الخميس، 20 يناير 2022

الفرقان في بيان منزلة القرآن. المؤلف: صلاح فتحي هَلَل. وكتاب فضل قراءة سور من القران الكريم كل ليلة ما التحقق ؟


 كتاب: الفرقان في بيان منزلة القرآن. لصلاح فتحي هَلَل.

طبعة: مكتبة الأنصار ، بالقاهرة.

ملاحظة: اجتهدنا في كتابة هذا الكتاب على الوورد ، نقلاً عن المطبوع ، وقد اجتهدنا في مراجعتِه على المطبوع قدر استطاعتنا ، ونستغفر الله مما ربما فاتنا ، أو أخطأنا فيه أثناء النقل من المطبوع.

ونرجو العودة للمطبوع عند الاستشكال.

ويلاحظ أن صفحات المكتوب هنا قد تغيَّرَتْ أرقامها عن أرقام صفحات المطبوع.

ولا تنسوا مَنْ كَتَبَه على الوورد من دعواتكم الصالحات بظهر الغيب.

الْفُرْقَان

في

 

بَـيَـــانِ مَـنْـزِلَــةِ الْـقُـرْآن  لصلاح فتحي هَلَل


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنعم على بعض عباده برعاية الأصول ، وهداهم بفضله إلى تمييز المردود من المقبول ، ومعرفة الحقّ من الباطل المعمول ، ومَنَّ عليهم بنعمة العقول ، ومَدَّهُم بمدَدٍ من المعقول والمنقول ، فبصَّرَهم صراطَه المستقيم وطريقه المأمول ، وَنَجَّاهم بفضله من ضلال الهوى المنحول.

له الحمد حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، ملء الأرض والسماء ، وملء ما شاء ربُّنا من شيءٍ بعد.

والصلاةُ والسلام على أشرف الخلق ، وإمام الحق ، وزعيم الهداية ، وصاحب الدراية ، نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وارْضَ اللهمَّ عن الآل والصَّحْبِ والتَّابعين.

وبعد:

فإِنَّ ((مِنْ أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه ، وأولى ما يلزم بحثه: ما كان لأصل دينهم قوامًا ، ولقاعدة توحيدهم عمادًا ونظامًا ، وعلى صِدق نبيِّهم برهانًا ، ولمعجزته ثبتًا وحجةً ، ولا سيما أَنَّ الجهلَ ممدودُ الرواق ، شديد النفاق ، مستولٍ على الآفاق ، والعلم إلى عفاء ودروس ، وعلى خفاء وطموس ، وأهله في جفوة.. حتى صار ما يكابدونه قاطعًا عن الواجب من سلوك مناهجه والأخذ في سبله.

فالناس بين رجلين: ذاهب عن الحق ، ذاهل عن الرشد ، وآخر مصدودٌ عن نصرته ، مكدود في صنعته.

فقد أَدَّى ذلكَ إلى خوض الملحدين في أصول الدين ، وتشكيكهم أهلَ الضعف في كلِّ يقين ، وقد قلَّ أنصاره ، واشتغل عنه أعوانه ، وأَسْلَمَهُ أهلُه فصار عُرْضَةً لمن شاء أن يتعرَّض فيه ، حتى عاد مثل الأمر الأول على ما خاضوا فيه عند ظهور أمره ، فمِنْ قائلٍ قال: إنه سحر ، وقائل يقول: إنه شِعْر ، وآخر يقول: إِنَّه أساطير الأولين ، وقالوا: لو نشاء لقلنا مِثْل هذا ، إلى الوجوه التي حكى الله عز وجل عنهم أنهم قالوا فيه ، وتكلموا به فصرفوه إليه ، وذُكِرَ لي عن بعض جُهَّالِهِمْ أَنَّهُ جعلَ يعدله ببعض الأشعار ، ويوازن بينه وبين غيره من الكلام ، ولا يرضى بذلك حتى يفضله عليه.

وليس هذا ببديع من ملحدة هذا العصر ، وقد سبقهم إلى عِظَم ما يقولونه إخوانهم من ملحدة قريش وغيرهم ، إلا أَنَّ أكثر مَنْ كان طعن فيه في أول أمره استبان رشده ، وأبصر قصده ، فتاب وأناب ، وعرف من نفسه الحق بغريزة طبعه ، وقوة إتقانه ، لا لتصرُّف لسانه؛ بل لهداية ربِّه وحُسْنِ توفيقه.

والجهلُ في هذا الوقت أغلب ، والملحدون فيه عن الرشد أَبْعَدُ ، وعن الواجب أَذْهَبُ))([1]).

ولذا رأيتُ أَنْ أُقَيِّدَ مِنَ الفصولِ ما يكشفُ عن منزلةِ القرآن ، ويُبيِّنُ عِظَمِ مكانتِه في الإسلام والإيمان ، معتمدًا في ذلك على الآيات ، وما وردَ في أحاديث الثقات ، ومسترشدًا بكلام أئمة الدين ، وأصحاب المذاهب المتبوعين ، مع الإعراض عن شبهات المتكلِّمين ، وقضايا المتفلسفين.

ورسمتُ ذلكَ على سَنَنِ أئمةِ السُّنَّةِ والجماعةِ في نظافةِ المأْخذِ ، وصِحَّةِ الاستدلال.

وبنيتُ الكتابَ على محورين:

الأول: في إثباتِ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله عز وجل ، غيرُ مخلوقٍ ، وأَنَّ كلامَهُ صفةٌ مِنْ صفاتِ ذاتِه سبحانه وتعالى ، قائمةٌ به ، لم يزل سبحانه وتعالى متكلِّمًا ، قبل وبعد نزول القرآن.

والمحور الثاني: في بيان بعض اللوازم الواجبة تجاه كلام الله جلَّ شأْنه.

وقَيَّدتُ لك في اللوازم:

تنزيه القرآن عن مشابهة كلام المخلوقين ، وتنزيه كلامه وآياته عن النَّقْد اللُّغوي ، والعمل بأحكامه جملةً وتفصيلاً ، وتنزيهه عن السَّبِّ والطعن والقدح بكافَّة سُبل الطعن والغمز واللَّمْز ، وبيان أَنَّ الطعنَ في القرآن أو تناوله بالسَّبِّ والقدح؛ يعني الطعن في قائله المتكلِّم به وهو الله سبحانه وتعالى ، سواءٌ كان ذلك بالسَّبِّ الصريح أو عن طريق الغَمْز واللَّمْزِ لمقام القرآن أو بعض آياته بوجهٍ من الوجوه ، وسواءٌ صَدَرَ ذلك مِنْ قائِلِهِ تَعَمُّدًا ، أو على سبيل الجهلِ وعدم المعرفة ، وبيان أَنَّ الجِدَّ والهزلَ في ذلكَ سواءٌ لا فَرْقَ بينهما.

واكتفيتُ بهذه اللوازم عن غيرها ، ورأيتُ فيها غنىً وكفايةً لكلِّ طالبٍ ، ومَقْنَعًا لكلِّ راغبٍ.

فهذه رؤوس ما قَيَّدتُ لك في هذا الكتاب ، لك غُنْمه وعليَّ غُرْمه ، فخُذْ بأَحْسنِه ، وأصْلح ما تراه فيه من خللٍ ، وما قد يعتري القلم من زللٍ؛ إِذْ لم أَطْمع منك في ثوابٍ أو عقاب ، وإنَّما أردتُ النصيحةَ والدفاعَ عن آياتِ الكتاب ، فلا تعْجلْ باللومِ والعتاب ، وفي القرآن العظيم: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [سورة الرحمن: 60].

واللهَ أسألُ أن يكتبَ السداد والرشاد ، وأن يُلْهِمَ الإخلاص في القول والعمل.

ورَحِمَ الله ُرجلاً وقَفَ على عيبٍ لي فأَصْلَحَهُ ، واسْتَغْفَرَ الله لأخيهِ؛ فإنما أنا بشرٌ أُخْطِيء؛ وقد أُصيب!!

وما أحسن ما قاله الإمام مسلم بن الحجَّاج صاحب كتاب ((الصحيح)) المشهور رحمه الله: ((فليس مِنْ ناقلِ خبرٍ وحامل أَثَرٍ من السلف الماضين إلى زماننا وإِنْ كان من أحفظِ الناس وأشدّهم توقِّيًا وإِتْقانًا لِمَا يحفظ وينقل إلَّا الغلط والسهو ممكنٌ في حفظه ونَقْلِهِ))[2]أهـ

وما أَرْوَع قول الإمام الخَطَّابي رحمه الله في مقدمة كتابه ((غريب الحديث)): ((وكلُّ مَن عَثر منه على حرفٍ أو معنىً يجب تغييره فنحن نناشده الله في إصلاحه ، وأداء حقّ النصيحة فيه ، فإِنَّ الإنسان ضعيفٌ لا يسلم من الخطإِ إلَّا أَنْ يعصمه الله بتوفيقه))أهـ

وقول أبي الطيب الوشاء في كتابه ((الموشى))[3]: ((وشَرِيْطتنا على قارئ كتابنا الإِقْصار عن طلب خطئنا ، والصفح عمَّا يقف عليه من إغفالنا ، والتجاوز عمَّا ينتهي إليه من إهمالنا ، وإِنْ أدَّاه التَّصفح إلى صواب نَشَرَهُ ، أو إلى خطإٍ سَتَرَهُ؛ لأنه قد تقدمنا بالإقرار ، ولابد للإنسان من زللٍ وعثار ، وليس كل الأدب عرفناه ، ولا كل علمٍ دريناه ، وعلينا في ذلك الاجتهاد ، وإلى الله الرشاد ، وقلَّ ما نجا مُؤَلِّف لكتابٍ من راصدٍ بمكيدةٍ ، أو باحثٍ عن خطيئة))أهـ

والله هو هادي الخلق إلى الحقِّ ، وهو أرحم الراحمين.

وصلِّ اللهمَّ وسلِّم وبارِك على عبدك ونبيك محمدٍr .

وارضَ اللهم عن الآل والصَّحْب والتابعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مع عشاء الجمعة                                             وكتب/

15/2/1421                            صلاح بن فتحي هَلَل

الموافق: 19مايو 2000م

 

SALAH_HALL@GAWAB.COMف

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صل


 

 

 

الباب الأول

في

إثبات أَنَّ القرآنَ كلامُ الله

غيرُ مخلوقٍ


 

فصلٌ

الْقُرْآنُ كلامُ اللهِ

القُرْآنُ كلامُ اللهِ U ، وليسَ كتابًا بشريًّا ، أو كلامًا من نَسْجِ العقولِ؛ ومِن ثَمَّ تَحَدَّى اللهُ U به المشركين ، وطالبهم بالإِتْيانِ بِمِثْلِه ، أو بعضهِ؛ فقال I: ) وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ( [البقرة:23-24].

وقال U: ) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( [يونس:38].

وقال I: )أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ( [هود:13].

ومعلومٌ أنَّ الكلام البشري لا يصلُح أن يكون مادةً لمِثْلِ هذا التحدِّي؛ فدلَّ ذلك على أنَّ القرآن كلام الله U ، كما دلَّ ذلك على أنَّ القرآنَ يُبَاينُ كلام المخلوقين؛ نظرًا لتبايُنِ المُتَكَلِّم به عن المخلوقين ، فهو I لا يُشبه المخلوقين في ذاتهِ أو صفاتهِ ، فعُلِمَ أنَّ كلامَهُ لا يُشْبه كلام المخلوقين؛ ولذا اختصَّ كلامه بأحكامٍ خاصَّةٍ ، لم يصل إليها كلام البشرِ؛ سواء من حيثُ الإعجاز ، أو الحفظ ، أو التعبُّد به ، والثواب على تلاوته وغير ذلك.

ولم يخالف أحدٌ من أهل الحقِّ ، وأئمة الدين في كون القرآن الذي بأيدي المسلمين هو كلام الله U حقيقةً ، منه بَدَأَ وإليه يعود ، نؤمنُ بذلك إيمانًا ثابتًا ، ويُكَفَّرُ مَن خالف هذا الإجماع المؤيَّد بالكتاب والسنة وأقاويل الصحابة الأخيار ، ومن تبعهم بإحسان ، وقد اعتزلت المعتزلة هذا الإجماع فلم تدخل فيه ، وتابعها بعض أرباب الضلال؛ كالجهمية ، وغيرهم ممَّنْ لا عبرة بهم في مخالفة الإجماع المشار إليه لأئمة الهدى من السلف الصالحين ، خاصَّة وقد تقدم الإجماع على ذلك قبل ظهور هذه الفرق الضالة.

قال ابن الجوزي رحمه الله: «لم يزل الناسُ على قانون السلف وقولهم: إن القرآن كلام الله غير مخلوق ، حتى نَبَغَتِ([4]) المعتزلةُ فقالت بخلق القرآن ، وكانت تَسْتر ذلك ، وكان القانون محفوظًا في زمن الرشيد».

قال ابن الجوزي: «فلمَّا تُوفِّيَ الرشيدُ كان الأمر كذلك في زمن الأمين ، فلما وَلِيَ المأمون: خَالَطَه قومٌ مِن المعتزلة فحسَّنوا له القولَ بخلق القرآن ، وكان يتردَّد في حَمْلِ الناس على ذلك ، ويُراقب بقايا الأشياخ ، ثم قَوِيَ عزمُه على ذلكَ فَحَمَلَ الناسَ عليه([5])»أهـ

ونقلَ الإمام الذهبيُّ رحمه الله عن علي بن الحسن بن شقيق عن النَّضْر بن محمد سَمِعَهُ يقول: «مَنْ قال: هذه الآية مخلوقة )إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني( [طه:14] فقد كفر».

ثم قال الذهبيُّ رحمه الله:

«أما تكفير مَن قال بخلق القرآن؛ فقد وَرَدَ عن سائر أئمة السلف في عصر مالكٍ والثوري ، ثم عصر ابن المبارك ووكيع ، ثم عصر الشافعيِّ وعفان والقَعْنَبِيّ ، ثم عصر أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ، ثم عصر البخاري وأبي زُرْعَةَ الرَّازي ، ثم عصر محمد بن نَصْر المَرْوَزِيّ والنَّسَائي ومحمد بن جرير وابن خُزَيْمة.

وكان الناس في هذه الأزمنة إما قائلًا بأنه كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ، وإما قائلًا بأنه كلام الله وتنزيله وأنه مخلوق ، وذكروا في دليلهم: ) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا( [الزخرف:3] قالوا: والمجعول لا يكون إلا مخلوقًا.

فولي المأمون ـ وكان متكلِّمًا ، عُرِّبَتْ له كتب الأوائل([6]) فدعا الناس إلى القول بخلق القرآن ، وتهدَّدهم وتخوَّفهم ، فأجابه خلقٌ كثير رغبة ورهبة ، وامتنعَ من إجابته مثلُ أبي مسهرٍ عالم دمشق ، ونعيم بن حماد عالم مصر ، والبويطي فقيه مصر ، وعفان مُحَدِّث العراق ، وأحمد بن حنبل الإمام ، وطائفة سواهم ، فَسَجَنَهَم ، ثم لم يَنْشَبْ([7]) أَنْ مات بطَرَسُوس ودُفِنَ بها.

ثم استخلف بعده أخوه المعتصم ، فامتحنَ الناسَ ، ونهضَ بأعباء المحنةِ: قاضيه أحمدُ بن أبي دؤاد ، وضربوا الإمام أحمد ضربًا مبرحًا فلم يُجبهم ، وناظروه ، وجَرَتْ أمورٌ صعبة ، مَن أرادَ أَنْ يتأمَّلَها ويدري ما ثَمَّ كما ينبغي فليُطالع الكتبَ والتواريخ؛ وإلَّا فلْيجلس في بيتهِ ويدع الناس من شرِّه ، وليسكت بِحِلْمٍ ، أو لينطق بِعِلْم ، فلكلِّ مقامِ مقالٌ ، ولكلِّ نزالٍ رجالٌ ، وإِنَّ مِن العِلْم: أن تقول لما لا تعلم: الله ورسوله أعلم([8])»أهـ

تنبيه: لم ينكر صلة القرآن بالله U إلا من كفر بالرسل وأنكر رسالتهم ، وسيأتي ـ في هذا الكتاب ـ أن إنكار القرآن أو جحده أو الاستهزاء به إنكارٌ وجحدٌ واستهزاءٌ بالرسل. وإنما خالفت فرق الضلال الأولى في كونه غير مخلوق وزعمته مخلوقًا ، لكنهم أثبتوا أنه كلام الله U بخلاف ملاحدة الزمان الذين يقولون ـ وبئس ما قالوا ـ: إنه كتاب بشر!! وهذا غاية في الإلحاد وكفرٌ أكبر من سابقه؛ والله المستعان.

وقد مضى النّص على ذلك في أثناء كلام الذهبي السابق هنا؛ حين قال: «وكان الناس في هذه الأزمنة إما قائلاً بأنه كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق ، وإما قائلاً بأنه كلام الله وتنزيله وأنه مخلوق([9])»أهـ


فصل

في الآيات والأحاديث الدالة على أن القرآن كلام الله غير مخلوقٍ

وقد أكَّدَت الآيات والأحاديث الإجماع على أنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق

فمِنْ آيات الله U:

قوله تعالى: )وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ( [التوبة:6].

وقوله I: )وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ( [الأعراف:143].

وأما السنَّة؛ فمنها:

ما رَوَى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أنَّ رسول الله r كانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ بِالْمَوْقِفِ؛ ويقول: «أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلْنِي إِلَى قَوْمِهِ؛ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي» ([10]).

ورُوِيَ عن أبي الدرداء t؛ قال: سألتُ رسولَ الله r عن القرآن؟ فقال: «كلام الله غير مخلوق».

ولا يصح([11]).


فصل

في بيان عقيدة الصحابة والتابعين في

أن القرآن كلام الله غير مخلوق

وأما آثار الصحابة والتابعين ، فمَن بعدهم؛ فمنها:

ما ورد عن أم المؤمنين الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق عائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما؛ قالت: «مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى ، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ U فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى»([12]).

ونقلَ ابنُ الجوزي ذلك عن الخلفاء الأربعة ، وغيرهم؛ فقال([13]):

«ورُوِيَ عن أبي بكر الصديق t» أنه خرج إلى قريش بقوله تعالى: )ألم. غُلِبَتِ الروم ([الروم:1ـ2] فقالوا: هذا من كلام صاحبك؟ قال: لا والله؛ ولكنَّه كلام الله تعالى» ([14]).

وقال عمر بن الخطاب t: «القرآن كلام الله تعالى فَضَعُوهُ في مواضعه» ([15]).

وقال عثمان بن عفان t: «لو طَهُرَتْ قلوبكم ما شَبِعْتُم من كلام ربكم» ([16]).

وقال عليُّ بن أبي طالبٍ t: «ما حَكَّمْتُ مخلوقًا؛ إنَّما حَكَّمْتُ القرآن» ([17]).

وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالى: )قرآنًا عربيًا غير ذي عوجٍ( [الزمر:28]؛ قال: «غير مخلوق» ([18]).

وقال عليُّ بن الحُسَيْن: «هو كلام الله ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ» ([19]).

وروى سفيان بن عُيَيْنَة عن عمرو بن دينار ، قال: «أَدْرَكْتُ الناسَ - وكان قد أدركَ أصحاب رسول الله r ، فمن دونهم - منذ سبعين سنة - كلَّهم يقولون: اللهُ جلَّ اسْمُهُ الخالقُ ، وما سواهُ مخلوقٌ؛ إلا القرآن فإِنَّه كلام الله تعالى» ([20]).


فصل

في بيان مذهب الأئمة الأربعة

الإمام أبو حنيفة

رحمه الله تعالى

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في ((الفقه الأكبر)): ((لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية.

أما الذاتية: فالحياة والقدرة والعلم والكلام.... لم يزل متكلِّمًا بكلامه ، والكلام صفةٌ في الأزل... والقرآن كلام الله في المصاحف مكتوب ، وفي القلوب محفوظ ، وعلى الأَلْسُن مقروء ، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم مُنَزَّلٌ... والقرآن غير مخلوق. وما ذَكَرَهُ الله تعالى في القرآن حكايةً عن موسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وعن فرعون وإبليس؛ فإنَّ ذلك كله كلام الله تعالى إخبارًا عنهم ، وكلام الله تعالى غير مخلوقٍ ، وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق ، والقرآن كلام الله تعالى ، فهو قديم لا كلامهم. وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى كما قال تعالى: {وكلم الله موسى تكلميًا} [النساء: 164] ، قد كان متكلِّمًا ولم يكن كلَّمَ موسى عليه السلام... فلمَّا كلَّمَ الله موسى كلَّمَهُ بكلامه الذي هو صفةٌ له في الأزل... ويتكلَّم لا ككلامنا))[21]أهـ

 

الإمام مالك رحمه الله تعالى

قال يحيى بن خلفٍ: «كنتُ عند مالك بن أنس ، فجاءه رجلٌ فقال: ما تقولُ فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: زنديق كافرٌ اقْتُلُوه([22])»أهـ

وسياق الخبر عند ابن بطة في «الإبانة» قال: حدثني أبو يوسف: يعقوب بن يوسف ، قال: حدثنا أبو بكر بن فردة ، قال: حدثنا إسحاق بن يعقوب العطار ، قال: حدثني أحمد بن عبد الرحمن الحراني ، قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري ، قال: حدثنا يحيى بن خلف المقرئ بطرسوس: «وذَكَرَ أنَّه أَتَى عليه اثنتان وثمانون سنة ، وذَكَرَ أنه أَتَى المدينة سنة ستٍّ وستين ومائة ، فلقي مالك بن أنس وأَتَاهُ رجلٌ؛ فقال: يا أبا عبد الله! ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافرٌ ، زنديق ، اقتُلوه([23]).

ثم قدمتُ البصرة([24])؛ فلقيتُ الليث ، قال: فقلتُ له: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافرٌ.

ثم لقيتُ ابنَ لهيعة؛ فقلتُ: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافرٌ.

ثم قَدِمْتُ مكةَ؛ فلقيتُ ابنَ عُيَيْنَة؛ فقلتُ: ما تقولُ فيمن يقول القرآن مخلوق؟ فقال: كافر.

ثم قدمتُ الكوفة؛ فلقيتُ أبا بكر بن عَيَّاش؛ فقلتُ: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافر ، ومَن لم يقل: إنَّه كافر؛ فهو كافر.

ثم لقيتُ عليَّ بن عاصم وهُشَيْمًا؛ فقلتُ لهما: ما تقولان فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقالا: كافر.

ثم رجعتُ إلى الكوفة؛ فلقيتُ ابن إدريس ، وعبد السلام بن حرب الملائي ، وحفص بن غياث النخعي ، ويحيى بن أبي زائدة ، وأبا أسامة؛ فقلتُ لهم: ما تقولون فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقالوا: كافر([25]).

ثم لقيتُ وكيع بن الجراح ، وابن المبارك ، وأبا إسحاق الفزاري؛ فقلتُ لهم: ما تقولون: فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقالوا: كافر.

ثم لقيتُ الوليد بن مسلم؛ فقلتُ: يا أبا العباس! ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: كافر.

قال([26]) يحيى بن خلف: وأنا أقول: مَن قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر.

قال الحسن بن يحيى بن كثير: وأنا أقول: مَن قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر.

قال أحمد بن عبد الرحمن الحراني: وأنا أقول: مَن قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر.

قال إسحاق بن يعقوب العسكري: وأنا أقول: مَن قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر.

قال أبو بكر بن فردة: وأنا أقول: مَن قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر.

وقال لي أبو يوسف - يعقوب بن يوسف -: مَن قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر»أهـ

قلتُ: وأنا أقول: مَن قال القرآن مخلوق؛ فهو كافر.

وقد وردَ هذا المعنى السابق عن الإمام مالكٍ مِن غير وجهٍ عنه:

فقال عبد الله بن نافعٍ: «كان مالكٌ يقول: كَلَّمَ الله موسى ، ويَسْتَفْظِع قولَ مَن يقول: القرآن مخلوق. قال: يُوجَعُ ضربًا ، ويُحْبَسُ حتى يتوب» ([27]).

وفي لفظٍ عنه: «ويُحْبَسُ حتى يموت» ([28]).

وقال إسماعيل بن أبي أُوَيْسٍ: «سمعتُ مالكَ بن أنسٍ يقول: القرآن كلام الله U ، وكلام الله تعالى مِن الله سبحانه ، وليس مِن الله جلا وعلا شيءٌ مخلوق»([29]).

وفي لفظٍ عن ابن أبي أُوَيْسٍ قال: «سمعتُ خالي مالك بن أنس ، وجماعة من العلماء بالمدينة ، وذكروا القرآن؛ فقالوا: كلام الله U ، وهو منه ، وليس من الله U شيءٌ مخلوق([30])»أهـ

وقال ميمون بن يحيى البكري: «قال مالكُ بن أنسٍ: مَن قال: القرآن مخلوق يُسْتَتَاب؛ فإِنْ تابَ ، وإِلا ضُرِبَتْ عُنُقُه([31])»أهـ

وقال أبو مُصعبٍ الزُّهري: «سمعتُ مالك بن أنس يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق ، فمَن زعمَ أنه مخلوق؛ فقد كَفَرَ بما أُنْزِلَ على محمدٍ r ، والذي يقف شرٌّ مِن الذي يقول»([32]).

وقال محمد بن موسى: «كنتُ عند مالكِ بن أنسٍ؛ إِذْ جاءه رجلٌ مِن أهل المغرب؛ فقال: يا أبا عبد الله! اشفني شفاك الله ، ما تقول؟ فقال: كلام الله غير مخلوق([33])»أهـ

الإمام الشافعيِّ

رحمه الله تعالى

وقد ورد عنه ذلك مِن وجوهٍ؛ منها([34]):

قول الربيع بن سليمان: أخبرني مَنْ أثق به - وكنتُ حاضرًا في المسجد - فقال حفصٌ الفرد: القرآن مخلوق.

فقال الشافعيُّ: «كَفَرْتَ بالله العظيم».

وفي روايةٍ عن الربيع بن سليمان قال: أتيتُ الشافعيَّ يومًا فوافقتُ حفصَ الفردِ خارجًا مِن عنده فقال: كاد والله الشافعي أَنْ يضربَ عنقي ، فدخلتُ فقال لي إسماعيل - رجلٌ ذَكَرَهُ الربيع -: ناَظَرَ الشافعيُّ حفصَ الفردِ فبلغ أَنَّ القرآنَ مخلوق فقال له الشافعي: «والله كفرتَ بالله العظيم». قال: «وكان الشافعي لا يقول: حفص الفرد ، وكان يقول: حفص المتفرد».

وفي لفظٍ عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: «مَن قال: القرآن مخلوق؛ فهو كافر»أهـ

الإمام أحمد بن حنبل

رحمه الله تعالى

وقد نافح الإمام أحمد رحمه الله تعالى في نصرة هذا المذهب ، وتَحمَّل الأذى والحبس في سبيل الدفاع عنه ، وأخباره في ذلك مشهورةٌ مطوَّلة في التراجم الطوال للإمام أحمد رحمه الله.

ومما ورد عنه رحمه الله من ألفاظٍ في هذا الباب:

ما ذكره ابنُ الجوزي؛ قال: «وقال الحسن بن ثواب: سألتُ أحمد بن حنبل t: ما تقول في القرآن؟ فقال: كلام الله غير مخلوق.

قلتُ: فما تقول فيمن قال: مخلوق؟

قال: كافرٌ([35]).

وسأله عباسٌ العنبري؛ فقال: قومٌ حَدَثُوا؛ يقولون: لا نقول مخلوق ، ولا غير مخلوق؟ فقال: هؤلاء قومُ سوء([36])ٍ» انتهى([37]).

وقال عبد الله بن أحمد رحمة الله عليهما: سمعتُ أبي يقول: من قال: القرآن مخلوق؛ فهو عندنا كافرٌ؛ لأنَّ القرآن من عِلْم الله U.

قال الله U: )فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ( [آل عمران:61].

وقال U: )وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ( [البقرة:120].

وقال U: )وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ( [البقرة:145].

وقال U: )أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( [الأعراف:54].

قال أبي رحمه الله: والخلق غير الأمر.

وقال U: )وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب(ِ – قال أبي رحمه الله ([38]): قال سعيد بن جُبَيْر: والأحزاب: المِلَل كلها - )فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ( [هود:17].

وقال U: )وَمِنْ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ( [الرعد:36-37]([39])ٍ»أهـ

وقال عبد الله بن أحمد رحمهما الله أيضًا: «سمعتُ أبي وسأله عبد الله بن عمر - المعروف بِمُشْكُدَانَة - عن القرآن؟ فقال: كلام الله U وليس بمخلوق.

سمعتُ أبي رحمه الله مرةً أخرى سُئِلَ عن القرآن؟ فقال: كلام الله U ليس بمخلوق ، ولا تخاصموا ولا تُجالسوا مَن يخاصم([40])»أهـ

وقد نَقَلَ ذلك عن أحمد الجماهير من أصحابه([41]) ، وله في ذلك كلامٌ مطولٌ؛ من ذلك: رسالته إلى عُبيدِ الله بن يحيى ، وقد رواها عنه ابناهُ صالحٌ وعبدُ الله([42]).

وسياق الرسالة المذكورة كما رواها صالحٌ؛ قال:

كتبَ عُبَيْدُ الله بن يحيى إلى أبي رحمة الله عليه يُخبره: إِنَّ أمير المؤمنين أمرني أَنْ أكتبَ إليك [كتابًا]([43]) أسألُك عن أمر القرآن ـ لا مسألة امتحانٍ؛ ولكن مسألة معرفة وبصيرة ، فأَمْلَى عليَّ أبي رحمه الله: إلى عُبيد الله بن يحيى

بسم الله الرحمن الرحيم

أَحْسَنَ الله عاقبتكَ أبا الحسن في الأمور كلها ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة برحمته.

قد كتبتَ إليَّ رضي الله تعالى عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين [أيَّدهُ الله]([44]) [من أمر([45]) القرآن بما حضرني ، وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين]([46]) [أعزه الله بتأييده]([47]) ، فقد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد يغتمسون فيه حتى أَفْضَتِ الخلافة إلى أمير المؤمنين [أيده الله عز وجل]([48]) ، فنفى الله بأمير المؤمنين كل بدعة وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق [المجالس]([49]) فصرف الله ذلك كله ، وذهب به[ بأمير]([50]) المؤمنين [أعز الله نصره]([51]) ، ووقع ذلك من المسلمين موقعًا عظيمًا ، ودعوا الله لأمير المؤمنين ، فأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء وأن يتمم ذلك لأمير المؤمنين [أدام الله عزه]([52]) وأن يزيد في نيته([53]) ويعينه على ما هو عليه

وقد ذُكِرَ عن عبد الله بن عباس رحمة الله عليه([54]) أنه قال: «لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعضٍ فإِنَّ ذلك يوقع الشك في قلوبكم».

وذُكِرَ عن عبد الله بن عمر أن نفرًا كانوا جلوسا بباب النبيr فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟ قال: فسمع ذلك رسول اللهr فخرج كأنما فُقِيءَ في وجهه حبُّ الرُّمان فقال: «أبهذا أُمِرْتُم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إِنَّما ضَلَّتِ الأمم قبلكم في مِثْل هذا ، إنكم لستم مما هاهنا في شيءٍ ، انظروا الذي أُمِرْتُمْ به فاعملوا به ، وانظروا الذي نُهِيْتُمْ عنه فانتهوا عنه».

ورُوِيَ عن أبي هريرة عن النبي r قال: «مِرَاءٌ في القرآنِ كفرٌ».

ورُوِيَ عن أبي جُهَيْمٍ ـ رجل من أصحاب النبي r _ ، عن النبيr أنه قال: «لا تماروا في القرآن فإن مراء فيه كفر».

وقال عبد الله بن عباس: قَدِمَ على عمر بن الخطاب رجلٌ فجعل عمر يسأله عن الناس؟ فقال: يا أمير المؤمنين! قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا.

فقال ابن عباس: فقلت: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة ، قال: فَزَبَرَنِي([55]) عمر [t]([56]) ثم قال: مه! فانطلقتُ إلى منزلي مكتئبًا حزينًا ، فبينا أنا كذلك إِذْ أتاني رجلٌ فقال: أجب أمير المؤمنين ، فخرجتُ فإذا هو بالبابِ ينتظرني ، فأخذَ بيدي فخلا بي وقال: ما الذي كرهتَ مما قال الرجل آنفًا؟ فقلتُ: يا أمير المؤمنين متى ما يتسارعوا هذه المسارعة يحتقّوا ، ومتى ما يحتقوا يختصموا ، ومتى ما يختصموا يختلفوا ، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا ، قال: لله أبوك؛ والله إِنْ كنت لأكاتمها الناس حتى جئتَ بها.

ورُوِيَ عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي r يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: «هل مِن رجلٍ يحملني إلى قومه فإِنَّ قريشًا قد منعوني أَنْ أُبَلِّغَ كلامَ ربي».

ورُوِيَ عن جُبَيْر بن نُفَيْر؛ قال: قال رسول الله r : «إنكم لن ترجعوا بشيءٍ أفضل مما خرج منه»؛ يعني: القرآن.

ورُوي عن أبي أُمامة ، عن النبي r قال: «ما تقرَّب العباد إلى الله بمثل ما خرج منه» يعني: القرآن.

ورُوِيَ عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «جَرِّدُوا القرآن ، لا تكتبوا فيه شيئًا إلا كلام الله [عز وجل]([57]) ».

ورُوِيَ عن عمر بن الخطاب؛ أنه قال: «إِنَّ هذا القرآنَ كلامُ الله فضعوه على مواضعه».

وقال رجلٌ للحسن البصري: يا أبا سعيد؛ [إني]([58]) إذا قرأتُ كتاب الله وتدبَّرْتُه ونظرتُ في عملي كدتُ أن أيأس وينقطع رجائي! قال: فقال له الحسن: «إن القرآن كلام الله ، وأعمال بني آدم إلى الضعف والتقصير؛ فاعْمَل وأَبْشِرْ».

وقال فروة بن نوفل الأشجعي: كنت جارًا لِخباب ـ وهو من أصحاب النبي r ـ فخرجتُ معه يومًا مِن المسجد وهو آخِذٌ بيدي فقال: «يا هناة([59]) تقرَّب لله بما استطعتَ ، فإِنَّكَ لن تتقرَّب إليه بشيءٍ أحبّ إليه مِن كلامه».

وقال رجلٌ للحكم بن عُتَيْبَة: ما حمل أهل الأهواء على هذا؟ قال: «الخصومات».

وقال معاوية بن قُرَّة ـ وكان أبوه ممن أتى النبي r ـ: «إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال».

وقال أبو قلابة ـ وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله r -: «لا تُجَالِسوا أصحاب الأهواء ـ أو قال: أصحاب الخصومات ـ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ويُلبسوا عليكم بعض ما تعرفون».

ودخل رجلان مِن أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين؛ فقالا: يا أبا بكر! نحدثك بحديثٍ؟ قال: «لا». قالا: فنقرأ عليك آيةً مِن كتاب الله؟ قال: «لا؛ لتقومان عني أو لأقوم عنكما». قال: فقام الرجلان فخرجا. فقال بعض القوم: يا أبا بكر! وما كان عليك أن يقرآ عليك آيةً مِن كتاب الله [U]([60])؟ فقال محمد بن سيرين: «إنِّي خشيتُ أن يقرآ عليَّ آية فيُحرِّفانها فيقِرَّ ذلك في قلبي». فقال([61]) محمد: «لو أعلم أني أكون مثل([62]) الساعة لتركتهما».

وقال رجلٌ من أهل البدع لأيوب السختياني: يا أبا بكر! أسألك عن كلمة؟ فولَّى وهو يقول ـ بيده ـ: «ولا نصف كلمة».

وقال ابنُ طاوس لابنٍ له ـ وتكلم([63]) رجلٌ مِن أهل البدع ـ: «يا بنيَّ أَدْخِل [أصبعيك]([64]) في أذنيك لا تسمع ما يقول» ، ثم قال: «اشْدُد اشْدُد».

وقال عمر بن عبد العزيز: «مَن جعلَ دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقُّل».

وقال إبراهيم النخعي: «إِنَّ القومَ لم يُدَّخَرُ عنهم شيءٌ خُبِّيءَ لكم لفضلٍ عندكم».

وكان الحسن رحمه الله يقول: «شرُّ داءٍ خالطَ قلبًا»؛ يعني: الهوى.

وقال حذيفة بن اليمان ـ وكان من أصحاب رسول الله r ـ: «اتقوا الله معاشر القراء [و]([65]) خذوا طريق مَن كان قبلكم ، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقًا بعيدًا ، ولئن تركتموه يمينًا وشمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا ـ أو قال: مبينًا».

قال أبي رحمه الله: وإنما تركتُ ذِكْرَ الأسانيد لما تقدم من اليمين التي حلفتُ بها مما قد عَلِمَهُ أمير المؤمنين [أيده الله تعالى]([66]) لولا ذاك ذكرتها([67]) بأسانيدها.

وقد قال الله جل ثناؤه: )وإن أحدٌ من المشركين استجارَك فأجره حتى يسمع كلام الله( [التوبة:6].

وقال: )ألا له الخلق والأمر( [الأعراف:54] فأخبر تبارك وتعالى بالخلق ثم قال: )والأمر( فأخبر أَنَّ الأمر غير الخلق.

وقال تبارك وتعالى: )الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان( [الرحمن:1-4] ، فأخبر تبارك وتعالى أن القرآن مِن عِلْمِهِ.

وقال[U]([68]): )ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير( [البقرة:120].

وقال: )ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم يتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين( [البقرة:145].

وقال[تعالى]([69]): )وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعذ الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق( [الرعد:37] فالقرآن مِن عِلْمِ الله.

وفي هذه الآيات دليلٌ على أَنَّ الذي جاءَه r هو القرآن؛ لقوله: )ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم( [البقرة:120].

وقد رُوِيَ عن غير واحدٍ ممن مضى مِن سلفنا أنهم كانوا يقولون: القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، وهو الذي أذهبُ إليه؛ ولستُ بصاحبِ كلامٍ ، ولا أرى الكلام في شيءٍ مِن هذا؛ إلا ما كان في كتابِ الله أو في حديثٍ عن النبي r أو عن أصحابهِ رحمة الله عليهم([70]) أو عن التابعين [رحمهم الله]([71]) فأما غير ذلك فإِنَّ الكلام فيه غير محمود.

وإني أسأل اللهَ أَنْ يُطِيلَ بقاء الأمير ، وأن يُثَبِّتَهُ ويمده منه بمعونةٍ ، إِنَّهُ على كلِّ شيءٍ قديرٍ»أهـ

وزَيَّفَ أبو محمدٍ التَّميمي رحمه الله قولَ أهل الضلال؛ ثم قال([72]): ولأحمد بن حنبل رحمة الله عليه فيما هذا سبيله:

عَلَيْكَ بالعِلْمِ واهْجُرْ كلَّ مبْتَدَعٍ

 

وكلَّ غاوٍ إلى الأهواءِ مَيَّالُ

ولا تُميلُوه يا هذا إلى بِدَعٍ

 

يُضلّكَ أصحابُها بالقِيلَ والقالِ

إِنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ أَنْزَلَهُ

 

ليسَ القرآنُ بمخلوقٍ ولا بالِ

لو أَنَّهُ كانَ مخلوقًا لصَيَّرَهُ

 

رَيْبُ الزمانِ إلى موتٍ وإبطالِ

وكيف يبطُلُ ما لا شيء يُبطلُهُ؟

 

وكيفَ يَبْلَى كلامُ الخالقِ العالي؟

فلا تَقُلْ بالذي قالوا وإِنْ سَفَّهوا

 

وأَوْثَقُوكَ بأَقْيَادٍ وأغْلالِ

واصْبِرْ على كلِّ ما يأْتِي الزمانُ به

 

فالصبرُ سِرْباله مِنْ خيرِ سِرْبالِ أهـ

وقد اشْتَهَرَتْ هذه العقيدة عن الإمام أحمد من غير وجهٍ ، بحيثُ يُسْتَغْنَى بشهرتها عن الاستطراد في حكايتها.

ومحنتُه رحمه الله في ذلك معلومةٌ للكافة؛ حتى قال الإمام عليُّ بن المَدِيني رحمه الله: « أَيَّدَ اللهُ هذا الدين برجُلين لا ثالث لهما: أبو بكرٍ الصديق يوم الرِّدَّة ، وأحمد بن حنبل في يوم المِحْنَةِ»([73]).

بل قال المَيْموني([74]):«سمعتُ عليَّ بن المديني يقول: ما قام أحدٌ في الإسلام بعد رسول الله r ما قام أحمد بن حنبل.

قال([75]): قلتُ له: يا أبا الحَسَن([76])! ولا أبو بكرٍ الصديق؟ قال: ولا أبو بكرٍ الصديق؛ إنَّ أبا بكر الصديق كان له أعوانٌ وأصحاب ، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوانٌ ولا أصحاب»أهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

« وصار الإمام أحمد عَلَمًا لأهل السنة الجائين بعده مِن جميع الطوائف ، كلهم يوافقه في جمل أقواله وأصول مذاهبه؛ لأَنَّه حَفِظَ على الأمة الإيمانَ الموروث ، والأصول النبوية ، ممن أرادَ أن يُحَرِّفها ويبدِّلها ، ولم يشرع دينًا لم يَأْذَن الله به ، والذي قاله هو الذي يقوله سائر الأئمة الأعيان ، حتى إِنَّ أعيان أقواله منصوصة عن أعيانهم؛ لكن جمع متفرّقها ، وجاهَدَ مخالفها ، وأَظْهَرَ دلالة الكتاب والسنة عليها ، ومقالاته ومقالات الأئمة قبله وبعده في الجهمية كثيرة مشهورة([77])»أهـ


فصلٌ

في حكاية ابن الجوزي لمذاهب الناس في المسألة

وساق ابنُ الجوزي رحمه الله بإسناده عن أبي عبد الله بن مَنْدَةَ قال: «إنَّ الصحابة والتابعين وأئمة الأمصار ، قرنًا بعد قرنٍ ، إلى عصرنا هذا: أجمعوا على أنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال غير ذلك كَفَرَ» ([78]).

ثم قال ابن الجوزي: «ونحن نقتصر على ذِكْر ما ثَبَتَ من طريق الثقة» ، فاستطردَ ابنُ الجوزي رحمه الله في تسميةِ مَنْ ذَهَبَ هذا المَذْهَب من الصحابةِ فمَنْ بعدهم مِنْ علماء البُلْدان؛ فقال:

«ذِكْر ما انتهى إلينا من قول الصحابة في ذلك([79]):

أبو بكرٍ الصديق ، عمر بن الخطاب ، عثمان بن عفان ، علي بن أبي طالب ، عبد الله بن مسعود ، خَبَّاب بن الأَرَتّ ، عبد الله بن عباس ، عبد الله بن عَمْرو ، عبد الله بن عُمَر ، عِمْران بن الحُصَيْن ، أبو سعيد الخدري ، عُبادَة بن الصامت ، أبو هريرة ، عِكْرمة بن أبي جهلٍ ، عائشة وأسماء ابنتا أبي بكرٍ ، والنجاشي أصحمة ، وأُوَيْس القَرَني؛ قالوا ذلك.

ثم لا أعرف لهم مِنَ الصحابة مخالفًا في أنَّ القرآن كلام الله U غير مخلوقٍ.

ذِكْر ما انتهى إلينا من أقاويل أهل البلدان من التابعين فمن بعدهم ، قرنًا فقرنًا إلى عصرنا هذا([80]):

أهل المدينة دار الهجرة: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن ، علي بن موسى الرِّضَى ، محمد بن مسلم الزهري ، محمد بن المنكدر ، مالك بن أنس ، عبد العزيز بن الماجِشُون ، حاتم بن إسماعيل ، إسماعيل بن أبي أُوَيْس ، عبد الله بن نافع ، مُطَرِّف بن عبد الله ، أبو مصعب الزهري ، مصعب بن عبد الله الزُّبَيْري ، أبو مروان العُثْماني ، إسحاق الحُنَيْني ، هارون بن موسى الفَرَوي ، محمد بن أبي بكرٍ الزُّبَيْري ، إبراهيم بن حمزة الزُّبَيْري ، إبراهيم بن المُنْذر الحِزَاميّ ، أبو بكر بن أبي شيبة الحِزَامي([81]) وغيرهم.

أجمعوا على أنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق.

ثم لا أعرف لهم من أهل المدينة مخالفًا من أهل الأثر والجماعة.

أهل مكة حرسها الله تعالى: مجاهد بن جَبْر ، عطاء بن أبي رباح ، عمرو بن دينار ، فُضَيْل بن عِيَاض ، سفيان بن عُيَيْنَة ، محمد بن إدريس الشافعي ، عبد الله بن يزيد المقرئ ، عبد الله بن الزُّبَيْر الحُمَيْدِيّ ، محمد بن أبي عُمر ، بكر بن خلف ، يعقوب بن حُمَيْد بن كاسب ، وغيرهم.

ولا يُعْرَفُ لهم مخالفٌ مِنْ أهل مكة من أهل الجماعة والأثر.

أهل الكوفة: الربيع بن خُثَيْم ، أبو عبد الرحمن السُّلَمِيّ ، عامر الشَّعْبيّ ، إبراهيم النَّخْعي ، سُليمان الأعمش ، منصور بن المُعْتَمِر ، عبد الله بن شُبْرُمَة ، حماد بن أبي سُلَيْمان ، محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، حجاج بن أرطاة ، لَيْثُ بن أبي سُلَيْم ، عُمر بن ذَرٍّ ، رَقَبَة بن مَصْقلة ، زكريا بن أبي زائدة ، سفيان بن سعيد ، شريك بن عبد الله ، عمار بن رُزَيْق ، أبو بكر بن عَيَّاش ، عبد السلام بن حرب ، الجراح بن مليح ، عمرو بن ثابت ، حفص بن غياث ، عبد الله بن إدريس ، عَبْدَة بن سليمان ، عيسى بن يونس ، وكيع بن الجراح ، أبو بدرٍ شجاع بن الوليد ، جعفر بن عون ، أبو نعيم الفضل بن دُكَيْن ، عبد العزيز بن أبان ، يحيى بن آدم ، أبو أسامة ، علي بن قادم ، أحمد بن يونس ، أبو بكر بن أبي شيبة ، عثمان بن أبي شيبة ، محمد بن عبد الله بن نُمَيْر ، سفيان بن وكيع ، الحسين بن علي بن الأسود ، أبو كريب هَنَّاد بن السَّري ، أبو سعيد بن الأشجّ ، هارون بن إسحاق ، وغيرهم.

ولا يُعْرَفُ لهم مخالفٌ مِن أهل الكوفة ممَّنْ يُنْسَبُ إلى أهل الأثر والجماعة.

أهل البصرة: الحسن البصري ، قَتَادَة ، مالك بن دينار ، عبد الله بن عون ، حماد بن سلمة ، شُعْبَة ، حماد بن زيد ، سلام بن أبي مُطِيع ، هُشَيْم ، خالد بن عبد الله ، يحيى بن سعيد القَطَّان ، عبد الرحمن بن مَهْدي ، خالد بن الحارث ، يزيد بن هارون ، يزيد بن زُرَيْع ، مُعْتَمِر بن سُلَيمان ، بِشْر بن المُفَضَّل ، بِشْر بن منصور ، معاذ بن معاذ العنبري ، محمد بن يزيد ، وهب بن جرير ، أبو عاصم النبيل ، مُؤَمَّل بن إسماعيل ، روح بن عُبادة ، أبو داود الطيالسي ، حَجَّاج بن مِنْهال ، عَفَّان بن مُسْلم ، سليمان بن حرب ، عبد الله بن مَسْلَمَة القَعْنَبِيّ ، عاصم بن عليٍّ ، سعيد بن سليمان ، أبو موسى محمد بن المثنَّى ، محمد بن بَشَّار ، زكريا بن يحيى زَحْمُوْيَه([82]) ، شيبان بن فَرُّوخ ، يحيى بن كثيرٍ.

ثم لا أعرف لهم من أهل البصرة من أهل الجماعة والأثر مخالفًا.

وعليُّ بن المديني: أجاب في المحنةِ؛ ثم رجع إلى قول أهل السنة([83]).

أهل اليمن: طاوس ، ومن بعده: عبد الرَّزَّاق ، ويزيد بن أبي حكيم العدني.

ثم لا يعرف لهم مخالف باليمن من أهل الأثر والجماعة.

أهل الشام والجزيرة: سليمان بن عمرو القاضي ، أرطأة بن المنذر ، سالم الأفطس ، خُصَيْف ، مروان بن محمد ، محمد بن يوسف الفِريْابي ، ضَمْرة بن سعيد ، بَقِيَّة بن الوليد ، أبو مُسْهر ، محمد بن سلمة الحرَّاني ، أبو اليمان ، مُبَشَّر بن إسماعيل ، أبو توبة الربيع بن نافع ، آدم بن أبي أياس ، حيوة بن شُريح ، يزيد بن عبد ربه ، مُعافَى بن عمران ، زيد بن أبي الزرقاء ، القاسم بن يزيد الجَرْمي ، سعيد بن المغيرة الصيَّاد ، هشام بن عَمَّار ، دُحَيْم بن إبراهيم ، سُليمان بن شرحبيل ، صفوان بن صالح ، مُؤَمَّل بن إهاب ، أحمد بن عبد الرحمن بن مُفَضَّل ، عبد الله النُّفَيْلي ، سعيد بن حفص النُّفَيْلي ، أبو الأصبع الحرّاني ، أحمد بن أبي شعيب الحرّاني ، الوليد بن مُسَرَّح ، وغيرهم.

ثم لا أعرف لهم مخالفًا من أهل الجزيرة والشام ممن يُنسب إلى الجماعة والأثر.

أهل الثغر: أبو إسحاق الفزاري ، يوسف بن أَسْباط ، يحيى بن خلف الطَّرسُوسِي ، علي بن مضاء ، أبو يوسف القُلُوسي ، عبد الله بن محمد الضعيف ، عبد الرحمن بن سلام.

ثم لا أعرف فيهم خلافاً.

أهل مصر: الليث بن سعد ، عبد الله بن لَهِيعَه ، عبد الله بن وهب ، أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، عمرو بن الربيع بن طارق ، أبو يعقوب البويطي ، أصبغ بن الفرج ، وغيرهم.

ثم لا يُعرف مِن أهل مصر مخالفٌ مِن أهل الأثر والجماعة.

أهل خراسان: إبراهيم بن طَهْمَان ، خَارجَة بن مُصْعَب ، عبد الله بن المبارك ، النَّضْر بن محمد الَمْروزَي ، مُقَاتِل بن سُلَيْمان ، يحيى بن معروف ، النضر بن شُميل ، محمد بن ميسرة ، إبراهيم بن رستم ، سلم بن سالم ، علي بن الحسن بن شقيق ، عبدان بن عثمان ، سعيد بن هُبَيْرة ، يعمر بن بشر ، محمد بن سلام البخاري ، علي بن حُجر ، إسحاق بن راهوَيه ، أحمد بن شَبُّوَيه ، حِبَّان بن موسى ، يحيى بن يحيى النَّيْسَابوري ، محمد بن نصر ، محمد بن معاوية ، محمد بن منصور الطُّوسِي ، محمد بن كثير النَّيسَابوري ، محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة ، محمد بن إسحاق السَّرَّاج ، الحسين بن حُرَيْث ، أحمد بن سلمة ، وغيرهم.

ثم لا يُعرف لهم مخالفٌ مِن أهل الجماعة والأثَر.

أهل بغداد: حسن بن موسى الأشْيَب ، حَجَّاج بن شُعَيْب بن حَرْب ، أبو النَّضْر هاشم بن القاسم ، معاوية بن عمرو ، شَبَانَة بن سَوَّار ، أحمد بن حنبل ، يحيى بن مَعِين ، أبو عُبَيْد القاسم بن سلام ، منصور بن عمار ، عصْمة ابن سُلَيْمَان ، أبو نصر التَّمَّار ، أبو إبراهيم التًّرْجُماني ، أبو خَيْثَمَة زُهَيْر بن حرب ، داود بن رُشَيْد ، يحيى بن أيوب ، سُويد بن سعيد ، إسحاق بن أبي إسرائيل ، الحسن الحلواني ، عباس العَنْبَري ، سعيد بن يحيى الأُموي ، عبد الوهاب بن الحكم الوراَّق ، إبراهيم بن عَرْعَرَة ، زُهَيْر بن نُعيم البابي ، الهَيْثم بن خَارجة ، الحكم بن موسى ، جابر بن كُردي ، يحيى بن عثمان الحربي ، الحسن بن عرفة ، بنو إشكاب ، يحيى بن أبي طالب ، عبد الله بن أحمد بن حنبل ، موسى بن هارون الحَمَّال ، وغيرهم.

ولا يُعرف لهم مخالفٌ مِن أهل الجماعة والأثر.

أهل الري والجبل: جرير بن عبد الحميد ، عُثمان بن رائدة ، إسحاق بن سُليمان الراوي ، يحيى بن الضّرَِيْس ، الحكم بن بشير ، حَكَّام بن سَلْم ، عبد العزيز بن أبي عثمان ، الفرات بن خالد ، أَشْعَث بن عَطَّاف ، هشام بن عبيد الله ، الحارث بن مسلم ، محمد بن سعيد بن سابق ، محمد بن مُسلم بن وَارَة ، أبو زُرْعَة ، وأبو حاتم ، وغيرهم.

ولا يُعرفُ لهم مخالفٌ مِن أهل الأثر والجماعة.

أهل أصبهان: عصام بن يوسف جَبَّر ، محمد بن النعمان بن عبد السلام ، عبد الله بن عمر بن يزيد ، أحمد بن الفرات ، عبد الله بن محمد بن النعمان.

ولا يُعرف لهم في البلد مخالفٌ ممَّن تقدَّم أو تأخَّر.

ولا يُعرف لِمَنْ ذكرنا مِن أئمة البلدان مخالفٌ مِن أهل الجماعة والأثر ، جَعَلَنَا اللهُ ممن تمسَّك (بالسُّنَّةِ)([84]) ، إنه على ذلك قدير» انتهى.


فصلٌ

من كتب العقائد سلفًا وخلفًا

وقد تواطأت كتب العقائد سلفًا وخلفًا على الإسفار عن هذا الأصل ، ولم يخل من نصٍّ على هذا الأصل السلفيِّ كتابُ اعتقادٍ؛ بل أَفْرَدَهُ بعض الأئمة بالتصنيف ، وتَتَابَعَ أهلُ السنة والجماعة رضي الله عنهم في الرَّد على أهل البدع والأهواء المخالفين في هذا الأصل.

فمِن ذلك:

الإمام البخاري

رحمه الله تعالى

 

فصنَّفّ الإمام البخاريّ رحمه الله في ذلك كتابه: «خَلْق أفعال العباد» وبسط فيه الردَّ على الجهمية؛ وقال:

«نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيتُ أضل في كفرهم منهم ، وإني لأستجهل من لا يكفرهم؛ إلاَّ مَن لا يعرف كفرهم».

وقال:

«ما أُبالي صليت خلف الجهمي والرافضي أم صليتُ خلف اليهود والنصارى ، ولا يُسَلَّم عليهم ، ولا يُعادون ، ولا يُناكحون ، ولا يُشهَدون ، ولا تُؤْكَل ذبائحهم».

وقال: «والقرآن كلام الله غير مخلوق؛ لقول الله عز وجل: )إنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَوَاتِ واَلأَرْضَ فِي ستَّة أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيل النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره( [الأعراف:54].

فبين أَنَّ الخلائق والطلب والحثيث والمسخرات بأمره شرحٌ؛ فقال: )ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين( [الأعراف:54]»أهـ

ثم بسط رحمه الله النَّقل والكلام في ذلك([85]).

أبو حاتم وأبو زُرْعَة الرازيان

رحمهما الله تعالى

 

وقال أبو حاتمٍ وأبو زُرْعَة الرازيان رحمهما الله تعالى:

«أَدْرَكْنا العلماءَ في جميع الأمصارِ: حجازًا ، وعِراقًا ، ومِصْرًا ، وشامًا ، ويَمَنًا؛ فكان مِن مذهبهم: أَنَّ القرآنَ كلامُ الله غير مخلوقٍ بجميع جهاته...

ومَن زعمَ أَنَّ القرآنَ مخلوقٌ؛ فهو كافرٌ بالله العظيم ، كفرًا ينقل عن الملَّةِ.

ومَن شكَّ في كفرِه مِمَّنْ يفهم: فهو كافرٌ.

ومَن شكَّ في كلامِ الله فوَقَفَ فيه شاكًّا يقول: لا أدري مخلوق أو غير مخلوق؛ فهو جَهْمِيٌّ.

ومَن وقَفَ في القرآن جاهلاً عُلِّمَ وبُدِّعَ ، ولم يُكَفَّرْ.

ومَن قال: لفظي بالقرآن مخلوق – أو القرآن بلفظي مخلوق – فهو جَهْمِيٌّ([86])»أهـ

وبَسَطَا رحمهما الله الكلام في ذلك.

 

الإمام ابن جرير الطبري

رحمه الله تعالى

 

وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمة الله عليه:

«والصواب في ذلك من القول عندنا: قول من قال: ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ».

وبَيَّنَ رحمة الله عليه وَجْه ذلك ، وختم ذلك بتصحيح أنَّ القرآن: «كلام الله صفة له ، غير خالقٍ ولا مخلوق. وأنَّ معاني الخَلْقِ عنه مَنفيِّةٌ([87])»أهـ

 

 

 

الإمام ابن خُزَيْمَة

رحمه الله تعالى

 

وقال الإمام ابن خُزَيْمة رحمة الله عليه في أثناء كلامه على هذه المسألة:

«باب: مِن الأدلة التي تدلُّ على أَنَّ القرآنَ كلام اللهِ الخالق ، وقوله ، غير مخلوقٍ ، لا كما زعمتِ الكفرة مِن الجهمية المعطِّلَةِ([88])»أهـ

ثم بَرْهَنَ رحمه الله على ذلك.

الإمام الطحاوي

رحمه الله تعالى

وقال الإمام الطحاوي رحمه الله:

«وأنَّ القرآنَ كلام الله ، منه بدأ بلا كيفيةٍ قولاً ، وأنزله على رسوله وحيًا ، وصدَّقَهُ المؤمنون على ذلك حقًّا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقةِ ، ليس بمخلوقٍ ككلام البريَّة ، فمَن سَمِعَهُ فزعمَ أنَّه كلام البشر فقد كفر ، وقد ذَمَّهُ الله وعابَهُ وأَوْعَدَهُ بسقر ، حيثُ قال تعالى: )إِنْ هذا إلا قول البشر( [المدثر:25] عَلِمْنا وأَيْقَنَّا قول خالق البشر ، ولا يشبه قول البشر([89])»أهـ

قال الشارح للطحاوية:

«هذه قاعدة شريفة ، وأصلٌ كبير من أصول الدين ، ضلَّ فيه طوائف كثيرة مِن الناس.

وهذا الذي حكاه الطحاوي رحمه الله هو الحق الذي دلَّتْ عليه الأدلة مِن الكتاب والسنة لِمَنْ تدبَّرَهما ، وشَهِدَتْ به الفِطرة السليمة التي لم تُغَيَّر بالشُّبُهات والشكوك والآراء الباطلة»أهـ

ثم بسط رحمه الله الكلامَ على ذلك.

الإمام الآجُرِّيُّ

رحمه الله تعالى

وقال الإمام محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ رحمه الله:

«اعلموا رحمنا الله وإياكم: أنَّ قول المسلمين الذين لم تَزِغْ قلوبهم عن الحقِّ ، ووفِّقوا للرَّشادِ قديمًا وحديثًا: إِنًَّ القرآن كلام الله عز وجل ليس بمخلوقٍ؛ لأنَّ القرآن مِن عِلْم الله تعالى ، وعِلْمُ الله عز وجل لا يكون مخلوقًا ، تعالى الله عز وجل عن ذلك.

دلَّ على ذلك القرآن والسنة وقول الصحابة رضي الله عنهم وقول أئمة المسلمين رحمة الله تعالى عليهم ، لا يُنكر هذا إلا جهميٌّ خبيثٌ ، والجهميةُ عند العلماء كافرةٌ([90])»أهـ

ثم فَصَّلَ رحمه الله ما أجْمَلَه ، فساق الآيات والأحاديث الدالة على ذلك ، مع جملةٍ مِن الآثار السلفية في الباب.

الإمام ابن بطة العُكْبري

رحمه الله تعالى

وقال الإمام ابن بطة العُكْبري رحمه الله:

«ثم بعد ذلك أَنْ يعلم بغير شكٍّ ولا مِرْيةٍ ولا وقوفٍ أَنَّ القرآن كلام الله ، ووحيه ، وتنزيله ، فيه معاني توحيده ، ومعرفة آياته ، وصفاته ، وأسمائه ، وهو عِلْمٌ مِنْ عِلْمِهِ ، غير مخلوقٍ ، وكيف قُرِئَ ، وكيف كُتِبَ ، وحيثُ تُلِيَ ، وفي أَيِّ موضعٍ كان ، في السماء وُجِدَ أو في الأرضِ ، حُفِظَ في اللوح المحفوظ وفي([91]) المصاحف وفي ألواح الصبيان مرسومًا ، أو في حَجَرٍ منقوشًا ، وعلى كلِّ الحالات ، وفي كلِّ الجهات؛ فهو كلام الله غير مخلوق.

ومَن قال: مخلوق ، أو قال: كلام الله وَوَقَفَ ، أو شكَّ ، أو قال بلسانه وأضْمَرَهُ في نفسه: فهو بالله كافرٌ ، حلال الدم ، بريء مِن الله ، والله منه بريءٌ ، ومَن شكَّ في كفره ، ووَقَفَ عن تكفيره: فهو كافرٌ؛ لقول الله عز وجل: )بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ( [البروج:21 ـ 22].

وقال تعالى: )حتى يسمع كلام الله( [التوبة:6].

وقوله تعالى: )ذلك أمر الله أنزله إليكم( [الطلاق:5].

فمَنْ زَعَمَ أَنَّ حرفًا واحدًا منه مخلوق؛ فقد كَفَرَ لا محالة؛ فالآي في ذلك مِن القرآن ، والحجة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أكثر مِن أَنْ تُحْصى ، وأَظْهَر مِن أَنْ تخْفى([92])»أهـ

وقال ابن بطة العكبري رحمه الله تعالى في ذِكْرِ مقاصد تأْلِيفه «الإبانة» ([93]):

«وأُحَذِّرُهم([94]) مقالةَ جهمِ بن صفوان وشِيعته ، الذين أَزَاغَ الله قلوبهم ، وحجَبَ عن سُبُلِ الهدي أبصارهم؛ حتى افتروا على الله عز وجل بما تقشعِرّ منه الجلود ، وأَوْرَثَ القائلين به نار الخلود؛ فزعموا أَنَّ القرآن مخلوق.

والقرآن مِن عِلْمِ الله تعالى ، وفيه صفاته العليا ، وأسماؤه الحسنى ، فمَنْ زعمَ أَنَّ القرآن مخلوقٌ؛ فقد زعمَ أنَّ الله كان ولا عِلْم ، ومَن زعمَ أَنَّ أسماء الله وصفاته مخلوقة؛ فقد زعمَ أَنَّ الله مخلوقٌ مُحْدَثٌ ، وأَنَّه لم يكن ثم كان ، تعالى الله عما تقوله الجهمية الملحدة عُلُوًّا كبيرًا ، وكلما([95]) تقوله وتنتحله؛ فقد أَكْذَبَهم الله عز وجل في كتابه ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي أقوال الصحابة ، وإجماع المسلمين في السابقين والغابرين؛ لأنَّ الله عز وجل لم يزل عالمًا سميعًا بصيرًا مُتكلِّمًا ، تامًّا بصفاته العليا وأسمائه الحسنى ، قبل كون الكون ، وقبل خلق الأشياء ، لا يدفع ذلك ولا ينكره إلا الضالّ الجحود الجهمي المكذِّب بكتاب الله وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

وسنذكر مِنْ كتاب الله وسنة نبيِّه وإجماع المسلمين ما دلَّ على كفر الجهمي الخبيث وكذبه؛ ما إذا سَمِعه المؤمن العاقل العالِم؛ ازداد بصيرةً وقوةً وهدايةً ، وإِنْ سَمِعَهُ مَنْ قد داخَلَهُ بعض الزيغ والرّيب ، وكان لله فيه حاجة ، وأَحَبَّ خَلاصَهُ وهدايته؛ نَجَّاهُ ووقاه ، وإِنْ كان ممَّن قد كُتِبَت عليه الشِّقْوَة؛ زادَهُ ذلك عُتُوًّا وكفرًا وطغيانًا.

ونستوفق الله لصواب القول وصالح العمل»أهـ

ثم طَوَّلَ ابنُ بطَّة رحمة الله عليه في تفصيل هذا الباب([96]).

الإمام اللالكائي

رحمه الله تعالى

وقال الإمام أبو القاسم اللالكائي رحمه الله تعالى:

«سياق ما وَرَدَ في كتاب الله مِن الآيات ممَّا فَسَّر أو دلَّ على أنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق»([97]).

فذكر الآيات الواردة في الباب؛ ثم قال:

«سياق ما رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أَنَّ القرآن مِن صفات الله القديمة»([98]).

فذكر رحمه الله الروايات الدالة على ذلك؛ ثم قال:

«سياق ما رُوِيَ مِن إجماع الصحابة على أَنَّ القرآن غير مخلوق»([99]).

فذكر ذلك ثم قال:

«ذِكْر إجماع التابعين»([100]) ، ثم «ما رُوِيَ عن أَتْباع التابعين»([101]).

فذكر أقاويلهم ، وما رُوِيَ عن جماعتهم مِن بلدانٍ شتى ، وطبقاتٍ متفاوتة.

الإمام أبو عثمان الصابوني

رحمه الله تعالى

وقال شيخ الإسلام الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني رحمه الله تعالى (ت449):

«ويشهد أصحاب الحديث ويعتقدون أَنَّ القرآن كلام الله ، وكتابه ، وتنزيله ، غير مخلوق ، ومَن قال بخلقِه واعتقده فهو كافرٌ عندهم([102])»أهـ

الإمام البيهقي

رحمه الله تعالى

وقال الإمام أبو الحسين البيهقي رحمه الله تعالى:

«القرآن كلام الله عز وجل ، وكلام الله صفةٌ من صفاتِ ذاته ، ولا يجوز أن يكون من صفات ذاته مخلوقًا ، ولا مُحْدَثًا ، ولا حادِثًا»([103]).

قال البيهقي:

«وهو مذهب كافة أهل العلم قديمًا وحديثًا([104])»أهـ

الإمام البغوي

رحمه الله تعالى

وقال الإمام البغوي رحمه الله:

«وقد مضى سلف هذه الأمة ، وعلماء السنة على أَنَّ القرآنَ كلامُ الله ، ووَحْيُهُ ، ليس بخالقٍ ولا مخلوق ، والقول بخلق القرآن بدعةٌ وضلالة ، لم يتكلَّم بها أحدٌ في عهد الصحابة والتابعين رحمهم الله([105])»أهـ

وبسطَ رحمه الله الكلام في ذلك.

الإمام ابن الجوزي

رحمه الله تعالى

وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:

«لم يزل الناسُ على قانون السلف وقولهم: إِنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، حتى نَبَغَت([106]) المعتزلةُ فقالت بخلق القرآن ، وكانت تَسْتُر ذلك ، وكان القانون محفوظًا في زمن الرشيد».

قال ابن الجوزي: «فلمَّا تُوفِّيَ الرشيدُ كان الأمر كذلك في زمن الأمين ، فلمَّا وَلِيَ المأمون خَالَطَهُ قومٌ مِن المعتزلة فَحَسَّنوا له القولَ بخلق القرآن ، وكان يتردَّدُ في حَمْلِ الناس على ذلك ، ويُراقب بقايا الأشياخ ، ثم قَوِيَ عزمُه على ذلك فَحَمَلَ الناسَ عليه([107])»أهـ

وبئس ما فعل؛ والله المستعان.

الإمام أبو محمدٍ التيمي

رحمه الله تعالى

وقال الإمام أبو محمدٍ التيمي رحمه الله:

«فصل: وهذا فرقة اللفظية ، لم يقع لي اسم شيخهم فأذكره؛ لكنهم قالوا: ألفاظهم بالقرآن مخلوقة ، وكلام الله تعالى عندهم ليس بسموع.

وهذا بخلاف قوله تعالى: )قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين( [الأعراف:144].

فمَن زَعَمَ أَنَّ موسى عليه السلام لم يسمع مِن الله كلامًا؛ فقد كَفَرَ ، فالحَذَر منهم»([108]).

قال أبو محمدٍ رحمه الله:

«فأما القرآن عندنا فغير مُحْدَثٍ فيكون مخلوقًا؛ بل هو كلام الله تعالى ، منه بَدَأَ ، وإليه يعودُ ، والكلام مِن الذات ، والذات قديمة لا نهاية لها؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى: )وكلم الله موسى تكليمًا( [النساء:164] ، وبقوله: )الرحمن علم القرآن خلق الإنسان( [الرحمن:1ـ3].

فذكر أنَّه علَّمَهُ ولم يخلقه كالإنسان ، ففرَّقَ بين الخلق والتعليم؛ لأنَّ الإنسان مِن خلقه ، والقرآن مِن عِلْمِه ، وفيه أسماؤه؛ كالرحمن الرحيم وغير ذلك ، فلو كان القرآن مخلوقًا كما ذهبوا إليه؛ لوجبَ أنْ تكونَ أسماؤه مخلوقة؛ لأنَّها منه ، وإذا لم يَجُزْ أَنْ تكون مخلوقة؛ فقد صحَّ أَنَّ القرآنَ غير مخلوقٍ ، وبطلَ ما ذهبوا إليه ، وفي هذا كفايةٌ والحمد لله([109])»أهـ

شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية

رحمه الله تعالى

وقال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

«ومِن الإيمان بالله وكُتُبه: الإيمانُ بأنَّ القرآن كلامُ الله ، مُنَزَّلٌ ، غيرُ مخلوقٍ؛ منه بدأَ ، ن وإليه يعودُ»([110]).

وقال في موضعٍ آخر:

«والقرآن كلام الله ليس بمخلوقٍ ، ولا حالٌّ في مخلوقٍ؛ وأَنَّه كيفما تُلِيَ ، وقُرِئَ ، وحُفِظَ؛ فهو صفة الله عز وجل ، وليس الدرس مِن المدروس ، ولا التلاوة مِن المتلوّ؛ لأنَّه عز وجل بجميع صفاته وأسمائه غير مخلوق ، ومَن قال بغير ذلك فهو كافرٌ([111])»أهـ

الإمام ابن القيم

رحمه الله تعالى

وقال الشيخ الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في قصيدته المشهورة([112]):

«واللهُ ربِّي لم يَزَلْ مُتَكَلِّمًا

 

وكلامُهُ المسموعُ بالآذانِ

صِدْقًا وعدْلاً أُحْكِمَتْ كلماتُه

 

طلبًا وإِخْبارًا بلا نقصانِ

ورسولُه قد عاذَ بالكلماتِ مِن

 

لدغٍ ومِن عينٍ ومِن شيطانِ

أَيُعَاذُ بالمخلوقِ حاشاهُ مِن الْـ

 

إِشْراكِ وهو مُعَلِّمُ الإيمانِ

بل عاذَ بالكلماتِ وهي صفاتُه

 

سبحانه ليْسَتْ مِنَ الأكوانِ

وكذلكَ القرآن عينُ كلامِه الْـ

 

مسموع منه حقيقة ببيانِ

هو قولُ ربِّي كلُّه لا بعضُه لفظًا

 

ومعنًى ما هما خَلْقَانِ

تنزيلُ ربِّ العالمينَ وقولُه

 

اللفظُ والمعنى بلا روغانِ»أهـ

 


فصلٌ

وهذا كلُّه مقرَّرٌ في كتب أهل العلم مِن أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم ، ببيانٍ واضحٍ ، وأدلةٍ قطعية الثبوت والدلالة ، وفيما مضى مِن أقوالهم كفايةٌ ومقنعٌ لكلِّ منصفٍ([113]).

 

 


فصلٌ

في معنى قولِهم: «مِنْه بَدَأَ وإِليهِ يَعود»

 

ومعنى ذلك أنَّ الله U قد تكلَّمَ بالقرآن حقيقةً, ولم يخلقه أو يُجْريه على لسانِ غيره كما تذهب إليه الجهميّه قاتلهم الله؛ وإنما تكلم به I على الحقيقة, وأوحاه إلى نبيِّهr .

ومعنى «إليه يعود»: يعني أنه يرفعه إليه ثانية, فلا يترك منه شيئًا في صدور العباد, وذلك في آخر الزمان, كما وردت النصوص بذلك في أمارات الساعة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولما جاءت مسألة القرآن؛ ومِن الإيمان به؛ الإيمان بأنَّ القرآن كلام الله, غير مخلوق, منه بدأ وإليه يعود: نازع بعضُهم في كونه منه بدأ وإليه يعود, وطلبوا تفسير ذلك؛ فقلت: أما هذا القول: فهو المأثور, الثابت عن السلف؛ مثل: ما نقله عمرو بن دينار قال: أدركتُ الناسَ منذ سبعين سنة؛ يقولون: الله الخالق, وما سواه مخلوق؛ إلاَّ القرآن([114]) فإِنَّهُ كلام الله غير مخلوق, منه بدأ وإليه يعود.

وقد جمع غيرُ واحٍد ما في ذلك من الآثار عن النبيِّ r والصحابة والتابعين؛ كالحافظ أبي الفضل بن ناصر ، والحافظ أبي عبد الله المقدسي.

وأما معناه؛ فإنَّ قولهم: منه بدأ؛ أي هو المتكلِّم به ، وهو الذي أنزلَهُ مِن لدنه ، ليس هو كما تقول الجهمية: إنه خُلِق في الهوى([115]) أو غيره ، أو بدأ من عند غيره.

وأما إليه يعود: فإِنَّهُ يُسْرَى به في آخر الزمان ، من المصاحف والصدور ، فلا يَبقى في الصدور منه كلمة ، ولا في المصاحف منه حرف.

ووافق على ذلك غالبُ الحاضرين ، وسكت المنازعون .....([116]) »أهـ

تنبيه مهمٌّ:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «قال الأئمة كلام الله من الله ، ليس ببائنٍ عنه ، .. وأن قول السلف: منه بدأ لم يريدوا به أنه فارق ذاته وحل في غيره ، فإن كلام المخلوق بل وسائر صفاته لا تفارقه وتنتقل إلى غيره ، فكيف يجوز أن يفارق ذاتَ الله كلامُه أو غيره من صفاته؛ بل قالوا: منه بدأ؛ أي: هو المتكلم به؛ ردًّا على المعتزلة والجهمية وغيرهم الذين قالوا: بدأ من المخلوق الذي خُلِقَ فيه ، وقولهم([117]): إليه يعود؛ أي: يسري عليه فلا يبقى في المصاحف منه حرفٌ ، ولا في الصدور منه آية»([118]).

وقال في موضعٍ آخر:

«... فإِنَّه منه بدَأَ لا كما يقوله الصابئة ومَن وافقهم مِن الجهمية أَنَّه ابتدأَ مِن نَفْسِ النبيِّ ، أو مِن العقلِ الفعال ، أو مِن الهواء؛ بل هو تنزيل من حكيم حميد ، وأَنَّه   إليه يعود إِذا أُسْرِيَ به مِن المصاحفِ والصدور([119])»أهـ

وقال الشيخ عبد الله بن يوسف الجُدَيع حفظه الله: «ويجب أن يُعْلَم أَنه ليس معنى قولهم: (منه خرج) أَنَّ صفة الكلام فارَقَتْهُ تعالى ، وحلَّتْ في غيره ، وأنَّ ما تكلَّمَ به نُسِبَ إلى غيره ، وصار وصفًا لذلك الغير ـ كما قد وَسْوَسَ به بعض أهل البدع ـ؛ فإِنَّ هذا المعنى لا يُعْقَلُ في حقِّ الإنسانِ المخلوق الضعيف ، إذا تكلم بكلامٍ تزول عنه صفة الكلام بذلك وتُفارقه إلى غيره ، فإِنَّ مَن كان كذلك لم يُمكنه الكلام إلا مرةً واحدةً ، فإذا تكلَّمَ هذه المرة فارَقَته صفته؛ لأنَّ الكلام خرج منه وفارَقَهُ ، وبمفارقتهِ زالتْ عنه الصِّفة ، ولَحِقَتْ غيره.

هذا كلامٌ لا يقوله مَن يدري ما يقول؛ فإِنَّ مَن وُصِفَ بالكلام على هذا المعنى موصوفٌ بالعجزِ عنه ، وهو غير مُتَصَوَّرٌ في حقِّ الناطق المخلوق على ضعفه ، فكيف تَصَوَّرَهُ هؤلاء الضُّلال في حقِّ الله الذي ليس كمثله شيءٌ ، فإِنَّهُ تعالى وصفَ نفسَهُ بأنه متكلِّمٌ بكلامٍ مُتَعَلِّقٌ بمشيئته وقدرته ، يُسْمِعه مَن شاء مِن خلقه ، متى شاء ، وأَنَّ كلماته تعالى لا تنفد ، ومَن كان هذا وصفه لم تُفَارِقه صفته بِتَكَلُّمِه مرةً أو مرات ، وكلّ ما تكلَّمَ به منسوبٌ إليه لا إلى غيره.

قال الإمام الحافظ أبو الوليد الطيالسي: (القرآن كلام الله ليس ببائِنٍ مِن الله).

وقال شيخ الإسلام([120]): (وإِنَّ قول السلف: (منه بدا) لم يُريدوا به أنه فارَق ذاته ، وحَلَّ في غيره؛ فإِنَّ كلام المخلوق؛ بل وسائر صفاته لا تُفارقه وتنتقل إلى غيره ، فكيف يجوز أَنْ يفارق ذاتَ الله كلامُه أو غيره مِن صفاته).

قلتُ([121]): قال الله تعالى: )وإن أحدٌ مِن المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله( [التوبة:6] فالذي يسمعه المشرك المستجير مِن القارئ إنما هو كلام الله المضاف إليه لا إلى غيره ، فلو أَنَّ كلامَه بانَ منه وفارَقَه لَمَا صحَّتْ إضافته إليه إضافة الصفة إلى الموصوف ، وهذا الكلام بعينه هو الذي في مصاحف المسلمين بلا شكّ ولا رَيْب ، خلافًا لِلَّفْظِيَّةِ مِن الأشعرية وغيرهم القائلين بأنَّ ما في المصاحف دلالة على كلام الله ، وليس هو كلام الله ، وقد قال الله تعالى: )إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين( [الواقعة:77-80] فأبانَ أَنَّ كلامَه الذي هو وَحْيه وتنزيله يكون في الكتاب المكنون؛ فكذلك كونه في المصاحف ، ونحن لا نعلم القرآن إلا هذا العربيّ المُنَزَّل ، وهو الذي سَمَّاهُ الله تعالى كلامَه([122])»أهـ

 

فصلٌ

في القرآن الذي هو كلام الله U

فإذا تقرَّر هذا الأصل؛ فاعلم أن القرآن الذي هو كلام الله U هو الموجود بين أيدي المسلمين ، المحفوظ في صدور الرجال ومصاحفهم ، بنظمه وحروفه ومعانيه ، ليس كلام الله U الحروف دون المعاني ، ولا المعاني دون الحروف ، وقد تَميَّز القرآن بذلك عن غيره من أصناف الوحي؛ كالأحاديث القدسية التي يكون فيها اللفظ من جهة النبيّ r ، ويكون معناها من جهة المولى I ، وأما القرآن فهو كلام الله U بحروفه ومعانيه ونظمه ، وإعراب حروفه داخلٌ في كلامه سبحانه؛ لأنَّهُ من تمام الحروف.

والإيمان بذلك كله: مِن تمام الإيمان بالله وكتبه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

«ومن الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام الله ، منزلٌ غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، وأن الله تعالى تكلَّم به حقيقةً ، وأنَّ هذا القرآن الذي أنزله على محمد r هو كلام الله حقيقة ، لا كلام غيره ، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله ، أو عبارة عنه ، بل إذا قَرَأَهُ الناسُ أو كتبوه بذلك في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقةً ، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مُبْتَدِئًا ، لا إلى من قاله مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا.

وهو كلام الله؛ حروفه ومعانيه ، ليس كلام الله الحروف دون المعاني ، ولا المعاني دون الحروف»([123]).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في موضعٍ آخر:

«والقرآن كلام الله بحروفه ونظمه ومعانيه ، كل ذلك يدخل في القرآن وفي كلام الله ، وإعراب الحروف هو من تمام الحروف؛ كما قال النبي r: «من قرأَ القرآنَ فَأَعْرَبَهُ فله بكل حرف عشر حسنات»([124]) ، وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما: حِفْظُ إعراب القرآن أحبّ إلينا من حِفْظِ بعض حروفه([125])»أهـ

وقال فضيلة الشيخ حسن مأمون مفتي مصر سابقًا رحمه الله تعالى:

«القرآن كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على سيدنا محمد r؛ لهداية الناس ، وبيان الأحكام التي تعبَّدَ الله الناس بها ، وكلَّفَهم باتِّباعها ، والقرآن وحيٌ متلوٌّ ، سَمِعَهُ الرسول من الوحي ، وحَفِظَهُ بألفاظه وعباراته ، ووعاه ، وأبلَغَهُ كما سمعه إلى أصحابه ، ودعاهم إلى حِفْظِه ، وتَفَهُّم معانيه ، والعمل به ، فحفظوه ، وفهموا معانيه ، وعملوا بأحكامه ، ونُقِلَ إلينا بطريق التواتر ، وثبت على وجه القطع ، ورَوَوْهُ عن الله I ، وصَدَقَ ما وَعَدَ الله به رسولَهُ: )إنا نحن نزلنا الذكر وآنا له لحافظون( [الحجر: 9]([126])»أهـ


 

 

 

البابُ الثَّاني

في

بعْضِ اللَّوازِمِ الواجبَةِ تجَاه كلامِ الله سبحانه وتعالى

 


تمهيد

 

سبق في الباب الأولِ بيان مذهب أهل الحقِّ في القرآن المقدَّس ، وأَنَّهُ كلامُ الله تعالى غير مخلوقٍ ، وسبق ذِكْر أدلتِهِم في ذلك من القرآن والسنة وإجماع السلف والخلف.

وبناءً على ذلك تَمَيَّزَ القرآن المقدَّس عن كلام البشر بخصائص ومميِّزَاتٍ لا يشاركه فيها غيره؛ نظرًا للاختلاف والتبايُنِ بين المتكلِّمِ بالقرآن سبحانه وتعالى ، وبين سائر المتكلِّمين من البشر.

فكما أنَّ ذاتَ الله سبحانه لا تُشْبِه ذات أحدٍ من خَلْقِه فكذلك كلامه عز وجلَّ لا يُشْبه كلام أحدٍ من خَلْقِهِ؛ إِذِ الكلام في الصفاتِ فرعٌ عن الكلامِ في الذَّاتِ ، وصفات الله تعالى مُتَعَلِّقةٌ بذاته سبحانه وتعالى ، ولها أحكام الذَّات.

فدلَّ هذا وغيره على التبايُن والاختلاف بين كلام الله تعالى ، وبين كلام البشر ، سواءٌ في خصائصه ، أو في توابعه وما يلزم نحوه في رقبة الإنسان.

ويُؤَكِّد هذه الحقيقة:

 

قاعدة

القول في الصفات كالقول في الذّات

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «القول في الصفات كالقول في الذات؛ فإن الله ليس كمثله شيءٌ ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فإذا كان له ذات حقيقة لا تُمَاثِلُ الذوات؛ فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تُمَاثِل سائر الصفات.

فإذا قال السائل: كيف استوى على العرش؟ قيل له كما قال ربيعة ومالك وغيرهما رضى الله عنهما: الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عن الكيفية بدعة؛ لأنه سؤالٌ عما لا يعلمه البشر ، ولا يمكنهم الإجابة عنه.

وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيته ، قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله؛ إِذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف ، وهو فرعٌ له ، وتابعٌ له ، فكيف تطالبنى بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنتَ لا تعلم كيفية ذاته ، وإذا كنتَ تُقِرُّ بأَنَّ له حقيقةً ثابتةً في نفس الأمر مستوجبةً لصفات الكمال لا يُمَاثلها شيءٌ فسَمْعُه وبصَرُه وكلامُه ونزولُه واستواؤه ثابتٌ في نفس الأمر ، وهو متصفٌ بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سَمْعُ المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم»([127]).

- ويلزم من هذا:

استواء الذات مع الصفات الإلهية في إثبات الوجود ونفي الكيفية.

- ويلزم من ذلك أيضًا:

استواء الإثم والعقاب فيمَنْ سَبَّ الذات أو الصفات ، أو استهزأَ بهما ، أو بأحدهما؛ لأنَّ سبَّ الصفة سَبٌّ للموصوف ، كما أنَّ سبَّ الموصوف سبٌّ لذاته وصفاته وأفعاله.

 

قاعدة أخرى

وهي أَنَّ صفاتُ الله تعالى متعلِّقةٌ بذاته الكريمة لا تُبَاين الذَّات ولا تَنْفَكّ عنها

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «لفظ الذات في لغتهم لم يكن كلفظ الذات في اصطلاح المتأخرين ، بل يُرَادُ به ما يُضاف إلى الله ، كما قال خُبَيْبٌ t:

‌وَذَلِكَ في ذَاتِ الإِلهِ وَإِنْ يَشَأْ  يُبَارِكْ على أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

ومنه الحديث: «لم يَكْذِبْ إبراهيمُ u إِلا ثلاثَ كَذَبَاتٍ كلُّها في ذاتِ الله» ، ومنه: قوله تعالى: )فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم( [الأنفال: 1] )وهو عليم بذات الصدور( [الحديد: 6] ونحو ذلك.

فإن (ذات) تأنيث (ذو) ، وهو يُستعمل مضافًا يُتَوَصَّلُ به إلى الوصف بالأجناس ، فإذا كان الموصوف مُذَكَّرًا قيل: ذو كذا ، وإن كان مؤنثًا قيل: ذات كذا ، كما يقال: ذات سوار ، فإِنْ قيل: أُصِيبَ فلانٌ في ذات الله؛ فالمعنى: في جهتهِ ووجهته؛ أي: فيما أَمَرَ به وأَحَبَّهُ ولأجله.

ثم إِنَّ الصفات لما كانت مضافة إلى النفس فيقال في النفس أيضًا: إنها ذات عِلْمٍ وقدرة وكلام ونحو ذلك؛ حَذَفُوا الإضافةَ وعَرَّفوها فقالوا: الذات الموصوفة؛ أي: النفس الموصوفة ، فإذا قال هؤلاء المُؤَكّدون: الذات؛ فإِنَّما يعنون به النفس الحقيقية ، التي لها وصف ولها صفات.

والصفة والوصف تارةً يُرَادُ به الكلام الذي يوصف به الموصوف؛ كقول الصحابي في )قل هو الله أحد( [الإخلاص:1]: أُحِبُّها لأنها صفة الرحمن ، وتارةً يُرَادُ به المعاني التي دَلَّ عليها الكلام؛ كالعلم والقدرة.

والجهمية والمعتزلة وغيرهم تُنْكِرُ هذه وتقول: إِنَّما الصفات مُجَرَّد العبارة التي يُعَبَّرُ بها عن الموصوف.

والكلابية ومَن اتَّبعهم من الصِّفَاتِية قد يُفَرِّقون بين الصفةِ والوصف ، فيجعلون الوصفَ هو القول والصفةَ المعنى القائم بالموصوف.

وأما جماهير الناس فيعلمون أنَّ كل واحدٍ مِن لفظ الصفة والوصف مصدرٌ في الأصلِ؛ كالوَعْدِ والعِدَةِ ، والوَزْنِ والزِّنَةِ ، وأَنَّهُ يُرَادُ به تارةً هذا ، وتارةً هذا.

ولما كان أولئك الجهمية ينفون أَنْ يكونَ الله وصفٌ قائمٌ به عِلْمٌ أو قدرة أو إرادة أو كلام -وقد أثبتها المسلمون- صاروا([128]) يقولون: هؤلاء أثبتوا صفاتٍ زائدةً على الذات ، وقد صار طائفة من مناظريهم الصفاتية يوافقونهم على هذا الإطلاق ، ويقولون: الصفات زائدة على الذات التي وصفوا لها صفات ووصف ، فيشعرون الناس أنَّ هناك ذاتًا متميزة عن الصفات ، وأنَّ لها صفاتٍ متميزةً عن الذات ، ويُشَنِّع نفاة الصفات بشناعاتٍ ليس هذا موضعها ، وقد بَيَّنَّا فسادَها في غير هذا الموضع.

والتحقيق أنَّ الذاتَ الموصوفةَ لا تنفكّ عن الصفات أصلاً ، ولا يمكن وجود ذاتٍ خالية عن الصفات ، فدعوى المدعي وجود حيّ عليم قدير بصير بلا حياة ولا عِلْم ولا قدرة كدعوى قدرة وعلم وحياة لا يكون الموصوف بها حيًّا عليمًا قديرًا ، بل دعوى شيء موجود قائم بنفسه قديم أو مُحْدَث عَرِيٌّ عن جميع الصفات ممتنعٌ في صريح العقل.

ولكن الجهمية المعتزلة وغيرهم؛ لما أثبتوا ذاتًا مجردةً عن الصفات صارَ مناظِرهم يقول: أنا أُثبتُ الصفات زائدةً على ما أثبتُّموه من الذات؛ أي: لا أقتصر على مُجَرَّد إِثْبات ذات بلا صفات ، ولم يَعْنِ بذلك أَنَّهُ في الخارج ذات ثابتة بنفسها ، ولا مع ذلك صفات هي زائدة على هذه الذات متميزة عن الذات.

ولهذا كان من الناس من يقول: الصفات غير الذات؛ كما يقوله المعتزلة والكرامية ، ثم المعتزلة تنفيها ، والكرامية تثبتها.

ومنهم من يقول: الصفة لا هي الموصوف ولا هي غيره؛ كما يقوله طوائف من الصفاتية كأبي الحسن الأشعري وغيره.

ومنهم من يقول كما قالت الأئمة: لا نقول الصفة هي الموصوف ، ولا نقول: هي غيره؛ لأَنَّا لا نقول: لا هي هو ولا هي غيره ، فإِنَّ لفظ الغير فيه إجمالٌ قد يُرَادُ به الْمُبَايِن للشيء ، أو ما قَارَنَ أحدُهما الآخر ، وما قاربه بوجودٍ أو زمانٍ أو مكانٍ ، ويُرَادُ بالغيران: ما جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر.

وعلى الأول: فليست الصفة غير الموصوف ولا بعض الجملة غيرها.

وعلى الثاني: فالصفة غير الموصوف وبعض الجملة غيرها.

فامتنع السلف والأئمة من إطلاق لفظ الغير على الصفة نفيًا أو إِثْبَاتًا؛ لِمَا في ذلك مِن الإجمالِ والتَّلْبيس ، حيث صار الجَهْمِيُّ يقول: القرآن هو الله أو غير الله؟ فتارةً يعارضونه بعِلْمِه فيقولون: عِلْمُ الله هو الله أو غيره؟ إِنْ كان ممن يُثْبِتُ العِلْم أو لا يُمْكنه نفيه ، وتارةً يحلّون الشبهةَ ويُثْبِتُون خطأَ الإطلاقين: النفي والإثبات؛ لِمَا فيه من التلبيس ، بل يُسْتَفْصَلُ السائلُ فيقال له: إِنْ أردتَ بالغير ما يُبَايِنُ الموصوفَ فالصفةُ لا تُبَايِنه فليست غيره ، وإِنْ أردتَ بالغير ما يُمْكن فَهْم الموصوف على سبيل الإجمال - وإِنْ لم يكن هو - فهو غيرٌ بهذا الاعتبار والله تعالى أعلم وصلى الله على محمد([129])»أهـ


فصل

في معنى ما مضى تقريره

ومن معاني ما مضى تقريره في الباب السابق ، والتمهيد والمقدمات السابقة في هذا الباب ما يلي:

أولاً: أنَّ القرآن الذي في مصاحف المسلمين: كلامُ الله عز وجل غير مخلوق ، اللفظ والمعنى في ذلك سواءٌ.

فهو كلامُ الله بنظمه وحروفه ومعانيه.

ليس كلام الله الحروف دون المعاني ، ولا المعاني دون الحروف ، وإنما هو كلامه الله بحروفه ومعانيه ، تكلَّم الله به على الحقيقة.

وسبق عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله: ((ومن الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام الله ، منزلٌ غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، وأن الله تعالى تكلَّم به حقيقةً ، وأنَّ هذا القرآن الذي أنزله على محمد r هو كلام الله حقيقة ، لا كلام غيره ، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله ، أو عبارة عنه ، بل إذا قَرَأَهُ الناسُ أو كتبوه بذلك في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقةً ، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مُبْتَدِئًا ، لا إلى من قاله مُبَلِّغًا مُؤَدِّيًا.

وهو كلام الله؛ حروفه ومعانيه ، ليس كلام الله الحروف دون المعاني ، ولا المعاني دون الحروف))([130]).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في موضعٍ آخر:

((والقرآن كلام الله بحروفه ونظمه ومعانيه ، كل ذلك يدخل في القرآن وفي كلام الله ، وإعراب الحروف هو من تمام الحروف([131])))أهـ

ثانيًا: كلامُ الله عز وجل صفةٌ من صفات ذاته سبحانه وتعالى.

وقد سبق عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله قوله: ((لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية. أما الذاتية: فالحياة والقدرة والعلم والكلام.... لم يزل متكلِّمًا بكلامه ، والكلام صفةٌ في الأزل... والقرآن كلام الله في المصاحف مكتوب ، وفي القلوب محفوظ ، وعلى الأَلْسُن مقروء ، وعلى النبي صلى الله عليه وسلم مُنَزَّلٌ... والقرآن غير مخلوق. وما ذَكَرَهُ الله تعالى في القرآن حكايةً عن موسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وعن فرعون وإبليس؛ فإنَّ ذلك كله كلام الله تعالى إخبارًا عنهم ، وكلام الله تعالى غير مخلوقٍ ، وكلام موسى وغيره من المخلوقين مخلوق ، والقرآن كلام الله تعالى ، فهو قديم لا كلامهم. وسمع موسى عليه السلام كلام الله تعالى كما قال تعالى: {وكلم الله موسى تكلميًا} [النساء: 164] ، قد كان متكلِّمًا ولم يكن كلَّمَ موسى عليه السلام... فلمَّا كلَّمَ الله موسى كلَّمَهُ بكلامه الذي هو صفةٌ له في الأزل... ويتكلَّم لا ككلامنا))[132]أهـ

ثالثًا: صفات ذاته سبحانه وتعالى متعلِّقةٌ بذاته.

وقد سبق[133] عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله: ((والتحقيق أنَّ الذاتَ الموصوفةَ لا تنفكّ عن الصفات أصلاً ، ولا يمكن وجود ذاتٍ خالية عن الصفات ، فدعوى المدعي وجود حيّ عليم قدير بصير بلا حياة ولا عِلْم ولا قدرة كدعوى قدرة وعلم وحياة لا يكون الموصوف بها حيًّا عليمًا قديرًا ، بل دعوى شيء موجود قائم بنفسه قديم أو مُحْدَث عَرِيٌّ عن جميع الصفات ممتنعٌ في صريح العقل))أهـ

ولذا قرَّرَ أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم أَنَّ القول في الصفات كالقول في الذَّات ، ولا فرق.

وقد سبق عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى قوله: ((القول في الصفات كالقول في الذات؛ فإن الله ليس كمثله شيءٌ ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فإذا كان له ذات حقيقة لا تُمَاثِلُ الذوات؛ فالذات متصفة بصفات حقيقة لا تُمَاثِل سائر الصفات.

فإذا قال السائل: كيف استوى على العرش؟ قيل له كما قال ربيعة ومالك وغيرهما رضى الله عنهما: الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عن الكيفية بدعة؛ لأنه سؤالٌ عما لا يعلمه البشر ، ولا يمكنهم الإجابة عنه.

وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: لا أعلم كيفيته ، قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله؛ إِذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف ، وهو فرعٌ له ، وتابعٌ له ، فكيف تطالبنى بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنتَ لا تعلم كيفية ذاته ، وإذا كنتَ تُقِرُّ بأَنَّ له حقيقةً ثابتةً في نفس الأمر مستوجبةً لصفات الكمال لا يُمَاثلها شيءٌ فسَمْعُه وبصَرُه وكلامُه ونزولُه واستواؤه ثابتٌ في نفس الأمر ، وهو متصفٌ بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سَمْعُ المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم))([134]).

رابعًا: إجراء أحكام الذات على الصفات والعكس ، من حيث النفي والإثبات والتنزيه والتقديس.

وقد أصبح هذا ظاهرًا مما مضى في هذا الموضع وما قبله من الكتاب ، فإثبات الذات يستلزم إثبات الصفات ، ونفي الصفة نفيٌ للموصوف ، كما أَنَّ سبَّ الصفة سبٌّ للموصوف ، والطعن في الذات طعنٌ في جميعها الصفات المتعلِّقة بالذات ، وهكذا..

 


فصل

في لوازم ذلك

 

فإذا تقرَّرتْ هذه المسائل الأربعة السابقة ، وهي:

أولاً: أنَّ القرآن الذي في مصاحف المسلمين: كلامُ الله عز وجل غير مخلوق ، اللفظ والمعنى في ذلك سواءٌ.

ثانيًا: كلامُ الله عز وجل صفةٌ من صفات ذاته سبحانه وتعالى.

ثالثًا: صفات ذاته سبحانه وتعالى متعلِّقةٌ بذاته.

رابعًا: إجراء أحكام الذات على الصفات والعكس؛ مِنْ حيثُ النفي والإثبات والتنزيه والتقديس.

فإذا تقرَّرتْ هذه الأربع ، فيلزم من ذلك لوازم ضرورية لابد من الإتيان بها تجاه القرآن المقدَّس ، والخلل في هذه اللوازم الآتي بعضها يدلُّ على الخلل في تقرير هذه القواعد الأربع السالف بيانها ، وهذا دالٌّ ضرورةً على سوءِ المعتَقَدِ والمعْتَقِدِ ، وفسادِ إسلامه.

وقد سبق تكفير علماء الملة ، وأمناء الشريعة لمن قال بخلق القرآن ، وهم الحجة في هذه الأمور ، ولا عبرة بمخالفهم من فِرَقِ الضلال؛ كالمعتزلة والأشاعرة ، ومن لَفَّ لَفَّهُم من الفِرَقِ الشاذَّة عن الصراط القويم.

وقد ذكرتُ هنا بعض اللوازم الواجبة تجاه القرآن المقدَّس ، ولم أستطرد في حصر ذلك؛ فمِنْ ذلك:

 


اللازم الأول

في تنزيه كلام الله الخالق عن مشابهة كلام المخلوقين

وبيان أنَّ مَن شَبَّه كلام خالق البشر بكلام أحدٍ من البشرِ ، فقد كفر؛ عياذًا بالله مِن ذلك

وذلك أنَّ القرآن كلام الله U ليس بمخلوقٍِِ ، منه بدأ وإليه يعود ، وكلامُه I صفةٌ مِن صفاتهِ ، قائمة بذاته ، كباقي الصفات؛ مثل: السمع والبصر والقدرة والإرادة والخلق والرزق ، ولا يعلم حقيقة صفات المولى Y إلاَّ هو ، نؤمنُ بصفاته ، دون السؤال عن كيفيتها ، فالصفات معلومة ، والإيمان بها واجب ، والكيفية مجهولة ، والسؤال عنها بدعة.

نؤْمِنُ بهذا ، ونُقِرُّ به ، دونَ بحثٍ في كيفٍ ، أو تفتيشٍ فيما لم نُكَلَّفْ بطلبِ عِلْمه ، وإنما علينا التصديق بذلك ، على سبيل الإذعان والاستسلام ، على حَدِّ قول الإمام ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله([135]) حين سُئِلَ عن قوله I: )الرحمن على العرش استوى( [طه:5] كيف استوى؟ قال: «الاستواء غير مجهول ، والكَيْفُ غير معقول ، ومِن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق»([136]).

«فَبَيَّنَ أنَّ الاستواءَ معلومٌ ، وأَنَّ كيفيةَ ذلك مجهولة ، ومثل هذا يوجد كثيرًا في كلام السلف والأئمة؛ ينفون عِلْمَ العباد بكيفية صفات الله تعالى ، وأنَّه لا يعلم كَيْف الله إلا الله ، فلا يعلم ما هو إلا هو»([137]).

وسيأتي نحو هذا القول عن الإمام مالكٍ تلميذ ربيعة رحمهما الله تعالى.

«وهذه الأقوال الثلاثة([138]) متقاربة المعنى واللفظ فمن المحتمل أن يكون ربيعة ومالك بلغهما قول أم سلمة؛ فاقتديا بها ، وقالا مثل قولها؛ لصحته وحُسْنه ، وكونه قول إحدى أزواج النبي r ، ومن المحتمل أن يكون الله تعالى وَفَّقَهما للصواب ، وألهمهما من القول السديد مثل ما ألهمها.

وقولهم: الاستواء غير مجهول؛ أي: غير مجهول الوجود؛ لأن الله تعالى أخبر به ، وخبره صدق يقينًا ، لا يجوز الشك فيه ، ولا الارتياب فيه ، فكان غير مجهول لحصول العلم به ، وقد رُوِيَ في بعض الألفاظ: الاستواء معلوم.

وقولهم: الكيف غير معقول؛ لأنه لم يَرِدْ به توقيفٌ ، ولا سبيل إلى معرفته بغير توقيف.

والجحود به كفر؛ لأنه رَدٌّ لخبر الله ، وكفرٌ بكلام الله ، ومَنْ كَفَرَ بحرفٍ متفقٍ عليه فهو كافرٌ ، فكيف بمَنْ كفَرَ بسبع آياتٍ وَرَدَّ خبَرَ الله تعالى في سبعةِ مواضع من كتابه.

والإيمان به واجب لذلك.

والسؤال عنه بدعة؛ لأنه سؤالٌ عَمَّا لا سبيل إلى عِلْمِه ولا يجوز الكلام فيه ، ولم يسبق في ذلك في زمن رسول الله ، ولا من بعده من أصحابه»([139]).

«وكذلك إذا قال: كيف ينزل ربنا؟ قيل له: كيف هو؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفيته ، قيل: ونحن لا نعلم كيفية نزوله؛ إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف ، وهو فرعٌ له ، فكيف تطالبني بكيفية استوائه على عرشه وتكليمه ونزوله وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟! وإذا كنتَ تُقِرّ بأنَّ له ذاتًا حقيقةً ثابتةً في نفس الأمر مستوجبةً لصفاتِ الكمال لا يماثلها شيءٌ؛ فاستواؤه ونزولُه وكلامُه ثابتٌ في نفس الأمر ، ولا يشابهه فيها استواء المخلوقين وكلامهم ونزولهم ، فإنَّ الله تعالى ليس كمثله شيءٌ ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فإذا كان له ذات حقيقة لا تُمَاثل الذوات؛ فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل صفات سائر الذوات ، فإنَّ الكلامَ في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات ، فإذا كانت ذاته لا تُشبه ذوات المخلوقين؛ فصفاتُ الخالق لا تُشبه صفات المخلوقين» ([140]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب؛ موافق لقول الباقين: أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيف ، فإنما نفوا عِلْم الكيفية ، ولم ينفوا حقيقة الصفة ، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فَهْمٍ لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ، ولما قالوا: أَمِرُّوها كما جاءت بلا كيف ، فإن الاستواء حينئذٍ لا يكون معلومًا بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم ، وأيضًا فإنَّه لا يحتاج إلى نفي عِلْم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنىً ، وإنما يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا أُثْبِتَتِ الصفات ، وأيضًا فإنَّ مَنْ ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقًا لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف ، فمن قال: إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول: بلا كيف ، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف ، وأيضًا فقولهم: أَمِرُّوها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه ، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أَمِرُّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد ، أو أَمِرُّوا لفظها مع اعتقاد أنَّ الله لا يُوصف بما دَلَّتْ عليه حقيقةً ، وحينئذٍ فلا تكون قد أُمِرَّتْ كما جاءت ، ولا يقال حينئذٍ: بلا كيف؛ إذ نفي الكيف عمَّا ليس بثابتٍ لغوٌ مِنَ القولِ» ([141]).

فظهر أنَّ المراد نفي عِلْم الكيفية لا نفي الوجود والإثبات.

وعلى هذا جَرَى سلفُ الأمة وخلفها ، فأثبتوا لله U ما أَثْبتَهُ لنفسِه ، وما أثبتَهُ له نبيُّهُ r من صفاتٍ ، وأقرُّوا بها ، دون سؤالٍ عن كَيْفٍ لها ، أو بحثٍ عن حقيقةٍ لبعض صفاته ، وقالوا في ذلك كله: صفات الخالق لا تُشبه صفات أحدٍ من المخلوقين ، فلا شبيه ولا نظير ولا ندّ ولا مثيل له I ، لا في ذاته ولا في صفاته ، والكلام في حقيقة الصفات فرعٌ على الكلام في حقيقة الذات الإلهية ، ولا يعلم حقيقة ذاته Y إلاَّ هو؛ فكذلك صفاته لا يعلم حقيقتها إلا هو تبارك وتعالى.

ولذا قال السلف y: «ما جاء في الصفات في كتاب الله تعالى أو رُوِيَ بالأسانيد الصحيحة؛ فمذهب السلف رحمة الله عليهم: إثباتها ، وإجراؤها على ظاهرها ، ونفي الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات ، وإثبات الذات إثبات وجودٍ ، لا إثبات كيفية ، فكذلك إثبات الصفات ، وعلى هذا مضى السلف كلهم» ([142]).

ومن هنا جاء عن كثيرٍ من السلف قولهم في آيات الصفات: «أَمِرُّوها كما جاءت»؛ يعني: دونَ بحثٍ في كيفيتها ، أو تشبيه الخالق بالمخلوق في شيء من صفاته ، فهو I لا مثيل له ، ولا ندّ له ، ولا نظير له ، ولا يُشبه أحدًا من مخلوقاته لا في أفعاله ، ولا في صفاته ، تقدَّس ربنا عن ذلك كله ، كما قال تعالى: )ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير( [الشورى:11] ، فأثبتَ I السمع والبصر ، ونفى المثيل والشبيه له في كل شيءٍ.

وعلى هذا الأصل تواطأ السلف والخلف ، وهو سبيل المؤمنين الذي لا يجوز لأحدٍ خلافه ، ولا الخروج عنه.

ذَكَرَ الإمام الترمذي رحمه الله حديثَ أبي هريرة t قال رسولُ الله r: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مِثْلَ أُحُدٍ ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ U: )أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ( [التوبة:104] ، وَ )يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ( [البقرة:276]».

ثم قال الترمذيُّ([143]):

«هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ([144]) ، وقد رُوِيَ عن عائشةَ عن النَّبِيِّ r نحوَ هذا وقد قال غيرُ واحدٍ مِن أهلِ العِلمِ في هذا الحديثِ وما يُشْبِهُ هذا مِن الرِّواياتِ مِن الصِّفاتِ ونُزُولِ الرَّبِّ تبارك وتعالى كُلَّ ليلةٍ إلى السَّمَاء الدُّنيا قالُوا: قدْ (ثَبَتَتِ)([145]) الرِّوَايَاتُ في هذا ، ويُؤْمَنُ بها ، ولا يُتَوَهَّمُ ولا يُقالُ كيفَ ، هكذا رُوِيَ عن مالكٍ وسُفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ وعبدِ اللّهِ بنِ المُباركِ أنّهُم قالُوا في هذه الأحاديثِ: أمِرُّوها بلا كيفٍ ، وهكذا قولُ أهلِ العِلمِ مِن أهلِ السُّنّةِ والجماعةِ ، وأمّا الجَهْمِيَّةُ فَأَنْكَرَتْ هذِهِ الرِّواياتِ وقالُوا: هذا تشْبِيهٌ ، وقد ذكر اللّهُ U في غيرِ موضِعٍ مِن كِتابهِ اليدَ والسّمعَ والبصرَ؛ فَتَأَوَّلَت الجَهْمِيَّةُ هذِهِ الآياتِ فَفَسَّرُوهَا على غيرِ ما فَسَّرَ أهلُ العِلمِ ، وقالُوا([146]): إِنّ اللّه لم يخلُق آدمَ بِيدِهِ وقالُوا: إِنّ معنى اليدِ هاهُنا: القُوّةُ.

وقال إِسحقُ بنُ إِبراهِيمَ([147]): إِنَّما يكُونُ التَّشْبِيهُ إِذا قال: يَدٌ كَيَدٍ ، أو مِثلُ يَدٍ ، أو سَمعٌ كَسَمعٍ ، أو مِثلُ سَمعٍ ، فإذا قال: سَمعٌ كَسَمعٍ أو مِثلُ سَمعٍ فَهَذَا التَّشبِيهُ ، وَأَمَّا إِذا قال: كما قال اللّهُ تعالى: يَدٌ وَسَمعٌ وَبَصَرٌ ولا يقُولُ كَيفَ ولا يقُولُ: مِثلُ سَمعٍ ولا كسَمعٍ فهذا لا يكُونُ تَشبِيهًا ، وهُو كما قال اللّهُ تعالى فِي كِتابهِ: )لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( [الشورى:11] ».

قال الإمام الذهبيُّ رحمه الله:

«وروى يحيى بن يحيى التميمي وجعفر بن عبد الله وطائفة قالوا: جاء رجلٌ إلى مالكٍ؛ فقال: يا أبا عبد الله )الرحمن على العرش استوى( [طه:5] كيف استوى؟ قال: فما رأيتُ مالكًا وَجَدَ([148]) مِن شيء كموجدته من مقالته ، وعلاهُ الرحضاء ـ يعني: العرق ـ وأَطْرَقَ القومُ ، فسُرِّيَ([149]) عن مالكٍ؛ وقال: الكيفُ غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن تكون ضالاًّ ، وأَمَرَ به فأُخْرِجَ» ([150]).

قال الذهبيُّ رحمه الله:

«هذا ثابتٌ عن مالك([151]) ، وتقدَّم نحوه عن ربيعة شيخ مالك ، وهو قول أهل السنة قاطبة؛ أنَّ كيفية الاستواء لا نعقلها ، بل نجهلها ، وأنَّ استواءه معلومٌ كما أَخبر في كتابه ، وأنه كما يليق به ، لا نتعَمَّق ولا نتحذلق ، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيًا ولا إِثباتًا ، بل نسكتُ ونقفُ كما وقفَ السلف ، ونَعْلَم أَنَّه لو كان له تأويل لَبَادَرَ إلى بيانه الصحابةُ والتابعون ، ولما وسعهم إقراره وإِمْرَاره والسكوت عنه ، ونعْلَم يقينًا مع ذلك أنَّ الله Y لا مِثْل له في صفاته ، ولا في استوائه ، ولا في نزوله I عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا([152])»أهـ

«ومَن تأمَّلَ جواب الإمام مالك بن أنسٍ رحمه الله لمن سأله عن كيفية الاستواء على العرش...؛ تبيَّنَتْ له عدة أمورٍ:

الأول: كيفية الصفات مجهولة للعباد.

والثاني: معاني الصفات معلومة من لسان العرب ولغتها.

والثالث: الإيمان بالصفة كما أخبر الله بها - مع الجهل بكيفيتها والعلم بمعناها - واجبٌ؛ لأنَّه داخلٌ في عموم الإيمان بالله تعالى.

والرابع: أنَّ الزيادة والنقص بالسؤال والخوض فيها بدعة مذمومة ، لم تُعرف عن السلف؛ لما تتضمَّن من القول على الله تعالى بغير علمٍ»([153]).

وقال الأوزاعي:

«كان مكحول والزهري يقولان: أَمِرُّوا الأحاديث([154]) كما جاءَتْ»([155]).

وقال الوليد بن مسلمٍ:

«سألتُ سفيان الثوري ، والأوزاعي ، ومالك بن أنسٍ ، والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات؟ فقالوا: نُمِرُّها كما جاءت». وفي لفظٍ عن الوليد: «فكلهم قالوا لي: أَمِرُّوها كما جاءت بلا تفسير» ، وفي رواية: «أَمِرُّوها كما جاءتْ بلا كَيْفٍ»([156]).

وقال الإمام وكيع بن الجرَّاح رحمه الله:

«نُسَلِّم هذه الأحاديث كما جاءت ، ولا نقول: كيف كذا؟»([157]).

وقال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله:

«كل شيءٍ وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره لا كَيْف ولا مِثْل»([158]). وفي روايةٍ عن سفيان بن عيينة؛ قال: «هي كما جاءت نُقِرُّ بها ونُحَدِّث بها بلا كَيْف»([159]).

وحكى الإمام محمد بن الحسن - فقيه العراق وصاحب أبي حنيفة – الإجماع على هذا؛ فقال:

«اتفق الفقهاء من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله r في صفة الربِّ U ، من غيرِ تفسيرٍ ولا وصفٍ ولا تشبيهٍ ، فمن فسَّرَ شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي r وفارق الجماعة ، ومن قال بقول جَهْمٍ فقد فارق الجماعة؛ فإِنَّهُ وصَفَهُ بصفة لا شيء([160])»أهـ

وقال الإمام الشافعيُّ رحمه الله:

«القول في السُّنة التي أنا عليها ، ورأيتُ عليها الذين رأيتهم؛ مثل: سفيان ومالك وغيرهم: الإقرار بشهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنًّ محمدًا رسول الله ، وأنَّ الله على عرشه في سمائه ، يقرب من خلقه كيف شاء ، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء»([161]).

فأَثْبَتَ الإمام الشافعيُّ حقيقة الصفات ونفي العِلْم بكيفيتها ، وقال رحمه الله: «لا يُقال للأصيل لِمَ ولا كيف؟»([162]) ، قال: «إنما يُقال للفرع: لِمَ؟ فإذا صَحَّ قياسه على الأصل صَحَّ ، وقامت به الحجة»([163]).

وقال الإمام أحمد رحمه الله:

«ومِن السنة اللازمة التي مَن ترك منها خصلةً لم يقبلها ويُؤْمِنُ بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقَدَر خيره وشرّه ، والتصديق بالأحاديث فيه ، والإيمان بها ، لا يقال لِمَ؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق والإيمان بها ، ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كِفُيَ ذلك وأُحْكِمَ له ، فعليه الإيمان به والتسليم؛ مثل حديث «الصادق المصدوق»([164]) ، ومثل ما كان مثله في القَدَر ، ومثل أحاديث «الرؤية» كلها؛ وإِنْ نَأَتْ عن الأسماع واستوحش منها المستمع؛ وإنما عليه الإيمان بها ، وأن لا يردّ منها حرفًا واحدًا ، وغيرها من الأحاديث المأثورات عن الثقات»([165]).

وقال المروذيُّ رحمه الله:

«سألتُ أبا عبد الله([166]) عن الأحاديث التي تردَّها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش؟ فصحَّحَها أبو عبد الله ، وقال: قد تلقَّتْها العلماء بالقبول ، نسلِّم الأخبار كما جاءت.

قال: فقلتُ له: إنّ رجلاً اعترضَ في بعض هذه الأخبار كما جاءت؛ فقال: يُجْفَا([167]) ، وقال: ما اعتراضه في هذا الموضع ، يُسَلِّم الأخبار كما جاءتْ»([168]).

وقال العباسُ بن محمدٍ الدُّوريُّ رحمه الله:

«سمعتُ أبا عبيد القاسم بن سلام - وذكر الباب الذي يُرْوَى في الرؤية ، والكرسي ، وموضع القَدَمين ، وضحك ربنا من قنوط عباده ، وقُرْب غيره ، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء ، وأنَّ جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك U قدمه فيها ، فتقول: قط قط ، وأشباه هذه الأحاديث - فقال: هذه الأحاديث صحاح ، حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضُهم عن بعض ، وهي عندنا حقٌّ لا نشكّ فيها؛ ولكن إذا قيل: كيف وضع قدمه؟ وكيف ضحك؟ قلنا: لا يُفَسَّر هذا ، ولا سمعنا أحدًا يفسّره([169])»أهـ

قال الإمام الذهبيُّ إثر كلام أبي عُبيدٍ المذكور: «قد صَنَّفَ أبو عبيد كتاب غريب الحديث وما تعرَّض لأخبار الصفات الإلهية بتأويلٍ أبدًا ، ولا فسَّرَ منها شيئًا ، وقد أخبر بأنه ما لحق أحدًا يفسرها ، فلو كان والله تفسيرها سائغًا أو حتمًا لأوشك أن يكون اهتمامهم بذلك فوق اهتمامهم بأحاديث الفروع والآداب ، فلما لم يتعرَّضوا لها بتأويلٍ وأقرُّوها على ما وردت عليه: عُلِمَ أنَّ ذلك هو الحق الذي لا حَيْدَة عنه»([170]).

وقال الإمام ابن حبان رحمه الله:

«هذه أخبارٌ أُطْلِقَتْ مِن هذا النوع توهم من لم يُحْكِمْ صناعةَ العِلْم أنَّ أصحاب الحديث مُشبهة عائذ بالله أَنْ يَخْطُرَ ذلك ببال أحدٍ من أصحاب الحديث ، ولكن أطلق هذه الأخبار بألفاظِ التمثيلِ لصفاته على حسب ما يتعارفُه الناسُ فيما بينهم دونَ تكييف صفات الله ، جَلَّ ربنا عن أن يُشَبَّه بشيءٍ من المخلوقين أو يُكَيَّفَ بشيء من صفاته؛ إِذْ ليس كمثله شيء»([171]).

وقال: «صفاتُ الله جل وعلا لا تُكَيَّفُ ، ولا تُقَاسُ إلى صفات المخلوقين ، فكما أنَّ الله جل وعلا مُتَكَلِّمٌ مِنْ غيرِ آلةٍ بأسنانٍ وَلَهَوَاتٍ ولسانٍ وشفةٍ كالمخلوقين ، جلَّ ربنا وتعالى عن مِثْل هذا وأشباهه ، (ولم)([172]) يَجُزْ أنْ يُقَاسَ كلامُهُ إلى كلامِنا؛ لأنَّ كلامَ المخلوقين لا يُوجد إلا بآلاتٍ ، والله جل وعلا يتكلَّم كما شاء بلا آلةٍ ، كذلك ينـزل بلا آلةٍ ، ولا تَحَرُّكٍ ، ولا انتقالٍ مِن مكانٍ إلى مكانٍ ، وكذلك السمعُ والبصرُ ، فكما لَمْ يَجُزْ أَنْ يقالَ: الله يُبْصِرُ كبصرنا بالأشفارِ والحَدَق والبياض ، بل يُبْصِرُ كيفَ يشاء بلا آلة ، ويسمعُ من غير أذنين ، وسماخين ، والتواء ، وغضاريف فيها ، بل يسمع كيف يشاء بلا آلةٍ ، وكذلك ينـزل كيف يشاء بلا آلةٍ ، من غيرٍ أَنْ يُقَاسَ نزولُه إلى نزولِ المخلوقين ، كما يُكَيَّفُ نزولهم ، جَلَّ ربّنا وتَقَدَّسَ مِنْ أَنْ تُشَبَّه صفاتُه بشيءٍ مِنْ صفات المخلوقين»([173]).

وقال الإمام الخطيب البغداديُّ رحمه الله في كلامه على الصفات:

«مذهب السلف رضوان الله عليهم إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ، ونفي الكيفية والتشبيه عنها».

قال الخطيب: «والأصلُ في هذا: أنَّ الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات ، ويُحْتَذَى في ذلك حذوه ومثاله ، فإذا كان معلومًا أَنَّ إثبات ربّ العالمين U إنما هو إثبات وجودٍ ، لا إثبات كيفية؛ فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجودٍ ، لا إثبات تحديد وتكييف.

فإذا قلنا: لله تعالى يدٌ وسمعٌ وبصرٌ؛ فإِنما هي صفاتٌ أثبتها الله تعالى لنفسِه ، ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة ، ولا أنَّ معنى السمع والبصر: العلم ، ولا نقول: إنها جوارح ، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل.

ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأنَّ التوقيف وَرَدَ بها.

ووجبَ نفي التشبيه عنها؛ لقوله تبارك وتعالى: )ليس كمثله شيء وهو السميع البصير( [الشورى:11] ، وقوله U: )ولم يكن له كفوًا أحد( [الإخلاص:4] » ([174]).

وقال في أقسام الأحاديث المروية في الصفات: «منها أخبارٌ ثابتةٌ أَجْمَعَ أئمةُ النقل على صحتها؛ لاستفاضتها وعدالة ناقليها ، فيجب قبولها ، والإيمان بها ، مع حِفْظِ القلب أنْ يسبقَ إليه اعتقاد ما يقتضي تشبيه الله بخلقه ، ووصفه بما لا يليق به من الجوارح والأدوات والتغيُّر والحركات([175])»أهـ

وقال الإمام الحافظ أبو القاسم الأصبهاني ، المعروف بـ «قوام السنة» رحمه الله تعالى:

«الكلام في صفات الله U ما جاء فيها في كتاب الله ، أو رُوِيَ بالأسانيد الصحيحة عن رسول الله r؛ فمذهب السلف رحمة الله عليهم أجمعين: إثباتها وإجراؤها على ظاهرها ، ونفي الكيفية عنها ، وقد نفاها[176] قومٌ فأبطلوا ما أَثَْبَتَهُ الله ، وذهب قومٌ من المُثْبِتين إلى البحث عن التكييف[177] ، والطريقة المحمودة: هي الطريقة المتوسطة بين الأمرين ، وهذا؛ لأنَّ الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات ، وإثبات الذات إثبات وجود ، لا إثبات كيفية؛ فكذلك إثبات الصفات؛ وإنما أثبتناها لأنَّ التوقيفَ وَرَدَ بها ، وعلى هذا مضى السلف»[178].

وقال قوَّام السُّنَّة رحمه الله:

«ومن مذهب أهل السنة: أنَّ كلَّ ما سَمِعَهُ المرء من الآثار مما لم يبلغه عقله نحو حديث النبيِّr: «خلق الله آدمَ على صورته» وأشباه ذلك؛ فعليه التسليم ، والتصديق ، والتفويض[179] ، والرضا ، لا يتصرَّف في شيءٍ منها برأيه وهواه ، مَن فَسَّرَ مِنْ ذلك شيئًا برأيه وهواه فقد أخطأ وضلَّ[180]»أهـ

وقال الإمام أبو عثمان الصابوني رحمه الله في «عقيدة السلف»:

«ويعرفون ربهم U بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيلُه ، أو شَهِدَ له بها رسولهُ r ، وعلى ما وَرَدَت الأخبارُ الصحاح به ، ونَقَلَتْهُ العدول الثقات عنه ، ويُثبتون له جل جلاله منها ما َأثْبَتَهُ لنفسهِ ، وعلى لسان رسوله r ، ولا يعتقدون تشبيهًا لصفاته بصفات خلقه[181]»أهـ

وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله:

«ومذهب السلف رحمة الله عليهم: الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه ، التي وصف بها نفسَه في آياته وتنزيله ، أو على لسان رسوله r من غير زيادةٍ عليها ، ولا نقصٍ منها ، ولا تجاوزٍ لها ، ولا تفسيرٍ[182] لها ، ولا تأويل لها بما يُخالفُ ظاهرها ، ولا تشبيهٍ بصفاتِ المخلوقين ، ولا سِمَاتِ المُحْدَثِين؛ بل أمَرُّوها كما جاءتْ ، وردُّوا عِلْمَها([183]) إلى قائِلِها ومعناها([184]) إلى المتكلِّم بها[185]»أهـ

وقال الإمام ابنُ رجبٍ الحنبليُّ رحمه الله:

«والصواب ما عليه السلف الصالح من إِمْرَارِ آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت ، من غير تفسيرٍ لها[186] ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، ولا يصح عن أحدٍ منهم خلاف ذلك البتة ، خصوصًا الإمام أحمد ، ولا خوض في معانيها([187]) ، ولا ضرب مَثَلٍ من الأمثالِ لها ، وإِنْ كان بعض من كان قريبًا من زمن الإمام أحمد فيهم مَنْ فعل شيئًا مِنْ ذلك اتباعًا لطريق مُقَاتلٍ؛ فلا يُقْتَدَى به في ذلك؛ إنما الاقتداء بأئمة الإسلام؛ كابن المبارك ، ومالك ، والثَّوْريِّ ، والأَوْزَاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عُبَيْد ، ونحوهم ، وكلُّ هؤلاء لا يُوجَدُ في كلامهم شيءٌ مِنْ جنسِ كلام المتكلِّمين؛ فضلاً عن كلام الفلاسفة ، ولم يدخل ذلك في كلامِ من سَلِمَ من قَدْحٍ وجَرْحٍ[188]»أهـ


الَّلازِمُ الثَّاني

 

تَنْزِيهُ كلمات القرآن وحروفه ومعانيه عن النَّقْدِ

 

ظهر مما سبق: أَنَّ صفات الله عز وجل لا تُشْبه صفات أحدٍ من خَلْقه ، كما أنَّ ذاته لا تُشْبه ذوات المخلوقين؛ إِذِ الكلام في الصفات مبنيٌّ على الكلام في الذَّاتِ.

فإذا تقرَّرَ ذلك؛ فاعْلَمْ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله تعالى ، ليس بمخلوقٍ ، تَكَلَّمَ اللهُ عز وجل به حقيقةً ، وكلامه سبحانه لا يُدَانيه كلامٌ ، ولا تحوي فضائله ألفاظُ وعباراتُ بشرٍ ، ولا يبلُغ قيمته كلامُ بشرٍ ، فهو مُعْجِزٌ مِن كل نواحيه.

ولذا تحدَّى اللهُ عز وجل فُصَحاءَ العرب ، وأئمةَ اللغةِ أَنْ يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك.

كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23-24].

وقال عز وجل: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:38].

وقال جلَّ شأنه: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13].

يتحدَّاهم سبحانه وتعالى بهذا كله فيعجزوا ، وهم مَنْ هم في الفصاحة والبلاغة ونبوغ اللغة.

يقول القاضي أبو بكرٍ الباقلاني: ((والذي يدل على أنهم كانوا عاجزين عن الإتيان بمثل القرآن: أنه تحدَّاهم إليه حتى طال التَّحدِّي ، وجَعَلَهُ دلالةً على صِدْقه ونُبُوَّتِه ، وضَمَّنَ أحكامَهُ استباحةَ دمائِهم وأموالِهِمْ وَسَبْى ذُريتهم ، فلو كانوا يقدرون على تكذيبه لفعلوا ، وتوصَّلُوا إلى تخليص أنفسِهم وأهليهم وأموالهم من حُكْمِهِ بأَمْرٍ قريبٍ هو عادتهم في لسانهم ومألوف مِن خطابهم ، وكان ذلك يغنيهم عن تَكَلُّفِ القتال ، وإكثار المراء والجدال ، وعن الجلاء عن الأوطان ، وعن تسليم الأهل والذرية للسبي.

فلمَّا لم تحصُل هناك معارضة منهم عُلِمَ أنهم عاجزون عنها.

يُبَيِّنُ ذلك: أَنَّ العدوَ يقصد لدفع قول عدوِّه بكل ما قَدَر عليه من المكايد ، لا سيما مع استعظامه ما بَدَهَهُ([189]) بالْمَجِيء مِنْ خَلْعِ آلهته ، وتسفيه رأيه في ديانته ، وتضليل آبائه ، والتَّغريب عليه بما جاء به ، وإظهار أمر يُوجِبُ الانقياد لطاعته ، والتصرُّف على حُكْمِ إرادته ، والعدول عن إِلْفِهِ وعادتهِ ، والانخراط في سلك الأتباع ، بعد أَنْ كان متبوعًا ، والتشييع بعد أَنْ كان مُشَيَّعًا ، وتحكيم الغير في ماله ، وتسليطه إِيَّاه على جملةِ أحواله ، والدخول تحت تكاليف شاقة ، وعبادات متعبة بقوله ، وقد علم أن بعض هذه الأحوال مما يدعو إلى سلب النفوس دونه ، هذا والحمية حميتهم ، والهمم الكبيرة هممهم ، وقد بذلوا له السيف فأخطروا بنفوسهم وأموالهم!

فكيف يجوز أن لا يتوصلوا إلى الرَّدِّ عليه ، وإلى تكذيبه ، بأهون سعيهم ، ومألوف أمرهم ، وما يمكن تناوله من غير أن يعرق فيه جبين ، أو ينقطع دونه وتين ، أو يشتمل به خاطر ، وهو لسانهم الذي يتخاطبون به ، مع بلوغهم في الفصاحة النهاية التي ليس وراءها متطلع ، والرتبة التي ليس فوقها منزع   ومعلوم أنهم لو عارضوه بما تحداهم إليه لكان فيه توهين أمره وتكذيب قوله وتفريق جمعه وتشتيت أسبابه ، وكان مِنْ صدق به يرجع على أعقابه ، ويعود في مذهب أصحابه.

فلمَّا لم يفعلوا شيئًا مِنْ ذلك ، مع طول المدة ، ووقوع الفسحة ، وكان أمره يتزايد حالًا فحالًا ، ويعلو شيئًا فشيئًا ، وهم على العجزِ عن القدحِ في آيتهِ ، والطعن بما يُؤَثِّر في دلالته؛ عُلِمَ مِمَّا بَيَّنَّا أَنَّهم كانوا لا يقدرون على معارضته ، ولا على توهين حُجَّته.

وقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قومٌ خصمون([190]) ، وقال: {وتنذر به قومًا لدا} [مريم: 97] ، وقال: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}([191]) [سورة يس: 77].

وعُلِمَ أيضًا ما كانوا يقولونه مِنْ وجوهِ اعتراضهم على القرآن ، مما حكى الله عز وجل عنهم مِنْ قولهم: {لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين} [الأنفال: 31] ، وقولهم: {ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين} [القصص: 36] ، وقالوا: {يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الْحِجْر: 6] ، وقالوا: {أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} [الأنبياء: 3] ، وقالوا: {أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} [الصافات: 36] ، وقال: {وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} [الفرقان: 4 - 5] ، {وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا} [الفرقان: 8] ، وقوله: {الذين جعلوا القرآن عضين} [الحِجْر: 91].. إلى آيات كثيرة في نحو هذا ، تدل على أنهم كانوا مُتَحَيِّرِينَ في أمرهم ، مُتَعَجِّبِيْنَ مِنْ عجزهم ، يفزعون إلى نحو هذه الأمور من تعليل وتعذير ومدافعة بما وقع التحدِّي إليه ووجد الحث عليه.

وقد عُلِمَ منهم أَنَّهم ناصبوه الحرب ، وجاهدوه ونابذوه ، وقطعوا الأرحام ، وأخطروا بأنفسهم ، وطالبوه بالآيات والإتيان بالملائكة وغير ذلك من المعجزات ، يريدون تعجيزه لِيَظْهَرُوا عليه بوجهٍ مِنَ الوجوه.

فكيف يجوز أَنْ يقدروا على معارضتهِ القريبة السهلة عليهم ، وذلك يدحض حجته ، ويُفسد دلالته ، ويُبطل أمره ، فيعدلون عن ذلك إلى سائر ما صاروا إليه من الأمور التي ليس عليها مزيد في المنابذة والمعاداة ، ويتركون الأمر الخفيف؟!

هذا مما يمتنع وقوعه في العادات ، ولا يجوز اتفاقه من العقلاء.

وإلى هذا الموضع قد استقضى أهل العلم الكلام ، وأكثروا في هذا المعنى واحكموه ، ويمكن أن يقال: إنهم لو كانوا قادرين على معارضته والإتيان بمثل ما أتى به لم يجز أن يتفق منهم ترك المعارضة ، وهم على ما هم عليه من الذرابة والسلاقة والمعرفة بوجوه الفصاحة ، وهو يستطيل عليهم بأنهم عاجزون عن مباراته ، وأنهم يضعفون عن مجاراته ، ويكرر فيما جاء به ذِكْر عجزهم عن مثل ما يأتي به ، ويُقَرِّعهم ويُؤَنِّبهم عليه ، ويدرك آماله فيهم ، وينجح ما سعى له في تركهم المعارضة ، وهو يذكر فيما يتلوه تعظيم شأنه وتفخيم أمره حتى يتلو قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88] ، وقوله: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون} [النحل: 2] ، وقوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحِجْر: 87] ، وقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحِجْر: 9] ، وقوله: {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون} [الزخرف: 44] ، وقوله: {هدى للمتقين} [البقرة: 2] ، وقوله: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} [الزمر: 23].. إلى غير ذلك من الآيات التي تتضمن تعظيم شأن القرآن ، فمنها ما يتكرر في السورة في مواضع ، ومنها ما ينفرد فيها ، وذلك مما يدعوهم إلى المبادرة ، ويحضهم على المعارضة ، وإن لم يكن متحدِّيًا إليه.

أَلَا تَرَى أنهم قد ينافر شعراؤهم بعضُهم بعضًا؟ ولهم في ذلك مواقف معروفة وأخبار مشهورة وآثار منقولة مذكورة ، وكانوا يتنافسون على الفصاحة والخطابة والذلاقة ويتبجحون بذلك ويتفاخرون بينهم؟

فلن يجوز  والحال هذه أَنْ يتغافلوا عن معارضته لو كانوا قادرين عليها؟! تحداهم أو لم يتحدهم إليها؟!

ولو كان هذا لقبيل مما يقدر عليه البشر لوجب في ذلك أمر آخر ، وهو أنه لو كان مقدورا للعباد لكان قد اتفق إلى وقت مبعثه من هذا القبيل ما كان يمكنهم أن يعارضوه به ، وكانوا لا يفتقرون إلى تكَلُّف وضعه ، وتعمُّل نظمه في الحال.

فلمَّا لم نرهم احتجوا عليه بكلام سابق ، وخطبة متقدمة ، ورسالة سالفة ، ونظم بديع ، ولا عارضوه به فقالوا: هذا أفصح مما جئتَ به وأغرب منه أو هو مثله؛ عُلِمَ أَنَّه لم يكن إلى ذلك سبيل ، وأنه لم يوجد له نظير ، ولو كان وُجِدَ له مِثْلٌ لكان يُنْقَلُ إلينا ولعرفناه ، كما نُقِلَ إلينا أشعار أهل الجاهلية وكلام الفصحاء والحكماء من العرب ، وأُدِّيَ إلينا كلام الكهان وأهل الرجز والسجع والقصيد وغير ذلك من أنواع بلاغاتهم وصنوف فصاحاتهم))([192])أهـ

فأصبح بدهيًا بعد ذلك:

أَنْ تُقَدَّسَ وتُنَزَّه كلماته وحروفه ومعانيه عن النَّقْدِ ، وأَنْ لا يُتَسَلَّق إليه بخيالٍ ذهنيٍّ؛ لأنَّهُ يعلو ولا يُعْلَى عليه ، ولا تحوزه كلماتُ بشرٍ ، ولا يرتفع عليه كلام إنسانٍ ، كما لا ترتفع ذات أحدٍ على ذات قائله المتكلِّم به ، وهو المولى Y ، وقد سبق مرارًا أنَّ الكلام في الصفة فرعٌ على الكلام في الذات.

فكما أنَّهُ لا يجوز لأحدٍ أَنْ يرفعَ ذاته فوق ذات الله ـ تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا ـ؛ كذلك لا يجوز لأحدٍ أَنْ يرفعَ كلامَه على كلام الله؛ فإِنَّ كلام الله لا يُشْبه كلام البشر ، ولا يُحيط بإعجازه مخلوقٌ ، فلا يصحّ شرعًا ولا عقلاً أَنْ يخضعَ المعصوم لحُكْمِ ونَقْدِ مَن اقْتَرَنَ به الخطأ؛ كما لا يصح أَنْ تُحَاكَمَ المعجزة قياسًا على أوهام العقول ، وحصائد الأفكار ، وثمار الأَلْسُن.

وبعبارةٍ أخرى: لا يصح أَنْ يخضع الأعلى للأدنى؛ إلا في عقلِ مجنونٍ لا يَعِي ما يخرج من رأسهِ ، أو ملحدٍ؛ لا يُؤْمِن بأله الكون ، ولا يَعْتَرِف بوجوده سبحانه وتعالى.

وكيف يُتَصَوَّرُ في عقلٍ أنْ يستدركَ مخلوقٌ على كلامِ الخالقِ ونَظْمِهِ ولَفْظِه؛ اللهم إلا أَنْ يكون عقلاً فاسدًا لا يعرف الفرق بين البِذْرة والعذرة ، فمثله فاقدٌ للأهلية غير مُعْتَبرٍ به؛ إِذْ لا عبرة بما صدر عن المجنون والمعتوه ونحوهما.

وكيف يصح أَنْ يأتي أَعَاجِمُ العصر بما عَجَزَ عنه أصحابُ اللُّغةِ الفصيحةِ وأربابُها؛ في قريشٍ ، حين تَحَدَّاهم المولى أَنْ يأْتوا بمثلِ هذا القرآن أو آثَارَةٍ مِن عِلْمٍ؛ فعجزوا؟!

وكيف يصحّ في الأذهانِ شيءٌ        إذا احتاجَ النهارُ إلى دليل

ومِن هنا تعلم فساد تلك الفتنة القديمة التي أثارها بعضُ الزَّنادِقَةِ زورًا وبهتانًا ، حين زَعَمَ إخضاع القرآن للنَّقْد اللغوي ، وبدأ هو مشوار السقوط ، فأخْسَأَهُ الله ، وأَخْزَاه ، وأَخْمَدَ فتنتَهُ وذِكْرَه([193]).

وأما القرآن فمعجزةٌ خالدة ، أَيَّدَ الله عز وجل بها نبيَّه صلى الله عليه وسلم ، وَجَعَلَ الإيمانَ بذلك أصلاً أصيلاً من أصول الإسلام التي لا يصح الإسلام بدونها ، فمَنْ شكَّ في إعجاز القرآن وعدم قُدْرَةِ الخلق على الإتيان بمثله؛ فقد عاد على أصل إسلامه بالبطلان؛ والعياذ بالله.

ولذا قال أهل العلم قديمًا وحديثًا: مَنْ قال: إِنَّ القرآنَ ليسَ بِمُعْجِزٍ فقد كَفَرَ.

ومِنْ ذلك: ما نُقِلَ عنِ الإمامِ أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أَنَّهُ قال: ((مَنْ قال: إِنَّ القرآنَ مقدورٌ على مثلِهِ ولكنَّ الله مَنَعَ قُدْرَتَهُمْ: كَفَرَ؛ بل هو مُعْجِزٌ بنَفْسِه ، والْعَجْزُ شَمَلَ الْخَلْق([194])))أهـ

قال ابنُ مُفْلِحٍ رحمه الله:

((وجزم ابنُ عقيل بأنَّ مَن وُجِدَ منه امتهانٌ للقرآنِ ، أو غَمْصٌ([195]) منه ، أو طَلَبُ تناقُضِهِ ، أو دعوى أنه مختلفٌ أو مُخْتَلَقٌ ، أو مقدورٌ على مثلِه([196]) ، أو إسقاطٌ لحُرْمَتِهِ: كلُّ ذلك دليلٌ على كفرِهِ ، فيُقْتَلُ بعد التوبةِ([197])))أهـ

وقال القاضي عياض رحمه الله:

((مَن أنكرَ القرآنَ ، أو حرفًا منه ، أو غَيَّرَ شيئًا منه, أو زَادَ فيه؛ كفِعْلِ الباطنيّة والإسماعيليّة, أو زَعَمَ أَنَّه ليس بحُجَّةٍ للنبيِّr , أو ليس فيه حُجَّةٌ ولا مُعْجِزَةٌ؛ كقولِ هشـامٍ الْفُوطِيِّ ومَعْمَرٍ الصَّيْمَرِيِّ: إِنَّه لا يدلُّ على الله ولا حجةَ فيه لرسولهِ ولا يدل على صوابٍ ولا عقابٍ ولا حُكمٍ؛ ولا مَحَالَةَ في كُفرِهما بذلك القول, وكذلك نُكَفِّرُهُمَا بِإِنْكَارِهِمَا أَنْ يكونَ في سائرِ معجزات النبيِّr  حجةٌ له, أو في خلقِ السماوات والأرض دليلٌ على الله؛ لمخالفتِهم الإجماعَ والنقلَ المتواترَ عن النبيِّr  باحتجاجهِ بهذا كلِّه ، وتصريحِ القرآن به))([198]).

وقال القاضي عياض رحمه الله:

«واعْلَمْ أَنَّ مَن استخفَّ بالقرآنِ, أو المصحفِ, أو بشيءٍ منه, أو سَبَّهُما, أو جَحَدَهُ, أو حَرْفًا منه ، أو آيةً, أو كَذَّبَ به, أو بشيءٍ منه, أو كَذَّبَ بشيءٍ مما صُرِّحَ به فيهِ؛ مِنْ حُكْمٍ أو خَبَرٍ, أو أَثْبَتَ ما نفاهُ أو نَفَى ما أَثْبَتَهُ, على عِلْمٍ منه بذلك, أو شَكَّ في شيءٍ مِن ذلك: فهو كافرٌ عند أهل العلم بإجماعٍ.

قال الله تعالى: )وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل ما بين يديه ولا مِن خلفه تنزيل من حكيم حميد( [فصلت:41-42])).

قال القاضي عياض رحمه الله:

((وقد أَجْمَعَ المسلمون أَنَّ القرآنَ المتلوَّ في جميعِ أقطارِ الأرض ، والمكتوب في المصحف بأيدي المسلمين ، مما جَمَعَهُ الدَّفَّتَانِ مِنْ أَوَّلِ )الحمد لله رب العالمين( إلى آخر )قل أعوذ برب الناس( أنه كلامُ الله ، ووَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ على نبيه محمدr ، وأَنَّ جميعَ ما فيه حقٌّ ، وأَنَّ مَنْ نَقَصَ منه حرفًا قاصِدًا لذلك ، أو بَدَّلَهُ بحرفٍ آخَرَ مكانَهُ ، أو زادَ فيه حرفًا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه ، وأُجْمِعَ على أَنَّهُ ليس مِن القرآنِ ، عامِدًا لكلِّ هذا أَنّه كافرٌ.

ولهذا رَأَىَ مالكٌ قَتْلَ مَنْ سَبَّ عائشةَ رضي الله عنها بالفِرْيَةِ؛ لأنَّه خَالَفَ القرآنَ ، ومَنْ خالَفَ القرآنَ قُتِلَ؛ أَيْ: لأَنَّهُ كَذَّبَ بما فيهِ.

وقال ابنُ القاسم: مَنْ قال: إِنَّ الله تعالى لم يُكَلِّم موسى تكليمًا يُقْتَلُ.

وقاله عبدُ الرَّحْمَن بنُ مهدي.

وقال محمد بن سُحْنُونٍ - فيمن قال: الْمُعَوِّذَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ كتابِ الله -: يُضْرَبُ عُنُقُهُ؛ إلاَّ أَنْ يتوبَ ، وكذلك كلُّ مَنْ كَذَّبَ بحرفٍ منه.

قال: وكذلك إِنْ شَهِدَ شاهِدٌ على مَنْ قال: إِنَّ الله لم يُكِّلم موسى تكليمًا وشَهِدَ آخر عليه أَنَّهُ قال: إِنَّ الله لم يَتَّخِذْ إبراهيمَ خليلًا؛ لأنهما([199]) اجتمعا على أَنَّهُ كَذَّبَ النبيَّr .

وقال أبو عثمان الحداد: جميع من ينتحِلُ التوحيد متفقونَ أَنَّ الْجَحْدَ لحرفٍ مِن التنزيلِ: كُفرٌ.

وكان أبو العالية إذا قَرَأَ عندهُ رجلٌ لم يقل له: لَيْسَ كما قَرَأْتَ ، ويقولُ: أَمَّا أَنا فأَقْرَأُ كذا ، فبَلَغَ ذلك إبراهيمَ ، فقال: أُرَاهُ سَمِعَ أَنَّهُ مَنْ كَفَرَ بحرفٍ منه فقد كَفَرَ به كلِّه.

وقال عبد الله بن مسعود: مَنْ كَفَرَ بآيةٍ مِن القرآنِ فقد كَفَرَ به كلِّه([200]).

وقال أَصْبَغُ بنُ الفَرَج: مَنْ كَذَّبَ ببعضِ القرآنِ فقد كَذَّبَ به كلِّه ، ومَنْ كَذَّبَ به: فقد كَفَرَ به ، ومَن كَفَرَ به: فقد كَفَرَ بالله.

وقد سُئِلَ القَابِسيُّ عَمَّنْ خَاصَمَ يهوديًا فحلفَ له بالتوراةِ ، فقال الآخرُ: لَعَنَ الله التوراةَ ، فشَهِدَ عليه بذلكَ شاهدٌ ثم شَهِدَ آخرُ أَنَّه سأَلَهُ عن القضيةِ؛ فقال: إِنَّما لَعَنْتُ توراةَ اليهودِ ، فقال أبو الحسن([201]): الشاهدُ الواحد لا يُوجِبُ القتلُ ، والثاني عَلَّقَ الأمرَ بصفةٍ تحتملُ التأويلَ؛ إِذْ لعلَّهُ لا يَرَى اليهودَ مُتَمَسِّكِينَ بشيءٍ مِنْ عند الله؛ لتبدِيلِهِمْ وتحرِيْفِهِمْ ، ولو اتَّفَقَ الشاهدانِ على لعن التوراةِ مُجَرَدًّا لضاقَ التأويلُ.

وقد اتَّفَقَ فقهاءُ بغدادَ على استتابةِ ابن شَنْبُوذَ الْمُقْرِيءِ أحدِ أئمةِ الْمُقْرِئينَ الْمُتَصَدِّرينَ بها معَ ابنِ مجاهدٍ؛ لِقِرَاءتهِ وإِقْرَائِهِ بِشَوَاذٍّ مِن الحروفِ ، مما ليسَ في المصحفِ ، وعَقَدوا عليه بالرجوعِ عنه ، والتوبةِ منه سِجِلًّا أَشْهَدَ فيه بذلك على نفسِه في مجلسِ الوزيرِ أبى عليِّ بنِ مُقْلَةَ سنةَ ثلاثٍ وعشرين وثلاثمائةٍ وكان فيمَنْ أَفْتَى عليهِ بذلك أبو بكرٍ الأَبْهَرِيُّ وغيره.

وأَفْتَي أبو محمدٍ بنُ أبى زَيْدٍ بالأدبِ فيمَنْ قال لصبيٍّ: لَعَنَ اللهَ مُعَلِّمَكَ وما عَلَّمَكَ ، وقال([202]): أردتُ سوءَ الأدبِ ولم أُرِدِ القرآنَ ، قال أبو محمدٍ: وأمَّا مَنْ لَعَنَ المصحفَ فإِنَّهُ يُقْتَلُ([203])))أهـ

وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:

((باب ما جاء مِن الحجةِ في الرَّدِّ على مَنْ طعنَ في القرآنِ وخالَفَ مصحف عثمان بالزيادة والنقصان: لا خلاف بين الأمة ، ولا بين الأئمة أهل السنة؛ أن القرآن اسمٌ لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد r معجزةً له على نحو ما تقدم ، وأنه محفوظٌ في الصدور ، مقروءٌ بالألسنة ، مكتوبٌ في المصاحف ، معلومةٌ على الاضطرارِ سورُه وآياتُه ، مبرأةٌ مِن الزيادةِ والنقصانِ حروفُه وكلماتُه ، فلا يحتاج في تعريفه بحَدٍّ ، ولا في حَصْرِهِ بِعَدٍّ ، فمَنِ ادَّعَى زيادةً عليه أو نقصانًا منه فقد أبطلَ الإجماع ، وبَهَتَ الناسَ ، ورَدَّ ما جاء به الرسول r مِنَ القرآن المنزل عليه ، ورَدَّ قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء:88] ، وأبطل آيةَ رسولهِ u؛ لأنَّه إِذْ ذاكَ يصير القرآن مقدورًا عليه حين شِيبَ بالباطل ، ولما قُدِرَ عليه لم يكن حجة ولا آية ، وخرج عن أَنْ يكون مُعْجِزًا ، فالقائل: إِنَّ القرآنَ فيه زيادةٌ ونقصانٌ رَادٌّ لكتابِ الله ، ولما جاء به الرسول r ، وكان كمن قال: الصلوات المفروضات خمسون صلاة ، وتَزَوُّج تسع مِن النساء حلالٌ ، وفرض الله أيامًا مع شهر رمضان ، إلى غير ذلك مما لم يثبت في الدين ، فإذا ردّ هذا الإجماع؛ كان الإجماع على القرآن أثبت وآكَد وأَلْزَم وأَوْجَب)).

ونقل القرطبي كلامًا مطولاً عن ابن الأنباري رحمه الله ، ومنه ذلك قول أبي بكرٍ ابن الأنباري رحمه الله تعالى:

((إِنَّ الله U قد حَفِظَ القرآن مِن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان ، فإذا قَرَأَ قارئٌ: (تبت يدا أبي لهبٍ وقد تبّ ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارًا ذات لهبٍ ومريته حمالة الحطب في جيدها حبل من ليف)؛ فقد كذبَ على الله جل وعلا ، وَقَوَّلَهُ ما لم يقل ، وبَدَّلَ كتابَهُ وحَرَّفَهُ ، وحاول ما قد حَفِظَهُ منه ومنع مِن اختلاطه به ، وفي هذا الذي أَتَاهُ توطِئَةُ الطريق لأهل الإلحاد ليُدْخِلُوا في القرآن ما يُحِلُّون به عُرَى الإسلام ، وينسبونه إلى قومٍ كهؤلاء القوم الذين أحالوا هذا بالأباطيل عليهم ، وفيه إبطال الإجماع الذي به يُحْرَسُ الإسلام ، وبثباته تُقَامُ الصلوات ، وتُؤَدَّى الزكوات ، وتُتَحَرَّى المتعبّدات ، وفي قول الله تعالى: {الر كتاب أحكمت آياته} [هود:1]: دلالة على بدعةِ([204]) هذا الإنسان وخروجه إلى الكفر؛ لأنَّ معنى )أُحْكِمَتْ آياتُه( [هود:1]: منع الخلق مِن القدرةِ على أَنْ يزيدوا فيها ، أو ينقصوا منها ، أو يعارضوها بمثلِها ، وقد وجدنا هذا الإنسان زاد فيها: (وكفى الله المؤمنين القتال بعليٍّ وكان الله قويًّا عزيزًا) فقال في القرآن هُجْرًا وذَكَرَ عليًّا في مكانٍ لو سَمِعَهُ يذكرهُ فيه لأَمْضَى عليه الْحَدَّ وحَكَمَ عليه بالقتلِ ، وأَسْقَطَ مِنْ كلامِ الله: {قل هو} وغَيَّرَ {أحد} فقرأَ: (الله الواحد الصمد) ، وإِسْقَاطُ ما أسقطَ نفيٌ له وكفرٌ ، ومَن كفر بحرفٍ مِنَ القرآن فقدَ كفر به كلَّه ، وأَبْطَلَ معنى الآية؛ لأنَّ أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جوابًا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله r: صِفْ لنا ربك أمِنْ ذهبٍ أم مِن نحاسٍ أم مِن صفر؟ فقال الله جل وعزَّ ردًّا عليهم: {قل هو الله أحد} [الإخلاص:1] ففي {هو} دلالة على موضعِ الرَّدِّ ومكان الجواب ، فإذا سقط بطل معنى الآية ، ووضح الافتراء على الله U والتكذيب لرسول الله r.

ويُقَالُ لهذا الإنسان ومَنْ ينتحل نُصْرَتَه: أَخْبِرونا عن القرآن الذي نقرؤه ولا نعرف نحن ولا مَن كان قبلنا مِن أسلافنا سواه: هل هو مشتملٌ على جميع القرآن مِن أوله إلى آخره؟ صحيح الألفاظ والمعاني؟ عارٍ عن الفساد والخلل؟ أم هو واقع على بعض القرآن والبعض الآخر غائب عنا كما غاب عن أسلافنا والمتقدمين مِن أهل ملتنا؟ فإِنْ أجابوا بأَنَّ القرآن الذي معنا مشتملٌ على جميع القرآن لا يسقط منه شيء صحيح اللفظ والمعاني سليمها مِنْ كل زللٍ وخللٍ؛ فقد قضوا على أنفسِهم بالكفر حين زادوا فيه: (فليس له اليوم هاهنا حميم وليس له شراب إلا مِن غسلين مِن عين تجري مِن تحت الجحيم) ، فأي زيادةٍ في القرآن أوضح مِن هذه؟ وكيف تُخْلَطُ بالقرآن وقد حرسَهُ الله منها؟ ومنعَ كلَّ مفترٍ ومُبْطِلٍ مِنْ أَنْ يُلْحِق به مثلها؟([205])»أهـ

ثم استطردَ ابن الأنباري رحمه الله في بيان فساد الزيادة المذكورة ، وبيان معنى الآية ((فيما أَنْزَلَ الله تبارك وتعالى على الصحَّةِ في القرآنِ الذي مَن خالفَ حرفًا منه كَفَرَ)) على حَدِّ تعبيره.

فظهر مِنْ هذا كله:

- أَنَّ القرآنَ مُعْجِزٌ مِنْ كل جهاته ، غيرُ مَقْدورٍ على الإِتْيانِ بِمِثْلِه ، بوجهٍ من الوجوه.

- وأَنَّهُ مُنَزَّهُ عن النَّقْدِ والطَّعْنِ في حروفه ونظمه ومعانيه ، وكافة وجوهه.

- وأَنَّ التعرُّضَ لبعضهِ بنقدٍ يعني التعرُّضَ له جميعًا.

- وأَنَّ مَنِ اعتقدَ القدرة على مثله وأنَّهُ غير مُعْجِزٍ: فقد كفرَ بلا خلافٍ.

ولا يزال الناس في انبهارٍ دائمٍ بالقرآن المقدَّس منذ نزوله وإلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى.

وانظر إلى قول الأديب الأريب الأستاذ سيد قطب رحمه الله ، حين يقول في مقدمة تفسيره لسورة ((الرعد)): ((كثيرًا  ما أقف أمام النصوص القرآنية وقفة المتهيب أن أمسها بأسلوبي البشري القاصر المتحرِّج أن أشوبها بأسلوبي البشري الفاني ، ولكن ماذا أصنع ونحن في جيل لا بد أن يقدم له القرآن مع الكثير من الإيضاح ، ومع هذا كله يصيبني رهبة ورعشة كلما تصدَّيْتُ للترجمة عن هذا القرآن))([206]).

وقد أشار الله عز وجل في مواضع من كتابه العزيز إلى كثيرٍ من صفات القرآن الأصيلة ، ودلائل إعجازه ، وبراهين عظمته ، فوصفَه سبحانه وتعالى بالمبين والحكيم والمنير والنور والمبارك ، وغيرها من الصفاتِ الْعَلِيَّةِ ، ونفى عنه الريب والشكّ والاختلاف ، وغيرها من الصفات المشينة ، كما نَزَّهَهُ اللهُ عز وجل وبرَّأَهُ من مشابهة أقوال الشعراء والكُهَّان.

وطَالَبَ اللهُ سبحانه وتعالى الناسَ بالتَّدبُّر في آياتِ كتابه ، .

وتحدَّى به سبحانه وتعالى الناس كلهم ، ونفى قُدْرَتهم على المجيء بمثله ، أو بعضه ، ولو اجتهدوا في ذلك ، وجمعوا أنصارهم وشهداءهم ، وطالَبَهُمُ الله سبحانه وتعالى بالتَّدبُّرِ فيه ، والنظر في آياته ، متحدِّيًا لهم أن يجدوا فيه اختلافًا ، أو شيئًا يشينه ، وهذا مما يُظهر محاسنه ، وينفي عنه كل عيبٍ ، ويلفت الأنظار إلى متانته وإعجازه لفتًا ، ويُجَلِّي صفاته أمام الأعين فتبصرها بلا عناء ، صافيةً بلا كَدَرٍ.

كما ذَكَرَ عز وجل أَنَّهُ كتابُ تذكرة وهدىً وبشرى للمؤمنين ، وحسرةً على الكافرين ، يهدي به الله أهل الطاعة والاستجابة إلى صراطٍ مستقيمٍ ، ويُثبِّتَ به قلوبهم.

فكان مما قاله سبحانه وتعالى حول هذه المعاني المذكورة ، على حَسْبِ ترتيبِ السور القرآنية:

قوله جلَّ شأنه: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99].

وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة: 174 - 176].

وقوله عز وجل: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].

وقوله عز وجل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].

وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً} [النساء: 47].

وقوله عز وجل: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً (105)} [النساء: 105].

وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً} [النساء: 174].

وقوله عز وجل: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15 - 16].

وقوله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 48 - 50].

وقوله عز وجل: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19].

وقوله عز وجل: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام: 65 - 66].

وقوله عز وجل: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} [الأنعام: 156 - 157].

وقوله عز وجل: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2].

وقوله عز وجل: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52].

وقوله عز وجل: { قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 203 - 204].

وقوله عز وجل: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [يونس: 1].

وقوله عز وجل: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} [يونس: 37 - 40].

وقوله عز وجل: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].

وقوله عز وجل: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 12 - 14].

وقوله عز وجل: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [هود: 17].

وقوله عز وجل: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 1].

وقوله عز وجل: {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (104)} [يوسف: 104].

وقوله عز وجل: {المر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [الرعد: 1].

وقوله عز وجل: { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} [الرعد: 37].

وقوله عز وجل: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1].

وقوله عز وجل: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآَنٍ مُبِينٍ} [الحجر: 1].

وقوله عز وجل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

وقوله عز وجل: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].

وقوله عز وجل: { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64].

وقوله عز وجل: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 79].

وقوله عز وجل: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 101 - 105].

وقوله عز وجل: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9].

وقوله عز وجل: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا} [طه: 1 - 4].

وقوله عز وجل: { كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} [طه: 99 - 100].

وقوله عز وجل: { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 50].

وقوله عز وجل: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].

وقوله عز وجل: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 32 - 33].

وقوله عز وجل: { تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الشعراء: 2].

وقوله عز وجل: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 192 - 212].

وقوله عز وجل: {طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [النمل: 1 - 3].

وقوله عز وجل: { وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [النمل: 92 - 93].

وقوله عز وجل: {طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [القصص: 1 - 2].

وقوله عز وجل: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص: 52 - 53].

وقوله عز وجل: { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85) وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86) وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آَيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [القصص: 85 - 87].

وقوله عز وجل: { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 48 - 51].

وقوله عز وجل: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ} [الروم: 58].

وقوله عز وجل: { الم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 1 - 3].

وقوله عز وجل: { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6].

{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} [سورة يس: 69].

{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ (36) بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 36 - 37].

وقوله عز وجل: { ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ} [سورة ص: 1].

وقوله عز وجل: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [سورة ص: 29].

وقوله عز وجل: { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 1 - 2].

وقوله عز وجل: { حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [سورة غافر: 1 - 2].

وقوله عز وجل: { حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)} [فصلت: 1 - 4].

وقوله عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [سورة فصلت: 40 - 45].

وقوله عز وجل: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 52].

وقوله عز وجل: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى: 7].

وقوله عز وجل: { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} [الشورى: 17].

وقوله عز وجل: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى: 52 - 53].

وقوله عز وجل: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)} [الزخرف: 1 - 4].

وقوله عز وجل: { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 43 - 44].

وقوله عز وجل: { حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الدخان: 1 - 6].

وقوله عز وجل: { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان: 58].

وقوله عز وجل: { حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية: 1 - 2].

وقوله عز وجل: { حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الأحقاف: 1 - 2].

وقوله عز وجل: { وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: 12].

وقوله عز وجل: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف: 29 - 32].

وقوله عز وجل: { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} [سورة محمد: 2].

وقوله عز وجل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [سورة محمد: 24].

وقوله عز وجل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17)} [القمر: 17 ، 22 ، 32 ، 40].

وقوله عز وجل: { إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 77 - 80].

وقوله عز وجل: { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21].

وقوله عز وجل: { فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [التغابن: 8].

وقوله عز وجل: { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الطلاق: 10 - 11].

وقوله عز وجل: { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 51 - 52].

وقوله عز وجل: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة: 40 - 51].

وقوله عز وجل: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1 - 2].

وقوله عز وجل: { كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [المدثر: 45  - 55].

وقوله عز وجل: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19].

وقوله عز وجل: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان: 23].

وقوله عز وجل: { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 11 - 16].

وقوله عز وجل: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 19 - 28].

وقوله عز وجل: { بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21 - 22].

وقوله عز وجل: { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البيِّنَة: 1 - 3].


 

الَّلازمُ الثَّالثُ

العملُ بأَحْكَامِ القرآنِ ، والأخذُ به في كافَّة الأمورِ([207])

 

وهذا مِنْ مُسلَّمات الدين ، وقواعد الإسلام التي لا يصح الإسلام بدونها؛ لأنَّ عماد الإسلام على الطاعة لله سبحانه وتعالى ، وإفراده بالطاعة المطلقة في كلِّ أحكامه وأوامره ، وهذا يستلزم ضرورةً: العمل بالقرآن المقدَّس وأحكامه؛ لأنَّه المنبع الذي تؤخذ منه الشريعة ، ثم هو كلامُ الخبير بالنَّفْس ، العالِم بطرائِقِها وأحوالها ، الْمُطَّلِعِ على خَبَايَاها ، وأغْوَارِها ، فكلامُه لها أحسنُ الكلامِ ، وحُكْمُه لها أفيدُ الحكم وأصدقُه ، وبيانُه لها أتم البيان وأشفاه.

وأصلُ مادةِ الْحُكْم: المنع كما ذكر ابن فارس([208]) ، وغيره ، وقال الراغبُ الأصفهاني في ((مفردات القرآن)): ((حَكَمَ : أصله منع منعًا لإصلاحٍ ، ومنه سُمِّيَتِ اللجام : حَكَمَة الدابة ، فقيل : حَكَمْته وحَكمْتُ الدابة : منعتُها بالْحَكَمَة ، وأَحْكَمْتُها جَعَلْتُ لها حَكَمَةً ، وكذلكَ حكَمْتُ السفيهَ وأحكمتُه))([209]).

و((العربُ تقول : حكَّمْتُ فلانًا إذا أطلقتُ يدَهُ فيما يشاء))([210]).

فتحصَّل من ذلك معنيين:

المعنى الأول: أنه المنع لإصلاحٍ ، فالمنع لإفسادٍ يُخالفُ ذلك.

والمعنى الثاني: حَكَّمْتُ فلانًا يعني: أطلقتُ يدَهُ فيما يشاء.

فالحكمُ منعٌ مِنْ مُطْلَقِ اليدِ لإصلاحٍ.

ولا يُشكل على ذلك: الأمر؛ لأنَّ الأمر بالشيء نهيٌ ومنعٌ عن ضدِّه على الراجح في أصول الفقه.

وهذا المعنى المذكور للْحُكْمِ ينطبق تمامًا على حُكْمِ الله عز وجل؛ إِذْ هو حُكْمٌ مِن مطلق اليد لإصلاحٍ ، فهو المتفرِّد بالحكم المطلق في الكون كله ، وهو أيضًا المتفرِّد بصلاح أحكامه وحُسْنِها وجمالها مِنْ كل وجهٍ ، فأحكامه عدلٌ كلها وكمالٌ كلها ، لا تشوبها شائبة جَوْرٍ أو نقصٍ أبدًا.

وقد تفرَّدَ سبحانه وتعالى بالحُكْمِ المطلق ، وأرسلَ الرسلَ مُبَشِّرِين ومُنْذِرِين لعباده ، وأمرَهم بتبليغ شريعته إلى الناس ، وأسندَ لولاة الأمر بعد الرسل توصيل أحكامه إلى عباده.

فالحكم في الحقيقة لله سبحانه وتعالى ، وأما الحكام والعلماء وغيرهم من ولاة الأمور فوظيفتهم التبليغ ، وتزول عنهم الصفة الشرعية إذا حادوا عن الصِّراط ، أو تنكَّبوا طريق الشريعة.

وأصلُ القضية موصولٌ بقضية الألوهية ، وتَفَرُّدِ المولى عز وجل بالحكم دون سواه ، فهو الخالق الرازق المستحق بأن يُفْرَدَ بالرُّبوبية ، وكذا هو الحاكم المتفرِّد بالألوهية.

وأهل الإيمان بعد ذلك هم أهل الاستجابة والطاعة ، وأما أهل الكفر والنفاق فهم أصحاب التمرُّد والعصيان.

ولذا جاءتِ النصوص الصريحة في وصف المؤمنين بالاستجابة لأحكام الله عز وجل ، كما بيَّنَتْ صفة المنافقين في تمرُّدهم وتأَبِّيهم لحكم الله السميع البصير.

يقول سبحانه وتعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 46 - 52].

فعَرَضَ سبحانه وتعالى حال المؤمنين وغير المؤمنين وبَيَّـن صفة كلٍّ منهما في هذه الآيات ، وقد ورد نحو هذه المقابَلَة بين الفريقين في سورة النساء أيضًا في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 59 - 65].

وقد ذَكَرَ أهلُ العِلْم أَنَّ الأمر بالرَّدِّ إلى الله عز وجل المذكور في صدر هذه الآيات: يعني الرَّدَّ إلى كتابه ، وأما الردّ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقال العلماء: هو الردُّ إلى السُّنَّة.

يقول ابن كثير رحمه الله: ((وهذا أمرٌ من الله عز وجل بأَنَّ كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أَنْ يُرَدَّ التَّنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة؛ كما قال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى: 10] ، فما حَكَمَ به الكتابُ والسنة وشَهِدَا له بالصحةِ؛ فهو الحق ، وماذا بعد الحق إلا الضلال ، ولهذا قال تعالى: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59]؛ أي: رُدُّوا الخصومات والجهالات إلى كتابِ الله وسُنَّةِ رسوله ، فتَحَاكموا إليهما فيما شَجَرَ بينكم {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59] ، فدَلَّ على أَنَّ مَنْ لم يتحاكم في مَحِلِّ النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلكَ فليس مؤمنًا بالله ولا باليوم الآخر ، وقوله: {ذلك خير} [النساء: 59]؛ أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والرجوع إليهما في فصل النزاع {خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59]؛ أي: وأحسن عاقبةً ومآلًا كما قاله السدي وغير واحد ، وقال مجاهد: وأحسن جزاءً ، وهو قريبٌ))([211]).

ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسير آيات سورة النساء المذكورة: ((إن للعقل البشري وزنه وقيمته بوصفه أداة من أدوات المعرفة والهداية في الإنسان . . هذا حق . . ولكن هذا العقل البشري هو عقل الأفراد والجماعات في بيئة من البيئات , متأثرا بشتى المؤثرات . . ليس هناك ما يسمى ((العقل البشري)) كمدلول مطلق! إنما هناك عقلي وعقلك , وعقل فلان وعلان , وعقول هذه المجموعة من البشر , في مكان ما وفي زمان ما . . وهذه كلها واقعة تحت مؤثرات شتى ; تميل بها من هنا وتميل بها من هناك . .

ولا بد من ميزان ثابت , ترجع إليه هذه العقول الكثيرة ; فتعرف عنده مدى الخطأ والصواب في أحكامها وتصوراتها . ومدى الشطط والغلو , أو التقصير والقصور في هذه الأحكام والتصورات . وقيمة العقل البشري هنا هو أنه الأداة المهيَّأة للإنسان , ليعرف بها وزن أحكامه في هذا الميزان . . الميزان الثابت , الذي لا يميل مع الهوى , ولا يتأثر بشتى المؤثرات . .

ولا عبرة بما يضعه البشر أنفسهم من موازين . . فقد يكون الخلل في هذه الموازين ذاتها . فتختل جميع القيم . . ما لم يرجع الناس إلى ذلك الميزان الثابت القويم .

والله يضع هذا الميزان للبشر , للأمانة والعدل , ولسائر القيم , وسائر الأحكام , وسائر أوجه النشاط , في كل حقل من حقول الحياة:

{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ; وأطيعوا الرسول , وأولي الأمر . . منكم . . فإن تنازعتم في شيء , فردوه إلى الله والرسول . إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر . ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59]..

وفي هذا النص القصير يُبَيِّنُ الله سبحانه شرط الإيمان وَحَدّ الإسلام . في الوقت الذي يبين فيه قاعدة النظام الأساسي في الجماعة المسلمة ; وقاعدة الحكم , ومصدر السلطان . . وكلها تبدأ وتنتهي عند التلقي من الله وحده ; والرجوع إليه فيما لم ينص عليه نصا , من جزيئات الحياة التي تعرض في حياة الناس على مدى الأجيال ; مما تختلف فيه العقول والآراء والأفهام . . ليكون هنالك الميزان الثابت , الذي ترجع إليه العقول والآراء والأفهام !

إن ((الحاكمية)) لله وحده في حياة البشر - ما جل منها وما دق , وما كبر منها وما صغر - والله قد سن شريعة أودعها قرآنه . وأرسل بها رسولًا يُبَيِّنها للناس . ولا ينطق عن الهوى . فسُنَّتُه صلى الله عليه وسلم مِن ثَمَّ شريعةٌ مِنْ شريعة الله .

والله واجب الطاعة . ومن خصائص ألوهيته أن يسن الشريعة . فشريعته واجبة التنفيذ . وعلى الذين آمنوا أن يطيعوا الله - ابتداءً - وأن يطيعوا الرسول - بما له من هذه الصفة . صفة الرسالة من الله ، فطاعته إذن من طاعة الله , الذي أرسله بهذه الشريعة ، وببيانها للناس في سنته . . وسنته وقضاؤه - على هذا - جزءٌ من الشريعة واجب النفاذ . . والإيمان يتعلق - وجودًا وعدمًا - بهذه الطاعة وهذا التنفيذ - بنص القرآن:

{إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59]. .

فأما أولو الأمر ; فالنص يُعَيِّنُ من هم .

{وأولي الأمر . . منكم} [النساء: 59]..

أي: من المؤمنين . . الذين يتحقَّق فيهم شرط الإيمان وحَدّ الإسلام المبين في الآية . . من طاعة الله وطاعة الرسول ; وإفراد الله سبحانه بالحاكمية وحق التشريع للناس ابتداء؛ والتلقي منه وحده - فيما نصَّ عليه - والرجوع إليه أيضًا فيما تختلف فيه العقول والأفهام والآراء , مما لم يَرِدْ فيه نصٌّ ; لتطبيق المبادئ العامة في النصوص عليه .

والنص يجعل طاعة الله أصلا ; وطاعة رسوله أصلا كذلك - بما أنه مرسل منه - ويجعل طاعة أولي الأمر . . منكم . . تبعًا لطاعة الله وطاعة رسوله . فلا يكرر لفظ الطاعة عند ذِكْرِهم , كما كررها عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ليقرر أن طاعتهم مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله - بعد أن قرر أنهم {منكم} بقيد الإيمان وشرطه . .

وطاعة أولي الأمر . . منكم . . بعد هذه التقريرات كلها , في حدود المعروف المشروع من الله , والذي لم يرد نص بحرمته ; ولا يكون من المحرم عندما يرد إلى مبادئ شريعته, عند الاختلاف فيه . . والسنة تقرر حدود هذه الطاعة , على وجه الجزم واليقين:

في الصحيحين من حديث الأعمش: ((إنما الطاعة في المعروف)).

وفيهما من حديث يحيى القطان: ((السمع والطاعة على المرء المسلم . فيما أحب أو كره . ما لم يؤمر بمعصية . فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)).

وأخرج مسلم من حديث أم الحصين: ((ولو استعمل عليكم عبد . يقودكم بكتاب الله . اسمعوا له وأطيعوا)). .

بهذا يجعل الإسلام كل فرد أمينًا على شريعة الله وسنة رسوله . أمينًا على إيمانه ودينه . أمينًا على نفسه وعقله . أمينًا على مصيره في الدنيا والآخرة . . ولا يجعله بهيمة في القطيع ; تزجر من هنا أو من هنا فتسمع وتطيع ! فالمنهج واضح , وحدود الطاعة واضحة . والشريعة التي تطاع والسنة التي تتبع واحدة لا تتعدد , ولا تتفرق , ولا يتوه فيها الفرد بين الظنون !

ذلك فيما وَرَدَ فيه نصٌّ صريح . فأما الذي لم يرد فيه نص . وأما الذي يعرض من المشكلات والأقضية , على مدى الزمان وتطور الحاجات واختلاف البيئات - ولا يكون فيه نص قاطع , أو لا يكون فيه نص على الإطلاق . . مما تختلف في تقديره العقول والآراء والأفهام - فإنه لم يُتْرَك كذلك تيهًا . ولم يُتْرَك بلا ميزان . ولم يُترك بلا منهج للتشريع فيه والتفريع . . ووضع هذا النص القصير , منهج الاجتهاد كله , وحدَّدَه بحدودِه ، وأقام ((الأصل)) الذي يحكم منهج الاجتهاد أيضًا .

{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59]. .

رُدُّوه إلى النصوص التي تنطبق عليه ضمنًا . فإِنْ لم توجد النصوص التي تنطبق على هذا النحو ؛ فردوه إلى المبادئ الكلية العامة في منهج الله وشريعته . . وهذه ليست عائمة ، ولا فوضى , ولا هي من المجهلات التي تتيه فيها العقول كما يحاول بعض المخادعين أن يقول . وهناك - في هذا الدين - مبادئ أساسية واضحة كل الوضوح , تغطي كل جوانب الحياة الأساسية , وتضع لها سياجا خرقه لا يخفى على الضمير المسلم المضبوط بميزان هذا الدين .

{إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59]. .

تلك الطاعة لله والطاعة للرسول , ولأُولي الأمر المؤمنين القائمين على شريعة الله وسنة الرسول . ورَدّ ما يتنازع فيه إلى الله والرسول . . هذه وتلك شرط الإيمان بالله واليوم الآخر . كما أنها مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر . .

فلا يوجد الإيمان ابتداء وهذا الشرط مفقود . . ولا يوجد الإيمان , ثم يتخلف عنه أثره الأكيد .

وبعد أن يضع النص المسألة في هذا الوضع الشرطي , يقدمها مرة أخرى في صورة ((العظة)) والترغيب والتحبيب ; على نحو ما صنع في الأمر بالأمانة والعدل ثم التحبيب فيها والترغيب:

{ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59]. .

ذلك خير لكم وأحسن مآلا . خير في الدنيا وخير في الآخرة . وأحسن مآلا في الدنيا وأحسن مآلا في الآخرة كذلك . . فليست المسألة أن اتباع هذا المنهج يؤدي إلى رضاء الله وثواب الآخرة - وهو أمر هائل, عظيم - ولكنه كذلك يحقق خير الدنيا وحُسْنِ مآل الفرد والجماعة في هذه الحياة القريبة.

أن هذا المنهج معناه: أن يستمتع ((الإنسان)) بمزايا منهج يضعه له الله . . الله الصانع الحكيم العليم البصير الخبير . . منهج بريء من جهل الإنسان , وهوى الإنسان , وضعف الإنسان . وشهوة الإنسان . . منهج لا محاباة فيه لفردٍ , ولا لطبقة , ولا لشعب ، ولا لجنس , ولا لجيل من البشر على جيل . . لأن الله رب الجميع , ولا تخالجه - سبحانه - وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا - شهوة المحاباة لفرد , أو طبقة , أو شعب , أو جنس ، أو جيل .

ومنهج من مزاياه , أن صانعه هو صانع هذا الإنسان . . الذي يعلم حقيقة فطرته , والحاجات الحقيقية لهذه الفطرة , كما يعلم منحنيات نفسه ودروبها ; ووسائل خطابها وإصلاحها ، فلا يخبط - سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا - في تيه التجارب بحثا عن منهج يوافق . ولا يكلف البشر ثمن هذه التجارب القاسية , حين يخبطون هم في التيه بلا دليل ! وحسبهم أن يجربوا في ميدان الإبداع المادي ما يشاءون . فهو مجال فسيح جد فسيح للعقل البشري . وحسبهم كذلك أن يحاول هذا العقل تطبيق ذلك المنهج ; ويدرك مواضع القياس والاجتهاد فيما تتنازع فيه العقول .

ومنهج من مزاياه أن صانعه هو صانع هذا الكون , الذي يعيش فيه الإنسان . فهو يضمن للإنسان منهجا تتلاءم قواعده مع نواميس الكون ; فلا يروح يعارك هذه النواميس . بل يروح يتعرف إليها , ويصادقها , وينتفع بها . . والمنهج يهديه في هذا كله ويحميه .

ومنهج من مزاياه أنه - في الوقت الذي يهدي فيه الإنسان ويحميه - يكرمه ويحترمه ويجعل لعقله مكانًا للعمل في المنهج . . مكان الاجتهاد في فهم النصوص الواردة . ثم الاجتهاد في رَدِّ ما لم يَرِدْ فيه نصٌّ إلى النصوص أو إلى المبادئ العامة للدين . . ذلك إلى المجال الأصيل , الذي يحكمه العقل البشري , ويعلن فيه سيادته الكاملة: ميدان البحث العلمي في الكون ; والإبداع المادي فيه .

{ذلك خير وأحسن تأويلًا} [النساء: 59]. . وصدق الله العظيم .

وحين ينتهي السياق من تقرير هذه القاعدة الكلية في شرط الإيمان وحد الإسلام , وفي النظام الأساسي للأمة المسلمة , وفي منهج تشريعها وأصوله . . يلتفت إلى الذين ينحرفون عن هذه القاعدة ; ثم يزعمون - بعد ذلك - أنهم مؤمنون.

{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا} [النساء: 60] . .

ألم تَرَ إلى هذا العجب العجاب . . قوم . . يزعمون . . الإيمان . ثم يهدمون هذا الزعم في آنٍ ?! قوم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك. ثم لا يتحاكمون إلى ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ? إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر ، وإلى منهج آخر , وإلى حكم آخر . . يريدون أن يتحاكموا إلى . . الطاغوت . . الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . ولا ضابط له ولا ميزان , مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك . . ومن ثَمَّ فهو . . طاغوت . . طاغوت بادِّعائه خاصية من خواص الألوهية . وطاغوت بأنه لا يقف عند ميزانٍ مضبوطٍ أيضًا ! وهم لا يفعلون هذا عن جهلٍ , ولا عن ظنٍّ . . إنما هم يعلمون يقينًا ويعرفون تمامًا , أَنَّ هذا الطاغوت محرمٌ التحاكم إليه: {وقد أمروا أن يكفروا به} [النساء: 60]. . فليس في الأمر جهالة ولا ظن . بل هو العمد والقصد . ومن ثَمَّ لا يستقيم ذلك الزعم . زعم أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ! إنما هو الشيطان الذي يريد بهم الضلال الذي لا يرجى منه مآب . .

{ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا} [النساء: 60] . .

فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت . وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إلى الخروج من حد الإيمان وشرطه بإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت ! هذا هو الدافع يكشفه لهم . لعلهم يتنبهون فيرجعوا . ويكشفه للجماعة المسلمة , لتعرف من يحرك هؤلاء ويقف وراءهم كذلك .

ويمضي السياق في وصف حالهم إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله إلى الرسول وما أنزل من قبله . . ذلك الذي يزعمون أنهم آمنوا به:

{وإذا قيل لهم: تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول , رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} [النساء: 61].

يا سبحان الله ! إنَّ النفاق يَأْبَى إلا أن يكشفَ نفسه ! ويأبى إلا أنْ يُنَاقِضَ بديهيات المنطق الفطري . . وإلا ما كان نفاقًا . . .

إنَّ المقتضى الفطري البديهي للإيمان , أن يتحاكم الإنسان إلى ما آمن به , وإلى من آمن به . فإذا زعم أنه آمن بالله وما أنزل , وبالرسول وما أنزل إليه . ثم دُعِيَ إلى هذا الذي آمَن به , ليتحاكم إلى أمره وشرعه ومنهجه ; كانت التَّلْبِيه الكاملة هي البديهية الفطرية . فأَمَّا حين يصُدّ ويَأْبَى فهو يخالف البديهية الفطرية . ويكشف عن النفاق. ويُنْبِئ عن كذبِ الزَّعْم الذي زَعَمَهُ مِنَ الإيمان !

وإلى هذه البديهية الفطرية يحاكم الله سبحانه أولئك الذين يزعمون الإيمان بالله ورسوله . ثم لا يتحاكمون إلى منهج الله ورسوله . بل يصدون عن ذلك المنهج حين يُدْعَوْنَ إليه صدودًا !

ثم يَعْرِض مظهرًا من مظاهر النفاق في سلوكهم ; حين يقعون في ورطةٍ أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم للدعوة إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ; أو بسبب ميلهم إلى التحاكم إلى الطاغوت . ومعاذيرهم عند ذلك . وهي معاذير النفاق:

{فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله: إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا} [النساء: 62]. .

وهذه المصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم في وسط الجماعة المسلمة - يومذاك - حيث يصبحون معرضين للنبذ والمقاطعة والازدراء في الوسط المسلم . فما يطيق المجتمع المسلم أَنْ يرى مِنْ بينه ناسًا يزعمون أنهم آمنوا بالله وما أُنْزِلَ , وبالرسولِ وما أُنْزِلَ إليه ، ثم يميلون إلى التحاكم لغير شريعة الله ; أو يصدون حين يدعون إلى التحاكم إليها . . إنما يقبل مثل هذا في مجتمع لا إسلام له ولا إيمان . وكل ما له من الإيمان زعم كزعم هؤلاء ; وكل ما له من الإسلام دعوى وأسماء !

أو قد تصيبهم المصيبة من ظلم يقع بهم ; نتيجة التحاكم إلى غير نظام الله العادل ، ويعودون بالخيبة والندامة من الاحتكام إلى الطاغوت ; في قضية من قضاياهم .

أو قد تصيبهم المصيبة ابتلاء من الله لهم . لعلهم يتفكرون ويهتدون . .

وأَيًّا ما كان سبب المصيبة ; فالنص القرآني , يسأل مستنكرا: فكيف يكون الحال حينئذ ! كيف يعودون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم:

{يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا} [النساء: 62]. . .

إنها حال مخزية . . حين يعودون شاعرين بما فعلوا . . غير قادرين على مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم بحقيقة دوافعهم . وفي الوقت ذاته يحلفون كاذبين: أنهم ما أرادوا بالتحاكم إلى الطاغوت - وقد يكون هذا هو عُرف الجاهلية - إلا رغبة في الإحسان والتوفيق ! وهي دائمًا دعوى كل من يحيدون عن الاحتكام إلى منهج الله وشريعته: أنهم يريدون اتِّقاء الإشكالات والمتاعب والمصاعب , التي تنشأ من الاحتكام إلى شريعة الله ! ويريدون التوفيق بين العناصر المختلفة والاتجاهات المختلفة والعقائد المختلفة . . إنها حجة الذين يزعمون الإيمان - وهم غير مؤمنين - وحجة المنافقين الملتوين . . هي هي دائمًا وفي كل حين !

والله سبحانه يكشف عنهم هذا الرداء المستعار . ويخبر رسوله صلى الله عليه وسلم, أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم . ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق , والنصح لهم بالكفِّ عن هذا الالتواء:

{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم . فأعرض عنهم وعظهم , وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا} [النساء: 63]. .

أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ; ويحتجون بهذه الحجج , ويعتذرون بهذه المعاذير . والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور . . ولكن السياسة التي كانت مُتَّبَعَة - في ذلك الوقت - مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم , وأخذهم بالرفق , واطراد الموعظة والتعليم . .

والتعبير العجيب:

{وقل لهم . . في أنفسهم . . قولا بليغًا} [النساء: 63] .

تعبير مصور . . كأنما القول يُودَع مباشرة في الأنفس , ويستقر مباشرة في القلوب .

وهو يرغِّبهم في العودة والتوبة والاستقامة والاطمئنان إلى كَنَفِ الله وكَنَفِ رسوله . . بعد كل ما بدا منهم من الميل إلى الاحتكام إلى الطاغوت ; ومن الصدود عن الرسول صلى الله عليه وسلم حين يدعون إلى التحاكم إلى الله والرسول . . فالتوبة بابها مفتوح , والعودة إلى الله لم يَفُتْ أوانها بعد ; واستغفارهم الله من الذنب , واستغفار الرسول لهم , فيه القبول ! ولكنه قبل هذا كله يُقَرِّر القاعدة الأساسية: وهي أن الله قد أرسل رُسُلَه ليُطَاعوا - بإذنه - لا ليخالف عن أمرهم . ولا ليكونوا مجرد وعاظ ! ومجرد مرشدين !

{وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله . ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك , فاستغفروا الله , واستغفر لهم الرسول , لوجدوا الله توابا رحيمًا} [النساء: 64] . .

وهذه حقيقة لها وزنها . . إن الرسول ليس مجرد ((واعظ)) يُلقي كلمته ويمضي . لتذهب في الهواء - بلا سلطان - كما يقول المخادعون عن طبيعة الدين وطبيعة الرسل ; أو كما يفهم الذين لا يفهمون مدلول ((الدين)) .

إن الدين منهج حياة . منهج حياة واقعية . بتشكيلاتها وتنظيماتها , وأوضاعها , وقِيَمِها , وأخلاقها وآدابها . وعباداتها وشعائرها كذلك .

وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان . سلطان يحقق المنهج , وتخضع له النفوس خضوع طاعة وتنفيذ . . والله أرسل رسله ليطاعوا - بإذنه وفي حدود شرعه - في تحقيق منهج الدين . منهج الله الذي أراده لتصريف هذه الحياة . وما من رسول إلا أرسله الله ، ليطاع , بإذن الله . فتكون طاعته طاعة لله . . ولم يرسل الرسل لمجرد التَّأثُّر الوجداني ، والشعائر التعبُّدية . . فهذا وَهْمٌ في فَهْم الدين ; لا يستقيم مع حِكْمة الله من إرسال الرسل . وهي إقامة منهج مُعَيَّن للحياة , في واقع الحياة . . وإلا فما أهون دنيا كل وظيفة الرسول فيها أَنْ يقف واعظًا . لا يُعْنيه إلا أَنْ يقول كلمتَه ويمضي . يستهتر بها المستهترون , ويبتذلها المبتذلون !!!))أهـ

ولذا قال سيد رحمه الله في مقدمة ((الظلال)): ((وانتهيت من فترة الحياة في ظلال القرآن إلى يقينٍ جازمٍ حاسمٍ... أَنَّهُ لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رِفْعَة ، ولا بَرَكة ، ولا طهارة ، ولا تناسُق مع سُنَن الكون وفِطْرة الحياة إلا  بالرجوع إلى الله ، والرجوع إلى الله - كما يتجَلَّى في ظلال القرآن- له صورة واحدة ، وطريق واحد... واحد لا سواه... إِنَّهُ العودة بالحياةِ كلِّها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم . . إنه تحكيم هذا الكتاب وحده في حياتها . والتحاكم إليه وحده في شؤونها . وإلا فهو الفساد في الأرض ، والشقاوة للناس ، والارتكاس في الحمأة ، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [القصص: 50]. .

إنَّ الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلةً ولا تطوعًا ولا موضعَ اختيارٍ ، إنما هو الإيمان . . أو . . فلا إيمان . .  {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36]. . {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون . إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ، وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ، والله ولي المتقين} [الجاثية: 18 - 19]. .

والأمر إذن جدّ . . إِنَّه أمر العقيدة من أساسها . . ثم هو أمر سعادة هذه البشرية أو شقائها . .

إن هذه البشرية - وهي مِنْ صُنْع الله - لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله ؛ ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يخرج من يده - سبحانه - وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق ، وشفاء كل داء:  {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82]. .  {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} [الإسراء: 9]))أهـ

وبناءً عليه:

يلزمُ العمل بأحكام القرآن ، جملةً وتفصيلاً ، والثقة به ، دونَ بحثٍ عن سَنَدٍ له ، أو دليلٍ لما قاله أو أمَرَ به؛ إِذْ هو أصلُ الأحكام ، وهي فرعه ، وإنما يُقَدَّمُ الأصل على الفرع ، لا العكس.

ويلزمُ من ذلك أيضًا:

الحرص على حِفْظِه ، ومُدَارَسَتِهِ ، والتعبُّد به ، والدفاع عنه ، والغَيْرَة له إذا نال منه بعض الناس بوجهٍ من الوجوه؛ كالاستهزاء أو القدح ونحوهما.

ويلزم من ذلك أيضًا:

أَنْ تُتَّخذَ الإجراءات اللازمة لإِلْزَام الناس على الأخذ بالقرآنِ ، والانصياع لأحكامه ، والتسليم المطلق له ، وترك التقديم بين يديه ، على حَدِّ قول الإمام ابن المبارك رحمه الله تعالى: ((إذا نطقَ الكتابُ بشيءٍ وإِذا جاءت الآثارُ بشيءٍ جَسُرْنا([212]) عليه))([213]).

ومِنْ هنا تَعْلَم شناعة ما يقع فيه أكثر الناس -إلا من رحم الله- مِن التحاكم إلى غير كلامِ الله سبحانه وتعالى وتَرْكِ التحاكم إلى القرآن المقدَّس ، المحفوظ مِن التحريف والتبديل ، المُنَزَّه عن الزيغ والباطل.

وقد قال سبحانه وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] ، وفي آيةٍ ثانيةٍ: {هم الظالمون} [المائدة: 45] ، وفي آيةٍ ثالثةٍ: {هم الفاسقون} [المائدة: 47].

يصف ربُّنا سبحانه وتعالى مَن لم يحكم بما أنزل الله بهذه الصفات الثلاثة في سياقٍ واحدٍ مِنْ سورة المائدة ، مما يدلّ على عِظَم الجُرْم الذي يرتكبه المخالف لأحكام الله سبحانه وتعالى ، المتَّبع لغير ما أنزل الله ، الْمُعْرِض عن تحكيم كلام الله المنزَّه عن النَّقص والمتَّصفِ بالكمال المطلق.

وتَأَمَّلْ قولَ الله جلَّ جلاله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].

فالذين آمنوا هم أهل الهداية للصراط المستقيم ، المذعنين لأحكام الله وأوامره ، المتَّبعين لا الْمُبَدِّلِين.

وتأمَّل قولَ الله سبحانه وتعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف: 29 - 32].

أَفَيَعَجَزِ الناسُ عن محاكاة الجنِّ في إيمانهم وإِذْعَانهم؟ أم يعجزون عن الإيمان الذي فيه مصلحتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة؟!


 

اللازمُ الرابعُ

تَنْزِيهُ القرآنِ عنِ السَّبِّ والطَّعْنِ

 

تمهيد:

 

القرآنُ كلام الله U ، قائم بذاته Y ، وكلامُه صفةٌ مِن صفاته ، فمَن سبَّ صفاته - أو بعضًا منها - فكأنما سبَّ ذاته I ، ولا فرق؛ لأنَّ سَبَّ الصفة سبٌّ للموصوف ، وهذا مما عُلِمَ ضرورةً مِنْ دين الإسلام ، ودلَّتْ عليه العقول الصحيحة.

وقد مضى قريبًا: أَنَّ القولَ في الصفاتِ الإلهية كالقولِ في الذات؛ ولا فرق.

وقال أَصْبَغُ بنُ الفَرَج رحمه الله: «مَنْ كَذَّبَ ببعضِ القرآنِ فقد كَذَّبَ به كلِّه ، ومَنْ كَذَّبَ به: فقد كَفَرَ به ، ومَن كَفَرَ به: فقد كَفَرَ بالله([214])»أهـ

وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله: «ومعلومٌ أنَّ الإيمان بالله على الوجه الصحيح: يستلزمُ الإيمان بآياته ، وأنَّ الإيمان بآياته كذلك: يستلزم الإيمان به تعالى»([215]).

ومن هنا تُدْرك فقه أهل السنة والجماعة[216] y حين استطردوا في بيان حكم مَن سبَّ الله U ، أو سبَّ رسوله r ، أوطعنَ في أحدٍ مِن الصحابة الكرام ، دون الاستطراد في بيان حكم مَن سبَّ القرآن ، أو استهزأ ببعض آياته؛ ذلك أنَّ القرآن كلام الله U ، وكلامه I صفة قائمة به ، غير بَائِنٍ منه ، ولا منفصل عنه ، وحكم مَن سبَّ كلامه أو شيئًا من صفاته سبحانه كحكم مَن سبَّ ذاته U ولا فرق؛ إِذْ من سبَّ الصفة فقد سبَّ الموصوف بها ، كما أنَّ مَن سبَّ الذات فقد سبَّ الصفات الخاصة بها ، فمن سبَّ الله U فقد سبَّ صفاته وأفعاله ، ومن سبَّ -أو استهزأ- بصفاته وأفعاله -أو شيئًا منها- فقد سبَّ الله U واستهزأَ بهI؛ عياذًا بالله من ذلك.

وإنما عَظُمَ سبّ القرآن؛ لكونه تابعًا لسبِّ الله U ، ومتعلِّقًا به ، وقد قالوا في تعظيم سبِّ الرسول r: «إنما عَظُمَ سبّ الرسول r لكونه تابعًا لحق الله U»[217]؛ فكذلك القرآن.


فصلٌ

فيمَنْ سبَّ الله Y

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

«فإِنْ كان مسلمًا وَجَبَ قَتْله بالإجماع؛ لأنه بذلك كافرٌ مرتدٌّ ، وأسوأُ مِن الكافر؛ فإِنَّ الكافر يُعظِّم الربَّ ويعتقد أنَّ ما هو عليه مِن الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ، ولا مسبة له.

ثم اختلف أصحابنا وغيرهم في قبول توبته؛ بمعنى: أنه هل يُسْتَتَاب كالمرتدِّ ، ويسقط عنه القتل إذا أَظْهَرَ التوبة مِن ذلك بعد رفعه إلى السلطان وثبوت الحَدّ عليه؟ على قولين:

أحدهما: أنه بمنزلة سابّ الرسول فيه الروايتان كالروايتين في ساب الرسول ، هذه طريقة أبي الخطاب ، وأكثر مَن احتذى حذوه من المتأخرين ، وهو الذي يدل عليه كلام الإمام أحمد؛ حيث قال: «كل مَن ذَكَرَ شيئًا يُعَرِّضُ بذِكْرِ الربّ تبارك وتعالى فعليه القتل مسلمًا كان أو كافرًا ، وهذا مذهب أهل المدينة» ، فأطلق وجوب القتل عليه ، ولم يذكر استتابته ، وذَكَرَ أَنَّه قولُ أهل المدينة ، ومَنْ وجبَ عليه القتلُ (يَسْقُط)([218]) بالتوبةِ ، وقولُ أهل المدينة المشهور أَنَّه لا يسقط القتل بتوبته ، ولو لم يُرِدْ هذا لم يخصه بأهل المدينة ، فإِنَّ الناسَ مجمعون على أَنَّ مَنْ سبَّ الله تعالى مِن المسلمين يُقْتل ، وإنما اختلفوا في توبته ، فلما أَخَذَ بقولِ أهل المدينة في المسلم كما أَخَذَ بقولهم في الذِّمِّي عُلِمَ أَنَّه قَصَدَ محل الخلاف بين المدنيين والكوفيين في المسأَلَتَيْن ، وعلى هذه الطريقة فظاهر المذهب أَنّه لا يسقط القتل بإظهار التوبة بعد القدرة عليه كما ذكرناه في ساب الرسول.

وأما الرواية الثانية: فإِنَّ عبدَ الله([219]) قال: سئل أبي عن رجلٍ قال: «يا ابن كذا وكذا أنتَ ومَن خلقك»؟ قال أبي: هذا مرتدٌّ عن الإسلام ، قلت لأبي: تَُضْرَِبُ عنقه؟ قال: نعم نضرب عنقه. فجعله من المرتدين.

والرواية الأولى قول الليث بن سعد ، وقول مالك ، وروى ابن القاسم عنه([220]) قال: مَنْ سَبَّ الله تعالى مِن المسلمين قُتِلَ ولم يُسْتَتَب؛ إلا أَنْ يكون افترى على الله بارْتِدَادِه إلى دينٍ دانَ به وأَظْهَرَهُ فيُسْتَتَاب وإِنْ لم يظهره لم يُسْتَتَب ، وهذا قولُ ابنِ القاسم ومُطرِّف ، وعبد الملك ، وجماهير المالكية.

والثاني: أَنَّه يُسْتَتَاب ، وتُقْبَلُ توبته ، بمنزلة المرتد المحض ، وهذا قول القاضي أبي يعلى ، والشريف أبي جعفر ، وأبي علي بن البناء ، وابن عقيل ، مع قولهم: إِنَّ مَنْ سبَّ الرسول لا يُسْتَتَاب ، وهذا قول طائفة من المدنيين؛ منهم: محمد بن مسلمة ، والمخزومي ، وابن أبي حازم؛ قالوا: لا يُقْتَلُ المسلم بالسَّبِّ حتى يُسْتَتَاب ، وكذلك اليهودي والنصراني ، فإِنْ تابوا قُبِلَ منهم ، وإِنْ لم يتوبوا قُتِلُوا ، ولا بُدّ مِن الاستتابة ، وذلك كله كالرِّدَّة ، وهو الذي ذكره العراقيون من المالكية.

وكذلك ذكر أصحاب الشافعي t قالوا: سبُّ الله رِدَّةٌ ، فإذا تاب قُبِلَتْ توبته ، وفرَّقوا بينه وبين سبّ الرسول على أحد الوجهين ، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة أيضًا.

وأما مَن استتابَ السابّ لله ولرسوله فمأْخَذه أَنَّ ذلك مِن أنواع الردة ، ومَن فَرَّق بين سب الله والرسول قال: سب الله تعالى كفرٌ محض ، وهو حقٌّ لله ، وتوبةُ مَنْ لم يصدر منه إلا مجرد الكفر الأصلي أو الطارئ مقبولة مُسْقطة للقتل بالإجماع ، ويدل على ذلك أَنَّ النصارى يسبون الله بقولهم هو ثالث ثلاثة ، وبقولهم: إِنَّ له ولدًا ، كما أخبر النبي r عن الله U أَنَّه قال: «شَتَمَنِي ابنُ آدَم وما ينبغي له ذلك ، وكَذَّبَني ابنُ آدم وما ينبغي له ذلك ، فأما شتمه إِيَّايَّ فقوله: إِنَّ لي ولدًا وأنا الأحد الصمد» ([221]) ، وقال سبحانه: )لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة( إلى قوله: )أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه( [المائدة:73-74] ، وهو سبحانه قد عُلِمَ منه أَنّه يُسْقِط حقَّه عن التائب ، فإِنَّ الرجلَ لو أَتَى مِن الكفر والمعاصي بملء الأرض ثم تاب؛ تابَ الله عليه ، وهو سبحانه لا تَلْحَقُه بالسبِّ غَضَاضة ولا مَعَرَّة ، وإِنما يعود ضرر السبّ على قائله ، وحرمته في قلوب العباد أعظم مِن أَنْ يهتكها جرأة الساب ، وبهذا يظهر الفرق بينه وبين الرسول ، فإِنَّ السب هناك قد تَعَلَّقَ به حقٌّ آدمي ، والعقوبة الواجبة لآدميٍّ لا تسقط بالتوبة ، والرسول تَلْحَقُه الْمَعَرَّةُ والغَضَاضَة بالسبِّ ، فلا تقوم حرمته وتثبت في القلوب مكانته إلا باصطلام سابه؛ لِمَا أَنَّ هَجْوَه وشتمه يُنْقِص من حرمته عند كثير من الناس ويقدح في مكانه في قلوبٍ كثيرةٍ ، فإِنْ لم يُحْفَظْ هذا الْحِمَى بعقوبةِ المنتهك وإلا أَفْضَى الأمر إلى الفساد.

وهذا الفرق يتوجَّه بالنظر إلى أن حدَّ سب الرسول حقٌّ لآدمي ، كما يذكره كثير من الأصحاب ، وبالنظر إلى أنه حقٌّ لله أيضًا ، فإِنَّ ما انتهكه مِنْ حرمة الله لا ينجبر إلا بإقامة الحد ، فأَشْبَه الزاني والسارق والشارب إذا تابوا بعد القدرة عليهم.

وأيضًا؛ فإِنَّ سب الله ليس له داعٍ عقلي في الغالب ، وأكثر ما هو سب في نفس الأمر إنما يصدر عن اعتقادٍ وتَدَيُّنٍ يُرَادُ به التعظيم لا السب ، ولا يَقْصِد السابُّ حقيقةَ الإهانة لعِلْمِهِ أَنَّ ذلكَ لا يُؤَثِّر ، بخلاف سب الرسول؛ فإِنَّه في الغالب إنما يُقْصَدُ به الإهانة والاستخفاف والدواعي إلى ذلك متوفرة من كل كافر ومنافق ، فصار من جنس الجرائم التي تدعوا إليها الطباع ، فإن حدودها لا تسقط بالتوبة بخلاف الجرائم التي لا داعي إليها([222]).....

وأمَّا السابّ فإنّه مظهرٌ للتنقُّصِ والاستخفاف والاستهانة بالله ، منتهكٌ لحرمته ، انتهاكًا يعلم هو مِن نفسه أنّه منتهكٌ مستخفٌّ مستهزىء ، ويعلم هو مِن نفسه أَنّه قد قال عظيمًا ، وأَنَّ السموات والأرض تكاد تنفطر مِن مقالته وتخرُّ الجبال ، وأَنَّ ذلك أعظم مِن كلِّ كفرٍ ، وهو يعلم أَنَّ ذلك كذلك ، ولو قال بلسانه: إني كنت لا أعتقد وجود الصانع ولا عظمته والآن فقد رجعتُ عن ذلك؛ علمنا أَنّه كاذبٌ فإِنَّ فِطَرَ الخلائق كلها مجبولةٌ على الاعتراف بوجود الصانع ، وتعظيمه ، فلا شبهة تدعوه إلى هذا السب ، ولا شهوة له في ذلك ، بل هو مجرد سخرية واستهزاء واستهانة وتمرُّد على ربِّ العالمين ، تنبعث عن نفسٍ شيطانية ممتلئةٍ مِن الغضب ، أو مِن سفيهٍ لا وَقَارَ لله عنده ، كصدورِ قَطْع الطريق والزنى عن الغضب والشهوة ، وإذا كان كذلك وَجَبَ أَنْ يكون للسبِّ عقوبة تخصُّه ، حدًّا مِن الحدود ، وحينئذٍ فلا تسقط تلك العقوبة بإظهار التوبة كسائر الحدود....

وجماعُ الأمر: أنَّ كل عقوبة وجبت جزاءً ونكالاً على فعلٍ أو قولٍ ماضٍ فإنها لا تسقط إذا أُظْهِرَت التوبة بعد الرفع إلى السلطان؛ فسبُّ الله أولى بذلك ، ولا ينتقض هذا بتوبة الكافر والمرتد؛ لأن العقوبة هناك إنما هي على الاعتقاد الحاضر في الحال ، المستصحب مِن الماضي ، فلا يصلح نقضًا؛ لوجهين:

أحدهما: أن عقوبة السابّ لله ليست لذنبٍ استصحبه واسْتَدَامَهُ ، فإِنَّه بعد انقضاء السبّ لم يستصحبه ولم يَسْتَدِمْه ، وعقوبةُ الكافر والمرتد إنما هي الكفر([223]) الذي هو مُصِرٌّ عليه مقيمٌ على اعتقاده.

الثاني: أن الكافر إنما يعاقب على اعتقادٍ هو الآن في قلبه ، وقولُه وعملُه دليلٌ على ذلك الاعتقاد.... والسابُّ إنما يُعَاقَبُ على انتهاكه لحرمة الله ، واستخفافه بحقه ، فيُقْتَلُ.

ولا يُنْتَقَضُ هذا أيضًا بترك الصلاة والزكاة ونحوهما؛ فإِنهم إنما يُعاقبون على دوام الترك لهذه الفرائض ، فإذا فعلوها زال الترك.

وإِنْ شئتَ أَنْ تقول الكافر والمرتد وتاركوا الفرائض يُعاقبون على عدم فعل الإيمان والفرائض؛ أعني: على دوام هذا العدم ، فإِذا وُجِدَ الإيمان والفرائض امتنعت العقوبة لانقطاع العدم ، وهؤلاء يعاقبون على وجود الأقوال والأفعال الكبيرة لا على دوام وجودها ، فإذا وُجِدَتْ مرة لم يرتقع ذلك بالترك بعد ذلك.

وبالجملة فهذا القول له توجُّه وقوة.

ومِن الناس من سلك في سابِّ الله تعالى مسلكًا آخر ، وهو أنه جعله مِن باب الزنديق كأحد المسلكين اللذين ذكرناهما في ساب الرسول؛ لأن وجود السب منه مع إظهاره للإسلام دليلٌ على خبث سريرته ، لكن هذا ضعيف ، فإِنَّ الكلام هنا إنما هو في سبٍّ لا يُتَدَيَّنُ به ، فإِنَّ السب الذي يُتَدَيَّنُ به؛ كالتثليث ودعوى الصاحبة والولد؛ فحكمه حكم أنواع الكفر ، وكذلك المقالات المُكَفِّرة؛ مثل: مقالة الجهمية والقدرية وغيرهم مِن صنوف البدع.

وإذا قبلنا توبة مَن سب الله سبحانه فإنه يُؤَدَّبُ أَدَبًا وجيعًا حتى يردعه عن العَوْدِ إلى مثل ذلك ، هكذا ذكره بعض أصحابنا وهو قول أصحاب مالك في كلِّ مرتدٍ.

فصل: وإِنْ كان السابّ لله ذميًّا؛ فهو كما لو سب الرسول ، وقد تقدم نص الإمام أحمد على أنَّ «مَن ذكر شيئًا يُعَرِّض بذكر الرب سبحانه فإنّه يُقْتَلُ سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا» ، وكذلك أصحابنا قالوا: «مَن ذكر الله أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوءٍ» ، فجعلوا الحكم فيه واحدًا وقالوا: الخلاف في ذِكْرِ الله وفي ذِكْرِ النبي r سواءٌ ، وكذلك مذهب مالك وأصحابه ، وكذلك أصحاب الشافعي ذكروا لمن سب الله أو رسوله أو كتابه مِن أهل الذمة حكمًا واحدًا.....

سبُّ الله تعالى على قسمين: أحدهما: أَنْ يسبّه بما لا يُتَدَيَّنُ به مما هو استهانة به عند المتكلِّم وغيره مِثل: اللعن والتقبيح ونحوه([224]) ، فهذا هو السب الذي لا ريب فيه ، والثاني: أن يكون مما يُتَدَيَّنُ به ويعتقده تعظيمًا ولا يراهُ سبًّا ولا انتقاصًا؛ مثل: قول النصراني: إنَّ له ولدًا وصاحبةً ونحوه ، فهذا مما اختلف فيه إذا أظهره الذمي فقال القاضي وابن عقيل مِن أصحابنا: يُنْتَقَضُ به العهد كما ينتقض إذا أظهروا اعتقادهم في النبي r ، وهو مقتضى ما ذكره الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب وغيرهما ، فإنهم ذكروا أَنْ ما ينقض الإيمان ينقض الذِّمَّة ، ويحكى ذلك عن طائفة من المالكية([225])»أهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

«السب الذي ذكرنا حكمه مِن المسلم هو الكلام الذي يُقْصَدُ به الانتقاص والاستخفاف ، وهو ما يُفْهَمُ منه السبّ في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم؛ كاللعن والتقبيح ونحوه ، وهو الذي دلَّ عليه قوله تعالى: )ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم( [الأنعام:108] ، فهذا أعظم ما تَفَوَّهُ به الأَلْسِنَةُ ، فأَمَّا ما كان سبًّا في الحقيقة والحكم لكن مِن الناس مَن يعتقده دينًا ويراهُ صوابًا وحقًّا ويظن أَنْ ليس فيه انتقاص ولا تعييب؛ فهذا نوعٌ مِن الكفر ، حُكْمُ صاحبه إِمَّا حُكْم المرتدّ المُظهر للرِّدَّةِ ، أو المنافق المُبْطِنْ للنفاق ، والكلامُ في الكلامِ الذي يكفر به صاحبه أو لا يكفر وتفصيل الاعتقادات وما يُوجِبُ منها الكفر أو البدعة فقط وما اختُلِفَ فيه مِن ذلك ليس هذا موضعه ، وإنما الغرض أَنْ لا يدخل هذا في قسم السب الذي تكلمنا في استتابة صاحبه نفيًا وإثْبَاتًا؛ والله أعلم([226])»أهـ


فصلٌ

مَن سبَّ القرآن فقد سبَّ النبيّ r

 

وذلك أنَّ الله U قد أيَّدَ رسولَه r بالمعجزات ، وجعلَ القرآن معجزتَهُ الكبرى ، وبلَّغَ رسولَه r كتابَ ربِّه إلى الناس ، وهو في ذلك صادقٌ أمين ، فمَن جحدَ القرآن فقد جحدَ معجزة النبيِّ r ، وَكَفَرَ به وبكتابهِ ، ومَن استهزأ بالقرآن - أو بشيءٍ منه - فقد استهزأ بِمَنْ بلَّغَهُ إلى الناس ، ونَشَرَهُ بينهم ، ودعاهم إليه ، وأهدَرَ جهاد النبيِّ r لنشرِ أوامره ، وإلزام الناس بها ، والدعوة إلى أحكامه وفرائضه ، حتى آخر أنفاسه ، وكذَّب رسولَ الله r في وصيته بكتاب الله عند موته[227].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

«فمن آمن بالرسل: آمن بما بلَّغوه عن الله ، ومَنْ كَذَّبَ بالرسلِ: كَذَّبَ بذلك ، فالإيمان بكلام الله داخلٌ في الإيمان برسالةِ الله إلى عباده ، والكفر([228]) بذلك هو الكفر بهذا ، فَتَدَبَّر هذا الأصل؛ فإِنَّه فرقانُ هذا الاشتباه([229])»أهـ

والاستهزاء بكتاب الله U ورسوله r لا يصدُر إلاَّ عن هوىً وبغضٍ للرسول r ولما جاء به.

قال الشافعيُّ رحمه الله:

«ومَن أبغضَ النبيَّ r كفَرَ بالله العظيم[230]»أهـ

وقد نصَّ الأئمة؛ أحمد وغيره رحمهم الله على أنَّ سبَّ الرسول r كفرٌ وردَّةٌ؛ إِنْ كان فاعله مسلمًا ، ونقضٌ للعهد؛ إِنْ وَقَعَ مِن ذمِّيٍّ([231]).

وعقد القاضي عياض رحمه الله في ذلك فصلاً قال فيه:

«وحُكمُ مَن سبَّ سائرَ أنبياء الله تعالى وملائكته ، واستخفَّ بهم ، أو كذبهم فيما أتَوْا به ، أو أنكرهم وجحدهم: حُكْمُ نبيِّنا r على مساقِ ما قدَّمْناه.

قال الله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ( الآية([232]) [النساء:150].

وقال تعالى: )قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ( الآية إلى قوله: ) لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ( [البقرة:136]([233]).

وقال: )كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ( [البقرة:285].

قال مالكٌ - في كتاب ابن حبيبٍ ومحمدٍ ، وقال ابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ وسُحْنونٌ فيمن شتم الأنبياء ، أو أحدًا منهم ، أو تنقصه -: قُتِلَ ولم يُسْتَتَبْ ، ومَن سبَّهم مِن أهل الذِّمة قُتِل؛ إلا أن يُسلم.

وروى سحنونٌ عن ابن القاسم: مَن سبَّ الأنبياء من اليهود والنصارى بغير الوجه الذي به كَفَرَ فاضْرِبْ عنقَه؛ إلا أن يُسْلم.

وقد تقدَّم الخلافُ في هذا الأصل.

وقال القاضي بقرطبة سعيد بن سليمان - في بعض أجوبتهِ -: مَن سبَّ الله وملائكتَه قُتِلَ.

وقال سحنونٌ: من شتمَ مَلَكًا مِن الملائكةِ فعليه القتلُ.

وفي «النوادر» عن مالك - فيمن قال: إنَّ جبريل أخطأَ بالوحي وإنما كان النبيُّ عليَّ بنَ أبي طالب -: اسْتُتِيبَ؛ فإن تابَ وإلاَّ قُتِلَ.

ونحوهُ عن سحنونٍ.

وهذا قول الغُرَّابيَّةِ مِنَ الرَّوافضِ سُمُّوا بذلك لقولهم: كان النبيَّ r أشْبهَ بعليٍّ مِنَ الغُرابِ بالغُرابِ.

وقال أبو حنيفة وأصحابُه - على أصلِهم -: مَنْ كذَّبَ بأحدٍ مِن الأنبياء ، أو تنقَّصَ أحدًا منهم ، أو بَرِئَ منه فهو مرتدٌّ.

وقال أبو الحسنِ القابسيُّ في الذي قال لآخر: كَأَنَّهُ وجْهُ مالكٍ الغضبانِ: لو عُرِفَ أنَّه قَصَدَ ذَمَّ المَلَكِ([234]) قُتِلَ.

قال القاضي أبو الفضل([235]): وهذا كلُّه فيمن تَكَلَّمَ فيهم بما قلناه على جملة الملائكة والنبيين ، أو على مُعيَّنٍ ممن حقَّقْنا كوْنه مِن الملائكة والنَّبيِّين ، ممن نصَّ الله عليه في كتابه ، أو حقَّقْنا عِلْمه بالخبر المتواتر والمشتَهرِ المتَّفق عليه بالإجماع القاطع؛ كجبريلَ وميكائيلَ ومالكٍ وخزَنَةِ الجنة وجهنم والزَّبَانِيَةِ وحَمَلَةِ العرشِ المذكورينَ في القرآن مِن الملائكة ، ومَن سُمِّيَ فيه مِنَ الأنبياء ، وكعزرائيلَ وإسرافيلَ ورِضْوانَ والحَفَظَةِ ومنكرٍ ونكيرِ مِن الملائكة المتفق على قبولِ الخبرِ بهما([236]) ، فأمَّا مَن لم تثْبتِ الأخبارُ بتعْيينهِ ، ولا وقعَ الإجماعُ على كونه مِن الملائكةِ أو الأنبياء؛ كهاروتَ وماروتَ في الملائكة ، والخَضِرِ ولُقمانَ وذي القَرْنين ومَرْيم وآسيَةَ وخالدِ بن سِنان المذكورِ أنَّه نبيُّ أهل الرَّسِّ وزَرادُشْتَ الذي تَدَّعِي المجوسُ والمؤَرِّخونَ نُبُوَّته: فليسَ الحُكمُ في سَآبِّهِمْ والكافِرِ بهم كالحُكْمِ فيمَنْ قدَّمْناه؛ إِذْ لم تَثْبت لهم تلكَ الحُرْمَةُ ، ولكن يُزْجَرُ مَنْ تَنَقَّصَهم وآذاهم ، ويُؤَدَّبُ بِقَدْر حالِ القولِ فيه؛ لا سِيَّما مَن عُرِفَتْ صِدِّيقِيَّتُه وفضلُه منهم ، وإن لم تثبت نبوَّتُه ، وأما إِنكار نبوَّتِهم أو كونِ الآخر مِنَ الملائكةِ؛ فإِن كانَ المتكلِّمُ في ذلكَ مِن أهل العلمِ: فلا حرَجَ؛ لاختلافِ العلماءِ في ذلكَ ، وإِنْ كان مِن عوَامِّ الناسِ: زُجِرَ عنِ الخَوْضِ في مثلِ هذا؛ فإِنْ عادَ أُدِّبَ؛ إِذْ ليسَ لهمُ الكلامُ في مثلِ هذا ، وقد كرهَ السَّلفُ الكلامَ في مثلِ هذا ممَّا ليسَ تَحتَه عملٌ لأهلِ العِلم فكيفَ للعامَّةِ؟!([237])»أهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

«.. وذلك أنَّ الله أرسلَ الرسل إلى الناس لتبلّغهم كلام الله الذي أنزله إليهم؛ فمَنْ آمنَ بالرسل: آمَنَ بما بلَّغوه عن الله ، ومَنْ كَذَّبَ بالرسلِ: كَذَّبَ بذلك.

فالإيمان بكلام الله: داخلٌ في الإيمان برسالة الله إلى عباده ، والكفر بذلك هو الكفر بهذا. فتدبَّر هذا الأصل؛ فإنه فرقان هذا الاشتباه؛ ولهذا كان من يكفر بالرسل: تارةً يكفر بأنَّ الله له كلام أنزله على بشرٍ ، كما أنَّه قد يكفر بربِّ العالمين؛ مثل فرعون وقومه.

قال الله تعالى: )أكان للناس للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس( الآية [يونس:2].

وقال تعالى عن نوح وهود: )أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم( [الأعراف:63].

وقال: )وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء( [الأنعام:91].

إلى آخر الكلام؛ فإِنَّ في هذه الآيات تقرير قواعد.

وقال عن الوحيد([238]): )إن هذا إلا قول البشر( [المدثر:25].

ولهذا كان أصل الإيمان: الإيمان بما أنزله.

قال تعالى: )الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة( [البقرة:1-3] إلى قوله: )والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك( [البقرة:4] ، وقال فى وسط السورة: )قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم الآية [البقرة:136] ، وفى آخرها[البقرة:285]: )آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله( الآيتين ، وفى السورة التي تليها: )الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان( [آل عمران:1-4] ، وذكر في أثناء السورة: الإيمان بما أنزل ، وكذلك في آخرها: )ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا( [آل عمران:193] إلى قوله: )وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم( الآية [آل عمران:199].

ولهذا عَظُمَ تقرير هذا الأصل في القرآنِ ، فتارةً يفتتح به السورة؛ إِمَّا إِخْبَارًا كقوله: )ذلك الكتاب( [البقرة:2] ، وقوله: )الر تلك آيات الكتاب الحكيم( [يونس:1] ، وقوله: )الر كتاب أحكمت آياته( الآية [هود:1] ، وكذلك الـ )طسم( [النمل:1] والـ )حم( [الشورى:1] ، فعامة الـ )الم( [البقرة:1] والـ )الر( [يونس:1 ، هود:1] والـ )طسم( [النمل:1] والـ )حم( [الشورى:1] كذلك.

وإِمَّا ثناءً بإِنْزَالهِ؛ كقوله: )الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا( [الكهف:1] ، )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده( الآية [الفرقان:1].

وأَمَّا في أثناء السور فكثيرٌ جدًّا... » ([239]) إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:

«إِنَّ الأمورَ السَّمْعية التي يقال لها: إِنَّ العقلَ عارضها؛ كإثبات عُلُو الله على خلقه واستوائه على عرشه وتَكَلُّمِهِ ورؤية العباد له في الآخرة وإثبات الصفات له: هي ما عُلِمَ بالاضطرار أَنَّ الرسولَ [r] جاءَ بها ، وعُلِمَ بالاضطرار صحة نبوته ورسالته [r] ، وما عُلِمَ بالاضطرار امتنعَ أَنْ يقوم على بطلانه دليلٌ ، وامتنعَ أَنْ يكونَ له معارضٌ صحيحٌ؛ إِذْ لو جازَ أَنْ يكونَ له معارضٌ صحيحٌ لم يَبْقَ لنا وثوقٌ بمعلومٍ أصلاً ، لا حسي ولا عقلي ، وهذا يُبْطِل حقيقة الإنسانية ، بل حقيقة الحيوانية المشتركة بين الحيوانات ، فإِنَّ لها تمييزًا وإدراكًا للحقائق بحسبها ، وهذا الوجه في غاية الظهور ، غَنِيٌّ بنفسِه عن التأمُّل ، وهو مبنِيٌّ على مقدِّمتين قطعيتين؛ إحداهما: أَنَّ الرسولَ [r] أَخْبَرَ عن الله بذلك ، والثانية: أَنَّه صادقٌ ، ففي أَيِّ المقدِّمَتَيْن يقدح المعارِض بين العقلِ والنَّقْلِ؟([240])»أهـ

فصلٌ

مَنْ سَبَّ القرآن فقد سَبَّ جميع الأنبياء ، وأَنْكَرَ جميع الرسالات

 

وقد مضى ذلك في أثناء الفصل السابق هنا ، وذلك أنَّ الرسالات جميعها قد جاءتْ متصادقة متوافقةً في الدعوة إلى الإسلام ، كما قال I عن نبي الله إبراهيم u: )مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ( [آل عمران:67].

وقال: )وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(129)وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ(130)إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(131)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(132)أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( [البقرة:127-133].

وقال نبي الله يوسف u: )رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ( [يوسف:101].

وقال I: )وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(135)قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ( [البقرة:135-136].

وقال U عن الحواريين: )فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( [آل عمران:52].

وقال I: )قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ(64)يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(65)هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(66)مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(67)إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ(68)( [آل عمران:64-68].

وكتبَ نبي الله سُلَيْمان u إلى ملكة سبإٍ: )ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين( [النمل:31] ، وقال u لجنوده وأعوانه: )ياأيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين( [النمل:38] ، فلمَّا جاءتْه ملكة سبإٍ ورَأَتْ من الآيات قالت: )ربّ إني طلمتُ نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين( [النمل:44].

وقد حكى الله U قصص الأنبياء في دعوة أقوامهم إلى الإسلام ، وقال النبي r: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ» ([241]).

قال الإمام النوويُّ رحمه الله في «شرح صحيح مسلم»: «قال العلماء : أولاد العَلات بفتح العين المهملة ، وتشديد اللام: هم الإخوة لأبٍ مِن أمهاتٍ شتى ، وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان. قال جمهور العلماء: معنى الحديث: أصل إيمانهم واحد, وشرائعهم مختلفة, فإنهم متفقون في أصول التوحيد, وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف».

ولذا كان القرآن مصدِّقًا لما قبله مِن الكتب والرسالات ، ومهيْمنًا عليه ، كما كانت شريعة النبي r ورسالته مصدِّقةً لما قبلها من الرسالات ومهيمنةً عليها ، وشاهدةً على صدق الرسل السابقين ، وكانت أمته r شاهدةً على ما قبلها من الأمم.

كما قال I: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ( [البقرة:91].

وقال I: )قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ( [البقرة:97].

وقال I: )الم(1)اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ(2)نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ(3)مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ( [آل عمران:1-4].

وقال I: )وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ(81)فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(82)أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ(83)قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(84)وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ( [آل عمران:81-85].

وقال Y: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا( [النساء:47].

وقال U: )إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ(44)وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(45)وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(46)وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(47) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ( [المائدة:44-48].

وقال U: ) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ( [فاطر:31].

وقال Y: )قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ( [الأحقاف:30].

وقال I: )وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ( [الصف:6].

وقال I: )وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ( [الحج:78].

فإنْ قيل: كيف تشْهد على ما قبلها ولم ترهم؟ فجواب ذلك: أنَّ الله U أخبرها بما كان مِن الأمم قبلها ، سواءٌ في كتابه الكريم ، أو على لسان نبيه الأمين r ، فقام هذا الإخبار لصدق المُخْبِر به مقامَ الرؤية الحسِّية ، نظير قوله تعالى: )أتى أمر الله فلا تستعجلوه( [النحل:1] يريد: القيامة ، لكنَّه عَبَّرَ عن ذلك بالماضي لتَحَقُّق وقوعه يقينًا.

فمَنْ كذَّبَ بالقرآن بعد ذلك: فقد كَذَّب بهذا كله ، ومن استهزأَ به أو ببعضه كانَ مستهزأً بجميع الرسالات قبله ، ومُنْكِرًا لجميع ما وردَ فيه مِن الإخبار عن الأمم السابقة ، واللاحقة ، أو ما ذَكَره مِن أخبار القيامة والبرزخ ، والجنة والنار ، والملائكة ، وغير ذلك.

وبناءً عليه: كان المُكَذِّب ببعض الأنبياء مُكَذِّبًا بهم جميعًا ، والمستهزئ ببعضهم مستهزأً بهم كلِّهم.

فمَنْ سبَّ القرآن أو النبي r ، أو كَذَّبَ ببعض ما جاء في القرآن ، أو بعض ما جاء به النبي r؛ فقد سبَّ عيسى u وكذَّبه في بشارته بالنبي r ، وجَعَلَ عيسى مُبَشِّرًا بما يستحق السبّ ، فيُبْطِل بذلك رسالتَيْن في آنٍ واحدٍ ، ويرجع بالنقض على عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.

ومَنْ سبَّ القرآن أو أنْكره: فقد سبَّ ما فيه من قصص المرسلين ، والإخبار عن الأمم السابقة ورسلهم ، وأنكر نبوة مَنْ ذَكَرَ القرآن نبوّتهم.

ومَنْ سبَّ القرآن: فقد سبَّ تصديقه للكتب السابقة عليه ، وأبطل تأْييده لما فيها ، فأبطل الاعتماد عليها.

ومَنْ سبَّ القرآن: فقد أبطلَ ما أخذه الله على جميع الأمم من الإيمان بالرسول r وتأييده ومؤازرته ، وكَذَّب اليهود في انتظارهم النبي r قبل ظهوره والوحي إليه ، وكذَّب الإنجيل وغيره ممَّنْ بَشَّرَ به r.

وخلاصة القول: أنَّ مَنْ سبَّ القرآن واستهزأَ به: فقد سَبَّ جميع الكتب السابقة واستهزأَ بها ، وأبطلَ جميع الرسالات السابقة على رسالة النبي r ، ومَنْ أبطل رسالةً مِن الرسالات أو سبَّ نبيًّا من الأنبياء كان مُبْطِلاً لجميع الرسالات سابًّا لجميع الأنبياء ، ومَنْ أَدْخل نفسَهُ في هذه الدائرة فقد حكم على نفسِه بالكفر؛ عياذًا بالله مِن الخذلان.

فصلٌ

الاستهزاء بالقرآن استهزاءٌ بالسُّنَّةِ

 

ذلك أنَّ أحدًا مِن علماء الحقّ لم يخالف في كون السُّنَّة قد فسَّرَتْ ما أُجْملَ في كتاب الله U وشَرَحَتْهُ ، وبَيَّنَتْهُ بأوضح بيانٍ ، وأفصح لسانٍ ، فصارتْ في ذلك كالحاشية للقرآن ، والشرح عليه ، وصار لها كالمتن للشرح ، فإذا انتفى الأصل أو المتن انتفى الشرح مِن باب الأَوْلَى ، وإذا استُهْزِأ بالمتن وقع الاستهزاء على الشرح ضرورة ، وهذا ظاهرٌ جدًّا

وإنما يقوم الإسلام على القرآن والسُّنَّة؛ فإذا استُهْزِأَ بهما فقد استُهْزِأَ بالإسلام كلِّه ، وقد سبق أنَّ الاستهزاءَ يحتوي على جحدٍ للمُسْتَهْزَإِ به ، وجَحْدُ ذلك يعني: جحدَ الإسلام ، وجَحْدُ الإسلام يعني: جحدَ الرسول r ، وجحدَ ما ورد ذِكْره في إسلامنا مِن قصص الأنبياء السابقين ، وحكايات الأمم الماضين ، كما يعني: إبطالَ ما ورد في إسلامنا مِن الإخبار عن أمور السَّاعة وأماراتها ، وما سيكون في آخر الزمان ، فضلاً عن البحث والنشور والحساب والساعة.

والتشكيك في شيءٍ مِن ذلك ، أو إنكاره ، أو الاستهزاء به: كفرٌ ظاهرٌ جدًّا لا يتنازع فيه اثنان.


 

فصلٌ

الاستهزاء بكتاب الله U نَقْضٌ للإِيمان

 

وذلك أن مِن الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بكتاب الله U ، وبأنه كلام الله ، وليس بمخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، على ما مضى بيانه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

«ومن الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأَنَّ القرآن كلام الله ، منزَّلٌ غير مخلوق.... »إلخ[242].

وهذا يعني أنَّ جحدَ القرآن جحدٌ للإيمان بالله وكُتُبِه ، وأَنَّ الاستهزاء بالقرآن يُعَدُّ استهزاءً بالإِيمان بالله وكُتُبِه ، وهذا كفرٌ محضٌ لا نزاع فيه بين أحدٍ من الناس ، وهذا الأصل ظاهرٌ بنفسه ، غنيٌّ عن البيان.

قال الإمام الطحاوي رحمه الله:

«ونُؤْمِنُ بالملائكةِ ، والنبيين ، والكتب المنزلة على المرسلين ، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين».

قال شارحُ الطحاوية: «هذه الأمور مِن أركان الإيمان.

قال تعالى: )آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله( الآيات [البقرة:285].

وقال تعالى: )ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين( الآية [البقرة:177].

فجعل الله I الإيمانَ هو الإيمانُ بهذه الجملة ، وسَمَّى مَنْ آمنَ بهذه الجملة مؤمنين؛ كما جعلَ الكافرين مَن كفرَ بهذه الجملة؛ بقوله: )ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا( [النساء:136].

وقال r في الحديث المتفق على صِحَّتِه - حديث جبرائيل وسؤاله للنبي r عن الإيمانِ؛ فقال -: «أَنْ تُؤْمِنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتُؤْمِنَ بالقَدَر خيره وشَرِّه»([243]).

فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه ، ولم يُؤمن بها حقيقةَ الإيمان إلا أَتْبَاع الرُّسل ، وأما أعداؤهم ومَنْ سلك سبيلهم مِن الفلاسفة وأهلِ البدع فهم متفاوتونَ في جحدها وإنكارها ، وأعظمُ الناس لها إنكارًا الفلاسفة المُسَمَّوْن عند مَنْ يُعَظِّمهم بالحكماء ....([244])»أهـ

وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله: «ومعلومٌ أنَّ الإيمانَ بالله على الوجهِ الصحيح: يستلزمُ الإيمان بآياته ، وأنَّ الإيمان بآياته – كذلك -: يستلزم الإيمان به تعالى([245])»أهـ

وقد ذمَّ الله U مَنْ آمَنَ ببعض الوحي ، وترك بعضَهُ الآخر ، وتوعَّدَ I مَن فعل ذلك بالخزي والعذاب الشديد ، وأَدْرَجَهُ في الكافرين حقًَّا.

فقال I: )ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ( [البقرة:85].

وقال: U: )فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ( [المائدة:13 ـ 14].

وقال Y: )وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ( [الرعد:36].

وقال U: )إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ(25)ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ(26)فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ(27)ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ(28)أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ(29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ( [محمد:25 -30].

ومن هنا لم يُيِح الشرع أَنْ يُؤْمن بعضُ الناس ببعض الأركان دون بعضٍ ، وأَوْجَبَ الشرعُ الإيمانَ التامَّ بجملةِ أركان الإيمان ، وفي الآيات السابقة ما يدلُّ بوضوحٍ على أنَّ تَرْك بعض الأركان أو جحده ، أو الاستهزاء به يُعَدُّ نقضًا لعُرَى الإيمان ، وهدمًا لكلِّ أركانه.

فإذا تقرَّر ذلك: فاعلم رحمك الله أنَّ الاستهزاء بكتاب الله U يُعَدُّ هدمًا لكل أركان الإيمان ، واستهزاءً بجميع أجزائه ، ولا نزاع في كفرِ مَن تَعَاطَى ذلك بين أحدٍ من أهل القِبْلة.

وقد نصَّت الآيات السابقة على كفر صاحب هذا الحال حقًّا ، وتوعَّدَتْهُ بالخزي والعذاب المهين.

وقال الدكتور محمود مزروعة حفظه الله:

«والذي نعتقده ونؤمن به جميعًا - ولا يخالف فيه أحدٌ مِن المؤمنين - أنَّ مَن فرَّقَ بين أمرٍ للهِ وأمرٍ آخر؛ فقد آمَنَ ببعض الكتاب وكفر ببعض ، وهذا كفرٌ ، مَن فرَّق بين أقيموا الصلاة واقطعوا يد السارق ، أو اجلدوا الزانية والزاني؛ فقد بَرِئَتْ منه ذمة الله وذمة رسوله وذمة المؤمنين[246]»أهـ

وحكم الدكتور مزروعة على من فعل ذلك بكونه قد «خرجَ عن الملَّة».

فمن استهزأ بفرعٍ من الإِيمان عاد ذلك على الإيمان كلِّه ، وحَكَمَ فاعلُه على نفسِه بالخروج مِن ملَّةِ الإسلام؛ وهذا ظاهرٌ جدًّا.


فصلٌ

الاستهزاء بالقرآن يعني: هدمَ الإِسْلام

 

ذلك أنَّ القرآن هو مصدر الإسلام ومادَّته ، ومنبع أحكامه وتشريعاته ، فمن استهزأَ بالقرآن فقد استهزأَ بأحكام الإسلام وتشريعاته ، ومَن استهزأَ بها جَحَدَها؛ بل لا يصدر الاستهزاء إلا عن جحودٍ وبُغْضٍ ، ومَنْ جحدَ الأحكام والتشريعات: فقد جحدَ الإسلام ، وهدم أركانه ، وأسقط بنيانه.

والقرآن هو المصدر الأول للتشريعات لدى المسلمين ، والأصل الأول لتلقِّي الدين ، فمَنْ استهزأَ به فقد استهزأَ بالدين كلِّه ، ومَنْ هدمه فقد هدم الدين كلِّه ، كما أنَّ مَنْ زاد فيه أو نقص منه فقد زاد في الدين أو نقص منه.

ولذا حَفِظَه الله مِن التحريف والتبديل ، وصَانَهُ عن الزيادة النقصان ، كما قال U: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون( [الحجر:9] ، وقال I: )لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ( [فصلت:42] ، وأوْصى به النبي r عند موته([247]) ، ولا يوصي مَنْ قَارَب الوفاة إلا بمهمٍّ ذي منزلةٍ.

قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:

«باب ما جاء مِن الحجةِ في الرَّدِّ على مَنْ طعنَ في القرآنِ وخالَفَ مصحف عثمان بالزيادة والنقصان: لا خلاف بين الأمة ، ولا بين الأئمة أهل السنة؛ أن القرآن اسمٌ لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد r معجزةً له على نحو ما تقدم ، وأنه محفوظٌ في الصدور ، مقروءٌ بالألسنة ، مكتوبٌ في المصاحف ، معلومةٌ على الاضطرارِ سورُه وآياتُه ، مبرأةٌ مِن الزيادةِ والنقصانِ حروفُه وكلماتُه ، فلا يحتاج في تعريفه بحَدٍّ ، ولا في حَصْرِهِ بِعَدٍّ ، فمَنِ ادَّعَى زيادةً عليه أو نقصانًا منه فقد أبطلَ الإجماع ، وبَهَتَ الناسَ ، ورَدَّ ما جاء به الرسول r مِنَ القرآن المنزل عليه ، ورَدَّ قوله تعالى: )قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا( [الإسراء:88] ، وأبطل آيةَ رسولهِ u؛ لأنَّه إِذْ ذاكَ يصير القرآن مقدورًا عليه حين شِيبَ بالباطل ، ولما قُدِرَ عليه لم يكن حجة ولا آية ، وخرج عن أَنْ يكون مُعْجِزًا ، فالقائل: إِنَّ القرآنَ فيه زيادةٌ ونقصانٌ رَادٌّ لكتابِ الله ، ولما جاء به الرسول r ، وكان كمن قال: الصلوات المفروضات خمسون صلاة ، وتَزَوُّج تسع مِن النساء حلالٌ ، وفرض الله أيامًا مع شهر رمضان ، إلى غير ذلك مما لم يثبت في الدين ، فإذا ردّ هذا الإجماع؛ كان الإجماع على القرآن أثبت وآكَد وأَلْزَم وأَوْجَب.

قال الإمام أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار بن محمد الأنباري: ولم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون مِن شرف القرآن وعُلُو منزلته ما يوجبه الحق والإنصاف والديانة ، وينفون عنه قول المبطلين ، وتمويه الملحدين ، وتحريف الزائغين ، حتى نبغ في زماننا هذا زائغٌ زاغ عن الملةِ ، وهجمَ على الأمةِ بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال الله يؤيدها ، ويُثَبِّت أُسُسها ، ويُنَمِّي فَرْعها ، ويحرسها مِن معايب أولي الجنف والجور ، ومكايد أهل العداوة والكفر ، فزعم([248]) أن المصحف الذي جمعه عثمان بن عفان t - باتفاق أصحاب رسول الله r على تصويبه فيما فعل - لا يشتمل على جميع القرآن؛ إِذْ كان قد سقط منه خمسمائة حرف([249]) ، قد قرأتُ ببعضها وسأقرأ ببقيتها؛ فمنها: «والعصر ونوائب الدهر» فقد سقط مِن القرآن على جماعة المسلمين: «ونوائب الدهر» ، ومنها: «حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازَّيَّنَتْ وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغن بالأمس وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها« ، فادَّعى هذا الإنسان أنه سقط على أهل الإسلام مِن القرآن: «وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها» ، وذَكَرَ مما يَدَّعِى حروفًا كثيرةً ، وادعى أن عثمان والصحابة y زادوا في القرآن ما ليس فيه([250]) ، فقرأ([251]) في صلاة الفرض والناس يسمعون: «الله الواحد الصمد» فأسقط مِن القرآن: «قل هو» وَغَيَّرَ لفظَ «أحد» وادَّعَى أَنَّ هذا هو الصواب والذي عليه الناس هو الباطل والمحال([252]) ، وقَرَأَ في صلاة الفرض: «قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون» وطعن في قراءة المسلمين ، وادَّعَى أَنَّ المصحفَ الذي في أيدينا اشتملَ على تصحيفِ حروفٍ مفسدة مُغَيَّرة؛ منها: «إِنْ تعذبهم فإنهم عبادك وإِنْ تغفر لهم فإِنَّك أنتَ العزيز الحكيم» فادَّعى أنَّ الحكمةَ والعزةَ لا يُشَاكِلان المغفرة وأنَّ الصواب: «وإِنْ تغفر لهم فإِنَّك أنتَ الغفور الرحيم» ، وتَرَامَى به الغيُّ في هذا وأشكاله حتى ادَّعَى أَنَّ المسلمين يُصَحِّفونَ «وكان عند الله وجيهًا» والصواب الذي لم يُغَيَّر عنده: «وكان عبدًا لله وجيهًا» ، وحتى قرأ في صلاةٍ مفترضةٍ - على ما أخبرنا جماعة سَمِعُوه وشَهِدوه -: «لا تحرك به لسانك إِنَّ علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتَّبِعْ قرآنه ثم إِنَّ علينا نبأ به» ، وحكى لنا آخرون عن آخرين أنهم سَمِعُوه يقرأ: «ولقد نصركم الله ببدر بسيف عليٍّ وأنتم أذلة» ، ورَوَى هؤلاء أيضًا لنا عنه قال: «هذا صراطُ عليٍّ مستقيم» ، وأخبرونا أَنَّه أَدْخَلَ في آيةٍ مِنَ القرآن ما لا يُضَاهِي فصاحةَ رسول الله r ، ولا يدخل في لسان قومه الذين قال الله U فيهم: )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه( [إبراهيم:4]؛ فقرأ: «أليس قلت للناس» في موضع: «أأنت قلت للناس» ، وهذا لا يُعْرَفُ في نحو المعربين ، ولا يُحْمَلُ على مذاهب النحويين؛ لأنَّ العربَ لم تقل: «ليس قمت» فأَمَّا «لست قمت» بالتاء فشاذٌّ قبيحٌ خبيثٌ رديءٌ؛ لأنَّ «ليس» لا تجحد الفعل الماضي ، ولم يُوجَدُ مثل هذا إلا في قولهم: «أليس قد خلق الله مثلهم» ، وهو لغة شاذة لا يُحْمَلُ كتاب الله عليها»......

ونقل القرطبي عن ابن الأنباري رحمهما الله بعض ادِّعاءات هذا الهالك المشار إليه في كلام ابن الأنباري ثم قال القرطبي رحمه الله:

«قال أبو بكرٍ([253]): وفي قوله تعالى: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون( [الحجر:9]: دلالة على كفر هذا الإنسان؛ لأنَّ الله U قد حَفِظَ القرآن مِن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان ، فإذا قَرَأَ قارئٌ: «تبت يدا أبي لهبٍ وقد تبّ ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارًا ذات لهبٍ ومريته حمالة الحطب في جيدها حبل من ليف»؛ فقد كذبَ على الله جل وعلا ، وَقَوَّلَهُ ما لم يقل ، وبَدَّلَ كتابَهُ وحَرَّفَهُ ، وحاول ما قد حَفِظَهُ منه ومنع مِن اختلاطه به ، وفي هذا الذي أتاه توطِئَةُ الطريق لأهل الإلحاد ليُدْخِلُوا في القرآن ما يُحِلُّون به عُرَا الإسلام ، وينسبونه إلى قومٍ كهؤلاء القوم الذين أحالوا هذا بالأباطيل عليهم ، وفيه إبطال الإجماع الذي به يُحْرَسُ الإسلام ، وبثباته تُقَامُ الصلوات ، وتُؤَدَّى الزكوات ، وتُتَحَرَّى المتعبّدات ، وفي قول الله تعالى: )الر كتاب أحكمت آياته( [هود:1]: دلالة على بدعةِ([254]) هذا الإنسان وخروجه إلى الكفر؛ لأنَّ معنى )أُحْكِمَتْ آياتُه( [هود:1]: منع الخلق مِن القدرةِ على أَنْ يزيدوا فيها ، أو ينقصوا منها ، أو يعارضوها بمثلها ، وقد وجدنا هذا الإنسان زاد فيها: «وكفى الله المؤمنين القتال بعليٍّ وكان الله قويًّا عزيزًا» فقال في القرآن هُجْرًا وذَكَرَ عليًّا في مكانٍ لو سَمِعَهُ يذكرهُ فيه لأَمْضَى عليه الْحَدَّ وحَكَمَ عليه بالقتلِ ، وأَسْقَطَ مِنْ كلامِ الله: «قل هو» وغَيَّرَ «أحد» فقرأَ: «الله الواحد الصمد» ، وإِسْقَاطُ ما أسقطَ نفيٌ له وكفرٌ ، ومَن كفر بحرفٍ مِنَ القرآن فقدَ كفر به كلَّه ، وأَبْطَلَ معنى الآية؛ لأنَّ أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جوابًا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله r: صِفْ لنا ربك أمِنْ ذهبٍ أم مِن نحاسٍ أم مِن صفر؟ فقال الله جل وعزَّ ردًّا عليهم: )قل هو الله أحد( [الإخلاص:1] ففي )هو( دلالة على موضعِ الرَّدِّ ومكان الجواب ، فإذا سقط بطل معنى الآية ، ووضح الافتراء على الله U والتكذيب لرسول الله r.

ويُقَالُ لهذا الإنسان ومَنْ ينتحل نُصْرَتَه: أَخْبِرونا عن القرآن الذي نقرؤه ولا نعرف نحن ولا مَن كان قبلنا مِن أسلافنا سواه: هل هو مشتملٌ على جميع القرآن مِن أوله إلى آخره؟ صحيح الألفاظ والمعاني؟ عارٍ عن الفساد والخلل؟ أم هو واقع على بعض القرآن والبعض الآخر غائب عنا كما غاب عن أسلافنا والمتقدمين مِن أهل ملتنا؟ فإِنْ أجابوا بأَنَّ القرآن الذي معنا مشتملٌ على جميع القرآن لا يسقط منه شيء صحيح اللفظ والمعاني سليمها مِنْ كل زللٍ وخللٍ؛ فقد قضوا على أنفسِهم بالكفر حين زادوا فيه: «فليس له اليوم هاهنا حميم وليس له شراب إلا مِن غسلين مِن عين تجري مِن تحت الجحيم» ، فأي زيادةٍ في القرآن أوضح مِن هذه؟ وكيف تُخْلَطُ بالقرآن وقد حرسه الله منها؟ ومنع كلَّ مفترٍ ومُبْطِلٍ مِنْ أَنْ يُلْحِق به مثلها؟([255])»أهـ

ثم استطردَ ابن الأنباري رحمه الله في بيان فساد الزيادة المذكورة ، وبيان معنى الآية «فيما أنزل الله تبارك وتعالى على الصحَّةِ في القرآن الذي مَن خالف حرفًا منه كفر» على حدِّ تعبيره.

فظهر مِنْ هذا كله:

- أَنَّ التعرُّض للقرآنِ بسبٍّ أو قدحٍ ، أو التوجُّه إليه بزيادةٍ أو نقصانٍ: يعني هدم الإجماع المتوارث على الثقة بالقرآن ، والاطمئنان إلى ما فيه ، والذي به يُحْرَسُ الإسلام ، وبثباته تُقَامُ الصلوات ، وتُؤَدَّى الزكوات ، ويُعْمل بالتكاليف ، وتنتظِم للناس أمور دينهم ودنياهم.

- ولذا كان جحود حرفٍ منه كجحوده كله في الكفر والرِّدَّة.

- والاستهزاءُ ببعضه استهزاءٌ بجميعه.

- والنَّيْل منه نَيْلٌ مِن الإسلام؛ إِذْ لا إسلام بلا قرآن.

- فإذا صدر الاستهزاء عن ذِمِّيٍّ؛ انتقضَ عهده؛ لأَنَّا عاهدناه وأمَّنَّاه على أَنْ لا يقدح في الإسلام بوجهٍ مِن الوجوه ، فإذا استهزأَ بالقرآن فلا عَهْدَ له ولا ذِمَّة ، وقد سبق ذلك مرارًا([256]).


 

فصلٌ

في الآياتِ الواردةِ فيمَنْ سبَّ القرآن

 

وقد وردت جملةُ آياتٍ في هذا الباب نذكر بعضها مع بيان بعض أقوال العلماء في شرحها؛ فمن ذلك:

قال I: )وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا( [النساء:140].

قال الإمام ابنُ جريرٍ الطبري رحمه الله:

«وقوله: )إنكم إذا مثلهم(؛ يعني: وقد نَزَّلَ عليكم أَنكم إِنْ جالَسْتُم مَنْ يكفر بآيات الله ويستهزيء بها وأنتم تسمعون؛ فأنتم مثله؛ يعني: فأنتم إِنْ لم تقوموا عنهم في تلك الحال مثلهم في فعلهم؛ لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آيات الله يُكْفَرُ بها ويُسْتَهْزَأُ بها ، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله. فقد أتيتم مِنْ معصية الله نحو الذي أَتَوْهُ منها ، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية الله ، وإتيانكم ما نهاكم الله عنه.

وفي هذه الآية: الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل مِنْ كلِّ نوعٍ ، مِن المبتدعة والفَسَقَةِ ، عند خوضِهم في باطلهم.

وبنحو ذلك كان جماعة مِن الأئمة الماضين يقولون ، تَأَوُّلاً منهم هذه الآية أَنَّه مُرَادٌ بها النهي عن مشاهدة كل باطلٍ عند خوضِ أهله فيه([257])»أهـ

ثم ساق الطبريُّ رحمه الله بإسناده عن إبراهيم التيمي ، عن أبي وائلٍ؛ قال: «إِنَّ الرجل لََيَتَكَلَّم بالكلمةِ في المجلسِ مِن الكذبِ ليُضْحِكَ بها جلساءَهُ؛ فيسخط الله عليهم». قال التيمي: فذكرتُ ذلك لإبراهيم النخعي؛ فقال: «صدق أبو وائل ، أَوَ لَيْسَ ذلك في كتاب الله: )أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ (؟».

وساق الطبريُّ أيضًا عن هشام بن عروة؛ قال: «أخذ عمر بن عبد العزيز قومًا على شرابٍ فضربهم ، وفيهم صائمٌ ، فقالوا: إِنَّ هذا صائم! فتلا: )فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ( ».

وكلا الأَثَرَيْن ذَكَرَهما ابنُ أبي حاتمٍ([258]) رحمهما الله عند هذه الآية ، وذَكَرَ أيضًا([259]) عن مقاتل بن حيان قوله في تفسير )إنكم إذًا مثلهم( قال مقاتل: «إِنْ قَعَدتم ورضيتم بخوضهم واستهزائهم بالقرآن فإِنَّكم إذًا مثلهم».

وأورَدَ ابنُ أبي حاتمٍ عن مقاتل أيضًا في قوله تعالى: )إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا( قال مقاتل: «إِنَّ الله جامع المنافقين من أهل المدينة ، والمشركين من أهل مكة؛ الذين خاضوا واستهزؤا بالقرآن في جهنم جميعًا».

قال الإمام القرطبيُّ رحمه الله:

«الخطاب لجميع مَنْ أَظْهَرَ الإيمان مِنْ مُحِقٍّ ومنافقٍ؛ لأَنَّه إذا أظهرَ الإيمان فقد لَزِمَه أَنْ يمتثل أوامر كتاب الله ، فالْمُنَزَّل قوله تعالى: )وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره( [الأنعام:68] وكان المنافقون يجلسون إلى أحبار اليهود فيسخَرون مِن القرآن».

قال القرطبيُّ رحمه الله:

«قوله تعالى: )فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره(؛ أي: غير الكفر )إنكم إذًا مثلهم( ، فدلَّ بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأنَّ مَن لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفرِ كفرٌ؛ قال الله U: )إنكم إذا مثلهم(.

فكل مَنْ جلسَ في مجلسِ معصيةٍ ولم يُنْكِر عليهم يكون معهم في الوِزْرِ سواءٌ ، وينبغي أن يُنْكِرَ عليهم إذا تكلموا بالمعصيةِ وعَمِلُوا بها؛ فإِنْ لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون مِن أهل هذه الآية.

وقد رُوِيَ عن عمر بن عبد العزيز t أَنَّه أخذَ قومًا يشربون الخمرَ؛ فقيل له: عن أحدِ الحاضرين: إِنَّه صائمٌ؛ فحملَ عليه الأدب ، وقَرَأَ هذه الآية: )إنكم إذا مثلهم(؛ أي: إِنَّ الرضا بالمعصيةِ معصيةٌ؛ ولهذا يُؤَاخَذُ الفاعل والراضي بعقوبةِ المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم. وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزامٌ شُبِّه بحكمِ الظاهر مِن المقارنةِ؛ كما قال:

فَكُلُّ قَرِيْنٍ بالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي

 

وقد تقدم([260]). وإذا ثبتَ تجنُّب أصحاب المعاصي كما بَيَّنَّا فتجنُّب أهل البدع والأهواء أَوْلَى([261])»أهـ

وقال الإمام برهان الدين البقاعي رحمه الله:

«ولما كانت آية الأنعام[262] مكية اقتصرَ فيها على مجرَّدِ الإعراض وقَطْعِ المجَالَسَةِ لعدم التمكُّن مِن الإنكار بغير القلب ، وأما هذه الآية فمدنية ، فالتغيير عند إنزالها باللسان واليد ممكنٌ لكل مسلمٍ ، فالمجالِسِ مِن غير نكيرٍ راضٍ؛ فلهذا علّل بقوله: )إنكم إذًا(؛ أي: إذا قعدتم معهم وهم يفعلون ذلك )مثلهم(؛ أي: في الكفر؛ لأنَّ مجالسة المظهر للإيمان المصرِّح بالكفران دالة على أنَّ إظهاره لما أظهر نفاقٌ ، وأنه راض بما يصرح به هذا الكافر ، والرضى بالكفرِ كفرٌ ، فاشتدَّ حُسْن ختم الآية بجمع الفريقين في جهنم بقوله مستأْنِفًا لجوابِ السؤالِ عمَّا تكون به المماثلة: )إن الله(؛ أي: الذي أحاط عِلْمه فتَمَّتْ قدرته )جامع(.

ولَمَّا كان حال الأخفى أهم قدّم قوله: )المنافقين(؛ أي: الذين يُظْهِرون الإيمان ويُبْطِنون الكفر ، فيقعدون مع مَن يسمعونه بكفرٍ )والكافرين(؛ أي: الذين يُجاهرون بكفرهم لرسوخهم فيه )في جهنم( التي هي سجن المَلِك )جميعًا( كما جَمَعَهُمْ معهم مجلسُ الكفرِ الذي هو طعنٌ في مَلِكِ المُلْك ، والتسوية بينهم في الكفر بالقعود معهم دالة على التسوية بين العاصي ومُجَالِسِه بالخُلْطَةِ مِن غير إنكارٍ([263])»أهـ

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى (ت 1233):

«فذكر تبارك وتعالى أنه نَزَّلَ على المؤمنين في الكتاب: أنهم إذا سمعوا آياتِ الله يُكْفَرُ بها ، ويُسْتَهْزَأُ بها فلا يقعدوا معهم ، حتى يخوضوا في حديثٍ غيره. وأنَّ مَن جلسَ مع الكافرين بآيات الله المستهزئين بها في حال كفرهم واستهزائهم فهو مثلُهم ، ولم يُفرِّق بين الخائفِ وغيره؛ إلاَّ المكره.

هذا؛ وهم في بلدٍ واحدٍ في أول الإسلام ، فكيف بمن كان في سَعَة الإسلام وعزِّه وبلاده ، فدعا الكافرين بآياتِ الله المستهزئين بها إلى بلاده ، واتخذهم أولياءً وأصحابًا وجلساءً ، وسَمِعَ كفرَهُم واستهزَاءَهم وأقرَّهم ، وطردَ أهلَ التوحيد وأبعدَهم؟([264])»أهـ

وقال الشيخ حمد بن عليِّ بن عتيق رحمه الله تعالى (ت1301):

«وفي أجوبة آل الشَّيخ رحمهم الله تعالى لَمَّا سُئِلُوا عن هذه الآية وعن قوله r: (مَن جَامَعَ المشركَ أو سكنَ معَه فهو مثلُه)([265]) ، قالوا: الجواب أَنَّ الآية على ظاهرها؛ أَنَّ الرَّجل إذا سَمِعَ آياتِ الله يُكْفَر بها ويُسْتهزأُ بها ، فجلس عند الكافرين المستهزئين بآيات الله مِنْ غيرِ إكراهٍ ولا إنكارٍ ولا قيامٍ عنهم حتَّى يخوضوا في حديثٍ غيره ، فهو كافرٌ مثلهم ، وإِنْ لم يفعل فعلَهم؛ لأَنَّ ذلك يتضمَّن الرِّضا بالكفر ، والرِّضا بالكفرِ كفرٌ ، وبهذه الآية ونحوِها استدلَّ العلماءُ على أنَّ الرِّضا بالذَّنب كفاعله[266] ، فإِن ادَّعى أَنَّه يكره ذلك بقلبه لم يُقْبَل منه؛ لأَنَّ الحكم بالظاَّهر ، وهو قد أظهر الكفر فيكونُ كافرًا([267])»أهـ

وذَكَرَ الدكتور محمد نعيم ياسين الآية المذكورة ثم قال:

«فذكر تعالى أنَّهُ نزَّلَ على المؤمنين في الكتاب أنهم إذا سمعوا آيات الله يُكْفر بها ويُستهزأ بها فلا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِه ، وأنَّ مَن جلس مع الكافرين بآيات الله المستهزئين بها في حال كفرهم واستهزائهم فهو مثلهم ، هذا؛ وهم في بلدٍ واحدٍ في أول الإسلام ، فكيف بمَنْ كان في سَعَة الإسلام وعِزّه وبلاده ، فدعا الكافرين بالله المستهزئين بها إلى بلادِه واتَّخَذهم أولياء وأصحابًا وجلساء ومستشارين ، وسمع كفرهم واستهزائهم وأقرّهم ، وطردَ علماء المسلمين وأَبْعَدهم؟! فهذا أسلوبٌ مِن أساليب الرِّضى بالكفر والكفار يُبْعد صاحبه عن الإيمان ، ويُدْخله في الكفر والعياذ بالله؛ لأنَّ السكوت في مَجَالِسِ الكفر وما يكون فيها: دليلٌ كافٍ على الموافقة.

فيجب على المؤمن أَنْ يحذرَ ذلك كما يحذر الكفر الصريح ، فيلزمه مفارقة هذه المجالس ، حتى ينجوَ مِن عذاب الله ، ولا يمنعه مِن ذلك خوفٌ على مالٍ أو مركزٍ ، أو أيّ عَرَضٍ مِن أعراض هذه الدنيا؛ فإِنَّ الله سبحانه أحقّ أَنْ يخشاه([268])»أهـ

فَدَلَّت الآيةُ - مع أقوال المفسِّرين فيها - على مسائل؛ منها:

الأولى: أنَّ الاستهزاء بآيات الله U كفرٌ صريحٌ لا شكّ فيه.

الثانية: أنّ الرّضى بهذا الكفر - أو غيره من أنواع الكفرِ -: كفرٌ أيضًا.

ومِن الرِّضى بالكفر: تشجيع أصحابه ، ودَعْم مسيرتهم وأعمالهم ، ونشر باطلهم وكفرهم بين الناس ، ونحو ذلك مِن ألوان الرِّضى بالكفر.

الثالثة: ضرورة اجتناب الكافرين ، والمستهزئين بدين الله وآياته ، وتَرْك موالاتهم ، واتِّباع كافَّة أحكام البراءة مِن الكافرين معهم ، والإنكار عليهم ، ومقاومتهم بكافة السُّبُل المتاحة.

وقال Y: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(57)وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ( [المائدة:57 ـ 58].

قال ابنُ جريرٍ الطبريُّ رحمه الله:

«يقول تعالى ذِكْرُه للمؤمنين به وبرسوله محمد r: )يا أيها الذين آمنوا(؛ أي: صَدَّقوا الله ورسولَه: )لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم(؛ يعني: اليهود والنصارى الذين جاءتهم الرسل والأنبياء ، وأُنْزِلَتْ عليهم الكتب مِنْ قبل بَعْث نبينا r ، ومِنْ قبل نزول كتابنا )أولياء(؛ يقول: لا تتخذوهم - أيها المؤمنون - أنصارًا أو إخوانًا أو حُلَفاء؛ فإنهم لا يَأْلُونَكُم خَبَالاً؛ وإِنْ أَظْهَروا لكم مودةً وصداقةً[269].....» إلى آخره.

إلى أن قال ابن جرير رحمه الله:

«يقول تعالى ذِكْرُه: وإذا أذَّن مؤذنكم - أيها المؤمنون - بالصلاة: سَخِرَ مِن دعوتكم إليها هؤلاء الكفار مِن اليهود والنصارى والمشركين ، ولعبوا مِن ذلك[270] ، )ذلك بأنهم قوم لا يعقلون(؛ يعني تعالى ذِكْره بقوله: )ذلك(: فِعْلهم الذي يفعلونه ، وهو هزؤهم ولعبهم مِن الدعاء إلى الصلاة؛ وإنما يفعلونه بجهلهم بربهم ، وأنهم لا يعقلون مالهم في إجابتهم إِنْ أجابوا إلى الصلاة ، وما عليهم في استهزائهم ولعبهم بالدعوة إليها ، ولو عَقَلوا ما لِمَنْ فعلَ ذلك منهم عِنْدَ الله مِن العقاب؛ ما فعلوه».

وساق ابنُ جرير في ذلك عن السُّدِّي قوله:

«)وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا(: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سَمِعَ المنادي ينادي: (أشهد أنَّ محمد رسول الله) قال: حُرِّق الكاذب! فدخَلَتْ خادمه ذات ليلة مِن الليالي بنارٍ - وهو نائمٌ وأهله نيام - فسقطتْ شرارةٌ فأَحْرَقَتِ البيتَ ، فاحْتَرَقَ هو وأهله([271])»أهـ

وذكر القرطبي رحمه الله حكاية هذا النصراني؛ فقال:

«رُوِىَ أنَّ رجلاً من النصارى وكان بالمدينة إذا سَمِعَ المؤذِّن يقول: (أشهد أن محمد رسول الله) قال: حُرِّق الكاذب؛ فسقطتْ في بيته شرارةٌ مِن نار - وهو نائمٌ - فَتَعَلَّقَتْ بالبيتِ فأحرقَتْه وأَحْرَقَتْ ذلك الكافر معه؛ فكانت عِبْرَةً لِلْخَلْقِ (والبلاءُ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِق)([272]) ، وقد كانوا يُمْهَلُون مع النبيِّ r حتى يَسْتَفْتِحُوا؛ فلا يُؤَخَّروا بعد ذلك؛ ذكره ابن العربي([273])»أهـ

وقال: ابن كثير رحمه الله:

«هذا تنفيرٌ مِن موالاة أعداء الإسلام وأهله مِن الكِتَابِيين والمشركين؛ الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون - وهي شرائع الإسلام المطهرة المُحْكَمة المشتملة على كل خيرٍ دنيويٍّ وأُخرويٍّ؛ يتخذونها - )هزوًا( يستهزءون بها ، )ولعبًا( يعتقدون أنها نوعٌ مِن اللعب في نظرهم الفاسد ، وفِكْرهم البارد؛ كما قال القائل:

وكم مِن عائِبٍ قولاً صحيحًا    وآفتُهُ مِن الفهم السَّقيمِ»([274]).

قال ابن كثير رحمه الله:

«وقوله: )واتقوا الله إن كنتم مؤمنين(؛ أي: اتقوا الله أَنْ تتَّخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدِينكم أولياء إِنْ كنتم مؤمنين بشرع الله الذي اتخذه هؤلاء هزوًا ولعبًا؛ كما قال تعالى: )لا يتخذ المؤمنون الكفرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ إلاَّ أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير( [آل عمران:28].

وقوله: )وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا(؛ أي: وكذلك إذا أَذَّنْتُم داعين إلى الصلاة؛ التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم مِن ذوي الألباب )اتخذوها( أيضًا )هزوًا ولعبًا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون( معاني عبادة الله وشرائعه ، وهذه صفات أَتْبَاع الشيطان؛ الذي (إذا سمع الآذان أَدْبَرَ وله حصاص - أي: ضراط - حتى لا يسمع التَّأْذِين ، فإذا قُضِىِ التأذين أَقْبَلَ ، فإذا ثُوِّبَ([275]) للصلاة أَدْبَر ، فإذا قُضِيَ التثويب أقبلَ حتى يَخْطِرَ([276]) بين المرء وقلبه؛ فيقول: اذْكُرْ كذا اذْكُرْ كذا لِمَا لم يكن يَذْكُرْ ، حتى يظلَّ الرجل لا يدري كم صَلَّى ، فإذا وَجَدَ أحدكم ذلك فلْيَسْجُد سجْدَتَيْن قبل السلام)([277]) متفق عليه([278])»أهـ

وقال الإمام الآلوسي رحمه الله:

«والكلام مسوقٌ لبيان استهزائهم بحكمٍ خاصٍّ مِن أحكام الدين بعد بيان استهزائهم بالدين على الإطلاق؛ إظهارًا لكمال شقاوتهم )ذلك(؛ أي: الاتخاذ[279] المذكور )بأنهم(؛ أي: بسبب أنهم )قوم لا يعقلون(؛ فإِنَّ السَّفَهَ يُؤَدِّي إلى الجهل بمحاسن الحق والهزء به ، ولو كان لهم عقلٌ في الجملة لما اجترأوا على تلك العظيمة([280])»أهـ

وقال الإمام الشوكاني رحمه الله:

«هذا النهي عن موالاة المتخذين للدين هزوًا ولعبًا يعمُّ كل مَن حصل منه ذلك مِن المشركين وأهل الكتاب وأهل البدع المنتمين إلى الإسلام ، والبيان بقوله: )من الذين أوتوا الكتاب( إلى آخره لا ينافي دخول غيرهم تحت النهي إذا وُجِدَت فيه العلة المذكورة التي هي الباعثة على النهي([281])»أهـ

فدلَّت الآيةُ بلفظها - مع كلام أهل العلم عليها - على أمورٍ؛ منها:

الأول: كفرُ مَن استهزأ بالدين - أو بشيءٍ منه - ، وهذا ظاهرٌ؛ ولذا أَمَرَ سبحانه وتعالى بترك موالاة المستهزئين بالدين.

الثاني: ضرورة اجتناب مَن استهزأ بالدين ، وسخر منه ، أو ببعضه ، سواءٌ كان مِن غير المسلمين ، أو مِن المنتمين للإسلام.

الثالث: أنَّ الاستهزاء بالدين مِن شِيَم الكفار والمشركين ، مِن اليهود والنصارى وغيرهم ، ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم.

الرابع: أنَّ الأمر باجتنابهم لاستهزائهم بالدين - أو بعضه - يدلُّ على شناعة الاستهزاء بالدين.

الخامس: في حكاية السُّدِّي السابقة عن بعض النصارى ما يدلُّ على عظيم جزاء مَن استهزأ بالدين - أو بعضه - ، وكيف أَحْرَقَهُ الله ، وأنزلَ به مِن جنسِ ما تمنَّاهُ للنبيِّ r )إنَّ في ذلك لعبرة( [آل عمران:13].

وقال Y: )وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( [الأنعام:68].

المراد بالآيات: القرآن كما قال مقاتل بن حيان[282] وغيره ، والخوض فيها: التكذيب والاستهزاء بها.

قال مجاهد:

«قوله: )وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا( قال: «يستهزئون بها[283]. قال: نُهِيَ رسول الله r أَنْ يقعدَ معهم إلاَّ أَنْ ينسى ، فإذا ذَكَرَ فليقُمْ. فذلك قوله: )وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(([284])»أهـ

وقال ابنُ جُرَيْج:

«كان المشركون يجلسون إلى النبي r يحبون أَنْ يسمعوا منه ، فإذا سَمِعُوا استهزأوا ، فَنَزَلَتْ: )وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم( الآية([285])»أهـ

وقال السُّدِّي:

«)وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(؛ قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النبي r والقرآن فسبّوه واستهزأوا به ، فأمرَهم الله أَنْ لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره. وأما قوله: )وإما ينسينك الشيطان(؛ يقول: نَهْيَنَا[286] فَقَعَدَتَ معهم ، فإذا ذكرتَ فقُمْ([287])»أهـ

وقال الإمام الطبريُّ رحمه الله:

«يقول تعالى ذِكْرُه لنبيِّه محمدٍ r: )وإذا رأيت( يا محمد ، المشركين )الذين يخوضون في آياتنا( التي أنزلناها إليك ، ووحينا الذي أوحيناه إليك - وخوضهم فيها: كان استهزَاءَهم ، وسَبَّهُمْ مَن أنزلها وتكلَّمَ بها ، وتكذيبَهُمْ بها -: )فأعرض عنهم(؛ يقول: فصُدَّ عنهم بوجهك ، وقُمْ عنهم ، ولا تجلس معهم )حتى يخوضوا في حديث غيره(؛ يقول: حتى يأخذوا في حديثٍ غير الاستهزاء بآيات الله مِن حديثهم بينهم )وإما ينسينك الشيطان(؛يقول: وإِنْ أنساكَ الشيطانُ نَهْيَنا إِيَّاكَ عن الجلوس معهم والإعراض عنهم في حال خوضِهم في آياتنا ، ثم ذكرتَ ذلك؛ فقُمْ عنهم ، ولا تقعد بعد ذِكْرِكَ ذلكَ )مع القوم الظالمين( الذين خاضوا في غير الذي لهم الخوضُ فيه بما خاضوا به فيه ، وذلك هو معنى (ظلمهم) في هذا الموضع[288]»أهـ

قال الإمام القرطبيُّ رحمه الله:

«....فأدَّبَ الله U نبيَّهُ r بهذه الآية؛ لأنه كان يقعد إلى قومٍ مِن المشركين يَعِظهم ويدعوهم فيَسْتَهْزِءون بالقرآن؛ فأمَرَهُ الله أَنْ يُعْرِضَ عنهم إعراضَ مُنْكِرٍ.

ودلَّ بهذا على أنَّ الرجلَ إذا عَلِمَ مِنَ الآخرِ منكرًا وعِلمَ أنَّه لا يقبل منه فعليه أَنْ يُعْرِضَ عنه إِعْرَاضَ مُنْكِرٍ ولا يُقْبِل عليه.

وروى شبل ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهدٍ في قوله: )وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا(؛ قال: هم الذين يستهزءون بكتاب الله ، نهاه الله عن أن يجلس معهم؛ إلاَّ أن ينسى ، فإذا ذَكَرَ قام.

وروى وَرْقاء ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهدٍ؛ قال: هم الذين يقولون في القرآن غير الحقّ([289])»أهـ

وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله:

«نهى الله تعالى نبيَّه r في هذه الآية الكريمة عن مجالسة الخائضين في آياته ، ولم يُبَيِّن كيفية خوضهم فيها؛ التي هي سبب منع مجالستهم ، ولم يذكر حكم مجالستهم هنا ، وبَيَّنَ ذلك كله في موضعٍ آخر؛ فبيَّنَ أنَّ خوضهم فيها بالكفر والاستهزاء بقوله: )وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُم (الآية [النساء:140].

وبَيَّن أنَّ مَن جالَسَهُمْ في وقتِ خوضِهم فيها مثلهم في الإِثم بقوله: )إنكم إذًا مثلهم( [النساء:140].

وبَيَّن حكم مَن جالَسَهُم ناسيًا ثم تذكَّرَ بقوله هنا: ) وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( [الأنعام:68] ، كما تقدم في سورة النساء([290])» أهـ

فدلَّت الآية - والأقوال في تفسيرها - على مسائل؛ منها:

الأولى: أَنَّ الخوض في آيات الله U والاستهزاء بها كفرٌ وظلم؛ لأنَّ الله U ختم الآية بوصف هؤلاء بقوله )مع القوم الظالمين(.

قال الإمام القرطبيُّ رحمه الله: «يعني: المشركين»([291]).

وسبق نحو ذلك في كلام ابن جُرَيْحٍ وغيره.

الثانية: لزوم الإعراض عمَّنْ تلبَّسَ بشيءٍ مِن الأمور المذكورة؛ إعراضَ إنكارٍ.

وقد سبق أنَّ مجالسة مثل هذا تُعَدُّ رضىً بما هو عليه ، والرضى بالكفرِ كفرٌ؛ والعياذ بالله.

وقال Y: )وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ( [الأنعام:70].

قال الإمام الطبريُّ رحمه الله:

«يقول تعالى ذِكْره لنبيِّه محمد r: ذَرْ هؤلاء الذين اتخذوا دين الله وطاعتهم إيَّاهُ لعبًا ولهوًا ، فجعلوا حظوظهم مِن طاعتهم إيَّاه اللعب بآياتهِ ، واللهوَ والاستهزاء بها إذا سمعوها وتُلِيَتْ عليهم ، فأَعْرِض عنهم ، فإنِّي لهم بالمرصاد ، وإنّي لهم مِن وراء الانتقام منهم والعقوبة لهم على ما يفعلون ، وعلى اغترارِهم بزينة الحياة الدنيا ، ونسيانهم المعاد إلى الله تعالى ذِكْره والمصيرَ إليه بعد الممات([292])»أهـ

وساق ابنُ أبي حاتمٍ[293] والطبريُّ بإسنادهما عن مجاهدٍ في هذه الآية؛ قال: «مثل قوله: )ذرني ومن خلقت وحيدًا( [المدثر:11]»أهـ

يُريد بذلك أنَّ الآية وردت على سبيل الوعيد لهم ، والتهكُّم بهم ، لا الإباحة لما يفعلونه مِن اللعب واللهو والاستهزاء بآيات الله U.

قال الإمام القرطبيُّ رحمه الله:

«ومعنى )لعبًا ولهوًا( باطلاً وفرحًا ، وقد تقدَّم هذا.....([294])»أهـ

قال الطبريُّ رحمه الله:

«وقد نسخ الله تعالى ذِكْره هذه الآية بقوله: )اقتلوا المشركين حيثُ وجدتموهم( [التوبة:5] وكذلك قال عددٌ مِن أهل التأويل»([295]).

ثم ساق الطبريُّ نحو ذلك عن قتادة[296] رحمه الله ، والمراد نسخ تركهم بلا قَتْلٍ ، ثم الأمر بقتلِهِم بعد ذلك ، لا نسخ الوعيد لهم على ما يرتكبونه مِن لهوٍ واستهزاءٍ بآيات الله U ، وهذا ظاهرٌ؛ والله أعلم.

قال ابن الجوزي رحمه الله:

«ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر مِن الآية قولان:

أحدهما: أنه خرج مخرج التهديد؛ كقوله: )ذرني ومن خلقت وحيدًا( [المدثر:11] فعلى هذا هو محكمٌ؛ وإلى هذا المعنى ذهب مجاهدٌ.

والثاني: أنه اقتضى المسامحة لهم والإِعراض عنهم ، ثم نُسِخَ بآية السيف؛ وإلى هذا ذهب قتادة والسُّدِّي([297])»أهـ

وقال القرطبيُّ([298]) رحمه الله:

«الآية منسوخة بآية القتال. وقيل: ليست بمنسوخة؛ لأنَّ قوله: )وذر الذين اتخذوا دينهم( تهديدٌ؛ كقوله: )ذرهم يأكلو ويتمتعوا( [الحجر:3] ، ومعناه: لا تحزن عليهم؛ فإنما عليك التبليغ والتذكير بإِبْسَالِ النفوس ، فمَنْ أُبْسِلَ فقد أُسْلِمَ وارْتُهِنَ. وقيل: أصله التحريم؛ مِن قولهم: هذا بَسْلٌ عليك؛ أي: حرامٌ؛ فكأنهم حُرِموا الجنة وحُرِّمت عليهم الجنة. قال الشاعرُ:

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‍‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‍‌أَجَارَتكُم بَسْلٌ علينا مُحَرَّمٌ   وجارتُناَ حِلٌّ لكم وحَلِيلُها

والإِبْسَالُ: التحريم[299]»أهـ

فدلَّت الآية - مع تفسيرها - على مسائل؛ منها:

الأولى: أَنَّ الاستهزاء واللهو واللعب بالدين - أو بعضه - يُعَدُّ كفرًا ، يستوجبُ صاحبه )شراب من حميمٍ وعذاب أليم بما كانوا يكفرون( [الأنعام:70] على ما ورد في آخر الآية.

الثانية: الوعيد الشديد لِمَنْ فعلَ ذلك.

الثالثة: وجوب التبليغ للقرآن ، والتذكير به.

وقال U: ) وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50)الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ(51)وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(52)هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ  يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( [الأعراف:50 ـ 53].

وفي الآية بيان لقول أصحاب الجنة لأهل النار الكافرين ، وبيان لصفة الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا ، فجرَّهم هذا اللهو واللعب والسخرية؛ إلى جهنم وبئس المصير ، وزادهم جحودهم وافتراءهم على الله غير الحق نسيانَ الله U لهم ، كما نسوا لقاء الله من قَبْلُ وجحدوا بآياته ، فخسروا أنفسَهم وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون.

قال الإمام الطبريُّ رحمه الله في قوله تعالى: ) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ( [الأعراف:51]؛ قال:

«وهذا خَبَرٌ من الله عن قِيلِ أهل الجنة للكافرين.

يقول تعالى ذِكْره: فأجاب أهلُ الجنة أهلَ النار: )إنَّ الله حرمها على الكافرين( [الأعراف:50] الذين كفروا بالله ورسله ، )الذين اتخذوا دينهم( الذي أمرهم الله به )لهوًا ولعبًا(؛ يقول: سخريةً ولعبًا».

ثم أورَدَ الطبريُّ عن ابن عباس قوله: «وذلك أنهم كانوا إذا دُعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزأوا به؛ اغترارًا بالله([300])»أهـ

وقال الرازي عفا الله عنه:

«ثم إنه تعالى وصف هؤلاء الكفار بأنهم اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا ، وفيه وجهان:

الوجه الأول: أنَّ الذي اعتقدوا فيه أنه دينهم؛ تلاعبوا به ، وما كانوا فيه مجدِّين.

والوجه الثاني: أنهم اتخذوا اللهو واللعب دينًا لأنفسهم؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد المستهزئين المقتسمين».

قال الرازي:

«وفي الآية لطيفة عجيبة؛ وذلك أنه تعالى وصفهم بكونهم كانوا كافرين ، ثم بَيَّنَ مِن حالهم أنهم اتخذوا دينهم لهوًا أولاً ، ثم لعبًا ثانيًا ، ثم غرتهم الحياة الدنيا ثالثًا ، ثم صار عاقبة هذا الأحوال والدرجات أنهم جحدوا بآيات الله ، وذلك يدلُّ على أنَّ حبَّ الدنيا مبدأ كل آفة.... وقد يُؤَدِّي حبّ الدنيا إلى الكفر والضلال([301])»أهـ

فدلَّت الآية - مع تفسير العلماء لها - على مسائل ، منها:

الأولى: أن الاستهزاء بآيات الله U واللهو واللعب بالدِّين يؤدَّي إلى جحود الآيات.

الثانية: أنَّ مَن استهزأ بآيات الله فقد كفر ، واستحقَّ جهنم بما فيها مِن عقابٍ وعذابٍ؛ ذلك أنَّ الله U وصف الكافرين ونعتَهُم باللهو واللعب والجحود بالآيات ، وأوجب لهم بذلك النارَ ، وحرَّم عليهم بذلك نعيم الجنان ، وزاد في التنكيلِ بهم فأراهم ما فيه أهل الجنة مِن نعيمٍ؛ نكالاً بهم ، وزيادةً في تعذيبهم وأَلَمِهِمْ؛ والعياذ بالله.

وقال Y: )وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(61)يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ(62)أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ(63)  يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ(64)وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( [التوبة:61-66].

ذكر المفسِّرون[302] جملة مِن الأسباب في سبب نزول هذه الآية؛ لكنَّ العِبْرَةَ بعموم لفظها لا بخصوص سبب نزولها.

ولذا قال الرازي عفا الله عنه:

«اعلم أنه لا حاجة في معرفة هذه الآية إلى هذه الروايات؛ فإنها تدلُّ على أنهم ذكروا كلامًا فاسدًا على سبيلِ الطعن والاستهزاء ، فلمَّا أخبرهم الرسول [r] بأنهم قالوا ذلك خافوا واعتذروا عنه بأنَّا إنما قلنا ذلك على وجه اللعب ، وهذا يدلُّ على أن كلمة )إنما( تفيد الحصر؛ إِذْ لو لم يكن ذلك لم يلزم مِن كونهم لاعبين أن يكونوا مستهزئين ، فحينئذٍ لا يتم هذا العذر([303])»أهـ

قال ابن الجوزي رحمه الله:

«وقوله: )قد كفرتم(؛ أي: أظهرتم كفركم بعد إظهاركم الإيمان؛ وهذا يدلُّ على أنَّ الجِدَّ واللّعب في إظهار كلمة الكفر سواءٌ([304])»أهـ

وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله:

«لا يخلو أَنْ يكونَ ما قالوه مِن ذلك جدًّا أو هزلاً ، وهو كيفما كان؛ فإِنَّ الهزلَ بالكفر كفرٌ ، لا خلاف فيه بين الأمة ، فإنَّ التحقيق أخو العلم والحق ، والهزل أخو الباطل والجهل ، قال علماؤنا: انظر إلى قوله: )اتتخذُنا هزوًا ؟ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين( [البقرة:67]([305])»أهـ

وقال الإمام عماد الدين بن محمد الطبري المعروف بالكيَا الهرَّاسي رحمه الله:

«فيه دلالة على أنَّ اللاعب والخائض سواءٌ في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه؛ لأنَّ المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعبًا ، فأخبر الله تعالى عن كفرهم باللعب بذلك.

ودلَّ أنَّ الاستهزاء بآيات الله تعالى: كفر([306])»أهـ

وذكر الجَصَّاص[307] رحمه الله نحوًا مِن ذلك أيضًا ، وسيأتي كلامه بنصِّه في هذا الكتاب[308] إن شاء الله تعالى.

قال الآلوسي رحمه الله:

«واستدل بعضُهم بالآية على أنَّ الجّد و اللّعب في إظهار كلمة الكفر سواءٌ ، ولا خلاف بين الأئمة في ذلك([309])»أهـ

وقال الرازي: عفا الله عنه:

«إنه تعالى بَيَّنَ أنَّ ذلك الاستهزاء كان كفرًا ، والعقل يقتضي أنَّ الإقدام على الكفر لأجل اللعب غير جائز؛ فثبتَ أنَّ قولَهم: )إنما كنا نخوض ونلعب( ما كان عذرًا حقيقيًّا في الإقدام على ذلك الاستهزاء ، فلما لم يكن ذلك عذرًا في نفسِه نهاهم الله عن أَنْ يعتذروا به؛ لأنَّ المنعَ عن الكلام الباطل واجبٌ؛ فقال: )لا تعتذروا(؛ أي: لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم»([310]).

قال الرازي:

«قوله: )قد كفرتم بعد إيمانكم( يدلُّ على أحكام:

الحكم الأول: أنَّ الاستهزاء بالدين كيف كان كفرٌ بالله؛ وذلك لأنَّ الاستهزاء يدلُّ على الاستخفاف ، والعمدة الكبرى في الإيمان: تعظيم الله تعالى بأقصى الإِمكان ، والجمعُ بينهما محالٌ.

الحكم الثاني: أنَّه يدلُّ على بطلان قول مَن يقول: الكفر لا يدخل إلاَّ في أفعال القلوب.

الحكم الثالث: يدلُّ على أنَّ قولهم الذي صدر منهم كفرٌ في الحقيقة؛ وإِنْ كانوا منافقين مِن قَبْلُ ، وأنَّ الكفر يمكن أَنْ يتجدَّد مِن الكافر حالاً فحالاً.

الحكم الرابع: يدلُّ على أنَّ الكفر إنما حَدَثَ بعد أَنْ كانوا مؤمنين.

ولقائلٍِ أَنْ يقول: القوم لما كانوا منافقين فكيف يصح وصفهم بذلك؟

قلنا: قال الحسن: المراد )كفرتم بعد إيمانكم( الذي أَظَهَرْتُموه ، وقال آخرون: ظهر كفركم للمؤمنين بعد أَنْ كنتم عندهم مسلمين ، والقولان متقاربان([311])»أهـ

وقال الإمام نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري رحمه الله تعالى (ت728) في تفسير هذه الآيات:

«وفيه أنَّ الاستهزاء بالدين كيف كان كفرٌ بالله صريحٌ؛ لأنَّ العمدةَ الكبرى في الإيمان: هو التعظيم لأمر الله ولشرائعه([312])»أهـ

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الكلام على قوله تعالى في هذه الآيات: )قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون( [التوبة:65]:

«تدلُّ على أَنَّ الاستهزاء بالله كفرٌ ، وبالرسول كفرٌ ، مِنْ جهةِ الاستهزاء بالله وحده كفرٌ بالضرورة؛ فلم يكن ذِكْر الآيات والرسول شرطًا؛ فَعُلِمَ أَنَّ الاستهزاءَ بالرسولِ كفرٌ؛ وإلَّا لم يكن لِذِكْرِه فائدة ، وكذلك الآيات.

وأيضًا؛ فالاستهزاء بهذه الأمور متلازم([313])»أهـ

وقال الشيخ أبو بكرٍ الجزائري حفظه الله:

«)لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم(؛ أي: الذي كنتم تدَّعونه؛ لأنَّ الاستهزاء بالله والرسول والكتاب: كفرٌ مُخْرِجٌ مِنَ المِلَّةِ».

وذَكَرَ حفظه الله في هداية هذه الآيات:

«- كفر مَن استهزأَ بالله أو آياته أو رسوله.

- لا يُقْبَلُ اعتذار مَنْ كفرَ بأيِّ وجهٍ؛ وإنما التوبة ، أو السيف ، فيُقْتَلُ كفرًا([314])»أهـ

وقال U: ) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ(22)لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ(23)وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(24)لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ( [النحل:22-25].

يريد: إِنَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة )قلوبهم منكرة( لألوهيته I ، مستكبرة عن قبول الحق ، ونَعَتَهم I بصفاتٍ؛ منها: )وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم؟ قالوا أساطير الأولين( [النحل:24]؛ يعني: أباطيل الأولين والقدماء مِن السابقين عليهم ، يقولون ذلك استكبارًا وإنكارًا لِمَا جاء به النبي r ، واستهزاءً به؛ فكان جزاء ذلك نَعْتهم بالكفرِ والاستكبار ، مع حملهم أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير عِلْمٍ([315]).

وقد تكرَّر هذا الجرم منهم ، وحكاه عنهم المولى I في غير موضعٍ من آي الذِّكْرِ الحكيم؛ ومِنْ ذلك:

قوله Y: )وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(31)وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( [الأنفال:31-32].

وقوله Y: ) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا(56)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا(57)وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا(58)وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ( [الكهف:56-59]([316]).

قال الإمام الطبريُّ([317]) رحمه الله:

«وقوله: )واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوًا(؛ يقول: واتخذوا حُجَجه التي احتجَّ بها عليهم ، وكتابه الذي أنزله إليهم ، والنُّذُر التي أنذرهم بها سخريًا يسخرون بها؛ يقولون: )إن هذا إلا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً( [الفرقان:5] ولو شئنا لقلنا مثل هذا([318])»أهـ

وقد ذَكَرَ I في آية سورة «الكهف» هذه جزاءَ مَن اتَّخذَ آياته هزوًا ، وذَكَرَ أَنَّ أحدًا ليس أظلم ممَّنْ ذُكِّرَ بآيات ربِّه ثم أعرضَ عنها ، وعَقَّبَ على ذلك بما ينتظر هؤلاء مِن العقاب الأليم ، والعذاب الجسيم ، جزاءً لهم ، ونكالاً بهم على ما سبق منهم مِن الاستهزاء بآيات الله U.

فدلَّ هذا وغيره على شناعة الاستهزاء بآيات الله Y ، وتحريمه ، وتجريمه ، والتشديد في عقاب فاعله ومرتكبه ، والمتلبِّس به؛ جزاءً له على كفره الذي صدر منه؛ حين اتخذ آيات الله هزوًا.

ويدل على ذلك أيضًا: جَمْعُ اللهِ U بين الكفر وبين الاستهزاء في سياقٍ واحدٍ في آية سورة الكهف السابقة هنا ، وقد تكرَّرَ هذا الجمع في مواطن من الآيات القرآنية.

ويستفاد من ذلك أمور؛ منها:

كفر المستهزئ بآيات الله U.

وأليم عقابه ، ووخيم عاقبته.

وقال Y: ) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104)أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(105)ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا(106) ( [الكهف:103-106].

اختلفَ أهل التفسير فيمن نزلت فيه هذه الآية :

قال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله بعد أن ساق أثر البخاري([319]) بإسناده عن مصعب بن سعد بن أبى وقاص ، قال: «سألتُ أبي – يعني: سعد بن أبي وقاص - عن قول الله: )قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً(: أهم الحرورية؟ قال: لا؛ هم اليهود والنصارى. أما اليهود فكذبوا محمداً r. وأما النصارى فكذبوا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب. والحرورية الذين ينقضون عهد الله مِنْ بعد ميثاقه. فكان سعدٌ t يسميهم: الفاسقين».

قال الإمام ابن كثيرٍ رحمة الله عليه عقب إيراده أثر سعدٍ t المذكور:

«وقال عليُّ بن أبى طالب والضحاك وغير واحدٍ: هم الحرورية؛ ومعنى هذا عن عليٍّ t: أنَّ هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم ، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص؛ ولا هؤلاء؛ بل هي أعمّ مِن هذا؛ فإِنَّ هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى ، وقبل وجود الخوارج بالكلية؛ وإنما هي عامة في كلِّ مَن عَبَدَ الله على غير طريقةٍ مرضيةٍ ، يحسب أنّه مصيب فيها ، وأنَّ عمله مقبول؛ وهو مخطئ وعمله مردود؛ كما قال تعالى: )وجوه يؤمئذٍ خاشعة. عاملة ناصبة. تصلى ناراً حامية( [الغاشية:2-4] ، وقال تعالى: )وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً( [الفرقان:23] ، وقال تعالى: )والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً( [النور:39]([320])»أهـ

قال الإمام الشنقيطيُّ رحمه الله تعالى:

«والتحقيق: أنَّّ الآية نازلة في الكفار الذين يعتقدون أنَّ كفرهم صواب وحق ، وأنَّ فيه رِضَى رَبِّهم؛ كما قال عن عَبَدَةِ الأوثان: )ما نعبدهم ألا ليقربون إلى الله زلفى ([الزمر: 3[ ، وقال عنهم:) ويقولون هؤلاء شفاؤنا عند الله( ]يونس:18[ ، وقال عن الرهبان الذين يتقربون إلى الله على غير شرع ٍصحيح:) وجوه يومئذٍ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية( [الغاشية:2-4[ الآية؛ على القول بذلك.

وقوله تعالى في الكفار: )إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ( ]الأعراف:30[ ، وقوله:) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ( ]الزخرف:37[.

والدليل على نزولها في الكفار: تصريحه تعالى بذلك في قوله بعده ، يليه:) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ( الآية ]الكهف:105[.

فقول مَنْ قال: إِنّهم الكفار, وقول مَن قال: إنهم الرهبان ، وقول مَن قال: إِنهم أهل الكتاب الكافرون بالنبيِّ r؛ كلُّ ذلك تشمله هذه الآية.

وقد روى البخاري في صحيحه[321] عن سعد بن أبي وقاص t أَنَّه سأله ابنُه مصعبٌ عن) الأخسرين أعمالاً( في هذه الآية: هل هم الحرورية؟ فقال: لا؛ هم اليهود والنصارى. أما اليهود فكفروا بمحمدٍr . وأما النصارى فكفروا بالجنة, وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب. والحرورية الذين ينقصون عهد الله مِن بعد ميثاقه ، وكان سعدٌ يُسمِّيهم الفاسقين أهـ من البخاري.

وما رُوِيَ عن عليٍّ t مِن أَنّهم أهل حروراء المعروفون بالحروريين؛ معناه: أنهم يكون فيهم مِن معنى الآية بقَدْرِ ما فعلوا؛ لأنهم يرتكبون أمورًا شنيعة مِن الضلال ، ويعتقدون أنها هي معنى الكتاب والسنة؛ فقد) ضلَّ سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا( وإِنْ كانوا في ذلك أقلّ مِن الكفار المجاهرين؛ لأنَّ العِبْرَةَ بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب؛ كما قدَّمنا إيضاحه وأدلته([322])»أهـ

قال الشنقيطىُّ رحمه الله:

«وقوله في هذه الآية الكريمة:) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ( ]الكهف:105[ الآية؛ نصٌّ في أنَّ الكفر بآياتِ الله ولقائِهِ يُحْبِطُ العمل ، والآيات الدالة على ذلك كثيرةٌ جدًّا؛ كقوله تعالى في (العنكبوت) [23]:) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( ، والآيات كثيرة جدًّا؛ وسيأتي بعض أمثلة لذلك قريبًا إن شاء الله([323])»أهـ

وإنما جاء هذا الجزاء الأليم الذي نالوه بسبب كفرهم واتِّخَاذِهم آيات الله Y ورسله هزوًا.

قال الإمام الطبريُّ رحمه الله:

«)ذلك جزاؤهم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوًا ([الكهف:106[؛ يقول تعالى ذِكْره: أولئك ثوابهم جهنم بكفرهم بالله ، واتخاذهم آيات كتابه ، وحجج رسله سخريًّا ، واستهزائهم برسله([324])»أهـ

وقال الإمام البغويُّ رحمه الله: «)ذلك( الذي ذكرتُ مِن حبوط أعمالهم وخِسّة أقدرِاهم؛ ثم ابتدَأَ فقال:) جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي( يعنى: القرآن) ورسلي هزوًا( أي: سخريةً ومهزوءًا بهم([325])»أهـ

وعبارة ابن الجوزيِّ رحمه الله: «قال تعالى: )ذلك جزؤهم(؛ أي: ذلك الأمر الذي ذكرتُ مِن بطلانِ عملهم وخِسَّة قَدْرِهم ، ثم ابتدأ فقال:) جزاؤهم جهنم( ، وقيل: المعنى: ذلك التصغير لهم ، وجزاؤهم جهنم ، فأُضْمِرَتْ واو الحال.

قوله تعالى: )بما كفروا(؛ أي: بكفرهم واتخاذهم) آياتي( التي أنزلتها) ورسلي هزواً(؛ أي: مهزوءًا به([326])»أهـ

وقال الرازي عفا الله عنه:

«ثم قال تعالى:) ذلك جزاؤهم جهنم( فقوله:) ذلك(؛ أي: ذلك الذي ذكرناه وفصلناه مِن أنواع الوعيد هو جزاؤهم على أعمالهم الباطلة ، وقوله:) جهنم( عطف بيانٍ لقوله) جزاؤهم( ثم بيَّنَ تعالى أنَّ ذلك الجزاء جزاءٌ على مجموعِ أمرين؛ أحدهما: كفرهم. الثاني: أنهم أضافوا إلى الكفر أَنِ اتخذوا آيات الله واتخذوا رسله هزواً ، فلم يقتصروا على الردِّ عليهم وتكذيبهم حتى استهزءوا بهم([327])»أهـ

وقال الإمام ابن كثيرٍ رحمه الله:

«وقوله:) ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا(؛ أي: إِنّما جازيناهم بهذا الجزاء بسبب كفرهم واتخاذهم آيات الله ورسله هزوًا استهزءوا بهم وكذَّبوهم أَشدّ التكذيب([328])»أهـ

وقال الإمام البقاعيُّ رحمه الله:

«فلم يكتفوا بالكفر الذي هو طعنٌ في الإلهية حتى ضمُّوا إليه الهزء الذي هو أعظم احتقار([329])»أهـ

فدلَّتْ الآية – مع الأقوال في تفسيرها – على مسائل؛ منها:

أَنَّ اقترانَ الاستهزاء بالكفر في سياقٍ واحدٍ مع اتحاد العقوبة عليهما؛ يعني: التسوية بينهما في الحكم ، وهذا دالٌّ على أنَّ الاستهزاء بآيات الله Y كفرٌ لا شكَّ فيه.

ولعلَّ الإِخْبَار في الآية عن استهزائِهم بالآيات يكون تفسيرًا لما وقعوا فيه مِن كفرٍ ، وأيًّا ما كان الأمر فالآية واضحة في تجريم الاستهزاء بالآيات ، وبيان عقوبته ، وكفر مرتكبه.

وقال Y: )أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(9)ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون(10)( ]الروم:9-10].

قال الإمام الطبريُّ رحمه الله تعالى:

«ثم كان آخر أمر مَن كفر مِن هؤلاء الذين أثاروا الأرض وعَمَروها ، وجاءتهم رسلهم بالبينات بالله ، وكذبوا رسلهم ، فأساءوا بذلك مِن فعلهم:) السوأى(؛ يعنى: الخلة التي هي أسوأ مِن فعلهم؛ أما في الدنيا: فالبَوَار والهلاك ، وأما في الآخرة: فالنار لا يخرجون منها ، ولا هم يستعتبون.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل».

ثم أورد الإمام الطبريُّ رحمه الله بإسناده عن قتادة رحمه الله: «قوله:) ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى(: الذين أشركوا السَّوأَى؛ أي: النار».

ثم أوردَ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: «قوله:) ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأَى(؛ يقول: الذين كفروا جزاؤهم العذاب».

قال الطبريُّ رحمه الله:

«وقوله: )أن كذبوا بآيات الله(؛ يقول: كانت لهم )السّوأى(؛ لأنهم كذبوا في الدنيا بآيات الله؛ )وكانوا بها يستهزئون( يقول: وكانوا بحجج الله - وهم أنبياؤه ورسله - يسخرون([330])»أهـ

وقوله تعالى:) الذين أساءوا(؛

قال الإمام القرطبيُّ رحمه الله:

«ومعنى) أساءوا( أشركوا؛ دلَّ عليه:) أنْ كذبوا بآيات الله(([331])»أهـ

ومعنى )أنْ كذَّبوا( الآيه؛ أي: لأَنْ كذَّبوا؛ قاله الفَرَّاء[332] والكسائي[333] ، وقال الزَّجَّاج: «لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم»[334].

قال الإمام ابن كثير رحمه الله:

«أي كانت )السوأى( عاقبتهم؛ لأنهم كذبوا بآيات الله[335] وكانوا بها يستهزئون.

فعلى هذا تكون ) السوأى( منصوبة خبر) كان(؛ هذا توجيه ابن جرير ، وَنَقَلَهُ عن ابن عباس وقتادة ، ورواه ابن أبي حاتمٍ عنهما وعن الضحاك بن مزاحم ، وهو الظاهر - والله أعلم – لقوله: )وكانوا بها يستهزئون(([336])»أهـ

قال الشيخ أبو بكرٍ الجزائري حفظه الله:

«وقوله: )السوأى(؛ أي: )عاقبة الذين أساءوا السوأى( وهو خسرانهم وهلاكهم ، وقوله: )أن كذبوا بآيات الله(؛ أي: من أجل أنهم كذبوا بآيات الله) وكانوا بها يستهزئون( وأصرُّوا على ذلك ولم يتوبوا».

واستنبط الشيخ الجزائري حفظه الله مِن ذلك:

«- بيان جزاء الله العادل في أَنَّ عاقبةَ الإساءة السُّوأى .

- كفر الاستهزاء بالشرع وأحكامه والقرآن وآياته([337])»أهـ

وهذا ظاهرٌ؛ والله أعلم.

وقال U:) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ(6)وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(7)يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(8)وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(9)مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(10)( [الجاثية:6-10[.

قال الشنقيطى رحمه الله:

«ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة مِن أنَّ مَنْ كَفَرَ باللهِ وبآيات الله ولم يؤمن بذلك - مع ظهور الأدلة والبراهين على لزوم الإيمان بالله وآياته -: أنه يُسْتَبْعَد أَنْ يؤمنَ بشيءٍ آخر؛ لأنه لو كان يؤمن بحديثٍ لآمنَ بالله وبآياته لظهور الأدلة على ذلك ، وأنَّ مَن لم يؤمن بآيات الله مُتَوَعَّدٌ بالويل ، وأنه أفَّاكٌ أثيمٌ ، والأفَّاك: كثير الإفك؛ وهو أسوأُ الكذب ، والأثيم: هو مرتكب الإثم بقلبه وجوارحه ، فهو مجرمٌ بقلبه ولسانه وجوارحه ، قد ذَكَرَهُ تعالى في غير هذا الموضع فَتَوَعَّدَ الْمُكَذِّبين لهذا القرآن بالويل يوم القيامة ، وَبَيَّنَ استبعاد إيمانهم بأيِّ حديثٍ بعد أَنْ لم يؤمنوا بهذا القرآن ، وذلك بقوله في آخر المرسلات: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ(48)وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ(49)فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ( ]المرسلات:48-50[.

فقوله تعالى: )ويل يؤمئذ للمكذِّبين(؛ كقوله هنا: )ويل لكل أفاك أثيم(.

وقد كَرَّرَ تعالى وعيد المكذِّبين بالويل في سورة المرسلات ، كما هو معلوم. وقوله في آخر المرسلات:) فبأيِّ حديثٍ بعده يؤمنون( [المرسلات:50]؛ كقوله هنا في الجاثية: )فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون(.

ومعلومٌ أنَّّ الإيمانَ بالله على الوجه الصحيح: يستلزم الإيمان بآياته ، وأنَّ الإيمان بآياته -كذلك -: يستلزم الإيمان به تعالى.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: )يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبراً كأََنْ لم يسمعها فبشّره بعذاب أليم( يدلُّ على أنَّ مَن يسمع القرآن يُتلى ثم يُصِرّ على الكفرِ والمعاصي - في حالة كونه متكَبِّرًا عن الانقياد إلى الحق الذي تَضَمَّنَتْهُ آيات القرآن كأَنَّه لم يسمع آيات الله -: له البشارة يوم القيامة بالعذاب الأليم؛ وهو الخلود في النار ، وما تَضَمَّنَتْهُ هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في (لقمان) [7[: )وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ( ، وقوله تعالى في الحج ]72]: )وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( ، وقوله تعالى: )وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ( [محمد:16[.

فقوله تعالى عنهم: )ماذا قال آنفاً( [محمد:16[ يدلُّ على أنهم ما كانوا يبالون بما يتلو عليهم النبي r من الآيات والهدى.

وقد ذكرنا كثيرًا مِن الآيات المتعلقة بهذا المبحث في سورة) فُصِّلَتْ( في الكلام على قوله تعالى: )فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(4)وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ( الآية ]فصلت:4-5[».

قال الشنقيطيُّ رحمه الله:

«وقوله في هذه الآية الكريمة: )ويل لكل أفاك أثيم(.

قال بعض العلماء: )ويل(: وادٍ في جهنم.

والأظهر: أنَّ لفظة) ويل( كلمة عذاب وهلاك ، وأنها مصدر لا لفظ له مِن فِعْله ، وأنَّ المسوّغ للابتداء بها - مع أنها نكرة -: كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك».

قال الشنقيطى رحمه الله:

«قوله تعالى:) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ( ]الجاثية:9[ ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة تَوَعُّد الأفاك الأثيم بالويل ، والبشارة بالعذاب الأليم.

وقد قَدَّمنا قريبًا أَنَّ مِن صفاتهِ: أنه إذا سَمِعَ آيات الله تُتْلَى عليه أَصَرَّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لم يسمعها ، وذكر في هذه الآية الكريمة: أنه إذا عَلِمَ من آيات الله شيئًا )اتخذها هزوًا(؛ أي: مهزوءًا بها ، مستخفًّا بها ، ثم تَوَعَّدَهُ على ذلك بالعذاب المهين.

وما تَضَمَّنَتْهُ هذه الآية الكريمة مِن أنَّ الكفار يتخذون آيات الله هزوًا ، وأنهم سيُعَذَّبون على ذلك يوم القيامة: قد بَيَّنَهُ تعالى في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في آخر (الكهف) ]106[: ) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا( ، وقوله تعالى في الكهف أيضًا [56-57]: )وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا(56)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ( الآية ، وقوله تعالى في سورة الجاثية هذه [34-35]: )وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(34)ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا( الآية([338])»أهـ

وقال تعالى: )وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ(31)وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ(32)وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ(34)ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( [الجاثية:31-35].

قال الطبريُّ رحمه الله:

«يقول تعالى ذِكْرُه: يقال لهم: هذا الذي حلَّ بكم مِن عذاب الله اليوم )بأنكم ( في الدنيا )اتخذتم آيات الله هزوًا( ، وهي حججه وأدلَّته وآي كتابه التي أنزلها على الرسولr )هزواً (؛ يعنى: سخرية تسخرون منها([339])»أهـ

وقال الإمام القرطبيُّ رحمه الله:

«)وكنتم قوماً مجرمين(؛ أي: مشركين تكسبون المعاصي. يقال: فلان جريمة أهله؛ إذا كان كاسِبهم؛ فالمجرم مَن أَكْسَبَ نفسَه المعاصي. وقد قال الله تعالى: )أجعل المسلمين كالمجرمين( [القلم:35] فالمجرم ضدّ المسلم ، فهو المذنب بالكفر إذًا».

قال القرطبيُّ رحمة الله: «قوله تعالى: )ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله(؛ يعني: القرآن )هزواً(: لعبًا([340])»أهـ

وقال الشيخ الجزائريُّ حفظه الله:

«وعِلَّةُ هذا الحكم عليهم بَيَّنَها تعالى بقوله: )ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزواً وغرتكم الحياة الدنيا(؛ أي: حكم عليكم بالعذاب والخذلان بسبب اتخاذكم آيات الله الحاملة للحججِ والبراهين الدالة على وجود الله ووجوب توحيده وطاعته )هزوا(؛ أي: شيئًا مهزوءًا به»([341]).

وقال الجزائريُّ حفظه الله:

«مِنْ هداية الآيات: بيان أَنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله وشرائعه: كفرٌ مُوجِبٌ للعذاب([342])»أهـ


 

فصلٌ

 

فيما تَضَمَّنَتْهُ الآياتُ السابقةُ مِنَ الأحكامِ والدّلالاتِ

 

وقد دلَّتْ الآيات السابقة – مع الأقوال في تفسيرها – على مسائل وأحكام؛ منها:

1 - أنَّ الاستهزاء بآيات الله U أو بالدين كيف كان ، وبأيِّ شكلٍ كان: كفرٌ بالله؛ ورِدَّةٌ صريحةٌ لا شكّ فيها ، فمَن استهزأ بآيات الله فقد كَفَرَ ، واستحقَّ جهنم بما فيها مِن عقابٍ وعذابٍ؛ ذلك أنَّ الله U وصف الكافرين ونعتَهُم باللهو واللعب والجحود بالآيات ، وأَوْجَبَ لهم بذلك النارَ ، وحرَّم عليهم بذلك نعيم الجنان ، وزاد في التنكيلِ بهم فأَرَاهُم ما فيه أهل الجنة مِن نعيمٍ؛ نكالاً بهم ، وزيادةً في تعذيبهم وأَلَمِهِمْ؛ جزاءَ استهزائهم بالآيات ، وسخريتهم مِن الدين.

وذلك لأنَّ الاستهزاء يدلُّ على الاستخفاف ، والعمدة الكبرى في الإيمان: تعظيم الله تعالى بأقصى الإِمكان ، ومِنَ التعظيم لله: تعظيم كتابه وكلامه وآياته وأمره وشرائعه.

والجمعُ بين تعظيم الله تعالى وبين الاستهزاء به أو برسله أو بآياته أو بكلامه: محالٌ.

ولذا كان الاستهزاء بآيات الله كفرٌ مُوجِبٌ للعذاب ، مُسْتَحِقٌّ للعقوبة.

ويدلُّ على ذلك أيضًا: اقترانُ الاستهزاء بالكفر في سياقٍ واحدٍ في الآيات السابقة ، مع اتحاد العقوبة عليهما؛ وهذا دالٌّ على التسوية بينهما في الحكم ، ومُؤَكِّدٌ أنَّ الاستهزاءَ بآيات الله Y كفرٌ لا شكَّ فيه.

ويدلُّ على ذلك أيضًا: أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله؛ يعني: الاستهزاء به Y ، وبرسله صلوات الله عليهم جميعًا ، وقد مضى هذا مُفَصَّلاً.

ويدلُّ على ذلك أيضًا: أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله وجحودها متلازمان ، ومَنْ جحدَ الآيات فقد كفر.

2 - أنَّ الجدّ والهزل في الاستهزاءِ بآيات الله سواءٌ في الكفرِ والعقوبة.

3 – لا يُقْبَلُ اعتذار مَنْ كَفَرَ بأيِّ وجهٍ؛ وإنما التوبة ، أو السيف ، فيُقْتَلُ كفرًا([343]).

4 – أنّ الرّضى بهذا الكفر - أو غيره مِن أنواع الكفرِ -: كفرٌ أيضًا.

5 - ضرورة اجتناب الكافرين ، والمستهزئين بدين الله وآياته ، وتَرْك موالاتهم ، وإعْمال كافَّة أحكام البراءة مِن الكافرين فيهم ، والإنكار عليهم ، ومقاومتهم بكافة السُّبُل المتاحة ، سواءٌ صدرَ الاستهزاء مِن بعض المنتمين إلى الإسلام أو مِنْ غيرهم مِن الكفار والمشركين الأصليين.

6 - أنَّ الأمر باجتناب المستهزئين بالقرآن أو الدين لمجرد استهزائهم يدلُّ على شناعة الاستهزاء بالقرآن أو بالدين ، سواءٌ في الحكمِ أو العقوبة.

7 - أنَّ الاستهزاءَ بالدين مِن شِيَم الكفار والمشركين ، مِن اليهود والنصارى وغيرهم ، كما سيأتي مزيدُ بيانٍ لهذا ، ومَنْ تشبَّه بقومٍ فهو منهم.

8 - أنَّ ذلك سببٌ للخذلان ، وسبيلٌ إلى العقوبة في الدنيا بالقتلِ ، وفي الآخرةِ بالعذاب الأليم.

9 - وساق الإمام ابنُ جريرٍ الطبريُّ رحمه الله - في تفسير الآية السابق ذِكْرها مِن سورة المائدة - عن السُّدِّي قوله:

«)وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا( [المائدة:58]: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سَمِعَ المنادي ينادي: (أشهد أنَّ محمدًا رسول الله) قال: حُرِّق الكاذب! فدخَلَتْ خادمه ذات ليلة مِن الليالي بنارٍ - وهو نائمٌ وأهله نيام - فسقطتْ شرارةٌ فأَحْرَقَتِ البيتَ ، فاحْتَرَقَ هو وأهله([344])»أهـ

وذكر القرطبي رحمه الله حكاية هذا النصراني؛ فقال:

«رُوِىَ أنَّ رجلاً من النصارى وكان بالمدينة إذا سَمِعَ المؤذِّن يقول: (أشهد أن محمدًا رسول الله) قال: حُرِّق الكاذب؛ فسقطتْ في بيته شرارةٌ مِن نار - وهو نائمٌ - فَتَعَلَّقَتْ بالبيتِ فأحرقَتْه وأَحْرَقَتْ ذلك الكافر معه؛ فكانت عِبْرَةً لِلْخَلْقِ (والبلاءُ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِق) ، وقد كانوا يُمْهَلُون مع النبيِّ r حتى يَسْتَفْتِحُوا؛ فلا يُؤَخَّروا بعد ذلك؛ ذكره ابن العربي([345])»أهـ

فتأَمَّل كيف أنزل الله بالنصراني مِنْ جِنْس ما تمنَّاه للنبي r ، وسقاه مِن نفس الكأس التي أرادها للرسول r ، والجزاء مِنْ جنْس العمل.

فمَن استهزأَ بالآيات القرآنية اليوم؛ وَجَدَ مَنْ يسقيه مِنْ نفسِ كأْسِه في الدنيا رغمًا عن أنفه ، ثم استُهْزِأَ به غدًا في نارِ جهنم ، يوم يحمل أَوْزَرَاه على عاتِقِه كاملةً ، ومِنْ أوزَارِ الذين يُضلّهم بعمله ، ويجرفهم في تياره.

ومَنْ سبَّ كتاب الله؛ سُبَّ في الدنيا والآخرة ، وأُدْخِل النارَ مع الدَّاخلين.

فلْيَنْظُر السابّ أين هو؟ ولْيعْتَبِر مِن مصيره ، لعلَّ ذلك يردعه ، فيعود إلى رُشْدِه ، ويتوب إلى ربِّه ، قبل أنْ يحلّ به ما لا يقدر على دفعه أو الهرب منه ، وإِنَّ ربَّكَ لبلمرصاد.


فصلٌ

 

في ذِكْرِ بعض الآيات الدَّالة على أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله تعالى مِنْ مِلَلِ أهلِ الكفرِ وصِفَاتِهِمْ

 

وقد وردَ ذلك في غير موضعٍ من آيِ الذِّكْرِ الحكيم؛ فمِنْ ذلك:

قوله تعالى: )وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا(4)وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا( [الفرقان:4-5].

وقوله U: )وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ( [العنكبوت:47].

والاستهزاء لا يصدر إلا عن جحودٍ لآياتِ الكتاب.

وقوله U: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(46)فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ(47)وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ( [الزخرف:46-48].

وهذا يدلُّ على أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله Y سبيلٌ فرعونيٌّ قديم ، وأَنَّ فاعِله متَّبِعٌ لسبيل فرعون القديم.

وقوله U: )وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(7)أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنْ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( [الأحقاف:7-8].

وقوله U: )قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(10)وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ( [الأحقاف:10-11].

وقوله U: )وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون( [الأحقاف:26].


 

فصلٌ

 

في ذِكْرِ بعض أقوال العلماء السابقين t فيمَنْ سَبَّ القرآن ، أو استهزأَ به

 

وقد تَنَاَقَلَ العلماء مِن أهل الإسلام تعظيم شعائر الدين وكُفر مَن طعن فيه ، أو استهزأ بشيٍء منه ، سواءٌ استهزأَ بالله أو ببعض صفاته؛ كالكلام, أو برسوله r ، أو بأحدٍ مِن الأنبياء السابقين عليه ، أو بكتابه الكريم وآياته الخالدة ، أو ببعض كُتُبِه السابقة عليه.

وحكى غير واحدٍ منهم الإجماعَ على كفر مَن استهزأ بآياتِ الله ، أو رَدَّ بعضَ ما أنزلَ الله U على رُسُلِه.

ولم يُفرِّق أحدٌ منهم بين الهزل والجدّ في الإتيانِ بالكفرِ والتّلفُّظِ به.

فقالوا: الجدّ والهزل في الكفر سواء.

وقد اخترتُ إيرادَ طائفة مِنْ أقوالِهم ، ولم أَسْتَطْرِدْ في الاستيفاءِ؛ لوَفْرَةِ النصوص والأقوال بحيث تصعب على الحصر ، وفيما ذُكِرَ كفايةٌ ومَقْنَعٌ؛ فمِنْ ذلكَ:

الإمام الحافظ إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ ، المعروف بابن رَاهَوَيْه

رحمه الله تعالى

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

«وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه - وهو أحد الأئمة يعدل بالشافعي وأحمد -: قد أَجْمَعَ المسلمون أَنَّ مَنْ سَبَّ الله ، أو سَبَّ رسولَه عليه الصلاة والسلام ، أو دفع شيئًا مما أنزل الله ، أو قَتَلَ نبيًّا مِن أنبياءِ الله؛ أَنَّه كافرٌ بذلك؛ وإِنْ كانَ مُقِرًّا بكلِّ ما أَنْزلَ الله»([346])أهـ

الإمام الشافعي

رحمه الله تعالى

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

«وكذلك نُقِلَ عن الشافعي؛ أَنَّه سُئِلَ عَمَّنْ هَزَلَ بشيءٍ مِنْ آياتِ الله تعالى أَنَّه قال: هو كافرٌ ، واستدَلَّ بقولِ الله تعالى )قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:65-66].

وكذلك قال أصحابُنا([347]) وغيرهم: مَنْ سَبَّ الله كَفَرَ؛ سواءٌ كان مازِحًا أو جادًّا لهذه الآية ، وهذا هو الصواب المقطوع به([348])»أهـ

الإمام أبو بكر أحمد بن عليٍّ الرازيّ الْجَصَّاص

رحمه الله تعالى

قال رحمة الله عليه:

«قوله تعالى: )ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب( إلى قوله: )إنْ نعف( [التوبة:65-66]: فيه الدلالة على أنَّ اللاعب والجادّ سواءٌ في إظهارِ كلمة الكفر على غير وجهِ الإكراه؛ لأنَّ هؤلاء المنافقين ذكروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لَعِبًا, فأَخْبَرَ اللهُ عن كفرِهم باللَّعِبِ بذلك.

ورُوِيَ عن الحسن وقتادة؛ أَنَّهم[349] قالوا في غزوة تبوك: أيرجو هذا الرجل أَنْ يفتحَ قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات! فأَطْلَعَ اللهُ نبيَّه على ذلك, فأخبرَ أنَّ هذا القول كفرٌ منهم على أيِّ وجهٍ قالوه مِن جدٍّ أو هزلٍ؛ فدلَّ ذلك على استواءِ حكم الجادّ والهازل في إظهار كلمة الكفر.

ودلَّ أيضًا على أنَّ الاستهزاء بآيات الله - أو بشيءٍ من شرائع دينه -: كفرٌ مِن فاعِلِه([350])»أهـ

الإمام الحافظ ابن حزمٍ الأندلسي

رحمه الله تعالى

قال رحمه الله تعالى:

«وقال تعالى: )وإذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنكم إذا مثلهم( [النساء:140] فنص تعالى أَنَّ مِن الكلامِ في آياتِ الله تعالى ما هو كفرٌ بعينه مسموع ، وقال تعالى: )قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم أن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة( [التوبة:65-66] فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى ، أو بآياته ، أو برسولٍ مِن رسُلِهِ؛ كفرٌ مُخْرِجٌ عن الإيمانِ ، ولم يقل تعالى في ذلك: إِنِّي علمتُ أَنَّ في قلوبكم كفرًا؛ بل جعلهم كفارًا بنفس الاستهزاء ، ومَن ادَّعَى غير هذا؛ فقد قَوَّلَ الله تعالى ما لم يَقُلْ وكَذَبَ على الله تعالى([351])»أهـ

وقال ابنُ حزمٍ رحمه الله تعالى:

«مِن السؤالاتِ سؤالاتٌ لا يستحل سماعها ، ولا يستحل النطق بها ، ولا يحل الجلوس حيث يُلْفَظُ بها؛ وهي: كلُّ ما فيها كفرٌ بالباريء تعالى واستخفافٌ به ، أو بنبيٍّ مِن أنبيائِه ، أو بِمَلَكٍ مِن ملائكتِهِ ، أو بآيةٍ مِن آياتهِ U ، قال U: )إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم( [النساء:140] ، وقال U: )قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:65-66]([352])»أهـ

وقال ابنُ حزمٍ رحمه الله تعالى:

«وصح الإجماع على أَنَّ كلَّ مَنْ جَحَدَ شيئًا صَحَّ عندنا بالإجماع أَنَّ رسولَ الله r أَتَى به؛ فقد كَفَرَ ، وصَحَّ بالنَّصِّ أَنَّ كلَّ مَن استهزأَ بالله تعالى ، أو بِمَلَكٍ مِن الملائكةِ ، أو بنبيٍّ مِن الأنبياءِ عليهم السلام ، أو بآيةٍ مِن القرآن ، أو بفريضةٍ مِن فرائضِ الدين - فهي كلها آيات الله تعالى - بعد بلوغِ الحجة إليه؛ فهو كافرٌ ، ومَنْ قال بنبيٍّ بعد النبي عليه الصلاة والسلام ، أو جَحَدَ شيئًا صَحَّ عنده بأَنَّ النبيَّ r قاله فهو كافرٌ؛ لأَنَّه لم يُحَكِّم النبيَّ r فيما شَجَرَ بينَه وبين خَصْمِهِ ([353])»أهـ

وقال ابن حزمٍ رحمه الله تعالى:

«وأمَّا سَبُّ الله تعالى فما على ظهرِ الأرضِ مسلمٌ يُخالِف في أَنَّه كفرٌ مُجَرَّدٌ... ([354])».

وأطال ابنُ حزمٍ رحمه الله في الاستدلال لذلك ثم قال:

«فصحَّ بما ذكرنا أَنَّ كلَّ مَنْ سَبَّ الله تعالى ، أو استهزأَ به ، أو سَبَّ مَلَكًا مِن الملائكةِ ، أو استهزأَ به ، أو سَبَّ نبيًّا مِن الأنبياء ، أو استهزأَ به ، أو سَبَّ آيةً مِن آياتِ الله تعالى ، أو استهزأَ بها ، والشرائعُ كلُّها والقرآن: مِنْ آياتِ الله تعالى؛ فهو بذلك كافرٌ مرتدٌّ له حكمُ المرتدِّ؛ وبهذا نقول ، وبالله تعالى التوفيق»([355]).

وقال ابن حزمٍ رحمه الله تعالى:

«القرآنَ الذي في المصاحف بأيدي المسلمين شرقًا وغربًا ، ووَحْيه أَنْزَلَهُ على قلبِ نبيِّه محمدٍ r مَن كَفَرَ بحرفٍ منه فهو كافرٌ([356])»أهـ

الإمام الحافظ القاضي

أبى الفضل عِياض بن موسى اليَحْصُبي الأندلسي

رحمه الله تعالى

قال القاضي عياض رحمه الله:

«وكذلك مَن أنكرَ القرآنَ ، أو حرفًا منه ، أو غَيَّرَ شيئًا منه, أو زَادَ فيه؛ كفِعْلِ الباطنيّة والإسماعيليّة, أو زَعَمَ أَنَّه ليس بحُجَّةٍ للنبيِّr , أو ليس فيه حُجَّةٌ ولا مُعْجِزَةٌ؛ كقولِ هشـامٍ الْفُوطِيِّ ومَعْمَرٍ الصَّيْمَرِيِّ: إِنَّه لا يدلُّ على الله ولا حجةَ فيه لرسولهِ ولا يدل على صوابٍ ولا عقابٍ ولا حُكمٍ؛ ولا مَحَالَةَ في كُفرِهما بذلك القول, وكذلك نُكَفِّرُهُمَا بِإِنْكَارِهِمَا أَنْ يكونَ في سائرِ معجزات النبيِّr  حجةٌ له, أو في خلقِ السماوات والأرض دليلٌ على الله؛ لمخالفتِهم الإجماعَ والنقلَ المتواترَ عن النبيِّr  باحتجاجهِ بهذا كلِّه ، وتصريحِ القرآن به, وكذلكَ مَنْ أَنْكَرَ شيئًا ممَّا نَصَّ فيه القرآنُ - بعد عِلْمِهِ أَنَّه مِن القرآنِ الذي في أيدي الناس ومصاحفِ المسلمين ، ولم يكن جاهلًا به, ولا قريبَ عهدٍ بالإسلامِ - واحتجَّ لإِنْكَارِهِ إِمَّا بأَنَّهُ لم يصحَّ النقلُ عنده, ولا بَلَغَهُ العلمُ به, أو لِتَجْويزِ الوهمِ على ناقِلِهِ: فنُكَفِّرُهُ بالطَّرِيقَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ؛ لأَنَّهُ مُكَذِّبٌ للقرآنِ, مُكَذِّبٌ للنبيِّr ؛ لكنَّه تَسَتَّرَ بدَعْوَاهُ»([357]).

وقال القاضي عياض رحمه الله:

«واعْلَمْ أَنَّ مَن استخفَّ بالقرآنِ, أو المصحفِ, أو بشيءٍ منه, أو سَبَّهُما, أو جَحَدَهُ, أو حَرْفًا منه ، أو آيةً, أو كَذَّبَ به, أو بشيءٍ منه, أو كَذَّبَ بشيءٍ مما صُرِّحَ به فيهِ؛ مِنْ حُكْمٍ أو خَبَرٍ, أو أَثْبَتَ ما نفاهُ أو نَفَى ما أَثْبَتَهُ, على عِلْمٍ منه بذلك, أو شَكَّ في شيءٍ مِن ذلك: فهو كافرٌ عند أهل العلم بإجماعٍ.

قال الله تعالى: )وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل ما بين يديه ولا مِن خلفه تنزيل من حكيم حميد( [فصلت:41-42].

حدثنا الفقيه أبو الوليد هشام بن أحمد رحمه الله ، حدثنا أبو عليٍّ, حدثنا ابنُ عبد البرِّ, حدثنا ابنُ عبد المؤمن, حدثنا ابن دَاسَةَ, حدثنا أبو داود, حدثنا أحمد بن حنبل, حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبى سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيr  قال: (المِراءُ في القرآن كُفرٌ)([358]).

تُؤُوِّلَ بمعنى الشكِّ ، وبمعنى الجدال.

وعن ابن عباسٍ ، عن النبيr : (مَن جَحَدَ آيةً مِن كتابِ الله مِن المسلمين: فقد حَلَّ ضربُ عنقِهِ)([359]).

وكذلك: إِنْ جَحَدَ التَّورَاةَ ، والإنجيلَ ، وكُتُبَ الله المُنَزَّلَةَ ، أو كَفَرَ بها ، أو لَعَنَهَا ، أو سَبَّهَا ، أو اسخفَّ بها: فهو كافرٌ.

وقد أَجْمَعَ المسلمون أَنَّ القرآنَ المتلوَّ في جميعِ أقطارِ الأرض ، والمكتوب في المصحف بأيدي المسلمين ، مما جَمَعَهُ الدَّفَّتَانِ مِنْ أَوَّلِ )الحمد لله رب العالمين( إلى آخر )قل أعوذ برب الناس( أنه كلامُ الله ، ووَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ على نبيه محمدr ، وأَنَّ جميعَ ما فيه حقٌّ ، وأَنَّ مَنْ نَقَصَ منه حرفًا قاصِدًا لذلك ، أو بَدَّلَهُ بحرفٍ آخَرَ مكانَهُ ، أو زادَ فيه حرفًا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه ، وأُجْمِعَ على أَنَّهُ ليس مِن القرآنِ ، عامِدًا لكلِّ هذا أَنّه كافرٌ.

ولهذا رَأَىَ مالكٌ قَتْلَ مَنْ سَبَّ عائشةَ رضي الله عنها بالفِرْيَةِ؛ لأنَّه خَالَفَ القرآنَ ، ومَنْ خالَفَ القرآنَ قُتِلَ؛ أَيْ: لأَنَّهُ كَذَّبَ بما فيهِ.

وقال ابنُ القاسم: مَنْ قال: إِنَّ الله تعالى لم يُكَلِّم موسى تكليمًا يُقْتَلُ.

وقاله عبدُ الرَّحْمَن بنُ مهدي.

وقال محمد بن سُحْنُونٍ - فيمن قال: الْمُعَوِّذَتَانِ لَيْسَتَا مِنْ كتابِ الله -: يُضْرَبُ عُنُقُهُ؛ إلاَّ أَنْ يتوبَ ، وكذلك كلُّ مَنْ كَذَّبَ بحرفٍ منه.

قال: وكذلك إِنْ شَهِدَ شاهِدٌ على مَنْ قال: إِنَّ الله لم يُكِّلم موسى تكليمًا وشَهِدَ آخر عليه أَنَّهُ قال: إِنَّ الله لم يَتَّخِذْ إبراهيمَ خليلًا؛ لأنهما([360]) اجتمعا على أَنَّهُ كَذَّبَ النبيَّr .

وقال أبو عثمان الحداد: جميع من ينتحِلُ التوحيد متفقونَ أَنَّ الْجَحْدَ لحرفٍ مِن التنزيلِ: كُفرٌ.

وكان أبو العالية إذا قَرَأَ عندهُ رجلٌ لم يقل له: لَيْسَ كما قَرَأْتَ ، ويقولُ: أَمَّا أَنا فأَقْرَأُ كذا ، فبَلَغَ ذلك إبراهيمَ ، فقال: أُرَاهُ سَمِعَ أَنَّهُ مَنْ كَفَرَ بحرفٍ منه فقد كَفَرَ به كلِّه.

وقال عبد الله بن مسعود: مَنْ كَفَرَ بآيةٍ مِن القرآنِ فقد كَفَرَ به كلِّه([361]).

وقال أَصْبَغُ بنُ الفَرَج: مَنْ كَذَّبَ ببعضِ القرآنِ فقد كَذَّبَ به كلِّه ، ومَنْ كَذَّبَ به: فقد كَفَرَ به ، ومَن كَفَرَ به: فقد كَفَرَ بالله.

وقد سُئِلَ القَابِسيُّ عَمَّنْ خَاصَمَ يهوديًا فحلفَ له بالتوراةِ ، فقال الآخرُ: لَعَنَ الله التوراةَ ، فشَهِدَ عليه بذلكَ شاهدٌ ثم شَهِدَ آخرُ أَنَّه سأَلَهُ عن القضيةِ؛ فقال: إِنَّما لَعَنْتُ توراةَ اليهودِ ، فقال أبو الحسن([362]): الشاهدُ الواحد لا يُوجِبُ القتلُ ، والثاني عَلَّقَ الأمرَ بصفةٍ تحتملُ التأويلَ؛ إِذْ لعلَّهُ لا يَرَى اليهودَ مُتَمَسِّكِينَ بشيءٍ مِنْ عند الله؛ لتبدِيلِهِمْ وتحرِيْفِهِمْ ، ولو اتَّفَقَ الشاهدانِ على لعن التوراةِ مُجَرَدًّا لضاقَ التأويلُ.

وقد اتَّفَقَ فقهاءُ بغدادَ على استتابةِ ابن شَنْبُوذَ الْمُقْرِيءِ أحدِ أئمةِ الْمُقْرِئينَ الْمُتَصَدِّرينَ بها معَ ابنِ مجاهدٍ؛ لِقِرَاءتهِ وإِقْرَائِهِ بِشَوَاذٍّ مِن الحروفِ ، مما ليسَ في المصحفِ ، وعَقَدوا عليه بالرجوعِ عنه ، والتوبةِ منه سِجِلًّا أَشْهَدَ فيه بذلك على نفسِه في مجلسِ الوزيرِ أبى عليِّ بنِ مُقْلَةَ سنةَ ثلاثٍ وعشرين وثلاثمائةٍ وكان فيمَنْ أَفْتَى عليهِ بذلك أبو بكرٍ الأَبْهَرِيُّ وغيره.

وأَفْتَي أبو محمدٍ بنُ أبى زَيْدٍ بالأدبِ فيمَنْ قال لصبيٍّ: لَعَنَ اللهَ مُعَلِّمَكَ وما عَلَّمَكَ ، وقال([363]): أردتُ سوءَ الأدبِ ولم أُرِدِ القرآنَ ، قال أبو محمدٍ: وأمَّا مَنْ لَعَنَ المصحفَ فإِنَّهُ يُقْتَلُ([364])»أهـ

 

الإمام أبو الفرج ابن الجوزي

رحمه الله تعالى

قال ابن الجوزي رحمه الله في تفسير آية سورة التوبة السابقة:

«وقوله: )قد كفرتم( [التوبة:66]؛ أي: قد ظهر كفركم بعد إظهاركم الإيمان؛ وهذا يدلُّ على أنَّ الجدَّ واللَّعبَ في إظهارِ كلمة الكفرِ سواءٌ([365])»أهـ

وقال الآلوسي رحمه الله:

«واستدلَّ بعضُهم بالآيةِ على أنَّ الجدّ واللّعبَ في إظهار كلمة الكفر سواءٌ ، ولا خلافَ بين الأئمةِ في ذلك[366]»أهـ

الإمام الرازي

رحمه الله تعالى

قال الفخر الرازي عفا الله عنه:

«الاستهزاء بالدين كيف كان[367] كفرٌ بالله؛ وذلك لأَنَّ الاستهزاء يدلُّ على الاستخفاف ، والعمدة الكبرى في الإيمان: تعظيم الله تعالى بأقصى الإِمْكان ، والجمعُ بينهما محالٌ([368])»أهـ

الإمام عماد الدين بن محمد الطبري المعروف بالكيَا الهرَّاسي

رحمه الله تعالى

قال الهرَّاسي رحمه الله:

«قوله تعالى: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( الآية [التوبة:65-66]:

فيه دلالةٌ على أَنَّ اللاعِبَ والخائضَ سواءٌٌ في إظهارِ كلمة الكفر على غير وجه الإكراه؛ لأنَّ المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعبًا ، فأَخْبَرَ الله تعالى عن كفرِهم باللَّعِبِ بذلك.

ودلَّ أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله تعالى: كفرٌ([369])»أهـ

الإمام القاضي أبو بكر بن العربي المالكي

رحمه الله تعالى

قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله:

«الهزلُ بالكفرِ: كفرٌ ، لا خلافَ فيه بين الأئمة. فإِنَّ التحقيقَ أخو العِلْمِ والحق ، والهزلَ أخو الباطلِ والجهل.

قال علماؤنا: انظر إلى قوله: )أتتخذُنا هزوًا؟ قال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين( [البقرة:67]([370])»أهـ

الإمام مُحْيي الدِّين بن شَرَف النَّوَويّ

رحمه الله تعالى

قال النووي رحمه الله في كلامه على القراءة في الصلاة:

«أَجْمَعَ المسلمونَ على أَنَّ المُعَوِّذَتَيْنِ والفاتحةَ وسائرَ السور المكتوبة في المصحف قرآنٌ ، وأَنَّ مَنْ جَحَدَ شيئًا منها كَفَرَ([371])»أهـ

وقد سبق مرارًا أنَّ الاستهزاء بالقرآن وجحوده متلازمان ، فلا يصدر الاستهزاء إلا عن قلبٍ جاحدٍ ، فالجاحد والمستهزيء سواءٌ؛ والله أعلم.

ويُؤَيِّدُ ذلك: قوله تعالى: )الذين اتخذوا دينهم لهوًا.... يجحدون( [الأعراف:51].

والله أعلم.

الشيخ الإمام مُوَفَّق الدِّين بن قُدَامَة المقدسي

رحمه الله تعالى

قال الإمام ابن قُدَامة رحمه الله تعالى:

«من سَبَّ الله تعالى: كَفَرَ؛ سواءٌ كان مازحًا أو جادًّا ، وكذلك مَن استهزء بالله تعالى أو بآياته أو برسُلِه أو كُتُبه.

قال الله تعالى: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( الآية [التوبة:65-66].

وينبغي أن لا يُكْتَفَى مِن الهازئ بذلك بمجرَّد الإسلامِ[372] حتى يُؤَدَّبَ أدبًا يَزْجُرُهُ عن ذلك؛ فإِنَّه إذا لم يُكْتَفَ مِمَّن سَبَّ رسول اللهr  بالتوبة فمَنْ سَبَّ الله تعالى أَوْلَى([373])»أهـ

وقال رحمه الله تعالى في كتابه «العُمْدة»:

«ومَن جحدَ الله ، أو جَعَلَ له شريكًا أو صاحبةً أو ولدًا ، أو كذَّب الله تعالى ، أو سَبَّه ، أو كذَّبَ رسولَه ، أو سبَّه ، أو جحدَ نبيًا ، أو جحدَ كتاب الله ، أو شيئًا منه ، أو جحد أحد أركان الإسلام ، أو أحلَّ محرمًا ظهر الإجماع على تحريمه: فقد ارْتَدَّ؛ إلا أَنْ يكونَ مِمَّنْ تخفى عليه الواجبات و المحرمات[374] فيُعَرَّف ذلك؛ فإِنْ لم يقبل: كَفَرَ»([375]).

قال ابنُ قُدَامَة رحمه الله:

«ويكفي في إسلامهِ: أَنْ يشهدَ أَن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله؛ إلاَّ أَنْ يكونَ كفره بِجَحْدِ نبيٍّ ، أو كتابٍ ، أو فريضةٍ ، أو نحوه ، أو يعتقد أنَّ محمدًاr  بُعِثَ إلى العرب خاصة: فلا يُقْبَلُ منه حتى يُقِرَّ بما جَحَدَهُ([376])»أهـ

الشيخ الإمام شمس الدين بن قُدَامَة المقدسي

و هو ابنُ أَخِي مُوَفَّقِ الدين بن قُدَامَة

رحمهم الله تعالى

قال الإمام شمس الدين رحمه الله تعالى:

«مَن سَبَّ الله تعالى أو رسولَه: كَفَرَ؛ سواءٌ كانَ جادًّا أو مازحًا ، وكذلك مَن استهزاء بالله I أو بآياتهِ أو برسلِه أو كتبه؛ لقوله تعالى: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( الآية [التوبة:65-66].

وينبغي أَنْ لا يُكْتَفَى مِن الهازئ بذلك بمجرَّدِ الإسلام حتى يُؤَدَّبَ أَدَبًا يزجُرُه عن ذلك؛ لأَّنَّه لم يُكْتَفَ مِمَّن سَبَّ رسولَ اللهr  بالتوبةِ؛ فهذا أَوْلَى([377])»أهـ

الشيخ الإمام مَجْد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرَّاني

ابن أخِ الشيخ فخر الدين

رحمهم الله

قال الإمام مَجْد الدين رحمه الله تعالى:

«فمَنْ أشركَ بالله ، أو جَحَدَ ربوبيته ، أو صفةً مِن صفاته[378] ، أو بعض كتبه ، أو رسله ، أو سَبَّ الله([379]) ، أو رسولَه؛ فقد كَفَرَ([380])»أهـ

شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحَرَّاني

رحمه الله تعالى

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:

«فمَن آمن بالرُّسلِ: آمنَ بما بلَّغوه عن الله ، ومَن كذَّبَ([381]) بالرسلِ: كذَّبَ بذلك ، فالإيمان بكلام الله: داخلٌ في الإيمان برسالة الله إلى عباده ، والكفر([382]) بذلك هو الكفر بهذا.

فتدبَّر هذا الأصل؛ فإنَّه فرقان هذا الاشتباه»([383]).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الكلام على قوله [U]: )قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون( [التوبة:65]:

«تدلّ على أَنَّ الاستهزاء بالله كفرٌ ، وبالرسولِ كفرٌ؛ مِن جهة الاستهزاء بالله وحده؛ كفرٌ بالضرورةِ ، فلم يكن ذِكْر الآيات والرسول شرطًا؛ فعُلِمَ أَنَّ الاستهزاء بالرسولِ كفرٌ؛ وإِلا لم يكن لذِكْرِهِ فائدة؛ وكذلك الآيات.

وأيضًا فالاستهزاء بهذه الأمور متلازمٌ([384])»أهـ

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله الآية السابقة في موضعٍ آخر ، وقال:

«فقد أَخْبَرَ[385] أَنَّهم كفروا بعد إِيمانهم؛ مع قولهم: إِنَّا تكلَّمْنا بالكفر مِن غير ِاعتقادٍ له ، بل كنا نخوضُ ونلعبُ ، وبَيَّنَ أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله كفرٌ ، ولا يكون هذا إلاَّ مِمَّنْ شَرَحَ صَدْرَه بهذا الكلام ، ولو كان الإيمان في قلبهِ؛ مَنَعَهُ أَنْ يتكلَّمَ بهذا الكلام([386])»أهـ

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كلامٌ مُطَوَّلٌ في هذا الباب ، وقد مضى بعضه مُفَرَّقًا في أثناء هذا الكتاب؛ فلا حاجة لإعادتهِ ثانيةً في هذا الموضع.

الإمام شمس الدين أبى عبد الله محمد بن مُفْلِح المقدسي الحنبلي

رحمه الله تعالى (ت762)

قال ابنُ مُفْلِحٍ رحمه الله تعالى:

«مَن كفر طوعًا - ولو هازِلاً - بعد إسلامه؛ قيل: طوعًا ، وقيل: وكرها ، والأصح بِحَقٍّ([387]): فمُرْتَدٍّ؛ بأَنْ أشركَ بالله تعالى ، أو جَحَدَ صفةً - قال في (الفصول): متفقًا على إثباتها - ، أو بعض كتبه ، أو رسله ، أو سَبَّه ، أو رسوله ، أو ادَّعى النبوةَ ، قال شيخنا: أو كان مُبْغِضًا لرسولهِ ولِمَا جاء به اتِّفاقًا.

قال في (الترغيب): أو أَتَى بقولٍ أو فعلٍ صريحٍ في الاستهزاءِ بالدين»[388].

قال ابنُ مُفْلِحٍ رحمه الله:

«وجزم ابنُ عقيل قبل هذا بأنَّ مَن وُجِدَ منه امتهانٌ للقرآنِ ، أو غَمْصٌ([389]) منه ، أو طَلَبُ تناقُضِهِ ، أو دعوى أنه مختلفٌ أو مُخْتَلَقٌ ، أو مقدورٌ على مثلِه([390]) ، أو إسقاطٌ لحُرْمَتِهِ: كلُّ ذلك دليلٌ على كفرِهِ ، فيُقْتَلُ بعد التوبةِ.

وقال غيره: قال الإمام أحمد: مَنْ قال: إِنَّ القرآنَ مقدورٌ على مثلِهِ ولكنَّ الله مَنَعَ قُدْرَتَهُمْ: كَفَرَ؛ بل هو مُعْجِزٌ بنَفْسِه ، والْعَجْزُ شَمَلَ الْخَلْق([391])»أهـ

الإمام نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري

رحمه الله تعالى (ت728)

قال نظام الدين في تفسيره لآية «سورة التوبة» [65-66] السابق ذِكْرها:

«وفيه أنَّ الاستهزاءَ بالدين كيف كان كفرٌ بالله صريحٌ؛ لأنَّ العُمْدَةَ الكبرى في الإيمانِ هو التعظيم لأمرِ الله ولشرائِعِه([392])»أهـ

العلامة الإمام شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي المقدسي الحنبلي

رحمه الله تعالى (ت960)

والإمام شيخ الإسلام منصور يونس البهوتي المصري

رحمه الله تعالى (ت1051)

قال الإمام الحجاوي رحمه الله تعالى:

«فمن أشرك بالله ، أو جحدَ ربوبيته ، أو وحدانيته أو صفةً مِن صفاتهِ ، أو اتَّخَذَ لله صاحبةً أو ولدًا ، أو جحدَ بعضَ كُتُبه ، أو رسله ، أو سَبّ الله ، أو رسوله: فقد كَفَرَ([393])»أهـ

وقال الإمام البهوتي رحمه الله في شرح ذلك:

«وكذا لو سجدَ لكوكبٍ ونحوه ، أو أَتَى بقولٍ أو فعلٍ صريح في الاستهزاء في الدين ، أو امتهن القرآن أو أسقط حرمته[394] ، لا مَن حكى كفرًا سمعه وهو لا يعتقده([395])»أهـ

الإمام تقي الدين أبى بكر بن محمد بن عبد الله ، الدمشقي الشافعي

رحمه الله تعالى

قال الإمام تقي الدين رحمه الله تعالى:

«وأما الكفر بالفعل فكالسجود للصنم والشمس والقمر ، وإلقاء المصحف في القاذورات ، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ، وكذا الذبح للأصنام والسخرية باسم من أسماء الله تعالى أو بأمره أو وعيده ، أو قراءة القرآن على ضرب الدف ، وكذا لو كان يتعاطى الخمر والزنا ويُقَدِّم اسمَ الله تعالى استخفافًا به: فإِنَّهُ يكفر([396])»أهـ

الإمام ابن حَجَرٍ الهيتمي

رحمه الله تعالى

ذكر ابنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ رحمه الله أنواع الكفر؛ ومنها:

«أو يُلْقِي ورقةً فيها شيءٌ مِن القرآن ، أو فيها اسمُ الله تعالى في نجاسة ، أو يشكّ في نبوّة نبيٍّ أُجْمِعَ عليها ، أوفى إنزال كتابٍ كذلك؛ كالتوراة أو الإنجيل أو زبور داود ، أو صُحُفِ إبراهيمَ u ، أو في آيةٍ مِن القرآنِ مُجْمَعٍ عليها([397])»أهـ

الشيخ الإمام: محمد بن عبد الوهّاب

رحمه الله تعالى

قال رحمه الله تعالى:

«اعلم أَنَّ نواقضَ الإسلامِ عشرة نواقض» ، .... فذكرها؛ ومنها:

«الخامس: مَن أبغضَ شيئًا مما جاء به الرسولr   ولو عمل به - كَفَرَ إجماعًا ، والدليل: قوله تعالى: )ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم( [محمد:9].

السادس: من استهزأ بشيءٍ مِن دين الرسولr  أو ثواب الله ، أو عقابه؛ كفر ، والدليل: قوله تعالى: )قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ؟ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:66]([398])....»أهـ

فذكر رحمه الله بقية النواقض العشرة ثم قال:

«ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف؛ إلاَّ المكره. وكلها مِن أعظم ما يكون خطرًا ، ومِن أكثر ما يكون وقوعًا. فينبغي للمسلم أَنْ يحذرها ويخاف منها على نفسِه ، نعوذُ بالله مِن مُوجِبَاتِ غضبه و أليم عقابه ، وصلى الله على خير خلقة محمدٍ وآله وصحبة وسلم([399])»أهـ

الشيخ الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الحنبلي

رحمه الله تعالى (ت1083)

قال رحمه الله تعالى:

«فصلٌ في المرتد: وهو مَن كَفَرَ ولو مميزًا([400]) طوعًا ولو هازلاً؛ بعد إسلامه فمن ادعى النبوة ، أو أشرك بــالله تعالى ، أو سبَّه ، أو سبَّ رسولاً ، أو مَلَكًا ، أو جَحَدَ ربويته ، أو وحدانيته ، أو صفةً له ، أو كتابًا ، أو رسولاً ، أو مَلكًا له ، أو وجوب عبادة مِن الخَمْس والطهارة ، أو حُكمًا ظاهرًا مُجْمَعًا عليه إِجْمَاعًا قطعيًا؛ كتحريم الزِّنا أو لحم الخنـزير ، أو جَحَدَ حِلَّ الخبز ونحوه كاللَّحم والسَّمْن وغير ذلك ، أوشكَّ فيه ومثله لا يجهلُه ، أو يجهلُه وعُرِّف فأَصَرَّ ، أو سَجَدَ لكوكبٍ أو صنمٍ أو غيرهما ، أو أتى بقولٍ أو فِعلٍ صريحٍ في الاستهزاء بالدين ، أو امْتَهَنَ القرآنَ ، أو ادَّعَى اختلاقَه ، أو القدرة على مثله ، أو أَسْقَطَ حُرْمَتَةَ: كَفَرَ.

ولا يكفُر مَن حكى كُفرًا سَمِعة ولم يعتقده([401])»أهـ

الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب

رحمهم الله تعالى (ت1233)

قال رحمه الله تعالى في شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله:

«باب مَن هزل بشيءٍ فيه ذِكْر الله أو القرآن أو الرسول.

الشرح: أي إنه يكفر بذلك؛ لاستخفافه بجناب الربوبية والرسالة ، وذلك منافٍ للتوحيدِ ، ولهذا أجمع العلماء على كفرِ مَن فعلَ شيئًا مِن ذلك فمَن استهزأ بالله ، أو بكتابه أو برسوله ، أو بدينه ، كفرَ ولو هازِلاً لم يقصِد حقيقةَ الاستهزاء؛ إجماعًا.

قال([402]): وقوله الله تعالى: )ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب( [التوبة:65].

الشرح: يقول تعالى مخاطبًا لرسولهr : )ولَئِنْ سَأَلتَهُمْ(؛ أي: سألتَ المنافقين الَّذين تكلَّموا بكلمةِ الكفر استهزاءً )ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا َنخُوضُ وَنَلْعَبُ(؛ أي: يعتذِرونَ بأَنًّهم لم يقصدوا الاستهزاء والتَّكذيب ، إِنَّما قصدوا الخوضَ في الحديث واللَّعِب: )قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون( لم يعبأ باعتذارهم إِمَّا لأَنَّهم كانوا كاذبين فيه ، وإِمَّا لأَنَّ الاستهزاء على وجه الخوض واللَّعِب لا يكون صاحبُه معذورًا ، وعلى التقديرين فهذا عذرٌ باطلٌ ، فإنَّهم أخطئوا موقعَ الاستهزاء.

وهل يجتمع الإيمان بالله ، وكتابه ، ورسوله ، والاستهزاء بذلك في قلبٍ؟! بل ذلك عينُ الكفر فلذلك كان الجواب مع ما قبله )لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم(.

قال شيخ الإسلام: فقد أمره أن يقول: )كفرتم بعد إيمانكم( ، وقول من يقول: إنهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً بقلوبهم لا يصحُّ؛ لأن الإيمان باللِّسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر. فلا يقال: قد كفرتم بعد إِيمانكم فإَّنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر ، وإنْ أُرِيد: إِنَّكم أظهرتُمُ الكفرَ بعد إظهارِكم الإيمانَ ، فهم لم يُظهروا ذلك إلاَّ لخوضهم ، وهم مع خوضهم ما زالوا هكذا ، بل لما نافقوا وحذِروا أنْ تنزِل عليهم سورَةٌ تبيِّنُ ما في قلوبِهم من النِّفاق وتكلَّموا بالاستهزاءِ؛ أي: صاروا كافرين بعد إيمانهم. ولا يدلُّ اللفظ على أَنَّهم مازالوا منافقين إلى أَنْ قال تعالى: )ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب( فاعترفوا ولهذا قيل: )لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة( [التوبة:65 66] فدلَّ على أَنَّهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أَتَوا كُفْرًا؛ بل ظنُّوا أَنَّ ذلك ليس بكفرٍ. فتبيَّن أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله ورسولِه كفرٌ يكفرُ به صاحبُه بعدَ إيمانه ، فدلَّ على أَنَّه كان عندهم إيمانٌ ضعيفٌ ، ففعلوا هذا المحرَّم الَّذي عرفوا أنَّة محرَّم. ولكنْ لم يظنُّوه كفرًا ، وكان كفرًا كفروا به ، فإِنَّهم لم يعتقدوا جوازه([403])»أهـ

 

الشيخ الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب

رحمهم الله تعالى (ت1244)

فقد جمع رحمه الله تعالى رسالةً أسماها «الكلمات النَّافعة في المكفِّرات الواقعة» قال في أوَّلِها بعد الحمد:

«أمَّا بعد فهذه فصولٌ وكلماتٌ نقلتُها مِن كلام العلماء المجتهدين مِن أصحاب الأئَّمة الأربعة الَّذِين هم أئمة أهل السُّنَّة والدِّين ، في بيان بعض الأفعال والأقوال المكفِّرة للمسلم المخرِجة له مِن الدِّين ، وأَنَّ تلفُّظه بالشَّهادتين وانتسابه إلى الإسلام وعمله ببعض شرائعِ الدِّين لا يَمْنَع مِن تكفيره وقتله وإلحاقه بالمرتدِّين.

والسبب الحامل على ذلك أَنَّ بعض مَن ينتسب إلى العلم والفقه مِن أهل هذا الزمان غَلِطَ في ذلك غلطًا فاحشًا قبيحًا ، وأَنْكَر على مَن أَفْتَى به مِن أهل العلم والدِّين إنكارًا شنيعًا ، ولم يكن لهم بإنكارِ ذلك مستندٌ صحيح لا مِن كلام الله ولا مِن كلام رسوله ولا مِن كلام أئمَّة العلم والدِّين…».

ثم نقل كلامًا كثيرًا لبعض الأئمة إلى أَنْ قال:

«وقال الشيخ[404] رحمه الله تعالى في كتاب «الصارم المسلول على شاتم الرسول»: قال الإمام إسحاق بن رَاهَوَيْه - أحد الأئمة يعدل بالشافعي وأحمد -:

أجمع المسلمون أَنَّ مَن سَبَّ الله أو رسوله أو دفع شيئًا مما أنزل الله أنه كافرٌ بذلك؛ وإِنْ كان مقرًّا بكل ما أنزل الله.

وقال محمد بن سحنون - أحد الأئمه مِن أصحاب مالك -:

أجمع العلماء على أن شاتم الرسول r  كافر ، وحكمه عند الأئمة القتل ، ومَنْ شكَّ في كفره كفر... انتهى.

فتأَمَّل رحمك الله تعالى كلام إسحاق بن راهويه ونَقْله الإجماع على أَنَّ مَن سَبّ الله أو سَبّ رسولهr  أو دفع شيئًا مما أنزلَ الله فهو كافرٌ؛ وإِنْ كان مقرًا بكل ما أنزل الله: يتبين لك أَنَّ مَن تَلَفَّظَ بلسانه بسب الله تعالى أو بسب رسوله r فهو كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام ، وإِنْ أقرَّ بجميع ما أنزل الله ، وإِنْ كان هازلاً بذلك لم يقصد معناه بقوله ، كما قال الشافعي t: من هزل بشيءٍ مِن آيات الله فهو كافر.

فكيف بمن هزل بسب الله تعالى أو بسب رسولهr ؟

ولهذا قال الشيخ تقي الدين: قال أصحابنا وغيرهم: من سَبّ الله كَفَرَ مازحًا أو جادًّا- لقوله تعالى: )قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( الآية [التوبة:65-66]. قال: وهذا هو الصواب المقطوع به».

ثم قال:

«وتأمل أيضا قول الشيخ رحمه الله تعالى في آخر الكلام: ولا ريب أَنَّ أصلَ قولِ هؤلاء هو الشرك الأكبر ، والكفر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه ، وأَنَّ ذلك يستلزم الرِّدَّة عن الدين ، والكفر برب العالمين. كيف صرَّح([405]) بكفرِ مَن فعلَ هذا أو رِدَّته عن الدين إذا قامت عليه الحجَّة مِن الكتاب والسنة ، ثم أَصَرَّ على فِعْلِ ذلك؟ وهذا لا يُنَازِع فيه مَن عَرف دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله محمدًا r؛ والله أعلم([406])»أهـ

 

الشيخ العلامة صديق حسن خان القنوجي

رحمه الله تعالى (ت 1307)

قال رحمه الله تعالى:

«ومن ذلك الَهزْلُ بشيء فيه ذِكْر الله ، أو الرسول ، أو القرآن ، أو السنة. وهذا الهزل كفرٌ بواحٌ ، قال تعالى: )ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله وآياتة ورسوله كنتم تستهزئون(65) لاعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [ التوبة:65-66]؛ أي بهذا المقال الذي استهزأتم به.

قال شيخ الإسلام[407]:

أَخْبَرَ أنهم كفروا بعد إيمانهم ، مع قولهم: إنَّا قد تكلمنا بالكفرِ من غير اعتقادٍ له؛ بل إنما كنا نخوض ونلعب ، وبيَّن أَنَّ الاستهزاء بآيات الله كفرٌ ، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام ، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعه مِن أَنْ يتكلم به. والقرآن يبين أَنَّ إيمانَ القلبِ يستلزم العمل الظاهر بحسبه؛ كقوله: )ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك( الآية [ النور:47]. فنفى الإيمان عمن تَوَلَّى عن طاعة الرسول ، وأَخْبَرَ أَنَّ المؤمنين إذا دُعُوا الله ورسولِه ليَحْكُمَ بينهم؛ سَمِعوا وأطاعوا ، فبَيَّنَ أَنَّ هذا مِن لوازم الإيمان ، انتهى.

وفيه بيان أَنَّ الإنسان قد يكفر بكلمةٍ يتكلم بها ، أو عملٍ يعمل به([408])»أهـ

وقال في «الروضة الندية»[409] عند الباب السادس «باب مَن يستحق القتل حدًّا»:

«... (والساحر) لكون عملِ السِّحْر نوعًا مِن الكفر ، ففاعلُه مرتدٌّ يستحقُّ ما يستحقُّه المرتدُّ....

أقول: لاشك أَنَّ مَن تعلَّمَ السحر بعد إسلامه كان بفِعْلِ السحر كافرًا مرتدًّا وحدُّه حدّ المرتد..... (والساب لله ، أو لرسوله ، أو للإسلام ، أو للكتاب ، أو للسنة ، والطاعن في الدين) وكل هذه الأفعال موجبةٌ للكفرِ الصريح ، ففاعلُها مرتدٌّ حدُّه حـــدُّه([410])»أهـ

 

الشيخ محمد رشيد رضا

رحمه الله تعالى (ت1354)

قال رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: )يحذر المنافقون أن تُنَزَّل عليهم سورةٌ تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون(64) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نعوض ونلعب قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون (65 ) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين (66 )( [ التوبة:65-66]:

«والمعنى أن الله تعالى نَبَّأَ رسوله بما كان يقوله هؤلاء المنافقون في أثناء السير إلى تبوك مِن الاستهزاء بتصَدِّيه لقتال الروم ، الذين ملأ صيتهم بلاد العرب ، بما كان تجارهم يرَوْنَ مِن عظمةِ مُلْكِهم في الشام؛ إِذْ كانوا يرحلون إليها في كلِّ صيفٍ ، نَبَّأَهُ نبأً مؤَكَّدًا بصيغةِ القَسَم أنه إِنْ سألهم عن أقوالهم هذه يعتذرون عنها بأنهم لم يكونوا فيها جادّين ولا مُنْكِرِين ، بل هازلين لاعبين ، كما هو شَأْن الذين يخوضون في الأحاديث المختلفة للتَّسَلِّي و التَّلَهِّي ، وكانوا يظنون أَنَّ هذا عذرٌ مقبولٌ لجهلهم أَنَّ اتِّخَاذَ أمور الدِّين لَعِبًا ولهوًا ، لا يكون إلا مِمَّن اتَّخَذَهُ هُزُوًا ، وهو كفرٌ محضٌ ، ...

فإِنْ قيل: ظاهرُ هذا أنهم كانوا مؤمنين فكفروا بهذا الاستهزاء الذي سموه خوضًا ولَعِبًا ، وظاهرُ السياق أَنَّ الكفرَ الذي يُسِرُّونه هو سببُ الاستهزاء الذي يعلنونه؛ قلنا: كلاهما حقٌّ ، ولكلٍّ منهما وجهٌ ، فالأول: بيانٌ لحكم الشرع وهو أنهم كانوا مؤمنين حكمًا ، فإنهم ادَّعوا الإيمان ، فجَرَتْ عليهم أحكامُ الإسلام ، وهي إنما تُبْنَى على الظواهرِ ، والاستهزاء بما ذُكِرَ عملٌ ظاهرٌ يقطع الإسلام ويقتضي الكفر ، فبه صاروا كافرين حُكمًا ، بعد أن كانوا مؤمنين حكمًا.

والثاني: وهو ما دَلَّ عليه السياق هو الواقع بالفعل.

والآية نصٌّ صريح في أن الخوض في كتاب الله وفي رسوله r وفي صفات الله تعالى ووعده ووعيده وجَعْلَها موضوعًا للَّعِب و الهُزْء؛ كلُّ ذلك مِن الكفر الحقيقي الذي يخرج به المسلم مِن الملَّة وتجرى عليه به أحكام الرَّدَّة ، إِلا أَنْ يتوبَ ويُجَدِّدَ إسلامَه([411])»أهـ

الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي

رحمه الله تعالى (ت 1377)

قال رحمه الله تعالى:

«س: إذا قيل: السجود للصنم والاستهانة بالكتاب وسبّ الرسولr  والهزل بالدين ونحو ذلك هذا كله مِن الكفر العملي فيما يظهر ، فلِمَ كان مخرجًا مِن الدين وقد عَرَّفتم الكفرَ الأصغر بالعملي؟

ج: اعلم أَنَّ هذه الأربعة وما شاكلها ليس هي مِن الكفر العملي إلا مِن جهة كونها واقعة بعمل الجوارح فيما يظهر للناس ، ولكنها لا تقع إلا مع ذهاب عمل القلب مِن نيته وإخلاصه ومحبته وانقياده ، لا يبقى معها شيءٌ مِن ذلك ، فهي وإِنْ كانت عمليةً في الظاهرِ فإِنّها مستلزمةٌ للكفرِ الاعتقادي ولابدّ ، ولم تكن هذه لتقعَ إلا مِن منافقٍ مارقٍ ، أو معاندٍ ماردٍ ، وهل حَمَلَ المنافقين في غزوة تبوك على أَنْ )قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا( [التوبة:74] إلا ذلك مع قولهم لما سئلوا: )إنما كنا نخوض ونلعب( [التوبة:65]؟

قال الله تعالى: )قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون(65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:65-66] ، ونحن لم نُعَرِّف الكفر الأصغر بالعمليِّ مطلقًا؛ بل بالعملي المحض الذي لم يستلزم الاعتقاد ولم يناقض قول القلب ولا عمله([412])»أهـ

 


فصلٌ

في فتاوى أهل العصر فيمَنْ سَبّ القرآن

 

وقد تواطأَ علماءُ الحقِّ مِن أهلِ عصرِنا على كفرِ مَن سَبّ القرآن ، ورِدّته ، وجَرَى ذلك على أَلْسِنَةِ لِجَانِ الفتوى وأهلِ الاختصاصِ في عصرنا الحديث؛ فمِنْ ذلك:

 

دار الإفتاء المصرية

في عصورها المختلفة

ومِنْ ذلك:

فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم مفتي مصر سابقًا

رحمه الله تعالى

سُئِلَ الشيخ رحمه الله تعالى:

أذاع صاحب محطة إذاعة (راديو الأمير فاروق) يوم الجمعة 16/6/1933 المسابقةَ الآتية: (آية مِن سورة طه تُكْتَب بخطٍ جميل ، وتُوضع في إطاراتٍ ، وتُعَلَّق في المتاجر والمنازل ، وهي مكونة مِن أربع كلمات عبارة عن 12 حرفًا. الكلمة الأولى حرفان ، والثانية أربعة ، والثالثة حرفان ، والرابعة أربعة ، وإذا أخذنا الحروف 9 ، 3 ، 6 ، 2 كانت بمعنى صديق. وإذا أخذنا الحروف 8 ، 10 ، 1 ، 12 كانت فعل مضارع بمعنى يعلم. وإذا أخذنا الحروف 4 ، 11 ، 5 كانت بمعنى ما يتطاير مِن النار ، والحرف السابع مجهول. شروط المسابقة: أَنْ يُكْتَبَ الحل على ورقةٍ ويُوضَع الاسم والعنوان في أعلى الخطاب. إلخ) هذه هي المسابقة وحلها «رب اشرح لي صدري».

فهل يصح أن تكون الآيات القرآنية محورًا لمثل هذه الأغراض التي يرتكز أكثرها على التجارة والربح؟

وهل يصح أن تكون الآيات معرضة للتحوير والتغيير والتقديم والتأخير فضلا عن أن نص الآية هو )قال رب اشرح لى صدرى( [طه:25] ، ولكن المسابقة تزعم أن الآية نصها «رب اشرح لي صدري» ، خصوصًا وأَنَّ أصحاب ومديري محطة الإذاعة المذكورة ليس الإسلام دينهم؟

فأجاب الشيخ رحمه الله تعالى بقوله:

«نفيد بأنه لا يجوز مثل هذا العمل؛ لما فيه من اتخاذ القرآن وسيلةً للهو واللعب ، ولما فيه أيضًا من الإخلال بما يجب له مِن كمال التعظيم ونهاية الإجلال؛ فضلاً عما فيه مما جاء في السؤال؛ ولأن فتح هذا الباب لمثل هؤلاء الناس يؤدى إلى مفاسد كبيرة يجب لمنع حصولها درء كل ما يفضي إليها. واللّه I أعلم([413])»أهـ

فضيلة الشيخ أحمد هريدي مفتي مصر سابقًا

رحمه الله تعالى

سُئِل رحمه الله تعالى:

من السيد/ السيد زيدان بالزقازيق ـ قال: إن الدرجة الأولى مِن درجات سُلم العمارة التي يسكنها بالمدخل كُتِبَ عليها اسم صانع السُّلم ، واسم الصانع المكتوب مكوَّن مِن بعض أسماء الله تعالى ، عبد الله أو عبد الرحمن مثلاً ، وأنه بذلك عَرَّضَ اسم الله الكريم للمهانة بالسير عليه بالأقدام ، وقامت بينه وبين مالك العمارة مشادَّات بسبب إصرار السائل على ضرورة رفع هذه الدرجة مِن درجات السُّلم ، حتى وصل الخلاف إلى السيد محافظ الشرقية الذي طلب فتوى شرعية برأي الدين في هذا الموضوع ، وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعي؟

فأجاب الشيخ رحمه الله تعالى بقوله:

«جاء في فتح القدير ط1 ص117 ما نصه: «تكره كتابة القرآن الكريم وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يُفْرَش».

وإذا كان النص المذكور قد قضى بكراهة كتابة أسماء الله تعالى على الدارهم والمحاريب والجدران وما يُفْرَش؛ فتكون كتابتها على درجات السلالم محرمة وغير جائزة شرعًا مِن باب أَوْلَى؛ وذلك لِمَا في كتابتِها على هذا النحو مِن امتهانٍ لأسمائهِ تعالى بالسير عليها ، وتعريضها لذلك.

وإذا استحلَّ أحدٌ امتهان اسم الله([414])؛ فإِنَّهُ يُعَرِّضُ نفسه للكفر والعياذ بالله.

وعلى ذلك فيجب على مالك هذه العمارة إزالة هذه الدرجة إِنْ لم يمكن مَحْو الكتابة بدون الإزالة؛ لأنَّ إزالةَ المنكر أمرٌ واجب شرعًا بنصِّ الحديث الكريم؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن رأى منكم منكرًا فليَُغِّيره بيده ، فإِنْ لم يستطع فبلسانه ، فإِنْ لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان).

وإذا لم يُذْعِن المالك ويُبَادر بإزالة الدرجة أو الكتابة؛ فينبغي رفع أمره إلى الجهة المختصّة لتتخذ الإجراءات اللازمة لإزالة المنكر بالطريق الذي تراه.

ومما ذُكِرَ يُعلم الجواب عن السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم ([415])»أهـ

فضيلة الشيخ محمد خاطر مفتي مصر سابقًا

رحمه الله تعالى

سُئِلَ الشيخ رحمه الله:

مِن المجلس الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة بكتابه رقم12/2/ب (203) ، المؤرَّخ 2 من ذي الحجة 1392 ، الموافق 6يناير سنة 1973 ، والمقيد برقم 63-1973 ، المتضمن أَنَّ المجلس عَلِمَ بأنَّ الحكومة بصدد طبع عملة جديدة للدولة كُتِبَ عليها الآية القرآنية الكريمة: )واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرقوا( [آل عمران:103] ، وطلب بيان الحكم الشرعي في جواز طبع آية مِن آيات القرآن الكريم على العملة التي تصدرها الدولة ، عِلْمًا بأن عملة الدولة يحملها ويتداولها المسلم والكافر ، ويُشْتَرَى بها الحلال والحرام ، وتُسْتَعْمَلُ في غير ما أحلَّه اللّه ، وتُحْمَلُ إلى أماكن غير طاهرة؟

فأجابَ الشيخ رحمه الله بقوله:

«نفيد بأَنَّ القرآن كلام اللّه I ، وكما يُطلق القرآن على كل ما بين دفتي المصحف يطلق على السورة والآية منه.

والقرآن كتاب تَعَبُّدٍ وهداية وإرشاد للبشر ، كما فيه سعادتهم في الدارين (الدنيا والآخرة) مِن عبادات ومعاملات وأخلاق.

ولذلك يجب تقديسه وتكريمه والبُعْد عن كل ما يخل بشيء مِن ذلك([416]).

ولذلك لم يُجِز الفقهاءُ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أصغر (غير المتوضئ) ولا الْمُحْدِث حَدَثًا أكبر (الجنب) والحائض والنفساء مَسّ القرآن ، ولا شيء مِن آياته؛ إلا بغلافٍ منفصلٍ؛ لقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: (لا يمس القرآن إلا طاهر) ، وأجازوا ذلك للضرورة كدفع اللوح أو المصحف إلى الصبيان؛ لأن في المنع مِن ذلك تضييع حفظ القرآن ، وفي الأمر بالتطهير حرج عليهم ، كما نصوا على كراهة كتابة القرآن وأسماء اللّه تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وكل ما يفرش (الهداية وفتح القدير ج 1).

ومما ذُكِرَ يتبين أَنَّه يُكْرَه كتابة شيءٍ مِن القرآن على الدراهم والدنانير؛ لأن في ذلك تعريضًا لمسِّها أثناء تداولها مِن الجنب والحائض والنفساء والْمُحْدِث وغيرهم ، وليس هناك ضرورة تدعو إلى ذلك ، فيكون الأحوط في المحافظة على القرآن وآياته: البُعْد به عن كل ما يخل بتقديسه وتكريمه أو الوقوع في الممنوع بسبب مسّه ممن هو غير طاهر أثناء تداوله([417])»أهـ

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

بالمملكة العربية السعودية

سُئِلَت اللجنة الدائمة للإفتاء بالملكة العربية السعودية عن حكم رجلٍ يسب آيات القرآن والأحاديث.

وهذا نص السؤال: إنَّ والد السائل يعمل في وظيفة حكومية بمصر ، ويأخذ رشوة ، ويسب آيات القرآن والأحاديث ، وإذا ذُكِر عنده آيات الحجاب قال: اتركوا التعصب ، ويُصلي أحيانًا في المسجد ، وأحيانًا في غيره ، وقد يجمع بين الصلوات ، أمَّا أُمُّه فلا تُصلِّي ، ولكن له أخوات يُصلِّين ، ويسأل: هل يحق لي أنْ أعيشَ معهم ، وما حكم الأكل والمعيشة مِنْ مالِ الوالد؟ أفتوني.

فأجابت اللجنة بقولها:

«الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:

سَبّ آيات القرآن والأحاديث الثابتة كفرٌ ، يُخْرِج مِن الإسلام ، وترك الصلاة عمدًا كفرٌ أيضًا ، وأخذ الرشوة مِن كبائر الذنوب ، فعليك:

أولاً: أن تنصح لوالديك في أداء الصلوات الخمس في أوقاتها ، وأن تنصح الوالد في ضبط لسانه عن السب عامة ، وعن سَبّ القرآن والحديث والاستهتار بالحجاب خاصة ، وبترك الرشوة ، فإن استجاب والدك للنصيحة فالحمد لله؛ وإلاَّ فاسْتَمِرّ في نصيحتهما والإحسان إليهما لعل الله يهديهما بأسبابك ، ولا تخالطهما مخالطةً تضرك في دينك ، ولا تؤذهما؛ بل صاحبهما في الدنيا بالمعروف ، وتابع النصيحة لأخواتك خشية أن يصيبهن فتنة بمعاشرتهما.

ثانيًا: إن لم يكن لوالدك دخلٌ إلا الكسب الحرام فلا تأكل منه ، وإِنْ كان ماله خليطًا مِن الحرام والحلال: جاز لك أن تأكل منه على الصحيح مِن أقوال العلماء ، وإِنْ أمكن أن تستعفّ عنه فهو خيرٌ لك.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

 

عضو                                                عضو

عبد الله بن قعود                              عبد الله بن غديان

 

نائب رئيس اللجنة                             الرئيس

عبد الرازق عفيفى                  عبد العزيز عبد الله بن باز([418])»أهـ

 

وسُئِلَت اللجنة: عن رجلٍ لا يؤمن بالقرآن الكريم - أو بآيةٍ واحدة منة - فهل يُعَدُّ كافرًا؟

فأجابت بقولها:

«مَن قال: لا يؤمن بالقرآن الكريم أو بآيه واحدة ، أو أنه يؤمن بعقله فقط دون الشرع؛ فإنه يُبَيَّنُ له أَنَّ هذا كفرٌ ، فإِنْ أَصَرَّ على مقالته فهو كافرٌ مرتدٌّ عن الإسلام ، يُسْتَتَاب مِن جهةِ ولاة الأمور؛ فإِنْ تاب وإلاَّ قُتِلَ مرتدًا؛ لأن الإيمانَ بالقرآنِ ركنٌ مِن أركان الإيمان ، وجحد آية منه كجحده كله لا فرق في ذلك ، ومَن اقتصر على عقلِه وَرَدَّ ما جاء مِن الشرع فقد كفر بالقرآن الكريم و بالرسول r.

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

 

عضو                                            عضو

عبد الله بن قعود                           عبد الله بن غديان

نائب رئيس اللجنة                               الرئيس

عبد الرازق عفيفي                        عبد العزيز عبد الله بن باز([419])»أهـ

 

وسُئِلَت اللجنة:

ما حكم الدين في رجلٍ أمسك بالمصحف الشريف ثم أخذ يمزق صفحاته الواحدة تلو الأخرى ، وهو يعرف أنه مصحف ، وقد قال له شخصٌ آخر - يقف بجانبه -: إِنَّه مصحف؟ وفى رجلٍ أطفأ السيجارة في المصحف؟

فأجابت اللجنة بقولها:

«كلاهما بِفِعْله ذلك كافر؛ لاستهـتاره بكتاب الله تعالى ، وإهانته له ، وهما بحكم المستهزئين على حكمه بقوله تعالى: )قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:65-66].

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

عضو                                       عضو

عبد الله بن قعود                    عبد الله بن غديان

نائب رئيس اللجنة                             الرئيس

عبد الرازق عفيفي                    عبد العزيز عبد الله بن باز»([420]) أهـ

 

 

لجنة الفتوى بالمركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة

 

رئيس اللجنة:

الشيخ: محمد صفوت نور الدين رحمه الله تعالى

الأعضاء:

الشيخ: صفوت الشوادفي رحمه الله تعالى

الدكتور: جمال المراكبي حفظه الله

سُئِلَت اللجنة:

عن بعض ألفاظ السخرية التي ترد في وسائل الإعلام عن القرآن أو السنة؛ مثل ما جاء بعنوان «تلكس»: «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا الإداريين ومجلس الإدارة» ، وما جاء في برنامج «ساعة مِن مائة ساعة» مِن قول القائل: «لو كان البحر مدادًا لكلمات الشكر لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الشكر ولو جئنا بمثله مدادًا».

وما جاء في عمود«مواقف» مِن جرأةٍ على السنة في قوله: «قد يقولون: إنما الأعمال بالنيات؛ وليست كذلك»؟

فأجابت اللجنة بقولها:

«إننا نقول لهؤلاء الذين تصدوا للكتابة في وسائل الإعلام: اتقوا الله فيما تكتبون ، ولا تجترئوا على آيات الله؛ فإن هذا نوع مِن الاستهزاء.

 

وما مِنْ كاتِبٍ إلا سَيَفْنَي   ويَبْقَى الدَّهْرَ ما كتَبَتْ يَدَاه

فلا تَكْتُبْ بِخَطِّكَ غيرَ شيءٍ   يَسُرُّكَ في القيامةِ أَنْ تَرَاه

 

والاستهزاء بآيات الله كفرٌ؛ قال تعالى : )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ( [التوبة:65-66].

ونحن ندعو هؤلاء وأمثالهم إلى التوبة والرجوع؛ فإِنَّ باب التوبةِ مفتوحٌ ، والأجل قصير ، ولا يعلم أحدٌ متى يكون([421])»أهـ

 

فضيلة الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

رحمه الله تعالى

الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

بالمملكة العربية السعودية

وكلامه رحمه الله في هذا الباب معلومٌ مشهور ، تَنَاقَلَهُ الناسُ فيما بينهم؛ ومن ذلك:

قوله:

«لا ريب أنَّ الاستهزاء بالله ورسوله وبآياته وبشرعه وأحكامه مِن جملة أنواع الكفر؛ لقول الله U: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( [التوبة:65-66].

ويدخل في ذلك: الاستهزاء بالتوحيد ، أو بالصلاة ، أو بالزكاة ، أو الصيام ، أو الحج ، أو غير ذلك مِن أحكام الدين المُتَّفَق عليها([422])»أهـ

ومِنْ كلام الإمام ابن باز رحمه الله أيضًا: قوله تحت عنوان:

«حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض ، أو مشتمل على بعض الخرافات, أو وصف الرسولr بما يتضمن تنقُّصه, أو الطعن في رسالته, والرد على مَن تَجَرَّأَ على ذلك أو نُسِبَ إِليه»[423]

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد: فقد نشرت صحيفة الشهاب اللبنانية في عددها الصادر في 23ربيع الأول سنة 1394هـ ، الموافق 1 نيسان سنة 1974م ، فقرات خطيرة مِن كلام مسئول كبير, ألقاه في إحدى المناسبات, حول الثقافة الذاتية والوعي القومي, يتضمن الطعن في القرآن الكريم بأنه متناقض ، ومشتمل على بعض الخرافات, مع وصف الرسول محمد r بأنه إنسان بسيط يسافر كثيرًا في الصحراء ، ويستمع إلى الخرافات البسيطة السائدة في ذلك الوقت, وقد نقل تلك الخرافات إلى القرآن الكريم وهذا نص ما نشرته الصحيفة المذكورة:

القرآن متناقض حوى خرافات ، مثل قصة أهل الكهف ، وعصا موسى؟!

في مناسبة عُقِدَتْ بأواخر الشهر الماضي: مؤتمر للمدرسين والمربين ، لمناسبة الملتقى الدولي حول الثقافة الذاتية ، والوعي القومي ، وقد ألقى ذلك المسئول خطابًا طويلاً تعرَّضَ فيه لقضايا فكرية هامة, وأجرى عملية جريئة وعلنية لنصوص قرآنية ثابتة ، خلص أنها متناقضة حينًا, وخرافية حينًا آخر ، وقد نشرت نص الخطاب جريدة أخرى على جزأين في عددين صدرا بتاريخ 20 و 21 مِن شهر آذار, مارس الماضي, وقد عملت وسائل الإعلام الرسمية على حذف النقاط النافرة في الخطاب وسنورد النقاط المحذوفة التي سُمِعَتَ حَيَّةً مِن المذكور, ثم ما نشرته الجريدة حرفيًّا:

(1) إِنَّ في القرآن تناقضًا لم يَعُدْ يقبله العقل بين )قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا( [التوبة:51] و)إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم( [الرعد:11].

(2) الرسول محمد عليه الصلاة والسلام كان إنسانًا بسيطًا يسافر كثيرًا عبر الصحراء العربية, ويستمع إلى الخرافات البسيطة السائدة في ذلك الوقت, وقد نقل تلك الخرافات إلى القرآن, مثال ذلك: عصا موسى, وهذا شيءٌ لا يقبله العقل, بعد اكتشاف باستور, وقصة أهل الكهف.

(3) إن المسلمين وصلوا إلى تأليه الرسول محمد ، فهم دائما يكررون محمد r ، الله يصلى على محمد ، وهذا تأليه لمحمد, وقد دعا في ختام خطابه المربين وأهل التعليم إلى تلقين ما قاله حول الإسلام إلى تلاميذهم.

انتهى المقصود مما ذكرته صحيفة «الشهاب» عن كلام المذكور, وقد أفزع هذا المقال كل مسلم قرأه أو سمعه ، لما اشتمل عليه مِن الكفر الصريح والجرأة على الله I وعلى رسوله r مِن مسئول دولة تنتسب إلى الإسلام, كان مِن المفروض عليه أن يدافع عن دينه ، وعن كتاب ربه ، وعن رسوله محمد r لو سمع مثل هذا المقال ، أو ما هو أخف منه مِن أي أحد, ولكن الأمر كما قال سبحانه: )فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور( [الحج:46]. )ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب( [آل عمران:8].

ولما قرأت هذا المقال في صحيفة «الشهاب» بادرتُ بإرسال برقية للمذكور بتاريخ 7/4 سنة 1394هـ هذا نصها:

نشرت صحيفة «الشهاب» بعدد 23ربيع الأول سنة1394هـ حديثًا نُسِبَ إليكم غاية في الخطورة, يتضمن الطعن في القرآن الكريم بالتناقض, والاشتمال على الخرافات, والطعن في مقام الرسالة المحمدية العظيم.

وقد أزعج ذلك المسلمين واستنكروه غاية الاستنكار, فإِنْ كان ذلك صدر منكم فالواجب - شرعًا - المبادرة إلى التوبة النصوح منه, وإعلانها بطرق الإعلان الرسمية وإلا وجب إعلان بيان رسمي صريح بتكذيبه, واعتقاد خلافة كي يطمئن المسلمون, وتهدأ ثائرتهم من هذه التصريحات الخطيرة.

ونسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة, وللتوبة مِن جميع الآثام, سرها وجهرها, وأن يعز الإسلام وأهله وأوطانه ، إنه سميع مجيب.

رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

 

ثم أرسلتُ برقية أخرى مني ومِن المشايخ: حسنين محمد مخلوف وأبي الحسن علي الحسني الندوي ، وأبي بكر محمود جومي ، والدكتور محمد أمين المصري وذلك بتاريخ 16/4/1394هـ هذا نصها:

نسبت إليكم صحيفة «الشهاب» بعددها الصادر بتاريخ 23 ربيع الأول تصريحات مُكَفِّرَة؛ لما فيها مِن الطعن في القرآن الكريم ، والمصطفى r ودعوتكم لرجال التعليم لنشرها بين الطلاب.

فإِنْ كنتم قد اقترفتموها؛ فالواجب عليكم المبادرة إلى التوبة والعودة إلى الإسلام ، وإلا وجب عليكم المبادرة إلى التكذيب الصريح ونشره في العالم بجميع وسائل النشر ، وإعلان عقيدتكم الإسلامية الصحيحة في الله تعالى وكتابه ورسوله ، تبرئةً مِن الكفر ، وتسكينًا للفتن ، وتطمينًا للمسلمين في سائر الدول, وإِنَّ عدم التكذيب دليل على الإصرار على الردة ، ومثار فتن لا يعلم عواقبها إلا رب العالمين ، تحمل وزرها ووزر مَن يرتكس فيها إلى يوم الدين )والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم( [النور:11].

 

أبو الحسن علي الحسني الندوي           عبد العزيز بن عبد الله بن باز

أمين ندوة العلماء لكنوا الهند                 رئيس الجامعة الإسلامية

وعضو رابطة العالم الإسلامي                  بالمدينة المنورة

بمكة الكرمة

 

أبو بكر محمد جومى    الدكتور محمد أمين المصري     حسنين محمد مخلوف

قاضى قضاة             جامعة الملك عبد العزيز      مفتى الديار المصرية سابقًا

ولايات شمال نيجيريا           بمكة المكرمة

ثم اطلعت على الجريدة المنوَّه عنها آنفًا فألفيتها قد ذكرت في عددها الصادر في 21مارس 1974م طبق ما نقلته عنها صحيفة «الشهاب» فيما يتعلق بعصا موسى, وقصة أهل الكهف ، كما ألفيتها قد نصت على منكر شنيع ، في عددها الصادر في 20مارس 1974م, وقع في كلام المذكور, لم تُشِرْ إليه صحيفة «الشهاب» وهذا نصه:

«على أني أريد أن الفت نظركم إلى نقصٍ سأبذل كل ما في وسعى لتداركه, قبل أن تصل مهمتي إلى نهايتها, وأريد أن أشير بذا إلى موضوع المساواة بين الرجل والمرأة ، وهي مساواة متوفرة في المدرسة وفي العمل, وفي النشاط الفلاحي, وحتى في الشرطة ، لكنها لم تتوفر في الإرث, حيث بقي للذكر حظ الأنثيين, إِنَّ مثل هذا المبدأ يجد ما يبرره عندما يكون الرجل قَوَّامًا على المرأة, وقد كانت المرأة بالفعل في مستوى اجتماعي لا يسمح بإقرار مساواة بينها وبين الرجل, فقد كانت البنت تُدفن حية, وتُعامل باحتقار, وهاهي اليوم تقتحم ميدان العمل, وقد تضطلع بشئون أشقائها الأصغر منها سنًّا, فزوجتي مثلاً هي التي تولت السهر على شئون شقيقها, وتكبدت مِن أجل ذلك كل متاعب العمل الفلاحي, ووفرت له سبل التعليم, وحرصت على تحقيق أمنية والدها الذي كان يرغب في توجيه ابنه نحو المحاماة, فهل يكون مِن المنطق في شيءٍ أَنْ ترث الشقيقة نصف ما يرثه شقيقها في هذه الحالة‍! ، فعلينا أن نتوخى طريق الاجتهاد في تحليلنا لهذه المسالة, وأَنْ نبادر بتطوير الأحكام التشريعية, بحسب ما يقتضيه تطور المجتمع, وقد سبق أن حجرنا تعدد الزوجات بالاجتهاد في مفهوم الآية الكريمة, ومِن حق الحكام - بوصفهم أمراء المؤمنين - أن يطوروا الأحكام بحسب تطور الشعب, وتطور مفهوم العدل, ونمط الحياة».

هكذا في الصحيفة المذكورة, وهذا - إن صح صدوره مِن المسئول المشار إلية آنفًا - فهو نوعٌ آخر مِن الكفر الصريح؛ لأنه زعم أن إعطاء المرأة نصف ما يُعْطَاهُ الذَّكَر نقصٌ, وليس مِن المنطق البقاء عليه بعد مشاركة المرأة في ميدان العمل, كما ذكر أنه حَجَرَ تعدد النساء بالاجتهاد, وأنه يجب تطوير الأحكام الشرعية بالاجتهاد حسب تطور المجتمع, وذكر أن هذا مِن حق الحكام لكونهم أمراء المؤمنين, وهذا مِن أبطل الباطل, وهو يتضمن شرًّا كثيرًا, وفسادًا عظيمًا سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله .

بيان الأدلة على كفر مَن طعن في القرآن أو في

الرسول عليه الصلاة والسلام[424]

إذا عُلِمَ ما تقدم, فإِنَّ الواجب الإسلامي والنصيحة لله ولعبادة, كل ذلك يوجب علينا بيان حكم الإسلام فيمن طعن في القرآن بأنه متناقض, أو مشتمل على بعض الخرافات, وفيمن طعن في الرسول r بأي نوعٍ مِن أنواع الطعن غيرةً لله سبحانه, وغضبًا له U ، وانتصارًا لكتابه العزيز, ولرسوله الكريم, وأداءً لبعض حقّه علينا, سواء كان ما ذُكِرَ عن أي شخص واقعًا أم كان غير واقع, وسواء أعلن إنكاره له, أو التوبة منه, أم لم يعلن ذلك؛ إِذ المقصود بيان حكم الله فيمن أقدم على شيءٍ مما ذكرنا مِن التناقض لكتاب الله, أو لرسوله r فنقول:

قد دل كتاب الله U وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وإجماع الأمة على أنَّ كتاب الله سبحانه محكمٌ غاية الإحكام ، وعلى أنه كله كلام الله U ، ومُنَزَّلٌ مِن عنده ، وليس فيه شيءٌ مِن الخرافات والكذب, كما دلَّت الأدلة المذكورة على وجوب تعزير الرسول r وتوقيره, ونصرته, ودلَّت أيضًا على أنَّ الطعن في كتاب الله أو في جناب الرسول r كفرٌ أكبر, ورِدَّةٌ عن الإسلام ، وإليك - أيها القارئ الكريم - بيان ذلك:

قال الله تعالى في سورة يونس: )الر تلك آيات الكتاب الحكيم( [يونس:1] وقال في أول سورة هود: )الر كتاب أحكمت آياته من لدن حكيم خبير( [هود:1] وقال U في أول سورة لقمان: )الم تلك آيات الكتاب الحكيم( [لقمان:1] ، وذكر علماء التفسير رحمهم الله في تفسير هذه الآيات أنَّ معنى ذلك أنه متقنُ الألفاظِ والمعاني, مشتملٌ على الأحكام العادلة, والأخبار الصادقة, والشرائع المستقيمة, وأنه الحاكم بين العباد فيما يختلفون فيه كما قال الله سبحانه: )كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه( [البقرة:213] ، وقال سبحانه: )ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم( [آل عمران:23] ، فكيف يكون محكم الألفاظ والمعاني, وحاكمًا بين الناس وهو متناقض مشتمل على بعض الخرافات؟

وكيف يكون محكمًا وموثوقًا به إذا كان الرسول الذي جاء به إنسانًا بسيطًا لا يُفرق بين الحق والخرافة؟

فعُلِمَ بذلك أن مَنْ وصف القرآن بالتناقض أو بالاشتمال على بعض الخرافات, أو وصف الرسول r بما ذكرنا فإِنَّه منتقصٌ لكتاب الله, ومكذِّبٌ لخبر الله, وقادحٌ في رسول الله r ، وفي كمال عقله ، فيكون بذلك كافرًا مرتدًّا عن الإسلام؛ إِنْ كان مسلمًا قبلَ أَنْ يقول هذه المقالة.

وقال الله سبحانه في أول سورة يوسف: )الر تلك آيات الكتاب المبين . إنا أنزلناه قرأنا عربيًا لعلكم تعقلون . نحن نقص عليك احسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وان كنت من قبلة لمن الغافلين( [يوسف:1-3], وقال سبحانه في سورة الزمر: )الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشبها مثاني( [الزمر:23] ، ومعنى )متشابها( في هذه الآية - عند أهل العلم - يُشبه بعضُه بعضًا, ويُصَدِّقُ بعضُه بعضًا ، فكيف يكون بهذا المعنى؟ وكيف يكون أحسن الحديث وأحسن القصص وهو متناقض, مشتمل على بعض الخرافات؟ سبحانك هذا بهتانٌ عظيم.

وصح عن رسوله الله r أنه كان يقول في خُطَبِهِ: «أما بعد: فإِنَّ خيرَ الحديث كتاب الله, وخير الهدى هديُ محمدٍ r» فمن طعن في القرآن, بما ذكرنا أو غيره مِن أنواع المطاعن فهو مكذِّبٌ لله U في وصفه لكتابه بأنه أحسن القصص وأحسن الحديث, ومكذِّبٌ للرسول r في قوله: «إنه خير الحديث».

وقال I في وصف القرآن الكريم: )تنزيل من الرحمن الرحيم( [فصلت:2], وقال: )وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين( [الشعراء:192-193] ، وقال: )وهذا كتب أنزلنه مبارك( [الأنعام:92] ، وقال: )إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحفظون( [الحجر:9] ، وقال: )وإنه لكتب عزيزٌ. لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفة تنزيل من حكيم حميد( [فصلت:41-42] إلى أمثال هذه الآيات الكثيرة في كتاب الله, فمن زعم أنه متناقضٌ أو مشتملٌ على بعض الخرافات التي أدخلها فيه الرسول r مما تلقَّاهُ مِن بادية الصحراء أو غيرهم فقد زعم أنَّ بعضَهُ غير مُنَزَّلٍ مِن عند الله وأنه غير محفوظ ، كما أنه بذلك قد وصف الرسول r بأنه كذب على الله وأَدْخَلَ في كتابه ما ليس منه ، وهو - مع ذلك - يقول للناس: إنَّ القرآن كلام الله, وهذا غاية في الطعن في الرسول r ووصفه بالكذب على الله وعلى عباده ، وهذا مِن أقبح الكفر والضلال والظلم ، كما قال الله سبحانه: )فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكفرين( [الزمر:32] ، وقال U: )ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى ولم يوح إليه شيء( [الأنعام:93] ، وقال تعالى: )قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:65-66].

ذكر علماء التفسير رحمهم الله أنَّ هذه الآية نزلت في جماعة كانوا مع النبي r في غزوة تبوك, قال بعضهم: ما رأينا مثل قُرَّائِنا هؤلاء أَرْغَب بطونًا ولا أكذب ألسنًا, ولا أجبن عند اللقاء. وقال بعضهم: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضًا, والله لكأَنَّا بكم غدًا مقرنين في الحبال. قال([425]) بعضهم: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها, هيهات, فأنزل الله قوله سبحانه: )ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله وءايته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:65-66] الآية ، فجاءوا إلى الرسول r يعتذرون ويقولون: إنما كنا نخوض ونلعب, ونتحدث حديث الرَّكْب نقطع به عنا الطريق, فلم يعذرهم ، بل قال لهم عليه الصلاة والسلام: )أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون, لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( فإذا كان هذا الكلام الذي قاله هؤلاء يعتبر استهزاءً بالله وآياته ورسوله, وكفرًا بعد إيمانٍ, فكيف بحال مَنْ قال في القرآن العظيم: إنه متناقض أو مشتمل على بعض الخرافات, أو قال في الرسول r: إنه إنسان بسيط لا يميز بين الحق والخرافة؟! لاشك أن من قال هذا هو أقبح استهزاءً, وأعظم كفرًا!

(ذِكْر كلام العلماء فيمن طعن في القرآن الكريم, أو الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم ، أو استهزأ بهما,أو سَبّ الله, أو الرسول r)([426])

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» عند تفسير هذه الآية ما نصه: «قال القاضي: أبو بكر ابن العربي: لا يخلو أن يكون ما قالوه في ذلك جدًّا أو هزلًا وهو كيفما كان كفرٌ, فإِنَّ الهزل بالكفر كفرٌ لا خلاف فيه بين الأمة» انتهى المقصود.

وقال القاضي عياض بن موسى رحمه الله في كتابه «الشفاء بتعريف حقوق المصطفى» ص325 ما نصه: «واعلم أَنَّ مَن استخف بالقرآن أو المصحف ، أو بشيء منه ، أو سبهما ، أو جحده ، أو حرفًا منه ، أو آية ، أو كذب به ، أو بشيءٍ مما صرح به فيه مِن حكمٍ, أو خَبَرٍ ، أو أَثْبَتَ ما نفاهُ أو نفى ما أثبته ، على عِلْمٍ منه بذلك ، أو شكَّ في شيءٍ من ذلك - فهو كافر عند أهل العلم بإجماع, قال الله تعالى: )وانه لكتاب عزيز لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفة تنزيل من حكيم حميد( [فصلت:41-42] » انتهى المقصود.

وقال القاضي عياض في كتابه المذكور, في حكم سَبّ النبي r ص233 ما نصه: «اعلم وفقنا الله وإياك أَنَّ جميع مَن سَبّ النبي r أو عابه أو أَلْحق به نقصًا في نفسه ، أو نَسَبِهِ ، أو دينه ، أو خصلةً مِن خصاله ، أو عَرَّضَ به أو شَبَّهُه بشيءٍ على طريق السبّ له أو الإزراء عليه ، أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له - فهو سابٌّ له ، والحكم فيه حكم الساب؛ يُقْتَلُ كما نبينه ، ولا نستثنى فصلًا مِن فصول هذا الباب على هذا المقصد ، ولا نمتري فيه تصريحًا أو تلويحًا ، وكذلك مَن لعنه ، أو دعا عليه ، أو تمنى له أو نسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذم ، أو عبث في جهته العزيزة بسخفٍ من الكلام ، وهُجْرٍ ومنكرٍ مِن القول وزور, أو عيّره بشيءٍ مما جرى مِن البلاء أو المحنة عليه, أو غَمَصَهُ ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لدية, وهذا كله إجماع العلماء وأئمة الفتوى مِن لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرَّا. قال أبو بكر ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أنَّ مَن سَبّ النبي r يُقْتَلُ, وممن قال ذلك: مالك بن أنس, والليث, وأحمد, وإسحاق, وهو مذهب الشافعي» انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله في كتابه «الصارم المسلول على شاتم الرسول» ص 3 ما نصه: «المسألة الأولى: أنَّ مَن سَبّ النبي r مِن مسلمٍ وكافر فإنه يجب قتله, هذا مذهبٌ عليه عامة أهل العلم» ثم نقل كلام أبى بكر ابن المنذر المتقدم ذِكْره - في كلام القاضي عياض - ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله ما نصه: «وقد حكى أبو بكر الفارسي - مِن أصحاب الشافعي - إجماع المسلمين على أنَّ حدّ مَن سَبّ النبي r القتل, كما أنَّ حدّ مَن سَبّ غيره الجلد, وهذا الإجماع الذي حكاه محمولٌ على إجماع الصدر الأول مِن الصحابة والتابعين ، أو أنه أراد به إجماعهم على أنَّ سابَّ النبي r يجب قتله إذا كان مسلمًا ، وكذلك قَيَّدَهُ القاضي عياض فقال: أجمعت الأمة على قتل منتقصه مِن المسلمين وسابه.

وكذلك حُكِيَ عن غير واحدٍ الإجماع على قتله وتكفيره ، وقال الإمام إسحاق بن راهويه - أحد الأمة الأعلام رحمه الله -: أجمع المسلمون على أَنَّ مَن سَبّ الله ، أو سَبّ رسوله r أو دفع شيئًا مما أنزل الله U ، أو قتل نبيًا مِن أنبياء الله U أنه كافرٌ بذلك ، وإِنْ كان مقرًّا بكل ما أنزل الله.

قال الخطابي رحمه الله: لا أعلم أحدًا مِن المسلمين اختلف في وجوب قتله.

وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أنَّ شاتم النبي r والمنتقص له كافرٌ ، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له ، وحكمه - عند الأئمة القتل ، ومَن شك في كفره وعذابه كفر».

ثم قال شيخ الإسلام أبو العباس([427]) رحمه الله: «وتحرير القول فيه أَنَّ الساب إِنْ كان مسلمًا فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف وهذا مذهب الأئمة الأربعة ، وقد تقدم ممن حكى الإجماع على ذلك إسحاق بن راهويه وغيره» ، ثم ذكر الخلاف فيما إذا كان الساب ذميًا ، ثم ذكر رحمه الله في آخر الكتاب ص512 ما نصه: «المسألة الرابعة في بيان السب المذكور ، والفرق بينه وبين مجرد الكفر ، وقبل ذلك لابد مِن تقديم مقدمة ، وقد كان يليق أن تُذْكَرَ في المسألة الأولى ، وذِكْرها هنا مناسبٌ أيضًا لنكشف سرّ المسألة ، وذلك أن نقول: إِنَّ سَبّ الله أو سَبّ رسوله r كفرٌ ظاهرٌ وباطنٌ ، سواء كان الساب يعتقد أنَّ ذلك محرم أو كان مستحلًا له ، أو كان ذاهلا عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل». إلى أن قال رحمه الله في ص538 ما نصه: «التكلُّم في تمثيل سَبّ رسول الله r وذِكْر صفته ذلك مما يثقل على القلب واللسان ، ونحن نتعاظم أن نتفوه بذلك ذاكرين ، لكن للاحتياج إلى الكلام في حكم ذلك نحن نفرض الكلام في أنواع السب مطلقًا مِن غير تعيين ، والفقيه يأخذ حظه مِن ذلك ، فنقول: السب نوعان: دعاء وخبر ، فأما الدعاء فمثل أن يقول القائل لغيره: لعنه الله أو قَبَّحَهُ الله أو أخزاه الله ، أو لا رحمه الله ، أو لا رضي الله عنه ، أو قطع الله دابره ، فهذا وأمثاله سَبٌّ للأنبياء ولغيرهم ، وكذلك لو قال عن نبيٍّ: لا صلى الله عليه ، أو لا سلم, أو لا رفع الله ذِكْره, أو محى الله اسمه ، ونحو ذلك مِن الدعاء عليه بما فيه ضرر عليه في الدنيا أو في الآخرة, فهذا كله إذا صدر مِن مسلمٍ أو معاهد, فهو سبٌّ, فأما المسلم فيُقْتَلُ به بكلِّ حالٍ, وأما الذمي فيُقْتَلُ بذلك إذا أظهره» ، إلى أن قال رحمه الله ص540: «النوع الثاني: الخبر, فكل ما عَدَّهُ الناسُ شتمًا, أو سبًا ، أو تنقُّصًا فإِنَّه يجب به القتل, فإِنَّ الكفر ليس مستلزمًا للسبِّ, وقد يكون الرجل كافرًا ليس بسابٍّ, والناس يعلمون عِلمًا عامًا أن الرجل قد يُبْغِض الرجلَ ويعتقد فيه العقيدة القبيحة ولا يَسُبّه ، وقد يضم إلى ذلك مسبةً, وإن كانت المسبة مطابقة للمعتَقَدِ, فليس كل ما يحتمل عقدًا يحتمل قولًا ، ولا ما يحتمل أن يقال سرًا, يحتمل أن يقال جهرًا ، والكلمة الواحدة تكون في حالٍ سبًّا وفي حالٍ ليست بسبٍّ, فعُلِمَ أَنَّ هذا يختلف باختلافِ الأقوال والأحوال, وإذا لم يَأْتِ للسبِّ حَدٌّ معروف في اللغة ولا في الشرع؛ فالمرجع فيه إلى عُرْفِ الناس, فما كان في العُرْفِ سبًّا للنبي r فهو الذي يجب أن ننزل عليه كلام الصحابة والعلماء, ، وما لا فلا» انتهى المقصود([428])»أهـ

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في موضعٍ آخر تحت عنوان:

«نواقض الإسلام[429]

الحمد لله ، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد: فاعْلَم أيها المسلم أن الله سبحانه أوجب على جميع العباد الدخول في الإسلام ، والتمسك به والحذر مما يخالفه ، وبعث نبيه محمدًا r للدعوة إلى ذلك ، وأخبر U أنَّ مَن اتَّبَعه فقد اهتدى ومَن أعرض عنه فقد ضلَّ ، وحَذَّرَ في آياتٍ كثيرات مِن أسباب الردة ، وسائر أنواع الشرك والكفر ، وذكر العلماء رحمهم الله في باب حكم المرتد أَنَّ المسلم قد يرتد عن دينه بأنواعٍ كثيرةٍ مِن النواقض التي تُحِلّ دمه وماله ويكون بها خارجًا مِن الإسلام ، ومِن أخطرها وأكثرها وقوعًا عشرة نواقض ذكرها الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيره مِن أهل العلم رحمهم الله جميعًا ، ونذكرها لك فيما يلي على سبيل الإيجاز لتحذرها وتحذِّر منها غيرك رجاء السلامة والعافية منها ، مع توضيحات قليلة نذكرها بعدها.

الأول مِن النواقض العشرة: الشرك في عبادة الله.

قال الله تعالى: )إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء( [النساء:116].

وقال تعالى: )إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار( [المائدة:72].

ومِن ذلك دعاء الأموات والاستعانة بهم والنذر والذبح لهم.

الثاني: مَن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعًا.

الثالث: مَنْ لم يكفِّر المشركين أو شك في كفرهم أو صَحَّحَ مذهبهم كفر.

الرابع: مَن اعتقد أن هدي غير النبي r أكمل مِن هديه ، أو أن حكم غيره أحسن مِن حكمه ، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه؛ فهو كافر.

الخامس: مَنْ أبغض شيئًا مما جاء به الرسول r ولو عمل به فقد كفر؛ لقوله تعالى: )ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم( [سورة محمد:9].

السادس: مَن استهزأ بشيءٍ مِن دين الرسول r أو ثوابه أو عقابه كفر ، والدليل قوله تعالى: )قل أبا لله وائياتة ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:65-66].

السابع: السِّحر ومنه: الصرف والعطف, فمن فعله أو رضي به كفر, والدليل قوله تعالى: )وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر( [البقرة:102].

الثامن: مُظَاَهَرَة المشركين ومعاونتهم على المسلمين, والدليل قوله تعالى: )ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين( [المائدة:51].

التاسع: مَن اعتقد أنَّ بعضَ الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد r فهو كافر؛ لقوله تعالى: )ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخسرين( [آل عمران:85].

العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به, والدليل قوله تعالى: )ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون( [السجدة:22].

ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجادّ والخائف؛ إلاّ المكره, وكلها مِن أعظم ما يكون خطرًا, وأكثر ما يكون وقوعًا, فينبغي للمسلم أن يحذرها, ويخاف منها على نفسه, نعوذ بالله مِن موجبات غضبه وأليم عقابه, وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم. انتهى كلامه([430]) رحمه الله .

ويدخل في القسم الرابع: مَن اعتقدَ أَنَّ الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل مِن شريعة الإسلام أو أنها مساوية لها, أو أنه يجوز التحاكم إليها؛ ولو اعتقد أنَّ الحكم بالشريعة أفضل ، أو أَنَّ نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين, أو أنه كان سببًا في تخلف المسلمين, أو أنه يُحْصَر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى.

ويدخل في الرابع أيضًا: مَن يرى أَنَّ إنفاذَ حكم الله في قطع يد السارق, أو رجم الزاني المحصن لا يُنَاسِب العصر الحاضر.

ويدخل في ذلك أيضًا: كل مَن اعتقد أنه يجوز الحكم بغير شريعة الله في المعاملات أو الحدود أو غيرهما, وإِنْ لم يعتقد أَنَّ ذلك أفضل مِن حكم الشريعة؛ لأنه بذلك يكون قد استباح ما حَرَّمَهُ الله إجماعًا, وكل مَن استباح ما حَرَّمَ الله مما هو معلومٌ مِن الدين بالضرورة - كالزنا والخمر والربا والحكم بغير شريعة الله - فهو كافرٌ بإجماع المسلمين.

ونسأل الله أن يوفِّقنا جميعًا لما يرضيه وأن يهدينا وجميع المسلمين صراطه المستقيم إنه سميعٌ قريب, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه[431]»أهـ

فضيلة الشيخ: عبد الرزاق عفيفي

رحمه الله تعالى

من علماء الأزهر الشريف, ورئيس جماعة أنصار السنة بمصر خلفًا للشيخ محمد حامد الفقي, ونائب اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية - سابقًا

وقد سُئِل الشيخ رحمه الله: ما حكم المستهزئ بالدين أو سابّ الدين أو الرسول r أو القرآن العظيم هل يكفر ولو كان جاهلًا؟

فأجاب الشيخ رحمه الله بقوله: «هذا الباب كغيره مِن أبواب الكفر يُعَلَّم ويُؤَدَّب, فإِنْ عُلِّمَ وعانَدَ بعد التعليم والبيان؛ كَفَرَ. وإذا قيل: لا يُعْذَرُ بالجهل؛ فمعناه: يُعَلَّم ويُؤَدَّب وليس معناه أنه يكفر»أهـ

وسُئِل الشيخ رحمه الله: ما حكم مَن قال القرآن مخلوق؟

فقال الشيخ رحمه الله: «هذا كفرٌ أكبر, ولكن قائلة يُعَلَّم ولا يُكَفَّرُ بعينِهِ, إلاَّ إذا عُلِّمَ وأصَرَّ بعد إقامةِ الحجة([432])»أهـ

الشيخ سيد سابق

رحمه الله تعالى

قال رحمه الله تعالى في كلامه على أحكام الرِّدَّةِ:

«ومِن الأمثلة الدالة على الكفر:

- إنكار ما عُلِمَ مِن الدين بالضرورة؛ مثل: إنكار وحدة الله وخَلْقه للعالم ، وإنكار وجود الملائكة ، وإنكار نبوة محمد r ، وأنَّ القرآن وحيٌ مِن الله....

- سَبّ النبي أو الاستهزاء به, وكذا سَبّ أي نبيٍّ مِن أنبياء الله....

- سَبّ الدين....

- إلقاء المصحف في القاذورات, وكذا كُتُب الحديث؛ استهانةً بها واستخفافًا بما جاء فيها.

- الاستخفاف باسمٍ مِن أسماء الله ، أو أمرٍ مِن أوامره أو نهيٍ مِن نواهيه ، أو وَعْدٍ مِن وعودِه....([433])»أهـ

 

الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين

رحمه الله تعالى

«وسُئِل رحمه الله: عن حكم مَن يمزح بكلامٍ فيه استهزاءٌ بالله أو الرسول r ، أو الدين؟

فأجاب بقوله: هذا العمل وهو الاستهزاء بالله ، أو رسولهr ، أو كتابه ، أو دينه ، ولو كان على سبيل المزاح, ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفرٌ ونفاقٌ, وهو نفس الذي وقع في عهد النبيr ، في الذين قالوا: (ما رأينا مثل قُرَّائِنَا هؤلاء أَرْغب بطونًا, ولا أكذب ألسُنًا, ولا أجبن عند اللِّقاء). يعني: رسول اللهr ، وأصحابه القُرَّاء ، فنزلت فيهم: )ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب( [التوبة:65]([434])»أهـ

فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري

المدرس بالمسجد النبوي الشريف

حفظه الله تعالى

قال حفظه الله: «الاستهزاء بالله والرسول والكتاب: كفرٌ مُخْرِجٌ مِن الملة».

وقال حفظه الله أيضًا:

«لا يُقْبَلُ اعتذارُ مَن كَفَرَ بأيِّ وجْهٍ, وإنما التوبة أو السيف فيُقْتَلُ كفرًا([435])»أهـ

الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

حفظه الله تعالى

قال حفظه الله تعالى:

«ففي هاتين الآيتين الكريمتين([436]) مع بيان سبب نزولهما دليلٌ واضح على كفر من استهزأ بالله, أو رسوله ، أو آيات الله ، أو سنة رسوله ، أو بصحابة رسول الله؛ لأن مَن فعل ذلك فهو مستخِفٌّ بالرُّبوبيَّه والرسالة وذلك منافٍ للتَّوحيد والعقيدة, ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء, ومِن هذا الباب: الاستهزاء بالعلم وأهله ، وعدم احترامهم ، أو الوقيعةُ فيهم مِن أجلِ العِلم الذي يحملونه, وكون ذلك كفرٌ ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء؛ لأن هؤلاء الذين نزلت فيهم الآيات جاءوا معترِفِيْنَ بما صدَر منهم ومعتذرين بقولهم: )إنما كنــا نخوض ونلعب( [التوبة:65]؛ أي: لم نقصد الاستهزاء والتكذيب وإنما قصدنا اللعب, واللَّعِب ضد الجدِّ ، فأخبرهم الله على لسان رسوله r أَنَّ عُذْرَهُم هذا لا يُغني من الله شيئًا, وأنهم كفروا بعد إيمانهم بهذه المقالة التي استهزءوا بها, ولم يقبل اعتذارهم بأنهم لم يكونوا جادِّين في قولهم, وإنما قصدوا اللعب ولم يَزِدْ r في إجابتهم على تلاوة قول الله تعالى: )أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم( [التوبة:65 - 66]؛ لأن هذا لا يدخله المزاح واللَّعِبُ, وإِنَّما الواجب أَنْ تُحْتَرَمَ هذه الأشياء وتُعظَّم, وليخشع عند آيات الله إيمانًا بالله ورسوله وتعظيمًا لآياته. والخائضُ اللاعب منتقِصٌ لها قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنَّما تكلمنا بالكفر من غير اعتقادٍ له, بل إنما كنا نخوضُ ونلعبُ, وبَيَّنَ أَنَّ الاستهزاءَ بآياتِ الله كفرٌ ، ولا يكون هذا إلا ممن شرحَ صدرًا بهذا الكلام, ولو كان الإيمان في قلبه لمنعه أَنْ يتكلَّمَ بهذا الكلام, والقرآن يُبَيِّنُ أَنَّ إيمانَ القلبِ يستلزمُ العمل الظاهر بِحَسَبِهِ([437])»أهـ

الشيخ عبد الرحمن الجزيري

جزاه الله خيرًا

قال أثابه الله: «الرِّدة والعياذ بالله تعالى: كفرُ مسلمٍ تقرَّر إسلامه بالشهادتين ، مختارًا بعد الوقوف على الدعائم, والتزامه أحكام الإسلام, ويكون ذلك بصريح القول؛ كقوله: أشرك بالله, أو قولٍ يقتضي الكفر؛ كقوله: إنَّ الله جسم كالأجسام, أو بفعلٍ يستلزم الكفر لزومًا بَيِّنًا؛ كإلقاء مصحفٍ, أو بعضه؛ ولو كلمة, أو حَرْقه استخفافًا - لا صونًا أو علاجًا لمريض, ومثلُ إلقائه: تركُه([438]) في مكانِ قَذَرٍ؛ ولو طاهرًا؛ كبصاقٍ؛ أو تلطيخه به, نحو تقليب ورقه[439] بالبصاق.

ومثل المصحف: الحديث ، وأسماء الله الحسنى ، وكُتُب الحديث ، وكذا كتب الفقه؛ إِذا كان على وجه الاستخفاف بالشريعة الإسلامية وأحكامها أو تحقيرها...([440])»أهـ

الشيخ عبد المجيد الزنداني

حفظه الله تعالى

قال حفظه الله تعالى: «مِن المعروف أنه مرتدٌّ مَن جَحَدَ مِن المسلمين القرآنَ كلَّه ، أو بعضه ، ولو آيةً منه, كما تكون الرِّدَّة باعتقادِ تناقض القرآن واختلافه, أو الشك في إِعْجَازِه ، أو ادِّعاء القدرة على الإِتْيانِ بمثله, أو إسقاط حُرْمَتِه, أو الزيادة فيه, أو النقص منه».

وقال حفظه الله في: «رِدَّة الأقوالِ؛ ومنها ما يلي:

مَن سَبّ الله تعالى ، أو القرآن ، أو الرسول, أو أحدًا مِن الأنبياء: فقد كفر؛ سواء كان مازحًا أو جادًّا, أو مُسْتَهزِئًا, قال الله تعالى: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ( [التوبة:65-66]».

وقال حفظه الله في: «رِدَّة الأفعال؛ ومنها ما يلي:

أجمع العلماء على أَنَّ مما يُوجِبُ كفر المسلمِ: إلقاء المصحفِ ، أو جزءٍ منه ، أو تلطيخه بالقَذَرِ ، ومثلُه: كُتُب الحديثِ القدسيِّ والنبويِّ, وكذا مَن استخفَّ بالقرآن ، قال الله تعالى: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ([التوبة:65]([441])»أهـ

الأستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين

حفظه الله تعالى

قال حفظه الله تعالى: «ويكفر مَن أنكر شيئًا مِن القرآن مهما كان؛ لأنَّ جميعَ آياتِ القرآن أخبر u أنها مِن كلام الله تعالى فمَن جَحَدَ شيئًا مِن ذلك؛ فقد كذَّب الرسول عليه الصلاة والسلام»([442]).

وقال حفظه الله تعالى: «ويكفر مَن جَحَدَ آيةً مِن القرآن ، أو أَنْكَرَ أمرًا غيبيًّا ، أو كَذَّبَ خبرًا عمَّا كان وما سيكون مما ورد به القرآن الكريم([443])».

وقال حفظه الله تعالى: «ويكفر كذلك مَن أنكرَ إعجازَ القرآن الكريم؛ لأنَّ هذا الإعجاز ثابتٌ بإِخْبارِ الله U وبالواقعِ ، وكذلك مَن ادَّعى النبوةَ بعد محمدٍ r أو صدَّق مَن يدَّعيها؛ لأنَّ القرآنَ أخبر أنَّ محمدًا خاتم النبيين([444])»أهـ

وقال حفظه الله تعالى في: «بعض مظاهر عدم الرِّضى بالإسلام: ونذكر لك أيضًا مظهرين مِن مظاهر كُرْه الإسلام التي تؤول إلى الرِّدّةِ والكفرِ وإِنْ شَهِدَ الشهادتين وسَمَّى نفسَه مسلمًا, وهما:

الأول: الاستهزاء بشيءٍ معلومٍ من دين الإسلام ، ويدخلُ في ذلك الاستهزاء بالله ، ورسوله ، وكتابه ، أو بالمؤمنين بسبب إيمانهم ، ونحو ذلك ، وأصلُ هذا قوله تعالى: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ( [التوبة:65 - 66]»([445]).

قال حفظه الله: «وصورُ الاستهزاء كثيرةٌ جدًّا فلا تدخل تحتَ حَصْرٍ ، ويجمعها أنها جميعًا تدل على الاستخفاف بالدين وعدم الرضى عنه, أو عن شيءٍ منه, وقد يكون كلاميًّا, وقد يكون فعليًّا بالحركة والإشارة؛ كالرَّفِّ بالعين, وإخراج اللسان, ومدِّ الشِّفَّة والغَمْزَةِ باليدِ عند تلاوة كتاب الله أو سنة رسول الله r ، أو عند ذِكْر عقيدة الإسلام أو شيءٍ مِن مبادئه المعلومة بالضرورة ، ونحو ذلك.

الثاني([446]): ظهور الكراهية والغضب عند ذِكْر الله أو رسوله أو تلاوة كتابه, أو ذِكْر شيءٍ مِن أمور الدين المعروفة ، أو الدعوة إليه؛ فقد قال U: )وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( [الحج:72].

وقال أيضًا: )ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم( [سورة محمد:49] »أهـ

فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي

في كفر المغني ....

سُئِلَ «فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله تعالى:

لا زلنا يا شيخنا الفاضل نسمع مِن دهاقنة الفسق والضلال ما يدمي القلوب ويفت الأكباد مِن استهزاءٍ بالله وبآياته وبرسوله ، والذي من آخرها ما قام به الماجن ... حينما غنى بسورة الفاتحة([447]) ، ومع ذلك لم نَرَ لهؤلاء مَن يردعهم ويوقفهم عند حدهم ويقيم فيهم حكم الله تعالى ، نرجوا منكم يا فضيلة الشيخ أن تبينوا السبيل في هذه المعضلة ، رفع الله قدركم و أعلى منـزلتكم.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإِنَّ الاستهزاء بالله وآياته ورسوله خُلُق تخلَّق به أعداء الإسلام مِن يهود ونصارى ومنافقين وعلمانيين ومغنين وصحافيين وزنادقة وغيرهم ، وعَمِلَ هؤلاء على نشره عن طريق هؤلاء السفهاء الذين تَبَيَّنَ كفرهم مِن فعلهم ، والذي دفعهم لذلك: حبُّ الاشتهار وتكثير المال ، حتى أنزل الله فيهم كتابًا يُتْلَى إلى يوم القيامة؛ إِذْ يقول سبحانه: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( [التوبة:65 - 66].

وسببُ نزول هذه الآية في غزوة تبوك ، وقد نزلت في بعض المنافقين لما قالوا : ما رأينا مثل قُرَّائِنا هؤلاء أرغب بطونًا ، ولا أكذب أَلْسِنَةً ، ولا أجبن عند اللِّقاء.

يقول ابن عمر رضي الله عنهما - كما في تفسير القرطبي -: رأيتُ قائل هذه المقالة وديعة بن ثابت متعلِّقًا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يماشيها والحجارة تنكبه وهو يقول: )إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ( [التوبة:65] والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: )قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ([التوبة:65]؟

ولا يشك عاقلٌ أَنَّ ما يقوم به هؤلاء مِن تلحين وغناءٍٍ لآياتِ كتاب الله سبحانه وتعالى مِن الكفر الصراح؛ إِذ الأمة أَجْمَعَتْ على أَنَّ مَن استهزأَ بشيءٍ مٍن الشرع إِمَّا بكتابةٍ أو كلامٍ أو غناءٍ أو ما شابه ذلك أَنَّ ذلك رِدَّةٌ صريحة ، ولو لم يعلم صاحبه أَنَّ ما فعله مِن الكفر([448]) ، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى (7/ 273)  عند قوله تعالى  )لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( [التوبة:66] يقول: فدلَّ على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أَتَوْا كفرًا؛ بل ظنوا أَنَّ ذلك ليس بكفرٍ ، فبَيَّنَ أَنَّ الاستهزاءَ بالله وآياته ورسوله كفرٌ يكفر به صاحبُه بعد إيمانه...أهـ

ويقول القاضي عياض رحمه الله تعالى في الشفاء (2/1101): اعلم أَنَّ مَن استخفَّ بالقرآن أو المصحفِ أو بشيءٍ منه أو سبهما أو جحده ... فهو كافرٌ عند أهل العلم بإجماع أهـ

وعَدَّ البهوتي رحمه الله تعالى في كشاف القناع (6/137) مِن نواقض الإسلام امتهان القرآن أو إسقاط حرمته وأَنَّ ذلك كفرٌ أهـ

وذكر محمد بن إسماعيل الرشيد الحنفي في رسالة ألفاظ الكفر (ص22) أَنَّ الاستخفاف بالقرآن أو بالمسجد أو بنحوه مما يعظم في الشرع أَنَّه كفرٌ أهـ

وقد كَفَّرَ الله سبحانه هؤلاء مع أنهم خرجوا غزاةً وقد تركوا أولادهم وأزواجهم وأهلهم وأوطانهم وفي وقتٍ شديد الحر وشديد العطش ومع هذا لم يشفع ذلك لهم وحُكِم([449]) عليهم بالرِّدَّة عن الإسلام.

يقول الله عز وجل: ]وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون[ [الجاثية:34-35].

ويقول تبارك وتعالى: ]وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين..[ [الجاثية:9].

والاستهانة بكتاب الله استهانة بقائله سبحانه وتعالى؛ لأَنَّ كلامَ الله سبحانه صفةٌ مِن صفاته؛ إِذ الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات.

يقول النووي رحمه الله تعالى في روضة الطالبين (10/64): والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن عَمْدٍ واستهزاءٍ بالدين صريح.

ونقل القرطبي في تفسيره وهو يشرح موقف المستهزئين في غزوة تبوك قول ابن العربي إِذْ يقول: لا يخلو أَنْ يكون ما قالوه مِن ذلك جادًّا أو هازلاً وهو كيفما كان كفرٌ؛ فإِنَّ الهزلَ بالكفرِ كفرٌ ، ولا خلاف فيه بين الأمة ، فإِنَّ التحقيق أخو العِلْم والحق ، والهزل أخو الباطل والجهل أهـ

وليُعْلَم أَنَّ الله سبحانه وتعالى مَزَّقَ مُلْك الأكاسرة كلَّ مُمَزَّقٍ وأَزالَ مُلْكَهم لَمَّا سَخِروا بكتابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم([450]) ، فكيف بكتاب الله سبحانه وتعالى؟

وإِنَّ الساكتين عن إقامةِ حدّ الله تعالى بهؤلاء وهم قادرون على ذلك أنهم مثلهم وجديرٌ أَنْ يُمَزِّقَ الله حُكْمَهم ويُشَتِّتَ شَمْلَهم كما فعل بغيرهم ، وهم بفِعِلْهِمْ هذا شريكون في الإثم.

يقول الله سبحانه وتعالى: ]وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن مثلهم .. [ الآية [النساء:140].

وأخيرا .. ليعلم الـ... وغيره أَنَّه بهذا الفعل ارْتَدَّ عن الإسلام وثبتَ كفره ، ويجب على ولي أمر البلد التي ينتمي إليها هذا المرتد وأمثاله أَنْ ينفذ فيه حكم الله تعالى وهو القتل بلا استتابة؛ لأَنَّه أصبحَ بفِعْلِه هذا زنديقًا ، والزنديق لا تُقْبَلُ توبته عند العلماء؛ ولأَنَّ النبي عليه الصلاة والسلام أَهْدَرَ دمَ القينتين الَّتَيْن كانتا تُغَنِّيَان بهجائه عليه الصلاة والسلام.

وإننا نهيب بعلماء الشريعة أَنْ يقفوا صفًّا واحدًا لإقامةِ حدّ الله في هذا الطاغوت وأمثاله وأَلَّا يتساهلوا في ذلك.

نسألُ الله جَلَّتْ قدرته أَنْ ينصرَ مَنْ نَصَرَ الدِّين وأَنْ يخذلَ مَن خذلَ الدِّين ، إِنَّه وحده القادر ، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أملاه فضيلة الشيخ

أ. حمود بن عقلاء الشعيبي

1/1/1422هـ([451])»أهـ


فصلٌ جامعٌ

 

ومما سبقَ يتبيّن أَنَّ مَن استهزأ بالقرآن ، أو بعضه ، ولو بآيةٍ منه؛ فقد كَفَرَ وارْتَدَّ ، وحكم على نفسه بإهدار دمه؛ ذلك إنْ كان الفاعل ممن يُنسب إلى الإسلام ، فإِنْ كان ذميًّا نُقِضَ عهدُه وميثاقُه؛ لأَنَّه لا أمان ولا عهد ولا ميثاق لذِمِّيٍّ سبَّ الله ، أو بعض صفاته ، أو آياته ، أو رسوله ، أو استهزأَ بالقرآن ، أو بعضه ، ولو بآيةٍ منه ، بأيِّ وجهٍ مِن الوجوه ، سواء كان ذلك بالكلام ، أو الفعل ، ولو بالإشارة ونحوها.

ولا فرق في ذلك بين الجدّ والهزل ، وهذا مما لا نزاع فيه بين أحدٍ مِن أئمة المسلمين ، على ما سبق نقل ذلك عنهم مِن غير وجهٍ.

وهو مما عُلِمَ اضطرارًا مِن دين الإسلام ، وقد سبقت أدلتُه في هذا الكتاب مفصَّلَةً مُبَيَّنَةً؛ والحمد لله.

وتأكد ذلك مِن وجوه؛ منها:

- أن القرآن كلام الله U غير مخلوق ، ولا يُشبه كلام أحدٍ مِن البشر ، وهو صفة مِن صفاته Y؛ ولمَّا كان الكلام في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات؛ كان حقّ القرآن تابعًا لحقِّ الله U ، وكان الطعن فيه طعنًا في ذاتِ المتكلِّم به ، وهو المولى I ، فكان المستهزئ بالقرآن كالمستهزئ بالله Y ، ولا فرق ، ومِنْ ثَمَّ تُجْرَى على المستهزئ به أحكام الطعن في الذات الإلهية.

- كما تنطبق على المستهزئ بالقرآن أحكام الطعن في الرسولr ؛ لكونه معجزته الخالدة التي أيَّده الله بها ، وهو الذي بلَّغَهُ عن ربِّه ، وهو في ذلك صادقٌ أمينٌ ، وإنكاره يعني إنكار رسالة النبيِّr ، ولذلك لم ينكر ما أنزل الله U إلا مَن ينكر الرسالات السماوية ، بخلاف الذين يثبتون ما أنزل الله U لكنهم يعترضون عليه بشُبَهٍ وخيالات ، فمَنْ طعن في القرآن أو استهزأ به فقد طعن في المُؤَيَّد به واستهزأَ به ، وهو الرسولr ؛ عياذًا بالله مِن ذلك.

- كذلك ينطوي الاستهزاء بالقرآن على إنكارِه ، ومِن ثَمَّ الاستهزاء بكل الرسالات والنبوّات الواردة فيه وإنكارها ، وإنكار ما ورد في شأنهِ مِن كلام الكتب السابقة عنه؛ كالتوراة والإنجيل ، وإنكارُ بعضِها يعني: إنكارها جملةً ، وإنكارها يعنى: إنكار رسالة أصحابها ، وإنكار الرسالات والكتب السماوية كفرٌ ظاهرٌ لا يتنازع فيه اثنان ، ولو وُجِدَ في الدنيا أعلى مِن إهدار الدم لاستحقَّهُ فاعلُ ذلك؛ عياذًا بالله مِن الخذلان.

- كما ينطوي الاستهزاء بالقرآن على الاستهزاء بِنَقَلَتِهِ؛ مِن الصحابة الذين نقلوا القرآن إلى الأمة مِن بعدهم ، وهلُمَّ جرَّا مِن الأجيال اللاحقة التي تَتَاَبَعَتْ على نَقْلِهِ حتى عصرنا هذا؛ مِن حيثُ الاستهزاء بما تواردوا على تعظيمهِ ، واتفقوا على حفظهِ ، ونَقْلِهِ لمن بعدهم ، ومِن حيث تواردهم على نَقْلِ ما يُسْتَهْزَأُ به دون وَعْيٍ أو معرفةٍ بذلك؛ وهذا كلُّه باطلٌ لا أصل له.

- كما ينطوي الاستهزاء بالقرآن على إنكار الإسلام جملةً؛ إِذِ القرآن عماد الإسلام ، وأصله الذي يُقام عليه ، وهو الدليل الأوّل لدى المسلمين ، والأساس في بناء شريعتهم الإسلامية ، وإنكارُ ذلك أو الاستهزاء به؛ يعني: إنكار أحكام الإسلام الواردة في القرآن ، والاستهزاء بها ، وهذا يعني: إنكار الإسلام والاستهزاء به.

وإنكارُ بعض الأديان؛ يعني الإنكار لجميعها ، والاستهزاء ببعض الرسالات؛ يعني الاستهزاء بالرسالات كلِّها؛ إِذْ قد عُلِمَ مِن حديث النبيِّ r : أنَّ الأنبياءَ إخوة لعِلاَّت دينهم واحد ، وهو الإسلام الذي أنزله الله إلى عباده ، وأمَرَهُم به على مرِّ العصور؛ وإِنَّما اختلفت الرسالات فيما بينها في الشرائع والأحكام ، ولم تختلف في أصلها وأساسها ، ودعوتها للتوحيد الحق ، الذي هو حقّ الله على العبيد.

- كما ينطوي الاستهزاء بالقرآن على سبِّ المسلمين ، والأذية لمشاعرهم ، والانتهاك لحرمة دينهم ، وعماد حياتهم ، والتَطَاول على مقدساتهم.

فهي ظلماتٌ يأخذُ بعضُها برقابِ بعضٍ ، ويجرُّ بعضُها بعضًا.


فصلٌ

 

في لوازمِ ذلك

 

ويلزمُ من ذلك:

إجراءُ أحكامِ الرِّدة والمرتدين على كُلِّ أفَّاكٍ أثيم تُسوِّل له نفسُه الاستهزاء بكتاب الله U ، أو بشيءٍ منه ، ولو بآية واحدةٍ.

ومن أحكام المرتدين في هذا الباب:

- القتل رِدَّةً وكفرًا؛ إلا أَنْ يتوبَ ويرجع للإسلام ويُعْلِن ذلك صراحةً.

- البراءة منهم جملةً وتفصيلًا.

- تحريم موالاتهم ، ومهادنتهم ، واتخاذهم أولياء أو أصدقاء يُسَرُّ إليهم بالمودَّة ويُنْشَرُ لهم مِن بساط الأُنس؛ كما يفعله كثيرٌ مِن جهلة الناس مع بعض المرتدين والمارقين.

- حرمة مناكحتهم ومصاهرتهم؛ فإِنْ كان متزوّجًا بمسلمةٍ ثم طرأَتْ عليه الرِّدة: فُرِّق بينهما ، ولم يُمَكَّنْ منها ، ولا يتبعه أولاده على رِدَّته وكفره.

- حرمة الدفن في مقابر المسلمين.

- حرمة التوارث بينهم وبين المسلمين.

إلى آخر ما جَرَى تقييده في كتب أهل العلم مِن أحكام الرِّدة والمرتدين.

وقد سبق بيانُ أهل العلم لأحكامهم ، وشرح ذلك في الكلام على «نواقض الإيمان» مِن كتب «الاعتقاد» ، كما أفردهم الفقهاءُ بكتابٍ خاصٍّ لأحكامهم يأتي ملاصقًا لكتبِ «الحدود» و«القَسَامة» و«الديات» ونحو ذلك ، هذا فضلًا عمَّا أُفْرِدَ فيهم مِن مصنَّفَات ، فأغنى ذلك كله عن الإطالة بذِكْرِ أحكامهم هنا ، حتى لا نخرج عمَّا قصدنا إليه مِنْ بيان حكم مَن سَبَّ كتاب الله U ، أو استهزأَ به ، كلَّه ، أو بعضه.

فلنقتصِر هنا على ما قصدنا إليه ، ولْتُطْلَبُ أحكام الرِّدَّة والمرتدين مِن المظانِّ المشار إليها آنفًا؛ وبالله التوفيق ، وهو المستعان ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.


فصلٌ

في بيانِ بعض ما يُلْحَق بالسَّبِّ مِنْ أَفعالٍ وأقوال

 

ويُلْحَقُ بالسَّبِّ في الْحُكْم والعقوبة: كلُّ ما مِنْ شأنِهِ الاستهزاء بالقرآن ، أو إهانته ، أو التَّعَرُّض له بوجهٍ مِنْ وجوه الطعنِ والإهانةِ؛ ومِنْ ذلكَ:

إلقاء المصحفِ في القاذورات([452]):

وهذا يكثر في أفعال السَّحرةِ الذين يتقرَّبون بذلك إلى شياطينهم؛ عياذًا بالله مِن الخذلان.

قال الإمام الغزالي رحمه الله:

«وأما نفس الرِّدَّة: فهو نطقٌ بكلمةِ الكفر استهزاءً أو اعتقادًا أو عنادًا ، ومِن الأفعال: عبادة الصنم ، والسجود للشمس ، وكذلك: إلقاء المصحف في القاذورات ، وكلّ فعلٍ هو صريحٌ في الاستهزاء بالدين ، وكذلك الساحر يُقْتَلُ إِنْ كانَ ما سَحَرَ به كفرًا بأَنْ كان فيه عبادة شمسٍ أو ما يضاهيه([453])»أهـ

وقال الإمام النوويُّ رحمه الله:

«كتاب الرِّدَّة: هي أفحش أنواع الكفر وأغلظها حكمًا ، .... ، وهي قطع الإسلام ، ويحصُل ذلك تارةً بالقول: الذي هو كفرٌ ، وتارةً بالفعل ، والأفعال الموجبة للكفر: هي التي تصدر عن تَعَمُّدٍ واستهزاءٍ بالدين صريحٍ؛ كالسجودِ للصنم أو للشمس ، وإلقاءِ المصحف في القاذورات ، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها.... وتحصُل الرِّدَّة بالقولِ الذي هو كفرٌ ، سواءٌ صدَرَ عن اعتقادٍ أو عنادٍ أو استهزاءٍ ، هذا قولٌ جُملي ، وأما التفصيل: فقال المتولي: مَن اعتقد قِدَمَ العالم أو حدوثَ الصانعِ أو نَفَى ما هو ثابتٌ للقديمِ بالإجماعِ؛ ككونه عالمًا قادرًا ، أو أَثْبَتَ ما هو منفيٌّ عنه بالإجماع؛ كالألوان ، أو أَثْبَتَ له الاتصال والانفصال؛ كان كافرًا ، وكذا مَنْ جَحَدَ جوازَ بعثة الرسل ، أو أَنْكَرَ نبوةَ نبيٍّ مِن الأنبياءِ صلوات الله وسلامه عليهم ، أو كَذَّبَهُ ، أو جَحَدَ آيةً مِن القرآنِ مجمعًا عليها ، أو زادَ في القرآنِ كلمةً واعتقدَ أنها منه ، أو سَبَّ نبيًّا ، أو استخَفَّ به ، أو استحلَّ محرمًا بالإجماع كالخمر......

فرع: في كتب أصحاب أبي حنيفة رحمه الله اعتناءٌ تامٌّ بتفصيل الأقوال والأفعال المقتضية للكفرِ ، وأكثرهما مما يقتضي إطلاق أصحابنا المُوَافَقَة عليه ، فنذكر ما يحضرنا مما في كتبهم؛ منها: إذا سخر باسمٍ من أسماء الله تعالى أو بأمرٍه أو بوعده أو وعيده كفر.... ولو قال: لو شهد عندي الأنبياء والملائكة بكذا ما صدقتهم كفر ، .... قالوا([454]): ولو قرأَ القرآن على ضربِ الدُّفِّ أو القضيبِ ، أو قيل له: تعلم الغيب؟ فقال: نعم؛ فهو كفرٌ ....

قلت: قد ذكر القاضي الإمام الحافظ أبو الفضل عياض رحمه الله في آخر كتابه (الشفاء بتعريف حقوق صلوات الله وسلامه عليه) جملةً في الألفاظِ ما سبق نقلها عن الأئمة ، أكثرهم مجمع عليه ، وصرح بنقل الإجماع فيه والله أعلم؛ فمنها.... يُقْطَعُ بتكفيرِ كلِّ قائلٍ قولاً يُتَوَصَّلُ به إلى تضليلِ الأمةِ أو تكفيرِ الصحابةِ ، وكذا مَن فعلَ فِعْلاً أَجْمَعَ المسلمون أنَّه لا يصدُر إلا مِن كافرٍ؛ وإِنْ كان صاحبه مُصَرِّحًا بالإسلامِ مع فِعْلِهِ؛ كالسجودِ للصليبِ ، أو النار ، والمشي إلى الكنائس مع أهلها بِزِيِّهِم مِن الزّنانير وغيرها ، وكذا مَنْ أَنْكَرَ..... شَيئًا مِن القرآنِ ، أو قال: ليسَ بمعجِزٍ ، أو قال: ليس في خلق السماوات والأرض دلالة على الله تعالى ، أو أنكر الجنة أو النار أو البعث أو الحساب ، أو اعترفَ بذلك ولكن قال: المراد بالجنة والنار والبعث والنشور والثواب: معانيها ، أو قال الأئمة أفضل مِن الأنبياء([455])»أهـ

وقال الإمام ابن رجبٍ الحنبلي رحمه الله تعالى:

«وأما تَرْكُ الدين ومفارَقَة الجماعة فمعناه: الارتداد عن دينِ الإسلام؛ ولو أَتَى بالشهادتين ، فلو سَبَّ الله ورسولَه r وهو مُقِرٌّ بالشهادتين أُبِيحَ دمُه؛ لأنَّه قد تَرَكَ بذلك دينَه ، وكذلك لو استهانَ بالمصحفِ وألقاهُ في القاذورات ، أو جَحَدَ ما يُعْلَم مِن الدين بالضرورةِ؛ كالصلاةِ وما أشبه ذلك مما يُخْرِجْ مِن الدِّين([456])»أهـ

جَحْد القرآن ، أو بعضه ، أو التعرُّض له بزيادةٍ ونقصانٍ ، أو القَدْحِ في إِعْجَازِه:

قال الإمام المتوليُّ الشافعيُّ رحمه الله:

«مَن اعتقد قِدَمَ العالم أو حدوثَ الصانعِ... كان كافرًا ، وكذا مَنْ جَحَدَ جوازَ بعثة الرسل ، ... أو جَحَدَ آيةً مِن القرآنِ مجمعًا عليها ، أو زادَ في القرآنِ كلمةً واعتقدَ أنها منه ، أو سَبَّ نبيًّا ، أو استخَفَّ به ، أو استحلَّ محرمًا بالإجماع؛ كالخمر»أهـ

وقال القاضي الإمام الحافظ أبو الفضل عياض رحمه الله: في آخر كتابه «الشفاء بتعريف حقوق صلوات الله وسلامه عليه»: «يُقْطَعُ بتكفيرِ كلِّ قائلٍ قولاً يُتَوَصَّلُ به إلى تضليلِ الأمةِ أو تكفيرِ الصحابةِ ، وكذا مَن فعلَ فِعْلاً أَجْمَعَ المسلمون أنَّه لا يصدُر إلا مِن كافرٍ؛ وإِنْ كان صاحبه مُصَرِّحًا بالإسلامِ مع فِعْلِهِ؛ كالسجودِ للصليبِ ، أو النار ، والمشي إلى الكنائس مع أهلها بِزِيِّهِم مِن الزّنانير وغيرها ، وكذا مَنْ أَنْكَرَ..... شَيئًا مِن القرآنِ ، أو قال: ليسَ بمعجِزٍ([457])»أهـ

قراءة القرآن على أصوات الدُّف وما يُشْبهه مِن آلات المعازف:

وقد سبق نقل النووي عن الأحناف: «قالوا: ولو قرأَ القرآن على ضربِ الدُّفِّ ، أو القضيبِ ، أو قيل له: تعلم الغيب؟ فقال: نعم؛ فهو كفرٌ»أهـ

ولم يتعقَّبهم النوويُّ بِذِكْر خلافٍ للشافعية في المسألة؛ فاتَّفَقَ الأحناف والشافعية على كُفْرِ مَنْ قرأَ القرآن على مثل هذه الحال.

وهذا ظاهرٌ في كفر صاحبه؛ لما فيه مِن امتهان القرآن والاستهزاء به([458]).

اعتقاد عدم صلاحية أحكام القرآن ونصوصه لهذا الزمان:

وقد مضى بيان هذا في كلام الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ونقله عن الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.

ومِثْلُ ذلك:

الخَلْط بين نصوصه وأحكامِه وبين غيرها مِن كلام البشر وعاداتهم وتنظيماتهم وخططهم على سبيل التسوية بين القرآن وبين هذه الأشياء:

فمَنْ اعتقدَ المساواة بين القرآن الذي هو كلام الله ووحيه إلى رسوله r ، وبين قانون وكلام البشر؛ فقد كفر.

 

 

 


وأخيرًا

 

يجب على علماء المسلمين القيام بواجب الدفاع عن الأُسُسِ الثابتة ، والكشف عن زيغ الضالين والكافرين ، وبيان الحق الواجب على أمة الإسلام تجاه ذلك كله ، وأعيذهم بالله تعالى مِن التولِّي يوم الزحف.

)وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم( [سورة محمد:38].

كما يجب على أولياء الأمور في الديار الإسلامية القيام بواجبهم في الدفاع عن القرآن المقدس خاصةً ، وعن الشريعة الإسلامية عامةً ، ومَن حَفِظَ الدين حُفِظَ مُلْكُه ، واتَّصل حُكْمُه ، ومَن خذلَ الدين خُذِل ، وانتكس؛ فلا دينًا حَفِظَ ولا مُلْكًا أَبْقَى‍‍‍.

ومَن نَصَرَ الله نُصِر ، ومَنْ راعَى رُوعِيَ ، وبالكيل الذي نكيل يُكال لنا ، والجزاء مِن جنس العمل.

ولذا فإِنَّا نضرع إلى الله سبحانه وتعالى أنْ يُلْهِم علماء المسلمين وحكامهم وأولياء أمورهم السداد والرشاد ، وأنْ يأخذ بنواصيهم إلى خير الإسلام والمسلمين ، وأَنْ يجعلَهم عونًا للمسلمين ، وأداةً لنشرِ دينه ، وهداية خلقه ، إِنَّه على ذلك قدير ، وبالإجابة جدير.

والله هو هادي الخَلْق إلى الحقّ ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

اللَّهُمَّ قد بلَّغت ، اللهم فاشهد ، وتقبَّلْ ذلك عندك ، واجعله ذُخْرًا لي يوم اللقاء الأكبر ، واجْعل كتابك نصيرًا وشفيعًا لي يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاّ مَن أتاك بقلبٍ سليم ، واجمعنا اللهم مع نبيِّنا محمد ٍr ، وارزقنا اللهم شفاعته ، والشرب من حوضه ، والاندراج في أصحابه ورفاقه في جنة الخُلْد ، مع الذين أنعمتَ عليهم مِن النبيِّين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولئك رفيقًا.

اللَّهم اجعل هذا النَّفير لنصرة كتابك خالصًا لوجهك الكريم ، ولا تجعل فيه شائبةً لأحدٍ.

وصلِّ اللهمَّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ونبيِّك محمدٍr .

وارضَ اللهمَّ عن الآلِ والصَّحْبِ والتابعين.

والحمد لله ربِّ العالمين.

وكتب/

صلاح بن فتحي هَلَل

مع مغرب 23/3/1421

 

EMAIL: Salah_hall@gawab.com

 

 


فهرس الموضوعات

 

المقدمة7

الباب الأول: في إثبات أن القرآن كلامُ الله عز وجل غير مخلوق13

فصل: الْقُرْآنُ كلامُ اللهِ15

تمهيد15

تأريخ أول ظهور القول بخلق القرآن على يد المعتزلة16

تنبيه مهم18

فصل: في الآيات والأحاديث الدَّالَّةِ على أَنَّ القرآنَ كلام الله غير مخلوق19

فصل: في بيان عقيدة الصحابة والتابعين في أنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق22

أثر عائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما22

الخلفاء الراشدين23

أبو بكر الصديق t23

عمر بن الخطاب t24

عثمان بن عفان t24

عليُّ بن أبي طالبٍ t24

ابن عباسٍ رضي الله عنهما26

عليُّ بن الحُسَيْن28

عمرو بن دينار28

فصل: في بيان مذْهَب الأئمَّة الأربعة29

الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى29

الإمام مالك رحمه الله تعالى30

الإمام الشافعيِّ رحمه الله34

الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى35

رسالة الإمام أحمد إلى عُبيدِ الله بن يحيى38

محنة الإمام أحمد رحمه الله ومنزلته في الإسلام45

فصلٌ: مِن حكاية ابن الجوزي لمذاهب الناس في المسألة46

ذِكْر ما انتهى إلى ابن الجوزي من قول الصحابة في ذلك46

ذِكْر ما انتهى إلى ابن الجوزي من أقاويل أهل البلدان من التابعين فمن بعدهم47

أهل المدينة دار الهجرة47

أهل مكة حرسها الله تعالى48

أهل الكوفة48

أهل البصرة48

أهل اليمن49

أهل الشام والجزيرة49

أهل الثغر50

أهل مصر50

أهل خراسان50

أهل بغداد50

أهل الري والجبل51

أهل أصبهان51

فصلٌ: من كتب العقائد سلفًا وخلفًا52

الإمام البخاري رحمه الله تعالى52

أبو حاتم وأبو زُرْعَة الرازيان رحمهما الله تعالى53

الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى54

الإمام ابن خُزَيْمَة رحمه الله تعالى54

الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى55

الإمام الآجُرِّيُّ رحمه الله تعالى55

الإمام ابن بطة العُكْبري رحمه الله تعالى56

الإمام اللالكائي رحمه الله تعالى58

الإمام أبو عثمان الصابوني رحمه الله تعالى59

الإمام البيهقي رحمه الله تعالى60

الإمام البغوي رحمه الله تعالى60

الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى61

الإمام أبو محمدٍ التيمي رحمه الله تعالى61

شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى62

الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى63

فصلٌ64

فصلٌ: في معنى قولِهم: ((مِنْه بَدَأَ وإِليهِ يَعود))65

تنبيه مهم66

فصلٌ: في القرآن الذي هو كلام الله U69

البابُ الثاني: في بعضِ اللَّوازم الواجبة تجاه كلام الله عز وجل73

تمهيد75

قاعدة: القول في الصفات كالقول في الذَّات76

قاعدةٌ أخرى: وهي أَنَّ صفاتَ الله تعالى متعلِّقةٌ بذاته الكريمة لا تُبَاين الذَّات ولا تَنْفَكّ عنها78

فصلٌ: في معنى ما مضى تقريره81

فصلٌ: في لوازم ذلك85

الَّلازم الأول: تنزيه كلام الله عز وجل عن مشابهة كلام المخلوقين ، وبيان أنَّ مَن شَبَّه كلام خالق البشر بكلام أحدٍ من البشرِ ، فقد كفر ، وفيه الكلام على مذهب أهل السنة في صفات الله عز وجل ، ومعنى التفويض عند أهل السنة والجماعة86

الَّلازم الثاني: تَنْزيهُ كلمات القرآن وحروفه ومعانيه عن النَّقْدِ ، وفيه الكلام عن إعْجَازِ القرآن102

الَّلازمُ الثالث: العملُ بأحكام القرآن ، والأخذُ به في كافَّةِ الأمور127

وبناءً عليه142

الَّلازم الرابع: تَنْزيهُ القرآن عن السَّبِّ والطَّعْن144

تمهيد144

فصلٌ: فيمَنْ سبَّ الله Y146

فصلٌ: مَن سبَّ القرآن فقد سبَّ النبيّ r152

فصلٌ: مَنْ سَبَّ القرآن فقد سَبَّ جميع الأنبياء ، وأَنْكَرَ جميع الرسالات159

فصلٌ: الاستهزاء بالقرآن استهزاءٌ بالسُّنَّةِ165

فصلٌ: الاستهزاء بكتاب الله U نَقْضٌ للإِيمان 165

فصلٌ: الاستهزاء بالقرآن يعني: هدمَ الإِسْلام169

فصلٌ: في الآياتِ الواردةِ فيمَنْ سبَّ القرآن176

فصلٌ: فيما تَضَمَّنَتْهُ الآياتُ السابقةُ مِنَ الأحكامِ والدّلالاتِ214

فصلٌ: في ذِكْرِ بعض الآيات الدَّالة على أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله تعالى مِنْ مِلَلِ أهلِ الكفرِ وصِفَاتِهِمْ217

فصلٌ: في ذِكْرِ بعض أقوال العلماء السابقين t فيمَنْ سَبَّ القرآن ، أو استهزأَ به219

الإمام الحافظ إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ ، المعروف بابن رَاهَوَيْه رحمه الله تعالى219

الإمام الشافعي رحمه الله تعالى220

الإمام أبو بكر أحمد بن عليٍّ الرازيّ الْجَصَّاص رحمه الله تعالى 221

الإمام الحافظ ابن حزمٍ الأندلسي رحمه الله تعالى 221

الإمام القاضي أبى الفضل عِياض بن موسى اليَحْصُبي الأندلسي رحمه الله تعالى224

الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى227

الإمام الآلوسي رحمه الله 228

الإمام الرازي رحمه الله تعالى228

الإمام عماد الدين بن محمد الطبري المعروف بالكيَا الهرَّاسي رحمه الله تعالى228

الإمام القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله تعالى229

الإمام مُحْيي الدِّين بن شَرَف النَّوَويّ رحمه الله تعالى229

الشيخ الإمام مُوَفَّق الدِّين بن قُدَامَة المقدسي رحمه الله تعالى230

الشيخ الإمام شمس الدين بن قُدَامَة المقدسي رحمه الله تعالى231

الشيخ الإمام مَجْد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرَّاني رحمه الله تعالى232

شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحَرَّاني رحمه الله تعالى232

الإمام شمس الدين أبى عبد الله محمد بن مُفْلِح المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى234

الإمام نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري رحمه الله تعالى 235

العلامة الإمام شرف الدين موسى بن أحمد الحجاوي المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى235

الإمام شيخ الإسلام منصور يونس البهوتي المصري رحمه الله تعالى 235

الإمام تقي الدين أبى بكر بن محمد بن عبد الله ، الدمشقي الشافعي رحمه الله تعالى236

الإمام ابن حَجَرٍ الهيتمي رحمه الله تعالى237

الشيخ الإمام: محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله تعالى237

الشيخ الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الحنبلي رحمه الله تعالى 238

الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى 239

الشيخ الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى 241

الشيخ العلامة صديق حسن خان القنوجي رحمه الله تعالى 243

الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى 244

الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله تعالى 246

فصلٌ: في فتاوى أهل العصر فيمَنْ سَبّ القرآن247

دار الإفتاء المصرية في عصورها المختلفة247

فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم مفتي مصر سابقًا رحمه الله تعالى247

فضيلة الشيخ أحمد هريدي مفتي مصر سابقًا رحمه الله تعالى249

فضيلة الشيخ محمد خاطر مفتي مصر سابقًا رحمه الله تعالى250

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية252

لجنة الفتوى بالمركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة 255

فضيلة الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى257

أبو الحسن علي الحسني الندوي أمين ندوة العلماء لكنوا الهند وعضو رابطة العالم الإسلامي بمكة الكرمة261

أبو بكر محمد جومى قاضى قضاة ولايات شمال نيجيريا 261

حسنين محمد مخلوف مفتى الديار المصرية سابقًا261

الدكتور محمد أمين المصري جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة261

بيان الشيخ ابن باز رحمه الله لأدلة المسألة263

بيان الشيخ ابن باز رحمه الله لمذاهب الناس في المسألة266

فضيلة الشيخ: عبد الرزاق عفيفي رحمه الله تعالى273

الشيخ سيد سابق رحمه الله تعالى274

الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى275

الشيخ أبو بكر الجزائري المدرس بالمسجد النبوي الشريف حفظه الله تعالى275

الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى 276

الشيخ عبد الرحمن الجزيري جزاه الله خيرًا277

الشيخ عبد المجيد الزنداني حفظه الله تعالى278

الأستاذ الدكتور محمد نعيم ياسين حفظه الله تعالى279

الشيخ حمود بن عُقلاء الشّعيبي رحمه الله تعالى281

فصلٌ جامعٌ285

فصلٌ: في لوازمِ ذلك287

فصلٌ: في بيانِ بعض ما يُلْحَق بالسَّبِّ مِنْ أَفعال وأقوالٍ289

إلقاء المصحف في القاذورات289

جَحْد القرآن ، أو بعضه ، أو التعرُّض له بزيادةٍ ونقصانٍ ، أو القَدْحِ في إِعْجَازِه292

قراءة القرآن على أصوات الدُّف وما يُشْبهه مِن آلات المعازف292

اعتقاد عدم صلاحية أحكام القرآن ونصوصه لهذا الزمان293

الخَلْط بين نصوصه وأحكامه وبين غيرها مِن كلام البشر وعاداتهم وتنظيماتهم وخططهم على سبيل التسوية بين القرآن وبين هذه الأشياء 293

وأخيرًا294

فهرس الفوائد

فهرس الموضوعات

EMAIL:

SALAH_HALL@GAWAB.COMف

والحمد لله رب العالمين

 



([1]) من مقدمة الإمام أبي بكرٍ الباقلاني رحمه الله لكتابه ((إعجاز القرآن)).

[2]  كتاب ((التمييز)) للإمام مسلم رحمه الله (ص/170).

[3]  نقلاً عن ((المروءة وخوارمها)) لمشهور حسن (ص/6).

([4]) يعني: ظهرت.

([5]) «مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي في «الباب: السادس والستين» (ص/416ـ417تحقيق: د. التركي).

([6]) في «سير النبلاء»: «..... إلى بعد المئتين؛ فظهر المأمون الخليفة ـ وكان ذكيًّا متكلمًا ، له نظرٌ في المعقول ـ فاستجلب كتب الأوائل ، وعرَّبَ حكمةَ اليونان.....».

([7]) يعني: لم يلبث.

([8]) «مختصر العلو للإمام الذهبي رحمه الله» اختصار الشيخ الألباني رحمه الله (ص/173ـ174) ، ونحوه في «سير أعلام النبلاء» للذهبي رحمه الله (11/236ـ مختصرًا).

([9]) وانظر في ذلك: «مقالات الإسلاميين» لأبي الحسن الأشعري (ص/582 ـ فصل: القول في القرآن).

([10]) حديث صحيح:

وقد ورد عن جابرٍ t من طرقٍ:

الأول: رواه إسرائيل ـ وهو ابن يونس ـ عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابرٍ به.

ومن هذا الوجه أخرجه: ابنُ أبي شيبة (14/310) ، والدارمي (2/440) ، وأحمد (3/390) ، وعثمان بن سعيد في «الرد على الجهمية» (ص/74) ، والبخاري في «خلق أفعال العباد» (ص/40) ، وأبوداود (4734) ، والنسائي في «الكبرى» (7727) ، والترمذي (2925) ، وابن ماجة (201) ، والحاكم (2/612ـ613) ، وأبو نعيم (217) والبيهقي (2/413ـ414) كلاهما في «الدلائل» ، وكذا البيهقي أيضًا في «الأسماء والصفات» (ص/187) و«الشُّعب» (رقم/168) ، من رواية إسرائيل به.

وهذا إسنادٌ صحيح.

وقال الترمذيُّ: «حديث غريب صحيح»؛ كما في «الجامع» له ، والذي في «تحفة الأشراف» (2/175) عنه: «حسن صحيح» ، وهكذا نقله عنه ابن كثير في «البداية والنهاية» (4/363ـ تحقيق: د/ التركي ، ط: هجر).

وصحَّحَه الحاكمُ على شرطهما.

الثاني: من طريق عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم عن أبي الزبير عن جابرٍ بنحوه ، وفيه زيادة مطوّلة.

أخرجه أحمد (3/322 ، 340) ، والبزار (1756/كشف الأستار) ، وابن حبان (6274) (7012) ، والحاكم (2/624) ، والبيهقي في «الكبرى» (8/146) وفي «الدلائل» (2/442ـ443).

وصحَّحَه الحاكمُ.

وقال البزار: «قد رواه غير واحد عن ابن خُثَيْم ، ولا نعلمه على ـ [كذا في «الأصل» ولعلها: «عن»] ـ جابرٍ إلا بهذا الإسناد»أهـ

يعني: بهذا الطول المشار إليه سابقًا.

وفي لفظ الحديث: «رسالة ربي» وعند بعضهم: «رسالات ربي» بالجمع ، ولم يذكر «الكلام» في هذا الوجه.

الثالث: رواه سفيان ، عن جابر وداود ، عن الشعبي ، عن جابرٍ بلفظ: قال رسول الله r للنقباء من الأنصار: «تأووني وتمنعوني؟» قالوا: نعم ، قالوا: فما لنا؟ قال: «الجنة».

رواه أبو يعلى (3/405رقم1887) ، والبزار (1755/ كشف الأستار).

وقال البزار: «لا نعلمه يُرْوَى عن الشعبي عن جابر إلا بهذا الإسناد»أهـ

والحديث ثابتٌ صحيح من طريقه الأول ، وبلفظه الأول.

وقد احتج به أهل السنة والجماعة y على الجهمية في إثبات أن القرآن كلام الله U غير مخلوق.

وممَّن احتج به من أهل السنة: عثمان بن سعيد الدارمي في «الرد على الجهمية» (ص/74) ، والإمام أحمد في «رسالته التي بعث بها إلى عبيد الله بن يحيى» وقد رواها عنه ولداه: عبد الله في «السنة» (1/134ـ فما بعد ، ط: القحطاني) ، و صالح في «مسائله» (2/419ـ فما بعد ، ط: الهند).

وكذا احتجَّ به البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص/40) ، وغيرهم من أهل السنة والجماعة y.

كما احتجَّ به من وافَقَ أهل السنة على مذهبهم في القرآن من الفِرَقِ الأخرى؛ كالأشاعرة؛ ومنهم: البيهقي في «الشُّعب» (168).

([11]) رواه ابن الجوزي في «فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن» (ص/39ـ40 ، بتحقيقي ـ ط: مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت) من طريق محمد بن عيسى بن سلام الأدمي [كذا في «الفنون» ، والذي في «اللآليء» للسيوطي (1/6): «أبو بكر بن محمد بن عيسى بن سلام الأدمي»؛ كذا ، ولم أظفر به في «أبي بكر» أو «محمد»] ، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد ربه الخواص ، قال: حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن أبي الدرداء به.

وعزاه السيوطي في «اللآليء» (1/6) لأبي القاسم بن بشران في «أماليه» من رواية محمد بن الحسين بن حميد ، حدثنا أبو بكر بن محمد بن عيسى بن سلام الآدمي ..... به.

قال الذهبي في «زان» (2/658 رقم 5223) في ترجمة «عبد الملك بن عبد ربِّه»: «منكر الحديث ، وله عن الوليد بن مسلم خَبَرٌ موضوعٌ»أهـ

وقال السيوطي في «اللآليء»: «فما رأيت لهذا الحديث من طبٍّ»أهـ

ورواه ابن بطة في «الإبانة» (1/284ـ285رقم51/ الرد على الجهمية) ، والخطيب في «المتفق والمفترق» والشِّيرازي في «الألقاب» ـ كما في «اللآليء» (1/5) ـ من رواية أحمد بن إبراهيم النقلبي ، حدثنا الوليد .... به.

وقال الخطيب: «حسان لم يدرك أبا الدرداء ، وأحمد بن إبراهيم مجهول» أهـ

ورواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» ـ كما في «لسان الميزان» و«اللآليء» ـ من رواية محمد بن هارون ، حدثنا أبو نصر منصور بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك القزويني ، حدثنا أبو سليمان: داود بن سليمان ، حدثنا الوليد بن مسلم .... به.

قال أبو نصر ـ وهو القزويني المذكور ـ: «وكان أحمد بن حنبل يقول لأصحاب الحديث: اذهبوا إلى أبي سليمان فاسمعوا منه حديث الوليد بن مسلم؛ فإنه لم يروه غيره ، وأبو سليمان عندنا ثقة مأمون»أهـ

قال الذهبي في ترجمة «القزويني» من «الميزان» (4/183 رقم 8769): «منصور بن إبراهيم القزويني: لا شيء ، سَمِعَ منه أبو علي بن هارون بمصر حديثًا باطلاً» .

قال ابن حجر في «اللسان» (7/151 رقم8669): «والحديث الذي أشار إليه المؤلف ـ [يعني: الذهبي] ـ: أورده ابن عساكر في ترجمة أبي علي بن هارون ...». فذكر الحديث.

ورواه الخطيب البغدادي في «تاريخه» (9/334) بإسناد آخر ، من رواية صدقة بن هبيرة ، قيل له: حدَّثَكَ يوسف بن يعقوب المعدل ، حدثنا حفص بن إبراهيم ، حدثنا إبراهيم بن العلاء الإسكندراني ، عن بقية بن الوليد ، عن ثور بن يزيد ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن أبي أمامة - [كذا] - مرفوعًا بلفظ: «من مات وهو يقول القرآن مخلوق؛ لَقِيَ الله يوم القيامة ووجهه إلى قفاه».

وقال الخطيب: «مَن بين ابن هبيرة وبقية لا يُعْرف ، وثور بن يزيد لم يدرك أم الدرداء»أهـ

وذكره ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/154 رقم 236 ـ تحقيق: د. نور الدين بن شكري ، ط: أضواء السلف) من طريق الخطيب بإسناده ، وسقط ذِكْر «أبي أمامة» من كتاب ابن الجوزي.

ونقل ابن الجوزي كلام الخطيب ثم قال: «وقد ذكرنا أن بقية كان يروي عن المجهولين والضعفاء ، وربما أسقط ذِكَْرهم وذَِكَْرَ مَن رَوَوْا له عنه» أهـ

وقال الذهبي في «الميزان»: «إبراهيم بن العلاء الإسكندراني  عن بقية وعنه حفص بن إبراهيم هو والراوي عنه مجهولان قاله الخطيب» وقال في ترجمة: «حفص بن إبراهيم عن إبراهيم بن العلاء الإسكندراني  عن بقية وعنه يوسف بن يعقوب المعدل قال الخطيب ثلاثتهم مجهولون».

ولم يزد عليه ابن حجر في «اللسان».

انظر:  «لسان الميزان» (1/84) (2/320).

قال البيهقي في «الأسماء والصفات» (ص/239): «ونقل إلينا عن أبي الدرداء t مرفوعًا: (القرآن كلام الله غير مخلوق) ، ورُوِيَ ذلك أيضا عن معاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله y مرفوعًا ، ولا يصح شيءٌ من ذلك ، أسانيده مظلمة ، لا ينبغي أن يحتج بشيء منها ، ولا أن يُسْتَشْهَدَ بشيء منها»أهـ

وهذه الموضوعات مجموعة عند ابن الجوزي في «الموضوعات» والسيوطي في «اللآليء» ، وغيرهما ، وروى الخطيب في «تاريخه» بعضًا منها.

وقال الشوكاني: «موضوع» .

انظر: «الفوائد المجموعة» له (ص/313 رقم984 بتحقيق العلامة المعلمي اليماني رحمه الله).

([12]) جزء من حديث «الإفك» الطويل.

وقد رواه البخاري (4141/ وغير موضع) ، ومسلم (2770).

([13]) «فنون الأفنان» لابن الجوزي (ص/42 فما بعد).

([14]) رواه عبد الله بن أحمد في «السنة» (1/143 ـ 144 رقم166) ومن طريقه البيهقي في «الاعتقاد» (ص/102) و«الأسماء والصفات» (ص/239 ـ 240) وقال في الأخير منهما: «وهذا إسنادٌ صحيح».

والأثر رواه أيضًا: ابن خزيمة في «التوحيد» (1/404 ـ 405 رقم237).

وعَلَّقَهُ البخاري في «خَلْق أفعال العباد» (ص/41) بدون إسناد.

والقصة عند الترمذي (3191 ـ 3194) من غير وجهٍ بدون موضع الشاهد.

([15]) أخرجه أحمد في «الزهد» (ص/35) ، وابنه عبد الله في «السنة»» (1/144-145 رقم117-118) ، وعثمان بن سعيد في «الرد على الجهمية» (ص/78) ، وأبو محمدٍ الدارمي في «السنن» (2/440-441) ، والآجري في «الشريعة» (ص/76-77) ، والبيهقي في «الاعتقاد» (ص/104) وفي «الأسماء والصفات» (ص/242-243).

([16]) أخرجه البيهقي في «الاعتقاد» (ص/105) وفي «الأسماء والصفات» (ص/243) من رواية أبي عمر بن أيوب الصريفيني ، ثنا سفيان بن عيينة ، ثنا إسرائيل أبو موسى ، قال: سمعتُ الحسنَ يقول: قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان... فذكره.

وهو في «السنة» لعبد الله بن أحمد (1/147 رقم122) حدثني أبو معمر ، حدثنا سفيان قال: قال عثمان بن عفان t.. فذكره بإسقاط مَنْ بين سفيان وعثمان ، ولعلَّ سفيان بن عيينة كان يُحَدِّثْ به مرةً مُسندًا ، ومرةً يذكره عن عثمان t بلا إسنادٍ؛ والله أعلم.

والحسن لم يسمع مِنْ عثمان على كلِّ حالٍ.

انظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص/31 رقم54 – ط: الرسالة) ، و«جامع التحصيل» للعلائي (ص/195 رقم135).

([17]) رواه ابن أبي حاتم ـ ومن طريقه البيهقي في «الأسماء والصفات» (ص/243) واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (2/229 رقم372) ـ قال: حدثنا محمد بن حجاج الحضرمي المصري ، قال حدثنا مُعَلَّى بن الوليد بن عبد العزيز بن القعقاع العبسي ، قال: حدثنا عتبة بن السَّكَن الفزاري ، قال: حدثنا الفرج بن يزيد الكلاعي ، قال: قالوا لعليٍّ يوم صِفِّين: حكمتَ كافرًا أو منافقًا؟ قال: «ما حَكَّمْتُ مخلوقًا؛ ما حكَّمْتُ إلا القرآن».

وهذا إسنادٌ مسلسلٌ بالمجاهيل ، وعُتْبة بن السَّكَن الفزاري قال الدارقطني: متروكٌ ، وقال البيهقي: واهٍ منسوبٌ إلى الوضع ، وذَكَرَهُ ابنُ حبان في «الثقات» فقال: يُخطئ ويُخالِف ، وقال البزار: رَوَى عن الأوزاعي أحاديث لم يُتَابَع عليها.

وهو من رجال «لسان الميزان» (5/130 رقم5562).

والمُعَلَّى القيسي قال ابن حبان: ربما أغرب.

وهو من رجال «لسان الميزان» أيضًا (7/125 رقم8595).

ورواه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (2/228 ـ 229 رقم370 ـ 371) ، وابن بطة في «الإبانة» (2/38 ـ 39 رقم231/ الرد على الجهمية) من رواية عَمْرو بن جُمَيْع ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباسٍ قال: لمَّا حَكَّمَ عليٌّ الحكَمَيْن قالتْ له الخوارج: حكَّمْتَ رجلين؟ قال: ما حكَّمْتُ مخلوقًا؛ إنما حَكَّمْتُ القرآن».

وعمرو بن جميع: كذَّبه ابنُ معين ، وقال البخاري: منكر الحديث ، وتركه النسائي والدارقطني وجماعةٌ ، وقال أبو نعيم: يروي عن هشام بن عروة المناكير ، وقال الحاكم: روى عن هشام بن عروة وغيره أحاديث موضوعة ، وقال ابن عدي: كان يُتَّهَم بالوضع. وقال النَّقّاش: وأحاديثه موضوعه.

انظر: «لسان الميزان» (5/347 ـ 348 رقم6337).

قال البيهقي في «الأسماء والصفات» (ص/243): «هذه الحكاية عن عليٍّ t شائعةٌ فيما بين أهل العلم ، ولا أراها شاعتْ إلا عن أصلٍ؛ والله أعلم»أهـ

وروى اللالكائي (2/229-230 رقم373-374) مِنْ طريق أحمد بن عثمان بن يحيى ، وأحمد بن عبد الله بن خالد ، كلاهما عن عبد الكريم بن الهيثم ، قال: حدثنا علي بن صالح الأنماطي ، قال: حدثنا يوسف بن عدي ، عن محبوب بن محرز ، عن الأعمش ، عن إبراهيم بن يزيد التيمي ، عن الحارث بن سويد ، قال: قال عليٌّ.... فذكر كلامًا آخر لعليٍّ t ، وفيه قول عليٍّ في القرآن: «ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ؛ ولكنه كلام الله ، منه بدأَ ، وإليه يعود»أهـ

وأحمد بن عبد الله بن خالد: هو الجوباري المتهم بالكذب وَوَضْعِ الحديث ، نسأل الله السلامة.

وهو من رجال «اللسان» (1/293 رقم620).

لكن تابعه أحمد بن عثمان بن يحيى ، وهو أبو الحسين البغدادي ، المقرئ ، العَطَشي ، البزاز ، المعروف بالأدمي ، ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» (4/299) ، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (5/11) ، وقال البرقاني: «ثقة» ، وقال الخطيب: «وكان ثقةً حسن الحديث».

وشيخهما: عبد الكريم بن الهيثم: هو القطان العاقولي ، مِن أصحاب الإمام أحمد ، وله ترجمة في «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (1/216 رقم284) قال فيها: «وكان ثقةً ثبتًا» ، ونقل عن أبي بكر الخلال قوله: «جليل القَدْر».

وذَكَرَهُ الضياء في إسناد حديثٍ مِن «المختارة» (1015) قال عقبه: «إسناده لا بأس به».

وذَكَرَهُ ابنُ حبان في «الثقات» (8/423).

والأنماطي: قال الذهبيُّ في «الميزان»: «لا يُعْرَف». وتعقَّبه ابنُ حجرٍ في «اللسان» (5/232 رقم5920) بقوله: «وفي ثقات ابن حبان – [8/470-471] -: علي بن صالحٍ ، يروي عن عبد الله بن إدريس ، روى عنه أهلُ العراق ، مستقيم الحديث. فهو هذا بلا شكٍّ؛ فينبغي التثبُّتْ في الذين يُضعفهم المؤلف – [يعني: الذهبي] - مِن قِبَلِهِ»أهـ

ويوسف بن عديٍّ: هو الكوفي ، مِن رجال «التهذيب» ، وثَّقَهُ أبو زرعة وغيره ، وهو مِن رجال البخاري.

ومحبوب: فيه ضعفٌ ، ومَن فوقه ثقات ، مِن رجال الشيخين.

وإبراهيم عن الحارث عن عليٍّ: مِن أصحِّ الأسانيد.

وهذا أصح الأسانيد في هذا الباب عن عليٍّ t على ما فيه مِنْ طعنٍ؛ والله أعلم.

([18]) رواه اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (2/216 ـ 217 رقم354) من رواية سفيان بن عُيينة ، عن محمد بن سوقة ، عن مكحول ، عن ابن عباسٍ ، به.

ومكحول لم يسمع من ابن عباس.

ورواه اللالكائي (2/217 رقم355) ، والآجُرِّيّ في «الشريعة» (ص/77) ، وابن بطَّة في «الإِبانة» (1/288 رقم56 – الرد على الجهمية) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص/241-242) ، من رواية عبد الله بن صالح ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن عليِّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس.

 وسقط ذِكْر «معاوية» من مطبوع كتاب اللالكائي؛ فلْيُسْتَدْرَك.

ورواه ابن بطة أيضًا (1/289 رقم57) من رواية ابن وهبٍ ، حدثنا معاوية بن صالح ، بإسناده.

وعلَّقَهُ البغويُّ في «شرح السنة» (1/183) قال: «ورُوِيَ عن ابن عباس... » فذَكَرَهُ.

قال الآجريُّ (ص/78): «وقال حموية بن يونس: بلغ أحمد بن حنبل هذا الحديث؛ فكتب إلى جعفر بن محمد بن فُضَيْل يكتب إليه بإجازته ، فكتبَ إليه بإجازتهِ ، فسُرَّ أحمد بهذا الحديث».

وذكر ابن بطة نحو هذا الحكاية (1/290 رقم58) وعنده: «فَسُّرَّ أحمد بهذا الحديث ، وقال: كيف فاتني عن عبد الله بن صالح هذا الحديث»أهـ

وقد اعتمدَ البخاريُّ على صحيفة عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عباس؛ كما ذَكَرَ ابنُ حجرٍ والسيوطيُّ.

وعلى بن أبي طلحة لم يسمع مِن ابن عباس.

لكن ذكَرَ المزِّيُّ أنَّ الواسطة بينهما: هو «مجاهد».

قال ابنُ حجرٍ: «بعد أنْ عُرِفَت الواسطة ، وهو ثقة ، فلا ضَيْرَ مِن ذلك».

بينما ذهب القاضي الشيخ أحمد بن محمد شاكر رحمه الله ، والشيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله إلى ضعف رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس؛ لانقطاعها.

انظر: تعليق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على «تفسير الطبري رحمه الله» (2/527-528) ، وحاشية الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله على «تفسير القرآن العظيم» لابن كثيرٍ رحمه الله (2/55-56 ، ط: دار ابن الجوزي).

والذي يظهر أَنَّ مثل هذه الصحيفة لا يُعَامَلُ مُعاملَة الرِّوايات المُجَرَّدَّة؛ ما لم تأْتِ بمنْكرٍ؛ ولذا اعتمد عليها البخاريُّ رحمه الله؛ والله أعلم.

وقد ورد هذا المعنى عن ابن عباسٍ مِن وجهٍ آخر.

فرواه اللالكائي (2/230-231 رقم375-376) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص/242) مِن رواية علي بن عاصم ، عن عِمْران بن حُدَيْر ، عن عكرمة قال: «كان ابن عباسٍ في جنازة؛ فلما وُضِعَ الميتُ في لحده قام رجلٌ فقال: اللهم ربّ القرآن اغفر له. فَوَثَبَ إليه ابنُ عباس فقال: مَهْ؟! القرآن منه». وفي لفظٍ: «القرآن كلام الله ليس بمربوب ، منه بدأَ ، وإليه يعود».

وعليُّ بن عاصم واهٍ ، وقال ابنُ معينٍ في روايةٍ: ليس بثقة.

وراجع ترجمته مِن «تهذيب الكمال» (20/504-520) مع التعليق عليه.

([19]) رواه عبد الله بن أحمد في «السنة» (1/152-153 رقم135-136) ، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (2/236-237 رقم387-389) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص/246) موصولاً.

وعلَّقَه البيهقي في «الاعتقاد» (ص/107).

([20]) رواه البخاري في «خَلْق أفعال العباد» (ص/29) ، وابن بطة في «الإبانة» (2/6 – 8 رقم183 – 184) ، واللالكائي (2/234 – 235 رقم381 – 385) ، والبيهقي في «الأسماء» (ص/245) و«الاعتقاد» (ص/105) و«السنن الكبرى» (10/43).

وراجع أيضًا: «خَلْق أفعال العباد» للبخاري (ص/33).

وفي بعض الروايات: «سمعت» بدلاً من «أدركت» ، وفي رواية لابن بطة: «جالست» ، وفي كثيرٍ من الروايات عن عمرو: «أدركت أصحاب النبي r» ، وفي بعض الروايات عنه: «أركت مشيختنا».

قال البيهقي في «الاعتقاد»: «هكذا وقعت هذه الحكاية في (تاريخ البخاري) ، عن الحكم بن محمد ، عن سفيان: (أدركت) ، ورواه غير سفيان ، عن عمرو أنه قال: (سمعت) ، وكذلك رواه الحميدي وغيره عن سفيان عن عمرو أنه قال: (أدركت).

ومشايخ عمرو بن دينار جماعة مِن الصحابة ، ثم أكابر التابعين ، فهو حكاية إجماعٍ منهم»أهـ

ونقل البيهقي في «الأسماء» (ص/245) عن إسحاق بن راهويه أنه قال: «وقد أدرك عمرو بن دينار أَجِلَّة أصحاب رسول الله r من البدريين والمهاجرين والأنصار؛ مثل: جابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري ، وعبد الله بن عَمْرو ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزُّبير y ، وأَجِلَّة التابعين رحمة الله عليهم ، وعلى هذا مضى صدر هذه الأمة لم يختلفوا في ذلك»أهـ

ونقل اللالكائي عن محمد بن عمار بن الحارث قوله: «ومَنْ مشيخة عمرو إلا أصحاب رسول الله r: ابن عباس وجابر؟ وذكر جماعة».

قال اللالكائي: «فقد لَقِيَ عمرو بن دينار مَن تقدَّم ذِكْرهم من الصحابة ، ومَن جالس مِن التابعين ولقيهم وأخذ عنهم مِن علماء مكة مِنْ عِلْيَةِ التابعين: عُبَيْد بن عُمَيْر ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسعيد بن جُبَيْر ، وعِكرمة ، وجابر بن زيد ، فهؤلاء أصحاب ابن عباس»أهـ

[21]  انظر: ((الفقه الأكبر)) (ص/301) ، و((الروض الأزهر)) (ص/66 ـ 109).

وقال الإمام الطحاوي الحنفي رحمه الله تعالى في عقيدته (ص/24): ((ليس بمخلوقٍ ككلام البريَّة ، فمَنْ سمعه فزعمَ أنَّه كلام البشر فقد كفر))أهـ

وقال الإمام الطحاوي أيضًا في إبطال الكلام النفسي: ((القرآن كلام الله ، منه بدأ بلا كيفية قولاً ، وأَنْزَلَهُ على رسوله وحيًا ، وصدَّقَه المؤمنون على ذلك حقًّا ، وأيقنوا أنَّهُ كلامُ الله تعالى على الحقيقة)).

([22]) رواه ابن بطة في «الإبانة» (2/52 رقم251) ، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (2/249 رقم412) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص/247).

([23]) زاد اللالكائي في روايته هنا: «قال: إنما أحكي كلامًا سمعته. قال: لم أسمعه من أحدٍ إنما سمعتُه منك».

([24]) عند اللالكائي: «قال أبو محمد ـ [وهو يحيى بن خلف] ـ فغلظ ذلك عليَّ؛ فقدمتُ مصر؛ فلقيتُ الليث بن سعد».

وهو الصواب؛ لأنَّ الليث من علماء مصر ، وذِكْر «البصرة» هنا خطأٌ؛ لعلَّهُ من نُسَّاخِ كتاب ابن بطة ، ويؤيد ذلك ذِكْر ابن لهيعة ، وهو مصريٌّ أيضًا؛ والله أعلم.

([25]) وعند اللالكائي: «فلقيتُ عبدَ الله بن إدريس ، وأبا أسامة ، وعَبْدَة بن سليمان الكلابي ، ويحيى بن زكريا ، ووكيعًا؛ فحكيتُ لهم. فقالوا: كافر».

([26]) مِن أول هنا مِن زيادات ابن بطة على اللالكائي والبيهقي.

وقد ساق البيهقي الرواية السابقة عن ابن بطة واللالكائي باختصارٍ عنهما؛ والله الموفِّق.

([27]) «مسائل الإمام أحمد رحمه الله» برواية ابنه صالح (2/397-398 رقم1072 ، ط: الهند).

([28]) «السنة» لعبد الله بن أحمد (1/107 رقم110) ، و«الشريعة» للآجُرِّيِّ (ص/79 – ط: الفقي) ، و«الإبانة» لابن بطة (2/70 – 71 رقم293 ، الرد على الجهمية).

وخشيتُ أن تكون إحدى الروايتين مُصَحَّفَة عن الأخرى؛ لاقتراب «يتوب» مع «يموت» في الشَّبَه؛ والله أعلم.

لكن وجدتُه عند اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (2/314 – 315 رقم496 – 500) بلفظ: «يُقْتَلُ ولا يُسْتَتَاب».

وفي لفظٍ: «يُحْبَسُ حتى يُعْلَم منه توبة».

وفي لفظٍ: «قال مالكٌ: ويلك يا عبد الله! مَنْ سألكَ عن هذه المسألة؟ قلت: رجلان ما أعرفهما. قال: اطلبهما فجئني بهما – أو بأحدهما – حتى أركب إلى الأمير فآمره بقتلهما أو حبسهما أو نفيهما»أهـ

وهذا يدلّ على صحَّة الروايتين السابقتين باللَّفْظَيْن السابقين. والله أعلم.

([29])«الشريعة» للآجري (ص/79) ، و«الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية – الرد على الجهمية» لابن بطة (2/38 رقم230) ، و«شرح أصول الاعتقاد» لأبي القاسم اللالكائي (2/249 رقم410).

([30])«السنة» لعبد الله بن أحمد (1/156 رقم145).

([31])«شرح أصول اعتقاد أهل السنة» لأبي القاسم اللالكائي (2/314 رقم495).

([32])«الإبانة» لابن بطة (2/47 – 48 رقم241 – الرد على الجهمية) ، و«شرح أصول الاعتقاد» لأبي القاسم اللالكائي (2/251 رقم414) ، و«الأسماء والصفات» للبيهقي (ص/248).

([33]) رواه ابن بطة في «الإبانة» (2/13 – 14 رقم196- الرد على الجهمية) من رواية عبد الله بن هارون ، قال: سمعتُ محمد بن موسى... به.

وعبد الله بن هارون: هو أبو علقمة الفَرْوي الصغير ، له ترجمة في «كنى التهذيب» ، وهو متروك الحديث كما قال الدارقطني. وقال أبو أحمد الحاكم: منكر الحديث.

وراجع بقية أقوالهم فيه: في «تهذيب التهذيب» لابن حجر (12/172 – 173).

وقد ثَبَتَ ذلك عن الإمام مالكٍ من الوجوه السابقة ، والحمد لله تعالى.

([34]) وانظر للشافعي ومذهبه: «الشريعة» للآجري (ص/81 – 82) ، و«الإبانة» لابن بطة (2/51 – 52 رقم249 – 250) ، و«شرح أصول الاعتقاد» لأبي القاسم اللالكائي (2/252 – 255 رقم418 – 425) ، و«الأسماء والصفات» (ص/251 – 252 ، 257 – 258) و«الاعتقاد» (ص/108 – 109) و«السنن الكبرى» (10/43) للبيهقي.

([35]) ذكر ابنُ أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (1/131 – 132 رقم163): «الحسنَ بنَ ثواب» ونقلَ عن الخلال قوله: «كان هذا شيخًا جليل القَدْرِ ، وكان له بأبي عبدِ الله أُنْسٌ شديد».

وأوْرَدَ ابنُ أبي يعلى عن ابن ثواب مِن مسائله للإمام أحمد رحمه الله: «قلتُ: هؤلاء الذين يقولون: القرآن مخلوق؟ قال – [الإمام أحمد] -: كفار بالله العظيم.

قلت: فابن أبي دؤاد؟ قال: كافرٌ بالله»أهـ

لكن روى اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (2/263 رقم450) مِن رواية أبي القاسم الحسن بن محمد بن إدريس ، قال: حدثنا الحسن بن أيوب ، قال: سألت أحمد بن حنبل رحمه الله: ما تقول في القرآن؟ قال: كلام الله غير مخلوق.

قال: قلتُ: ما تقول فيمن قال: مخلوق؟ قال: كافرٌ... »أهـ

وهذا مطابقٌ لما ذكره ابن الجوزي من رواية «الحسن بن ثواب» عن الإمام أحمد رحمه الله.

وأما «الحسن بن أيوب» فهو من أصحاب الإمام أحمد أيضًا ، وقد ذكره ابنُ أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» (1/131 رقم161) وقال: «روى عن إمامنا أشياء».

ويظهر أنه لم يشْتَهِرْ بالرواية عن الإمام أحمد شُهْرَةَ ابنِ ثواب ، و«ثواب» و«أيوب» قريبان في الشَّبَه من حيثُ الخطِّ والرسم ، فهل اشتركا في رواية ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله؟ أم صُحِّفتْ إحداهما مِن الأخرى؛ لاقتراب الشَّبه بينهما في الرسم؟ الظاهر الأول ما لم تَقُمْ بيِّنةٌ على خلافه؛ والله أعلم.

([36]) رواه الخلال في «السنة» (5/137 – 139 رقم1804) ، وابن بطة في «الإبانة» (1/291 – 293 رقم 61 – الرد على الجهمية).

([37])«فنون الأفنان» لابن الجوزي (ص/50 – 51).

([38]) يعني الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

([39]) «السنة» لعبد الله (1/103 رقم3 ـ تحقيق: القحطاني ، ط: رمادي للنشر).

([40]) المصدر السابق (1/132 رقم79 – 80).

([41]) انظر على سبيل المثال: في الجزء الأول فقط مِن «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (1/21 ، 29 ، 46 ، 47 ، 62 ، 75 ، 76 ، 94 ، 95 ، 101 – 102 ، 103 ، 111 ، 115 ، 119 ، 120 – 121 ، 130 ، 132 وفيه كَفَّرَ ابن أبي دؤاد ، 142 ، 144 ، 149 ، 156 ، 157 ، 164 ، 170 ، 172 ، 173 ، 202 ، 212 ، 229 ، 242 ، 250 – 251 ، 257 ، 270 – 271 ، 278 – 279 ، 286 ، 288 ، 290 ، 295 ، 299 ، 324 ، 326 ، 328 ، 330 ، 331 ، 335 ، 340 ، 342 – 343 ، 396 ، 397 ، 398 ، 401 ، 412 ، 414).

([42]) «مسائل صالحٍ عنه» (2/419 ـ 430 رقم1104) و«سيرة الإمام أحمد» لصالحٍ أيضًا (ص/116) ، و«السنة» لعبد الله (1/134 رقم84 ـ فما بعد) ، و«الحلية» لأبي نعيم (9/216).

وراجع أيضًا: «السنة» لابنه عبدِ الله ، وكذا: «السنة» للخلال (5/125 ـ فما بعد) ، و«مناقب أحمد» لابن الجوزي (ص/206 ـ 209 ، فما بعد/ تحقيق: د. التركي ، ط: هجر) ، وكذا: كتب الاعتقاد الأخرى المذكورة هنا في التعليق على هذا الباب.

([43]) من زيادات عبد الله على أخيه صالح.

([44]) من زيادات عبد الله على صالحٍ.

([45]) وقع في «الحلية»: «بأمر» بدلاً من «من أمر».

([46]) من زيادت عبد الله وأبي نعيم.

([47]) من زيادات عبد الله.

([48]) من زيادات عبد الله.

([49]) كذا في «السيرة» لصالح و«الحلية» لأبي نعيم ، والذي في «المسائل» لصالح و«السنة» لعبد الله: «المحابس» بالمهملة والموحدة.

 ([50]) وقع في « المسائل » لصالحٍ: «أمير» بدون  الموحدة ، والمثبت من المصادر الباقية.

([51]) من زيادات عبد الله.

([52]) من زيادات عبد الله.

([53]) في «الحلية»: «بيته» بالموحدة بدلا من النون.

([54]) هكذا ورد الترحُّم على ابن عباسٍ في «السيرة» ، وفي غيرها: «رضي الله عنهما».

([55]) عند عبد الله: «فزجرني» ، وفي «الحلية»: «فنهرني»  والمعنى واحد.

([56]) من زيادات عبد الله.

([57]) من عند عبد الله وأبي نعيم.

([58]) من زيادات عبد الله وأبي نعيم.

[59]) ) في«الحلية»: «يا هذا».

([60]) من عند عبد الله ، وعند أبي نعيم: «تعالى».

([61])في «الحلية »: «وقال».

([62]) وقع في «الحلية»: «مبتلى».

([63]) في «الحلية»: «يكلمه».

([64]) في «المسائل»: «أصبعك» بالإفراد.

([65]) من عبد الله وأبي نعيم.

([66]) من زيادات عبد الله.

([67]) عند عبد الله وأبي نعيم: «ذلك لذكرتها».

([68]) من عبد الله ، وعند أبي نعيم: «تعالى».

([69]) من عند أبي نعيم ، وسقط ذِكْرُ هذه الآية الآتية من كتاب عبد الله.

([70]) هكذا وردتْ صيغة الترحُّم على الصحابة.

([71]) من «الحلية» لأبي نعيم.

([72]) «عقائد الثلاث والسبعين فرقة» لأبي محمدٍ التيمي (الموضع الآتي ذِكْره قريبًا).

([73]) «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (1/13).

([74]) المصدر السابق (1/17).

([75]) يعني: الميموني رحمه الله.

([76]) وهو علي بن المديني رحمه الله.

([77]) «مجموع الفتاوى» (12/358).

([78]) «فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن» ابن الجوزي (ص/53 ـ فما بعد ، بتحقيقي).

([79]) راجع: «شرح أصول اعتقاد أهل السنة»لأبي القاسم اللالكائي (2/227 ـ 233).

([80]) راجع: «شرح أصول الاعتقاد» لأبي القاسم اللالكائي (2/234 ـ فما بعد).

([81]) كذا وقع في كتاب ابن الجوزي ، ولم أُنَبِّه عليه في تحقيقي له ، والظاهر أَنَّ المراد: عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحزامي ، مولاهم ، أبو بكرٍ المدني.

وليس المراد: ابن أبي شيبة عبد الله بن محمد صاحب الْمُصَنَّفِ المشهور ، وكلاهما من رجال «التهذيب».

لكن لم أَرَ في نَسَبِ الأول زيادة لفظة «أبي» في «أبي شيبة» والذي فيه «شيبة» بدون «أبي»؛ فلعل ذلك مِن ناسخ كتاب ابن الجوزي اختلط عليه بصاحب الْمُصَنَّفِ؛ والله أعلم.

وسيأتي ذِكْر عبد الله بن أبي شيبة صاحب المُصَنَّف أثناء أهل الكوفة.

فيُسْتَدْرَك ذلك في حاشية كتاب ابن الجوزي: «فنون الأفنان» ، ولا أدري كيف مَرَّ عليَّ التنبيه على هذا أثناء تحقيقي لكتاب ابن الجوزي رحمه الله ، فأستغفر الله وأتوب إليه ، ورَحِمَ الله رجلاً رأى ذلك فأَصْلَحَهُ مِنْ هنا.

([82]) وقع في المطبوع مِن «فنون الأفنان»: «رحمويه» بالراء المهملة ، فتُعْجم بالزاي أخت الراء.

([83]) لم يَتَحَوَّل ابن المديني عن قول أهل السنة أصلاً؛ وإنما أجاب خوفًا مِن السَّيْف وفقط ولا حجة في قولِ مُكْرَهٍ؛ والله أعلم.

([84]) وقع في بعض نسخ «كتاب ابن الجوزي»: «بكتاب الله وسنة رسوله».

([85]) وله في ذلك أيضًا نقلٌ مطوَّلٌ أوْرَدَهُ ابنُ عساكر في «تاريخ  دمشق» (52/58 – 60)؛ فراجعه.

وقد نقل البخاري القول بأَنَّ القرآن كلام الله غير مخلوقٍ عن جماعاتٍ مِن السلف رضي الله عنهم.

([86]) «عقيدة أبي حاتم وأبي  زرعة» للحداد (ص/137 فما بعد ـ ط: دار الفرقان).

([87]) «التبصير في معالم الدين» لابن جرير الطبري (ص/201 ـ تحقيق علي بن عبد العزيز الشِّبل ، ط: دار العاصمة).

([88])«التوحيد» لابن خزيمة (1/404 ـ تحقيق: د. عبد العزيز الشهوان ، ط: الرشد).

([89])«العقيدة الطحاوية» (ص/168 ـ مع شرحها ، ط: الألباني رحمه الله).

([90])«الشريعة» (ص/75).

([91]) كذا في الأصل في الموضعين: «وفي المصاحف ، وفي ألواح» ، ولعل المراد في الموضعين: «أو في المصاحف أو في ألواح» ، والمعنى ظاهر على كلَّ حالٍ؛ والله أعلم.

([92]) «كتاب: الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة» (ص/184 ـ 185 ، تحقيق: د. رضا بن نعسان معطي ، ط: المكتبة الفيصلية بمكة المكرمة).

([93])«الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفِرَقِ المذمومة» (الكتاب الثالث: الرد على الجهمية) (1/213 ، ط: دار الراية).

([94]) يعني: المؤمنين.

([95]) كذا في الأصل.

([96]) بحيث استغرق ذلك مِن (1/216) وحتى (2/296) من كتابه هذا.

([97])«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» لأبي القاسم اللالكائي (2/216 ـ تحقيق: الدكتور أحمد سعد حمدان ، ط: دار طيبة).

([98]) السابق (2/224).

([99]) السابق (2/227).

([100]) السابق (2/234).

([101]) السابق (2/241).

([102]) «عقيدة السلف وأصحاب الحديث» للصابوني (1/107 ـ ضمن الرسائل المنيرية).

([103]) «الاعتقاد» للبيهقي (ص/94).

([104]) المصدر السابق (ص/107) ، وطَوَّل البيهقيُّ في بيان ذلك ، ونَقَلَ في ذلك عن الشافعي وغيره؛ فراجعه.

وراجع له أيضًا: «الأسماء والصفات» (ص/181 ـ 276).

([105])«شرح السنة» له (1/186).

([106]) يعني: ظهرت.

([107])«مناقب الإمام أحمد رحمه الله» في «الباب السادس والستين» (ص/416 ، تحقيق: د. التركي).

([108])«عقائد الثلاث والسبعين فرقة» لأبي محمد التيمي رحمه الله (من علماء القرن السادس الهجري) (ص/294 ـ تحقيق: محمد بن عبد الله الغامدي ، ط: مكتبة العلوم والحكم).

([109]) السابق (ص/405 ـ 406).

وانظر منه أيضًا: (ص/602 ـ 605).

([110])«العقيدة الواسطية» بشرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى (2/93)؛ وراجعه.

وبَسَطَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الكلامَ في ذلك في مواضع مِن «درء التعارض» وكذا «الفتاوى» له التي قام على جمعها ابن قاسم.

([111]) «مجموع الفتاوى» (5/83).

([112])«القصيدة النُّونيَّة» لابن القيم (1/102 ـ فما بعد ، تحقيق: الشيخ هراس ، ط: الفاروق للطباعة بالقاهرة) (1/262 ـ فما بعد ، بشرح ابن عيسى ، ط: المكتب الإسلامي).

([113]) وراجع أيضًا:

«الشريعة» للآجري (ص/75 ـ 96 ، ط: الشيخ الفقي رحمه الله).

و «السنة» لعبد الله بن أحمد رحمهما الله (1/101 ـ 179 ، ط: القحطاني).

و«ردّ الدارمي عثمان بن سعيد على المريسي العنيد» (ص/108 ـ 128 ، ط: الفرقان بالقاهرة).

و«السنة» للخلال (5/83 ـ 146 ، ط: دار الراية).

و«الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية» لابن بطة (1/212) وحتى (2/296 ـ الرد على الجهمية ، ط: دار الراية).

و«التوحيد» لابن خزيمة (1/328 ـ 405 ، تحقيق: د. عبد العزيز الشهوان ، ط: الرشد).

و«شرح أصول الاعتقاد» لأبي القاسم اللالكائي (2/316) وحتى (3/385 ، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان ، ط: دار طيبة).

و«التبصير في معالم الدين» لابن جرير الطبري (ص/200 ـ 203 ، تحقيق علي بن عبد العزيز الشِّبل ، ط: دار العاصمة).

و«الاعتقاد» للبيهقي (ص/94 ـ 111 ، تحقيق: أحمد عصام الكاتب ، ط: دار الآفاق الجديدة).

و«الأسماء والصفات» للبيهقي أيضًا (ص/181 ـ 276 ، ط: المركز الإسلامي للكتاب).

و«عقيدة السلف وأصحاب الحديث» لإسماعيل الصابوني (1/107 ـ 109 ، ضمن الرسائل المنيرية).

و«العقيدة الطحاوية» (ص/168 ـ فما بعد ، تخريج الشيخ الألباني رحمه الله ، ط: المكتب الإسلامي).

و«العقيدة الواسطية» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بشرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (2/93 ـ 100 ، ط: دار ابن الجوزي).

وانظر أيضًا: «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي رحمه الله (2/31 ، 32) (4/151 ، 153 ـ 154) (5/175 ، 309) (6/239 ، 271) (7/28 ، 58 ، 62 ـ 65 ، 83 ، 176 ، 295 ، 365) (8/65 ، 203 ، 210 ، 487) (9/88 ، 243) (11/72 ، 135).

وبسطَ ذلك وفصَّلَهُ أيضًا:

الإمام أحمد رحمه الله في رسالته السابقة إلى عُبَيد الله بن يحيى في «القرآن».

وعثمان بن سعيد الدارمي في «الردِّ على الجهمية» (ص/72 ـ 104 ، ط: الفرقان بالقاهرة).

وانظر منه أيضًا: (ص/108 ـ 128).

وأبو بكرٍ النَّجَّاد: أحمد بن سليمان في «الردِّ على مَن يقول القرآن مخلوق» (تحقيق: رضا الله محمد إدريس ، ط: مكتبة الصحابة الإسلامية بالكويت).

وابن قدامة المقدسي في «حكاية المناظرة في القرآن مع بعض أهل البدعة» (تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع ، ط: الرشد).

([114]) وكذا سائر صفات الله U؛ وإنَّما احتاج أهلُ السنة إلى النص على القرآنِ لمواجهة قول أهل البدعة وزيغهم؛ والله أعلم.

([115]) كذا في «الفتاوى» ، والمراد: «الهواء» كما في مواضع مِن «الفتاوى»؛ منها: (12/358).

([116])«مجموع الفتاوى» (3/174).

وانظر منه أيضًا: (12/40).

([117]) يعني: السلف.

([118]) «دقائق التفسير» (2/188) ، و«مجموع الفتاوى» (12/274).

([119]) «الفتاوى» (12/358).

([120]) يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

([121]) الكلام للشيخ الجديع حفظه الله.

([122])«العقيدة السلفية في كلام ربِّ البرية» للشيخ الجُدَيع (ص/177).

([123]) «مجموع الفتاوى» (3/144).

([124]) حديث ضعيف جدًّا ، وله بديل في «الصحيحين»:

رواه الطبراني في «الأوسط» (7574) من حديث ابن مسعودٍ ، وفي إسناده «نهشل بن سعيد» قال الهيثمي في «المجمع» (7/163): «وهو متروك».

والمشهور في هذا عن ابن مسعود: ما رواه الترمذي (2910) من رواية الضحاك بن عثمان ، عن أيوب بن موسى ، قال: سمعتُ محمد بن كعب القُرَظِيَّ قال: سمعتُ عبدَ الله بن مسعودٍ يقول: قال رسولُ الله r: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لا أَقُولُ الم حَرْفٌ ، ولكنْ أَلِفٌ حَرْفٌ ، ولامٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ».

قال الترمذي: «ويُرْوَى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن مسعود ، ورواه أبو الأَحْوَصِ عن ابن مسعود ، رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ ، وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ عن ابن مسعودٍ. قال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ».

وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب t:

رواه ابن عدي في «الكامل» (7/41) عن حمزة الكاتب ، ثنا نعيم بن حماد ، ثنا نوح بن أبى مريم ، عن زيد العَمِّي ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر.

ونوح والعَمِّي لا شيء ، ونعيم صاحب مناكير وأوهام ، ثم اختلف الناسُ في سماع سعيد من عمر ، فالإسناد مسلسلٌ بالعلل ، والحديث ذكره ابن عدي في مناكير نوح ، واتَّهمه الحاكم بوضع حديثٍ طويلٍ في فضائل القرآن؛ والله المستعان.

ويُغْني عنه: حديث عائشةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قال رسولُ الله r: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ».

رواه البخاري (4937) ، ومسلم (798/ والسياق له).

ولا شكَّ أنَّ تجويد القرآن وإعرابه مما يدخل في مهارة القراءة.

رواه البخاري (4937) ، ومسلم (798/ والسياق له).

([125])«مجموع الفتاوى» (3/401ـ402).

وحكى القرطبيُّ في «تفسيره» (1/23) كلامَ أبي بكرٍ وعُمَرَ ، وغيرهما في شأنِ الإعراب؛ فراجعه.

([126])«الفتاوى الإسلامية من دار الإفتاء المصرية» والتي قام على نشرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالاشتراك مع وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية (5/1606 رقم707).

([127]) «مجموع الفتاوى» (3/25-26).

وانظر منه أيضًا: (4/6-7) (6/171-175).

([128]) يعني: الجهمية.

([129])«مجموع الفتاوى» (3/334 ـ 337).

وانظر منه أيضًا: (6/98-101).

([130]) «مجموع الفتاوى» (3/144).

([131])«مجموع الفتاوى» (3/401ـ402).

[132]  انظر: ((الفقه الأكبر)) (ص/301) ، و((الروض الأزهر)) (ص/66 ـ 109).

[133]  في أثناء فصل: ((صفات الله تعالى متعلِّقةٌ بذاته الكريمة لا تُبَاين الذَّات ولا تَنْفَكّ عنها)).

([134]) ((مجموع الفتاوى)) (3/25-26).

وانظر منه أيضًا: (4/6-7) (6/171-175).

([135]) شيخ الإمام مالك بن أنس رحمهما الله ، وهو الملقب بـ «ربيعة الرأي».

([136]) رواه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (665).

وذَكَره ابن القيم رحمه الله تعالى في «اجتماع الجيوش» (1/70) ، وقال في «الصواعق المرسلة» (4/1304): «وَرَوَى الخلال بإسنادٍ كلهم ثقات عن سفيان بن عيينة قال: سُئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله: )الرحمن على العرش استوى( [طه:5]؟ فقال: الاستواء معلومٌ ، والكَيْف غير معقول ، ومن الله الرسالة ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق. وقد روي هذا الكلام عن الإمام مالك من وجوه متعددة».

وانظر: «الفتاوى» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (3/58- 167) (5/40 ، 139) ، و«إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل» لابن جماعة رحمه الله (ص/40).

ورُوِيَ نحو هذا من كلام أمِّ المؤمنين أمِّ سَلَمَة رضي الله عنها في قوله تعالى: )الرحمن على العرش استوى( [طه:5]؛ قالت: «الكَيْفُ غير معقولٍ ، والاستواءُ غير مجهولٍ ، والإقرار به إيمان ، والجحود به كفر». رواه اللالكائي (663) ، والذهبي في «العلو» (رقم/181- ط: أضواء السلف ، تحقيق أشرف عبد المقصود) بإسنادٍ ضعيفٍ ، لكن صحَّحه غير واحدٍ فلعلهم وقفوا له على إسنادٍ آخر ، وإلا فلا يصح من الوجه المذكور عند اللالكائي والذهبي ، وانظر: «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» (ص/674).

([137]) «شرح قصيدة ابن القيم» لابن عيسى (2/15).

([138]) يعني: ما رُوِيَ عن أم سلمة ، وقول ربيعة ومالكٍ.

([139])«ذم التأويل» لابن قدامة (رقم/43-47).

([140])«فتاوى» ابن تيمية (3/25) ، و«التحفة المدنية في العقيدة السلفية» لحمد بن ناصر (ص/48-49).

([141])«الفتاوى» (5/41-42) ، وانظر منه: (5/365).

([142])«ذم التأويل» لابن قدامة (رقم/40).

([143]) في «الجامع» (662).

([144]) وقد رواه البخاري (1410) ، ومسلم (1014).

([145]) وقع في المطبوع من «الجامع» للترمذي: «تَثْبُتُ» ـ كذا؛ فلْيُصْلَحْ.

([146]) يعني: الجهمية قاتلهم الله.

([147]) وهو الإمام ابن راهويه رحمه الله تعالى.

([148]) يعني: تَغَيَّظَ.

([149]) يعني: انكشفَ عنه ما وجده في نفسه من الهم والغيظ عقب سؤال السائل.

([150])«مختصر العلو» (ص/141).

([151]) وهو مشهور عن الإمام مالكٍ ، رواه اللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (664) ، وغيره.

([152]) «مختصر العلو» (ص/141 ـ 142).

([153]) «العقيدة السلفية» للشيخ عبد الله بن يوسف الجديع حفظه الله (ص/58).

([154]) يعني: أحاديث الصفات ونحوها.

([155])«التاريخ الكبير» لابن أبي خيثمة (رقم2736 – بتحقيقي ، ط: الفاروق).

([156]) «التاريخ» لابن أبي خيثمة (رقم/3283 ، 4688) ، و«السنة» للخلال (313) ، و«الصفات» للدارقطني (67) ، و«الشريعة» للآجُرِّي (ص/314) ، و«عقيدة السلف» للصابوني (1/120- ط: المنيرية) ، و«مختصر العلو» (ص/142).

([157]) «السنة» لعبد الله بن أحمد (495).

([158]) «الصفات« للدارقطني (ص/41) ، و«اعتقاد أهل السنة« لأبي القاسم اللالكائي (3/431).

وانظر: «الاعتقاد« للبيهقي (ص/118).

([159])«الصفات» للدارقطني (ص/42).

([160])«شرح أصول اعتقاد أهل السنة» لأبي القاسم اللالكائي (740).

وسيأتي نحو هذا المعنى قريبًا عن أبي عبيد.

([161]) «مختصر العلو» (ص/176).

([162]) السابق.

([163]) «الآداب» لابن أبي حاتم (ص/233) بواسطة حاشية «مختصر العلو» للشيخ الألباني رحمه الله.

([164]) إشارةً إلى حديث ابن مسعودٍ t: «حدثنا رسولُ الله r ، وهو الصادق المصدوق: إِنَّ أحدكم يُجْمَعُ خَلْقه في بطن أمِّه.. » الحديث في الخَلْق والقَدَر وكتابة أعمال الإنسان ، وهو عند البخاري (3208) (3332) (7454) ومسلم (2643) وأصحاب السنن وغيرهم ، وراجع شرحه في «الحديث الرابع» من «الأربعين النووية» مع شرحها: «جامع العلوم» لابن رجبٍ الحنبلي رحمه الله ، وكذا «شرح الأربعين النووية» د. محمد يسري حفظه الله.

([165])«أصول السنة» للإمام أحمد ، رواية عبدوس العطار (ص/37 – فما بعد ، ط: دار السلام) ، و«اعتقاد أهل السنة» لأبي القاسم اللالكائي (1/156).

([166]) يعني: الإمام أحمد رحمه الله.

([167]) يعني: يُهْجَر.

([168])«السنة» للخلال (283).

([169]) «الصفات» للدارقطني (ص/57).

([170]) «سير أعلام النبلاء» للذهبي (8/162).

([171]) «صحيح ابن حبان» (2/504 رقم725).

([172]) كذا وقع في المطبوع من كتاب ابن حبان ، ولعل المراد: «فلم» بالفاء ، أو تكون الواو زائدة في هذا الموضع ، والمعنى  ظاهرٌ مِن السياق على كلِّ حالٍ؛  والله أعلم.

([173]) السابق (3/200-201 رقم920).

([174])«الكلام على الصفات» للخطيب(ص/20فما بعد ـ ط: مكتبة ابن تيمية).

([175]) السابق (ص/24).

[176] يعني: الصفات الإلهية الواردة في الكتاب والسنة.

[177] يعني: كيفية الصفات.

[178]  «الحجة في بيان المحجة» لأبي القاسم الأصبهاني (1/174) وعباراتُه هذه قريبةُ الشبه من العبارات السابقة هنا في كلام الخطيب الذي قبله.

[179] يعني تفويض عِلْم كيفية الصفات لله U على ما سبق مرارًا.

[180] السابق (2/435)

[181] «عقيدة السلف» للإمام أبي عثمان الصابوني (ص/43)

[182] يعني: البحث في كيفيتها.

([183]) يعني: عِلْم كيفيتها.

([184]) المراد بالمعنى هنا أيضًا: البحث في الكيفية.

[185]  «ذم التأويل» لابن قدامة (ص/11).

[186] يعني: من غير بحثٍ في كيفية الصفات.

([187]) يعني: ترك الخوض في البحث عن كيفية الصفات.

[188] «فضل عِِِلْم السلف على الخَلَف» لابن رجبٍ رحمه الله (ص/29).

([189]) في ((مختار الصحاح)) (مادة: بده)): ((بَدَهَهُ أمرٌ: فجأه ، وبابه قطع ، وبَدَهَهُ بأمرٍ إذا استقْبَلَهُ به ، وبَادَهَهُ فاجَأَهُ ، والاسمُ البَدَاهةُ والبَديِهةُ))أهـ

([190]) إشارةً إلى قوله تعالى: {وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].

([191]) ذكر الباقلاني رحمه الله بعض الآية بمعناه ، وبعضها بلفظه ، فذكرت لفظها كله كما في المصحف.

([192]) ((إعجاز القرآن)) للباقلاني (ص/20 – فما بعد).

([193]) وانظر: المصدر السابق (ص/4).

[194] ((الفروع)) لابن مفلحٍ رحمه الله (6/161).

([195]) الغَمْصُ: الاحتقار أو الاستصغار والعَيْب ، تقول: غمص فلانٌ فلانًا؛ إذا احتقره أو عابَه أو استصْغَرَهُ.

([196]) يعني: أنَّه ليس مُعْجِزًا؛ بل يُقْدَرُ على الإتْيان بمثْلِه ، ولا شكَّ في كفر مَن قال ذلك ولو هازِلاً.

([197]) المصدر السابق.

([198]) ((الشفا)) للقاضي عياض (2/250).

([199]) يعني: الشاهدين.

([200]) أَوْرَدَهُ البيهقي في ((السنن الكبرى)) (10/43).

([201]) وهو القابِسي.

([202]) يعني: مَنْ لعَنَ الصبي.

([203]) السابق (2/263-265).

([204]) يعني: إتيانه بقولٍ مُحْدَثٍ لم يُسْبَقْ إليه ، وليس المراد البدعة الاصطلاحية؛ لأنَّ كلام الهالك المذكور هنا كفرٌ لا شكَّ فيه ، وهذا ظاهرٌ مٍن سياق الكلام هنا.

وقد ذكرتُ كلامَ القرطبي ونقله عن ابن الأنباري بأتمِّ ممَّا هنا ، في أثناء فصل: ((الاستهزاء بالقرآن يعني: هدمَ الإِسْلام)).

([205]) ((تفسير القرطبي)) (1/80- 85).

([206]) ((في ظلال القرآن)) (4/2038).

([207]) وقد عُنِيَ علماء المسلمين ببيان هذا الباب؛ لاتِّصاله بأصل الإسلام ، ومبدأ الدين ، وكلامهم في ذلك مشهور للكافةِ ، ولذا سأقتصر هنا على بعض ما يفي بالغرض ، والله الموفِّق.

([208]) انظر: ((معجم مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/91).

([209]) ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب (248 ـ مادة: حكم).

([210]) ((تهذيب اللغة)) للأزهري (4/114).

([211]) ((تفسير ابن كثير)) (1/445).

([212]) يعني: أَقْدَمْنا. والمراد: أننا نُقْدِم إذا نطقتْ نصوصُ الكتاب والسُّنَّة ، ونسكتُ إذا سكتتِ النصوص ، فنحن ندور مع النصوص ، سكوتًا وإِقْدامًا.

([213]) ((اعتقاد أهل السنة)) لأبي القاسم اللالكائي (3/431) ، و((العلو)) للذهبي (ص/150).

وانظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (5/51).

([214]) نقله عنه القاضي عِياض في كتاب «الشفا» (2/265) ، وسيأتي إِنْ شاء الله كلام القاضي عِياض بطوله في هذا الكتاب أثناء ذِكْرِ أَقْوال السابقين في الباب؛ فراجعه.

([215]) «أضواء البيان» للشنقيطي (7/222) ، وسيأتي كلامه هذا بطوله بعد قليل في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

وانظر: «الصواعق المرسلة» لابن القيم رحمه الله (3/906-907 ، ط: دار العاصمة بالرياض).

[216] ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: «الصارم المسلول» والإمام الذهبي رحمه الله في كتابه: «الكبائر».

[217] وانظر: «الصارم المسلول» لابن تيمية رحمه الله (ص/333) ، و«شرح العقيدة الطحاوية» (ص/157)

([218]) كذا في نشرة المكتبة العصرية من «الصارم المسلول» ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد ، وفي نشرة دار ابن حزم: «لم يسقط» بزيادة «لم» – كذا؛ وظاهر السياق يأباها؛ فالله أعلم.

([219]) عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله.

([220]) يعني: عن الإمام مالكٍ رحمه الله.

([221]) رواه البخاري (4974- 4975) من حديث أبي هريرة t ، وله شاهد من حديث ابن عباس عند البخاري أيضًا (4482).

([222]) وقد استطرد شيخ الإسلام هنا في بيان نكتة الفرق في العقوبة بين سب الله وسب الرسول؛ فراجعه.

([223]) كذا السياق ، ولعل المراد: «على الكفر» ، والمعنى ظاهرٌ على كلِّ حالٍ؛ والله أعلم.

([224]) وهذا شاملٌ لمَنْ سبَّ بعض صفاته Y ، كمَنْ سبَّ القرآن الذي هو كلام الله تعالى.

([225])«الصارم المسلول على شاتم الرسول r » (ص/546 – 555 ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد ، ط: المكتبة العصرية) (3/1017 – 1036 ، تحقيق: محمد عبد الله ومحمد كبير أحمد ، ط: دار ابن حزم).

([226]) المصدر السابق (ص/561 – ط: العصرية) (3/1041 – ط: دار ابن حزم).

 وانظر منه أيضًا: (ص/512-525 ، ط: العصرية) (3/955-976 ، ط: دار ابن حزم).

[227] وردت وصية النبيِّ r بكتاب الله U من حديث طلحه بن مُصَرِّفٍ رحمه الله ؛ قال: سألتُ عبد الله بن أبي أَوْفى رضي الله عنهما: هل كان النبيّ r أوصى ؟ ـ [يعني في أمرِ الخلافة بعده r] ـ فقال: لا. فقلتُ: كيف كُتِبَ على الناس الوصيةُ؛ أو أُمِروا بالوصية؟ قال: «أوصى بكتاب الله».

 رواه البخاري (2740) ، ومسلم (1634).

([228]) بالاستهزاء أو غيره.

([229])«مجموع الفتاوى» (7/12).

[230] «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى رحمهما الله (1/13).

([231]) نَقَلَ ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: «الصارم المسلول» ونَصَرَه ، وزادَهُ شرحًا وبيانًا مستفيضًا؛ فليراجع ذلك مطوّلاً عنده.

([232]) وتكملة الآية: )وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا(.

([233]) وتمام الآية: )قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(.

([234]) يعني: مالكًا خازن النار؛ أعاذنا الله منها.

([235]) وهو القاضي عياض.

([236]) يعني: الأنبياء والملائكة.

([237]) «الشفا» للقاضي عياض (2/261 ـ 263).

([238]) إشارةً إلى قوله تعالى: )ذرني ومن خلقت وحيدًا( [المدثر:11].

([239])«مجموع الفتاوى» (12/7-9).

([240])«الصواعق المرسلة» (3/906- 907 ، ط: دار العاصمة بالرياض).

([241]) رواه البخاري (3442 ، 3443) ، ومسلم (2365) من حديث أبي هريرة t.

[242] «مجموع الفتاوى» (3/144)

وانظر منه: (3/144 ، 174 ، 175 ، 401 ـ 404) (12/36 ، 40).

([243]) رواه مسلمٌ (8) من حديث عمر بن الخطاب t.

ورواه البخاري (50) ، ومسلمٌ (10) من حديث أبي هريرة t.

([244])«شرح الطحاوية» (ص/297).

([245])«أضواء البيان» للشنقيطي (7/222).

[246] انظر: «أحكام الرِّدة والمرتدين من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة» د. محمود مزروعة رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر (ص/259).

([247]) وردت وصية النبيِّ r بكتاب الله U من حديث عبد الله بن أبي أَوْفى رضي الله عنهما.

رواه البخاري (2740) ، ومسلم (1634) ، وقد سبق لفظه في هذا الكتاب في «فصل: مَنْ سبَّ القرآن فقد سبَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم».

([248]) يعني الهالك الذي نبغ؛ أي: ظهر في زمان ابن الأنباري.

([249]) وهذا أخف من قول بعض الشيعة القائلين بأنَّ الموجود الآن من المصحف قدر النصف ، ونصفه الباقي سيظهر – في زعمهم – مع رجلٍ ينتظرونه ، ويَرَوْنَهُ المهدي المنتظر ، ولهم في ذلك مزارٌ معروف في إيران ، فما بالك لو أدرك ابن الأنباري ذلك ورآه؟ والله المستعان على هذا الكفر.

وشبيهٌ بهذا الكفر: كفر ذلك الهالك الآخر المنسوب زورًا وبهتانًا إلى الأدب العربي حين زعم تعديل بعض كلمات القرآن واستبدالها بغيرها مِن الألفاظ ، وزعم الهالك أنَّ ما أورده مِن ألفاظٍ أَوْلَى في السياق والتعبير مما ورد في القرآن ، فأعْمى الله قلبه بعد بصره ، وأخذَه غير مأسوفٍ عليه ، وأَخْسَأَ ذِكْره وذِكْراه رغم المحاولات المتكررة لإظهاره ، ومَنْ خفضه الله لا يرفعه إنسانٌ.

([250]) وهذا شبيهٌ بالكفر الآخر المذكور في كلام بعض زنادقة الزمان ، حيث زعم أنَّ القرآن «كلام بشرٍ ، زاد فيه أبو بكرٍ وعُمَر أشياء» ، وزعمَ أنَّ الله تقدَّس وتنزَّه قد نزل إلى الأرض وجَلَسَ مع أبي بكرٍ وعمر ، ورآهم وهم يفعلون ذلك ولم يُنْكِر عليهم ، إلى آخر هذا الكفر والزندقة التي أَهَّلَتْ مثل هذا المارق لنَيْلِ الرِّضى والجائزة مِن أصحابه الكفار.

وتأَمَّل قول الحق I: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ( [المائدة:51] ، والله المستعان.

([251]) يعني: هذا الهالك الذي يحكي ابن الأنباري رحمه الله قوله.

([252]) وهذه بعينها فِكْرَةُ المنسوب زورًا وبهتانًا للأدب العربي ، فانظر يرحمك الله إلى تشابه الكفر ، وتتابع الزنادقة؟!

([253]) وهو ابن الأنباري رحمه الله.

([254]) يعني: إتيانه بقولٍ مُحْدَثٍ لم يُسْبَقْ إليه ، وليس المراد البدعة الاصطلاحية؛ لأنَّ كلام الهالك المذكور هنا كفرٌ لا شكَّ فيه ، وهذا ظاهرٌ مٍن سياق الكلام هنا.

([255]) «تفسير القرطبي» (1/80- 85).

([256]) في أثناء الكلام على مَنْ سبَّ الله Y ، عياذًا بالله I مِن التردِّي والخُذلان.

([257])«تفسير الطبري» (9/320-321 ، تحقيق: آل شاكر).

([258])«تفسير ابن أبي حاتم» (4/1093 رقم 6126-6127).

وكرَّرَ ابنُ أبي حاتم (4/1314-1315 رقم7431) أثرَ التيمي عن أبي وائلٍ والنخعي في تفسير آية الأنعام [68].

([259]) السابق (4/1093-1094 رقم6128-6129).

([260]) وقال ابن الجوزي رحمه الله في «زاد المسير» (2/228): «وفي ماذا تقع المماثلة؟ فيه قولان: أحدهما: في العصيان. والثاني: في الرضي بحالهم؛ لأنَّ مُجَالِس الكافرِ غير كافرٍ»أهـ

وراجع كلام الطبري وغيره المذكور في الآية.

([261]) «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (5/417-418).

ونحوه في «فتح القدير» للشوكاني (1/526-527)؛ وراجعه.

[262]  يعني قوله تعالى : )وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ....( الآية [الأنعام:68].

[263]  «نظم الدرر» للبقاعي (5/438 ـ 439).

[264]  رسالة: «الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك» للشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله.

بواسطة: «التوسط والاقتصاد» للشيخ علوي السقاف حفظه الله (ص/101 - ط: دار ابن القيم بالدمام).

([265]) حديث ضعيف:

   رواه أبو داود (2787) ، والحاكم (2627) ، والطبراني (7023 ، 7024) وفي بعض أسانيده ضعفٌ وفي الأخرى انقطاع في طبقة الضعف فيُخْشى أنْ يعود إلى طريقٍ واحدٍ؛ فلم يصلح تقوية بعض طرقه ببعضٍ.

وانظر له أيضًا: «الميزان» للذهبي و«اللسان» لابن حجر أثناء ترجمة: «مروان بن جعفر السمري» الوارد في بعض أسانيده عند الطبراني.

وانظر في شرحه: «فيض القدير» (6/111-112).

[266] كذا في «الأصل» ، والأصوب أن يقال: «الرّضا بالذَّنب كفِعْله» أو «الرَّاضي بالذَّنب كفاعله» نقلاً عن «حاشية (التوسط)».

 [267] انظر: «سبيل النجاة والفكاك» للشيخ حمد بن علي بن عتيق رحمه الله (ص/54 ـ ط: دار القرآن الكريم ط5 ـ 1400).

بواسطة: «التوسط والاقتصاد» (ص/114 ـ 115 ـ ط: دار ابن القيم بالدمام).

[268] كتاب «الإيمان» د. محمد نعيم ياسين (ص/109- ط: مكتبة الزهراء بالقاهرة).

ومضى نحو بعض كلامه وعباراته في كلام الشيخ سليمان بن عبد الله السابق قريبًا.

[269] قال القرطبي رحمه الله (6/ 224): «قال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: هذه الآية مثل قوله تعالى: )لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض( [المائدة:51] ، و)لا تتخذوا بطانة من دونكم( [آل عمران:118]: تضمَّنَت المنع مِن التأييد والانتصار بالمشركين ونحو ذلك.

ورَوَى جابرٌ: أنَّ النبيَّ r لمَّا أرادَ الخروج إلى أُحُدٍ جاءهُ قومٌ مِن اليهود فقالوا: نسِيرُ معك؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (إنَّا لا نستعين على أمرنا بالمشركين).

وهذا هو الصحيح مِن مذهب الشافعي.

وأبو حنيفة جَوَّزَ الانتصار بهم على المشركين للمسلمين؛ وكتابُ الله تعالى يدلُّ على خلافِ ما قالوه ، مع ما جاء مِن السنة في ذلك؛ والله أعلم»أهـ

وانظر للحديث المذكور:  «صحيح مسلم» (1817) ، وقد رواه مسلمٌ مِن حديث عائشة رضي الله عنها مطوَّلاً بغير هذا السياق؛ فراجعه.

[270] قال ابن الجوزي رحمه الله في «زاد المسير» (2/386): «واتخاذهم إيَّاها ـ [يعني: الصلاة]ـ هزوًا: تضاحكهم وتغامزهم )ذلك بأنهم قوم لا يعقلون( مالهم في إجابة الصلاة ، وما عليهم في استهزائهم بها»أهـ

[271] «تفسير الطبري» (10/428 فما بعد ـ تحقيق آل شاكر).

([272]) فجازاه الله مِنْ جِنْسِ ما تمنَّاه للنبي r ، والجزاء مِنْ جِنْسِ العمل.

[273] «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (6/233).

[274] «تفسير القرآن العظيم» (2/68)

([275]) يعني: أُقِيْمَ للصلاة.

وقد ورَدَ ذلك صريحًا في بعض روايات هذا الحديث في «صحيح مسلمٍ» (389) من رواية جرير ، عن الأعمش ، عن أبي صالحٍ ، عن أبي هريرة ، عن النبي r قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلاةِ أَحَالَ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ صَوْتَهُ ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ ، فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتَّى لا يَسْمَعَ صَوْتَهُ ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ».

وقوله: «أَحَالَ»؛ أي: ذهبَ هاربًا.

وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (شرح رقم/608).

([276]) يعني: يوسوس ، وقد وردَ ذلك صريحًا في رواية مسلمٍ المشار إليها في الحاشية السابقة.

وأصله مِنْ خَطَرَ البعير بِذَنَبِهِ إِذا حَرَّكَه فضربَ به فخِذَيْه.

([277]) رواه البخاري (608 ، 1222 ، 1231 ، 1232 ، 3285) ، ومسلم (389) من حديث أبي هريرة t.

قال النووي في «شرح مسلمٍ»: «قال العلماء: وإنما أدبر الشيطان عند الأذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة لقول النبي r: (لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة). وقيل: إنما يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد, وإظهار شعائر الإسلام, وإعلانه. وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد».

[278] «تفسير القرآن العظيم» لابن كثيرٍ رحمه الله (2/69).

[279] يعني قوله: )اتخذوها هزوًا( [المائدة:58].

[280] «روح المعاني» للإمام الآلوسي (6/172).

[281] «فتح القدير» للشوكاني (2/54)

[282] ذكره ابن أبي حاتمٍ في «تفسيره» (4/1315 رقم 7432) بإسناده عن مقاتل.

وانظر: «تفسير الطبري» (11/436) ، و«زاد المسير» لابن الجوزي (3/62).

[283] وفي بعض الروايات عن مجاهد: «يكذبون بها».

وكلا التفسيرين واردٌ في تفسير هذه الآية عن غير واحدٍ من السلف.

[284] «تفسير الطبري» (11/438 رقم 13393).

وانظر: ابن أبي حاتم (4/1315 رقم 7433) فقد أورده بنحوه مختصرًا.

[285] «تفسير الطبري» (11/438 رقم 13393)

[286] قال الشيخ محمود شاكر رحمه الله في حاشية «تفسير الطبري»: «وقوله: (نَهْينا) مفعول قوله في الآية: )وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ(؛ وذلك على عادة أهل التأويل الأوائل في الاختصار»أهـ

[287] «تفسير الطبري» (11/437 رقم 13389).

وأورده ابن أبي حانم (4/1314 رقم 7430) بنحوه مختصرًا.

[288] قال القرطبيُّ في «تفسيره» (7/14): « )مع القوم الظالمين(؛ يعني: المشركين»أهـ

[289] «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (7/12).

([290])«أضواء البيان» للشنقيطي (2/153).

[291] «الجامع لأحكام القرآن» (7/14).

[292] «تفسير الطبري» (11/441).

[293] «تفسير ابن أبي حاتم» (4/1317 رقم 7447).

[294] «الجامع لأحكام القرآن» (7/15).

[295] «تفسير الطبري» (11/442).

[296] وأوردة ـ أيضًا ـ ابن أبي حاتم (4/1317 رقم 7448) بإسناده عن قتادة.

[297] «زاد المسير» لابن الجوزي (3/64).

[298] «الجامع لأحكام القرآن» (7/17).

[299] هذا هو أصله.

وقال القرطبيُّ رحمه الله (7/16): « )أن تُبْسَلَ نفسٌ بما كسبت(؛ أي: تُرْتَهنَ وتُسْلَم للْهلَكَةِ؛ عن مجاهد وقتادة والحسن وعِكْرمة والسِّدي. والإِبْسَال. تسليمُ المرء للهلكةِ؛ هذا هو المعروف في اللغة. أَبْسَلْتُ ولدي: أَرْهنتُه»أهـ

[300] «تفسير الطبري» (12/475 رقم 14754).

وأورد ابنُ أبي حاتم في «تفسيره» (5/ 1491 رقم8539) عن ابن عباس قال: « )الذين اتخذوا دينهم لهوًا(؛ يقول: لعبًا»أهـ

[301] «التفسير الكبير» للفخر الرازي (14/77).

([302]) انظر ـ مثلاً ـ: «تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله» (10/171 ـ 173).

([303]) «التفسير الكبير» للرازي (16/98).

([304]) «زاد المسير» لابن الجوزي (3/465).

([305]) «أحكام القرآن» لابن العربي (2/976 ـ 977).

ونقله عنه القرطبي في «الجامع» (8/197).

([306]) «أحكام القرآن» للهرَّاسي (3/214 ـ ط: دار الكتب العلمية).

([307]) في «أحكام القرآن» له (3/183ـ ط: دار الكتب العلمية),

([308]) أثناء ذِكْر أقوال السابقين في حكم من استهزأ بالقرآن.

([309]) «روح المعاني» (10/131).

([310]) «التفسير الكبير» للرازي (16/98).

([311]) السابق (16/99).

([312]) قاله نظام الدين فى تفسيره الذى اختصر فيه «التفسير الكبير» للرازي ، و ضمَّ إليه فوائد أخرى من «الكشاف» وغيره ، وسماه: «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» (2/1624- ط:دار الصفوة بالقاهرة).

([313])«مجموع الفتاوى» (15/33).

([314])«أَيْسر التفاسير» للجزائري (2/390-391).

واستدلَّ ابنُ حزمٍ أيضًا بهذه الآية على نحْوٍ ممَّا ذُكِرَ هنا ، وسيأتي كلامه بتمامه في ذِكْر أقوال السابقين في الباب؛ والله الموفق.

وراجع أيضًا كلام الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله الآتي إنْ شاء الله في آخر أقوال السابقين ، وكذا كلام الشيخ الفوزان حفظه الله الآتي إِنْ شاء الله في أقوال أهل العصر.

([315]) انظر: «تفسير الطبري» (14/94-95 ، ط: المكتبة الفيصلية بمكة المكرمة) ، و«الجامع» للقرطبي (10/94-96).

([316]) وانظر في تفسير هذه الآيات: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (11/6 – 8).

([317])«تفسير الطبري» (15/268).

([318]) هكذا في سياق الطبري إشارةً إلى قوله تعالى: )وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ( [الأنفال:31].

([319]) وهو في «صحيحه» (4728).

[320] «تفسير القرآن العظيم» (3/104 ـ 105).

[321] برقم (4728).

[322] «أضواء البيان» (4/146 ـ 147).

[323] «الأضواء» (4/148).

[324] «تفسير الطبري» (16/35).

[325] «تفسير البغوي» (5/211).

وبنحوه ابن الجوزي كما يأتي عقبه هنا.

([326]) «زاد المسير» (5/198).

[327] «التفسير الكبير» للفخر الرازي (21/148).

[328] «تفسير القرآن العظيم» (3/105).

[329] «نظم الدرر» للبقاعي (12/149).

[330] «تفسير الطبري» (21/25 ـ ط: دار الفكر).

[331] «الجامع» للقرطبي (14/10).

[332] «زاد المسير» لابن الجوزي (6/291).

[333] «الجامع» للقرطبي (14/10).

[334] «زاد المسير» لابن الجوزي (6/291).

[335] وبهذا أيضًا فسَّره القاسمي في «تفسيره» (12/4769).

[336] «تفسير ابن كثير» (3/412).

[337] «أيسر التفاسير» للشيخ أبي بكرٍ الجزائري (4/162 ـ 163).

[338] «أضواء البيان» (7/222-224).

وانظر: «التفسير الكبير» للرازي عفا الله عنه (27/224) ، و«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير رحمه الله (4/150 ـ 151).

[339] «تفسير الطبرى» ( 25/158).

[340]«الجامع» للقرطبي رحمه الله (16/176-177).

[341] «أيسر التفاسير» للجزائري حفظه الله (5/42).

([342]) المصدر السابق (5/43).

([343]) وقد مضى ذلك صريحًا في كلام الشيخ أبي بكرٍ الجزائري حفظه الله ، وسيأتي نحوه في كلام ابنِ حزمٍ رحمه الله ، وسيأتي كلامه بتمامه إنْ شاء الله في ذِكْر أقوال السابقين في الباب؛ والله الموفق.

وراجع أيضًا كلام الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله الآتي إنْ شاء الله في آخر أقوال السابقين ، وكذا كلام الشيخ الفوزان حفظه الله الآتي إِنْ شاء الله في أقوال أهل العصر.

ومضى نحو هذا المعنى في كلام غير واحدٍ من أهل العلم؛ والله الموفِّق.

[344] «تفسير الطبري» (10/428 فما بعد ـ تحقيق آل شاكر).

[345] «الجامع لأحكام القرآن» (6/233).

([346]) «الصارم المسلول» لشيخ الإسلام (ص/512).

ونقل ابنُ عبد البر رحمه الله  في «التمهيد» (4/226) ذلك أيضًا عن ابن راهويه.

وراجع تعليق الشيخ الإمام عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب على كلام ابن راهويه المذكور رحمهم الله جميعًا ، وسيأتي ذلك في آخر هذا الفصل إِنْ شاء الله تعالى.

([347]) يعني: أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهم الحنابلة ، وليس المراد أصحاب الشافعي ، والسياق ظاهرٌ في ذلك؛ ذكرتُه خشية الالتباس؛ والله أعلم.

([348])«الصارم المسلول» (ص/513).

([349]) يعنى: المنافقين لعنهم الله.

([350])«أحكام القرآن» للجَصَّاص (3/183- ط: دار الكتب العلمية).

([351])«الفِصَل في الْمِلَلِ والنِّحَل» لابن حزم (3/114- ط: مكتبة الخانجي بالقاهرة).

[352] «الفِصَل» (2/139) ، ونقله عنه القاسميُّ في «تفسيره» (8/3194) في تفسير آية سورة «التوبة» [66].

وقال ابنُ حزمٍ في «المحلى» أيضًا (4/159 مسألة 466): «ومَنْ أَحَالَ القرآنَ متعمِّدًا: فقد كفر ، وهذا ما لا خلاف فيه. ومَن كانت لغته غير العربية: جاز له أَنْ يدعو في صلاته ، ولا يجوز له أَنْ يقرأَ بها ، ومَنْ قرأَ بغير العربية: فلا صلاة له... » ، واستطردَ ابنُ حزمٍ في الرَّدِّ على أبي حنيفة في إجازته قراءة القرآن بالفارسية؛ فراجعه.

([353])«الفِصَل» (3/142).

([354])«المحلى» (11/411 مسألة 2308 – ط: دار الجيل)؛ وراجعه.

([355]) السابق (11/413 مسألة 2308)؛ وراجعه.

([356])«السابق» (1/13 مسألة21).

([357]) «الشفا» للقاضي عياض (2/250-251).

([358]) ورد هذا الحديث مِن غير  وجهٍ عن أبي هريرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم.

وصحَّحَهُ الشيخ الألباني رحمه الله في «صحيح الجامع» (1163) (4444) (6687).

([359]) ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في «ضعيف الجامع» (5542).

([360]) يعني: الشاهدين.

([361]) أَوْرَدَهُ البيهقي في «السنن الكبرى» (10/43).

([362]) وهو القابِسي.

([363]) يعني: مَنْ لعَنَ الصبي.

([364]) السابق (2/263-265).

[365] «زاد المسير» (3 /465).

[366] «روح المعاني» للإمام الآلوسي (10/131).

[367] يعني: كيف كان شكل هذا الاستهزاء أو وجهه ، وسواءٌ كان استهزاءً بالله ، أو برسوله r ، أو بكتابه ، أو بشيءٍ مِنْ أركان الدين ، ونحو ذلك.

[368] «التفسير الكبير» للرازي (16/ 98).

[369] «أحكام القرآن» للهرَّاسي (3/214 ط: دار الكتب العلمية).

[370] «أحكام القرآن» لابن العربي (2/976-977).

  ونقله عنه القرطبيُّ في «الجامع لأحكام القرآن» (8/197).

([371]) «المجموع شرح المهذّب» للنووي (3/363 – ط: مكتبة الإرشاد بجدة).

[372]  يعنى: التوبة مِن الرِّدَّة ومُرَاجَعَة الإسلام.

[373] «المغني» لابن قدامة (12/154- ط: دار الحديث).

[374] قال الشيخ الإمام بهاء الدين المقدسي رحمه الله في شرح ذلك: «والذي يخفى عليه ذلك: مَنْ يكون حديثَ عَهْدٍ بالإسلامِ ، أو يكون قد نشأَ ببلادٍ بعيدةٍ عن المسلمين؛ فهذا يُعَرَّف؛ فإِنْ رَجَعَ عن ذلك وإِلاَّ قُتِلَ. وأَمَّا مَنْ كانَ ناشئًا بين المسلمين مسلمًا: فهو كافرٌ يُسْتَتَاب؛ فإِنْ تابَ وإِلا قُتِلَ؛ وذلكَ لأَنَّ إِقْرَارَ هذه الأشياء ظاهرٌ في الكتابِ والسُّنَّة ، فالْمُخِلِّ بها مُكَذِّبٌ لله ورسولهِ؛ فيكفر بذلك كما قلنا في جاحدِ أركان الإسلام»أهـ

[375] انظر «العُدَّة شرح العُمْدَة» (ص/579 580 ط: دار إحياء الكتب العربية).

وقد أَيَّدَ كلامَ ابنِ قُدَامَة وشَرَحَهُ: الإمام بهاءُ الدِّين المقدسي رحمه الله في «شرح العمدة».

[376] انظر «العُدَّة شرح العُمْدَة» (ص/579 58. ط: دار إحياء الكتب العربية).

وقد أَيَّدَ كلام ابنِ قُدَامَة وشَرَحَهُ: الإمام بهاءُ الدِّين المقدسي رحمه الله في «شرح العمدة».

[377] «الشرح الكبير» (12/103- 104 ، بحاشية «المغنى» ، ط: دار الحديث).

[378] ومنها القرآن الذي هو كلامه Y ، والاستهزاء به ينطوي على جَحْدٍ لا شكَّ فيه كما سبق ذلك مرارًا؛ والله أعلم.

([379]) سواءٌ سبَّ ذاته أو سبَّ بعض صفاته.

[380] «المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل» للشيخ الإمام مجد الدين رحمه الله (2/167-ط: دار الكتاب العربى ببيروت).

([381]) أو استهزأَ.

([382]) أو الاستهزاء.

([383]) «الفتاوى» (12/7).

([384]) «مجموع الفتاوى» (15/33).

[385] يعنى: المولى سبحانه وتعالى.

[386] «مجموع الفتاوى» (7/220).

([387]) قال المرداوي رحمه الله (ت885) في «تصحيح الفروع» (ط: بحاشية الفروع):

«وقوله: (والأصح بحقٍّ): ينبغي أَنْ يكونَ هذا بلا نزاع»أهـ

[388]«الفروع» لابن مفلحٍ (6/157- 158).

([389]) الغَمْصُ: الاحتقار أو الاستصغار والعَيْب ، تقول: غمص فلانٌ فلانًا؛ إذا احتقره أو عابَه أو استصْغَرَهُ.

([390]) يعني: أنَّه ليس مُعْجِزًا؛ بل يُقْدَرُ على الإتْيان بمثْلِه ، ولا شكَّ في كفر مَن قال ذلك ولو هازِلاً.

[391] السابق (6/161).

[392] قاله نظام الدين في تفسيره الذي اختصر فيه «التفسير الكبير» للرازى ، و ضمَّ إليه فوائد أخرى مِن «الكشاف» وغيره ، وأَسْمَاهُ: «غرائب القرآن ورغائب الفرقان» (2/1624- ط: دار الصفوة بالقاهرة).

[393] انظر: «الروض المربع بشرح زاد المستقنع» (ص/393- ط: المكتبة الثقافية ببيروت).

[394] يعنى: كفر أيضًا؛ وهو معطوف على كلام الحجاوي رحمه الله.

[395] السابق (ص/394).

[396] «كفاية الأخيار في حلِّ (غاية الاختصار») لتقي الدين رحمه الله ( ص/737-738- ط: المكتبة التوفيقية).

[397] نقل ذلك الدكتور: محمد نعيم ياسين في كتابه «الإيمان» ( ص/115- ط: مكتبة الزهراء بالقاهرة) نقلاً عن «الزواجر عن ارتكاب الكبائر» لابن حجر.

[398] وذكر الإمام ابن عبد الوهاب رحمه الله هذه الآية في «كتاب التوحيد» وقال: «فيه مسائل: الأولى- وهي العظيمة-: أَنَّ مَن هَزَلَ بهذا: إنه كافر. الثانية: أَنَّ هذا هو تفسير الآية فيمَنْ فعل ذلك كائنًا مَن كان..».

 انظر: المصدر الآتي (1/117- 118).

[399] رسالة: «نواقض الإسلام»  لابن عبد الوهاب نقلاً عن «مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب» (1/386-387) (6/212-214 ، من منشورات جامعة الإمام محمد بن مسعود).

([400]) كذا السياق في «الأصل».

[401] انظر: «مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب وزيادات» (ص/514 - ط: دار البشائر الإسلامية. ط1- 1419). بواسطة: «التوسط والاقتصاد» (ص/99- ط: دار ابن القيم بالدمام).

([402]) يعني: الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في «كتاب التوحيد».

[403] «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد» للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ص/553- 554 ، ط: مكتبة الرياض الحديثة بالرياض).

([404]) يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

([405]) يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

[406] انظر: «الجامع الفريد» (292 33) ، و«الدرر السنية» (1./149 وما بعدها) جمع عبد الرحمن بن محمد بن القاسم ، الطبعة الخامسة 1413.

بواسطة «التوسط والاقتصاد» (ص/106- 108).

[407] يعنى: ابن تيميه رحمه الله وقد سبق كلامة الذي هنا؛ والله الموفق

([408])«الدين الخالص» (4/546-547 ، ط: مكتبة الفرقان بمصر).

بواسطة «التوسط والاقتصاد» (ص/117-118).

[409] «الروضة الندية شرح الدرر البهية» (2/627-629 ، ط: دار الهجرة بصنعاء ط1-1411).  بواسطة المصدر السابق ونفس الموضع.

([410]) يعني: حدُّهُ حدّ المرتدّ.

[411] «تفسير المنار» (10/529-531 ، ط: دار المعرفة ، ط:1414).

بواسطة «التوسط والاقتصاد» (ص/122-123).

[412]  «أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة» للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله (ص/181-182 ، ط: مكتبة السوادي للتوزيع ، ط 1 1408).

 بواسطة «التوسط والاقتصاد» (ص/124 125).

([413]) «الفتاوى الإسلامية مِن دار الإفتاء المصرية» والتي نشرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالتعاون مع وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصريتين (1/46-47 رقم4).

([414]) وكذا صفات الله عز وجل ، ومنها القرآن الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى ووحْيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

([415]) المصدر السابق (5/1631-1632).

([416]) ومِن ذلك: البُعْد عن إهانته والاستهزاء به ، أو ببعض آياته وأحكامه ، ونحو ذلك.

([417]) المصدر السابق (5/1633-1634 رقم715).

[418] فتوى رقم (3255) نقلا عن «فتاوى اللجنة الدائمة» جمع الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش (2/6).

[419] فتوى رقم (5628) نقلاً عن المصدر السابق (2/7-8).

[420] السؤال الخامس من الفتوى رقم (9220) نقلاً عن المصدر السابق (2/11).

[421] «الفتاوى» (ص/28-29 رقم 19 ، ط: أولى 1414-1993م ، ط: دار التقوى للنشر والتوزيع- بلبيس- الشرقية ـ مصر).

([422]) «تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلَّق بأركان الإسلام» للإمام ابن باز رحمه الله (ص/39 رقم7).

[423] صدرت في نشرةٍ طبعتها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم9.

نقلًا عن كتاب: «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» للشيخ ابن باز ، جمع وإشراف: د. محمد بن سعد الشويعر (1/82 فما بعد ، ط: دار عالم الكتب بالرياض).

([424]) تابع المصدر والموضع السابق.

([425]) هكذا في «الأصل» ، ولعل المراد: «وقال» بالواو قبلها.

([426]) تابع لما قبله نقلاً عن المصدر والموضع السابق.

([427]) يعني: ابن تيمية.

([428]) ثم استطرد الشيخ ابن باز رحمه الله في «كشف الشُّبه المذكورة في الكلام المنسوب إلى القائلين به», والسابق ذِكْره في أول الأمر نقلًا عن الصحيفة المشار إليها سابقًا.

([429]) نُشِرَ هذا الموضوع في مجلة البحوث الإسلامية بالرياض ، العدد السابع ، الصادر في الأشهر [رجب وشعبان ورمضان وشوال عام 1403هـ].

نقلاً عن المصدر السابق (1/130 132).

([430]) يعني: كلام الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.

([431]) وانظر: «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» للشيخ ابن باز رحمه الله (1/271) (5/133 135).

([432])«فتاوى ورسائل سماحة الشيخ عبد الرازق عفيفي رحمه الله تعالى» (ص/372 رقم 79 80 / إعداد: وليد بن إدريس والسعيد بن صابر ، ط: دار الفضيلة ودار ابن حزم).

([433])«فقه السنة» للشيخ سيد سابق رحمه الله(2/603 604 ، ط: دار الريان للتراث ، الطبعة الثانية 1411 1990م).

([434])«مجموع الفتاوى» للشيخ بن عثيمين رحمه الله (2/156 - ط: دار الوطن ، ط1 1412).

  بواسطة: «التوسط والاقتصاد» للشيخ علوي السقاف حفظه الله (ص/138).

([435])«أيسر التفاسير» للجزائري (2/390 391).

  وانظر منه أيضًا: (4/162 163) (5/43).

([436]) يعني: الآيات [65-66] مِن سورة التوبة ، وسيأتي ذِكْرهما أثناء كلام الشيخ حفظه الله تعالى.

([437])«الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد» (ص/80 81 ، ط: دار الذخائر ، ط: 1414)0

 بواسطة: «التوسط و الاقتصاد» للشيخ علوي السقاف حفظه الله (ص/143 144).

([438]) وقع في المصدر المذكور: «وتركه» بواو العطف ، والظاهر ما أثبتّ؛ والله أعلم.

([439]) في المطبوع من المصدر المذكور: «ورق» بلا هاء؛ والظاهر ما أثبتّ؛ والله أعلم.

([440])«الفقه على المذاهب الأربعة» للجزيري أثابه الله (5/331 ط: دار الحديث).

([441]) «الإيمان» للشيخ الزنداني حفظه الله (ص/148 149 ، ط: مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت).

([442])«الإيمان» د. محمد نعيم ياسين (ص/104 ـ ط: مكتبة الزهراء بالقاهرة).

([443]) السابق (ص/105).

([444]) السابق ، ونفس الموضع.

([445]) السابق (ص/114).

([446]) الثاني من مظاهر كُره الإسلام كما سبق قريبًا.

([447]) ذُكِرَ في الموقع الآتي عقب هذه الفتوى: «الملف الصوتي للـ... وهو يتغنى بآيات القرآن موجودٌ لدى الموقع ويمكن لطلبة العلم الحصول عليه بمراسلتنا».

([448]) يعني: لأَنَّ تقديس الله وكتابه وشرعه مركوزٌ في فِطْرَةِ الإنسان ، فلا يحتاج بعد ذلك إلى بيانٍ وعِلْمٍ.

وقد مضى نحو هذا المعنى أيضًا في كلامٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أثناء «فصل: فيمَن سبَّ الله جلَّ جلاله»؛ وبالله التوفيق.

([449]) هكذا في «الأصل» بضم أوله.

([450]) يعني: حين أَرْسَلَ إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كُتُبَه يدعوهم إلى الإسلام.

([451]) نُقِلَتْ هذه الفتوى مِن شبكة المعلومات «الإنترنت» عن موقع: 

([452]) انظر: «شرح صحيح مسلمٍ» (2/18) و«روضة الطالبين» للإمام النووي (7/283-284 ، ط: دار الكتب العلمية) أثناء كتاب « الرِّدة», و«الفروق» للقرافي (1/224- ط: دار الكتب العلمية) و«الذخيرة» (12/13- ط: دار الغرب الإسلامي), و«كتاب الصلاة» لابن القيم (ص/53-54 ، ط: المكتب الإسلامي) و«النونية» له بشرح ابن عيسى ( 2/117- ط: المكتب الإسلامي), و«جامع العلوم والحِكَم» لابن رجب في (شرح الحديث الرابع عشر), و«معين الحكّام فيما يتردّد بين الخصمين مِن الأحكام» للطرابلسي الحنفي (ص/144- ط: الحلبي), و«حاشية ابن عابدين» (3/196 ـ ط: دار الفكر) ، و«شرح حدود ابن عرفة» (2/634- ط: دار الغرب الإسلامي), و«منهج الطلاب» للأنصاري الشافعي (7/567-568 ، مع حاشية الجمل على شرح المنهج, ط: دار الكتب العلمية). وغير ذلك من كتب أهل العلم رحمهم الله جميعًا.

وقد أطال الشيخ علوي السقاف حفظه الله في كتابه: «التوسط والاقتصاد» (ط: دار ابن القيم بالدمام) في ذِكْرِ هذه الأقوال وغيرها؛ فراجعه.

كما مضى نحو ذلك في بعض أقوال المعاصرين السابقة في هذا الكتاب؛ وبالله التوفيق.

([453]) «الوسيط» للغزالي (6/425 – تحقيق محمد تامر ، وأحمد محمود ، ط: دار السلام).

([454]) يعني: أصحاب أبي حنيفة في كتبِهم.

([455]) «روضة الطالبين» للإمام النووي رحمه الله (10/64 –71) باختصار ما لا يخص موضوع البحث ، في أماكن النَّقْط المذكور.

([456]) «جامع العلوم والحِكَم» (1/130 ، شرح الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية).

([457]) نقل هذا النص وما قبله النوويُّ في الموضع السابق مِن «روضة الطالبين».

([458]) وراجع فتوى الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي السابقة قريبًا في أقوال أهل العصر.

قال السائل لمفتي اسلام ويب 

قرأت في حديث أن قراءة هذه السور في كل ليلة فهل ما قرأت صحيح ؟

 

هي إذا قرأ شخص ثلاث آيات من آخر سورة الحشر يشفع له سبعون ألفا من الملائكة من الصباح إلى المساء ومن المساء إلى الصباح وإذا مات في هذا الحال يكون شهيداً وسورة الرحمن لا أعرف فوائدها، سورة الواقعة فمن قرأها لن يواجه فقراً ولا مشاكل.ومن قرأ سورة الدخان يستغفر له سبعون ألف من الملائكة.وسورة فصلت، ومن أراد أن يدخل الجنة (الفردوس ) ويمشي في جنانها أن يقرأ سور الحواميم.وسورة يس تشفع لمن قرأ ولمن استمع، وسورة السجدة إذا كان الشخص مذنبا فقرأ هذه السورة ولو وضعت أعماله أمامه، طلبت له هذه السورة المغفرة؟


قال مفتي الموقع:


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالسور التي سألت عنها، منها ماورد في فضلها أحاديث صحيحه، ومنها ما لم يرد في فضلها إلا أحاديث ضعيفة، ومنها ما لم يرد فيها حديث أصلاً.

 

ونحن نبين لك ذلك على النحو التالي:
-
سورة السجدة، قد روى أحمد والترمذي عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا ينام حتى يقرأ:  ألم تنزيل ، و:تبارك الذي بيده الملك صححه الألباني في صحيح الجامع برقم(4873)،

 

 

= وهذا الفعل يدل على فضل هاتين السورتين، أما الفضل الذي ذكرته لسورة السجدة فهو غير ثابت في حديث معتبر .
-
سورة الواقعة، وقد ورد في فضلها ما رواه الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : قال أبو بكر : يا رسول الله قد شبت، قال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت. وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم:(3723)
أما بالنسبة للحديث الذي ذكرته فنصه: من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة{ قلت المدون والفاقة ضيق الرزق}. رواه البيهقي عن ابن مسعود وهو حديث ضعيف، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع.


-
سورة يس، وقد ورد في فضلها حديث ضعيف، رواه البيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ يس مرة فكأنما قرأ القرآن عشر مرات. ضعفه الألباني ،

 

 

= وقد روى أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ يس في كل ليلة غفر له. وهو ضعيف أيضاً، ضعفه الألباني ، وورد فيها غير ذلك وهو إما ضعيف أو موضوع.

=
-
أما سورة الدخان فكل ما ورد في فضلها إما ضعيف جداً وإما موضوع،

 

= مثل ما رواه الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- : من قرأ ( حم الدخان ) في ليلة، أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك. قال الألباني (موضوع).


-
وأما الحواميم، فلم يرد في فضل قراءتها حديث صحيح -فيما نعلم- لكن روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ (حم المؤمن) -سورة غافر- إلى (إليه المصير) و(آية الكرسي) حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ حتى يصبح. قال الألباني. (ضعيف)


-
أما سورة الأعراف، فلم نجد في فضلها شيئاً مذكوراً في كتب السنة التي بين أيدينا -والله أعلم- والأصل عدم الأفضلية إلا بنص صحيح أو حسن.


-
أما سورة الحشر، فقد ورد في فضلها حديث ضعيف رواه الترمذي وأحمد عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يصبح ثلاث مرات، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، وكل الله به سبعين ألف ملك، يصلون عليه حتى يمسي وإن مات في ذلك اليوم، مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة. قال الألباني (ضعيف)
-
وأما سورة فصلت وسورة الرحمن، فكذلك لم يصح فيهما حديث يدل على فضلهما -فيما نعلم-
وننبه إلى أن القرآن فاضل كله مبارك شافٍ كافٍ كله، وما لم يرد فيه نص بخصوصه فهو مشمول بالنصوص الكثيرة المتواترة في فضل القرآن عموماً.
وعلى السائلة الكريمة أن تراجع ما صح من فضائل القرآن في صحيح الجامع للألباني ، وكتاب رياض الصالحين للإمام النووي وكتاب مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي ، ونحذر الأخت الكريمة من الكتب التي تحتوي على الأحاديث الموضوعة في الفضائل وليعلم أن الأحاديث التي ذكرناها سابقاً، يجوز العمل بما كان منها ضعيفاً إذا اندرج تحت أصل عام، ولم يكن ضعفه شديدا مع اعتقاد العامل الاحتياط لا الثبوت لأن ذلك من فضائل الأعمال، أما ما كان موضوعاً أو شديد الضعف أو غير مندرج تحت أصل، فلا يجوز العمل به في فضائل الأعمال ولا غيرها .
والله أعلم.