذي والطبراني وابن خزيمة وغيرهم بألفاظ أخر
وفي صحيح الحاكم ايضا عن ابن عباس قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يدعو اللهم متعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير وفيه عن انس بن مالك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علما ينفعني وفيه ايضا عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) امرها ان تدعو بهذا الدعاء اللهم اني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم اعلم وأعوذ بك من الشر عاجله وآجله ما علمت منه وما لم اعلم وأسألك الجنة وما قرب اليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول أو عمل وأسألك من خير ما سألك عبدك ورسولك محمد وأسألك ما قضيت لي من امر ان تجعل عاقبته رشدا
وفيه عن أبي هريرة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اوصى سلمان الخير فقال له اني اريد ان امنحك كلمات تسألن الرحمن وترغب اليه فيهن وتدعو بهن في الليل والنهار قل اللهم اني أسألك صحة في ايمان وإيمانا في حسن خلق ونجاحا يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوانا وفيه ايضا عن أم سلمة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه كان يدعو بهؤلاء الدعوات اللهم انت الأول لاشئ قبلك وأنت الآخر لا شئ بعدك اعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك واعوذ بك من الإثم والكسل ومن عذاب القبر ومن فتنة الغنى ومن فتنة الفقر واعوذ بك من المأثم والمغرم اللهم نق قلبي من الخطايا كما نقيت
(1/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
الثوب الأبيض من الدنس اللهم بعد بيني وبين خطيئتي كما بعدت بين المشرق والمغرب
وفي مسند الامام أحمد وصحيح الحاكم ايضا عن عمار بن ياسر رضي الله عنه انه صلى صلاة اوجز فيها فقيل له في ذلك قال لقد دعوت الله فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق احيني ما علمت الحياة خيرا لي اللهم واسألك خشيتك في الغيب والشهادة واسألك كلمة الحق في الغضب والرضا واسألك القصد في الفقر والغنى واسألك نعيما لا ينفذ واسألك قرة عين لا تنقطع واسألك الرضا بعد القضاء واسألك برد العيش بعد الموت واسألك لذة النظر إلى وجهك واسألك الشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين وفي صحيح الحاكم ايضا عن ابن مسعود قال كان من دعاء رسول الله اللهم انا نسالك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل اثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار وفيه ايضا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنه كان يدعو اللهم احفظني بالاسلام قائما واحفظني بالاسلام قاعدا واحفظني بالاسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا اللهم اني اسالك من خير خزائنه بيدك واعوذ بك من شر خزائنه بيدك
وعن النواس بن سمعان سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ما من قلب الا بين اصبعين من اصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك والميزان بيد الرحمن عز وجل يرفع اقواما ويخفض اخرين إلى يوم القيامة حديث صحيح رواه الامام أحمد والحاكم في صحيحه وفي صحيح الحاكم ايضا عن ابن عمر انه لم يكن يجلس مجلسا كان عنده أحد أو لم يكن الا قال اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اسرفت وما انت اعلم به مني اللهم ارزقني من طاعتك ما تحول به بيني وبين معصيتك وارزقني من حشيتك ما تبلغني به رحمتك وارزقني من اليقين ما تهون به علي مصائب الدنيا وبارك لي في
(1/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
سمعي وبصري واجعلهما الوارث مني اللهم اجعل ثاري على من ظلمني وانصرني على من عاداني ولا تجعل الدنيا اكبر همي ولا مبلغ علمي اللهم لا تسلط علي من لا يرحمني فسئل عنهن ابن عمر فقال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يختم بهن مجلسه
والحمد لله رب العالمين حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ملء سمواته وملء ارضه وملء ما بينهما وملء ما شاء من شئ بعد حمدا لا ينقطع ولا يبيد ولا يفنى عدد ما حمده الحامدون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم انبيائه ورسله وخيرته من بريته وامينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده فاتح ابواب الهدى ومخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الذي بعثه للايمان مناديا والى الصراط المستقيم هاديا والى جنات النعيم داعيا وبكل المعروف آمرا وعن كل منكر ناهيا فأحيا به القلوب بعد موتها وأنارها بعد ظلماتها وألف بينها بعد شتاتها فدعا إلى الله عز وجل على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة وجاهد في الله تعالى حق جهاده حتى عبد الله وحده لا شريك له وسارت دعوته سيرة الشمس في الأقطار وبلغ دينه الذي ارتضاه لعباده ما بلغ الليل والنهار وصلى الله عز وجل وملائكته وجميع خلقه عليه كما عرف بالله تعالى ودعا اليه وسلم تسليما
(1/236)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق