الأربعاء، 27 يونيو 2018

3.. وجوب اتباع الرسول كما شرع وقال وقصد+ لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من نفسه...

3.. وجوب اتباع الرسول كما شرع وقال وقصد

محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

[المبحث الخامس آثار الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتقاد والأعمال]

المبحث الخامس

آثار الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الاعتقاد والأعمال لا شك أن الغلو من أكبر أسباب الانحراف بالدين عن الصراط المستقيم.

وقد كان للغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكبر الأثر في إفساد حقائق الدين وتشويه معالمه، ولم ينحصر هذا الإفساد على جانب دون آخر بل عم الدين كله اعتقادا وعملا وسلوكا، وسأتحدث في هذا المبحث بإيجاز عن دور غلاة الصوفية في إفساد العقيدة والعبادة بسبب غلوهم في الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

أولا - في الاعتقاد:

(أ) في جانب الألوهية: يؤمن المسلمون بأن الله متفرد بالخلق والتدبير والألوهية والربوبية، وأن الله واحد لا شريك له في ذاته وصفاته وأفعاله، فجاء ملاحدة الصوفية وزعموا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - شريك مع الله في الخلق والتدبير وكشف الضر وجلب النفع إلى غير ذلك من صنوف الشرك، وكتب الصوفية وصلواتهم مشحونة بذلك.

يقول البوصيرى (1) في البردة التي يترنم بها ملايين الصوفية:

_________

(1) شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري (608 - 696 هـ) نسبة إلى بوصير من قرى بني سويف بمصر، شاعر. أغلب شعره في مديح النبي - صلى الله عليه وسلم - على طريقة الصوفية. من أشهر قصائده البردة والهمزية والرائية. انظر: فوات الوفيات. محمد بن شاكر الكتبي. تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 3: 362. والدليل الشافي على المنهل الصافي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي، تحقيق. فهيم محمد شلتوت. من مطبوعات جامعة أم القرى. مركز البحث العلمي، مكة المكرمة، 2 / 622.

(1/193)

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حدوث الحادث العمم

ولن يضيق رسول الله جاهك بي ... إذا الكريم تجلى باسم منتقم

فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم (1)

فهذا الشاعر خلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوصاف الربوبية والألوهية ما لا يليق وصف أحد به إلا الله وحده، فجعل الرسول وحده ملاذه ومعاذه عند حلول الخطوب ونزول الشدائد ثم نسب إلى الرسول الشفاعة مطلقا كما يعتقده المشركون في الشفاعة الشركية التي تكون بدون إذن ولا رضى من المشفوع عنده وإنما تكون بجاه الشافع ومكانته فقط.

ثم نراه يجعل الدنيا والآخرة من جوده، وأن علم اللوح والقلم من بعض علومه وهذا مع ما فيه من الشرك كفر بالله عز وجل. لأن كل ما ذكره من أوصاف الربوبية والألوهية لا يجوز بأي حال من الأحوال وصف أي مخلوق بها وإنما أي من صفات الخالق وحده.

قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62] (2) وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109] (3) . وقال تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: 123] ) (4) الآية. وقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] (5) .

ويقول البكري (6) في قصيدة له:

_________

(1) ديوان البوصيري. تحقيق محمد سيد كيلاني طبع مصطفى الحلبي مصر 1374هـ، ص200.

(2) سورة النمل، آية (62) .

(3) سورة طه، آية (109) .

(4) سورة هود، آية (123) .

(5) سورة طه، آية (110) .

(6) هو محمد بن أبي الحسن البكري الصديقي الشافعي (930 - 994 هـ) ، محدث، إخباري، من تصانيفه. الجوهر الثمين من كلام سيد المرسلين، تأبيد المنة بتأييد أهل السنة وغيرها. انظر: معجم المؤلفين، 9 / 185 والأعلام، 7 / 60.

(1/194)

ولذ به في كل ما ترتجي ... فإنه المأمن والمعقل

وناده إن أزمة أنشبت ... أظفارها واستحكم المعضل

يا أكرم الخلق على ربه ... وخير من فيهم به يسئل

قد مسني الكرب وكم مرة ... فرجت كربا بعضه يعضل

فبالذي خصك بين الورى ... برتبة عنها العلا تنزل

عجل بإذهاب الذي اشتكى ... فإن توقفت فمن أسأل (1)

وهذا مع ما فيه من شرك قدح في الألوهية وتفرد الله بتدبير الكون وحده، ولم يتوقف شركهم وكفرهم عند هذا الحد حتى زعموا أن محمدا عين ذات الله وهو من الحق بمنزلة إنسان العين من العين وأنه روح الله المنفوخ في آدم.

يقول أحمد بن إدريس (2) في إحدى صلواته:

" اللهم صل على الكنه الذاتي والقدس الصفاتي، نور الأسماء، ورداء الكبرياء، أزار العظمة الإلهية، عين الإحاطة الذاتية، تجليات الغيب والشهادة، روح حياة الماء، الروح الإلهي، والنور البهاء، رحمة الوجود وعلم الشهادة صلاة ذاتية أزلية أبدية. اللهم وسلم عليه مثل ذلك " (3) .

ويقول صاحب دلائل الخيرات:

" اللهم صل على سيدنا محمد بحر أنوارك ومعدن أسرارك، ولسان حجتك وعروس مملكتك، وإمام حضرتك، وطراز ملكك، وخزائن رحمتك، وطريق

_________

(1) أورد هذه القصيدة محمد بن علوي المالكي في كتابه الذخائر المحمدية، القسم الأول، ص 158، مطبعة حسان، القاهرة، وقال إنها مجربة لقضاء الحوائج وتقرأ في آخر الليل بعد ما تيسر من الصلاة، ويكرر بيت: عجل بإذهاب الذي اشتكى ثلاثا وسبعين مرة.

(2) هو أحمد بن إدريس الحسني صاحب الطريقة الأحمدية الإدريسية المنتشرة في المغرب والسودان وغيرهما. ولد بفاس وانتقل إلى مكة ثم رحل إلى اليمن فسكن صبيا إلى أن مات. وهو جد الأدراسة الذين كانت لهم إمارة عسير ونواحيها وكان صوفيا على دين ابن عربي. له عدة كتب منها العقد النفيس، والسلوك وروح السنة توفي سنة 1253 هـ.

(3) مجموعة أحزاب وأوراد ورسائل. تأليف أحمد بن إدريس، ص 62.

(1/195)

شريعتك المتلذذ بتوحيدك إنسان عين الوجود والسبب في كل موجود عين أعيان خلقك المتقدم من نور ضيائك صلاة تدوم بدوامك وتبقى ببقائك لا منتهي لها دون علمك صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين " (1) .

ويقول صاحب كتاب النفحات الأقدسية في خطبة كتابه:

(نحمدك اللهم يا من صلى على محمد بفيض ذاته فكان مجلى له في جميع تجلياته فهو روح الله المنفوخ في صورة آدم. وطامة الحقائق الكبرى لسائر العالم فلا يصل واصل إلا إليه ولا يهتدي حائر إلا به فيه عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله ولا موجود في هذا الوجود إلا إياه وأشهد أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - إنسان عين ذاته وسر إمداداته) (2) .

ويقول عبد الكريم الجيلي (3) (اعلم حفظك الله أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، ثم له تنوع في ملابس، ويظهر في كنائس، فيسمى به باعتبار لباس، ولا يسمى به باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد، وكنيته أبو القاسم، ووصفه عبد الله، ولقبه شمس الدين. . . واعلم أن الإنسان الكامل مقابل لجميع الحقائق الوجودية بنفسه، فيقابل الحقائق العلوية بلطافته، ويقابل الحقائق السفلية بكثافته. . ثم اعلم أن الإنسان الكامل هو الذي يستحق الأسماء الذاتية والصفات

_________

(1) دلائل الخيرات. محمد بن سليمان الجزولي، ص72.

(2) النفحات الأقدسية في شرح الصلوات الأحمدية الإدريسية، محمد بهاء الدين البيطار. طبع دار الجليل، بيروت، ص3.

(3) عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي، ابن سبط الشيخ عبد القادر الكيلاني، (767 - 820 أو 832هـ) كان صوفيا على دين ابن عربي. من مؤلفاته: الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل. شرح مشكلات الفتوحات المكية. وحقيقة الحقائق التي في هي للحق من وجه ومن وجه للخلائق. والكمالات الإلهية في الصفات المحمدية. انظر: معجم المؤلفين، 5 / 313، الأعلام 4 / 50 - 51.

(1/196)

الإلهية استحقاق الأصالة والملك بحكم المقتضى الذاتي فإنه المعبر عن حقيقته بتلك العبارات، والمشار إلى لطيفته بتلك الإشارات ليس لها مستند في الوجود إلا الإنسان الكامل، فمثاله للحق مثال المرآة التي لا يرى الشخص صورته إلا فيها، وإلا فلا يمكنه أن يرى نفسه إلا بمرآة الاسم " الله " فهو مرآته، والإنسان الكامل أيضا مرآة الحق. فإن الحق تعالى أوجب على نفسه ألا ترى أسماؤه ولا صفاته إلى في الإنسان الكامل) (1) وتصور كلامهم في هذا الباب كاف لإثبات بطلانه (2) .

(ب) أما اعتقادهم في الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيخالف اعتقاد عامة المسلمين في جوانب كثيرة: فإذا كان المسلمون يعتقدون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - وجميع الأنبياء والرسل من قبله بشر مثل بقية البشر في كل شيء غير أنهم مفضلون بالوحي وبخصائص تناسب نبوتهم ورسالتهم. وهذا هو الاعتقاد الصحيح الذي نطق به القرآن والسنة وأجمع عليه المسلمون على مر العصور.

حتى جاء ملاحدة الصوفية وحولوا أتباعهم عن هذا الاعتقاد الصحيح إلى عقيدة وثنية تجعل من محمد - صلى الله عليه وسلم - المجلي الأعظم للذات الإلهية وأنه الواسطة بين الوجود المطلق وهو الله وبين عالم الطبيعة وبالتنزل صار محمدا هو الإله عندهم وقد سبق في النصوص ما يؤيد ذلك، ويؤمن المسلمون بأن أول ما خلق الله هو الماء والعرش ثم القلم ثم خلق السماوات والأرض كما بين ذلك الله ورسوله (3) .

ولكن الصوفية تعتقد بأن أول ما خلق الله هو محمد - صلى الله عليه وسلم - ومنه خلق كل شيء ولما كانت نصوص الشرع على خلاف ذلك والآيات والأحاديث تبين أن أول ما خلق الله هو الماء والعرش ثم القلم، حاولوا التوفيق بين ضلاهم وبين

_________

(1) الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر. عبد الكريم الجيلي، ط3، مصطفى الحلبي، مصر، 1390هـ، 2 / 73 - 77.

(2) انظر مناقشة الحقيقة المحمدية وبيان بطلانها في المبحث السابق، ص187 وما بعدها.

(3) انظر مناقشة الحقيقة المحمدية وبيان بطلانها في المبحث السابق، ص187 وما بعدها.

(1/197)

هذه النصوص فأطلقوا على الحقيقة المحمدية أسماء مثل عرش التجلي الذاتي، والقلم الأعلى، وأم الكتاب، إلى غير ذلك من الألقاب الكثيرة التي خلعوها على الحقيقة المحمدية.

يقول أحمد بن إدريس في إحدى صلواته:

(اللهم صل على مولانا محمد نورك اللامع ومظهر سرك الهامع الذي طرزت بجماله الأكوان وزينت ببهجة جلاله الأوان، الذي فتحت ظهور العالم من نور حقيقته وختمت كماله بأسرار نبوته فظهرت صور الحسن من فيضه في أحسن تقويم ولولا هو ما ظهرت لصورة عين من العدم الرميم) (1) .

ويقول في صلاة أخرى:

(اللهم صل على أم كتاب كمالات الذات، عين الوجود المطلق الجامع لسائر التقييدات. صورة ناسوت الخلق، معاني لاهوت الحق، الغيب الذات، والشهادة الأسماء، والصفات الناظر بالكل في الكل من الكل للكليات الجزئيات 00) (2) .

ويعتقد المسلمون بأن الله خلق هذا الكون من العدم وأوجده على غير مثال سابق. لكن الصوفية تؤمن بأن الله خلق هذا الكون من نور محمد - صلى الله عليه وسلم - ويستشهدون بحديث النور المنسوب إلى جابر بن عبد الله وقد سبق ذكره وبيان بطلانه (3) .

يقول الدباغ (4) (اعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسموات وأرضين وجنات

_________

(1) مجموعة أحزاب وأوراد ورسائل، 55.

(2) المصدر نفسه، 56 - 57.

(3) انظر ص 164 - 165 من هذا البحث.

(4) هو عبد العزيز بن مسعود المعروف بالدباغ، (1095 - 1132هـ) ، صوفي، من أهل فاس بالمغرب، كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولأتباعه مبالغة في الثناء عليه ونسبة الخوارق إليه. من آثار الإبريز من كلام سيدي عبد العزيز جمعه أحمد بن مبارك السجلماسي. انظر: الأعلام، 4 / 28. ومعجم المؤلفين، 5 / 262 - 263.

(1/198)

وحجب، وما فوقها، وما تحتها، إذا جمعت كلها، وجدت بعضا من نور محمد، وأن مجموع نوره لو وضع على العرش لذاب، ولو وضع على الحجب السبعين التي فوق العرش لتهافتت، ولو جمعت المخلوقات كلها ووضع ذلك النور العظيم عليها لتهافتت وتساقطت) (1) .

وإذا كان المسلمون يؤمنون بأن القرآن نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بواسطة جبريل، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يدري عن القرآن شيئا قبل نزوله عليه كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52] (2) {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] (3) ولكن ملاحدة الصوفية تأبى هذه الحقيقة وتعدل عنها إلى الإفك والبهتان فتزعم أن جبريل عجب حين رأى محمدا - صلى الله عليه وسلم - يتلو القرآن قبل أن يعلمه إياه فسأله جبريل فأجابه قائلا: ارفع الستر مرة حين يلقى إليك الوحي، ففعل جبريل ذلك فرأى محمدا - صلى الله عليه وسلم - هو الذي يوحي إليه، فصاح سبحان الله: منك وإليك يا محمد. وهذا دليل واضح على تلاعب الشيطان بعقولهم وأحلامهم، إذ لا يصدق بهذه الخراقة إلا من ليس له أدنى تمييز، وقد أسس لهم هذه الأسطورة ابن عربي شيخ الصوفية الأكبر إذ يفسر قول الله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] (4) .

يقول:

(اعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى القرآن مجملا قبل جبريل من غير تفصيل

_________

(1) هذه هي الصوفية. تأليف عبد الرحمن الوكيل، ط4، دار الكتب العلمية، بيروت 404 1 هـ، ص 87، نقلا عن الإبريز للدباغ، 2 / 84.

(2) سورة الشورى آية (52) .

(3) سورة العنكبوت، آية (48) .

(4) سورة طه، آية (114) .

(1/199)

الآيات والسور فقيل له ولا تعجل بالقرآن الذي عندك قبل جبريل فتلقيه على الأمة مجملا فلا يفهمه أحد منك لعدم تفصيله) (1) .

وهذه فرية واضحة البطلان يكذبها القرآن وحال الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي كان ينتظر نزول الوحي عليه ليعرف حكم الله فيما يجد من الحوادث والنوازل.

وإذا كان المسلمون يؤمنون بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل في زمان ومكان معينين وأن الرسل السابقين عليه أرسل كل واحد منهم إلى قوم معينين في زمان معين.

إلا أن غلاة الصوفية تعتقد بأن الرسول في كل العصور واحد هو محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن الرسل السابقين ليسوا إلا صورا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويروون في هذا شعرا:

كل النبيين والرسل الكرام أتوا ... نيابة عنه في تبليغ دعواه

فهو الرسول إلى كل الخلائق في ... كل العصور ونابت عنه أفواه (2) .

وإذا كان المسلمون يعتقدون بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد مات كما يموت سائر البشر بعد أن بلغ رسالة كما قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] (3) وإذا بمتأخري الصوفية يعتقدون بأن الرسول حي وأنه يرى يقظة لا مناما، وأن مشايخ الصوفية يتلقون عنه مباشرة ويجتمعون به. وهذا من أظهر البطلان الذي يكذب التاريخ والواقع ويستحيل أن تقبله الفطر والعقول (4) .

فساد مفهوم محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -: بعد أن كانت محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعنى إيثاره على كل مخلوق سواه، وطاعته واتباعه. صار معناها عند غلاة الصوفية عبادته ودعاؤه والسؤال به

_________

(1) الكبريت الأحمر في علوم الشيخ الأكبر للشعراني بهامش اليواقيت والجواهر، طبع مصطفى، الحلبي، 13789هـ، ص6.

وانظر: هذه هي الصوفية، ص89 - 92.

(2) انظر النفحات الأقدسية، ص17.

(3) سورة الزمر، آية (30) .

(4) سيأتي مزيد بيان في الرد على هذه الخرافة في مبحث البدع التي ظهرت بدعوى محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

(1/200)

وتأليف الصلوات المبتدعة وعمل الموالد وإنشاء القصائد الشركية في الاستغاثة به وصرف وجوه العبادة إليه - صلى الله عليه وسلم - وبعد أن كان تعظيم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتباعه والأدب معه وتوقيره، صار التعظيم عندهم هو الغلو فيه - صلى الله عليه وسلم - بإخراجه عن حد البشرية ورفعه إلى مرتبة الألوهية.

هذا عن دور الغلاة في إفساد عقيدة المسلمين في الله ورسوله وتحويلهم عن الإسلام والتوحيد الخالص على عقائد وثنية مخالفة للإسلام جملة وتفصيلا.

ثانيا: آثار الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - على العبادات الشرعية: أدى الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الانحراف بالعبادات عن وضعها الشرعي، وتأويلها، وابتداع عبادات ما أنزل الله بها من سلطان فبعد أن كان المسلمون يرون أن أعظم أعمالهم بعد الإيمان بالله هو الصلاة وبقية أركان الإسلام. جاء غلاة الصوفية فزعموا أن أجل الأعمال هو الإيمان بوحدة الوجود والتحقق بها (أي الفناء في ذات الله) ، والإيمان بالحقيقة المحمدية، والصلاة عليها بأكثر الصلوات شركا وكفرا، وقضاء الأعمار في الخلوات والأذكار المبتدعة، وسيأتي لهذا مزيد بيان (1) .

ويؤمن المسلمون بأن أجل ما ورثوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو هديه وسنته، فجاءت الصوفية لتزعم بأن أجل ما ورثوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الطريقة، والحقيقة، والتصوف الفلسفي بمقاماته واصطلاحاته، وهلم جرا.

أما هديه - صلى الله عليه وسلم - وسنته فلا يعرفونها ولا يرفعون لها رأسا بل يرون أن المشتغلين بالسنة. الداعين إليها هم من ألد خصومهم. لأن مهمتهم نشر الهدي ودين الحق الذي فيه إبطال كل خرفات وأباطيل الملاحدة والزنادقة قديما وحديثا.

_________

(1) انظر: مبحث البدع التي ظهرت بدعوى المحبة.

(1/201)

محبة الرسول بين الاتباع والابتداع

[المبحث السادس حكم الإسلام في الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم]

المبحث السادس

حكم الإسلام في الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد جاءت نصوص الشرع بإثبات بشرية الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنه بشر محكوم بقوانين البشرية غير أنه مفضل بخصائص تناسب نبوته ورسالته ويأتي التأكيد على هذا الأمر لئلا يتطرق الغلو إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلما وقع لليهود مع عزير وللنصارى مع عيسى ابن مريم عليه السلام.

وَقَدْ نَهَى اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ - خَاصَةً النَّصَارَى - عَنِ الْغُلُوِّ وحذرهم من سوء عاقبته فقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77] (1) وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171] (2) الآية.

وفي نهي الله لهم تَحْذِيرٌ لهذه الأمة حتى لا تقع فيما وقعت فيه النصارى من الغلو في عيسى ورفعهم له فوق مرتبته ووصفه بصفات الألوهية، فوقعوا بسبب ذلك في الشرك والكفر المخرج عن الملة.

لأجل هذا نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو في الدين عامة وفيه خاصة وذلك في أحاديث كثيرة.

منها ما أخرجه النسائي وابن ماجه واللفظ له بسنده «عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (قال لي رسول - صلى الله عليه وسلم - غداة العقبة وهو على

_________

(1) سورة المائدة، آية (77) .

(2) سورة النساء، آية (171) .

(1/202)

ناقته: " ألقط لي حصى " فلقطت له سبع حصيات، هن حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: " أمثال هؤلاء فارموا " ثم قال: " يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (1) .

قال ابن تيمية في شرح هذا الحديث:

(وقوله: «إياكم والغلو في الدين» عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال. والغلو: مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق، ونحو ذلك، والنصارى أكثر غلوا في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف.

وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن في قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] (2) .

وسبب هذا اللفظ عام: رمي الجمار. وهو داخل فيه، فالغلو فيه مثل الرمي بالحجارة الكبار، ونحو ذلك. بناء على أنه أبلغ من الحصى الصغار ثم علل ذلك: بأن ما أهلك من قبلنا إلا الغلو في الدين كما نراه في النصارى. وذلك يقتضي: أن مجانبة هديهم مطلقا أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه أن يكون هالكا) (3) .

ومنها ما أخرجه البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. فإنما أنا عبده. فقولوا عبد الله ورسوله» (4) .

ففي هذا الحديث تحذير واضح لهذه الأمة من الإطراء في مدحه - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يفضي ذلك إلى الغلو فيه كما غلت النصارى من قبل في عيسى بن مريم عليه السلام.

والنهي عن الإطراء في هذا الحديث يحتمل أمرين:

_________

(1) سبق تخريجه، ص 147.

(2) سورة النساء، آية (171) .

(3) اقتضاء الصراط المستقيم، 1 / 289 - 290.

(4) سبق تخريجه، ص 24.

(1/203)

- إما النهي عن مطلق المدح والاقتصار على وصفه بأنه عبد الله ورسوله.

- وإما النهي عن المبالغة في المدح لئلا يؤدى ذلك إلى وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصفات الألوهية. ولكلا الأمرين ما يؤيده من الأحاديث (1) .

وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث منزلته التي أنزله الله إياها، وهي مرتبة العبودية لله، عز وجل، ثم مرتبة الرسالة التي اصطفاه الله لها.

فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته أن تصفه بالعبودية والرسالة ولا تتجاوز ذلك إلى غيره من الأوصاف التي تتضمن الإطراء المنهي عنه.

ومع أن هذا الحديث حجة قاطعة في النهي عن الإطراء وسد باب الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن الغلاة حاولوا تأويل هذا الحديث بما يبطل معناه ويؤدى إلى نقيضه، فزعموا أن الإطراء المنهي عنه في هذا الحديث هو إطراء مشابه لإطراء النصارى لعيسى، ووصفهم له بصفات الألوهية والربوبية وقولهم عنه أنه الله أو ابن الله. وما سوى ذلك من أنواع الإطراء فليس بمذموم بل هو مستحب (2) .

فأجازوا إطراء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما دون وصفه بصفات الألوهية والربوبية. وظنوا أن هذا من قبيل التعظيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

كما قال البوصيري في البردة:

دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

فانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وأنسب إلى قدره ما شئت من عظم

فإن فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم (3)

وهذا جهل واضح بمعنى الحديث ومقصود الرسول - صلى الله عليه وسلم - به لأن معناه النهي عن المدح أصلا، أو النهي عن المبالغة فيه.

ثم إن تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يكون إلا بما شرعه، ووصفه ومدحه بدون قيد قد يدخل في أنواع من الشرك

_________

(1) انظر: التوسل. أنواعه وأحكامه. للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط5، المكتب الإسلامي، بيروت، 1404 هـ، ص 88 - 89.

(2) انظر الجوهر المنظم في زيارة القبر النبوي لابن حجر الهيتمي ص 61.

(3) ديوان البصيري ص193.

(1/204)

كالاستغاثة به - صلى الله عليه وسلم - عند الشدائد وطلب الحاجات منه إلى غير ذلك من أنواع الغلو المفضي إلى الشرك، الذي نهى الله ورسوله عنه.

وليت هؤلاء الغلاة وقفوا في إطرائه - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الحد فلم يصفوه بصفات الألوهية والربوبية كما فعلت النصارى، بل إنه قد وصل بهم الغلو إلى مساواة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالله.

يقول صاحب كتاب النفحات الأقدسية:

(فشأن محمد في جميع تصرفاته هو شأن الله، تعالى، فليس لمحمد - صلى الله عليه وسلم - من محمد شيء ولذلك كان نورا ذاتيا من عين ذات الله) (1) وفي هذا الكلام من الكفر الصريح ما فيه والذي يناقض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تحقيق التوحيد وسد الذرائع إلى الشرك.

ومن الأحاديث التي وردت في النهي عن الإطراء في المدح ما أخرجه الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - «أن رجلا قال: يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا، وابن خيرنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان. أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» (2) .

وأخرج أبو داود بسنده «عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: (انطلقت في وفد بنى عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أنت سيدنا فقال: السيد الله تبارك وتعالى. قلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا. فقال: " قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» (3) .

_________

(1) النفحات الأقدسية، ص 9.

(2) سبق تخريجه، ص 89.

(3) سنن أبي داود. كتاب الأدب، باب كراهية المدح، 5 / 154 - 155، والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 3 / 226.

(1/205)

قال الخطابي:

(وإنما منعهم - فيما نرى - أن يدعوه سيدا، مع قوله «أنا سيد ولد آدم» ، وقوله للخرزج «قوموا إلى سيدكم» - يريد سعد بن معاذ - من أجل أنهم قوم حديثو عهد بالإسلام، وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كما هي بأسباب الدنيا، وكان لهم رؤساء يعظمونهم، وينقادون لأمرهم، ويسمونهم السادات، فعلمهم الثناء عليه وأرشدهم إلى الأدب في ذلك، فقال: «قولوا بقولكم» يريد قولوا بقول أهل دينكم وملتكم، وادعوني نبيا ورسولا، كما سماني الله - عز وجل - في كتابه، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال: 64] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: 41] ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم ولا تجعلوني مثلهم، فإني لست كأحدهم، إذ كانوا يسودونكم بأسباب الدنيا وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة، فسموني نبيا ورسولا (1) .

فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه أن يواجهوه بالمدح لئلا يفضي ذلك إلى الغلو، وأخبر أن مواجهة المادح للممدوح بمدحه - ولو بما فيه - من عمل الشيطان لما يقتضيه المدح والإطراء من تعاظم الممدوح في نفسه وهذا ينافي التوحيد، لأنه يدخل في النفس الكبر والعجب المفسد للاعتقاد والعمل.

كما في الحديث القدسي «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئا منهما قذفته في النار» (2) .

وفي الحديث «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» (3) .

وهذه الآفات سببها محبة المدح، لأجل هذا كره الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه أن يواجهوه بالمدح والإطراء حتى لا ينافي هذا عبوديته الخالصة لربه، فمقام العبودية يقتضي كراهية المدح أصلا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أكمل الله له مقام العبودية صار يكره أن يمدح صيانة لهذا المقام، وأرشد الأمة إلى ترك

_________

(1) معالم السنن للخطابي، 5 / 155.

(2) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، 4 / 350 - 351. وبنحوه أخرجه مسلم مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب البر. باب تحريم الكبر، 4 / 2023.

(3) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر، 1 / 93.

(1/206)

ذلك نصحا لهم، وحماية لمقام التوحيد من أن يدخل عليه ما يفسده من الشرك ووسائله {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59] (1) . ورأوا أن فعل ما نهاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن فعله قربة من أفضل القربات، وحسنة من أعظم الحسنات (2) .

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» دليل قاطع على كراهية الرسول للمدح بما سوى العبودية والرسالة وأخبر أن هذه هي منزلته الحقيقية التي أنزله الله إياها، وهذا مما يبين أن الغلاة قد سلكوا في غلوهم مسلكا لا يحبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يرضاه بل نهي عنه في مواقف كثيرة.

وقد أنكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على من قال له ما شاء الله وشئت فقال له: «أجعلتني والله عدلا بل ما شاء الله وحده» (3) كما أنكر على معاذ - رضي الله عنه - حينما هم أن يسجد له (4) ومعاذ إنما قصد بذلك تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن النبي أنكر عليه ذلك لأنه لا ينبغي السجود إلا لله وحده، فكل من عظم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بما لم يشرعه فقد غلا فيه وإن ظن أنه بذلك معظما.

ومن هذا الباب نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ قبره عيدا ومسجدا حتى لا تقع الأمة في الشرك. فحقق الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته التوحيد وسد كل الذرائع إلى الشرك وقطع أسبابه والتي من أعظمها الغلو فيه، لأجل هذا كان الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - محرما لأنه يفضي إلى الشرك والكفر، ولما يتضمنه هذا الغلو من القدح في مقام الألوهية وتفرد الله بصفات الربوبية.

ولأن فيه تنقيصا للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأن كماله في عبوديته لربه كما يتضمن الكذب عليه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما دعا الخلق إلا إلى إفراد الخالق بالعبادة، ولم يدعهم

_________

(1) سورة البقرة، آية (59) .

(2) انظر: تيسير العزيز الحميد، ص731 - 733.

(3) سبق تخريجه، ص 89.

(4) انظر المسند، 4 / 381، 5 / 227 - 228.

(1/207)

إلى عبادة نفسه ووصفه بصفات الرب كما أنه لم يدع أنه من نور، أو أن له في الكون شيئا من التدبير، أو أنه يعلم الغيب إلى غير ذلك مما يعتقده الغلاة فيه.

بل عد ذلك مما يناقض الدين الذي جاء به، قال تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] (1) الآية.

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا - قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا - قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 20 - 22] (2) وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ - وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 79 - 80] (3) .

ثم إن الصحابة رضوان الله عليهم - وهم أعلم خلق الله بعد رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالدين وأشدهم حبا وتعظيما لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومعرفة لحقوقه - لم يتعاملوا معه - صلى الله عليه وسلم - إلا على أنه بشر مثلهم رسول، لا على أنه إنسان حل فيه الإله، أو أنه روح الله أو أنه مخلوق من نور إلى آخر ما يعتقده الغلاة. ولا دعوا الناس إلى ذلك، وإنما دعوهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله اصطفاه الله لرسالته وعلى هذا جرى سلف هذه الأمة. إلى أن رفعت الزندقة رأسها فوجد في الأمة من أنواع الغلو ما يناقض شرع الله.

وما علمت هذه المقالات ولا ابتدعت إلا من أناس زنادقة منافقين كالحلاج

_________

(1) سورة الأنعام، آية (50) .

(2) سورة الجن، آية (20-22) .

(3) سورة آل عمران، آية (79-80) .

(1/208)

وابن عربي والجيلي وابن الفارض (1) وغيرهم من الغلاة الذين سار على نهجهم أكثر الصوفية حتى زماننا هذا.

وهذه المقالات التي ابتدعوها هي كفر وزندقة متسترة بدعوى حبهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه.

فهي في ميزان الشرع كفر صريح أو مؤدية للكفر ومن اعتقد فيها وقال بها عن علم فقد كفر.

وذلك كالقول بقدم النور المحمدي وأنه مادة العالم وأن الرسول كان بحقيقته موجودا قبل أن يخلق آدم وأنه إنسان عين الله، وأنه هو الحقيقة الإلهية السارية في الوجود بأسره وأن الحقيقة المحمدية هي العقل الكلي الذي يصل ما بين الوجود المطلق وهو الله وما بين عالم الطبيعة (الخلق) .

وأن الحقيقة المحمدية هي روح الله المنفوخ في آدم وأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان خلقا في ظاهره خالقا في باطنه وأن الأنبياء كانوا صورا للحقيقة المحمدية وأن الحقيقة المحمدية ليست إلا الله متعينا في أول تعيناته وهي اسم الله الأعظم إلى غير ذلك من العقائد الباطلة.

فهذه الأمور من اعتقدها فلا شك في كفره وزندفته، كما حكم جمع من العلماء بكفر ابن عربي ومن تابعه على معتقده (2) ومع كون هذه الأمور كفرا بواحا، إلا أن هؤلاء الزنادقة الضلال موهوه وخرفوه وأخرجوه في قالب محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحجبوا الناس عن تلقي حقائق الشرع، والعلم بالدين حتى لا ينكشف للناس زيغهم وضلالهم.

وشجعهم على ذلك انتشار الجهل بين غالبية المسلمين حتى عد هؤلاء

_________

(1) عمر بن علي بن مرشد المعروف بابن الفارض حموي الأصل، مصري المولد والدار والوفاة. اشتغل بالفقه والحديث أول أمره ثم انتقل إلى التصوف فكان أكثر الصوفية شعرا، ومن أشهر شعره تائية السلوك التي جمع فيها فنون الالحاد والاتحاد والكفر برب العالمين. توفي (632 هـ) . قال عنه الذهبي " ينعق بالاتحاد الصريح في شعره وهذه بلية عظيمة فتدبر نظمه ولا تستعجل ولكنك حسن الظن بالصوفية، وما ثم إلا زي الصوفية وإشارات مجملة وتحت الزي والعبارة فلسفة وآفاعي فقد نصحتك والله الموعد ". ميزان الاعتدال، 3 / 214 - 215. وانظر لسان الميزان، 3 / 317 -319. وشذرات الذهب، 5 / 149- 153.

(2) انظر: العقد الثمين، 2 / 160 وما بعدها. وتنيه الغبي إلى كفر ابن عربي، ص 150 وما بعدها.

(1/209)

الضلال من علماء الدين وأولياء الله الصالحين.

فراجت في سوق الجهل بضاعتهم وأقبل عليها الجهال يحسبونها دينا يتقربون به إلى الله فإذا بهم قد وقعوا في الشرك الأكبر وصاروا عبيدا لهؤلاء الضلال يتلاعبون بعقولهم كما يتلاعب الصبيان بالكرة. والمحفوظ من حفظه الله فأنار بصيرته وفتح للحق قلبه وعقله.

(1/210)

حبة الرسول بين الاتباع والابتداع

[الفصل الثاني الابتداع]

[المبحث الأول تعريف البدعة وبيان حكمها]

الفصل الثاني

الابتداع وفيه ثلاثة مباحث المبحث الأول - تعريف البدعة وبيان حكمها.

المبحث الثاني - البدع التي ظهرت بدعوى محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

المبحث الثالث - آثار الابتداع.

(1/211)

المبحث الأول

تعريف البدعة وبيان حكمها البدعة في اللغة: اسم هيئة من الابتداع كالرفعة من الارتفاع وهي: كل شيء أحدث على غير مثال سابق. سواء أكان محمودا أم مذموما. وهي مأخوذة من بدع الشيء يبدعه بدعا إذا أنشأه واخترعه.

قال ابن فارس:

(" بدع ". الباء والدال والعين أصلان: أحدهما ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال والآخر الانقطاع والكلال) (1) وجاء في لسان العرب:

(بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه: أنشأه وبدأه. . . والبديع والبدع: الشيء يكون أولا. وفي التنزيل: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9] (2) أي ما كنت أول من أرسل، قد أرسل قبلي رسل كثير. والبدعة: الحدث وما ابتدع في الدين بعد الإكمال. . . . وأبدع وابتدع وتبدع: أتى ببدعة. قال الله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} [الحديد: 27] (3) وبدعه: نسبه إلى البدعة. . . والبديع: المحدث العجيب. . . . وأبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال. والبديع من أسماء الله - تعالى - لإبداعه الأشياء وإحداثه إياه. وهو البديع الأول قبل كل شيء. ورجل

_________

(1) معجم مقاييس اللغة، 1 / 209.

(2) سورة الأحقاف، آية (9) .

(3) سورة الحديد، آية (27) .

(1/213)

بدع وامرأة بدعة: إذا كان غاية في كل شيء، كان عالما أو شريفا أو شجاعا) (1) .

هذا ما يختص بالأصل الأول من معاني الكلمة، وهو الاختراع والإحداث وأما ما يختص بالأصل الثاني: وهو الانقطاع والكلال، فمنه قولهم - كما جاء في لسان العرب: (. . . أبدعت الإبل: بركت في الطريق من هزال أو داء أو كلال، وفي الحديث: «إني أبدع (2) فأحملني» (3) . . . كأنه جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعا أي إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها) (4) .

وهذا راجع إلى المعنى الأول. لأن انقطاع الدابة عن السير طارئ على عادتها وأمر حادث لم يكن من قبل. ومن هذا المعنى الثاني أخذت البدعة أيضا، لأنها وإن كانت شيئا مخترعا لم يسبق له مثيل إلا أن فيها معنى الانقطاع، لأنها تنقطع بصاحبها عن سلوك الصراط المستقيم.

وعلى هذا فالكلمة تدور على معنى الإحداث والاختراع والخروج عن حد المألوف والمعهود.

قال الشاطبي:

(ومن هذا المعنى - أي الإحداث والاختراع - سميت البدعة بدعة، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع، وهيئتها هي البدعة، وقد يسمى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة. فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة، وهو إطلاق أخص منه في اللغة) (5) .

_________

(1) لسان العرب، مادة بدع، 8 / 6 - 7.

(2) أبدع: انقطع إذا هلكت دابته ولم يجد ما يركبه.

(3) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة. باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، 3 / 1596. وأبو داود في كتاب الأدب، باب في الدال على الخير، 5 / 346.

(4) لسان العرب. مادة بدع، 8 / 9.

(5) الاعتصام للشاطبي، 1 / 36.

(1/214)

تعريف البدعة اصطلاحا: بعد بيان المعنى اللغوي للبدعة أنتقل لبيان معناها الاصطلاحي لنرى العلاقة بين المعنيين.

وأول ما يقابلنا في البحث عن تعريف العلماء للبدعة هو أنه ليس هناك تعريف موحد متفق عليه بين العلماء، إذ انقسم العلماء في تعريف البدعة إلى فريقين:

- الفريق الأول وسع مدلول البدعة لتشمل كل ما حدث بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء كان مذموما أو محمودا.

- والفريق الثاني قصر مدلول البدعة على الحادث المذموم الذي لم يرد به الشرع ولم يندرج تحت أصل يعمل به. مما يدخل في العبادة أو قصد به التعبد من العادات وبالجملة فهي تطلق عند هذا الفريق في مقابلة السنة.

وتبعا لذلك انقسم تعريف البدعة بسبب هذين الاتجاهين، فالاتجاه الأول يرى أن البدعة تنقسم إلى محمودة ومذمومة، والاتجاه الثاني يرى أن البدعة لا تكون إلا مذمومة. وسنعرض لتعريف البدعة لدى كل فريق بشيء من التفصيل، ونتبع ذلك بتحديد معنى البدعة الشرعية وبيان حكمها.

أولا - القائلون بالتقسيم: يرى هذا الفريق أن البدعة: هي كل ما أحدث في الدين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء أكان محمودا أم مذموما، وعلى ذلك فالبدعة عندهم تنقسم إلى محمودة ومذمومة، لكن منهم من اكتفى بذلك، ومنهم من قال بجريان الأحكام الخمسة عليها.

فممن ذهب إلى أنها تنقسم إلى محمودة ومذمومة الإمام الشافعي - رحمه الله - حيث قال: (البدعة بدعتان، بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة

(1/215)

فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم) (1) .

واحتج بقول عمر - رضي الله عنه - في قيام رمضان (نعمت البدعة هي) (2) .

وروى عن الشافعي قول آخر يفسر ما سبق. فأخرج البيهقي في مناقب الشافعي بسنده عنه قال: (المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهي البدعة الضلالة. والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا (3) فهي محدثة غير مذمومة) (4) .

وقال ابن الجوزي:

(البدعة عبارة - عن فعل لم يكن فابتدع، والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة وتوجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان. فإن ابتدع شيء لا يخالف الشريعة ولا يوجب التعاطي عليها فقد كان جمهور السلف يكرهونه وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزا حفظا للأصل وهو الاتباع. . . وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة ولا يتعاطى عليها فلم يروا بفعلها بأسا) (5) واستشهد بقول عمر: " نعمت البدعة هذه ".

ثم قال: (ومتى أسند المحدث إلى أصل مشروع لم يذم، فأما إذا كانت البدعة كالمتمم فقد اعتقد نقص الشريعة، وإن كانت مضادة فهي أعظم) (6) .

وإذا كان الشافعي ومن تابعه قد اكتفى بتقسيم البدعة إلى قسمين: بدعة

_________

(1) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، ط 3، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، 1400هـ 9 / 113.

(2) أخرجه البخاري في كتاب التراويح. باب فضل من قام رمضان، 3 / 58.

(3) أي لا يخالف هذا الحادث الكتاب أو السنة أو الأثر أو الإجماع.

(4) مناقب الشافعي للبيهقي، تحقيق السيد أحمد صقر، ط1، دار التراث، القاهرة، 1 / 468 - 469.

(5) تلبيس إبليس لابن الجوزي، طبع المطبعة المنيرية، نشر دار الندوة الجديدة، بيروت، ص16 - 17.

(6) تلبيس إبليس لابن الجوزي، طبع المطبعة المنيرية، نشر دار الندوة الجديدة، بيروت، ص16 - 17.

(1/216)

محمودة أو مستحسنة، وبدعة مذمومة. فإن العز بن عبد السلام (1) ومن حذا حذوه مالوا إلى التفصيل. فالبدعة عندهم تجرى عليها الأحكام الخمسة.

قال العز بن عبد السلام:

(البدعة: فعل ما لم يعهد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة) (2) .

وبمثل هذا قسمهما القرافي (3) (4) . والنووي (5) وابن حجر (6) في أحد المواضع في الفتح.

_________

(1) هو عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم السلمي الدمشقي المقلب بسلطان العلماء (577 - 660هـ) . فقيه. شافعي. بلغ رتبة الاجتهاد. من تصانيفه: الإلمام في أدلة الأحكام، قواعد الشريعة، بداية السول في تفصيل الرسول. وغيرها. انظر: طبقات الشافعية الكبرى، 8 / 209 - 277.

(2) قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام، طبع مكتبة الكليات الأزهرية، مصر، 2 / 204.

(3) هو أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس عبد الرحمن الصنهاجي (. . . - 674 هـ) أصله من صنهاجة بالمغرب وهو مصري المولد والمنشأ والوفاة. فقيه مالكي. أصولي له مؤلفات كثيرة منها: أنوار البروق في أنواء الفروق، والذخيرة في فقه المالكية، وشرح تنقيح الفصول في الأصول، والأجوبة الفاخرة في الرد على الأسئلة الفاجرة. انظر: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب. برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي. طبع دار الكتب العلمية، بيروت، ص62 وما بعدها.

(4) انظر: الفروق للقرافي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 4 / 202 وما بعدها.

(5) تهذيب الأسماء واللغات للنووي، طبع المطبعة المنيرية، مصر، القسم الثاني، 1 / 22 - 23.

(6) فتح الباري، 4 / 253.

(1/217)

ثانيا - القائلون بذم البدعة مطلقا: يرى هذا الفريق أن البدعة تطلق على كل ما أحدث في الدين مما لا أصل له في الشرع وأن البدعة مذمومة مطلقا. وقد ذهب إلى هذا جمع من الأئمة، والعلماء منهم الإمام مالك - رحمه الله - حيث قال: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] (1) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا) (2) وقال الإمام أحمد - رحمه الله:

(أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة ضلالة) (3) وممن سار على هذا النهج ابن وضاح (4) في كتابه البدع والنهي عنها حيث عقد بابا بعنوان كل محدثة بدعة وساق الآثار التي تؤكد ذلك وتؤيده (5) .

ويعرف ابن تيميه البدعة بقوله:

(إن البدعة في الدين هي ما لم يشرعه الله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب) (6) .

_________

(1) سورة المائدة، آية (3) .

(2) الاعتصام، 1 / 49.

(3) طبقات الحنابلة لأبي يعلى الفراء. نشر دار المعرفة بيروت، 1 / 241.

(4) هو أبو عبد الله محمد بن وضاح بن بزيغ القرطبي، (199 - 286هـ) ، عالم محدث. فقيه. رحل إلى المشرق فحصل علما كثيرا ثم رجع إلى الأندلس فنشره فانتفع به خلق كثير. من تصانيفه. مكنون السر ومستخرج العلم في الفقه، القطعان في الحديث. انظر: سير أعلام النبلاء، 13 / 445 - 446، ولسان الميزان، 5 / 416.

(5) انظر: البدع والنهي عنها لمحمد بن وضاح القرطبي، تحقيق محمد أحمد دهمان، ط 2، دار البصائر، دمشق، 1400هـ ص23 وما بعدها.

(6) مجموع الفتاوى، 4 / 107 - 108.

(1/218)

ويقول ابن رجب:

(والمراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة) (1) .

وإلى هذا ذهب الحافظ ابن حجر عند شرحه لقول ابن مسعود - رضي الله عنه: «وشر الأمور محدثاتها» (2) حيث قال: (والمراد بقوله: كل بدعة ضلالة: ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام) (3) .

ولعل أحسن من فصل القول في هذا المجال الإمام الشاطبي - رحمه الله - حيث عرف البدعة بتعريفين:

أولهما: أنها (طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.

وهذا التعريف على رأى من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات.

ثانيهما: البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية) وهذا على رأى من أدخل العادات في مسمى البدع. وليس هذا التعريف داخلا معنا لأن الصحيح أن البدعة لا تدخل العادات إلا ما قصد به التعبد منها.

ثم أخذ الشاطبي يشرح ألفاظ التعريف، ويتلخص ما قاله فيما يأتي: الطريقة والطريق: ما رسم للسلوك عليه.

في الدين: قيد يخرج الاختراع في أمور الدنيا.

_________

(1) جامع العلوم والحكم، ص 233.

(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، 9 / 114.

(3) فتح الباري، 13 / 253، 254.

(1/219)

وإنما قيدت بالدين لأنها فيه تخترع، وإليه يضيفها صاحبها، ولو كانت الطريقة مخترعة في الدنيا لم تسم بدعة، وذلك كإنشاء المدن الحديثة واختراع الآلات التي لم تكن موجودة من قبل.

مخترعة: أي لا أصل لها في الشريعة، ولا تعلق لها بها. لأن البدعة تتميز بأنها خارجة عما رسمه الشرع.

وهذا القيد يخرج ما حدث وله أصل في الشرع كتصنيف العلوم الشرعية مثلا، فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول، فأصولها موجودة في الشرع، وهي مستمدة من قاعدة المصالح المرسلة، ولا ينبغي أن تسمى بدعة أصلا، ومن سمى مثل ذلك بدعة فإما أن يريد المفهوم اللغوي لها، - كما سمى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جمع الناس على قيام رمضان بدعة - وإما من جهله بمواقع السنة والبدعة.

تضاهي الشرعية: أي أن البدعة تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون كذلك بل هي مضادة لها من أوجه متعددة منها:

- وضع الحدود، وذلك كالناذر للصيام قائما لا يقصد، ضاحيا لا يستظل، والاقتصار من المأكل والملبس على صنف دون صنف.

- ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم - عيدا، وما أشبه ذلك.

- ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة، وذلك كالتزام صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته، وكون البدعة تضاهي الأمور المشروعة وصف لازم لها، وإلا لكانت من باب الأفعال العادية.

ويبين ذلك، أن صاحب البدعة يخترعها ليضاهي بها السنة، سواء لبس بها صاحبها على الناس، أو كانت مما التبست عليه - هو - بالسنة ويؤكد هذا

(1/220)

انتصار المبتدع لبدعته بأمور تخيل أنها مشروعة، ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف منصبه في أهل الخير.

- يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله، تعالى، هذا القصد. قيد لإخراج العادات التي لا يقصد بها التعبد من البدع، وبيان أن ما ابتدع من الأمور الزائدة على المشروع، والمنسوبة للشرع، مقصود بها المبالغة في التعبد، أو تجديد النشاط إلى العبادة (1) .

وعرفها الشمني بأنها (2) (ما أحدث على خلاف الحق المتلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة أو استحسان، وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما) (3) والمراد بالعلم: الاعتقاد، وبالحال: هيئة العمل (4) .

أدلة القائلين بالتقسيم: وبعد أن استعرضنا تعريف كل من الفريقين للبدعة أنتقل إلى عرض أدلة كل فريق ومناقشتها حتى يتسنى لنا تحديد معنى البدعة في الشرع.

وسأبدأ بالفريق الأول: وهم القائلون بالتقسيم:

إن مراد هذا الفريق باستدلالهم بهذه الأدلة هو بيان أنها تخصص العموم الوارد

_________

(1) انظر: الاعتصام، 1 / 37 - 42.

(2) هو أحمد بن محمد بن محمد الشمني، نسبة لمزرعة في بلاد المغرب. المصري (801 - 872 هـ) . فقيه. محدث. لغوى. من تصانيفه: المنصف من الكلام على مغني ابن هشام في النحو، ومزيل الخفا عن ألفاظ الشفا، تعليقا على الشفا للقاضي عياض، كمال الدراية في شرح النقاية في الفقه الحنفي. انظر: شذرت الذهب، 7 / 313، والأعلام، 1 / 231.

(3) حكاه الشيخ على محفوظ في كتابه: الإبداع في مضار الابتداع، ط 7، دار الاعتصام، القاهرة، ص 26.

(4) المصدر نفسه، ص 26.

(1/221)

في ذم البدعة، وأنها ليست كلها ضلالة، بل منها المحمود والمذموم، وقد استدلوا بعدة أدلة منها:

- قول عمر رضي الله عنه - عن جمع الناس على قيام رمضان -: «نعمت البدعة هذه» (1) ووجه الاستدلال بهذا القول: أن عمر قد سمى ذلك الفعل بدعة، ووصفها بما يفيد حسنها فدل ذلك على أن هناك بدعة حسنة في الشرع.

- ومنها ما أخرجه مسلم بسنده عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيء» (2) .

قال النووي:

(. . . . وفي هذا الحديث تخصيص قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» (3) وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة) (4) .

ويشرح الشاطبي وجه استدلالهم بهذا الحديث:

بأنه صريح في أن من سن سنة خير فذلك خير، وأن سن هنا بمعنى اخترع وابتدع لكون الاستنان قد نسب إلى المكلف دون الشارع، ولو كان المراد من عمل سنة ثابتة في الشرع لما قال: «من سن» .

ويدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن

_________

(1) سبق تخريجه ص 220.

(2) صحيح مسلم. كتاب الزكاة. باب الحث على الصدقة، 2 / 704 - 705.

(3) سبق تخريجه ص 121.

(4) صحيح مسلم بشرح النووي، 7 / 104.

(1/222)

آدم الأول كفل منها - من دمها - لأنه أول من سن القتل» (1) فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «سن» بمعنى اخترع. لأنه أول من اخترع القتل بين الناس ولم يكن موجودا. ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم - «من سن في الإسلام سنة حسنة» . أي اخترعها من نفسه وأحدثها. لكن بشرط أن تكون حسنة حتى يكون له الأجر.

إذا فليس المراد: من عمل سنة ثابتة، ولو كان المراد كذلك لقال من عمل بسنتي، أو بسنة من سنتي، أو من أحيا سنة من سنتي (2) .

ومن الأدلة ما أخرجه الترمذي بسنده عن بلال بن الحارث: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال بن الحارث: (اعلم: قلت: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل أثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا) » (3) .

قال الشاطبي:

فقوله «من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدى» ، واضح في العمل بما ثبت أنه سنة. . . بخلاف قوله: من سن كذا، فإنه ظاهر في الاختراع أولا من غير أن يكون ثابتا في السنة. وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - لبلال بن الحارث «ومن ابتدع بدعة ضلالة» فظاهر أن البدعة لا تذم بإطلاق. بل بشرط أن تكون ضلالة، وأن تكون لا يرضاها الله ورسوله، فاقتضى هذا كله أن البدعة إذا لم تكن كذلك لم يلحقها ذم، ولا تبع صاحبها وزر، فعادت إلى أنها سنة حسنة، ودخلت تحت الوعد بالأجر) (4) .

_________

(1) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام. باب إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة، 9 / 127.

(2) انظر: الاعتصام، 1 / 178 - 179.

(3) سنن الترمذي، كتاب العلم. باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتاب البدعة 4 / 150 - 151، وسيأتي الكلام عليه.

(4) الاعتصام، 1 / 179.

(1/223)

ومما استدلوا به أيضا:

أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. قد استحسنوا أشياء لم يرد بها نص معين في كتاب ولا سنة مما رأوه حسنا وأجمعوا عليه، ولا تجتمع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على ضلالة، وإنما يجتمعون على هدى وعلى ما هو حسن. مثال ذلك. أنهم أجمعوا على جمع القرآن وكتابته في المصحف وعلى جمع الناس على المصاحف العثمانية واطراح ما سواها.

ثم اقتفى الناس أثرهم في ذلك الرأي الحسن، فجمعوا العلم ودونوه وكتبوه. ومثل ذلك قتل عمر الجماعة بالواحد، وتضمين الصناع، وكل هذه محدثات لم تكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد استحسنها الصحابة ومن بعدهم.

فدل ذلك على أن البدع تنقسم إلى حسنة وقبيحة (1) وربما استدلوا (2) بالحديث الموقوف على ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو قوله: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» (3) .

قال الشيخ علي محفوظ:

(ووجه الشبهة فيه ظاهر وهو أنه قال: " ما رآه المسلمون والظاهر ما رأوه بعقولهم فرجع التحسين إليهم فهم المخترعون، ولو كان التحسين بالدليل لما نسب الرؤية إلى المسلمين، فدل على أن البدعة فيها الحسن والقبيح ") (4) .

وبناء على ما تقدم فإن هذا الفريق يرى:

- أن البدعة تطلق على كل ما أحدث في الدين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء كان محمودا أو مذموما.

_________

(1) انظر: الاعتصام، 1 / 179 - 181.

(2) انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ملا على القاري. بمباي الهند، أبناء غلام رسول السرتي، 1 / 179.

(3) سبق تخريجه، ص94.

(4) الإبداع في مضار الابتداع، ص128.

(1/224)

- أن كل ما ورد في ذم البدع. مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - «كل بدعة ضلالة» عام مخصوص.

- أن البدعة تدور عليها الأحكام الخمسة.

أدلة القائلين بذم البدعة: تتركز أدلة هذا الفريق حول إثبات أن البدعة سيئة ومذمومة مطلقا، وقد استدلوا على ذلك بأدلة من القرآن والسنة، فمن القرآن قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] (1) فهذه الآية تدل على أن الشريعة قد جاءت كاملة فلا تحتاج إلى زيادة ولا نقصان. وحاصل كلام المبتدع وحاله، أن الشريعة لم تتم وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها في زعمه، ولو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولم يستدرك عليها، ولاشك أن من اعتقد هذا فهو ضال عن الصراط المستقيم (2) .

قال الإمام مالك:

(من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة، لأن الله يقول {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] (3) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا) (4) .

ومن الأدلة قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] (5) .

فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه، وهو السنة، والسبل هي

_________

(1) سورة المائدة، آية (3) .

(2) الاعتصام، 1 / 48-49.

(3) سورة المائدة، آية (3) .

(4) المصدر نفسه، ص49.

(5) سورة الأنعام، آية (153) .

(1/225)

سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم، وهم أهل البدع.

وليس المراد بالسبل: المعاصي، لأن المعاصي - من حيث هي - لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما للتعبد. وإنما هذا الوصف خاص بالبدع والمحدثات.

فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: « (خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما قال ثم خط عن يمينه وشماله ثم قال هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] » (1) .

قال مجاهد في قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] قال: البدع والشبهات (2) ومن الآيات التي استدلوا بها قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9] (3) فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائر عن الحق، أي منحرف عنه إلى طرق البدع والضلالات والمعاصي.

وعن مجاهد: {قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9] أي المقتصد منها بين الغلو والتقصير وذلك يفيد أن الجائر هو الغالي أو المقصر، وكلاهما من أوصاف البدع.

ومن الأدلة الواردة في القرآن مما يدل على ذم المبتدعين قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] (4) فهذه الآية تبين حال الزائغين عن اتباع الحق، وذلك باتباعهم لما تشابه من الكتاب. بقصد الفتنة في الدين وما ذاك إلا بسبب زيغ في قلوبهم وفساد في أفهامهم.

وهذا صنيع أهل البدع لأنهم يتركون محكم الكتاب ويتمسكون بمتشابهه،

_________

(1) المسند، 1 / 465، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 2 / 239.

(2) تفسير الطبري، 12 / 229.

(3) سورة النحل، آية (9) .

(4) سورة آل عمران، آية (7) .

(1/226)

وقد ورد في الحديث ما يفسر الآية ويحذر من المبتدعة وأشباههم فقد أخرج البخاري بسنده «عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7] إلى قوله: {أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) » (1) .

وأخرج الآجري بسنده عن طاووس قال: (ذكر لابن عباس - رضي الله عنهما الخوارج - وما يصيبهم عند قراءة القرآن؟ (2) فقال - رضي الله تعالى عنه: " يؤمنون بمحكمه ويضلون عن متشابهه. وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون: آمنا به ") (3) ولا شك أن الخوارج كانوا أوائل المبتدعة، وكانت تلك سمتهم وسمة من أتى بعدهم من أهل البدع على اختلاف بدعهم (4) وهي التمسك بالمتشابه وترك المحكم لزيغ في القلب.

وهذه الآيات قد تضمنت ذم الابتداع وأهله بطريق الإجمال ولم تخصص نوعا من البدع أو المحدثات دون نوع أو قسما دون قسم بل هي عامة، يستفاد منها ذم البدع مطلقا.

وبعد أن استعرضنا بعض الآيات التي تشير إلى ذم البدعة وأهلها ننتقل إلى السنة لاستعراض الأحاديث التي استدل بها القائلون بذم البدع مطلقا. فمن ذلك ما أخرجه أحمد وغيره عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. فقال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه

_________

(1) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) 6 / 42.

(2) أي ما يعتريهم من غلبة البكاء عند قراءة القرآن. والله أعلم.

(3) الشريعة ص27.

(4) انظر الاعتصام، 1 / 56 - 57.

(1/227)

من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» (1) فهذا الحديث نص في أن البدع كلها ضلالة بلا استثناء في ذلك ولا يحتمل تخصيصا يخرج بعض البدع عن هذا الوصف، وذلك لورود التعميم في أحاديث أخرى، ولم يرد في حديث منها ما يخصص ذلك العموم.

ومن الأدلة ما أخرجه مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم. ويقول: " بعثت أنا والساعة كهاتين " ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد. فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» (2) .

قال الحافظ ابن حجر:

(قوله: «كل بدعة ضلالة» قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها، أما منطوقها، فكأن يقال: حكم كذا بدعة، وكل بدعة ضلالة، فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدى. فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة، صحت المقدمتان وأنتجتا المطلوب) (3) .

ومن الأدلة أيضا ما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها: قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» . وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (4) فهذا الحديث يدل على أن من أحدث في الدين شيئا وليس أصل في الشرع يدل عليه فهو باطل ومردود على صاحبه.

_________

(1) سبق تخريجه، ص 121.

(2) صحيح مسلم. كتاب الجمعة. باب تخفيف الصلاة والخطبة 2 / 592.

(3) فتح الباري، 13 / 267 - 268.

(4) سبق تخريجه، ص 70.

(1/228)

قال النووي عند شرحه لهذا الحديث بروايتيه:

(. . . وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات. وفي الرواية الثانية زيادة، وهي أنه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعة سبق إليها فإذا احتج عليه بالرواية الأولى يقول: أنا ما أحدثت شيئا فيحتج عليه بالثانية التي فيها التصريح برد كل المحدثات، سواء أحدثها الفاعل أو سبق بإحداثها. . وهذا الحديث مما ينبغي حفظه، واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به) (1) .

ومع ما سبق. فالحديث يعتبر ميزانا توزن به الأعمال هل هي موافقة للشرع أم لا؟

قال الحافظ ابن رجب:

(وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام، كما أن حديث: «إنما الأعمال بالنيات» ميزان للأعمال في باطنها، فهذا ميزان للأعمال في ظاهرها فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله - تعالى -فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء، ثم قال: " فهذا الحديث بمنطوقه يدل على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمراد بأمره هاهنا: دينه وشرعه كالمراد بقوله في الرواية الأخرى «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» . فالمعنى إذا أن كل من كان عمله خارجا عن الشرع، ليس متقيدا بالشرع فهو مردود.

وقوله: «ليس عليه أمرنا» إشارة إلى أن أعمال العاملين كلهم ينبغي أن تكون تحت أحكام الشريعة فتكون أحكام الشريعة حاكمة عليها بأمرها ونهيها، فمن كان عمله جاريا تحت أحكام الشريعة موافقا لها فهو مقبول،

_________

(1) صحيح مسلم بشرح النووي، 12 / 16.

(1/229)

ومن كان خارجا عن ذلك فهو مردود ") (1) .

ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - (. . . . «فمن رغب عن سنتي فليس مني» (2) فهذا الحديث فيه تحذير ووعيد شديد لمن رغب عن السنة وعدل عنها إلى غيرها من الأهواء والبدع.

وبناء على ما سبق فإن هذا الفريق من العلماء يرى:

- أن جميع ما ورد في ذم البدع من نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - «كل بدعة ضلالة» عام باق على عمومه.

- أن البدعة لا تكون إلا مذمومة، وإن استحسنها صاحبها.

- إن البدعة تطلق على ما أحدث في الدين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما لا دليل عليه في الشرع بطريق خاص ولا عام.

- أن البدعة المقصودة بالذم شرعا لا تقبل التقسيم. أما التي قسمها العلماء فهي البدعة اللغوية وهي أعم وأشمل من البدعة الشرعية.

وبناء على ذلك فقد ناقشوا القائلين بالتقسيم في دعواهم.

مناقشة القائلين بالتقسيم: سبق أن ذكرنا أن أصحاب هذا الاتجاه قد انقسموا إلى فريقين:

- ففريق يرى أن البدعة تنقسم إلى محمودة ومذمومة واكتفى بذلك. ويمثله الإمام الشافعي ومن تابعه.

- والفريق الثاني زاد على ذلك بالقول بتقسيمها إلى خمسة أقسام وكان

_________

(1) جامع العلوم والحكم، ص52.

(2) سبق تخريجه، ص 122.

(1/230)

هذا الفريق أكثر تفصيلا وتوضيحا. ويمثله العز بن عبد السلام وتلميذه القرافي ومن تابعهما.

أما الإمام الشافعي فقد ورد عنه قولان يفسر أحدهما الآخر. وحاصلهما أنه يرى أن البدعة المذمومة ما ليس لها أصل في الشريعة، وأن البدعة المحمودة ما أحدثت ولها أصل في الشريعة.

وقد نبه الحافظ ابن رجب على ذلك فقال: (وقد روى الحافظ أبو نعيم بإسناده عن إبراهيم بن الجنيد قال: سمعت الشافعي يقول: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم. واحتج بقول عمر - رضي الله عنه: " نعمت البدعة هي ". ومراد الشافعي - رحمه الله - ما ذكرناه من قبل أن أصل البدعة المذمومة ما ليس لها أصل في الشريعة ترجع إليه وهي البدعة في إطلاق الشرع. وأما البدعة المحمودة فما وافق السنة: يعني ما كان لها أصل من السنة ترجع إليه، وإنما هي بدعة لغة لا شرعا لموافقتها السنة.

وقد روى عن الشافعي كلام آخر يفسر هذا، أنه قال: المحدثات ضربان:

ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة، وما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا (1) فهذه محدثة غير مذمومة) (2) .

أما القائلون بالتقسيم فقد سبق إيراد أدلتهم والآن أبدأ بمناقشتها.

- أولا: استدلالهم بقول عمر رضي الله عنه: " نعمت البدعة هذه " وأن عمر قد سمى جمع الناس على قيام رمضان بدعة واستحسنها.

ليس فيه دليل على ما ذهبوا إليه من وجود البدعة الحسنة شرعا. ذلك أن عمر - رضي الله عنه - لم يرد ذلك وإنما أراد المفهوم اللغوي لها وهو أوسع من المفهوم

_________

(1) مقصوده والله أعلم: ألا يخالف ذلك المحدث الكتاب أو السنة والأثر أو الإجماع.

(2) جامع العلوم والحكم، ص 234 - 235.

(1/231)

الشرعي. لأنها تطلق في اللغة على الحادث محمودا كان أو مذموما بخلاف الشرع فلا تطلق إلا على الحادث المذموم.

أما ما فعله عمر - رضي الله عنه - فقد كان سنة من كل وجه، ويوضح ذلك: أن قيام رمضان سنة وأنه - صلى الله عليه وسلم - قد حث عليه ورغب فيه فقال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (1) ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - صلى القيام في المسجد جماعة بأصحابه عدة ليال فلما كثر الناس في المسجد امتنع من الخروج إليهم خشية أن تفرض عليهم. فظل الأمر على ذلك حتى توفاه الله.

ويبين ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم، فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: أما بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكن خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. فتوفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر ذلك» (2) .

وعلى ذلك فالجماعة في القيام سنة وليست بدعة، فلما توفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزال المانع بانقطاع الوحي بقيت على سنيتها وظل الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - وصدرا من خلافة عمر، رضي الله عنه، حتى رأى عمر أن يجمع الناس على القيام وراء إمام واحد بدلا من صلاتهم في المسجد أوزاعا متفرقين.

فعن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: (خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلى

_________

(1) أخرجه البخاري في كتاب صلاة التراويح. باب فضل من قام رمضان، 3 / 58.

(2) أخرجه البخاري في كتاب صلاة التراويح. باب فضل من قام رمضان، 3 / 58 - 59. ومسلم في كتاب صلاة المسافرين. باب الترغيب في قيام رمضان، 1 / 524.

(1/232)

الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلى بصلاته الرهط. فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله) (1) .

ثم أجمع الصحابة على صحة ما فعله عمر وأقروه فصار إجماعهم حجة. هذا بالإضافة إلى أنه سنة خليفة راشد أمرنا باتباعها لما روى الترمذي بسنده عن العرباض بن سارية أنه قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة بليغة. الحديث، وفيه: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» (2) .

وعلى ذلك فالجماعة في قيام رمضان سنة وليست بدعة، وإنما سماها عمر - رضي الله عنه - بذلك إرادة منه للمفهوم اللغوي، لا الشرعي. ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تركها لمانع - وهو خوف الافتراض - قد زال بوفاته واتفق أنها لم تصل جماعة في زمان أبي بكر، رضي الله عنه، إما لأنه رأى أن قيام الناس آخر الليل أفضل من جمعهم على إمام أول الليل، وإما لضيق زمانه عن النظر في هذه الفروع لاشتغاله بحروب الردة وغير ذلك (3) .

فلما تمهد الإسلام في زمان عمر - رضي الله عنه - رأى جمعهم على إمام واحد وكان له الفضل في إحياء هذه السنة. وعلى ذلك فاستدلال القائلين بالتقسيم بهذا القول لا يؤدى إلى ما ذهبوا إليه من وجود البدعة الحسنة شرعا. ولو افترضنا صحة استدلالهم بهذا فليس قول الصحابي حجة إذا خالف الحديث.

كيف وقد أتت الأحاديث تشهد بالضلالة لكل بدعة.

_________

(1) سبق تخريجه، ص 220.

(2) سبق تخريجه، ص 121.

(3) انظر: كتاب الحوادث والبدع. لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي تحقيق محمد الطالبي، تونس، 1959 م.

(1/233)

يقول ابن تيمية:

(وأما قول عمر: " نعمت البدعة هذه " فأكثر المحتجين بهذا لو أردنا أن نثبت حكما بقول عمر الذي لم يخالف فيه، لقالوا: " قول الصاحب ليس بحجة " فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ومن اعتقد أن قول الصاحب حجة فلا يعتقده إذا خالف الحديث فعلى التقديرين: لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب.

. . . . ثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي) (1) وأما استدلالهم بحديث: «من سن في الإسلام سنة حسنة» - وأن سن بمعنى اخترع وابتدع - على وجود البدعة الحسنة شرعا.

فالجواب: أنه ليس المراد بالاستنان هنا الاختراع، وإنما المراد به العمل بما ثبت في السنة النبوية، أو إحياء أمر مشروع غفل عنه الناس أو تركوه، وبيان ذلك من وجهين:

- الأول: أن سبب ورود الحديث يفسر المراد بذلك.

ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: «كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر النهار. قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار (2) أو العباء، متقلدي السيوف عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى بهم من الفاقة فدخل ثم خرج. فأمر بلال فأذن وأقام. فصلى ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1] إلى

_________

(1) اقتضاء الصراط المستقيم، 2 / 589 - 590.

(2) النمار: جمع نمرة: وهي كساء من صوف مخطط، ومعنى (مجتابيها) أي لابسيها قد خرقوها في رؤوسهم. والجواب: القطع تمعر: أي تغير. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 7 / 102.

(1/234)

آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] (1) والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18] (2) تصدق رجل من ديناره من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، قال فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس. حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتهلل كأنه مذهبة (3) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده. من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده. من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» (4) .

فهذا الحديث يدل على أن المراد بالسنة الحسنة هو مثل ما فعله ذلك الصحابي، حيث أتى بتلك الصرة فانفتح بسببه باب الصدقة وتتابع الناس بعده فكان فاتحة الخير في هذا الإحسان. وإذا نظرنا إلى ما فعله هذا الصحابي نجد أن هذه الصدقة أمر مشروع وأنه لم يخترع شيئا جديدا.

غاية الأمر أنه كان له الفضل في تنبيه الصحابة وتشجيعهم - بفعله - على الصدقة وعلى ذلك فالمراد بالسنة الحسنة في الحديث: هو العمل بالسنة، خاصة إذا غفل عنها الناس أو تركوها.

ويتسع معنى السنة الحسنة ليشمل كل ما كان من أبواب الخير مما نبه إليه الشرع وحث عليه بشرط أن يكون على مقصود الشرع من الاتباع.

- الوجه الثاني:

أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سن في الإسلام سنة حسنة» لا يمكن حمله على

_________

(1) سورة النساء، آية (1) .

(2) سورة الحشر، آية (18) .

(3) مذهبة: أي فضة مذهبة، والمراد به الصفاء والاستنارة. انظر: المصدر نفسه، 7 / 103.

(4) رواه مسلم. كتاب الزكاة. باب الحث على الصدقة، 2 / 705.

(1/235)

الاختراع، لأن كون السنة حسنة أو سيئة لا يعرف إلا بموافقة الشرع أو بمخالفته فما وافق الشرع وأوامره فهو من السنة الحسنة، ويدل على ذلك معنى الحديث.

وتطلق السنة السيئة على أمرين:

- أحدهما: إحداث المعاصي واختراع الفجور كما في حديث ابن آدم الأول ولفظه: «ليس من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها - وربما قال سفيان: من دمها - لأنه سن القتل أولا» (1) .

- والثاني: هو الإحداث في الدين والابتداع فيه.

وأيضا لو صح حمل هذا الحديث على وجود البدعة الحسنة شرعا لكان معارضا بالأحاديث الدالة على عموم ذم البدعة، وإذا تعارضت أدلة العموم والتخصيص، لم يقبل ذلك التخصيص (2) .

وأما حديث بلال بن الحارث: وفيه «ومن ابتدع بدعة ضلالة» . . . .) فهذا الحديث لا يحتج به ولا يصلح للاستدلال لأنه ضعيف. وسبب ضعفه أنه من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، وهو أحد المتروكين المجروحين ممن لا يعتد بحديثه (3) .

وأما استدلالهم بقول ابن مسعود: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن) فقد اعتاد كثير من الناس - المنتسبين للعلم منهم والجهال - الاحتجاج بهذا الأثر على أن في الدين بدعة حسنة، وأن الدليل على حسنها اعتياد الناس

_________

(1) سبق تخريجه ص 227.

(2) انظر الاعتصام، 1 / 181 وما بعدها.

(3) قال عنه أحمد بن حنبل: منكر الحديث ليس بشيء، وقال الآجري: سئل عنه أبو داود فقال: كان أحد الكذابين، ومثل ذاك قال الشافعي: وقال ابن حبان: روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا في الرواية عنه إلا على جهة التعجب، وقال ابن عبد البر: مجمع على ضعفه. قال الحافظ الذهبي: وأما الترمذي فقد صحح له بعض الأحاديث ولذلك لا يعتمد العلماء على تصحيحه. انظر الضعفاء والمجروحين لابن حبان، 2 / 221 - 222، وميزان الاعتدال للذهبي، 3 / 406 - 408، وتهذيب التهذيب، 8 / 421 - 423.

(1/236)

عليها - ويروون هذا الأثر على أنه مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا مع أن الحديث موقوف على ابن مسعود لا يصح رفعه بحال من الأحوال.

وقبل الجواب أورده بنصه. عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: (إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجلعهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ) (1) .

وهذا الحديث ليس فيه دليل على ما ذهبوا إليه وذلك:

- لأن الحديث موقوف فلا يجوز أن يحتج به في معارضة النصوص القاطعة في أن: «كل بدعة ضلالة» كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أكثر من حديث.

- وعلى التسليم بأنه حجة، فإنه لا يعارض تلك النصوص القاطعة في ذم البدعة لأمور:

1 - أن المراد بهذا الأثر إجماع الصحابة وعلى ذلك فاللام في " المسلمون " ليست للاستغراق، بل هي للعهد لأن سياق الأثر يدل على ذلك. كما وضحته زيادة الحاكم على هذا الأثر (2) .

2 - وعلى التسليم بأن المراد به غير الصحابة فلا يعني أن المقصود به عموم المسلمين عالمهم وجاهلهم بل المقصود به أهل الإجماع.

ولو كان المقصود به عموم المسلمين عالمهم وجاهلهم لاستلزم الباطل لأمرين:

- أحدهما: أنه سيناقض قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة» (3) .

_________

(1) سبق تخريجه، ص 94.

(2) ونص هذه الزيادة: " وقد رأى الصحابة أن يستحلفوا أبا بكر رضي الله عنه ".

(3) سبق تخريجه، ص121.

(1/237)

ووجه التناقض - أن الحديث الأول يفيد - في نظر المستدلين به - أن كل مسلم مصيب لأن الحديث قد حكم بالحسن على مذهبه.

- الثاني: أنه يقتضي أن يكون العمل حسنا عند بعض الناس قبيحا عند البعض الآخر وهذا باطل (1) ولو كان المراد منه استحسان عامة المسلمين لكان هذا فتحا لباب الابتداع في الدين.

وبعد هذا أرى أنه لا يمكن الاحتجاج بقول ابن مسعود على وجود البدعة الحسنة أو جوازها، وأما الاحتجاج به من المبتدعة وأشباههم إنما يكون لهوى في نفوسهم، وإلا فابن مسعود - رضي الله عنه - كان من أشد الصحابة تحذيرا من الابتداع ومقاومة للبدع.

وأما استدلالهم بما فعله السلف وعملوا به مما لم يرد فيه نص صريح أو خاص من كتاب أو سنة ومثلوا لذلك بجمع القرآن وتصنيف العلوم وغير ذلك - على وجود البدعة الحسنة.

والجواب عن ذلك: أن ما ذكروه واستدلوا به من فعل الصحابة ليس دليلا على ما ذهبوا إليه.

لأن ما فعله الصحابة كان من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب أو من قبيل المصلحة المرسلة عند من يأخذ بها.

وأما جمع أبي بكر - رضي الله عنه - للقرآن وجمع عثمان - رضي الله عنه - الناس على مصحف واحد فقد كان سببه الخوف من تفلت القرآن من الصدور وضياعه، فقام أبو بكر - رضي الله عنه - بجمعه بين الدفتين، ثم جاء عثمان - رضي الله عنه - فجمع الناس على مصحف واحد، وأمر بإحراق ما عداه من المصاحف خشية الاختلاف في القرآن ووقوع الفتنة بسبب ذلك.

فهذا الأمر - أعني جمع القرآن - لم يرد فيه نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله على وجه الخصوص. لكن نصوص الشرع العامة تؤيده.

_________

(1) انظر: الإبداع، ص 143 - 144.

(1/238)

فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بكتابة القرآن، ولا فرق بين أن يكتب مفرقا أو مجموعا بل صار جمعه أصلح (1) وأيضا فجمع القرآن راجع إلى حفظ الشريعة، والأمر بحفظها معلوم، وراجع إلى سد الذريعة إلى وقوع الاختلاف في القرآن، وقد علم النهي عن الاختلاف في القرآن، بنصوص الشرع المستفيضة (2) .

ويرى ابن تيمية أن جمع القرآن لم يخرج عن كونه سنة، لأن السنة - بمعناها الواسع - هي ما قام الدليل الشرعي على أنه طاعة لله ورسوله، سواء فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو فعل في زمانه أو لم يفعله في زمانه لعدم المقتضى حينئذ لفعله، أو وجود المانع منه، وإذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة، كما أمر بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وكما جمع الصحابة القرآن في المصحف، وداوموا على قيام رمضان في المسجد جماعة. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» (3) فشرع كتابة القرآن، وعلى ذلك فكتابة القرآن مشروعة لكن لم يجمعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مصحف واحد لاحتمال نزول آيات أو سور أو احتمال نسخ لبعض آياته.

فلأجل هذا الاحتمال لم يمكن جمعه في مصحف واحد حتى مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4) فقام أبو بكر - رضي الله عنه - بجمعه وقام عثمان - رضي الله عنه - بجمع الناس على مصحف واحد، وأجمع الصحابة على ذلك فصار إجماعهم دليلا شرعيا. وأما تدوين السنة والعلوم الشرعية فهو من باب تبليغ الشريعة. وقد ورد الأمر بذلك والحث عليه. فقال - صلى الله عليه وسلم - «ليبلغ الشاهد منكم الغائب» (5) وقال: «بلغوا عني ولو آية» (6) .

_________

(1) انظر: جامع العلوم والحكم، ص 234.

(2) انظر: الاعتصام، 2 / 117.

(3) صحيح مسلم. كتاب الزهد. باب التثبت في الحديث، وحكم كتابة العلم 4 / 2298 - 2299.

(4) انظر مجموع الفتاوى، 21 / 317 - 318.

(5) صحيح البخاري. كتاب العلم. باب ليبلغ الشاهد الغائب، 1 / 37.

(6) سبق تخريجه، ص 130.

(1/239)

وثبت في السنة الأمر بكتابة العلم كقوله عليه الصلاة والسلام «اكتبوا لأبي شاة» (1) وعن أبي هريرة - رضي الله عنه أنه - قال: «ليس أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر حديثا مني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب» (2) .

فهذه الأحاديث تدل على أن كتابة العلم وتدوينه أمر مشروع. ويتأكد هذا إذا خيف عليه الضياع والدروس. وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: " أن انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه فإني خفت دروس العلم. وذهاب العلماء، ولا يقبل إلا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وليفشوا العلم، وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا " (3) .

أما قتل عمر - رضي الله عنه - الجماعة بالواحد حينما اشتركوا في قتله، فإنه وإن لم يرد في الشرع دليل على خصوصه إلا أنه مستند إلى المصلحة التي أيدتها نصوص الشرع الدالة على وجوب حفظ الدماء والنفوس. ويبين وجه المصلحة في ذلك، أن القتيل معصوم الدم، وقد قتل عمدا، فإهدار دمه داع إلى هدم أصل القصاص، واتخاذ الاستعانة والاشتراك ذريعة إلى السعي بالقتل إذا علم أنه لا قصاص فيه، فإيقاع القصاص عليهم أمر تدعو إليه المصلحة الشرعية المعتبرة على وجه العموم وهي حفظ الدماء والنفوس، فلا يعد ذلك من قبيل الابتداع لموافقته مقاصد الشرع وأصوله المعتبرة (4) .

ثم هو بعد ذلك فعل خليفة راشد أجمع عليه الصحابة.

أما تضمين الصناع فقد قضى الخلفاء الراشدون بتضمينهم، وقال علي رضي الله عنه: (لا يصلح الناس إلا ذاك) .

ووجه المصلحة في ذلك: أن الناس لهم حاجة إلى الصناع والغالب عليهم

_________

(1) صحيح البخاري. كتاب العلم. باب كتابة العلم، 1 / 39.

(2) صحيح البخاري. كتاب العلم. باب كتابة العلم، 1 / 39.

(3) سبق تخريجه، ص 130.

(4) انظر الاعتصام، 2 / 125 - 126.

(1/240)

التفريط في عين الأمتعة، فلو لم يضمنوا مع شدة الحاجة إليهم لأفضى ذلك إلى أحد أمرين:

- إما ترك الاستصناع بالكلية، وذلك شاق على الخلق.

- وإما أن يعملوا ولا يضمنوا بدعواهم الهلاك، فتضيع الأموال، وتتطرق الخيانة، فكانت المصلحة في التضمين، وهذا معنى قول علي: " لا يصلح الناس إلا ذاك " (1) .

وبعد عرض أدلة الفريقين ومناقشة القائلين بالتقسيم تبين أن أدلة القائلين بذم البدع مطلقا أقوى وأسلم من المعارضة لأنه لم يرد في نصوص الشرع ما يعارضها وينقلها من العموم إلى الخصوص، ومن الإطلاق إلى التقييد، وأما ما ذكره الفريق الأول من أدلة فلا يتعارض مع أحاديث العموم الواردة في ذم البدعة. وذلك لأن البدعة هي ما أحدث في الدين وليس عليه دليل صحيح من الشرع لا خاص ولا عام.

وما ذكروه من أمثلة فإما أن يكون داخلا في السنة بمعناها العام. وإما أن يكون وسيلة لتحقيق أمر مشروع كبناء المدارس لنشر العلم الشرعي، وتصنيف العلوم النافعة واستخدام وسائل العصر النافعة في نشر الدين والعلم وهذا كله يندرج تحت معنى السنة الحسنة.

ثم إنه لا خلاف بين الفريقين في ذم البدع المذمومة وإنما الخلاف في تسمية السنة الحسنة بالبدعة الحسنة والاستدلال بما لا ينهض من الأدلة على وجود البدعة الحسنة. ولهذا الأمر خطورته لأن المبتدعة وأهل الأهواء يتذرعون بالخلاف في هذه المسألة ويعدون بدعهم المذمومة من قبيل البدعة الحسنة ويحاولون تخريجها على أصول الشرع.

لأجل هذا كان تحرير محل النزاع في هذه المسألة مهما جدا. فالجميع متفقون على أن البدع المذمومة ضلالة.

_________

(1) انظر الاعتصام 2 / 119.

(1/241)

ومتفقون أيضا على أنه قد أحدثت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشياء حسنة، ولكنهم اختلفوا في تسميتها.

فالفريق الأول سماها بدعة حسنة وحاول أن يثبت بالأدلة وجود البدعة الحسنة شرعا ليندرج تحتها كل ما أحدث من أمور الخير. وليس مقصدهم إلا ذلك.

والفريق الثاني: قال بأنها ليست من البدع في شيء - لأن البدع كلها ضلالة لا حسن فيها - وإنما هي من قبيل السنة الحسنة. طالما أنها مندرجة تحت نصوص الشرع وقواعده العامة.

فالخلاف لفظي، ومآل القولين واحد بين أهل العلم في هذه المسألة وإن كان الصحيح الذي لا مرية فيه هو أن البدعة كلها ضلالة، وأن ما سمي بدعة مما ثبت حسنه فاطلاق اسم البدعة عليه شرعا لا ينطبق ولا يسوغ، أما الخلاف الحقيقي فهو بين أهل العلم وأهل الأهواء حينما يريد المبتدعة تسويغ بدعهم المذمومة ونشرها استنادا إلى أنها بدعة حسنة، وأن فريقا من العلماء قالوا بوجود البدعة الحسنة فهنا يكون الخلاف الحقيقي، وتظهر خطورته في انتشار البدع الكثيرة بسبب الاعتماد على وجود مسمى البدعة الحسنة شرعا. فيجب المحافظة - والحالة هذه - على عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - «كل بدعة ضلالة» .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

(. . . . إن المحافظة على عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل بدعة ضلالة» متعين، وأنه يجب العمل بعمومه، وأن من أخذ يصنف " البدع " إلى حسن وقبيح، ويجعل ذلك ذريعة إلى أن لا يحتج بالبدعة إلا على النهي فقد أخطأ، كما يفعل طائفة من المتفقهة، والمتكلمة والمتصوفة. والمتعبدة إذا نهوا عن " العبادات المبتدعة " " والكلام في التدين المبتدع "، ادعوا أن لا بدعة مكروهة إلا ما نهي، عنه، فيعود الحديث إلى أن يقال: " كل ما نهي عنه " أو " كل ما حرم "

(1/242)

أو " كل ما خالف نص النبوة فهو ضلالة " وهذا أوضح من أن يحتاج (في رده) إلى بيان، بل كل ما لم يشرع من الدين فهو ضلالة) (1) .

وقال أيضا:

(. . . ومعلوم أن كل ما لم يسنه ولا استحبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من هؤلاء الذين يقتدي بهم المسلمون في دينهم، فإنه يكون من البدع المنكرات ولا يقول أحد في مثل هذا إنه بدعة حسنة. إذ البدعة الحسنة - عند من يقسم البدع إلى حسنة وسيئة - لا بد أن يستحبها أحد من أهل العلم الذين يقتدي بهم، ويقوم عليها دليل شرعي على استحبابها، وكذلك من يقول البدعة الشرعية كلها مذمومة لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث «كل بدعة ضلالة» ويقول: قول عمر في التراويح إن أسماها بدعة: باعتبار وضع اللغة. فالبدعة في الشرع عند هؤلاء ما لم يقم دليل شرعي على استحبابه. ومآل القولين واحد، إذ هم متفقون على أن ما لم يستحب أو يجب من الشرع فليس بواجب ولا مستحب، فمن اتخذ عملا من الأعمال عبادة ودينا وليس ذلك في الشريعة واجبا ولا مستحبا فهو ضال باتفاق المسلمين) (2) .

وعلى ذلك فالبدعة المنصوص على ضلالتها في الشرع هي:

- كل ما عارض السنة من الأقوال أو الأفعال أو العقائد.

- كل أمر يتقرب به إلى الله، وقد نهى عنه الشرع.

- كل أمر لا دليل عليه من الشرع، مما يلحق بالعبادات أو العقائد.

- كل عبادة لم تأت كيفيتها إلا في حديث ضعيف أو موضوع.

- كل عبادة أطلقها الشارع وقيدها الناس ببعض القيود مثل المكان والزمان أو الهيئة أو العدد.

_________

(1) مجموع الفتاوى ابن تيمية، 10 / 370 - 371.

(2) المصدر نفسه، 27 / 152.

(1/243)

- كل أمر لا يمكن أن يشرع إلا بنص أو توقيف ولا نص عليه فهو بدعة، إلا ما كان عن صحابي.

- ما نص على استحبابه بعض العلماء سيما المتأخرين منهم ولا دليل عليه.

- الغلو في العبادة (1) .

_________

(1) انظر أحكام الجنائز للشيخ الألباني، ص 242. ==

قلت المدون النص التالي علي الحقيقة ولا يصلح فيه التجوز أو التأويل

6257.حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني حيوة قال حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم  لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الآن يا عمر .. قلت المدون كلام عمر أولاً يَصْدُق علي قدر معرفته بأن نفسه أولا هي التي   يحبها قبل حب النبي وهو صريح لا يحتاج إلي توضيح أو بيانٍ... فلما قضي الله ورسوله أن لا يؤمن أصلا من لم يحب الله ورسوله فوق حبه لنفسه جعل عمر من حب الله ورسوله القدر الأول فوق نفسه وعلم عمر كيف يرتب أولويات حبه  وهذا يعني حتمية نزع حائل اللاطاعة من كيانه وجعله حائلاً مطلقاً لطاعة لله ورسوله  واستقر المبدأ علي ذلك

= قلت المدون والنص بما يحتويه ليس فيه ما يعني  من أحكام تخص ظاهر الإسلام  إنما هو تربية وتقويم علي مبادئ الإيمان التي سيلقي عليها عمر وسائر المؤمنين ربهم يوم القيامة إذ ما جعلت الدنيا بما فيها بعث الأنبياء إلي الناس إلا ليتقي الناس مصائرهم من ربهم وليعمل الناس بخوف وخشية من الله تمهيدا لآخرتهم

والله يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)  قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)

حديث: حتى أكون أحب إليك من نفسك
عن عبدالله بن هشام رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:| لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك|، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: /الآن يا عمر/ رواه البخاري[ رواه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم 6/ 2445 (6257). ].

قلت المدون هكذا لا يكون الإيمان ولا شيئ منه إلا بتقديم النفس والمال وما يمتلكه المسلم من كل شيئ حتي الولد والأب والأخ والزوج والعشيرة وتجارته ومسكنه

قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24]،

وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين.

[رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان 1/ 14 (15)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة 1/ 67 (44)].
      
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:| مِن أشد أمتي لي حبًّا: ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله| رواه مسلم[ رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله 4/ 2178 (2832)]،

وقد سلك أصحاب التأويل دروبا متعددة ما أنزل الله بها من سلطان ليمهدوا لأنفسهم ولغيرهم طرقا لانحرافهم عن دين الله وإرضاء شهواتهم وأغراضهم المنحرفة باطلا وزورا ومن ذلك :



وضعوا مصطلحات الخزي والعار والخذلان

وهذا عرض آخر لمصطلح كفر دون كفر فقد وضعوه وغالطوا فيه..

 

بسم الله  الرحمن الرحيم

1. أما مصطلح كفر دون كفر قد وضعوه وغالطوا فيه فهم يقيسون الكفر بالنسبة إلي كفر غيره أعلي منه في نفس المستوي الظاهري

 

2. وهم غير مطالبين بتفعيله في الظاهر..انما تتكلم النصوص علي الحقيقة في حد التعامل الخفي بين العبد وربه

 

3.وأن كل ما دون ذلك لم يؤمر المسلمون بخلع أحكام الكفر علي أصحاب هذه النصوص لأنها لا تنهض بدون استبياننا للشق القلبي لحملها أحكاما في ظاهر الأمر

4. وانما هي أحكاما حقيقية تبدأ بعد موت صاحبها ومقابلة ربه علي الحال الذي مات عليه هل تاب واناب واقلع عن مسبب عقوبتة فعله بالكفر أم ظل متلبسا به حتي قابل ربه عليه؟!!!  أم تاب منها وأناب وعدل معتقده كما أراده الله ورسوله؟؟؟؟؟؟؟

 

5. وفي قولهم اصغر واكبر  فنقول حتي النووي وأصحاب التأويل قد ضللوا في الجنس والنوع   فعل سبيل المثال فإن القطط جنس وهي بجنسها أنواع ففي الاحجام منها الصغير ومنها الكبير فلا الصغير بكونه صغيرا سيصبح فأرا او كتكوتا ولا الكبير لكونه كبيرا سيصير أسدا فكل جنس متميز عن سائر الاجناس فالقط صغيرا او كبيرا هو جنس واحد لا يمكن ان يتغير جنسه  وكذلك جنس البشر فيه انواع الكبير والصغير ولن يتغير جنسه بتغير حجمه او وزنه او عمره انما كل انواعه جنس بشري وكل الكائنات يسري علي أجناسها  قانون واحد لا تتغير انواع الكائنات في أجناسها ومن الانواع في الجنس الواحد الذكر والانثي والكبير والصغير والطفل والشيخ وكلهم يمضي الي غايته متدرجا فما قيمة الأصغر والاكبر في تحديد غاية النوع فالانواع في الجنس الواحد تحكمهم قواعد واحدة لا يمكن ان تتغير ومطلقا

 

كذلك الكفر والشرك وكل المعاصي جنسها المخالفة ورفض الطاعة لكنها تنقسم في أنواعها الي الشرك او الكفر او العصيان او.. او... او ............الخ

 

وما التشبث بمصطلح الشرك الاكبر والاصغر الا حجج واهية وهاء خيوط العنكبوت للنووي وأصحاب التأويل ليمرروا بها خذلانهم الفاضح وتورطهم في مخطط شيطاني كبير جدا لم يدركوا ابعاده لتحطيم دين الاسلام الحق والاصل وتسهيل عملية استبداله بدين موازٍ شيطاني بشري من صنعهم ليضل الشيطان أمة محمد عن التمسك بدينهم الحق وليخرجهم من النور الحق  الي ظلمات أبلسته  وشياطينه   فاختعوا هذه المصطلحات المخزية المعرة المتخاذلة وفرغوا دين الله القيم من مدلولة الوضاء المنير

قال تعالي{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ{قلت المدون لم يحدد الله تعالي كفر اصغر او اكبر كما قلتم يا اهل التأويل ومنكم النووي ويا رواد الظلام} وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)/سورة الروم}

 

او قوله تعالي{في سورة الروم أيضا} {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)   مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)/الروم }

 

5.لكن المتأولين استغلوا فارق المستووين في اختراع مصطلحات الخذلان والعار والخزي فقالوا:

1.الكفر دو الكفر

2.وكفر لا يخرج من الملة

3.وكفر عملي وكفر اعتقادي

4. ومسلم كافر

وسحبوا ذلك علي كل نصوص الزجر من

4 فسق دون فسق

5.وظلم دون ظلم

6.ونفاق دون نفاق

7. ونفاق عملي ونفاق اعتقادي

و   و   و   ولا حول ولا قوة الا بالله.......

 

فقالوا أن كل النصوص التي وصف المسلم فيها بالكفر تحمل علي المجاز لعدم صلاحيتها في الحكم علي صاحبها بالكفر الفعلي في الظاهر 

مثل يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ....فإنكن تكفرن بالله وتكفرن العشير .........الحديث

 

ومثل  من ترك الصلاة فقد كفر

 

ومثل من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما

ومثل  الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر بلفظ: أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما

. وزاد مسلم في رواية : إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه

 

وفي لفظ آخر عند مسلم : إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما.

ومثل ..............كثيرا من النصوص :

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق