السبت، 4 أغسطس 2018

**🌌 يقول النووي في تأويله لحديث( من حمل علينا السلاح فليس منا ) أن من حمل علينا السلاح فهو منا لكن فعله هو الذي ليس منا!!!!!!



*تأويلات النووي علي مسلم بن الحجاج في شرحة للجامع الصحيح

۱.( من حمل علينا السلاح فليس منا ) قال النووي: صحيح مروي من طرق وقد ذكرها مسلم - رحمه الله - بعد هذا . {قلت المدون ثم قال النووي: ومعناه عند أهل العلم (قلت المدون: هذه العبارة مشهورة عند النووي فقط عندما يريد أن يغير حقيقة النص من أصله إلي معناه المضاد، يعني من كونه نصا مثبتا إلي نصٍ منفيا أو بمعني آخر من نص (ليس منا..) إلي (هو منا لكن فعله هو الذي ليس منا..) أو من نفي الايمان في (لا يؤمن..) إلي إثبات الإيمان في (يؤمن.. لكن المنفي هو كماله) فيقول: أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا، كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله :(لست مني) [قلت المدون ولم ينس النووي أن يختم بهذه الجملة الآتية دائما قبل وبعد مواطن التحريف والتأويل الذي ينتهجها ليؤسس قاعدته في تأويل النصوص الشرعية بالباطل فيقول:..وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول ، كقوله - صلى الله عليه وسلم(من غش فليس منا) وأشباهه] أما قوله الذي يستدل به علي تأويل نصوص الشرع في مسائل الزجر( كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله :(لست مني)  فهو يستدل بمجازٍ بشري أتاحته لغة العرب في بعض ظواهر الحياة الدنيا علي أحكام إلهية منزلة بالحق وبقصد إلهي يبطل فيه التأويل والتجوز لكونه هو الحجة علي الناس يوم القيامة وكونه منزلاً من لدن الله العليم الحكيم السميع البصير بقصد إلهي محدد والله تعالي هو الغني عن استخدام المجاز كما أنه الغني بعلمه عن علوم البشر لكي يؤولوا ما نزله الله بالحق ويوسعون أسوار الألفاظ التي نزلها الله تعالي بالحق وبالحق نزلت بُغْيَة قَلْبِ النص القراني أو النبوي من سلب الإيمان عن المسلم في مواطن الذنب الي إثباته بغير إذن الله تأويلا وتجوزا بالباطل وستأتي نماذج ذلك في الأسطر التالية:) ثم من هم أهل العلم إن لم يكونوا البخاري  وابو عمر بن الصلاح  عالم مصطلح الحديث  وابو الحسن البصري الفقيه الورع وسعيد بن المسيب التابعي الكبير وغيرهم  من أهل الورع والخوف من الله وهم الذين رفضوا تأويلات النووي كما سيأتي بيانه لا حقا ان شاء الله


التحقيــــــــــــــــــــــق::


شروط نقل أحكام الله تعالي من التطبيق البيني{ أي بين العبد وربه} إلي التطبيق العلني أي بين العبد وسائر العباد اضغط هذا الرابط 🌔
🌔/الرابط

قلت المدون لقد دأب النووي علي تأويل  كل  نصوص الزجر في السنة النبوية المطهرة تأويلاً أخلي النص الشرعي من جوهره.... وضاعت بتأويلاته مدلولات تلك النصوص

{واستبدل جوهر النص  بأعراضه من عند نفسه مدعيا تأويل النص  فيظهر للقارئ أن النص لا  يقصد الجوهر بل يقصد العرض      وسيأتي الفرق بين الجوهر والعرض بعد أسطر ليتبين للقارئ مدي خطورة تأويلات النووي التي أضفي عليها مسمي الشرعية وهي أبعد ما تكون عن حقيقة النصوص الحديثية والنصوص القرآنية وأكثرها خطورة علي دين الله وأنه بطريقته وأمثاله قد غيروا جوهر الدين إلي مجرد متهرئات مضادة للمدلول الأول في كل شعابه العقدية ودروبه الفقهية   } فهو هنا في نص الحديث (من حمل علينا السلاح فليس منا) يصحح الحديث بالإسناد فيقول النووي: صحيح مروي من طرق وقد ذكرها مسلم(رحمه الله) بعد هذا{قلت المدون ثم قال النووي ليبدأ مسلسل التحريف بتأويل النص بتغيره واستبدال الجوهر والمدلول الحقيقي بأعراض الجوهر،والعرض: هو الصفات التي يتصف بها ذات الشخص الواقع عليه ذات عقوبة الزجر:
قال النووي يحرف:ومعناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا ، كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله : لست مني ،قال النووي مسترسلاً:وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول ، كقوله  صلى الله عليه وسلم  : " من غش فليس منا " وأشباهه 
قلت المدون يريد أن يقول أن من حمل علينا السلاح فهو منا لكن فعله هو هو الذي ليس منا أي أن فعله ليس من هدي الاسلام ولا من عمل الاسلام ولا من علم الاسلام ولا من طريقة الاسلام /هكذا يؤول النووي الحديث فيُثبت أن حامل السلاح علي المسلمين هو من المسلمين لكن فعله هو الذي ليس من الاسلام، ودأب في كل أمور نفي الايمان لمن تجاوز حده في فعل مخالفة يصف الشرع فيها نفي الايمان عنه  وأنه بها ليس مؤمنا بأنه أي المتجاوز هذا مؤمن لكن فعله هو الذي ليس من صفات المؤمنين لذلك يثبت له الايمان ويدعي نفي كمال الايمان وليس أصله خلافا للنص النبوي.. فالنص النبوي علي نفي أصل الايمان وليس كماله فأي كمال يُنفي والأصل قد نفاه النبي صلي الله عليه وسلم؟ وهكذا سلك في كل نصوص نفي الايمان عن المسلم بمخالفة تستحق نفيه إثبات الإيمان لصاحبها لكن المنفي هو كماله  والخ.....الخ.....الخ
{قلت المدون : هذا نص تأويله بالحرف في شرحه لصحيح مسلم} [قلت المدون وأنا لا أتحامل عليه ولا أتهمه لكنه في طريق تأويلاته للنصوص دأب علي هذه الخصلة بشكل صار مميزا له في كل أموره.. والحقيقة أنني لم أكن أريد أن أتعرض لتأويلات النووي الزاعقة لولا أن طبيعة عنوان قانون الحق الإلهي يفرض عليَّ أن انتهج نهج النقض للتأويلات التي ضيَّعت النصوص ورمت بها في أودية التحريف من قمم تلالها العالية لتهوي صريعة نحو نهاياتها في أودية التحريف بحياد وقسط قلت المدون لولا لطف الله. 
١.فهو يلجأ لهذا المصطلح دائما {ومعناه عند أهل العلم أنه}عندما يبدأ التأويل الذي ينوي به تحريف النص وقلب دلالته من السلب إلي الإيجاب  
٢.ثم يحول بهذا التأويل التكليف من المعني المراد في قصد الله ورسوله إلي المعني المضاد لهذا القصد الإلهي  مستخدما الخلط بين الجوهر والعرض /الجوهر والعرض والفرق بينهما
فنص(من حمل علينا السلاح  فليس منا)يتكلم عن جوهر أو حقيقة أو ذات أو ماهية الرجل الذي يحمل السلاح علي المسلمين كرجلٍ أو فريقٍ أو جماعةٍ أو أي من يحمل السلاح علي المسلمين بذاته وحدد النص الجزاء علي الجوهر أو ذات الرجل الحامل السلاح علي المسلمين أو الذات الحاملة للسلاح [بأنه ذاته ليس من المسلمين] ولم يتطرق مطلقا إلي أعراضه يعني صفاته 
۳.كما لجأ النووي بمخالفة صارخة ناطقة بالخطأ الفادح الذي ليس له تبرير أو تنظير فحوَّل السياق من جملة الشرط {البادئة بأداة الشرط} بين  ذات     وذات     أي من فعل الشرط بقصد الذات وجواب الشرط لنفس الذات إلي جملة شرطية  بين ذات............ وصفته أوعرضه
فالذات والذات التي قصدهما النبي صلي الله عليه وسلم هما:حامل السلاح علي المؤمنين كفاعل  وبين نفس الذات الحاملة السلاح علي المسلمين كخارجة من الإسلام حكما  
لكن النووي جعل الجملة الشرطية بين ذات وعرض       
فالذات التي قصدها النووي هي نفس الذات التي في النص حامل السلاح علي المسلمين كفاعل ... لكنه حول الذات المعاقبة بالخروج من المسلمين مبقيا عليها كونها من المسلمين لكنه جعل جواب الشرط منصبا علي  صفاتها وأعراضها يعني يقرر النووي أن من حمل علينا(أي المسلمين) السلاح فهو منا( أي من المسلمين) لكن فعله هو الذي ليس من أفعال المسلمين...  
وهو هنا يلجأ إلي عدة مناهج تسهل عليه انصياع القارئ في كل الأزمان بعده إلي التخلي الفج - لا أتهمه لكني أصف ما آل إليه حال المسلمين بعدهم- عن قصد الله ورسوله إلي قصده هو المتضمن فيما بعد أقول يستخدم هذا المصطلح ←{ومعناه عند أهل العلم أنه} ففي النص ببساطة يقول النبي صلي الله عليه وسلم (من حمل علينا السلاح فليس منا) ۱.فالنص النبوي يحتوي علي الإسناد ولا خلاف فهو أي النووي يصحح الإسناد بأحسن ما يكون التصحيح  ۲.ويحتوي النص أيضا علي المدلول   
٣.وهنا انتهج النووي التحريف النوعي للمدلول 
٤.ثم دائما يرفق عبارة{وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول ، كقوله - صلى الله عليه وسلم}: من غش فليس منا " وأشباهه.. كالذي يُحَلِّق علي الناس جميعا بحيث يضمن حيا وميتا أن ينتهجوا هذا النهج في مستقبل أمرهم وإلي يوم القيامة ولم يرحم نفسه وأَبَيَ أن لا يموت حتي يترك هذه السيئة الشديدة تصله منها سيئات من يعمل بها الي يوم القيامة)   
٥.  وذلك ليعمم تحويل كل قضايا السلب إلي قضايا إثبات وإيجاب حتي فيما لا نعرفه أو يأتي مستقبلا بعد ذلك  ما دام النص يحتوي علي عقوبات مؤداها الخروج من الإسلام من وجهة نظره--بمثل حمل السلاح علي المسلمين ليضمن انسياب منهجه في التأويل التحريفي هذا في كل قضاياه الحاضرة والآتية.
تحليل النص وتحليل تأويل النووي للنص: النص يحدد المعاني التالية المحصورة في محيط سور مدلولاتها

١.المعني الأول من حمل علينا السلاح فليس منا هو بيان نبوي ساطع تحدد سُورًهُ اللفظي بنفي قاطع لإسلام لكل من حمل من الناس والمسلمين علي المسلمين السلاح بكونه عند ذلك ليس من المسلمين وقوله{ص} ليس منا = ليس مسلما مثل المسلمين بقطع لا انحياز فيه ولا مجاملة، فنحن نقول أسامة ليس من الطلبة يعني تماما بأسوار اللفظ أسامة شيئ آخر غير الطلبة والنفي هنا واقع  علي ذات أسامة وليس عرض من أعراض جوهره
 (ليس أسامة من الطلبة) فأسامة اسم  ليس وهي من أخوات كان التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر والكلام في النص علي أعيان وماهيات وليس علي أعراض أو مجازات أو مؤولات ودائما كل الألفاظ التي تشتمل علي حقائق نحوية ومعينات لغوية لا يمكن صرفها إلي المجاز كما لا يمكن تحويل مدلولاتها  بالتأويلات
فالنفي  هو أسامة ذاته وليس أعراضه  
وهكذا فالنووي كلما جد نص يشتمل علي نفي الذوات فيه ، وسوالبه.. أوَّلَها إلي نفي أعراضها وأبقي علي ذواتها بعيدا عن النفي
وأقصد بالذات :أسامة نفسه وأقصد بأعراضه صفاته المنبثقة عنه فالشمس ذات ...والحرارة والضياء والظل والإشعاع النافع  أو الضار كل ذلك أعراضها ، لقد عزف النووي علي هذا الفرق عندما كان يريد أن يلجأ للتأويل المحرف للنصوص فهو يستبدل الذوات بأعراضها  ولا يخفي علي كل مقسط عادل حريص  علي دين الله أكثر من حرصه علي الإنتصار لبشر ولو كان النووي خطورة ما فعله النووي وإلي كل من انتهج نهجه بتأويلاتهم ضياع دين الله بهذا التصرف، قال تعالى:{أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}/سورة التوبة)
راجع الرابط الجوهر والعرض والفرق بينهما 

--------------------------------الموضوع الثاني من تأويلات النووي

عقيدة النووي كل المقال للنووي واما تعليق المدون فيبدأ بالقول قلت المدون
 

كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم» 
قال النووي الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة:
هَذَا الْبَاب فيه أَحَادِيث كَثِيرَة وَتَنْتَهِي إِلَى حَدِيث الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَان مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا».
وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة وَمَا عَلَيْهِ أَهْل الْحَقّ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الْجَنَّة قَطْعًا عَلَى كُلّ حَال[قلت المدون: يقصد حال المسلم وقد مات تائبا أو مات مصرا علي ذنبه غير تائب منه]. فَإِنْ كَانَ سَالِمًا مِنْ الْمَعَاصِي كَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُون وَاَلَّذِي اِتَّصَلَ جُنُونه بِالْبُلُوغِ، وَالتَّائِب تَوْبَة صَحِيحَة مِنْ الشِّرْك أَوْ غَيْره مِنْ الْمَعَاصِي إِذَا لَمْ يُحْدِث مَعْصِيَة بَعْد تَوْبَته، وَالْمُوَفَّق الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا، فَكُلّ هَذَا الصِّنْف يَدْخُلُونَ الْجَنَّة، وَلَا يَدْخُلُونَ النَّار أَصْلًا، لَكِنَّهُمْ يَرِدُونَهَا عَلَى الْخِلَاف الْمَعْرُوف فِي الْوُرُود. وَالصَّحِيح أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّم. أَعَاذَنَا اللَّه مِنْهَا وَمِنْ سَائِر الْمَكْرُوه.[قلت المدون هذا القسم الذي صدر به هذه التقسيمة هم التائبون أو المعفو عن تكليفهم لعلة تبيح ذلك..]،

أما الذين ماتوا علي الذنب مصرين عليه غير تائبين منه فيقول النووي:( وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ مَعْصِيَة كَبِيرَة وَمَاتَ مِنْ غَيْر تَوْبَة فَهُوَ فِي مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى: فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّة أَوَّلًا وَجَعَلَهُ كَالْقِسْمِ الْأَوَّل، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُرِيدهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى، ثُمَّ يُدْخِلهُ الْجَنَّة فَلَا يَخْلُد فِي النَّار أَحَد مَاتَ عَلَى التَّوْحِيد(يقصد: كان يقول لا إله إلا الله وإن ارتكب الفواحش والمعاصي ومات مصرا عليها)فهكذا يقول: وَلَوْ عَمِلَ مِنْ الْمَعَاصِي مَا عَمِلَ. كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة أَحَد مَاتَ عَلَى الْكُفْر وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَال الْبِرّ مَا عَمِلَ. ثم قال النووي:هَذَا مُخْتَصَر جَامِع لِمَذْهَبِ أَهْل الْحَقّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة. قال النووي:وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّة الْكِتَاب وَالسُّنَّة
وَإِجْمَاع مَنْ يُعْتَدّ بِهِ مِنْ الْأُمَّة عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة، وَتَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ نُصُوص تَحَصَّلَ الْعِلْم الْقَطْعِيّ.[قلت المدون: دعواه الإجماع علي ذلك دعوي باطلة ذلك لأن أجَلّّ الرجال قد رفضوا هذه القاعدة ومتعلقاتها منهم ابن المسيب وأبو الحسن البصري والبخاري وابن الصلاح وتأتي أقوالهم بعد أسطرٍ من هنا ]       قال النووي: فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَة حُمِلَ عَلَيْهَا جَمِيع مَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيث الْبَاب وَغَيْره. فَإِذَا وَرَدَ حَدِيث فِي ظَاهِره مُخَالَفَة وَجَبَ تَأْوِيله عَلَيْهَا  لِيَجْمَع بَيْن نُصُوص الشَّرْع، وَسَنَذْكُرُ مِنْ تَأْوِيل بَعْضهَا مَا يُعْرَف بِهِ تَأَوَّلَ الْبَاقِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَاللَّهُ أَعْلَم.
(قلت المدون  ولم يُجْمِع معهم سعيد ابن المسيب ولا الحسن البصري ولا البخاري ولا  ابن الصلاح وغيرهم من الأجلَّاءِ الورعين فكلهم علي رفض هذه التأويلات راجع أقوالهم الاتي بيانها بعد عدة اسطر) وفي تعليل رفض ابن الصلاح لهذه التأويلات  قال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ: يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.



قلت المدون(من هنا كل الكلام للنووي أما تعليقاتي فقد وضعتها بين معقوفين بادئة بلفظ [قلت المدون]
قال النووي: وَأَمَّا شَرْح أَحَادِيث الْبَاب فَنَتَكَلَّم عَلَيْهَا مُرَتَّبَة لَفْظًا وَمَعْنًى إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
38- قَوْله فِي الْإِسْنَاد الْأَوَّل (عَنْ إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم) وَفِي رِوَايَة أَبِي بَكْرِ بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ خَالِد قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ حُمْرَان عَنْ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَم أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة» أَمَّا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم فَهُوَ اِبْن عُلَيَّة، وَهَذَا مِنْ اِحْتِيَاط مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه فَإِنَّ أَحَد الرَّاوِيَيْنِ قَالَ: اِبْن عُلَيَّة وَالْآخَر قَالَ: إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم، فَبَيَّنَهُمَا وَلَمْ يَقْتَصِر عَلَى أَحَدهمَا. و(عُلَيَّة) أُمّ إِسْمَاعِيل وَكَانَ يَكْرَه أَنْ يُقَال لَهُ اِبْن عُلَيَّة، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه.
وَأَمَّا (خَالِد) فَهُوَ اِبْن مِهْرَانَ الْحَذَّاء كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، وَهُوَ مَمْدُود وَكُنْيَته أَبُو الْمَنَازِل بِالْمِيمِ الْمَضْمُومَة وَالنُّون وَالزَّاي وَاللَّام.
قَالَ أَهْل الْعِلْم: لَمْ يَكُنْ خَالِد حَذَّاء قَطُّ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يَجْلِس إِلَيْهِمْ، فَقِيلَ لَهُ الْحَذَّاء لِذَلِكَ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور.
وَقَالَ فَهْد بْن حَيَّان بِالْفَاءِ: إِنَّمَا كَانَ يَقُول: أَحْذُوا عَلَى هَذَا النَّحْو فَلُقِّبَ بِالْحَذَّاءِ. وَخَالِد يُعَدّ فِي التَّابِعِينَ.
وَأَمَّا الْوَلِيد بْن مُسْلِم بْن شِهَاب الْعَنْبَرِيّ الْبَصْرِيّ أَبُو بِشْر فَرَوَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ، وَرُبَّمَا اِشْتَبَهَ عَلَى بَعْض مَنْ لَمْ يَعْرِف الْأَسْمَاء بِالْوَلِيدِ بْن مُسْلِم الْأُمَوِيّ مَوْلَاهُمْ الدِّمَشْقِيّ أَبِي الْعَبَّاس صَاحِب الْأَوْزَاعِيِّ، وَلَا يَشْتَبِه ذَلِكَ عَلَى الْعُلَمَاء بِهِ فَإِنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ فِي النَّسَب إِلَى الْقَبِيلَة وَالْبَلْدَة وَالْكُنْيَة كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي الطَّبَقَة فَإِنَّ الْأَوَّل أَقْدَم طَبَقَة وَهُوَ فِي طَبَقَة كِبَار شُيُوخ الثَّانِي، وَيَفْتَرِقَانِ أَيْضًا فِي الشُّهْرَة وَالْعِلْم وَالْجَلَالَة؛ فَإِنَّ الثَّانِي مُتَمَيِّز لِذَلِكَ كُلّه.
قَالَ الْعُلَمَاء: اِنْتَهَى عِلْم الشَّام إِلَيْهِ وَإِلَى إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش، وَكَانَ أَجَلّ مِنْ اِبْن عَيَّاش رَحِمَهُمْ اللَّه أَجْمَعِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وَأَمَّا (حُمْرَان) فَبِضَمِّ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الْمِيم وَهُوَ حُمْرَان بْن أَبَان مَوْلَى عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. كُنْيَة حُمْرَان أَبُو زَيْد كَانَ مِنْ سَبْي عَيْن التَّمْر.
وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث وَمَا أَشْبَهَهُ فَقَدْ جَمَعَ فيه الْقَاضِي عِيَاض كَلَامًا حَسَنًا جَمَعَ فيه نَفَائِس، فَأَنَا أَنْقُل كَلَامه مُخْتَصَرًا ثُمَّ أَضُمّ بَعْده إِلَيْهِ مَا حَضَرَنِي مِنْ زِيَادَة.
قال النووي قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: اِخْتَلَفَ النَّاس فِيمَنْ عَصَى اللَّه تَعَالَى مِنْ أَهْل الشَّهَادَتَيْنِ فَقَالَتْ الْمُرْجِئَة: لَا تَضُرّهُ الْمَعْصِيَة مَعَ الْإِيمَان، وَقَالَتْ الْخَوَارِج: تَضُرّهُ وَيَكْفُر بِهَا، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَة يَخْلُد فِي النَّار إِذَا كَانَتْ مَعْصِيَته كَبِيرَة، وَلَا يُوصَف بِأَنَّهُ مُؤْمِن وَلَا كَافِر، وَلَكِنْ يُوصَف بِأَنَّهُ فَاسِق. وَقَالَتْ الْأَشْعَرِيَّة: بَلْ هُوَ مُؤْمِن وَإِنْ لَمْ يُغْفَر لَهُ وَعُذِّبَ فلابد مِنْ إِخْرَاجه مِنْ النَّار وَإِدْخَاله الْجَنَّة.[قلت المدون: مذهب النووي في الحقيقة أشعري ينتسب ظاهريا الي أهل السنة] قَالَ النووي عن القاضي عياض:وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى الْخَوَارِج وَالْمُعْتَزِلَة. وَأَمَّا الْمُرْجِئَة فَإِنْ اِحْتَجَّتْ بِظَاهِرِهِ قُلْنَا: مَحْمَله عَلَى أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ، أَوْ أُخْرِج مِنْ النَّار بِالشَّفَاعَةِ، ثُمَّ أُدْخِل الْجَنَّة. فَيَكُون مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «"دَخَلَ الْجَنَّة" أَيْ دَخَلَهَا بَعْد مُجَازَاته بِالْعَذَابِ. وَهَذَا لابد مِنْ تَأْوِيله لِمَا جَاءَ فِي ظَوَاهِر كَثِيرَة مِنْ عَذَاب بَعْض الْعُصَاة فلابد مِنْ تَأْوِيل هَذَا لِئَلَّا تَتَنَاقَض نُصُوص الشَّرِيعَة.[قلت المدون بأست الخوارج علي المعتزلة علي المرجئة علي الأشاعرة كلهم ضلال وباطل فلا يدخل الجنة الا نفسٌ مؤمنةٌ  ولا يدخل الجنة الا التائبون الذين ماتوا يوم ماتوا تائبين [ ألم تسمع قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( /الحجرات11 )] قلت المدون وما بعد ذلك أي بعد التوبة والموت عليها فهو الي الجنة إن بعد دخول النار أو بعد عفو الله أو بعد تكفير الله لسيئاته بما يشاء هو سبحانه فالتوبة والموت هي المسوغ الإلهي لرضاه ودخول الجنة

 
قال النووي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهُوَ يَعْلَم» إِشَارَة إِلَى الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ غُلَاة الْمُرْجِئَة: إِنَّ مُظْهِرَ الشَّهَادَتَيْنِ يُدْخِل الْجَنَّة وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِد ذَلِكَ بِقَلْبِهِ. وَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ فِي حَدِيث آخِر بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَيْر شَاكّ فيهمَا». وَهَذَا يُؤَكِّد مَا قُلْنَاهُ. قال النووي وقَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ يَحْتَجّ بِهِ أَيْضًا مَنْ يُرَى أَنَّ مُجَرَّد مَعْرِفَة الْقَلْب نَافِعَة دُون النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْعِلْم. وَمَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ الْمُعَرَّقَة مُرْتَبِطَة بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا تَنْفَع إِحْدَاهُمَا وَلَا تُنَجِّي مِنْ النَّار دُون الْأُخْرَى إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَقْدِر عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ لِآفَةٍ بِلِسَانِهِ أَوْ لَمْ تُمْهِلهُ الْمُدَّة لِيَقُولَهَا، بَلْ اِخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّة. وَلَا حُجَّة لِمُخَالِفِ الْجَمَاعَة بِهَذَا اللَّفْظ؛ إِذْ قَدْ وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث الْآخَر: «مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه اللَّه وَأَنِّي رَسُول اللَّه» وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيث وَأَمْثَاله كَثِيرَة فِي أَلْفَاظهَا اِخْتِلَاف، وَلِمَعَانِيهَا عِنْد أَهْل التَّحْقِيق اِئْتِلَاف، فَجَاءَ هَذَا اللَّفْظ فِي هَذَا الْحَدِيث.[قلت المدون  قال
لشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ: يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره. }}}} وليس الأمر كذلك فإن ابن الصلاح عالم المصطلح نوه إلي أن الأمر يخضع لصحة الحديث كما ذكر قبل سطرين وصحة الزيادات عليه ولا يصلح أخذه لمجرد طريق أحاد أضطربت في رواياته طرقه وألفاظه وتحقيقه هو أن يعتمد علي أصح رواية وأصح زيادة وإذن فلا يصلح مطلقا نص الرواية المختصرة من قال لا إله إلا الله دخل الجنة]لأن هناك أصح منها اشترط عبارات تدل علي [ قلت المدون: أن شهادة لا إله إلا الله +الصدق + الإخلاص من قلبه+التوبة مدللا عليها بقوله من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة والتوبة بهذه الصفه ماحية لكل الذنوب] وَفِي رِوَايَة مُعَاذ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ آخِر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة». وَفِي رِوَايَة عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ اللَّه لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّة» وَعَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْد يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَى النَّار» وَنَحْوه فِي حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت وَعِتْبَان بْن مَالِك وَزَادَ فِي حَدِيث عُبَادَةَ: «عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَل».
وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: «لَا يَلْقَى اللَّه تَعَالَى بِهِمَا عَبْد غَيْر شَاكّ فيهمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّة وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ».قلت المدون هذا الللفظ زيادة ثقة قيدت مطلق المعني في الخروج من النار ودخول الجنة وليس كما أطلقه النووي والمتأولين.....وَفِي حَدِيث أَنَس: «حَرَّمَ اللَّه عَلَى النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْه اللَّه تَعَالَى».

قلت المدون هذا الللفظ زيادة ثقة قيدت مطلق المعني في الخروج من النار ودخول الجنة وليس كما أطلقه النووي والمتأولين/      /
قال النووي هَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا سَرَدَهَا مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه، فَحَكَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف رَحِمَهُمْ اللَّه :

۱. مِنْهُمْ اِبْن الْمُسَيِّب أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْل نُزُول الْفَرَائِض وَالْأَمْر وَالنَّهْي، 

٢. وَقَالَ بَعْضهمْ هِيَ مُجْمَلَة تَحْتَاج إِلَى شَرْح، وَمَعْنَاهُ: مَنْ قَالَ الْكَلِمَة وَأَدَّى حَقّهَا وَفَرِيضَتهَا. وَهَذَا قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ. 

٣. البخاري رحمه الله قال إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْد النَّدَم وَالتَّوْبَة، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا قَوْل الْبُخَارِيّ.
[قلت المدون هكذا فهم أجلاء التابعين أن القولة من غير حقوقها لا تساوي شيئا وليس كما قال النووي وأمثاله من المتأولين بالباطل لدرجة أن البخاري رحمه الله قال إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْد النَّدَم وَالتَّوْبَة، وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا قَوْل الْبُخَارِيّ.]
 
وَقال البخاري رحمه الله: إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْد النَّدَم وَالتَّوْبَة. وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا قَوْل الْبُخَارِيّ.



٤. وَذَكَرَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ: يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.  

قلت المدون :قال النووي مصرا علي باطله بعدما دفع بجملة من فهموا أن قولة لا إله إلا الله لا تنفع إن لم يمت صاحبها علي التوبة من الخطايا(بخاري) أو مَنْ قَالَ الْكَلِمَة وَأَدَّى حَقّهَا وَفَرِيضَتهَا(وَهَذَا قَوْل الْحَسَن الْبَصْرِيّ) أو أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْل نُزُول الْفَرَائِض وَالْأَمْر وَالنَّهْي (ابن المسيب) أو اضطراب في الروياية بين الاختصار والإسقاط (وهذا قول ابن الصلاح وهناك حتما رجال من أمة الإسلام رفضوا تأويلات النووي وداسوا عليها واجتازوها واعتبروها باطلة في سابق الزمان وحتي في هذه الأيام)
قلت المدون: ثم ذهب النووي يمسح تأثير أقول أجل التابعين ابن المسيب والحسن البصري والبخاري من أذهان من سمعوها وقرأوها بقوله الزور: وَهَذِهِ التَّأْوِيلَات إِنَّمَا هِيَ إِذَا حُمِلَتْ الْأَحَادِيث عَلَى ظَاهِرهَا. وَأَمَّا إِذَا نَزَلَتْ مَنَازِلهَا فَلَا يُشْكِل تَأْوِيلهَا عَلَى مَا بَيَّنَهُ الْمُحَقِّقُونَ.[قلت المدون وهل نزل الشرع كله وجزءه إلا بتكليف المؤمنين بظاهر ما قصد الله وأراد] قلت المدون: إن النووي قد انتهج التأويل بالباطل وإخراج النصوص عن ظاهر مدلولاته وحرَّف آيات الله وسنة رسوله وآن الأوان لأمة الإسلام أن يفيقوا من هذه الغفلة التي غمر بها النووي وأصحابه المتأولين بالباطل أجيالا من المسلمين وسبَّبَ لهم هذا التأثير الضال الظالم: ١.  لحق الله   ٢.  وحق رسوله    ٣.  وحقوق أجيال المسلمين حتي يومنا هذا التالية لوجودة  الانتكاسات واحدة تلو الأخري والمذلة والمهانة التي وُضِعُوا فيها بين أرذل الأمم وكان حقهم أن يكونوا هم أعلي الأمم  .. وقد نجح الشيطان في إضلال عقودٍ كثرةٍ من المسلمين عن طريق هذا المتأول وأمثاله ممن جعلوا الدين القيم في صدور المسلمين بهذا الهوان جعلوه وياللأسف عبارة تقال تحت مسمي لا إله إلا الله واستباحوا كل الذنوب والمعاصي حتي لو ماتوا عليه والبجاحة أنهم أي المتأولين تدخلوا في الآخرة وقرروا  هم،  من يدخل الجنة ومن يخرج من النار ويدخل الجنة ضاربين بحق الله سبحانه عرض الحائط انزل ٩  أسطر تحت فقرة الضلال النووي والمتأولين] قال النووي:    فَنُقَرِّر أَوَّلًا أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ السَّلَف الصَّالِح وَأَهْل الْحَدِيث وَالْفُقَهَاء وَالْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى مَذْهَبهمْ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ {{{{ أَنَّ أَهْل الذُّنُوب فِي مَشِيئَة اللَّه تَعَالَى. وَأَنَّ كُلّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَان وَتَشَهَّدَ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبه بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَدْخُل الْجَنَّة. فَإِنْ كَانَ تَائِبًا أَوْ سَلِيمًا مِنْ الْمَعَاصِي دَخَلَ الْجَنَّة بِرَحْمَةِ رَبِّهِ وَحَرُمَ عَلَى النَّار بِالْجُمْلَةِ. فَإِنْ حَمَلْنَا اللَّفْظَيْنِ الْوَارِدَيْنِ عَلَى هَذَا فِيمَنْ هَذِهِ صِفَته كَانَ بَيِّنًا.

  قلت المدون وبهذه الكلمات الخادعة ذهب يصرف أفاضل الناس البخاري والحسن عن معني الحديث السابق الإشارة اليه ] قال المتأول بالباطل:: النووي:: وَهَذَا مَعْنَى تَأْوِيلَيْ الْحَسَن وَالْبُخَارِيّ،  


فقرة الضلال النووي وما نسبه الي القاضي عياض :
وَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ الْمُخَلَّطِينَ بِتَضْيِيعِ مَا أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ، أَوْ بِفِعْلِ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ. فَهُوَ فِي الْمَشِيئَة لَا يُقْطَع فِي أَمْرِهِ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى النَّار وَلَا بِاسْتِحْقَاقِهِ الْجَنَّة لِأَوَّلِ وَهْلَة. بَلْ يُقْطَع بِأَنَّهُ لابد مِنْ دُخُوله الْجَنَّة آخِرًا. وَحَاله قَبْل ذَلِكَ فِي خَطَر الْمُشِيئَة. إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى عَذَّبَهُ بِذَنْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ بِفَضْلِهِ. وَيُمْكِن أَنْ تَسْتَقِلّ الْأَحَادِيث بِنَفْسِهَا وَيُجْمَع بَيْنهَا فَيَكُون الْمُرَاد بِاسْتِحْقَاقِ الْجَنَّة مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ إِجْمَاع أَهْل السُّنَّة أَنَّهُ لابد مِنْ دُخُولهَا لِكُلِّ مُوَحِّد إِمَّا مُعَجَّلًا مُعَافًى، وَإِمَّا مُؤَخَّرًا وَالْمُرَاد بِتَحْرِيمِ النَّار تَحْرِيم الْخُلُود خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَيَجُوز فِي حَدِيث: «مَنْ كَانَ آخِر كَلَامِهِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة» أَنْ يَكُون خُصُوصًا لِمَنْ كَانَ هَذَا آخِر نُطْقه وَخَاتِمَة لَفْظه، وَإِنْ كَانَ قَبْل مُخَلِّطًا فَيَكُون سَبَبًا لِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُ وَنَجَاته رَأْسًا مِنْ النَّار، وَتَحْرِيمه عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ آخِر كَلَامه مِنْ الْمُوَحِّدِينَ الْمُخَلِّطِينَ. وَكَذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيث عُبَادَة مِنْ مِثْل هَذَا وَدُخُوله مِنْ أَيّ أَبْوَاب الْجَنَّة شَاءَ يَكُون خُصُوصًا لِمَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَرَنَ بِالشَّهَادَتَيْنِ حَقِيقَة الْإِيمَان وَالتَّوْحِيد الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثه فَيَكُون لَهُ مِنْ الْأَجْر مَا يَرْجَح عَلَى سَيِّئَاته، وَيُوجِب لَهُ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة وَدُخُول الْجَنَّة لِأَوَّلِ وَهْلَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم.   هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي عِيَاض وَهُوَ فِي نِهَايَة الْحُسْن.
قلت المدون  وقد انزعج أيضا بقول ابن المسيب فذهب يرد عليه قوله فقال النووي: وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب وَغَيْره فَضَعِيف بَاطِل وَذَلِكَ لِأَنَّ رَاوِيَ أَحَد هَذِهِ الْأَحَادِيث أَبُو هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ مُتَأَخِّر الْإِسْلَام أَسْلَمَ عَام خَيْبَر سَنَة سَبْع بِالِاتِّفَاقِ،وَكَانَتْ أَحْكَام الشَّرِيعَة مُسْتَقِرَّة وَأَكْثَر هَذِهِ الْوَاجِبَات كَانَتْ فُرُوضهَا مُسْتَقِرَّة، وَكَانَتْ الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالزَّكَاة وَغَيْرهَا مِنْ الْأَحْكَام قَدْ تَقَرَّرَ فَرْضهَا، وَكَذَا الْحَجّ عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ فُرِضَ سَنَة خَمْس أَوْ سِتّ، وَهُمَا أَرْجَح مِنْ قَوْل مَنْ قَالَ سَنَة تِسْع. وَاَللَّه أَعْلَم.[قلت المدون يقوم النووي بإسقاط كل روايات الصحابي الجليل أبي هريرة بهذه الأقوال السابقة قبل عدة أسطر لمجرد تعرض روايتة سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة مع رأيه الباطل الذي رفضه سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة] 

قلت المدون    ، كما لم يرد حتي بباطله المعهود علي ابن الصلاح الذي رفض تصريحات النووي وقاعدته في تأويل الحديث، ومن شابهه واكتفي بذكر قوله ، حتي يتصور القارئ أنه أورده ورد عليه وهو لم يفعل وكلام ابن الصلاح حق لا مراء فيه كما أوردنا هنا روابط تخريجات روايات الحديث وطرقه وشواهده  أسانيده من اسلام ويب رابط الحديث

ادخل وستري مدي ضلال النووي في قصر دخول الجنة علي فقط من قال لا اله الا الله ولو مات علي المعاصي مصرا عليه غير تائب منهأن النووي ظالم بقصره مصائر البشر من المسلمين علي الاستدلال برواية واحدة ناقصة في النقل مختصرة في الرواية غير متقنة في الحفظ

☟☟☟☟☟☟☟



رقم الحديث: 37 .
(حديث مرفوع) وحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مَرْوَانُ يَعْنِيَانِ الْفَزَارِيَّ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : " مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، حَرُمَ مَالُهُ ، وَدَمُهُ ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ " . وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ . ح وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ كِلَاهُمَا ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِهِ .
 صحيح مسلم » كِتَاب الإِيمَانِ الروابط لموقع اسلام ويب وانبه القارئ أن الموقع بجهده الكبير وضع لكل حديث اربع أقواس معقوفات [ تخريج ] [ شواهد ][أطراف] [ الأسانيد ] ادخل علي حديث من قال لا اله الا الله دخل الجنة وتابع طرقه الكثيرة والتي زعم النووي ان حديث ابي هريرة لا يصلح لأنه حديث عهد بالاسلام وطعن في روايته

وَذَكَرَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ: يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.
قلت المدون وهذه من إضلالات النووي فليس ابو هريرة هو راوي الحديث وحده بل رواه من الصحابة عدد غفير بزيادات صحيحة تدحض مذهب النووي في تضلي الخلق وقصر الأمر علي حديث من قال لا اله الا الله صدقا من قلب--مخلصا بها قلبه        و ..و..و..و  اضغط رابط طرق الحديث في موقع اسلام ويب الرابط:☟☟☟☟☟☟
 صحيح مسلم » كِتَاب الإِيمَانِ الروابط لموقع اسلام ويب وانبه القارئ أن الموقع بجهده الكبير وضع لكل حديث اربع أقواس معقوفات[ تخريج ][ شواهد ][ أطراف ][ الأسانيد ] ادخل علي حديث من قال لا اله الا الله دخل الجنة وتابع طرقه الكثيرة والتي زعم النووي ان حديث ابي هريرة لا يصلح لأنه حديث عهد بالاسلام وطعن في روايته،،، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْو هَذَا التَّأْوِيل قَالَ: وَيَجُوز أَنْ يَكُون اِخْتِصَارًا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا خَاطَبَ بِهِ الْكُفَّار عَبَدَة الْأَوْثَان الَّذِينَ كَانَ تَوْحِيدهمْ لِلَّهِ تَعَالَى مَصْحُوبًا بِسَائِرِ مَا يَتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِسْلَام وَمُسْتَلْزِمًا لَهُ. وَالْكَافِر إِذَا كَانَ لَا يُقِرّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ كَالْوَثَنِيِّ وَالثَّنَوِيِّ فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وَحَاله الْحَال الَّتِي حَكَيْنَاهَا، حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. وَلَا نَقُول وَالْحَالَة هَذِهِ مَا قَالَهُ بَعْض أَصْحَابنَا مِنْ أَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يُحْكَم بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ يُجْبَر عَلَى قَبُول سَائِر الْأَحْكَام فَإِنَّ حَاصِله رَاجِع إِلَى أَنَّهُ يُجْبَر حِينَئِذٍ عَلَى إِتْمَام الْإِسْلَام، وَيُجْعَل حُكْمه حُكْم الْمُرْتَدّ إِنْ لَمْ يَفْعَل مِنْ غَيْر أَنْ يُحْكَم بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ فِي نَفْس الْأَمْر، وَفِي أَحْكَام الْآخِرَة. وَمَنْ وَصَفْنَاهُ مُسْلِم فِي نَفْس الْأَمْر وَفِي أَحْكَام الْآخِرَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
39- قَوْله: حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه الْأَشْجَعِيُّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ طَلْحَة بْن مُصَرِّف عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيث» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيد شَكَّ الْأَعْمَشُ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْم غَزْوَة تَبُوك الْحَدِيث) هَذَانِ الْإِسْنَادَانِ مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَلَّلَهُ. فَأَمَّا الْأَوَّل فَعَلَّلَهُ مِنْ جِهَة أَنَّ أَبَا أُسَامَة وَغَيْره خَالَفُوا عُبَيْد اللَّه الْأَشْجَعِيَّ فَرَوَوْهُ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَلٍ عَنْ طَلْحَة عَنْ أَبِي صَالِح مُرْسَلًا وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَّلَهُ لِكَوْنِهِ اُخْتُلِفَ فيه عَنْ الْأَعْمَش. فَقِيلَ فيه أَيْضًا عَنْهُ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ جَابِر وَكَانَ الْأَعْمَش يَشُكّ فيه.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه: هَذَانِ الِاسْتِدْرَاكَانِ مِنْ الدَّارَقُطْنِيِّ مَعَ أَكْثَر اِسْتِدْرَاكَاته عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم قَدْح فِي أَسَانِيدهمَا غَيْر مُخْرِج لِمُتُونِ الْأَحَادِيث مِنْ حَيِّز الصِّحَّة.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَبُو مَسْعُود إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الدِّمَشْقِيُّ الْحَافِظ فِيمَا أَجَابَ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنْ اِسْتِدْرَاكَاته عَلَى مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ الْأَشْجَعِيَّ ثِقَة مُجَوِّد، فَإِذَا جَوَّدَ مَا قَصَّرَ فيه غَيْره حُكِمَ لَهُ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْحَدِيث لَهُ أَصْل ثَابِت عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِوَايَةِ الْأَعْمَش لَهُ مُسْنَدًا، وَبِرِوَايَةِ يَزِيد بْن أَبِي عُبَيْد وَإِيَاس بْن سَلَمَة بْن الْأَكْوَع عَنْ سَلَمَة.
قَالَ الشَّيْخ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا شَكُّ الْأَعْمَشِ فَهُوَ غَيْر قَادِح فِي مَتْن الْحَدِيث فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي عَيْن الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي لَهُ وَذَلِكَ غَيْر قَادِح لِأَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ كُلّهمْ عُدُول. هَذَا آخِر كَلَام الشَّيْخِ أَبِي عَمْرو رَحِمَهُ اللَّه. قُلْت: وَهَذَانِ الِاسْتِدْرَاكَانِ لَا يَسْتَقِيم وَاحِد مِنْهُمَا.
أَمَّا الْأَوَّل: فَلِأَنَّا قَدَّمْنَا فِي الْفُصُول السَّابِقَة أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ بَعْض الثِّقَات مَوْصُولًا وَبَعْضهمْ مُرْسَلًا فَالصَّحِيح الَّذِي قَالَهُ الْفُقَهَاء وَأَصْحَاب الْأُصُول وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْحُكْم لِرِوَايَةِ الْوَصْل سَوَاء كَانَ رَاوِيهَا أَقَلّ عَدَدًا مِنْ رِوَايَة الْإِرْسَال، أَوْ مُسَاوِيًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَة ثِقَة. فَهَذَا مَوْجُود هُنَا وَهُوَ كَمَا قَالَ الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيُّ جَوَّدَ وَحَفِظَ مَا قَصَّرَ فيه غَيْره.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا قَالَ الرَّاوِي: حَدَّثَنِي فُلَان أَوْ فُلَان وَهُمَا ثِقَتَانِ اُحْتُجَّ بِهِ بِلَا خِلَاف؛ لِأَنَّ الْمَقْصُود الرِّوَايَة عَنْ ثِقَة مُسَمًّى، وَقَدْ حَصَلَ. وَهَذِهِ قَاعِدَة ذَكَرَهَا الْخَطِيب الْبَغْدَادِيُّ فِي الْكِفَايَة، وَذَكَرَهَا غَيْره. وَهَذَا فِي غَيْر الصَّحَابَة فَفِي الصَّحَابَة أَوْلَى؛ فَإِنَّهُمْ كُلّهمْ عُدُول. فَلَا غَرَض فِي تَعْيِين الرَّاوِي مِنْهُمْ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا ضَبْط لَفْظ الْإِسْنَاد فَمِغْوَل بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفَتْح الْوَاو.
وَأَمَّا (مُصَرِّف) فَبِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الصَّاد الْمُهْمَلَة وَكَسْر الرَّاء. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْرُوف فِي كُتُب الْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَاب الْمُؤْتَلِف، وَأَصْحَاب أَسْمَاء الرِّجَال وَغَيْرهمْ. وَحَكَى الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْقَلَعِيُّ الْفَقِيه الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابه أَلْفَاظ الْمُهَذَّب أَنَّهُ يُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاء وَفَتْحهَا. وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ مِنْ رِوَايَة الْفَتْح غَرِيب مُنْكَر وَلَا أَظُنّهُ يَصِحّ وَأَخَاف أَنْ يَكُون قَلَّدَ فيه بَعْض الْفُقَهَاء أَوْ بَعْض النُّسَخ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، وَهَذَا كَثِير يُوجَد مِثْله فِي كُتُب الْفِقْه، وَفِي الْكُتُب الْمُصَنَّفَة فِي شَرْح أَلْفَاظهَا، فَيَقَع فيها تَصْحِيفَات وَنُقُول غَرِيبَة لَا تُعْرَف. وَأَكْثَر هَذِهِ أَغَالِيطُ لِكَوْنِ النَّاقِلِينَ لَهَا لَمْ يَتَحَرَّوْا فيها. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (حَتَّى هَمَّ بِنَحْرِ بَعْض حَمَائِلهمْ) رُوِيَ بِالْحَاءِ وَبِالْجِيمِ.
وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَة مِنْ الشُّرَّاح الْوَجْهَيْنِ لَكِنْ اِخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِح مِنْهُمَا- فَمِمَّنْ نَقَلَ الْوَجْهَيْنِ صَاحِب التَّحْرِير وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح، وَغَيْرهمَا. وَاخْتَارَ صَاحِب التَّحْرِير الْجِيم. وَجَزَمَ الْقَاضِي عِيَاض بِالْحَاءِ وَلَمْ يَذْكُر غَيْرهَا.
قَالَ الشَّيْخ أَوْ عَمْرو رَحِمَهُ اللَّه: وَكِلَاهُمَا صَحِيح فَهُوَ بِالْحَاءِ جَمْع حَمُولَة بِفَتْحِ الْحَاء وَهِيَ الْإِبِل الَّتِي تَحْمِل. وَبِالْجِيمِ جَمْع جِمَالَة بِكَسْرِهَا جَمْع جَمَل. وَنَظِيره حَجَرٌ وَحِجَارَة. وَالْجَمَل هُوَ الذَّكَر دُون النَّاقَة وَفِي هَذَا الَّذِي هَمَّ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَان لِمُرَاعَاةِ الْمَصَالِح وَتَقْدِيم الْأَهَمّ فَالْأَهَمّ وَارْتِكَاب أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ أَضَرِّهِمَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: يَا رَسُول اللَّه لَوْ جَمَعْت مَا بَقِيَ مِنْ أَزْوَاد الْقَوْم) هَذَا فيه بَيَان جَوَاز عَرْض الْمَفْضُول عَلَى الْفَاضِل مَا يَرَاهُ مَصْلَحَة لِيَنْظُر الْفَاضِل فيه، فَإِنْ ظَهَرَتْ لَهُ مَصْلَحَة فَعَلَهُ وَيُقَال: بَقِيَ بِكَسْرِ الْقَاف وَفَتْحهَا وَالْكَسْر لُغَة أَكْثَر الْعَرَب. وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآن الْكَرِيم وَالْفَتْح لُغَة طَيٍّ. وَكَذَا يَقُولُونَ فِيمَا أَشْبَهَهُ وَاَللَّه أَعْلَم.قَوْله: (فَجَاءَ ذُو الْبُرّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْر بِتَمْرِهِ).
قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِد: (وَذُو النَّوَاة بِنَوَاهُ) هَكَذَا هُوَ فِي أُصُولنَا وَغَيْرهَا. الْأَوَّل النَّوَاة بِالتَّاءِ فِي آخِره وَالثَّانِي بِحَذْفِهَا. وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ الْأُصُول كُلّهَا ثُمَّ قَالَ: وَوَجْهه ذُو النَّوَى بِنَوَاهُ كَمَا قَالَ ذُو التَّمْر بِتَمْرِهِ.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو: وَجَدْته فِي كِتَاب أَبِي نُعَيْم الْمُخَرَّج عَلَى صَحِيح مُسْلِم ذُو النَّوَى بِنَوَاهُ.
قَالَ: وَلِلْوَاقِعِ فِي كِتَاب مُسْلِم وَجْه صَحِيح وَهُوَ أَنْ يَجْعَل النَّوَاة عِبَارَة عَنْ جُمْلَة مِنْ النَّوَى أُفْرِدَتْ عَنْ غَيْرهَا كَمَا أُطْلِقَ اِسْم الْكَلِمَة عَلَى الْقَصِيدَة أَوْ تَكُون النَّوَاة مِنْ قَبِيل مَا يُسْتَعْمَل فِي الْوَاحِد وَالْجَمْع. ثُمَّ إِنَّ الْقَائِل قَالَ: مُجَاهِد هُوَ طَلْحَة بْن مُصَرِّف.
قَالَهُ الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيِّ بْن سَعِيد الْمِصْرِيُّ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز خَلْط الْمُسَافِرِينَ أَزْوَادهمْ وَأَكْلهمْ مِنْهَا مُجْتَمِعِينَ وَإِنْ كَانَ بَعْضهمْ يَأْكُل أَكْثَر مِنْ بَعْض.
وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابنَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّة وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (كَانُوا يَمَصُّونَهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيم هَذِهِ اللُّغَة الْفَصِيحَة الْمَشْهُورَة وَيُقَال: مَصِصْت الرُّمَّانَة وَالتَّمْرَة وَشِبْههمَا بِكَسْرِ الصَّاد أَمَصّهَا بِفَتْحِ الْمِيم. وَحَكَى الزُّهْرِيُّ عَنْ بَعْض الْعَرَب ضَمّ الْمِيم. وَحَكَى أَبُو عُمَر الزَّاهِد فِي شَرْح الْفَصِيح عَنْ ثَعْلَب عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيِّ هَاتَيْنِ اللُّغَتَيْنِ (مَصِصْت) بِكَسْرِ الصَّاد (أَمُصّ) بِضَمِّ الْمِيم، وَمَصَصْت بِفَتْحِ الصَّاد أَمُصّ بِضَمِّ الْمِيم مَصًّا فيهمَا فَأَنَا مَاصّ وَهِيَ مَمْصُوصَة. وَإِذَا أَمَرْت مِنْهُمَا قُلْت مَصَّ الرُّمَّانَة وَمَصِّهَا وَمُصَّهَا وَمُصِّهَا وَمُصُّهَا فَهَذِهِ خَمْس لُغَات فِي الْأَمْر فَتْح الْمِيم مَعَ الصَّاد وَمَعَ كَسْرهَا وَضَمّ الْمِيم مَعَ فَتْح الصَّاد وَمَعَ كَسْرهَا وَضَمّهَا هَذَا كَلَام ثَعْلَب. وَالْفَصِيح الْمَعْرُوف فِي مَصِّهَا وَنَحْوه مِمَّا يَتَّصِل بِهِ هَاء التَّأْنِيث لِمُؤَنَّثٍ أَنَّهُ يَتَعَيَّن فَتْح مَا يَلِي الْهَاء وَلَا يُكْسَر وَلَا يُضَمّ.
قَوْله: (حَتَّى مَلَأ الْقَوْم أَزْوِدَتهمْ) هَكَذَا الرِّوَايَة فيه فِي جَمِيع الْأُصُول وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْأُصُول جَمِيعهَا الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح: الْأَزْوِدَة جَمْع زَاد وَهِيَ لَا تُمْلَأ إِنَّمَا تُمْلَأ بِهَا أَوْعِيَتهَا قَالَ وَوَجْهه عِنْدِي أَنْ يَكُون الْمُرَاد حَتَّى مَلَأ الْقَوْم أَوْعِيَة أَزْوِدَتهمْ فَحُذِفَ الْمُضَاف وَأُقِيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مَقَامه.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَيُحْتَمَل أَنَّهُ سَمَّى الْأَوْعِيَة أَزْوَادًا بِاسْمِ مَا فيها كَمَا فِي نَظَائِره. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث عَلَمٌ مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة الظَّاهِرَة. وَمَا أَكْثَر نَظَائِره الَّتِي يَزِيد مَجْمُوعهَا عَلَى شَرْط التَّوَاتُر وَيُحَصِّل الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ وَقَدْ جَمَعَهَا الْعُلَمَاء وَصَنَّفُوا فيها كُتُبًا مَشْهُورَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
40- قَوْله: «لَمَّا كَانَ يَوْم غَزْوَة تَبُوك أَصَابَ النَّاس مَجَاعَة» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ (يَوْم غَزْوَة تَبُوك) وَالْمُرَاد بِالْيَوْمِ هُنَا الْوَقْت وَالزَّمَان لَا الْيَوْم الَّذِي هُوَ مَا بَيْن طُلُوع الْفَجْر وَغُرُوب الشَّمْس. وَلَيْسَ فِي كَثِير مِنْ الْأُصُول أَوْ أَكْثَرهَا ذِكْر الْيَوْم هُنَا.
وَأَمَّا الْغَزْوَة فَيُقَال فيها أَيْضًا الْغُزَاة.
وَأَمَّا (تَبُوك) فَهِيَ مِنْ أَدْنَى أَرْض الشَّام. وَالْمَجَاعَة بِفَتْحِ الْمِيم وَهُوَ الْجُوع الشَّدِيد.
قَوْله: (فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه لَوْ أَذِنْت لَنَا فَنَحْرنَا نَوَاضِحنَا فَأَكَلْنَا وَادَّهَنَّا) النَّوَاضِح مِنْ الْإِبِل الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا.
قلت المدون ما سيأتي جزء من كلام النووي تستطيع استخراج تأويلاته الباطلة وتعرف ذلك ببدئه كلامه في تأول كل حديث يشرع في تأويله☟☟☟☟☟
قَالَ أَبُو عُبَيْد: الذَّكَر مِنْهَا نَاضِح وَالْأُنْثَى نَاضِحَة.
قَالَ صَاحِب التَّحْرِير: قَوْله (وَادَّهَنَّا) لَيْسَ مَقْصُوده مَا هُوَ الْمَعْرُوف مِنْ الِادِّهَان وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: اِتَّخَذْنَا دُهْنًا مِنْ شُحُومهَا. وَقَوْلهمْ: (لَوْ أَذِنْت لَنَا) هَذَا مِنْ أَحْسَن آدَاب خِطَاب الْكِبَار وَالسُّؤَال مِنْهُمْ. فَيُقَال: لَوْ فَعَلْت كَذَا. أَوْ أَمَرْت بِكَذَا، لَوْ أَذِنْت فِي كَذَا، وَأَشَرْت بِكَذَا.
وَمَعْنَاهُ لَكَانَ خَيْرًا أَوْ لَكَانَ صَوَابًا وَرَأْيًا مَتِينًا أَوْ مَصْلَحَة ظَاهِرَة وَمَا أَشْبَهَ هَذَا. فَهَذَا أَجْمَل مِنْ قَوْلهمْ لِلْكَبِيرِ: اِفْعَلْ كَذَا بِصِيغَةِ الْأَمْر. وَفيه أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعَسْكَر مِنْ الْغُزَاة أَنْ يُضَيِّعُوا دَوَابَّهُمْ الَّتِي يَسْتَعِينُونَ بِهَا فِي الْقِتَال بِغَيْرِ إِذْن الْإِمَام، وَلَا يَأْذَن لَهُمْ إِلَّا إِذَا رَأَى مَصْلَحَة، أَوْ خَافَ مَفْسَدَة ظَاهِرَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَجَاءَ عُمَر فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنْ فَعَلْت قَلَّ الظَّهْر) فيه جَوَاز الْإِشَارَة عَلَى الْأَئِمَّة وَالرُّؤَسَاء. وَأَنَّ لِلْمَفْضُولِ أَنْ يُشِير عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا رَأَوْهُ إِذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَته عِنْده، وَأَنْ يُشِير عَلَيْهِمْ بِإِبْطَالِ مَا أَمَرُوا بِفِعْلِهِ. وَالْمُرَاد بِالظَّهْرِ هُنَا الدَّوَابّ، سُمِّيَتْ ظَهْرًا لِكَوْنِهَا يُرْكَب عَلَى ظَهْرهَا، أَوْ لِكَوْنِهَا يُسْتَظْهَر بِهَا وَيُسْتَعَان عَلَى السَّفَر.
قَوْله: (ثُمَّ اُدْعُ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ عَلَيْهَا بِالْبَرَكَةِ لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَجْعَل فِي ذَلِكَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول الَّتِي رَأَيْنَا. وَفيه مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يَجْعَل فِي ذَلِكَ بَرَكَة أَوْ خَيْرًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ. فَحَذَفَ الْمَفْعُول بِهِ لِأَنَّهُ فَضْلَة. وَأَصْل الْبَرَكَة كَثْرَة الْخَيْر وَثُبُوته. وَتَبَارَكَ اللَّهُ ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَهُ، وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ.
قَوْله: (فَدَعَا بِنِطَعٍ) فيه أَرْبَع لُغَات مَشْهُورَة أَشْهُرهَا: كَسْر النُّون مَعَ فَتْح الطَّاء وَالثَّانِيَة: بِفَتْحِهِمَا. وَالثَّالِثَة: بِفَتْحِ النُّون مَعَ إِسْكَان الطَّاء. وَالرَّابِعَة: بِكَسْرِ النُّون مَعَ إِسْكَان الطَّاء.
قَوْله: (وَفَضَلَتْ فَضْلَة) يُقَال: فَضِلَ وَفَضَلَ بِكَسْرِ الضَّاد وَفَتْحهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ.
41- قَوْله: (حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْن رُشَيْد حَدَّثَنَا الْوَلِيد يَعْنِي اِبْن مُسْلِم عَنْ اِبْن جَابِر قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْر بْن هَانِئ قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْن أَبِي أُمَيَّة قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَادَةُ بْن الصَّامِت) أَمَّا (رُشَيْد) فَبِضَمِّ الرَّاء وَفَتْح الشِّين.
وَأَمَّا (الْوَلِيد بْن مُسْلِم) فَهُوَ الدِّمَشْقِيُّ صَاحِب الْأَوْزَاعِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّل هَذَا الْبَاب بَيَانه.
وَقَوْله (يَعْنِي اِبْن مُسْلِم) قَدْ قَدَّمْنَا مَرَّات فَائِدَته، وَأَنَّهُ لَمْ يَقَع نَسَبه فِي الرِّوَايَة فَأَرَادَ إِيضَاحه مِنْ غَيْر زِيَادَة فِي الرِّوَايَة.
وَأَمَّا (اِبْن جَابِر) فَهُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن جَابِر الدِّمَشْقِيُّ الْجَلِيلُ.
وَأَمَّا (هَانِئ) فَهُوَ بِهَمْزٍ آخِره.
وَأَمَّا (جُنَادَةُ) بِضَمِّ الْجِيم فَهُوَ جُنَادَةُ بْن أَبِي أُمَيَّة وَاسْم أَبِي أُمَيَّة كَبِير بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة. وَهُوَ دَوْسِيٌّ أَزْدِيٌّ نَزَلَ فيهمْ شَامِيٌّ. وَجُنَادَةُ وَأَبُوهُ صَحَابِيَّانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيح الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ.
وَقَدْ رَوَى لَهُ النَّسَائِيُّ حَدِيثًا فِي صَوْم يَوْم الْجُمُعَة أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانِيَة أَنْفُس وَهُمْ صِيَام. وَلَهُ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيث الَّذِي فيه التَّصْرِيح بِصُحْبَتِهِ.
قَالَ أَبُو سَعِيد بْن يُونُس فِي تَارِيخ مِصْر: كَانَ مِنْ الصَّحَابَة، وَشَهِدَ فَتْح مِصْر. وَكَذَا قَالَ غَيْره. وَلَكِنَّ أَكْثَر رِوَايَاته عَنْ الصَّحَابَة.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد كَاتِب الْوَاقِدِيِّ: قَالَ اِبْن عَبْد اللَّه الْعِجْلِيُّ: وَهُوَ تَابِعِيٌّ مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ. وَكُنْيَة جُنَادَةَ أَبُو عَبْد اللَّه كَانَ صَاحِب غَزْو رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَهَذَا الْإِسْنَاد كُلّه شَامِيُّونَ إِلَّا دَاوُدَ بْن رُشَيْد فَإِنَّهُ خُوَارِزْمِيٌّ سَكَنَ بَغْدَاد.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ: أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله وَأَنَّ عِيسَى عَبْد اللَّه وَابْن أَمَتِهِ وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّة حَقّ، وَأَنَّ النَّار حَقّ أَدْخَلَهُ اللَّه مِنْ أَيِّ أَبْوَاب الْجَنَّة الثَّمَانِيَة شَاءَ» هَذَا حَدِيث عَظِيم الْمَوْقِع وَهُوَ أَجْمَع أَوْ مِنْ أَجْمَع الْأَحَادِيث الْمُشْتَمِلَة عَلَى الْعَقَائِد فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فيه مَا يُخْرِج عَنْ جَمِيع مِلَل الْكُفْر عَلَى اِخْتِلَاف عَقَائِدهمْ وَتَبَاعُدهمْ فَاخْتَصَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحْرُف عَلَى مَا يُبَايِن بِهِ جَمِيعهمْ وَسَمَّى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَلِمَة لِأَنَّهُ كَانَ بِكَلِمَةِ (كُنْ) فَحُسِبَ مِنْ غَيْر أَبٍ بِخِلَافِ غَيْره مِنْ بَنِي آدَم.
قَالَ الْهَرَوِيُّ سُمِّيَ كَلِمَة لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ الْكَلِمَة فَسُمِّيَ بِهَا. كَمَا يُقَال لِلْمَطَرِ رَحْمَة.
قَالَ الْهَرَوِيُّ: وَقَوْله تَعَالَى: {وَرُوح مِنْهُ} أَيْ رَحْمَة.
قَالَ: وَقَالَ اِبْن عَرَفَة: أَيْ لَيْسَ مِنْ أَب إِنَّمَا نَفَخَ فِي أُمّه الرُّوح وَقَالَ غَيْره وَرُوح مِنْهُ أَيْ مَخْلُوقَة مِنْ عِنْده وَعَلَى هَذَا يَكُون إِضَافَتهَا إِلَيْهِ إِضَافَة تَشْرِيف كَنَاقَةِ اللَّه وَبَيْت اللَّه. وَإِلَّا فَالْعَالَم لَهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَمِنْ عِنْده. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّال وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْمُقَدِّمَة. وَتَقَدَّمَ أَنَّ اِسْم الْأَوْزَاعِيِّ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو مَعَ بَيَان الِاخْتِلَاف فِي الْأَوْزَاع الَّتِي نُسِبَ إِلَيْهَا.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْخَلَهُ اللَّه الْجَنَّة عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَل» هَذَا مَحْمُول عَلَى إِدْخَاله الْجَنَّة فِي الْجُمْلَة فَإِنْ كَانَتْ لَهُ مَعَاصٍ مِنْ الْكَبَائِر فَهُوَ فِي الْمَشِيئَة فَإِنْ عُذِّبَ خُتِمَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَام الْقَاضِي وَغَيْره مَبْسُوطًا مَعَ بَيَان الِاخْتِلَاف فيه. وَاَللَّه أَعْلَم.
42- قَوْله: (عَنْ اِبْن عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَبَّانَ عَنْ اِبْن مُحَيْرِيزٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْت فَبَكَيْت فَقَالَ: مَهْلًا) أَمَّا (اِبْن عَجْلَان) بِفَتْحِ الْعَيْن فَهُوَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَجْلَان الْمَدَنِيُّ مَوْلَى فَاطِمَة بِنْت الْوَلِيد بْن عُتْبَةَ بْن رَبِيعَة كَانَ عَابِدًا فَقِيهًا وَكَانَ لَهُ حَلْقَة فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُفْتِي. وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَدْرَكَ أَنَسًا وَأَبَا الطُّفَيْل.
قَالَهُ أَبُو نُعَيْم رَوَى عَنْ أَنَس وَالتَّابِعِينَ. وَمِنْ طُرَف أَخْبَاره أَنَّهُ حَمَلَتْ بِهِ أُمّه أَكْثَر مِنْ ثَلَاث سِنِينَ.
وَقَدْ قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمَد فِي كِتَاب الْكُنَى: مُحَمَّد بْن عَجْلَان يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ لَيْسَ هُوَ بِالْحَافِظِ عِنْده. وَوَثَّقَهُ غَيْره.
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم هُنَا مُتَابَعَة. قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَذْكُر لَهُ فِي الْأُصُول شَيْئًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا (حَبَّانُ) فَبِفَتْحِ الْحَاء وَبِالْمُوَحَّدَةِ. وَمُحَمَّد بْن يَحْيَى هَذَا تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَأَمَّا (اِبْن مُحَيْرِيزٍ) فَهُوَ عَبْد اللَّه بْن مُحَيْرِيزٍ بْن جُنَادَةَ بْن وَهْب الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ مِنْ أَنْفُسهمْ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْد اللَّه التَّابِعِيّ الْجَلِيل. سَمِعَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْن الصَّامِت وَأَبُو مَحْذُورَة وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ وَغَيْرهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. سَكَنَ بَيْت الْمَقْدِس.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَنْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَلْيَقْتَدِ بِمِثْلِ اِبْن مُحَيْرِيزٍ؛ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُضِلّ أُمَّة فيها مِثْل اِبْن مُحَيْرِيزٍ.
وَقَالَ رَجَاء بْن حَيْوَةَ بَعْد مَوْت اِبْنِ مُحَيْرِيزٍ: وَاَللَّه إِنْ كُنْت لَأَعُدّ بَقَاء اِبْن مُحَيْرِيزٍ أَمَانًا لِأَهْلِ الْأَرْض.
وَأَمَّا (الصُّنَابِحِيُّ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَة فَهُوَ أَبُو عَبْد اللَّه عَبْد الرَّحْمَن بْن عُسَيْلَة بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمُرَادِيُّ. وَالصُّنَابِح بَطْن مِنْ مُرَاد وَهُوَ تَابِعِيّ جَلِيل رَحَلَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الطَّرِيق وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ قَبْل أَنْ يَصِل بِخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ سِتٍّ. فَسَمِعَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق وَخَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَدْ يُشْتَبَه عَلَى غَيْر الْمُشْتَغِل بِالْحَدِيثِ الصُّنَابِحِيّ هَذَا بِالصُّنَابِحِ اِبْن الْأَعْسَر الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَاد فيه لَطِيفَة مُسْتَطْرَفَة مِنْ لَطَائِف الْإِسْنَاد وَهِيَ أَنَّهُ اِجْتَمَعَ فيه أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض: اِبْن عَجْلَان، وَابْن حَبَّانَ، وَابْن مُحَيْرِيزٍ، وَالصُّنَابِحِيُّ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: (عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَيْهِ) فَهَذَا كَثِير يَقَع مِثْله وَفيه صَنْعَة حَسَنَة وَتَقْدِيره عَنْ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بِحَدِيثٍ قَالَ فيه: دَخَلْت عَلَيْهِ وَمِثْله مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث: «ثَلَاث يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ» قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى قَالَ: أَنَا هُشَيْم عَنْ صَالِح بْن صَالِح عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرو إِنَّ مِنْ قِبَلِنَا مِنْ أَهْل خُرَاسَان نَاسٌ يَقُولُونَ كَذَا، فَقَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَة عَنْ أَبِيهِ. فَهَذَا الْحَدِيث مِنْ النَّوْع الَّذِي نَحْنُ فيه فَتَقْدِيره قَالَ هُشَيْم حَدَّثَنِي صَالِح عَنْ الشَّعْبِيِّ بِحَدِيثٍ قَالَ فيه صَالِح: رَأَيْت رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ. وَنَظَائِر هَذَا كَثِيرَة سَنُنَبِّهُ عَلَى كَثِير مِنْهَا فِي مَوَاضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَقَوْله: (مَهْلًا) هُوَ بِإِسْكَانِ الْهَاء وَمَعْنَاهُ أَنْظِرْنِي.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَال مَهْلًا يَا رَجُل بِالسُّكُونِ وَكَذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع وَالْمُؤَنَّث وَهِيَ مُوَحَّدَة بِمَعْنَى أَمْهِلْ. فَإِذَا قِيلَ لَك مَهْلًا قُلْت: لَا مَهْلَ وَاَللَّه. وَلَا تَقُلْ: لَا مَهْلًا. وَتَقُول: مَا مَهْل وَاَللَّه بِمُغْنِيَةٍ عَنْك شَيْئًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (مَا مِنْ حَدِيث لَكُمْ فيه خَيْر إِلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمُوهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: فيه دَلِيل عَلَى أَنَّهُ كَتَمَ مَا خَشِيَ الضَّرَر فيه وَالْفِتْنَة مِمَّا لَا يَحْتَمِلهُ عَقْل كُلّ وَاحِد، وَذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ تَحْته عَمَل، وَلَا فيه حَدٌّ مِنْ حُدُود الشَّرِيعَة.
قَالَ: وَمِثْل هَذَا عَنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ كَثِير فِي تَرْكِ الْحَدِيث بِمَا لَيْسَ تَحْته عَمَل، وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَة، أَوْ لَا تَحْمِلهُ عُقُول الْعَامَّة، أَوْ خُشِيَتْ مَضَرَّتُهُ عَلَى قَائِله أَوْ سَامِعه لاسيما مَا يَتَعَلَّق بِأَخْبَارِ الْمُنَافِقِينَ وَالْإِمَارَة وَتَعْيِين قَوْم وُصِفُوا بِأَوْصَافٍ غَيْر مُسْتَحْسَنَة وَذَمّ آخَرِينَ وَلَعْنِهِمْ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (وَقَدْ أُحِيط بِنَفْسِي) مَعْنَاهُ قَرُبْت مِنْ الْمَوْت وَأَيِسْت مِنْ النَّجَاة وَالْحَيَاة.
قَالَ صَاحِب التَّحْرِير أَصْل الْكَلِمَة فِي الرَّجُل يَجْتَمِع عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ فَيَقْصِدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ جَمِيع الْجَوَانِب بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْخَلَاص مَطْمَع فَيُقَال أَحَاطُوا بِهِ أَيْ أَطَافُوا بِهِ مِنْ جَوَانِبه وَمَقْصُوده قَرُبَ مَوْتِي وَاَللَّه أَعْلَم.
43- قَوْله: (هَدَّاب بْن خَالِد) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال الْمُهْمَلَة وَآخِره بَاءٌ مُوَحَّدَة. وَيُقَال (هُدْبَة) بِضَمِّ الْهَاء وَإِسْكَان الدَّال.
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه فِي مَوَاضِع مِنْ الْكِتَاب. يَقُول فِي بَعْضهَا هُدْبَة، وَفِي بَعْضهَا (هَدَّاب)، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَحَدهمَا اِسْم وَالْآخَر لَقَب. ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي الِاسْم مِنْهُمَا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن الطَّبَسِيُّ، وَصَاحِب الْمَطَالِع، وَالْحَافِظ عَبْد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِيُّ الْمُتَأَخِّر: هُدْبَة هُوَ الِاسْم وَهَدَّاب لَقَب.
وَقَالَ غَيْرهمْ: هَدَّاب اِسْم وَهُدْبَة لَقَب. وَاخْتَارَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو هَذَا، وَأَنْكَرَ الْأَوَّل.
وَقَالَ أَبُو الْفَضْل الْفَلَكِيُّ الْحَافِظ: إِنَّهُ كَانَ يَغْضَب إِذَا قِيلَ لَهُ هُدْبَة. وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخه، فَقَالَ: هُدْبَة بْن خَالِد، وَلَمْ يَذْكُرهُ هَدَّابًا. فَظَاهِره أَنَّهُ اِخْتَارَ أَنَّ هُدْبَة هُوَ الِاسْم وَالْبُخَارِيُّ أَعْرَف مِنْ غَيْره فَإِنَّهُ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِم رَحِمَهُمْ اللَّه أَجْمَعِينَ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «كُنْت رِدْف رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنه إِلَّا مُؤْخِرَة الرَّحْل فَقَالَ: يَا مُعَاذ بْن جَبَل قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُول اللَّه وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَة ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذ بْن جَبَل قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُول اللَّه وَسَعْدَيْكَ. ثُمَّ سَارَ سَاعَة ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذ بْن جَبَل. قُلْت: لَبَّيْكَ يَا رَسُول اللَّه وَسَعْدَيْكَ» إِلَى آخِر الْحَدِيث. أَمَّا قَوْله: (رِدْف) فَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاء وَإِسْكَان الدَّال هَذِهِ الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة الَّتِي ضَبَطَهَا مُعْظَم الرُّوَاة. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ الْفَقِيه الشَّافِعِيَّ أَحَد رُوَاة الْكِتَاب ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْر الدَّال. وَالرِّدْف وَالرَّدِيف هُوَ الرَّاكِب خَلْف الرَّاكِب. يُقَال مِنْهُ رَدِفْته أَرْدَفَهُ بِكَسْرِ الدَّال فِي الْمَاضِي وَفَتْحهَا فِي الْمُضَارِع إِذَا رَكِبْت خَلْفه وَأَرْدَفْته أَنَا وَأَصْله مِنْ رُكُوبه عَلَى الرِّدْف وَهُوَ الْعَجُز قَالَ الْقَاضِي: وَلَا وَجْه لِرِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ إِلَّا أَنْ يَكُون فَعِلَ هُنَا اِسْم فَاعِل مِثْل عَجِل وَزَمِنَ إِنْ صَحَّت رِوَايَة الطَّبَرِيِّ وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
قَوْله: «لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنه إِلَّا مُؤْخِرَة الرَّحْل» أَرَادَ الْمُبَالَغَة فِي شِدَّة قُرْبه لِيَكُونَ أَوْقَع فِي نَفْس سَامِعه لِكَوْنِهِ أَضْبَط.
وَأَمَّا (مُؤْخِرَة الرَّحْل) فَبِضَمِّ الْمِيم بَعْده هَمْزَة سَاكِنَة ثُمَّ خَاءٌ مَكْسُورَة هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَفيه لُغَة أُخْرَى (مُؤَخَّرَة) فَتْح الْهَمْزَة وَالْخَاء الْمُشَدَّدَة.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه أَنْكَرَ اِبْن قُتَيْبَة فَتْح الْخَاء.
وَقَالَ ثَابِت: مُؤَخَّرَة الرَّحْل وَمُقَدَّمَته بِفَتْحِهِمَا، وَيُقَال آخِرَة الرَّحْل بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَهَذِهِ أَفْصَح وَأَشْهَر.
وَقَدْ جَمَعَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحه فيها سِتّ لُغَات فَقَالَ: فِي قَادِمَتَيْ الرَّحْل سِتّ لُغَات: مُقْدِم وَمُقْدِمَة بِكَسْرِ الدَّال مُخَفَّفَة وَمُقَدَّم وَمُقَدَّمَة بِفَتْحِ الدَّال مُشَدَّدَة وَقَادِم وَقَادِمَة.
قَالَ: وَكَذَلِكَ هَذِهِ اللُّغَات كُلُّهَا فِي آخِرَة الرَّحْل. وَهِيَ الْعُود الَّذِي يَكُون خَلْف الرَّاكِب. وَيَجُوز فِي (يَا مُعَاذ بْن جَبَل) وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّة أَشْهُرهمَا وَأَرْجَحهمَا فَتْح مُعَاذ وَالثَّانِي ضَمُّهُ. وَلَا خِلَاف فِي نَصْب اِبْن.
وَقَوْله (لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ) فِي مَعْنَى لَبَّيْكَ أَقْوَالٌ نُشِير هُنَا إِلَى بَعْضهَا، وَسَيَأْتِي إِيضَاحُهَا فِي كِتَاب الْحَجّ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَالْأَظْهَر أَنَّ مَعْنَاهَا إِجَابَة لَك بَعْد إِجَابَة لِلتَّأْكِيدِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قُرْبًا مِنْك وَطَاعَة لَك.
وَقِيلَ: أَنَا مُقِيم عَلَى طَاعَتك، وَقِيلَ: مَحَبَّتِي لَك. وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ. وَمَعْنَى سَعْدَيْكَ أَيْ سَاعَدْت طَاعَتك مُسَاعَدَة بَعْد مُسَاعَدَة.
وَأَمَّا تَكْرِيره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِدَاء مُعَاذ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَلِتَأْكِيدِ الِاهْتِمَام بِمَا يُخْبِرهُ، وَلِيَكْمُلَ تَنَبُّهُ مُعَاذ فِيمَا يَسْمَعُهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِهَذَا الْمَعْنَى. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقّ اللَّه عَلَى الْعِبَاد؟ وَهَلْ تَدْرِي مَا حَقّ الْعِبَاد عَلَى اللَّه تَعَالَى» قَالَ صَاحِب التَّحْرِير اِعْلَمْ أَنَّ الْحَقّ كُلّ مَوْجُود مُتَحَقِّق أَوْ مَا سَيُوجَدُ لَا مَحَالَة وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ الْحَقّ الْمَوْجُود الْأَزَلِيّ الْبَاقِي الْأَبَدِيُّ وَالْمَوْت وَالسَّاعَة وَالْجَنَّة وَالنَّار حَقّ لِأَنَّهَا وَاقِعَة لَا مَحَالَة وَإِذَا قِيلَ لِلْكَلَامِ الصِّدْق حَقّ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّيْء الْمُخْبَر عَنْهُ بِذَلِكَ الْخَبَر وَاقِع مُتَحَقِّق لَا تَرَدُّد فيه، وَكَذَلِكَ الْحَقّ الْمُسْتَحَقّ عَلَى الْعَبْد مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون فيه تَرَدُّد وَتَحَيُّر. فَحَقّ اللَّه تَعَالَى عَلَى الْعِبَاد مَعْنَاهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِمْ مُتَحَتِّمًا عَلَيْهِمْ وَحَقّ الْعِبَاد عَلَى اللَّه تَعَالَى مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَحَقِّق لَا مَحَالَة. هَذَا كَلَام صَاحِب التَّحْرِير وَقَالَ غَيْره: إِنَّمَا قَالَ حَقّهمْ عَلَى اللَّه تَعَالَى عَلَى جِهَة الْمُقَابَلَة لِحَقِّهِ عَلَيْهِمْ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ نَحْو قَوْل الرَّجُل لِصَاحِبِهِ حَقّك وَاجِب عَلَيّ أَيْ مُتَأَكِّد قِيَامِي بِهِ. وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَقّ عَلَى كُلّ مُسْلِم أَنْ يَغْتَسِل فِي كُلّ سَبْعَة أَيَّام». وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الْبَاب الْأَوَّل مِنْ كِتَاب الْإِيمَان بَيَانه، وَوَجْه الْجَمْع بَيْن هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
44- قَوْله: (كُنْت رِدْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَار يُقَال لَهُ عُفَيْر) بِعَيْنِ مُهْمَلَة مَضْمُومَة ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَة. هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي الرِّوَايَة وَفِي الْأُصُول الْمُعْتَمَدَة وَفِي كُتُب أَهْل الْمَعْرِفَة بِذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه وَقَوْل الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه إِنَّهُ بَغَيْنَ مُعْجَمَة مَتْرُوك قَالَ الشَّيْخ: وَهُوَ الْحِمَار الَّذِي كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ فِي حَجَّة الْوَدَاع.
قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيث يَقْتَضِي أَنْ يَكُون هَذَا فِي مَرَّة أُخْرَى غَيْر الْمَرَّة الْمُتَقَدِّمَة فِي الْحَدِيث السَّابِق؛ فَإِنَّ مُؤْخِرَة الرَّحْل تَخْتَصّ بِالْإِبِلِ، وَلَا تَكُون عَلَى حِمَار. قُلْت: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَا قَضِيَّة وَاحِدَة، وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّل قَدْر مُؤْخِرَة الرَّحْل. وَاَللَّه أَعْلَم.
45- قَوْله: (عَنْ أَبِي حَصِين) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاء وَكَسْر الصَّادِ وَاسْمه عَاصِم.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي أَوَّل مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث مُحَمَّد بْن مُثَنَّى وَابْن بَشَّار: «أَنْ يُعْبَد اللَّهُ وَلَا يُشْرَك بِهِ شَيْءٌ» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ يُعْبَد بِضَمِّ الْمُثَنَّاة تَحْت. وَشَيْء بِالرَّفْعِ. وَهَذَا ظَاهِر.
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو رَحِمَهُ اللَّه: وَوَقَعَ فِي الْأُصُول شَيْئًا بِالنَّصْبِ. وَهُوَ صَحِيح عَلَى التَّرَدُّد فِي قَوْله: «يُعْبَد اللَّه وَلَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا» بَيْن وُجُوه ثَلَاثَة أَحَدهَا: يَعْبُد اللَّه بِفَتْحِ الْيَاء الَّتِي هِيَ لِلْمُذَكَّرِ الْغَائِب أَيْ يَعْبُد الْعَبْدُ اللَّهَ وَلَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا.
قَالَ: وَهَذَا الْوَجْه أَوْجَه الْوُجُوه.
وَالثَّانِي: تَعْبُد بِفَتْحِ الْمُثَنَّاة فَوْق لِلْمُخَاطَبِ عَلَى التَّخْصِيص لِمُعَاذٍ لِكَوْنِهِ الْمُخَاطَب وَالتَّنْبِيه عَلَى غَيْره.
وَالثَّالِث: يُعْبَد بِضَمِّ أَوَّله وَيَكُون شَيْئًا كِنَايَة عَنْ الْمَصْدَر لَا عَنْ الْمَفْعُول بِهِ أَيْ لَا يُشْرَك بِهِ إِشْرَاكًا. وَيَكُون الْجَارُّ وَالْمَجْرُور هُوَ الْقَائِم مَقَام الْفَاعِل.
قَالَ: وَإِذَا لَمْ تُعَيِّن الرِّوَايَة شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوه فَحَقٌّ عَلَى مَنْ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيث مِنَّا أَنْ يَنْطِق بِهَا كُلّهَا وَاحِدًا بَعْد وَاحِد لِيَكُونَ آتِيًا بِمَا هُوَ الْمَقُول مِنْهَا فِي نَفْس الْأَمْر جَزْمًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
هَذَا آخِر كَلَام الشَّيْخ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا صَحِيح فِي الرِّوَايَة وَالْمَعْنَى. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (نَحْو حَدِيثهمْ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاسِم بْن زَكَرِيَّا شَيْخ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الرَّابِعَة رَوَاهُ نَحْو رِوَايَة شُيُوخ مُسْلِم الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورِينَ فِي الرِّوَايَات الثَّلَاث الْمُتَقَدِّمَة وَهُمْ هَدَّاب، وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة، وَمُحَمَّد بْن مُثَنَّى، وَابْن بَشَّار. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (حَدَّثَنَا الْقَاسِم حَدَّثَنَا حُسَيْن عَنْ زَائِدَة) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول كُلّهَا حُسَيْن بِالسِّينِ وَهُوَ الصَّوَاب.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول حَصِين بِالصَّادِ. وَهُوَ غَلَط. وَهُوَ حُسَيْن بْن عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ رِوَايَته عَنْ زَائِدَة فِي الْكِتَاب. وَلَا يُعْرَف حَصِين بِالصَّادِ عَنْ زَائِدَة وَاَللَّه أَعْلَم.
46- قَوْله: (حَدَّثَنِي أَبُو كَثِير) هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَاسْمه يَزِيد بِالزَّايِ اِبْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أُذَيْنَة. وَيُقَال: اِبْن غُفَيْلَةَ بِضَمِّ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَبِالْفَاءِ. وَيُقَال: اِبْن عَبْد اللَّه بْن أُذَيْنَة.
قَالَ أَبُو عَوَانَة الْإِسْفَرَايِينِيّ فِي مُسْنَده: غُفَيْلَةُ أَصَحّ مِنْ أُذَيْنَة.
قَوْله: (كُنَّا قُعُودًا حَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَنَا أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي نَفَر) قَالَ أَهْل اللُّغَة يُقَال قَعَدْنَا حَوْله وَحَوْلَيْهِ وَحَوَالَيْهِ وَحَوَالَهُ بِفَتْحِ الْحَاء وَاللَّام فِي جَمِيعهمَا أَيْ عَلَى جَوَانِبه. قَالُوا: وَلَا يُقَال: حَوَالِيه بِكَسْرِ اللَّام.
وَأَمَّا قَوْله (وَمَعَنَا أَبُو بَكْر وَعُمَر) فَهُوَ مِنْ فَصِيح الْكَلَام وَحُسْن الْإِخْبَار فَإِنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا الْإِخْبَار عَنْ جَمَاعَة فَاسْتَكْثَرُوا أَنْ يَذْكُرُوا جَمِيعهمْ بِأَسْمَائِهِمْ، ذَكَرُوا أَشْرَافهمْ أَوْ بَعْض أَشْرَافهمْ، ثُمَّ قَالُوا: وَغَيْرهمْ.
وَأَمَّا قَوْله (مَعَنَا) بِفَتْحِ الْعَيْن هَذِهِ اللُّغَة الْمَشْهُورَة. وَيَجُوز تَسْكِينهَا فِي لُغَة حَكَاهَا صَاحِب الْمُحْكَم وَالْجَوْهَرِيّ وَغَيْرهمَا وَهِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ.
قَالَ صَاحِب الْمُحْكَم: (مَعَ) اِسْم مَعْنَاهُ الصُّحْبَة وَكَذَلِكَ (مَعْ) بِإِسْكَانِ الْعَيْن. غَيْر أَنَّ الْمُحَرَّكَة تَكُون اِسْمًا وَحَرْفًا، وَالسَّاكِنَة لَا تَكُون إِلَّا حَرْفًا.
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ الْكِسَائِيُّ: رَبِيعَة وَغَنَم يُسَكِّنُونَ فَيَقُولُونَ مَعْكُمْ وَمَعْنَا فَإِذَا جَاءَتْ الْأَلِف وَاللَّام أَوْ أَلِف الْوَصْل اِخْتَلَفُوا فَبَعْضهمْ يَفْتَح الْعَيْن وَبَعْضهمْ يَكْسِرهَا فَيَقُولُونَ مَعَ الْقَوْم وَمَعَ اِبْنك، وَبَعْضهمْ يَقُول مَعِ الْقَوْم وَمَعِ اِبْنك. أَمَّا مَنْ فَتَحَ فَبَنَاهُ عَلَى قَوْلك كُنَّا مَعًا وَنَحْنُ مَعًا. فَلَمَّا جَعَلَهَا حَرْفًا وَأَخْرَجَهَا عَنْ الِاسْم حَذَفَ الْأَلِف وَتَرَكَ الْعَيْن عَلَى فَتْحَتهَا. وَهَذِهِ لُغَة عَامَّة الْعَرَب.
وَأَمَّا مَنْ سَكَّنَ ثُمَّ كَسَرَ عِنْد أَلِف الْوَصْل فَأَخْرَجَهُ مَخْرَج الْأَدَوَات مِثْل (هَلْ) و(بَلْ) فَقَالَ: مَعِ الْقَوْم، كَقَوْلِك هَلِ الْقَوْم؟ وَبَلِ الْقَوْم. وَهَذِهِ الْأَحْرُف الَّتِي ذَكَرْتهَا فِي (مَعَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَوْضِعهَا فَلَا ضَرَر فِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ تَرْدَادِهَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْن أَظْهُرِنَا) وَقَالَ بَعْده: (كُنْت بَيْن أَظْهُرنَا)، هَكَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَظْهُرنَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: وَوَقَعَ الثَّانِي فِي بَعْض الْأُصُول ظَهْرَيْنَا وَكِلَاهُمَا صَحِيح.
قَالَ أَهْل اللُّغَة يُقَال: نَحْنُ بَيْن أَظْهُرِكُمْ وَظَهْرَيْكُمْ وَظَهْرَانَيْكُمْ بِفَتْحِ النُّون أَيْ بَيْنكُمْ.
قَوْله: «وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَع دُونَنَا» أَيْ يُصَاب بِمَكْرُوهِ مِنْ عَدُوّ إِمَّا بِأَسْرٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ.
قَوْله: (وَفَزِعْنَا وَقُمْنَا فَكُنْت أَوَّل مَنْ فَزِعَ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه الْفَزَع يَكُون بِمَعْنَى الرَّوْع، وَبِمَعْنَى الْهُبُوب لِلشَّيْءِ وَالِاهْتِمَام بِهِ، وَبِمَعْنَى الْإِغَاثَة.
قَالَ: فَتَصِحّ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَة أَيْ ذُعِرنَا لِاحْتِبَاسِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا. أَلَا تَرَاهُ كَيْف قَالَ: وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَع دُوننَا؟ وَيَدُلّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ قَوْله: فَكُنْت أَوَّل مَنْ فَزِعَ.
قَوْله: «حَتَّى أَتَيْت حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ» أَيْ بُسْتَانًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَائِط لَا سَقْف لَهُ.
قَوْله: (فَإِذَا رَبِيع يَدْخُل فِي جَوْف حَائِط مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَل) أَمَّا (الرَّبِيع) فَبِفَتْحِ الرَّاء عَلَى لَفْظ الرَّبِيع الْفَصْل الْمَعْرُوف. و(الْجَدْوَل) بِفَتْحِ الْجِيم وَهُوَ النَّهَر الصَّغِير. وَجَمْع الرَّبِيع أَرْبِعَاء كَنَبِيٍّ وَأَنْبِيَاء.
وَقَوْله: «بِئْر خَارِجَة» هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّنْوِينِ فِي بِئْر وَفِي خَارِجَة عَلَى أَنَّ خَارِجَة صِفَة لِبِئْرٍ. وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح عَنْ الْأَصْل الَّذِي هُوَ بِخَطِّ الْحَافِظ أَبِي عَامِر الْعَبْدَرِيِّ، وَالْأَصْل الْمَأْخُوذ عَنْ الْجُلُودِيِّ. وَذَكَرَ الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْره أَنَّهُ رُوِيَ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه: أَحَدهَا هَذَا. وَالثَّانِي مِنْ بِئْرٍ خَارِجُهُ بِتَنْوِينِ بِئْر وَبِهَاءٍ فِي آخِر خَارِجه مَضْمُومَة وَهِيَ هَاء ضَمِير الْحَائِط أَيْ الْبِئْر فِي مَوْضِع خَارِجٍ عَنْ الْحَائِط. وَالثَّالِث مِنْ بِئْرِ خَارِجَةَ بِإِضَافَةِ بِئْرٍ إِلَى خَارِجَة آخِرُهُ تَاء التَّأْنِيث وَهُوَ اِسْم رَجُل. وَالْوَجْه الْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور الظَّاهِر. وَخَالَفَ هَذَا صَاحِب التَّحْرِير فَقَالَ: الصَّحِيح هُوَ الْوَجْه الثَّالِث.
قَالَ: وَالْأَوَّل تَصْحِيف.
قَالَ: وَالْبِئْر يَعْنُونَ بِهَا الْبُسْتَان.
قَالَ: وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُونَ هَذَا فَيُسَمُّونَ الْبَسَاتِينَ بِالْآبَارِ الَّتِي فيها يَقُولُونَ: بِئْر أَرِيس، وَبِئْر بُضَاعَةَ، وَبِئْر حَاء وَكُلّهَا بَسَاتِين. هَذَا كَلَام صَاحِب التَّحْرِير وَأَكْثَره أَوْ كُلّه لَا يُوَافَق عَلَيْهِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْبِئْر مُؤَنَّثَة مَهْمُوزَة يَجُوز تَخْفِيف هَمْزَتهَا وَهِيَ مُشْتَقَّة مِنْ بَأرْت أَيْ حَفَرْت وَجَمْعهَا فِي الْقِلَّة أَبْؤُر وَأَبْآر بِهَمْزَةِ بَعْد الْبَاء فيهمَا. وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقْلِب الْهَمْزَة فِي أَبْآر وَيَنْقُل فَيَقُول آبَار. وَجَمْعهَا فِي الْكَثْرَة بِئَار بِكَسْرِ الْبَاء بَعْدهَا هَمْزَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَاحْتَفَزْت كَمَا يَحْتَفِز الثَّعْلَب) هَذَا قَدْ رُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ رُوِيَ بِالزَّايِ، وَرُوِيَ بِالرَّاءِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: رَوَاهُ عَامَّة شُيُوخنَا بِالرَّاءِ عَنْ الْعَبْدَرِيِّ وَغَيْره.
قَالَ: وَسَمِعْنَا عَنْ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي اللَّيْث الشَّاشِيّ عَنْ عَبْد الْغَافِر الْفَارِسِيِّ عَنْ الْجُلُودِيِّ بِالزَّايِ. وَهُوَ الصَّوَاب. وَمَعْنَاهُ تَضَامَمْت لِيَسَعَنِي الْمَدْخَل. وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو: إِنَّهُ بِالزَّايِ فِي الْأَصْل الَّذِي بِخَطِّ أَبِي عَامِر الْعَبْدَرِيِّ، وَفِي الْأَصْل الْمَأْخُوذ عَنْ الْجُلُودِيِّ وَإِنَّهَا رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ وَإِنَّ رِوَايَة الزَّاي أَقْرَب مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَيَدُلّ عَلَيْهِ تَشْبِيهه بِفِعْلِ الثَّعْلَب وَهُوَ تَضَامُّهُ فِي الْمَضَايِق.
وَأَمَّا صَاحِب التَّحْرِير فَأَنْكَرَ الزَّاي وَخَطَّأَ رُوَاتهَا وَاخْتَارَ الرَّاء وَلَيْسَ اِخْتِيَاره بِمُخْتَارٍ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «فَدَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة فَقُلْت: نَعَمْ» مَعْنَاهُ أَنْتَ أَبُو هُرَيْرَة.
قَوْله: «فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ، وَقَالَ: اِذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ» فِي هَذَا الْكَلَام فَائِدَة لَطِيفَة فَإِنَّهُ أَعَادَ لَفْظَة قَالَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهَا لِطُولِ الْكَلَام وَحُصُول الْفَصْل بِقَوْلِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَة وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ وَهَذَا حَسَن وَهُوَ مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب بَلْ جَاءَ أَيْضًا فِي كَلَام اللَّه تَعَالَى.
قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} قَالَ الْإِمَام أَبُو الْحَسَن الْوَاحِدِيُّ: قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد: قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} تَكْرِير لِلْأَوَّلِ لِطُولِ الْكَلَام.
قَالَ وَمِثْله قَوْله تَعَالَى: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} أَعَادَ {أَنَّكُمْ} لِطُولِ الْكَلَام. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُ النَّعْلَيْنِ فَلِتَكُونَ عَلَامَة ظَاهِرَة مَعْلُومَة عِنْدهمْ يَعْرِفُونَ بِهَا أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُون أَوْقَع فِي نُفُوسهمْ لِمَا يُخْبِرهُمْ بِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَا يُنْكَر كَوْن مِثْل هَذَا يُفِيد تَأْكِيدًا وَإِنْ كَانَ خَبَره مَقْبُولًا مِنْ غَيْر هَذَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ لَقِيَتْ مِنْ وَرَاء هَذَا الْحَائِط يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبه فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» مَعْنَاهُ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَته فَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة. وَإِلَّا فَأَبُو هُرَيْرَة لَا يَعْلَم اِسْتِيقَان قُلُوبهمْ. وَفِي هَذَا دَلَالَة ظَاهِرَة لِمَذْهَبِ أَهْل الْحَقّ أَنَّهُ لَا يَنْفَع اِعْتِقَاد التَّوْحِيد دُون النُّطْق، وَلَا النُّطْق دُون الِاعْتِقَاد. بَلْ لابد مِنْ الْجَمْع بَيْنهمَا.
وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحه فِي أَوَّل الْبَاب. وَذِكْر الْقَلْب هُنَا لِلتَّأْكِيدِ وَنَفْيِ تَوَهُّم الْمَجَاز. إِلَّا فَالِاسْتِيقَان لَا يَكُون إِلَّا بِالْقَلْبِ.
قَوْله: «فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ فَقُلْت: هَاتَيْنِ نَعْلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَنِي بِهِمَا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الْأُصُول. (فَقُلْت: هَاتَيْنِ نَعْلَا) بِنَصْبِ هَاتَيْنِ وَرَفْعِ نَعْلَا وَهُوَ صَحِيح مَعْنَاهُ فَقُلْت يَعْنِي هَاتَيْنِ هُمَا نَعْلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَنَصَبَ هَاتَيْنِ بِإِضْمَارِ يَعْنِي وَحَذَفَ هُمَا الَّتِي هِيَ الْمُبْتَدَأ لِلْعِلْمِ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْله: (بَعَثَنِي بِهِمَا) فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ (بِهِمَا) عَلَى التَّثْنِيَة وَهُوَ ظَاهِر. وَوَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْأُصُول أَوْ أَكْثَرهَا (بِهَا) مِنْ غَيْر مِيم. وَهُوَ صَحِيح أَيْضًا. وَيَكُون الضَّمِير عَائِدًا إِلَى الْعَلَامَة؛ فَإِنَّ النَّعْلَيْنِ كَانَتَا عَلَامَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَضَرَبَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَيْن ثَدْيَيَّ فَخَرَرْت لِاسْتِي، فَقَالَ اِرْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَة) أَمَّا قَوْله (ثَدْيَيَّ) فَتَثْنِيَة ثَدْي بِفَتْحِ الثَّاء وَهُوَ مُذَكَّر وَقَدْ يُؤَنَّث فِي لُغَة قَلِيلَة. وَاخْتَلَفُوا فِي اِخْتِصَاصه بِالْمَرْأَةِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَكُون لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَة. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّة فَيَكُون إِطْلَاقه فِي الرَّجُل مَجَازًا وَاسْتِعَارَة.
وَقَدْ كَثُرَ إِطْلَاقه فِي الْأَحَادِيث لِلرَّجُلِ وَسَأَزِيدُهُ إِيضَاحًا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي بَاب غِلَظ تَحْرِيم قَتْل الْإِنْسَان نَفْسه.
وَأَمَّا قَوْله: (لِاسْتِي) فَهُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الدُّبُر وَالْمُسْتَحَبّ فِي مِثْل هَذَا الْكِنَايَة عَنْ قَبِيح الْأَسْمَاء وَاسْتِعْمَال الْمَجَاز وَالْأَلْفَاظ الَّتِي تُحَصِّل الْغَرَض وَلَا يَكُون فِي صُورَتهَا مَا يُسْتَحَيَا مِنْ التَّصْرِيح بِحَقِيقَةِ لَفْظِهِ. وَبِهَذَا الْأَدَب جَاءَ الْقُرْآن الْعَزِيز وَالسُّنَن كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضكُمْ إِلَى بَعْضٍ} {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ} {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} وَقَدْ يَسْتَعْمِلُونَ صَرِيح الِاسْم لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَة وَهِيَ إِزَالَة اللَّبْس أَوْ الِاشْتِرَاك أَوْ نَفْيِ الْمَجَاز أَوْ نَحْو ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنِكْتَهَا» وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدْبَرَ الشَّيْطَان وَلَهُ ضُرَاط» وَكَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «الْحَدَث فُسَاء أَوْ ضُرَاط» وَنَظَائِر ذَلِكَ كَثِيرَة، وَاسْتِعْمَال أَبِي هُرَيْرَة هُنَا لَفْظ الِاسْت مِنْ هَذَا الْقَبِيل. وَاَللَّه أَعْلَم وَأَمَّا دَفْع عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَهُ فَلَمْ يَقْصِد بِهِ سُقُوطه وَإِيذَاؤُهُ بَلْ قَصَد رَدَّهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْره لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْره.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه: وَلَيْسَ فِعْل عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمُرَاجَعَته النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتِرَاضًا عَلَيْهِ وَرَدًّا لِأَمْرِهِ إِذْ لَيْسَ فِيمَا بَعَثَ بِهِ أَبَا هُرَيْرَة غَيْر تَطْيِيب قُلُوب الْأُمَّة وَبُشْرَاهُمْ، فَرَأَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ كَتْم هَذَا أَصْلَحَ لَهُمْ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَتَّكِلُوا، وَأَنَّهُ أَعْوَد عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ مِنْ مُعَجَّل هَذِهِ الْبُشْرَى. فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوَّبَهُ فيه. وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْإِمَام وَالْكَبِير مُطْلَقًا إِذَا رَأَى شَيْئًا وَرَأَى بَعْض أَتْبَاعه خِلَافه أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلتَّابِعِ أَنْ يَعْرِضهُ عَلَى الْمَتْبُوع لِيَنْظُر فيه فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ مَا قَالَهُ التَّابِع هُوَ الصَّوَاب رَجَعَ إِلَيْهِ وَإِلَّا بَيَّنَ لِلتَّابِعِ جَوَاب الشُّبْهَة الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (فَأَجْهَشْت بُكَاء وَرَكِبَنِي عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي) أَمَّا قَوْله: (أَجْهَشْت) فَهُوَ بِالْجِيمِ وَالشِّين الْمُعْجَمَة، وَالْهَمْزَة وَالْهَاء مَفْتُوحَتَانِ. هَكَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول الَّتِي رَأَيْنَاهَا. وَرَأَيْت فِي كِتَاب الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: فَجَهَشْت بِحَذْفِ الْأَلِف وَهُمَا صَحِيحَانِ.
قَالَ أَهْل اللُّغَة. يُقَال: جَهْشًا وَجُهُوشًا وَأَجْهَشْت إِجْهَاشًا.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: وَهُوَ أَنْ يَفْزَع الْإِنْسَان إِلَى غَيْره وَهُوَ مُتَغَيِّر الْوَجْه مُتَهَيِّئٌ لِلْبُكَاءِ، وَلَمَّا يَبْكِ بَعْد.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: هُوَ الْفَزَع وَالِاسْتِغَاثَة.
وَقَالَ أَبُو زَيْد: جَهَشْت لِلْبُكَاءِ وَالْحُزْن وَالشَّوْق. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَأَمَّا قَوْله: بُكَاء فَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْمَفْعُول لَهُ.
وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة (لِلْبُكَاءِ)، وَالْبُكَاء يُمَدّ وَيُقْصَر لُغَتَانِ.
وَأَمَّا قَوْله (وَرَكِبَنِي عُمَر) فَمَعْنَاهُ تَبِعَنِي وَمَشَى خَلْفِي فِي الْحَال بِلَا مُهْلَة.
وَأَمَّا قَوْله (عَلَى أَثَرِي) فَفيه لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الثَّاء وَبِفَتْحِهِمَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي» مَعْنَاهُ أَنْتَ مُفَدًّى أَوْ أَفْدِيك بِأَبِي وَأُمِّي. وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة هَذَا مُشْتَمِل عَلَى فَوَائِد كَثِيرَة تَقَدَّمَ فِي أَثْنَاء الْكَلَام مِنْهُ جُمَل. فَفيه جُلُوس الْعَالِم لِأَصْحَابِهِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْتَفْتِينَ وَغَيْرهمْ يُعَلِّمهُمْ وَيُفِيدهُمْ وَيُفْتِيهِمْ. وَفيه مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ ذِكْر جَمَاعَة كَثِيرَة فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْر بَعْضهمْ ذَكَر أَشْرَافهمْ أَوْ بَعْض أَشْرَافهمْ ثُمَّ قَالَ: وَغَيْرهمْ. وَفيه بَيَان مَا كَانَتْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَام بِحُقُوقِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِكْرَامه وَالشَّفَقَة عَلَيْهِ وَالِانْزِعَاج الْبَالِغ لِمَا يُطْرِقهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفيه اِهْتِمَام الْأَتْبَاع بِحُقُوقِ مَتْبُوعهمْ وَالِاعْتِنَاء بِتَحْصِيلِ مَصَالِحه وَدَفْع الْمَفَاسِد عَنْهُ. وَفيه جَوَاز دُخُول الْإِنْسَان مِلْك غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه إِذَا عَلِمَ بِرِضَا ذَلِكَ لِمَوَدَّةٍ بَيْنهمَا أَوْ غَيْر ذَلِكَ. فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ دَخَلَ الْحَائِط وَأَقَرَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ. وَهَذَا غَيْر مُخْتَصٍّ بِدُخُولِ الْأَرْض بَلْ يَجُوز لَهُ الِانْتِفَاع بِأَدَوَاتِهِ وَأَكْل طَعَامه وَالْحَمْل مِنْ طَعَامه إِلَى بَيْته وَرُكُوب دَابَّته وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّف الَّذِي يُعْلَم أَنَّهُ لَا يَشُقّ عَلَى صَاحِبه. هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير السَّلَف وَالْخَلَف مِنْ الْعُلَمَاء رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابنَا.
قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَز الطَّعَام وَأَشْبَاهه إِلَى الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَأَشْبَاههمَا. وَفِي ثُبُوت الْإِجْمَاع فِي حَقّ مَنْ يُقْطَع بِطِيبِ قَلْب صَاحِبه بِذَلِكَ نَظَر. وَلَعَلَّ هَذَا يَكُون فِي الدَّرَاهِم الْكَثِيرَة الَّتِي يُشَكُّ أَوْ قَدْ يُشَكُّ فِي رِضَاهُ بِهَا فَإِنَّهُمْ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَشَكَّكَ لَا يَجُوز التَّصَرُّف مُطْلَقًا فِيمَا تَشَكَّكَ فِي رِضَاهُ بِهِ. ثُمَّ دَلِيل الْجَوَاز فِي الْبَاب الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَفِعْل وَقَوْل أَعْيَان الْأُمَّة.
فَالْكِتَاب قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} وَالسُّنَّة هَذَا الْحَدِيث، وَأَحَادِيث كَثِيرَة مَعْرُوفَة بِنَحْوِهِ. وَأَفْعَال السَّلَف وَأَقْوَالهمْ فِي هَذَا أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى. وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم.
وَفيه إِرْسَال الْإِمَام وَالْمَتْبُوع إِلَى أَتْبَاعه بِعَلَامَةٍ يَعْرِفُونَهَا لِيَزْدَادُوا بِهَا طُمَأْنِينَة.
وَفيه مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الدَّلَالَة لِمَذْهَبِ أَهْل الْحَقّ أَنَّ الْإِيمَان الْمُنْجِي مِنْ الْخُلُود فِي النَّار لابد فيه مِنْ الِاعْتِقَاد وَالنُّطْق.
وَفيه جَوَاز إِمْسَاك بَعْض الْعُلُوم الَّتِي لَا حَاجَة إِلَيْهَا لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ خَوْف الْمَفْسَدَة.
وَفيه إِشَارَة بَعْض الْأَتْبَاع عَلَى الْمَتْبُوع بِمَا يَرَاهُ مَصْلَحَة، وَمُوَافَقَة الْمَتْبُوع لَهُ إِذَا رَآهُ مَصْلَحَة، وَرُجُوعه عَمَّا أَمَرَ بِهِ بِسَبَبِهِ.
وَفيه جَوَاز قَوْل الرَّجُل لِلْآخَرِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْض السَّلَف.
وَقَالَ: لَا يُفْدَى بِمُسْلِمٍ. وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَدُلّ عَلَى جَوَازه سَوَاء كَانَ الْمُفَدَّى بِهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا. وَفيه غَيْر ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم.
47- قَوْل مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه: (حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن مَنْصُور أَخْبَرَنِي مُعَاذ بْن هِشَام حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ) هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه بَصْرِيُّونَ إِلَّا إِسْحَاق فَإِنَّهُ نَيْسَابُورِيٌّ فَيَكُون الْإِسْنَاد بَيْنِي وَبَيْن مُعَاذ بْن هِشَام نَيْسَابُورِيَّيْنِ وَبَاقِيه بَصْرِيُّونَ.
قَوْله: (فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذ عِنْد مَوْته تَأَثُّمًا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَضَمِّ الْمُثَلَّثَة الْمُشَدَّدَة.
قَالَ أَهْل اللُّغَة: تَأَثَّمَ الرَّجُل إِذَا فَعَلَ فِعْلًا يَخْرُج بِهِ مِنْ الْإِثْم. وَتَحَرَّجَ أَزَالَ عَنْهُ الْحَرَج. وَتَحَنَّثَ أَزَالَ عَنْهُ الْحِنْث. وَمَعْنَى تَأَثُّمِ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ عِلْمًا يَخَاف فَوَاته وَذَهَابه بِمَوْتِهِ فَخَشِيَ أَنْ يَكُون مِمَّنْ كَتَمَ عِلْمًا وَمِمَّنْ لَمْ يَمْتَثِل أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَبْلِيغ سُنَّته فَيَكُون آثِمًا فَاحْتَاطَ وَأَخْبَرَ بِهَذِهِ السُّنَّة مَخَافَةً مِنْ الْإِثْم وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْإِخْبَار بِهَا نَهْي تَحْرِيم.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: لَعَلَّ مُعَاذًا لَمْ يَفْهَم مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْي لَكِنْ كَسَرَ عَزْمَهُ عَمَّا عَرَضَ لَهُ مِنْ بُشْرَاهُمْ بِدَلِيلِ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «مَنْ لَقِيت يَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُسْتَيْقِنًا قَلْبه فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» قَالَ: أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ بَلِّغْهُ بَعْد ذَلِكَ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي هُرَيْرَة وَخَافَ أَنْ يَكْتُم عِلْمًا عَلِمَهُ فَيَأْثَم أَوْ يَكُون حَمَل النَّهْي عَلَى إِذَاعَته. وَهَذَا الْوَجْه ظَاهِر.
وَقَدْ اِخْتَارَهُ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه فَقَالَ: مَنَعَهُ مِنْ التَّبْشِير الْعَامّ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْمَع ذَلِكَ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ وَلَا عِلْم فَيَغْتَرّ وَيَتَّكِل. وَأَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوص مَنْ أَمِنَ عَلَيْهِ الِاغْتِرَار وَالِاتِّكَال مِنْ أَهْل الْمَعْرِفَة. فَإِنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ مُعَاذًا فَسَلَكَ مُعَاذ هَذَا الْمَسْلَك فَأَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْخَاصَّة مَنْ رَآهُ أَهْلًا لِذَلِكَ.
قَالَ: وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة بِالتَّبْشِيرِ فَهُوَ مِنْ تَغَيُّر الِاجْتِهَاد.
وَقَدْ كَانَ الِاجْتِهَاد جَائِزًا لَهُ وَوَاقِعًا مِنْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الْمُحَقِّقِينَ وَلَهُ مَزِيَّة عَلَى سَائِر الْمُجْتَهِدِينَ بِأَنَّهُ لَا يُقَرّ عَلَى الْخَطَأ فِي اِجْتِهَاده. وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ وَقَالَ: لَا يَجُوز لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْل فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة إِلَّا عَنْ وَحْي فَلَيْسَ يَمْتَنِع أَنْ يَكُون قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد مُخَاطَبَته عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَحْي- بِمَا أَجَابَهُ بِهِ- نَاسِخٌ لِوَحْيٍ سَبَقَ بِمَا قَالَهُ أَوَّلًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا كَلَام الشَّيْخ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَهِيَ اِجْتِهَاده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها تَفْصِيل مَعْرُوف.
فَأَمَّا أُمُور الدُّنْيَا فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى جَوَاز اِجْتِهَاده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فيها وَوُقُوعه مِنْهُ.
وَأَمَّا أَحْكَام الدِّين فَقَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء بِجَوَازِ الِاجْتِهَاد لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ لِغَيْرِهِ فَلَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى.
وَقَالَ جَمَاعَة: لَا يَجُوز لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِين.
وَقَالَ بَعْضهمْ: كَانَ يَجُوز فِي الْحُرُوب دُون غَيْرهَا. وَتَوَقَّفَ فِي كُلّ ذَلِكَ آخَرُونَ: ثُمَّ الْجُمْهُور الَّذِينَ جَوَّزُوهُ اِخْتَلَفُوا فِي وُقُوعه فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ: وُجِدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يُوجَد. وَتَوَقَّفَ آخَرُونَ. ثُمَّ الْأَكْثَرُونَ الَّذِينَ قَالُوا بِالْجَوَازِ وَالْوُقُوع اِخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ الْخَطَأ جَائِزًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى جَوَازه وَلَكِنْ لَا يُقَرّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْره. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِع اِسْتِقْصَاء هَذَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
48- قَوْله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْن فَرُّوخَ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاء وَضَمَّ الرَّاء وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ غَيْر مَصْرُوف لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّة.
قَالَ صَاحِب كِتَاب الْعَيْن فَرُّوخ اِسْمُ اِبْنٍ لِإِبْرَاهِيم الْخَلِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَبُو الْعَجَم. وَكَذَا نَقَلَ صَاحِب الْمَطَالِع وَغَيْره: أَنَّ فَرُّوخ اِبْنٌ لِإِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ أَبُو الْعَجَم.
وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَة مِنْ الْأَئِمَّة عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْصَرِف لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (حَدَّثَنِي ثَابِت عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَحْمُود اِبْن الرَّبِيع عَنْ عِتْبَانِ اِبْن مَالِك قَالَ: قَدِمْت الْمَدِينَة فَلَقِيت عِتْبَانَ فَقُلْت: حَدِيث بَلَغَنِي عَنْك) هَذَا اللَّفْظ شَبِيه بِمَا تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَاب مِنْ قَوْله عَنْ اِبْن مُحَيْرِيزٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانه وَاضِحًا. وَتَقْرِير هَذَا الَّذِي نَحْنُ فيه حَدَّثَنِي مَحْمُود بْن الرَّبِيع عَنْ عِتْبَانَ بِحَدِيثٍ قَالَ فيه مَحْمُود: قَدِمْت الْمَدِينَة فَلَقِيت عِتْبَانَ. وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِفه إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ اِجْتَمَعَ فيه ثَلَاثَة صَحَابِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض وَهُمْ أَنَس، وَمَحْمُود، وَعِتْبَانَ. وَالثَّانِيَة: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة الْأَكَابِر عَنْ الْأَصَاغِر؛ فَإِنَّ أَنَسًا أَكْبَر مِنْ مَحْمُود سِنًّا وَعِلْمًا وَمَرْتَبَة. رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَقَدْ قَالَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة (عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس قَالَ: حَدَّثَنِي عِتْبَانُ بْن مَالِك)، وَهَذَا لَا يُخَالِف الْأَوَّل؛ فَإِنَّ أَنَسًا سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ مَحْمُود عَنْ عِتْبَانَ، ثُمَّ اِجْتَمَعَ أَنَس بِعِتْبَانَ فَسَمِعَهُ مِنْهُ. وَاَللَّه أَعْلَم.
و: (عِتْبَانُ) بِكَسْرِ الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَبَعْدهَا تَاء مُثَنَّاة مِنْ فَوْق سَاكِنَة ثُمَّ بَاءَ مُوَحَّدَة. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَسْر الْعَيْن هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور الَّذِي لَمْ يَذْكُر الْجُمْهُور سِوَاهُ.
وَقَالَ صَاحِب الْمَطَالِع وَقَدْ ضَبَطْنَاهُ مِنْ طَرِيق اِبْن سَهْل بِالضَّمِّ أَيْضًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْض الشَّيْء) وَقَالَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «عَمِيَ»، يُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ بِبَعْضِ الشَّيْء الْعَمَى، وَهُوَ ذَهَاب الْبَصَر جَمِيعه، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ضَعْف الْبَصَر، وَذَهَاب مُعْظَمه، وَسَمَّاهُ عَمًى فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لِقُرْبِهِ مِنْهُ وَمُشَارَكَته إِيَّاهُ فِي فَوَات بَعْض مَا كَانَ حَاصِلًا فِي حَال السَّلَامَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (ثُمَّ أَسْنَدُوا عُظْم ذَلِكَ وَكُبْره إِلَى مَالِك بْن دُخْشُمٍ) أَمَّا (عُظْم) فَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْن وَإِسْكَان الظَّاء أَيْ مُعْظَمه.
وَأَمَّا (كُبْره) فَبِضَمِّ الْكَاف وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَذَكَرهمَا فِي هَذَا الْحَدِيث الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره؛ لَكِنْهُمْ رَجَّحُوا الضَّمَّ وَقُرِئَ قَوْل اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} بِكَسْرِ الْكَاف وَضَمِّهَا. الْكَسْر قِرَاءَة الْقُرَّاء السَّبْعَة، وَالضَّمّ فِي الشَّوَاذّ.
قَالَ الْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الثَّعْلَبِيّ الْمُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْكَسْرِ، وَقِرَاءَة حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ، وَيَعْقُوب الْحَضْرَمِيُّ بِالضَّمِّ.
قَالَ أَبُو عَمْرو بْن الْعَلَاء: هُوَ خَطَأ.
قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُمَا لُغَتَانِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَمَعْنَى قَوْله: (أَسْنَدُوا عُظْم ذَلِكَ وَكُبْره) أَنَّهُمْ تَحَدَّثُوا وَذَكَرُوا شَأْن الْمُنَافِقِينَ وَأَفْعَالهمْ الْقَبِيحَة، وَمَا يَلْقَوْنَ مِنْهُمْ، وَنَسَبُوا مُعْظَم ذَلِكَ إِلَى مَالِك.
وَأَمَّا قَوْله (اِبْن دُخْشُمٍ) فَهُوَ بِضَمِّ الدَّال الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة وَضَمَّ الشِّين الْمُعْجَمَة وَبَعْدهَا مِيم. هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي الرِّوَايَة الْأَوْلَى، وَضَبَطْنَاهُ فِي الثَّانِيَة بِزِيَادَةِ يَاء بَعْد الْخَاء عَلَى التَّصْغِير. وَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول. وَفِي بَعْضهَا فِي الثَّانِيَة مُكَبَّر أَيْضًا ثُمَّ إِنَّهُ فِي الْأُولَى بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ، وَفِي الثَّانِيَة بِالْأَلِفِ وَاللَّام.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: رَوَيْنَاهُ دُخْشُمٌ مُكَبَّرًا وَدُخَيْشِمٌ مُصَغَّرًا.
قَالَ: وَرَوَيْنَاهُ فِي غَيْر مُسْلِم بِالنُّونِ بَدَل الْمِيم مُكَبَّرًا وَمُصَغَّرًا.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح: وَيُقَال أَيْضًا: اِبْن الدِّخْشِ بِكَسْرِ الدَّال وَالشِّين. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِك بْن دُخْشُمٍ هَذَا مِنْ الْأَنْصَار. ذَكَرَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ اِخْتِلَافًا بَيْن الْعُلَمَاء فِي شُهُوده الْعَقَبَة.
قَالَ: وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدهَا مِنْ الْمَشَاهِد.
قَالَ: وَلَا يَصِحّ عَنْهُ النِّفَاق، فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ حُسْن إِسْلَامه مَا يَمْنَع مِنْ اِتِّهَامه. هَذَا كَلَام أَبِي عُمَر رَحِمَهُ اللَّه. قُلْت: وَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِيمَانِهِ بَاطِنًا وَبَرَاءَته مِنْ النِّفَاق بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّه. «أَلَا تَرَاهُ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَبْتَغِي بِهَا وَجْه اللَّه تَعَالَى» فَهَذِهِ شَهَادَة مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّهُ قَالَهَا مُصَدِّقًا بِهَا مُعْتَقِدًا صِدْقهَا مُتَقَرِّبًا بِهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى، وَشَهِدَ لَهُ فِي شَهَادَته لِأَهْلِ بَدْر بِمَا هُوَ مَعْرُوف. فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَكَّ فِي صِدْق إِيمَانه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَة رَدٌّ عَلَى غُلَاة الْمُرْجِئَة الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِيمَان النُّطْق مِنْ غَيْر اِعْتِقَادٍ فَإِنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيث. وَهَذِهِ الزِّيَادَة تَدْمَغهُمْ. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (وَدُّوا أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ فَهَلَكَ وَوَدُّوا أَنَّهُ أَصَابَهُ شَرّ) وَهَكَذَا هُوَ فِي بَعْض الْأُصُول (شَرّ)، وَفِي بَعْضهَا (بِشَرٍّ)، بِزِيَادَةِ الْبَاء الْجَارَّة وَفِي بَعْضهَا: «شَيْءٌ»، وَكُلّه صَحِيح. وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز تَمَنِّي هَلَاك أَهْل النِّفَاق وَالشِّقَاق، وَوُقُوع الْمَكْرُوه بِهِمْ.
قَوْله: «فَخُطّ لِي مَسْجِدًا» أَيْ أَعْلِمْ لِي عَلَى مَوْضِعٍ لِأَتَّخِذهُ مَسْجِدًا أَيْ مَوْضِعًا أَجْعَل صَلَاتِي فيه مُتَبَرِّكًا بِآثَارِك. وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنْوَاع مِنْ الْعِلْم تَقَدَّمَ كَثِير مِنْهَا. فَفيه جَوَاز التَّبَرُّك بِآثَارِ الصَّالِحِينَ. وَفيه زِيَارَة الْعُلَمَاء وَالْفُضَلَاء وَالْكُبَرَاء أَتْبَاعهمْ وَتَبْرِيكهمْ إِيَّاهُمْ. وَفيه جَوَاز اِسْتِدْعَاء الْمَفْضُول لِلْفَاضِلِ لِمَصْلَحَةٍ تَعْرِض. وَفيه جَوَاز الْجَمَاعَة فِي صَلَاة النَّافِلَة. وَفيه أَنَّ السُّنَّة فِي نَوَافِل النَّهَار رَكْعَتَانِ كَاللَّيْلِ. وَفيه جَوَاز الْكَلَام وَالتَّحَدُّث بِحَضْرَةِ الْمُصَلِّينَ مَا لَمْ يَشْغَلهُمْ وَيُدْخِل عَلَيْهِمْ لَبْس فِي صَلَاتهمْ أَوْ نَحْوه. وَفيه جَوَاز إِمَامَة الزَّائِر الْمَزُور بِرِضَاهُ. وَفيه ذِكْر مَنْ يُتَّهَم بِرِيبَةٍ أَوْ نَحْوهَا لِلْأَئِمَّةِ وَغَيْرهمْ لِيُتَحَرَّز مِنْهُ. وَفيه جَوَاز كِتَابَة الْحَدِيث وَغَيْره مِنْ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة لِقَوْلِ أَنَس لِابْنِهِ: اُكْتُبْهُ، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّة، وَجَاءَ فِي الْحَدِيث النَّهْي عَنْ كَتْب الْحَدِيث، وَجَاءَ الْإِذْن فيه فَقِيلَ: كَانَ النَّهْي لِمَنْ خِيفَ اِتِّكَاله عَلَى الْكِتَاب وَتَفْرِيطه فِي الْحِفْظ مَعَ تَمَكُّنه مِنْهُ، وَالْإِذْن لِمَنْ لَا يَتَمَكَّن مِنْ الْحِفْظ.
وَقِيلَ: كَانَ النَّهْي أَوَّلًا لَمَّا خِيفَ اِخْتِلَاطه بِالْقُرْآنِ، وَالْإِذْن بَعْده لَمَّا أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ بَيْن السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ خِلَاف فِي جَوَاز كِتَابَة الْحَدِيث، ثُمَّ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى جَوَازهَا وَاسْتِحْبَابهَا وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفيه الْبُدَاءَة بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمّ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث عِتْبَانَ هَذَا بَدَأَ أَوَّل قُدُومه بِالصَّلَاةِ ثُمَّ أَكَلَ. وَفِي حَدِيث زِيَارَته لِأُمِّ سُلَيْمٍ بَدَأَ بِالْأَكْلِ، ثُمَّ صَلَّى. لِأَنَّ الْمُهِمّ فِي حَدِيث عِتْبَانَ هُوَ الصَّلَاة فَإِنَّهُ دَعَاهُ لَهَا، وَفِي حَدِيث أُمّ سُلَيْمٍ دَعَتْهُ لِلطَّعَامِ. فَفِي كُلّ وَاحِد مِنْ الْحَدِيثِينَ بَدَأَ بِمَا دُعِيَ إِلَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم.
وَفيه جَوَاز اِسْتِتْبَاع الْإِمَام وَالْعَالِم أَصْحَابه لِزِيَارَةٍ أَوْ ضِيَافَةٍ أَوْ نَحْوهَا. وَفيه غَيْر ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا حَذَفْنَاهُ. وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ، وَلَهُ الْحَمْد وَالنِّعْمَة، وَالْفَضْل وَالْمِنَّة، وَبِهِ التَّوْفِيق وَالْعِصْمَة.

يتبع بالتعقيب عل كلامه السابق بدقة إن شاء الله تعالي☟☟☟☟☟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق