الخميس، 20 يناير 2022

ج5- شرح التذكرة ... الحفظ العراقي

ج5- شرح التذكرة  ... الحافظ العراقي اخر الاجزاء
والثاني: بفتح المثلثة، وسكون الواو، بعدها راء مهملة، وهو من عدا محمد بن الصلت المذكور، منهم: أبو يعلى الثوري. قال صاحب " المشارق " وهو يلتبس بالمذكور أولا. يريد من حيث اتفاق كنيتهما أيضا. واسم أبي يعلى هذا: منذر بن يعلى، حديثه في الصحيحين.
ومن ذلك: الجريري، والحريري.
فالأول: بضم الجيم، وفتح الراء، وسكون الياء المثناة من تحت بعدها راء أيضا، نسبة إلى جرير مصغرا. وهو جرير بن عباد - بضم العين وتخفيف الباء الموحدة -. وهو عباس بن فروخ الجريري، حديثه في الصحيحين. وسعيد ابن إياس الجريري، حديثه في الصحيحين أيضا. وكذا إذا ورد في الصحيحين الجريري غير مسمى، عن أبي نضرة، فالمراد به: سعيد. هكذا اقتصر ابن الصلاح، تبعا لصاحب " المشارق " على الجريري غير مسمى، عن أبي نضرة وقد ورد في الصحيح غير مسمى في غير روايته، عن أبي نضرة في غير ما موضع، منها: في " مسلم " في الكسوف، عن الجريري، عن حيان بن عمير، وغير ذلك.
هكذا اقتصر أيضا تبعا لصاحب " المشارق " على ما فيها من الجريري بضم الجيم. وزاد الجياني في " التقييد ": حيان بن عمير الجريري، له عند مسلم حديث واحد في الكسوف. وأبان بن تغلب الجريري، مولاهم، روى له مسلم أيضا وحده، قلت: ولم استدرك هذين الاسمين على ابن الصلاح؛ لأنهما وإن كانا في كتاب " مسلم " فهما باسميهما غير منسوبين.
(2/252)
والثاني: الحريري - بفتح الحاء المهملة وكسر الراء -، وهو يحيى بن بشر الحريري، روى له مسلم في "صحيحه". وقول ابن الصلاح: أنه شيخ البخاري ومسلم، تبع في ذلك صاحب "المشارق"، وتبع صاحب "المشارق" صاحب " تقييد المهمل "، وسبقهم إلى ذلك الحاكم أبو عبد الله، فذكر يحيى ابن بشر الحريري فيمن اتفق على إخراجه البخاري ومسلم ، وكذلك ذكره الكلاباذي فيمن أخرج له البخاري في " صحيحه ".
ولم يصنعوا كلهم شيئا، ولم يخرج له البخاري، وإنما أخرج ليحيى بن بشر البلخي، فجعلهما الجياني والكلاباذي واحدا، وهو وهم منهما. وممن تبعهما، وهما رجلان مختلفا البلدة والوفاة، وممن فرق بينهما ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، والخطيب في " المتفق والمفترق "، وبه جزم الحافظ أبو الحجاج المزي في " التهذيب " وقد أوضحت ذلك فيما جمعته على كتاب ابن الصلاح. وقد اقتصر ابن الصلاح في هذه الترجمة على الجريري والحريري، وزاد الجياني في كتاب " تقييد المهمل " الجريري - بفتح الجيم - وكسر الراء، وهو يحيى بن أيوب الجريري من ولد جرير بن عبد الله البجلي. وقال: ذكره البخاري مستشهدا به في أول كتاب " الأدب "، وكذا ذكره صاحب " المشارق "، فقال: وفي البخاري يحيى بن أيوب الجريري - بفتح الجيم - في
(2/253)
أول كتاب " الأدب "، قلت: ولم استدركه على ابن الصلاح؛ لأن البخاري لم يذكر نسبته؛ إنما ذكره باسمه، واسم أبيه فقط، فليس في البخاري إذا هذا اللفظ.
924....
وانسب حزاميا سوى من أبهما ... فاختلفوا والحارثي لهما
925....
وسعد الجاري فقط وفيالنسب ... همدان وهو مطلقا قدما غلب
ومن ذلك: الحزامي والحرامي.
فالأول: بكسر الحاء المهملة، وبالزاي، منهم: إبراهيم بن المنذر الحزامي، والضحاك بن عثمان الحزامي، وغيرهما. وقال ابن الصلاح: ((إنه حيث وقع فيهما فهو بالزاي غير المهملة)) . انتهى.
وقولي: (سوى من أبهما فاختلفوا) ، هو من الزيادات على ابن الصلاح، أي: سوى من وقع في الصحيح وأبهم اسمه، فلم يسم بل فيه فلان الحزامي، فإن فيه خلافا؛ وذلك في " صحيح مسلم " في أواخر الكتاب في حديث أبي اليسر، قال: كان لي على فلان بن فلان الحزامي مال، فأتيت أهله ... الحديث. وقد اختلفوا في ضبط هذه النسبة، فرواه أكثر الرواة - كما قال القاضي عياض - بحاء مهملة مفتوحة وراء، وعند الطبري: الحزامي - بكسرها وبالزاي -. وعند ابن ماهان: الجذامي - بضم الجيم وذال معجمة -. وقال ابن الصلاح في حاشية أملاها على كتابه: لا يرد هذا؛ لأن المراد بكلامنا المذكور ما وقع من ذلك في أنساب الرواة. وكذا قال النووي في كتاب
(2/254)
"
الإرشاد ". وهذا ليس بجيد؛ لأن ابن الصلاح وتبعه النووي ذكرا في هذا القسم غير واحد ليس لهم في الصحيح، ولا في " الموطأ " رواية، بل مجرد ذكر، كما تقدم إيضاحه في هذا الفصل؛ فلذلك استثنيته.
والثاني: بفتح الحاء المهملة والراء، وهو فلان بن فلان الحرامي المتقدم على رواية الأكثرين. وعد أبو علي الجياني في هذا القسم من ينسب إلى بني حرام من الأنصار، منهم: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الحرامي، وجماعة سواهم كذا ذكر أبو علي، وفيه نظر؛ فإني لا أعلم في واحد من الصحيحين ورود هذه النسبة عند ذكره؛ وإنما يذكر أسماءهم غير منسوبة، فلذلك لم استدركه على ابن الصلاح. وقد ذكر صاحب " المشارق " فيما يشتبه بهذه المادة: الجذامي - بضم الجيم وبالذال المعجمة -، فذكر: فروة ابن نعامة الجذامي، وهو الذي أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغلة، وقد لا يلتبس فلهذا لم أذكره.
ومن ذلك: الحارثي، والجاري.
فالأول: بالحاء المهملة، وكسر الراء، بعدها ثاء مثلثة، وهو جميع ما وقع من ذلك في الصحيحين، منهم: أبو أمامة الحارثي، صحابي له رواية عند مسلم في كتاب " الإيمان " - بكسر الهمزة - في حديث: ((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه)) ... الحديث.
والثاني: الجاري - بالجيم وبعد الراء ياء النسبة -، وهو: سعد الجاري. روى له مالك في " الموطأ "، عن زيد بن أسلم، عن سعد الجاري مولى عمر ابن الخطاب، سألت ابن عمر عن الحيتان يقتل بعضها بعضا ... الحديث قال صاحب " المشارق ": ينسب إلى جده. وقال ابن الصلاح: ((منسوب إلى الجار مرفأ السفن بساحل المدينة)) . انتهى. والمرفأ: - بضم الميم وإسكان الراء وفتح الفاء، مهموز مقصور، قال
(2/255)
الجوهري: ((أرفأت السفينة قربتها من الشط. قال: وذلك الموضع مرفأ)) . وقال الذهبي في " مشتبه النسبة ": ((الجار: موضع بالمدينة)) .
وذكر أبو علي الجياني فيما يشتبه بهذه المادة الخارفي - بالخاء المعجمة وبالفاء مكان الياء - منهم: عبد الله بن مرة الخارفي، وقد لا يلتبس.
ومن ذلك الهمداني، والهمذاني.
فالأول: بإسكان الميم وإهمال داله، وهم المنسوبون إلى قبيلة همدان، وهو جميع ما في "الموطأ" والصحيحين. قال ابن الصلاح: ((وليس فيها الهمذاني بالذال المنقوطة)) . قال صاحب "المشارق": لكن فيهما من هو من مدينة همذان ببلاد الجبل؛ إلا أنه غير منسوب في شيء من هذه الكتب. قال: إلا أن في البخاري: مسلم بن سالم الهمداني، ضبطه الأصيلي بسكون الميم، بخط يده وهو في الصحيح، قال: ووجدته في بعض النسخ للنسفي - بفتح الميم وذال معجمة-، وهو وهم، وإنما نسبه: نهدي، ويعرف بالجهني؛ لأنه كان نازلا فيهم. انتهى. وهذا الاسم وقع عند البخاري في كتاب "الأنبياء" في ذكر إبراهيم في حديث كعب ابن عجرة: ((ألا أهدي لك هدية)) ؟، وفيه: حدثنا أبو فروة مسلم بن سالم الهمداني، قال الجياني: وأراه وهما، قال أحمد بن حنبل: أبو فروة الهمداني، اسمه عروة، وأبو فروة النهدي، اسمه مسلم بن سالم. قال: وكان ابن مهدي لا يفصل بين هذين. وهذا اللفظ في الجملة وقع في البخاري على الوهم، وليس بهمداني على الوجهين معا، وقد ذكر ابن أبي خيثمة حديث البخاري هذا فقال: فيه أبو فروة الجهني، وهو الصواب، والله أعلم.
والثاني: بفتح الميم وبالذال المعجمة، قال أبو علي الجياني: منهم: أبو أحمد المرار بن حمويه الهمذاني، يقال: إن البخاري حدث عنه عن أبي غسان في كتاب"الشروط". انتهى.
(2/256)
قلت: ليس في جميع نسخ البخاري ذكر نسبه والذي في أكثر الروايات: حدثنا أبو أحمد، لم يزد على كنيته. وفي رواية أبي ذر: حدثنا أبو أحمد مرار ابن حمويه، ويؤكد كونه المرار بن حمويه، أن موسى ابن هارون الحمال، روى هذا الحديث عن مرار بن حمويه، عن أبي غسان محمد بن يحيى، كرواية البخاري، وقد قيل: إن أبا أحمد غير المرار، فالله أعلم. قال ابن ماكولا: ((والهمداني في المتقدمين بسكون الميم أكثر، وبفتح الميم في المتأخرين أكثر)) . قال ابن الصلاح: ((وهو كما قال)) . وإليه أشرت بقولي: (وهو مطلقا قدما غلب) أي: غلب همدان بالسكون في المتقدمين. وقولي: (مطلقا) أي: من غير تقييد بالصحيحين و" الموطأ "، والله أعلم. وقال الذهبي في " مشتبه النسبة ": ((والصحابة، والتابعون، وتابعوهم، من القبيلة، وأكثر المتأخرين من المدينة. قال: ولا يمكن استيعاب هؤلاء، ولا هؤلاء)) .
وقرأت بخطه أن شيرويه-يعني: ابن شهردار الديلمي، أدخل في "تاريخ همذان" له خلقا من القبيلة وهما. قلت: ومما خرج عن الغالب: أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الهمداني، فهو متأخر -بالسكون-، وأبو الفضل محمد بن محمد بن عطاف الهمداني، بعد الخمسمائة . وجعفر بن علي الهمداني. وعلي بن عبد الصمد السخاوي الهمداني. وعبد الحكم بن حاتم الهمداني. وعبد المعطي بن فتوح الهمداني. أربعتهم من أصحاب السلفي، وأبو إسحاق بن أبي الدم الهمداني، قاضي حماة، ومنصور بن سليم الهمداني الحافظ المعروف بابن العمادية، وآخرون.
(2/257)
المتفق والمفترق
926....
ولهم المتفق المفترق ... ما لفظه وخطه متفق
...
لكن مسمياته لعدة ... نحو ابن أحمد الخليل ستة
من أنواع فنون الحديث:
معرفة المتفق والمفترق: وهو ما اتفق خطه ولفظه أيضا، وافترق مسمياته. وللخطيب فيه كتاب نفيس، وربما فاته بعض تراجم كان ينبغي له ذكرها؛ وإنما يحسن إيراد ذلك فيما إذا اشتبه الراويان المتفقان في الاسم؛ لكونهما متعاصرين واشتركا في بعض شيوخهما، أو في الرواة عنهما.
وذلك ينقسم إلى ثمانية أقسام:
الأول: من اتفقت أسماؤهم، وأسماء آبائهم، مثاله: الخليل بن أحمد، ستة رجال، ذكر الخطيب منهم اثنين فقط، وهما الأولان، فالأول: الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم، أبو عبد الرحمن الأزدي الفراهيدي البصري النحوي -صاحب العروض- وهو أول من استخرجه، وصاحب كتاب " العين " في اللغة، وشيخ سيبويه، روى
(2/258)
عن عاصم الأحول، وآخرين، ذكره ابن حبان في " الثقات "، مولده سنة مائة، واختلف في وفاته، فقيل: سنة سبعين ومائة، وقيل: سنة بضع وستين، وقيل: سنة خمس وسبعين، قال أبو بكر بن أبي خيثمة: أول من سمي في الإسلام أحمد: أبو الخليل بن أحمد العروضي، وكذا قال المبرد: فتش المفتشون فما وجدوا بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - من اسمه أحمد قبل أبي الخليل بن أحمد. انتهى. واعترض على هذه المقالة بأبي السفر سعيد بن أحمد، فإنه أقدم، وأجيب: بأن أكثر أهل العلم قالوا فيه: يحمد - بالياء - وقاله ابن معين: أحمد.
والثاني: الخليل بن أحمد أبو بشر المزني، ويقال السلمي بصري أيضا، روى عن المستنير بن أخضر، روى عنه محمد بن يحيى بن أبي سمينة، وعبد الله بن محمد المسندي،
(2/259)
والعباس بن عبد العظيم العنبري، ذكره ابن حبان في " الثقات " أيضا، وقال النسائي في " الكنى ": أبو بشر خليل بن أحمد بن بصري - وليس بصاحب العروض - قال الخطيب: ورأيت شيخا من شيوخ أصحاب الحديث، يشار إليه بالفهم والمعرفة قد جمع أخبار الخليل بن أحمد العروضي، وما روي عنه فأدخل في جمعه حديث الخليل بن أحمد هذا. قال: ولو أنعم النظر لعلم أن ابن أبي سمينة، والمسندي، وعباسا العنبري، يصغرون عن إدراك الخليل بن أحمد العروضي؛ لأنه قديم.
قلت: قد ذكر البخاري في " التاريخ الكبير ": أن عبد الله بن محمد الجعفي - وهو المسندي - سمع من خليل بن أحمد النحوي -صاحب العروض-، عن عثمان بن حاضر، فالله أعلم. وكلام البخاري يقتضي: أن هاتين الترجمتين واحدة، وقد فرق بينهما النسائي، وابن حبان، والخطيب، وهو الظاهر، والله أعلم.
والثالث: الخليل بن أحمد بصري أيضا، يروي عن عكرمة، ذكره أبو الفضل الهروي في كتاب " مشتبه أسماء المحدثين "، فيما حكاه ابن الجوزي في " التلقيح " عن خط شيخه عبد الوهاب الأنماطي عنه.
قلت: وأخشى أن يكون هذا هو الخليل بن أحمد النحوي، فإنه روى عن غير واحد من التابعين.
والرابع: الخليل بن أحمد بن الخليل، أبو سعيد السجزي الفقيه الحنفي، قاضي سمرقند، توفي بها سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، حدث عن ابن خزيمة، وابن صاعد والبغوي، وغيرهم. سمع منه الحاكم وذكره في " تاريخ نيسابور ".
(2/260)
والخامس: الخليل بن أحمد، أبو سعيد البستي القاضي المهلبي. ذكر ابن الصلاح: أنه سمع من الخليل بن أحمد السجزي المذكور، ومن أحمد بن المظفر البكري، وغيرهما، حدث عنه البيهقي.
والسادس: الخليل بن أحمد بن عبد الله بن أحمد، أبو سعيد البستي الفقيه الشافعي. ذكره الحميدي في "تاريخ الأندلس". وذكر ابن بشكوال في "الصلة": أنه قدم الأندلس من العراق في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وروى عن أبي محمد بن النحاس بمصر، وأبي سعيد الماليني، وأبي حامد الإسفراييني، وغيرهم. وحكى عن أبي محمد بن خزرج أن مولده سنة ستين وثلاثمائة، روى عنه أبو العباس أحمد بن عمر العذري. قلت: وأخشى أيضا أن يكون هذا هو الذي قبله؛ ولكن هكذا فرق بينهما ابن الصلاح، فالله أعلم.
وقد أسقطت من الستة الذين ذكرهم ابن الصلاح واحدا، وهو الخليل ابن أحمد، أصبهاني يروي عن روح بن عبادة؛ لأنه وهم فيه، وإنما هو الخليل ابن محمد، ووهم فيه قبله ابن الجوزي، وأبو الفضل الهروي، فإنه عده فيمن اسمه الخليل بن أحمد وهو في " تاريخ أصبهان " لأبي نعيم على الصواب: الخليل ابن محمد أبو العباس العجلي، وروى من طريقه عدة أحاديث. وجعلت مكانه الخليل بن أحمد البصري، الذي يروي
(2/261)
عن عكرمة كما ذكره أبو الفضل الهروي إن لم يكن هو الخليل النحوي. وسأذكر بعد هذا جماعة يعوض منهم عن هذين الاسمين، إن كانا مكررين.
وقد وقع في أصل سماعنا من " صحيح ابن حبان " في النوع التاسع والمائة من القسم الثاني: أخبرنا الخليل بن أحمد بواسط، قال: حدثنا جابر بن الكردي فذكر حديثا، قلت: والظاهر أنه الخليل بن محمد، فإنه سمع منه بواسط عدة أحاديث متفرقة في أنواع الكتاب، ونبهت عليه لئلا يغتر به ويستدرك.
وممن سمي أيضا الخليل بن أحمد: الخليل بن أحمد البغدادي، يروي عن يسار بن حاتم، ذكره ابن النجار في " الذيل ". والخليل بن أحمد أبو القاسم الشاعر المصري روى عنه الحافظ أبو القاسم بن الطحان، وذكره في ذيله على " تاريخ مصر "، وقال: توفي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. والخليل ابن أحمد ابن علي أبو طاهر الجوسقي الصرصري، سمع من أبيه، وابن البطي وشهدة وغيرهم، روى عنه الحافظان: ابن النجار، وابن الدبيثي، وذكره كل منهما في " الذيل "، وتوفي سنة أربع وثلاثين وستمائة، قاله ابن النجار.
928....
وأحمد بن جعفر وجده ... حمدان هم أربعة تعده
هذا مثال القسم الثاني من أقسام المتفق والمفترق، وهو أن تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم، نحو أحمد بن جعفر بن حمدان، أربعة متعاصرون في طبقة واحدة
(2/262)
فالأول أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك، أبو بكر البغدادي القطيعي، سمع من عبد الله بن أحمد بن حنبل المسند، والزهد توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وروى عنه أبو نعيم الأصبهاني، وآخرون كثيرون
والثاني أحمد بن جعفر بن حمدان بن عيسى السقطي البصري، يكنى أبا بكر أيضا، يروي عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي وغيره، وروى عنه أبو نعيم أيضا وغيره وتوفي سنة أربع وستين وثلاثمائة، وقد جاوز المائة
والثالث أحمد بن جعفر بن حمدان الدينوري، حدث عن عبد الله بن محمد بن سنان الروحي، روى عنه علي بن القاسم بن شاذان الرازي وغيره
والرابع أحمد بن جعفر بن حمدان أبو الحسن الطرسوسي، روى عن عبد الله بن جابر، ومحمد بن حصن بن خالد الطرسوسيين، وروى عنه القاضي أبو الحسن الخطيب بن عبد الله بن محمد الخصيبي المصري
ومن غرائب الاتفاق في ذلك محمد بن جعفر بن محمد، ثلاثة متعاصرون ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم في عشر المائة، وهم
أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم الأنباري البندار
والحافظ أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري
وأبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن كنانة البغدادي
ماتوا في سنة ستين وثلاثمائة
(2/263)
..
ولهم الجوني أبو عمرانا ... اثنان والآخر من بغدانا
هذا مثال للقسم الثالث: وهو أن تتفق الكنية والنسبة معا، نحو أبي عمران
الجوني، رجلان.
فالأول: بصري، وهو أبو عمران عبد الملك بن حبيب الجوني التابعي المشهور، وسماه الفلاس: عبد الرحمن، ولم يتابع على ذلك، وتوفي سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة ثلاث وعشرين.
والثاني: متأخر الطبقة عنه، وهو: أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني، روى عن الربيع بن سليمان وطبقته، روى عنه الإسماعيلي والطبراني، وغيرهما. وهو بصري، سكن بغداد. وبغدان - بالنون - لغة فيها.
ومن ذلك: أبو عمر الحوضي اثنان ذكرهما الخطيب.
930....
كذا محمد بن عبد الله ... هما من الأنصار ذو اشتباه
هذا مثال للقسم الرابع وهو أن يتفق الاسم واسم الأب والنسبة، نحو محمد بن عبد الله الأنصاري، رجلان متقاربان في الطبقة
(2/264)
فالأول القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، شيخ البخاري، وصاحب الجزء المشهور، توفي سنة خمس عشرة ومائتين، عن سبع وتسعين سنة
والثاني أبو سلمة محمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري مولاهم، بصري أيضا، ضعفه العقيلي، وأبو أحمد الحاكم، وابن حبان، وغيرهم قيل إنه جاوز المائة وقد اقتصر ابن الصلاح على هاتين الترجمتين تبعا للخطيب وقال الحافظ أبو الحجاج المزي في التهذيب محمد بن عبد الله الأنصاري ثلاثة، فذكر المتقدمين وزاد محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري، وهو بصري أيضا، روى عنه ابن ماجه، وذكره ابن حبان في الثقات قلت وممن اشترك معهم في هذا محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، وإنما اقتصر الخطيب على المذكورين أولا؛ لتقاربهما في الطبقة، اشتركا في الرواية عن حميد الطويل، وسليمان التيمي، ومالك بن دينار، وقرة بن خالد وأشرت إلى اشتباه الأمر بينهما بقولي ذو اشتباه وأما الثالث فإنه متأخر الطبقة عنهما، روى عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري المذكور أولا وأما الرابع فمتقدم الطبقة عليهما ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، والله أعلم
(2/265)
..
ثم أبو بكر بن عياش لهم ... ثلاثة قد بينوا محلهم
هذا مثال لقسم خامس من هذا النوع لم يفرده ابن الصلاح بالتقسيم؛ وإنما أدخله في القسم الثالث، وقال: ((إنه مما يقاربه)) ، وهو أن تتفق كناهم، وأسماء أبائهم، نحو أبي بكر بن عياش، ثلاثة:
فالأول: أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ راوي قراءة عاصم، اختلف في اسمه على أحد عشر قولا، وقد تقدم في القسم الأول من الأسماء والكنى أن أبا زرعة صحح أن اسمه شعبة، وصحح ابن الصلاح، والمزي أن اسمه كنيته. مات في عشر المائة، قيل: سنة اثنتين وتسعين ومائة، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع.
والثاني: أبو بكر بن عياش الحمصي، روى عن عثمان بن شباك الشامي، وروى عنه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي. قال الخطيب: وعثمان، وأبو بكر مجهولان، وجعفر كان غير ثقة.
والثالث: أبو بكر بن عياش بن حازم السلمي، مولاهم الباجدائي، اسمه حسين، روى عن جعفر بن برقان، روى عنه علي بن جميل الرقي، وغيره. قال الخطيب: وكان فاضلا أديبا، وله كتاب مصنف في غريب الحديث. مات سنة أربع ومائتين، بباجداء، قاله: هلال بن العلاء.
(2/266)
932....
وصالح أربعة كلهم ... ابن أبي صالح اتباع هم
هذا مثال لقسم سادس من هذا النوع وهو عكس ما قبله أن تتفق أسماؤهم، وكنى آبائهم، نحو صالح بن أبي صالح، أربعة، كلهم من التابعين، ولم يذكر الخطيب في كتابه إلا الثلاثة الأولين
فالأول صالح بن أبي صالح، أبو محمد المدني، واسم أبي صالح نبهان وقال أبو زرعة هو صالح بن صالح بن نبهان، وكنية نبهان أبو صالح، وهو صالح مولى التوأمة بنت أمية بن خلف الجمحي، روى عن أبي هريرة، وابن عباس، وأنس، وغيرهم من الصحابة مختلف في الاحتجاج به، توفي سنة خمس وعشرين ومائة
والثاني صالح بن أبي صالح السمان، واسم أبي صالح ذكوان أبو عبد الرحمن المدني، روى عن أنس، روى له مسلم، والترمذي حديثا واحدا
والثالث صالح بن أبي صالح السدوسي، روى عن علي، وعائشة، روى عنه خلاد بن عمرو، ذكره البخاري في التاريخ، وابن حبان في الثقات
(2/267)
والرابع صالح بن أبي صالح المخزومي الكوفي، مولى عمرو بن حريث، واسم أبي صالح مهران، روى عن أبي هريرة، روى عنه أبو بكر بن عياش، ذكره البخاري في
التاريخ، وله عند الترمذي حديث ضعفه يحيى بن معين، وجهله النسائي وهذا الرابع لم يذكره الخطيب
قلت ومما لم يذكراه صالح بن أبي صالح الأسدي، روى عن الشعبي، روى عنه زكريا بن أبي زائدة، ذكره البخاري في التاريخ، وروى له النسائي حديثا، وإنما لم يذكراه؛ لكونه متأخر الطبقة عن الأربعة المذكورين وأيضا فسماه بعضهم صالح بن صالح الأسدي، قال البخاري وصالح بن أبي صالح أصح
...
ومنه ما في اسم فقط ويشكل ... كنحو حماد إذا ما يهمل
934....
فإن يك ابن حرب او عارم قد ... أطلقه فهو ابن زيد أو ورد
...
عن التبوذكي أو عفان ... أو ابن منهال فذاك الثاني
أي: ومن أقسام المتفق والمفترق - وهو القسم السابع منه -: أن يتفق الاسم
فقط، ويقع في السند ذكر الاسم فقط، مهملا من غير ذكر أبيه أو نسبة تميزه، ونحو ذلك. وكذلك: أن تتفق الكنية فقط، ويذكر بها في الإسناد من غير تمييز بغيرها.
(2/268)
فمثاله في الاسم: أن يطلق في الإسناد: حماد، من غير أن ينسب، هل هو ابن زيد أو ابن سلمة؟ ويتميز ذلك عند أهل الحديث بحسب من أطلق من الرواة عنه، فإن كان الذي أطلق الرواية عنه سليمان بن حرب أو عارم، فالمراد حينئذ: حماد بن زيد، قاله محمد بن يحيى الذهلي، وكذا قاله أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتاب " المحدث الفاصل "، والمزي في " التهذيب ".
وإن كان الذي أطلقه أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي، فمراده: حماد بن سلمة. قاله الرامهرمزي إلا أن ابن الجوزي قال في " التلقيح ": إن التبوذكي ليس يروي إلا عن حماد بن سلمة خاصة، وكذلك إذا أطلقه عفان، فقد روى محمد بن يحيى الذهلي عن عفان، قال: إذا قلت لكم حدثنا حماد، ولم أنسبه، فهو ابن سلمة، وقال الرامهرمزي: إذا قال عفان: حدثنا حماد أمكن أن يكون أحدهما كذا، قال الرامهرمزي: وهو ممكن، لولا ما حكاه الذهلي عن عفان من اصطلاحه، فزال أحد الاحتمالين، فلهذا اقتصرت في النظم على أن المراد: ابن سلمة، وإن كان ابن الصلاح حكى القولين، وكذا اقتصر المزي في " التهذيب " على أن المراد: ابن سلمة، وهو الصواب، والله أعلم. وكذا إذا أطلق ذلك حجاج بن منهال، فالمراد: ابن سلمة، قاله
(2/269)
محمد بن يحيى الذهلي، والرامهرمزي والمزي أيضا. قلت: وكذا إذا أطلقه هدبة بن خالد، فالمراد: ابن سلمة، قاله المزي في " التهذيب ".
وقولي: (فذاك الثاني) ، أي: حماد بن سلمة، وقيل له الثاني، أي: في الذكر؛ لكونه قد تقدم ذكر ابن زيد، وإلا فابن سلمة أقدم وفاة من ابن زيد فليس المراد في الوفاة، بل في الذكر.
قلت: وإنما يزيد الإشكال إذا كان من أطلق ذلك قد روى عنهما معا. أما إذا لم يرو إلا عن أحدهما، فلا إشكال حينئذ عند أهل المعرفة.
وممن انفرد بالرواية عن حماد بن زيد دون ابن سلمة: أبو الربيع الزهراني وقتيبة، ومسدد، وأحمد بن عبدة الضبي، وآخرون.
وممن انفرد بحماد بن سلمة، دون حماد بن زيد: بهز بن أسد، وآخرون لهم موضع غير هذا. ومثل ابن الصلاح أيضا بما إذا أطلق عبد الله في السند، ثم حكى عن سلمة بن سليمان، قال: إذا قيل بمكة: عبد الله، فهو ابن الزبير، وإذا قيل بالكوفة، فهو ابن مسعود، وإذا قيل بالبصرة، فهو ابن عباس، وإذا قيل بخراسان، فهو ابن المبارك. وقال الخليلي في " الإرشاد ": ((إذا قال المصري: عبد الله، فهو ابن عمرو - يعني: ابن العاص - وإذا قاله المكي، فهو ابن عباس - قلت: لكن قال النضر بن شميل: إذا قال الشامي: عبد الله، فهو ابن عمرو بن العاص - قال: وإذا قال المدني:
(2/270)
عبد الله، فهو ابن عمر)) . قال الخطيب: وهذا القول صحيح، قال: وكذلك يفعل بعض المصريين في عبد الله بن عمرو بن العاص.
ومثل ابن الصلاح لاتفاق الكنية بأبي حمزة -بالحاء والزاي- عن ابن عباس إذا أطلق، قال: وذكر بعض الحفاظ أن شعبة روى عن سبعة كلهم أبو حمزة، عن ابن عباس، وكلهم بالحاء والزاي إلا واحدا، فإنه بالجيم - أي: والراء - وهو أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي. فإذا أطلق، فهو نصر بن عمران، وإذا روي عن غيره، فهو يذكر اسمه، أو نسبه)) ، والله أعلم.
وللخطيب كتاب مفيد في هذا القسم سماه " المكمل في بيان المهمل ".
936....
ومنه ما في نسب كالحنفي ... قبيلا او مذهبا او باليا صف
أي ومن أقسام المتفق والمفترق وهو القسم الثامن منه أن يتفقا في النسب من حيث اللفظ، ويفترقا من حيث إن ما نسب إليه أحدهما، غير ما نسب إليه الآخر
ولمحمد بن طاهر المقدسي في هذا القسم تصنيف حسن
نحو الحنفي، والحنفي فلفظ النسب واحد
(2/271)
وأحدهما منسوب إلى القبيلة، وهم بنو حنيفة، منهم أبو بكر عبد الكبير ابن عبد المجيد الحنفي، وأخوه أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي أخرج لهما الشيخان
والثاني منسوب إلى مذهب أبي حنيفة، وفيهم كثرة
وقولي او باليا صف، أي انسب إلى القسم الثاني وهو ما نسب للمذهب بزيادة ياء مثناة من تحت، فقل حنيفي، فقد كان جماعة من أهل الحديث، منهم أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، يفرقون بين النسبة للقبيلة والمذهب بذلك
قال ابن الصلاح ولم أجد ذلك عن أحد من النحويين إلا عن أبي بكر بن الأنباري الإمام، قاله في الكافي
ومثل ابن الصلاح أيضا بالآملي، والآملي
فالأول آمل طبرستان، قال السمعاني أكثر أهل العلم من أهل طبرستان من أهل آمل
والثاني إلى آمل جيحون شهر بالنسبة إليها عبد الله بن حماد الآملي روى عنه البخاري في صحيحه، قال وما ذكره الغساني، ثم القاضي عياض من أنه
(2/272)
منسوب إلى آمل طبرستان، فهو خطأ قلت لم يرو البخاري في صحيحه عنه مصرحا بنسبه، ولا بأبيه، وإنما حدث في موضع، عن عبد الله غير منسوب عن يحيى بن معين وفي موضع آخر عن عبد الله غير منسوب عن سليمان بن
عبد الرحمن، فاختلف في مراده بعبد الله، فقيل هو الآملي، قاله الكلاباذي، وقيل هو عبد الله بن أبي القاضي الخوارزمي، وهو الظاهر؛ فإنه روى في كتاب الضعفاء مصرحا به عدة أحاديث، عن سليمان بن عبد الرحمن، وغيره
(2/273)
تلخيص المتشابه
...
ولهم قسم من النوعين ... مركب متفق اللفظين
938....
في الاسم لكن أباه اختلفا ... أو عكسه أو نحوه وصنفا
...
فيه الخطيب نحو موسى بن علي ... وابن علي وحنان الأسدي
هذا النوع يتركب من النوعين اللذين قبله، وهو: أن يتفق الاسمان في اللفظ والخط، ويفترقا في الشخص، ويأتلف أسماء أبويهما في الخط، ويختلفا في اللفظ، أو على العكس، بأن يأتلف الاسمان خطا، ويختلفا لفظا، ويتفق أسماء أبويهما لفظا، أو نحو ذلك، بأن يتفق الاسمان والكنيتان لفظا، وتختلف نسبتهما نطقا، أو تتفق النسبة لفظا، ويختلف الاسمان أو الكنيتان لفظا، وما أشبه ذلك. وقد صنف في ذلك الخطيب كتابه المسمى بـ " تلخيص المتشابه " وهو من أحسن كتبه.
فمثال الأول: موسى بن علي، وموسى بن علي.
فالأول: بفتح العين مكبرا، وهم جماعة متأخرون، ليس في الكتب الستة منهم أحد، ولا في " تاريخ البخاري "، ولا في كتاب ابن أبي حاتم، إلا الثاني الذي فيه الخلاف، منهم: موسى بن علي أبو عيسى الختلي، وموسى بن علي أبو علي الصواف.
(2/274)
والثاني: بضم العين مصغرا، وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري - أمير مصر - اشتهر بضم العين مصغرا، وصحح البخاري، وصاحب " المشارق " الفتح، وروينا عن موسى، قال: اسم أبي: علي؛ ولكن بنو أمية قالوا: علي بن رباح، وفي حرج من قال: علي. وروينا عنه أيضا قال: من قال موسى بن علي لم أجعله في حل. وروينا أيضا ذلك عن أبيه قال: لا أجعل أحدا في حل يصغر اسمي. وقال محمد بن سعد: ((أهل مصر يفتحون، وأهل العراق يضمون)) . وقال الدارقطني: كان يلقب بعلي، وكان اسمه عليا، وقد اختلف في سبب تصغيره، فقال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي، قتلوه، فبلغ ذلك رباحا، فقال: هو علي، وقال ابن حبان في "الثقات": ((كان أهل الشام يجعلون كل علي عندهم عليا لبغضهم عليا - رضي الله عنه -، ومن أجله ما قيل لعلي ابن رباح: علي بن رباح، ولمسلمة بن علي: مسلمة بن علي)) .
ومثال الثاني: وهو عكس الأول، سريج بن النعمان، وشريح بن النعمان، وكلاهما مصغر.
(2/275)
فالأول: بالسين المهملة والجيم، وهو سريج بن النعمان بن مروان اللؤلؤي البغدادي، روى عنه البخاري، وروى له أصحاب السنن، تقدم ذكره في " المؤتلف والمختلف ".
والثاني: بالشين المعجمة، والحاء المهملة: شريح بن النعمان الصائدي الكوفي
-
تابعي - له في السنن الأربعة حديث واحد عن علي ابن أبي طالب.
ومثال الثالث: محمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد بن عبد الله المخرمي.
فالأول: بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، وكسر الراء المشددة، نسبة إلى المخرم من بغداد، وهو محمد بن عبد الله بن المبارك أبو جعفر القرشي البغدادي المخرمي الحافظ قاضي حلوان، روى عنه البخاري، وأبو داود والنسائي.
والثاني: محمد بن عبد الله المخرمي -بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء-المكي، قال ابن ماكولا: لعله من ولد مخرمة بن نوفل، روى عن الشافعي، روى عنه عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن زبالة، ليس بالمشهور.
ومثال الرابع: أبو عمرو الشيباني، وأبو عمرو السيباني.
فالأول: بفتح الشين المعجمة، وسكون الياء المثناة من تحت بعدها باء موحدة وقبل ياء النسبة نون، جماعة منهم: أبو عمرو سعيد بن إياس الشيباني الكوفي - تابعي مخضرم - وحديثه في الكتب الستة، توفي سنة ثمان وتسعين.
(2/276)
وأبو عمرو الشيباني: هارون بن عنترة بن عبد الرحمن، كوفي أيضا من أتباع التابعين، حديثه في سنن أبي داود والنسائي. وهذا هو المعروف من أن كنيته أبو عمرو، وكذا كناه يحيى بن سعيد، وابن المديني، وأحمد بن حنبل والبخاري والنسائي، وأبو أحمد الحاكم، والخطيب، وغيرهم. وأما ما اقتصر عليه المزي من أن كنيته: أبو عبد الرحمن، فوهم.
وأبو عمرو الشيباني النحوي اللغوي كوفي أيضا، نزل بغداد، اسمه: إسحاق بن مرار، بكسر الميم، عند عبد الغني بن سعيد، وبفتحها عند الدارقطني، وشدد بعضهم الراء على وزن عمار، له ذكر في " صحيح مسلم " بكنيته فقط، في تفسير حديث: ((أخنع اسم عند الله، رجل يسمى ملك الأملاك)) ، توفي سنة عشر ومائتين.
والثاني: بفتح السين المهملة، والباقي سواء، وهو أبو عمرو السيباني - تابعي مخضرم أيضا - من أهل الشام، اسمه زرعة، وهو عم الأوزاعي، ووالد يحيى بن أبي عمرو، له عند البخاري في كتاب " الأدب "، حديث واحد موقوف على عقبة ابن عامر.
ومثال الخامس: حنان الأسدي، وحيان الأسدي.
(2/277)
فالأول: بفتح الحاء المهملة، والنون المخففة، وآخره نون أيضا، وهو حنان الأسدي، من بني أسد بن شريك - بضم الشين - البصري. روى عن أبي عثمان النهدي حديثا مرسلا، روى عنه حجاج الصواف، ويعرف بصاحب الرقيق، وهو عم مسرهد، والد مسدد.
والثاني: حيان - بتشديد الياء المثناة من تحت، والباقي سواء -، وهو حيان بن حصين الأسدي الكوفي، يكنى أبا الهياج -تابعي- له في " صحيح مسلم " حديث عن علي في " الجنائز ".
وحيان الأسدي شامي تابعي أيضا، له في " صحيح ابن حبان " حديث عن واثلة ابن الأسقع، ويعرف بحيان بن أبي النضر.
ومثال السادس: أبو الرجال الأنصاري، وأبو الرحال الأنصاري.
فالأول: بكسر الراء، وتخفيف الجيم، اسمه محمد بن عبد الرحمن مدني، روى عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن، وغيرها، حديثه في الصحيحين.
والثاني: بفتح الراء، وتشديد الحاء المهملة، بصري، اسمه محمد بن خالد، وقيل: خالد بن محمد، له عند الترمذي حديث واحد، عن أنس، وهو ضعيف.
(2/278)
ومما يشبه هذه الأقسام: ابن عفير المصري، وابن غفير المصري، وكلاهما مصغر.
فالأول: بالعين المهملة، سعيد بن كثير بن عفير، أبو عثمان المصري، وقد ينسب إلى جده، روى عنه البخاري، وروى مسلم عن واحد عنه.
والثاني: بالغين المعجمة، اسمه الحسن بن غفير المصري، قال الدارقطني:
((
متروك)) ، وله أقسام أخر، لا حاجة بنا إلى التطويل بها.
وقد أدخل فيه الخطيب، وابن الصلاح ما لا يأتلف خطه، كـ: ثور بن يزيد، وثور بن زيد، وعمرو بن زرارة، وعمر بن زرارة. فلم أذكره؛ لعدم الاشتباه في الغالب.
المشتبه المقلوب
940....
ولهم المشتبه المقلوب ... صنف فيه الحافظ الخطيب
...
كابن يزيد الاسود الرباني ... وكابن الاسود يزيد اثنان
هذا النوع مما يقع فيه الاشتباه في الذهن، لا في صورة الخط؛ وذلك أن يكون اسم أحد الراويين كاسم أبي الآخر خطا ولفظا، واسم الآخر كاسم أبي الأول فينقلب على بعض أهل الحديث، كما انقلب على البخاري ترجمة مسلم ابن الوليد المدني فجعله الوليد بن مسلم، كالوليد بن مسلم الدمشقي المشهور، وخطأه في ذلك ابن أبي حاتم في
(2/279)
كتاب له في خطأ البخاري في " تاريخه " حكاية عن أبيه، وهذه الترجمة ليست في بعض نسخ التاريخ. وقد صنف الخطيب في ذلك كتابا سماه: " رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب ". ومثاله: الأسود بن يزيد، ويزيد بن الأسود.
فالأول: هو النخعي المشهور خال إبراهيم النخعي من كبار التابعين وعلمائهم، حديثه في الكتب الستة، والرباني: هو العالم العامل المعلم، قاله ثعلب. وقال الجوهري: المتأله والعارف بالله تعالى. وقد كان الأسود يصلي كل يوم سبعمائة ركعة، وسافر ثمانين حجة وعمرة من الكوفة، لم يجمع بينهما.
والثاني: يزيد بن الأسود الخزاعي، له صحبة، وله في السنن حديث
واحد، قال ابن حبان: ((عداده في أهل مكة)) ، وقال المزي: ((في الكوفيين)) ، ويزيد بن الأسود الجرشي - تابعي مخضرم - يكنى أبا الأسود سكن الشام، واستسقوا به فسقوا للوقت حتى كادوا لا يبلغون منازلهم. وقولي: (اثنان) ، إشارة إلى أن يزيد بن الأسود اثنان.
(2/280)
من نسب إلى غير أبيه
942....
ونسبوا إلى سوى الآباء ... إما لأم كبني عفراء
...
وجدة نحو ابن منية، وجد ... كابن جريح وجماعة وقد
944....
ينسب كالمقداد بالتبني ... فليس للأسود أصلا بابن
المنسوبون إلى غير آبائهم على أقسام
القسم الأول من نسب إلى أمه كبني عفراء، وهم معاذ، ومعوذ، وعوذ، وقيل عوف بالفاء، وعفراء أمهم، وهي عفراء بنت عبيد بن ثعلبة من بني النجار، واسم أبيهم الحارث بن رفاعة بن الحارث من بني النجار أيضا، وشهد بنو عفراء بدرا، فقتل منهم اثنان بها عوف ومعوذ، وبقي معاذ إلى زمن عثمان،
وقيل إلى زمن علي، فتوفي بصفين، وقيل إنه جرح أيضا ببدر، ورجع إلى المدينة فمات بها
ومن أمثلة ذلك من الصحابة بلال بن حمامة، وسهل، وسهيل ابنا بيضاء، وشرحبيل بن حسنة، وعبد الله بن بحينة، وسعد بن حبتة
ومن التابعين فمن بعدهم محمد بن الحنفية، وإسماعيل بن علية، وإبراهيم بن هراسة
(2/281)
وقد صنف فيمن عرف بأمه الحافظ علاء الدين مغلطاي تصنيفا حسنا، هو عندي بخطه في ثلاث وستين ورقة
والقسم الثاني من نسب إلى جدة دنيا كانت أو عليا، كيعلى بن منية الصحابي المشهور، اسم أبيه أمية بن أبي عبيدة، ومنية أم أبيه في قول الزبير بن بكار، وكذا قال ابن ماكولا إنها جدته أم أبيه الأدنى، وقال الطبري إنها أم يعلى نفسه، ورجحه المزي، وقال ابن عبد البر لم يصب الزبير وأما قول ابن وضاح أن منية أبوه، فوهم، حكاه صاحب المشارق، والمعروف الصواب أن منية اسم امرأة، واختلف في نسبها، فقيل منية بنت الحارث بن جابر، قاله ابن ماكولا، وقيل منية بنت جابر عمة عتبة بن غزوان، قاله الطبري وقيل منية بنت غزوان أخت عتبة بن غزوان، حكاه الدارقطني عن أصحاب الحديث وأصحاب التاريخ، ورجحه المزي
(2/282)
ومثال من نسب إلى جدته العليا بشير بن الخصاصية، الصحابي المشهور، واسم أبيه معبد، وقيل نذير، وقيل زيد، وقيل شراحيل والخصاصية أم الثالث من أجداده، قاله ابن الصلاح، ويقال هي أمه، حكاه ابن الجوزي في التلقيح، وقال الرامهرمزي الخصاصية اسمها كبشة، وقيل ماوية بنت عمرو بن الحارث الغطريف
ومن ذلك في المتأخرين أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة، فسكينة أم أبيه، واسم أبيه علي بن علي
ومن ذلك فيما قيل الشيخ مجد الدين بن تيمية صاحب المنتقى، وبقية أهل بيته، فقيل إن جدته من وادي التيم
والقسم الثالث من نسب إلى جده، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، وكذلك قول الأعرابي في الحديث الصحيح أيكم ابن عبد المطلب
ومثاله في الصحابة أبو عبيدة بن الجراح، وهو عامر بن عبد الله بن الجراح وحمل بن النابغة، هو ابن مالك بن النابغة ومجمع بن جارية، هو ابن يزيد بن جارية، وقيل هما اثنان وأحمد بن جزء، هو ابن سواء بن جزء
(2/283)
وفي الأئمة ابن جريج، هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ومثله ابن الماجشون، وابن أبي ذئب، وابن أبي ليلى، وابن أبي مليكة، وأحمد بن حنبل وأبو بكر ابن أبي شيبة، وأخواه عثمان والقاسم، وابن يونس صاحب تاريخ مصر، وابن مسكين من بيوت المصريين، اشتهروا ببني مسكين من زمن النسائي إلى زماننا هذا، وجدهم الحارث بن مسكين أحد شيوخ النسائي
والقسم الرابع من نسب إلى رجل لكونه تبناه، كالمقداد بن الأسود، فليس هو بابن الأسود، وإنما كان في حجر الأسود بن عبد يغوث، وتبناه فنسب إليه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة الكندي وكالحسن بن دينار أحد الضعفاء - فدينار زوج أمه، واسم أبيه واصل، قاله يحيى بن معين، والفلاس، والجوزجاني، وابن حبان، وغيرهم، قال ابن الصلاح وكأن هذا خفي على ابن أبي حاتم، حيث قال فيه الحسن بن دينار بن واصل، فجعل واصلا جده قلت وقد جعل بعضهم دينارا جده، رواه أبو العرب في كتاب الضعفاء، عن يحيى بن محمد بن يحيى بن سلام، عن أبيه، عن الحسن جده، قال الحسن بن واصل بن دينار، ودينار جده
(2/284)
المنسوبون إلى خلاف الظاهر
...
ونسبوا لعارض كالبدري ... نزل بدرا عقبة ابن عمرو
946....
كذلك التيمي سليمان نزل ... تيما وخالد بحذاء جعل
...
جلوسه ومقسم لما لزم ... مجلس عبد الله مولاه وسم
قد ينسب الراوي إلى نسبة من مكان، أو وقعة، أو قبيلة، أو صنعة، وليس الظاهر الذي يسبق إلى الفهم من تلك النسبة مرادا، بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان، أو تلك القبيلة، أو نحو ذلك.
ومثاله: أبو مسعود البدري، واسمه: عقبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لم يشهد بدرا في قول أكثر أهل العلم، وهو قول ابن شهاب، ومحمد بن إسحاق، والواقدي، ويحيى بن معين، وإبراهيم الحربي، وبه جزم السمعاني، وأما البخاري، فعده في الصحيح ممن شهد بدرا، وروى في صحيحه حديث عروة بن الزبير: أخر المغيرة ابن شعبة العصر، وهو أمير الكوفة، فدخل عليه أبو مسعود، عقبة بن عمرو الأنصاري - جد زيد بن حسن -، شهد
(2/285)
بدرا ... الحديث، وقال شعبة عن الحكم: كان أبو مسعود بدريا. وقال محمد بن سعد: شهد أحدا وما بعدها، ولم يشهد بدرا، قال: وليس بين أصحابنا في ذلك اختلاف. وقال ابن عبد البر: ((لا يصح شهوده بدرا)) . انتهى. وذكر إبراهيم الحربي أنه إنما نسب لذلك؛ لأنه كان ساكنا ببدر، وقد شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغر من شهدها.
ومن ذلك: سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر، قال البخاري في التاريخ: يعرف بالتيمي؛ كان ينزل بني تيم، وهو مولى بني مرة، وروى السمعاني أن ابنه - المعتمر - قال له: يا أبت تكتب التيمي ولست بتيمي؟ قال: تيم الدار، وروى الأصمعي، عن ابنه المعتمر، قال: قال أبي: إذا كتبت فلا تكتب التيمي، ولا تكتب المري، فإن أبي كان مكاتبا لبحير بن حمران، وإن أمي كانت مولاة لبني سليم، فإن كان أدى الكتابة فالولاء لبني مرة، وهو مرة بن عباد بن ضبيعة بن قيس، فاكتب القيسي وإن لم يكن أدى الكتابة، فالولاء لبني سليم، وهم من قيس عيلان، فاكتب القيسي.
ومن ذلك: أبو عمرو الأوزاعي، وفيروز الحميري، وإبراهيم بن يزيد الخوزي، وأبو خالد الدالاني، وعبد الملك بن سليمان العرزمي، ومحمد بن سنان العوقي -بالقاف وفتح الواو - وأبو سعيد المقبري، وإسماعيل بن محمد المكي، نزل كل منهم فيما نسب إليه.
ومن ذلك أحمد بن يوسف السلمي -شيخ مسلم- كانت أمه منهم، وحفيده أبو عمرو بن نجيد، وأبو عبد الرحمن السلمي سبط ابن نجيد المذكور.
(2/286)
وقريب من ذلك: خالد الحذاء، وهو خالد بن مهران. واختلف في سبب انتسابه لذلك فقال يزيد بن هارون فيما حكاه البخاري في" التاريخ ": ما حذا نعلا قط، إنما كان يجلس إلى حذاء فنسب إليه، وكذا قال محمد بن سعد: ((لم يكن بحذاء، ولكن كان يجلس إليهم)) ، قال: وقال فهد بن حيان: لم يحذ خالد قط، وإنما كان يقول: احذ على هذا النحو؛ فلقب: الحذاء.
وقريب منه أيضا: مقسم مولى ابن عباس، هو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، قاله البخاري وغيره، وقيل له: مولى ابن عباس؛ للزومه له.
ومن ذلك: يزيد الفقير، كان يشكو فقار ظهره.
المبهمات
948....
ومبهم الرواة ما لم يسمى ... كامرأة في الحيض وهي أسما
...
ومن رقى سيد ذاك الحي ... راق أبي سعيد الخدري
950....
ومنه نحو ابن فلان، عمه ... عمته، زوجته، ابن أمه
(2/287)
من أنواع علوم الحديث معرفة من أبهم ذكره في الحديث، أو في الإسناد من الرجال والنساء، وقد صنف في ذلك جماعة من الحفاظ منهم عبد الغني ابن سعيد، والخطيب، وأبو القاسم بن بشكوال، وهو أكبر كتاب جمع فيه ثلاثمائة حديث، وواحدا وعشرين حديثا، ولكنه على غير ترتيب، ورتب الخطيب كتابه على الحروف في الشخص المبهم، وجملة ما في كتاب الخطيب مائة وواحد وسبعون حديثا، واختصره النووي ورتبه على الحروف في راوي الحديث وهو أسهل للكشف، وزاد فيه بعض أسماء ويستدل على معرفة الشخص المبهم بوروده مسمى في بعض طرق الحديث، وهو واضح، أو بتنصيص أهل السير على كثير منهم، وربما استدلوا بورود حديث آخر أسند فيه لمعين ما أسند لذلك الراوي المبهم في ذلك الحديث، وفيه نظر، من حيث إنه يجوز وقوع تلك الواقعة لشخصين اثنين
ومن أمثلة ذلك حديث عائشة أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض، قال خذي فرصة من مسك، فتطهري بها ... الحديث، متفق عليه من رواية منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة وهذه المرأة المبهمة في رواية منصور، اسمها أسماء، والحجة في ذلك ما رواه مسلم في أفراده من رواية إبراهيم بن المهاجر، قال سمعت صفية، تحدث عن عائشة أن أسماء سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -، عن غسل الحيض، فذكر الحديث
(2/288)
وقد اختلف من صنف في المبهمات في تعيين أسماء هذه، فقال الخطيب بنت يزيد بن السكن الأنصارية، وقال ابن بشكوال هي أسماء بنت شكل، وهذا هو الصواب، فقد ثبت ذلك في بعض طرق الحديث في صحيح مسلم، وقال النووي في مختصر المبهمات يجوز أن تكون القصة جرت للمرأتين في مجلس أو مجلسين
ومن ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فقالوا لهم هل فيكم راق؟ فإن سيد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم نعم، فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرئ الرجل ... الحديث أخرجه الأئمة الستة، وهذا لفظ مسلم، وقد روى البخاري القصة من حديث ابن عباس، قال الخطيب الراقي هو أبو سعيد الخدري، راوي الحديث، وكذا قال ابن الصلاح تبعا له، وفيه نظر من حيث إن في بعض طرقه عند مسلم من حديث أبي سعيد فقام معه رجل منا، ما كنا نظنه يحسن رقية ... الحديث
(2/289)
وفيه فقلنا أكنت تحسن رقية؟ قال ما رقيته إلا بفاتحة الكتاب وفي رواية له ما كنا نأبنه برقية وهذا ظاهر في أنه غيره إلا أن يقال لعل ذلك وقع مرتين، مرة لغيره، ومرة له، والله أعلم
ومن أمثلة المبهم ابن فلان غير مسمى، مثاله ما رواه أصحاب السنن الأربعةمن حديث يزيد بن شيبان، قال أتانا ابن مربع الأنصاري، ونحن بعرفة، فقال إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم، يقول لكم قفوا على مشاعركم ... الحديث وابن مربع هذا بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء الموحدة وآخره عين مهملة، واختلف في اسمه، فقيل يزيد، وقيل زيد، وقيل عبد الله، قاله الواقدي، ومحمد بن سعد
(2/290)
ومن ذلك عم فلان، مثاله ما رواه النسائي من رواية علي بن يحيى بن
خلاد، عن أبيه، عن عم له بدري، في حديث المسيء صلاته، وقوله ارجع فصل، فإنك لم تصل ... نحو حديث أبي هريرة العم المبهم في الحديث هو رفاعة بن رافع الزرقي، كما سمي في سنن أبي داود وغيرها
وفي الصحيح حديث رافع بن خديج، عن بعض عمومته في النهي عن المخابرة، واسم عمه ظهير بن رافع
وفي الجامع للترمذي من رواية زياد بن علاقة، عن عمه مرفوعا اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق ... الحديث، عمه هو قطبة بن مالك، كما في صحيح مسلم في حديث آخر
ومن ذلك عمة فلان، مثاله ما رواه النسائي أيضا من رواية حصين ابن محصن، عن عمة له أنها أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجة، فلما فرغت، قال أذات زوج أنت؟ قالت نعم ... الحديث، واسم عمته هذه أسماء، قاله أبو علي ابن السكن، وابن ماكولا وكذلك ذكره ابن بشكوال أيضا في المبهمات
(2/291)
وفي الصحيح من حديث جابر في قتل أبيه يوم أحد، فجعلت عمتي تبكيه ... الحديث اسم عمته فاطمة بنت عمرو بن حرام، وقعت مسماة في مسند أبي داود الطيالسي، وسماها الواقدي هندا
ومن ذلك زوجة فلان، كحديث عقبة بن الحارث، قال تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء، فقالت إني قد أرضعتكما ... الحديث، ووقع في البخاري تكنيتها بأم يحيى بنت أبي إهاب، ولم تسم فيه، قال ابن بشكوال، واسمها غنية بنت أبي إهاب بن عزيز بن قيس قلت ووقع في بعض طرق الحديث من رواية إسماعيل بن أمية، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث، قال تزوجت زينب بنت أبي إهاب، فالله أعلم
وفي الصحيح جاءت امرأة رفاعة القرظي ... الحديث في تزوجها بـ عبد الرحمن بن الزبير - بفتح الزاي - مكبرا، واختلف في اسمها، فقيل تميمة بنت وهب، وقيل تميمة - بضم التاء - وقيل سهيمة
(2/292)
ومن ذلك أيضا زوج فلانة، كحديث سبيعة الأسلمية، أنها ولدت بعد وفاة زوجها بليال ... الحديث، وهو في الصحيح، وزوجها هو سعد بن خولة
ومن ذلك ابن أم فلان، نحو حديث أم هانئ أنها قالت زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا أجرته ... الحديث ابن أمها هو علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كما هو مسمى في رواية مالك في الموطأ، وكذلك ابن أم مكتوم الأعمى، مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، يرد في الصحيح غير مسمى، واختلف في اسمه، فقيل عبد الله، وقيل عمرو، وقيل غير ذلك
تواريخ الرواة والوفيات
...
ووضعوا التاريخ لما كذبا ... ذووه حتى بان لما حسبا
952....
فاستكمل النبي والصديق ... كذا علي وكذا الفاروق
(2/293)
..
ثلاثة الأعوام والستينا ... وفي ربيع قد قضى يقينا
954....
سنة إحدى عشرة، وقبضا ... عام ثلاث عشرة التالي الرضا
...
ولثلاث بعد عشرين عمر ... وخمسة بعد ثلاثين غدر
956....
عاد بعثمان، كذاك بعلي ... في الأربعين ذو الشقاء الأزلي
الحكمة في وضع أهل الحديث التاريخ لوفاة الرواة ومواليدهم وتواريخ السماع وتاريخ قدوم فلان مثلا البلد الفلاني؛ ليختبروا بذلك من لم يعلموا صحة دعواه، كما روينا عن سفيان الثوري، قال لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ أو كما قال وروينا في تاريخ بغداد للخطيب، عن حسان بن يزيد، قال لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ نقول للشيخ سنة كم ولدت؟ فإذا أقر بمولده عرفنا صدقه من كذبه وقال حفص بن غياث القاضي إذا اتهمتم الشيخ فحاسبوه بالسنين - بفتح النون المشددة تثنية سن وهو العمر - يريد احسبوا سنه وسن من كتب عنه، وسأل إسماعيل بن عياش رجلا اختبارا أي سنة كتبت عن خالد بن معدان؟ فقال سنة ثلاث عشرة - يعني ومائة - فقال أنت تزعم أنك سمعت منه بعد موته بسبع سنين، قال إسماعيل مات خالد سنة ست ومائة وقد روى يحيى بن صالح عن إسماعيل أنه توفي سنة خمس وقد وقع لعفير بن معدان نظير هذا مع من ادعى أنه سمع من
(2/294)
خالد؛ ولكن عفيرا قال إنه توفي سنة أربع ومائة وهو قول دحيم، ومعاوية بن صالح، وسليمان الخبائري، ويزيد بن عبد ربه، وقال إنه قرأه في ديوان العطاء كذلك، ورجحه ابن حبان، وبه جزم الذهبي في العبر وأما ابن سعد فحكى الإجماع على أنه توفي سنة ثلاث ومائة، وهو قول الهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن معين، والفلاس، ويعقوب بن شيبة في آخرين وأما أبو عبيد، وخليفة بن خياط، فقالا إنه بقي إلى سنة ثمان ومائة، ورجحه ابن قانع، فالله أعلم
وقد سأل أبو عبد الله الحاكم محمد بن حاتم الكشي عن مولده، لما حدث عن عبد بن حميد، فقال سنة ستين ومائتين، فقال سمع هذا من عبد بعد موته بثلاث عشرة سنة وقال أبو عبد الله الحميدي إنه مما يجب تقديم التهمم به وفيات الشيوخ، قال وليس فيه كتاب كأنه يريد الاستقصاء، وإلا ففيه كتب، كالوفيات لابن زبر، والوفيات لابن قانع، وقد اتصلت الذيول على ابن زبر إلى زماننا هذا، فذيل عليه الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني، وذيل على الكتاني أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني ذيلا صغيرا نحو عشرين سنة، وذيل على
(2/295)
الأكفاني الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل، وذيل على ابن المفضل الحافظ أبو محمد عبد العظيم ابن عبد القوي المنذري بذيل كبير مفيد، وذيل على المنذري الشريف عز الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني، وذيل على الشريف المحدث شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطي إلى الطاعون، سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وذيلت على ابن أيبك والذيول المتأخرة أبسط من الأصل، وأكثر فوائد
والضمير في قولي ذووه يعود على الكذب؛ لتقدم الفعل الدال عليه
وقد ذكر ابن الصلاح عيونا من ذلك هنا، فاقتصر على وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والعشرة المشهود لهم بالجنة، ومن عاش من الصحابة ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام والأئمة الفقهاء الخمسة، والأئمة الحفاظ الخمسة وسبعة بعدهم من الحفاظ، انتفع بتصانيفهم، فاقتصرت على ذلك تبعا له
وقد اختلف في مقدار سن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه - أبي بكر وعمر - وابن عمه علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -
فالصحيح في سنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ثلاث وستون سنة، وهو قول عائشة، ومعاوية، وجرير بن عبد الله البجلي، وابن عباس، وأنس في المشهور عنهما وإن كان قد صح عن أنس أنه توفي على رأس ستين أيضا، فالعرب قد تترك الكسور، وتقتصر
(2/296)
على رؤوس الأعداد، وبه قال من التابعين ومن بعدهم ابن المسيب، والقاسم، والشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، ومحمد بن إسحاق، وصححه ابن عبد البر، والجمهور وقيل ستون سنة، ثبت ذلك عن أنس، وروي عن فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو قول عروة بن الزبير، ومالك، وقيل خمس وستون، روي ذلك عن ابن عباس، وأنس أيضا ودغفل بن حنظلة، وقيل اثنان وستون، رواه ابن أبي خيثمة، عن قتادة
(2/297)
وأما أبو بكر، فالأصح فيه أيضا أنه عاش ثلاثا وستين، صح ذلك عن معاوية، وأنس، وهو قول الأكثرين، وبه جزم ابن قانع، والمزي، والذهبي، وقيل عاش خمسا وستين، حكاه ابن الجوزي، وقال ابن حبان في كتاب الخلفاء كان له يوم مات اثنان وستون سنة وثلاثة أشهر، واثنان وعشرون يوما
وأما عمر، فالأصح فيه أيضا أنه عاش ثلاثا وستين، صح ذلك أيضا عن معاوية، وأنس، وبه جزم ابن إسحاق، وهو قول الجمهور، ويدل عليه قولهم: ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وفي مبلغ سنه ثمانية أقوال أخر:
قيل ست وستون، وهو قول ابن عباس وقيل خمس وستون، وهو قول ابنه عبد الله بن عمر، والزهري، فيما حكاه ابن الجوزي عنهما وقيل إحدى وستون، وهو قول قتادة وقيل ستون، وبه جزم ابن قانع في الوفيات وقيل تسع وخمسون وقيل سبع وخمسون وقيل ست وخمسون وهذه الأقوال الثلاثة رويت عن نافع مولى ابن عمر وقيل خمس وخمسون، رواه البخاري في التاريخ عن ابن عمر، وبه جزم ابن حبان في كتاب الخلفاء
(2/298)
وأما علي، فقال أبو نعيم الفضل بن دكين، وغير واحد إنه قتل وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكذلك قال عبد الله بن عمر، وصححه ابن عبد البر، وهو أحد الأقوال المروية عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وبه صدر ابن الصلاح كلامه وقيل أربع وستون وقيل خمس وستون وروي هذان القولان عن أبي جعفر محمد بن علي أيضا، واقتصر ابن الصلاح من الخلاف على هذه الأقوال الثلاثة وقيل اثنان وستون، وبه جزم ابن حبان في كتاب الخلفاء وقيل ثمان وخمسون، وهو المذكور في تاريخ البخاري، عن محمد بن علي وقيل سبع وخمسون، وبه صدر ابن قانع كلامه، وقدمه ابن الجوزي والمزي عند حكاية الخلاف
وأما تاريخ وفياتهم فتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة، ولا خلاف بين أهل السير في الشهر، وكذلك لا خلاف في أن ذلك كان يوم الاثنين، وممن صرح به من الصحابة عائشة، وابن عباس، وأنس، ومن التابعين أبو سلمة بن عبد الرحمن، والزهري، وجعفر بن محمد وآخرون، وإنما اختلفوا أي يوم كان من الشهر؟ فجزم ابن إسحاق، ومحمد ابن سعد، وسعيد بن عفير، وابن
حبان، وابن عبد البر، بأنه يوم الاثنين، لا ثنتي عشرة ليلة خلت منه، وبه
(2/299)
جزم ابن الصلاح أيضا، والنووي في شرح مسلم، وغيره، والذهبي في العبر، وصححه ابن الجوزي، وبه صدر المزي كلامه، واستشكله السهيلي، كما سيأتي
وقال موسى بن عقبة إنه كان مستهل الشهر، وبه جزم ابن زبر في الوفيات ورواه أبو الشيخ ابن حيان في تاريخه، عن الليث بن سعد وقال سليمان التيمي لليلتين خلتا منه، ورواه أبو معشر عن محمد بن قيس أيضا
والقول الأول وإن كان قول الجمهور،، فقد استشكله السهيلي من حيث التاريخ؛ وذلك لأن الوقفة كانت في حجة الوداع يوم الجمعة بالاتفاق، لحديث عمر - المتفق عليه -، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون ثاني عشر شهر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة يوم الاثنين، لا على تقدير كمال الشهور الثلاثة، ولا على تقدير نقصانها، ولا على تقدير كمال بعضها ونقص بعضها؛ لأن ذا الحجة أوله الخميس، فإن نقص هو والمحرم وصفر، كان ثاني عشر شهر ربيع الأول يوم الخميس، وإن كمل الثلاثة كان ثاني عشره يوم الأحد، وإن نقص بعضها وكمل البعض، كان ثاني عشره إما الجمعة، أو السبت، وهذا التفصيل لا محيص عنه، وقد رأيت بعض أهل العلم يجيب عن هذا الإشكال بأنه تفرض الشهور الثلاثة كوامل، ويكون قولهم لاثنتي
(2/300)
عشرة ليلة خلت منه، أي بأيامها كاملة، فتكون وفاته بعد استكمال ذلك، والدخول في الثالث عشر، وفيه نظر من حيث إن الذي يظهر من كلام أهل السير نقصان الثلاثة، أو اثنين منها، بدليل ما رواه البيهقي في دلائل النبوة بإسناد صحيح إلى سليمان التيمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت، وكانت وفاته اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، فهذا يدل على أن أول صفر يوم السبت، فلزم نقصان ذي الحجة والمحرم، وقوله فكانت وفاته اليوم العاشر، أي من مرضه، يدل على نقص صفر أيضا، ويدل على ذلك أيضا ما رواه الواقدي عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال اشتكى رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - يوم الأربعاء لإحدى عشرة بقيت من صفر إلى أن قال اشتكى ثلاثة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول فهذا يدل على نقصان الشهور أيضا؛ إلا أنه جعل مدة مرضه أكثر مما في حديث التيمي، ويجمع بينهما بأن المراد بهذا ابتداؤه، وبالأول اشتداده، والواقدي وإن ضعف في الحديث، فهو من أئمة أهل السير، وأبو معشر نجيح مختلف فيه، ويرجح ذلك وروده عن بعض الصحابة؛ وذلك فيما رواه الخطيب في الرواة عن مالك من رواية سعيد بن مسلم بن قتيبة الباهلي، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، قال لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرض ثمانية، فتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول ... الحديث، فاتضح أن قول سليمان التيمي ومن وافقه راجح، من حيث التاريخ، وكذلك قول ابن شهاب مستهل شهر ربيع الأول، فيكون أحد الشهور الثلاثة ناقصا، والله أعلم
وكذلك من المشكل قول ابن حبان، وابن عبد البر ثم بدأ به مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء، لليلتين بقيتا من صفر إلى آخر كلامهما، فهذا مما لا يمكن؛ لأنه
(2/301)
يقتضي أن أول صفر الخميس، وهو غير ممكن، وقول من قال لإحدى عشرة ليلة بقيت منه أولى بالصواب، وهو يقتضي وفاته ثاني شهر ربيع الأول، وأما وقت وفاته من اليوم، فقال ابن الصلاح ضحى، قلت وفي صحيح مسلم من حديث أنس وآخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث وفيه فألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم
وهذا يدل على أنه تأخر بعد الضحى، والجمع بينهما أن المراد أول النصف الثاني، فهو آخر وقت الضحى، وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثاني، ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر بإسناده إلى عائشة، قالت مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنا لله وإنا إليه راجعون - ارتفاع الضحى، وانتصاف النهار يوم الاثنين وذكر موسى بن عقبة في مغازيه، عن ابن شهاب توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس، فبهذا يجمع بين مختلف الحديث في الظاهر، والله أعلم
وتوفي أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة ثلاث عشرة، واختلف في أي شهورها توفي، فجزم ابن الصلاح بأنه في جمادى الأولى، وهو قول الواقدي، وعمرو بن علي الفلاس، وكذا جزم به المزي في التهذيب، فقيل يوم الاثنين، وقيل ليلة الثلاثاء لثمان، وقيل لثلاث بقين منه، وجزم ابن إسحاق، وابن زبر، وابن قانع، وابن حبان، وابن عبد البر، وابن الجوزي، والذهبي في العبر بأنه في
(2/302)
جمادى الآخرة، فقال ابن حبان ليلة الاثنين لسبع عشرة مضت منه، وقال ابن إسحاق يوم الجمعة لسبع ليال بقين منه، وقال الباقون لثمان بقين منه، وحكاه ابن عبد البر عن أكثر أهل السير، إما عشية يوم الاثنين، أو ليلة الثلاثاء، أقوال حكاها ابن عبد البر زاد ابن الجوزي بين المغرب والعشاء من ليلة الثلاثاء
وتوفي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في آخر يوم من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين، وقول المزي، والذهبي قتل لأربع، أو ثلاث بقين من ذي الحجة، فإن أرادا بذلك لما طعنه أبو لؤلؤة، فإنه طعنه يوم الأربعاء عند صلاة الصبح لأربع، وقيل لثلاث بقين منه، وعاش ثلاثة أيام بعد ذلك، واتفقوا على أنه دفن مستهل المحرم سنة أربع وعشرين، وقال الفلاس إنه مات يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين
وتوفي عثمان بن عفان مقتولا شهيدا سنة خمس وثلاثين في ذي الحجة أيضا، قيل يوم الجمعة، الثامن عشر منه، وهذا هو المشهور، وادعى ابن ناصر الإجماع على ذلك، وليس بجيد، فقد قيل إنه قتل يوم التروية لثمان خلت منه، قاله الواقدي، وادعى الإجماع عليه عندهم، وقيل لليلتين بقيتا منه، وقال أبو عثمان النهدي، قيل في وسط أيام التشريق، وقيل لثنتي عشرة خلت منه، قاله الليث بن سعد، وقيل لثلاث عشرة خلت منه، وبه صدر ابن الجوزي كلامه، وقيل في أول سنة ست وثلاثين، والأول أشهر
(2/303)
وأما ما وقع في تاريخ البخاري من أنه مات سنة أربع وثلاثين، فقال ابن ناصر هو خطأ من راويه
وأما قاتله الذي أشرت إليه بقولي عاد، فاختلف فيه، فقيل هو جبلة ابن الأيهم، وقيل سودان بن حمران، وقيل رومان اليماني، وقيل رومان رجل من بني أسد بن خزيمة، وقيل غير ذلك، واختلف في مبلغ سنه، فقيل ثمانون، قاله ابن إسحاق، وقيل ست وثمانون، قاله قتادة، ومعاذ بن هشام، عن أبيه، وقيل اثنتان وثمانون، قاله أبو اليقظان، وادعى الواقدي اتفاق أهل السير عليه، وقيل ثمان وثمانون سنة، وقيل تسعون
وتوفي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مقتولا شهيدا في شهر رمضان سنة أربعين، واختلف في أي أيام الشهر، أو لياليه قتل؟ فقال أبو الطفيل، والشعبي، وزيد بن وهب ضرب لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان وقبض في أول ليلة من العشر الأواخر وقال ابن إسحاق يوم الجمعة لسبع عشرة خلت منه، وقال ابن حبان ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت منه، فمات غداة يوم الجمعة، وبه جزم الذهبي في العبر، وقيل ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت منه، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل لإحدى عشرة خلت منه، حكاه ابن عبد البر أيضا، وقيل لإحدى عشرة بقيت منه، قاله الفلاس، وقال ابن الجوزي ضرب يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت منه، وقيل ليلة إحدى وعشرين، فبقي الجمعة والسبت، ومات ليلة الأحد، قاله ابن أبي شيبة، وقيل
(2/304)
مات يوم الأحد، وأما قول ابن زبر قتل ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت منه سنة تسع وثلاثين، فوهم، لم أر من تابعه عليه، وكان الذي قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أشقى الأخرين، كما في حديث صهيب وذكر النسائي من حديث عمار بن ياسر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا، ووضع يده على رأسه، حتى تخضب هذه، يعني لحيته، وأشرت إلى ذلك بقولي ذو الشقاء الأزلي
957....
وطلحة مع الزبير جمعا ... سنة ست وثلاثين معا
أي: توفي طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام في سنة واحدة، وهي سنة ست وثلاثين وفي شهر واحد، وقيل: في يوم واحد، قتل كلاهما في وقعة الجمل، فكان طلحة أول قتيل قتل في الوقعة، وكانت وقعة الجمل لعشر خلون من جمادى الآخرة، هكذا جزم به الواقدي، وابن سعد، وخليفة بن خياط، وابن زبر، وابن عبد البر، وابن الجوزي، وآخرون.
(2/305)
قال خليفة: يوم الجمعة، وقال ابن سعد، وابن زبر، وابن الجوزي، والجمهور: يوم الخميس. وقال الليث بن سعد: إن وقعة الجمل كانت في جمادى الأولى، وكذا قال ابن حبان: إن يوم الجمل لعشر ليال خلون من جمادى الأولى، والأول هو المشهور المعروف في تاريخ الجمل، إنه في جمادى الآخرة. وتناقض فيه كلام ابن عبد البر، فقال ما تقدم نقله عنه في ترجمة طلحة، وقال في ترجمة الزبير: في جمادى الأولى، ووهم في ذلك، وتبعه ابن الصلاح في هذا فقال: إن وفاتهما في جمادى الأولى، واختلف كلام المزي أيضا في " التهذيب " كابن عبد البر، فقال في طلحة: جمادى الآخرة، وقال في الزبير: جمادى الأولى، وسبب ذلك كلام ابن عبد البر، وكذلك قول أبي نعيم في طلحة: قتل في رجب، وقول سليمان بن حرب: قتل في ربيع، أو نحوه، قولان مرجوحان.
والذي رمى طلحة هو مروان بن الحكم على الصحيح، وأما الزبير فقتله عمرو بن جرموز، فقيل: قتله يوم الجمل، قاله الواقدي، وابن عبد البر، وابن الجوزي، والمزي، وقال البخاري في "التاريخ الكبير": قتل في رجب، وكذا قال ابن حبان في أول كلامه، ثم قال: إنه قتل من آخر يوم صبيحة الجمل، وهذا يقتضي أنه في الحادي عشر من جمادى الآخرة، فالله أعلم.
(2/306)
وأما مبلغ سنهما، فقال ابن حبان، والحاكم: إنهما كانا ابني أربع وستين سنة، وهو قول الواقدي في طلحة، وقيل فيهما غير ذلك، فقيل: كان لطلحة ثلاث وستون، قاله أبو نعيم، وقيل: اثنتان وستون، قاله عيسى بن طلحة، وهو قول الواقدي، وقيل: ستون، قاله المدائني، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل: خمس وسبعون، حكاه ابن عبد البر، وقال: ما أظن ذلك، وقيل: كانت للزبير سبع وستون، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، وقيل: ست وستون، وقيل: ستون، وقيل تسع وخمسون، وقيل: خمس وسبعون.
958....
وعام خمسة وخمسين قضى ... سعد، وقبله سعيد فمضى
...
سنة إحدى بعد خمسين وفي ... عام اثنتين وثلاثين تفي
960....
قضى ابن عوف، والأمين سبقه ... عام ثماني عشرة محققه
أي توفي سعد بن أبي وقاص سنة خمس وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم ابن عدي، وابن نمير، وأبو موسى الزمن، والمدائني، وحكاه
(2/307)
ابن زبر، عن عمرو بن علي الفلاس، ورجحه ابن حبان، وقال المزي إنه المشهور وقيل في وفاته غير ذلك، فقيل سنة خمسين، وقيل إحدى وخمسين، وقيل أربع وخمسين، حكاه ابن عبد البر، عن الفلاس، والزبير بن بكار، والحسن بن عثمان وقيل ست وخمسين، وقيل سبع وخمسين، وقيل ثمان وخمسين، قاله أبو نعيم وكانت وفاته في قصره بالعقيق، وحمل على أعناق الرجال فدفن بالبقيع، واختلف في مبلغ سنه، فقيل ثلاث وسبعون، واقتصر عليه ابن الصلاح، وقيل أربع وسبعون، وبه جزم الفلاس، وابن زبر، وابن قانع، وابن حبان، وقيل اثنان وثمانون، وقيل ثلاث وثمانون، قاله أحمد بن حنبل وهو آخر العشرة موتا - رضي الله عنهم - أجمعين
وتوفي سعيد بن زيد سنة إحدى وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن بكير، وابن نمير وخليفة بن خياط، وقال ابن عبد البر سنة خمسين أو إحدى وخمسين، وكذا حكاه الواقدي عن بعض ولد سعيد بن زيد،
(2/308)
وقال عبيد الله بن سعد الزهري سنة اثنتين وخمسين وقال البخاري في التاريخ
الكبير سنة ثمان وخمسين ولا يصح فإن سعد ابن أبي وقاص شهده، ونزل في حفرته، وتوفي قبل سنة ثمان على الصحيح، وكانت وفاته أيضا بالعقيق، وحمل إلى المدينة، وقيل مات بالكوفة ودفن بها، ولا يصح، واختلف في مبلغ سنه، فقال المدائني ثلاث وسبعون، وقال الفلاس أربع وسبعون
وتوفي عبد الرحمن بن عوف في سنة اثنتين وثلاثين، قاله عروة بن الزبير، والهيثم بن عدي، والفلاس، وأبو موسى الزمن، والمدائني، والواقدي، وخليفة بن خياط، وابن بكير في رواية ابن البرقي، وابن قانع، وابن الجوزي، وقيل توفي سنة إحدى وثلاثين، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، قال يحيى بن بكير في رواية الذهلي وأبو نعيم الأصبهاني سنة إحدى أو اثنتين، وقيل توفي سنة ثلاث وثلاثين واختلف في مبلغ سنه، فقيل خمس وسبعون، قاله يعقوب بن إبراهيم بن سعد، والواقدي، وابن زبر، وابن قانع وابن حبان، وأبو نعيم الأصبهاني، وبه صدر ابن عبد البر كلامه وقيل اثنتان وسبعون روي ذلك عن ابنه أبي سلمة بن
(2/309)
عبد الرحمن، وقيل ثمان وسبعون، قاله إبراهيم بن سعد، والأول أشهر، وعليه اقتصر ابن الصلاح
وتوفي أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح، سنة ثماني عشرة في طاعون عمواس، وهو ابن ثمان وخمسين سنة قاله الواقدي، ومحمد بن سعد، والفلاس، وابن قانع، وابن حبان، وابن عبد البر، وغيرهم، وهو متفق عليه
...
وعاش حسان كذا حكيم ... عشرين بعد مائة تقوم
962....
ستون في الإسلام ثم حضرت ... سنة أربع وخمسين خلت
...
وفوق حسان ثلاثة، كذا ... عاشوا، وما لغيرهم يعرف ذا
964....
قلت حويطب بن عبد العزى ... مع ابن يربوع سعيد يعزى
...
هذان مع حمنن وابن نوفل ... كل إلى وصف حكيم فاجمل
966....
وفي الصحاب ستة قد عمروا ... كذاك في المعمرين ذكروا
(2/310)
في هذه الأبيات ذكر من عاش من الصحابة مائة وعشرين سنة، ستين في الجاهلية، وستين في الإسلام، قال ابن الصلاح شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين
أحدهما حكيم بن حزام، وكان مولده في جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة
والثاني حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري، وروى ابن إسحاق أنه وأباه - ثابتا - والمنذر، وحراما، عاش كل واحد منهم عشرين ومائة
(2/311)
سنة، وذكر أبو نعيم الحافظ أنه لا يعرف في العرب مثل ذلك لغيرهم -قال ابن الصلاح وقد قيل إن حسان مات سنة خمسين
قلت اقتصر ابن الصلاح في هذا الفصل على اثنين، وقد زدت عليه أربعة اشتركوا معهما في ذلك، فصاروا ستة مشتركين في هذا الوصف
فالأول حسان بن ثابت الأنصاري، قال الواقدي إنه عاش مائة وعشرين، وحكى ابن عبد البر الاتفاق عليه، فقال لم يختلفوا أنه عاش مائة وعشرين سنة، منها ستون في الجاهلية، وستون في الإسلام انتهى وقد خالف ابن حبان في ذلك فقال مات وهو ابن مائة وأربع سنين، ومات أبوه وهو ابن مائة وأربع سنين، ومات جده وهو ابن مائة وأربع سنين، قال وقد قيل لكل واحد منهم عشرون ومائة سنة واختلف في وفاته، فقيل سنة أربع وخمسين، قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وبه جزم الذهبي في العبر، وقيل سنة خمسين، حكاه ابن عبد البر، وقيل سنة أربعين قاله الهيثم بن عدي، والمدائني، وأبو موسى الزمن، وابن قانع، وكذا قال ابن حبان مات أيام قتل علي بن أبي طالب، وقيل إنه مات قبل الأربعين في خلافة علي، وبه صدر ابن عبد البر كلامه
والثاني حكيم بن حزام بن خويلد، وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد، أسلم في الفتح، وعاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام، قاله البخاري حكاية عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، وقاله أيضا مصعب ابن عبد الله الزبيري، وابن حبان، وابن عبد البر، واختلف في وفاته، فقيل سنة أربع وخمسين، قاله الواقدي، والهيثم بن عدي، وابن نمير، والمدائني، ومصعب الزبيري، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وخليفة بن خياط، وأبو عبيد القاسم بن سلام، ويحيى بن بكير، وابن قانع، وقال ابن حبان إنه الصحيح، وبه جزم ابن عبد البر وقيل سنة ستين،
(2/312)
قاله البخاري وقيل سنة ثمان وخمسين وقيل سنة خمسين، وكانت وفاته بالمدينة
والثالث حويطب بن عبد العزى القرشي العامري من مسلمة الفتح، روى الواقدي عن إبراهيم بن جعفر بن محمود عن أبيه، قال كان حويطب قد بلغ عشرين ومائة سنة، ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام وقال ابن حبان سنه سن حكيم بن حزام، وعاش في الإسلام ستين سنة، وفي الجاهلية ستين سنة وقال ابن عبد البر أدركه الإسلام وهو ابن ستين سنة، أو نحوها وكانت وفاته سنة أربع وخمسين، قاله الهيثم ابن عدي، وأبو موسى الزمن، ويحيى بن بكير، وخليفة بن خياط، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وابن قانع، وابن حبان، وغيرهم وقيل إنه مات سنة اثنتين وخمسين، وكانت وفاته بالمدينة
والرابع سعيد بن يربوع القرشي من مسلمة الفتح، مات بالمدينة سنة أربع وخمسين، وله مائة وعشرون سنة، قاله الواقدي، وخليفة بن خياط، وابن حبان، وكذا قال أبو عبيد، وابن عبد البر إنه مات سنة أربع وخمسين، وقيل بلغ مائة وأربعا وعشرين سنة، وبه صدر ابن عبد البر كلامه، ومات بالمدينة، وقيل بمكة
(2/313)
والخامس حمنن بن عوف القرشي الزهري أخو عبد الرحمن بن عوف، وهو بفتح الحاء المهملة، وسكون الميم وفتح النون الأولى قال الدارقطني في كتاب الأخوة والأخوات أسلم ولم يهاجر إلى المدينة، وعاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة وكذا قال ابن عبد البر إنه عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة، وذكر بعض أهل التاريخ، أنه توفي سنة أربع وخمسين
والسادس مخرمة بن نوفل القرشي الزهري، والد المسور بن مخرمة من مسلمة الفتح، توفي سنة أربع وخمسين، قاله الهيثم بن عدي، وابن نمير، والمدائني، وابن قانع، وابن حبان وقد اختلف في مبلغ سنه، فقال الواقدي يقال إنه كان له حين مات مائة وعشرون سنة، وهكذا جزم به أبو زكريا بن منده في جزء له جمع فيه من عاش مائة وعشرين من الصحابة وجزم ابن زبر، وابن حبان، وابن
عبد البر بأنه بلغ مائة وخمس عشرة سنة، وكانت وفاته بالمدينة، وقد ذكر ابن منده في الجزء المذكور جماعة آخرين من الصحابة عاشوا مائة وعشرين سنة؛ لكن لم يعلم كون نصفها في الجاهلية، ونصفها في الإسلام؛ لتقدم وفاتهم على المذكورين، أو تأخرها، أو عدم معرفة التاريخ لموتهم، فمنهم عاصم بن عدي بن الجد العجلاني،
(2/314)
صاحب عويمر العجلاني في قصة اللعان حكى ابن عبد البر عن عبد العزيز بن عمران، عن أبيه، عن جده أنه عاش مائة وعشرين سنة، وكذا ذكر أبو زكريا بن منده، وقال ابن عبد البر توفي سنة خمس وأربعين، وقد بلغ قريبا من مائة وعشرين سنة، وقال الواقدي، وابن حبان بلغ مائة وخمس عشرة سنة
ومنهم المنتجع جد ناجية، ذكره العسكري في الصحابة، وقال كان له مائة وعشرون سنة، ولا يصح حديثه
ومنهم نافع أبو سليمان العبدي، روى إسحاق بن راهويه، عن ابنه سليمان، قال مات أبي وله عشرون ومائة سنة، وكذا ذكره ابن قانع
ومنهم اللجلاج العامري، ذكر ابن سميع، وابن حبان أيضا أنه عاش مائة وعشرين سنة، وكذا حكاه ابن عبد البر، عن بعض بني اللجلاج
ومنهم سعد بن جنادة العوفي الأنصاري، وهو والد عطية العوفي، ذكره ابن منده في الصحابة، ولم يذكر عمره، وذكره أبو زكريا بن منده فيمن عاش كذلك
(2/315)
ومنهم عدي بن حاتم الطائي، توفي سنة ثمان وستين، عن مائة وعشرين سنة، قاله ابن سعد، وخليفة بن خياط وقيل سنة ست وستين وقيل سنة سبع وستين، ولم يذكره ابن منده في الجزء المذكور
...
وقبض الثوري عام إحدى ... من بعد ستين وقرن عدا
968....
وبعد في تسع تلي سبعينا ... وفاة مالك، وفي الخمسينا
...
ومائة أبو حنيفة قضى ... والشافعي بعد قرنين مضى
970....
لأربع ثم قضى مأمونا ... أحمد في إحدى وأربعينا
في هذه الأبيات وفيات أصحاب المذاهب الخمسة، وقد كان الثوري معدودا فيهم، له مقلدون إلى بعد الخمسمائة، وممن ذكره معهم الغزالي في الإحياء، فتوفي أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري سنة إحدى وستين ومائة بالبصرة، قاله أبو داود الطيالسي، وابن معين، وابن سعد وادعى الاتفاق عليه وابن حبان، وزاد في شعبان في دار عبد الرحمن بن مهدي، وقال يحيى بن سعيد في أولها، واختلف في مولده، فقال العجلي وغير واحد سنة سبع وتسعين، وقال ابن حبان سنة خمس وتسعين
(2/316)
وتوفي أبو عبد الله مالك بن أنس بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة، قاله الواقدي، والمدائني، وأبو نعيم، ومصعب بن عبد الله، وزاد في صفر، وإسماعيل بن أبي أويس، وقال في صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول، وبه جزم الذهبي في العبر واختلف في مولده، فقيل سنة تسعين، وقيل إحدى، وقيل ثلاث، وقيل أربع، وبه جزم الذهبي، وقيل سبع
وتوفي أبو حنيفة النعمان بن ثابت سنة خمسين ومائة، قاله روح بن عبادة، والهيثم بن عدي، وقعنب بن المحرر، وأبو نعيم الفضل بن دكين وسعيد بن كثير ابن عفير، وزادا في رجب، وكذا قال ابن حبان، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين سنة إحدى وخمسين وقال مكي بن إبراهيم البلخي سنة ثلاث وخمسين والمحفوظ الأول، وكانت وفاته ببغداد، وكان مولده سنة ثمانين، قاله حفيده إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة
وتوفي أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، سنة أربع ومائتين، قاله الفلاس، ويوسف القراطيسي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وزاد في آخر يوم من رجب، وقال ابن يونس في ليلة الخميس آخر ليلة من رجب، وأما ابن حبان، فقال
(2/317)
في شهر ربيع الأول، ودفن عند مغيب الشمس بالفسطاط، ورجعوا ورأوا هلال شهر ربيع الآخر والأول أشهر، وقال ابن عدي إنه قرأه على لوح عند قبره وكان مولده سنة خمسين ومائة، فعاش أربعا وخمسين سنة، قاله ابن عبد الحكم، والفلاس، وابن حبان، وقال ابن زبر مات وهو ابن اثنتين وخمسين سنة، والأول أشهر وأصح
وتوفي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين
على الصحيح المشهور، ولكن اختلفوا في الشهر الذي مات فيه، وفي اليوم، فقال ابنه عبد الله بن أحمد توفي يوم الجمعة ضحوة، ودفناه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر، وهكذا قال الفضل بن زياد وقال نصر بن القاسم الفرائضي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقين منه وقال ابن عمه حنبل بن إسحاق بن حنبل مات يوم الجمعة في شهر ربيع الأول وقال عباس الدوري، ومطين لاثنتي عشرة خلت منه، زاد عباس يوم الجمعة ببغداد، وأما مولده فكان في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، نقله ابناه عبد الله، وصالح عنه
(2/318)
..
ثم البخاري ليلة الفطر لدى ... ست وخمسين بخرتنك ردى
972....
ومسلم سنة إحدى في رجب ... من بعد قرنين وستين ذهب
...
ثم لخمس بعد سبعين أبو ... داود، ثم الترمذي يعقب
974....
سنة تسع بعدها وذو نسا ... رابع قرن لثلاث رفسا
في هذه الأبيات بيان وفيات أصحاب الكتب الخمسة
فتوفي أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ليلة السبت، عند صلاة العشاء ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين، قاله الحسن بن الحسين البزار قال وولد يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وكانت وفاته بخرتنك - قرية بقرب سمرقند وذكر ابن دقيق العيد في شرح الإلمام أنها بكسر الخاء، والمعروف فتحها، وكذا ذكره السمعاني، وما ذكر من أنه مات بخرتنك، هو المعروف، وبه جزم السمعاني وغيره، وذكر ابن يونس في تاريخ الغرباء أنه مات بمصر بعد الخمسين ومائتين، ولم أره لغيره، والظاهر أنه وهم
وقولي ردى، أي ذهب، فأما بمعنى الهلاك فردي بكسر الدال
وتوفي أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، عشية يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين ومائتين، قاله محمد بن يعقوب بن الأخرم،
(2/319)
فيما حكاه الحاكم عنه، واختلف في مبلغ سنه، فقيل خمس وخمسون، وبه جزم ابن الصلاح، وقيل ستون، وبه جزم الذهبي في العبر والمعروف أن مولده سنة أربع ومائتين، فعلى هذا يكون عمره بين السنين المذكورين، وكانت وفاته بنيسابور
وتوفي أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني بالبصرة يوم الجمعة سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، وكان مولده فيما حكاه أبو عبيد الآجري عنه في سنة ثنتين ومائتين
وتوفي أبو عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي بها ليلة الاثنين لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، قاله الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري، وغنجار في تاريخ بخارى، وابن ماكولا في الإكمال وأما قول الخليلي في الإرشاد أنه مات بعد الثمانين ومائتين فقاله على الظن، وليس بصحيح
وتوفي أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي بفلسطين في صفر سنة ثلاث وثلاثمائة، قاله الطحاوي، وابن يونس، وزاد يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت منه، وكذا قال الحافظ أبو عامر العبدري، أنه مات في التاريخ المذكور بالرملة - مدينة فلسطين - ودفن ببيت المقدس وقال أبو علي الغساني ليلة الاثنين وقال الدارقطني حمل إلى مكة فمات بها في شعبان سنة ثلاث وقال أبو عبد الله بن منده عن مشايخه
(2/320)
إنه مات بمكة سنة ثلاث وثلاثمائة وكان مولده سنة أربع عشرة ومائتين، ونسا من كور نيسابور، وقيل من أرض فارس، قال الرشاطي والقياس النسوي
وقولي رفسا، بيان لسبب موته، وهو ما حكى ابن منده، عن مشايخه أنه سئل بدمشق عن معاوية، وما روي من فضائله، فقال ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضل، فما زالوا يرفسونه في خصييه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة ومات بها وذكر الدارقطني أن ذلك كان بالرملة، وعاش النسائي ثمانيا وثمانين سنة
ولم يذكر ابن الصلاح وفاة ابن ماجه فتبعته، وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائتين، يوم الثلاثاء، لثمان بقين من شهر رمضان، قاله جعفر بن إدريس، قال وسمعته يقول ولدت سنة تسع ومائتين، وكذا قاله الخليلي في الإرشاد أنه مات سنة ثلاث وسبعين، وقيل مات سنة خمس وسبعين
...
ثم لخمس وثمانين تفي ... الدارقطني، ثمت الحاكم في
976....
خامس قرن عام خمسة فني ... وبعده بأربع عبد الغني
(2/321)
..
ففي الثلاثين: أبو نعيم ... ولثمان بيهقي القوم
978....
من بعد خمسين وبعد خمسة ... خطيبهم والنمري في سنة
في هذه الأبيات بيان وفيات أصحاب التصانيف الحسنة، بعد الخمسة المذكورين، قال ابن الصلاح سبعة من الحفاظ في ساقتهم، أحسنوا التصنيف، وعظم الانتفاع بتصانيفهم في أعصارنا فذكرهم، وهم
أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي، توفي بها يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، قاله عبد العزيز الأزجي، وكان مولده في سنة ست وثلاثمائة، قاله عبد الملك بن بشران، زاد غيره في ذي القعدة أيضا، فعاش ثمانين سنة
ثم الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، المعروف بابن البيع صاحب المستدرك والتاريخ وعلوم الحديث وغيرها، توفي سنة خمس وأربعمائة بنيسابور، قاله الأزهري، وعبد الغافر في السياق، ومحمد بن يحيى المزكي، وزاد في صفر وكان مولده أيضا بنيسابور في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي المصري، توفي لسبع خلون من صفر سنة تسع وأربعمائة، قاله أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، وعاش سبعا وتسعين
(2/322)
ثم أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، صاحب الحلية ومعرفة الصحابة، وغير ذلك، توفي بكرة يوم الاثنين لعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة، قاله يحيى بن عبد الوهاب بن منده وسئل عن مولده، فقال في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة
ثم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، صاحب التصانيف المشهورة، توفي بنيسابور، عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ونقل تابوته إلى بيهق، قاله السمعاني، قال وكان مولده سنة أربع وثمانين وثلاثمائة
ثم الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، توفي بها في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، قاله ابن شافع، وقال غيره في سابع ذي الحجة، قال ومولده في جمادى الآخرة، سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وقيل سنة اثنتين، وهو المحكي عن الخطيب نفسه وتوفي في هذه السنة أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي في سلخ شهر ربيع الآخر منها بشاطبة من
الأندلس، عن خمس وتسعين سنة، وخمسة أيام، وكان مولده - فيما حكاه عنه
طاهر بن مفوز - يوم الجمعة، والإمام يخطب لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة
(2/323)
معرفة الثقات والضعفاء
...
واعن بعلم الجرح والتعديل ... فإنه المرقاة للتفضيل
980....
بين الصحيح والسقيم واحذر ... من غرض، فالجرح أي خطر
...
ومع ذا فالنصح حق ولقد ... أحسن يحيى في جوابه وسد
982....
لأن يكونوا خصماء لي أحب ... من كون خصمي المصطفى إذ لم أذب
...
وربما رد كلام الجارح ... كالنسئي في أحمد بن صالح
984....
فربما كان لجرح مخرج ... غطى عليه السخط حين يحرج
أي واجعل من عنايتك معرفة الثقات والضعفاء، فهو من أجل أنواع الحديث، فإنه المرقاة إلى التفرقة بين صحيح الحديث وسقيمه، وفيه لأئمة الحديث تصانيف، منها ما أفرد في الضعفاء، وصنف فيه البخاري، والنسائي، والعقيلي، والساجي، وابن حبان، والدارقطني، والأزدي، وابن عدي؛ ولكنه ذكر في كتابه الكامل كل من تكلم فيه، وإن كان ثقة، وتبعه على ذلك الذهبي في الميزان، إلا أنه لم يذكر أحدا من الصحابة والأئمة المتبوعين، وفاته جماعة، ذيلت عليه ذيلا في مجلد
(2/324)
ومنها ما أفرد في الثقات، وصنف فيه ابن حبان، وابن شاهين، ومن المتأخرين صاحبنا شمس الدين محمد بن أيبك السروجي، ولم يكمله، عندي منه بخطه الأحمدون في مجلد
ومنها ما جمع بين الثقات والضعفاء، ك‍ تاريخ البخاري، وتاريخ أبي بكر ابن أبي خيثمة، وهو كثير الفوائد، ووطبقات ابن سعد، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والتمييز للنسائي، وغيرها
وليحذر المتصدي لذلك من الغرض في جانبي التوثيق، والتجريح، فالمقام خطر ولقد أحسن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، حيث يقول أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام، ومع كون الجرح خطرا، فلا بد منه للنصيحة في الدين، وقيل إن أبا تراب النخشبي، قال لأحمد بن حنبل لا تغتاب العلماء، فقال له أحمد ويحك هذا نصيحة، ليس هذا غيبة انتهى
وقد أوجب الله تعالى الكشف والتبيين عند خبر الفاسق، بقوله تعالى {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجرح بئس أخو العشيرة
(2/325)
إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة، وقال في التعديل إن عبد الله رجل صالح، إلى غير ذلك من صحيح الأخبار
وقد تكلم في الرجال جماعة من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم، ذكرهم
الخطيب، وأما قول صالح جزرة أول من تكلم في الرجال شعبة ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان، ثم بعده أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وهؤلاء فإنه يريد أول من تصدى لذلك، وإلا فقد تكلم في ذلك قبل شعبة ولقد أحسن يحيى بن سعيد القطان، إذ قال له أبو بكر بن خلاد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال لأن يكونوا خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول لي لم لم تذب الكذب عن حديثي؟
ثم إن الجارح وإن كان إماما معتمدا في ذلك، فربما أخطأ فيه، كما جرح النسائي أحمد بن صالح المصري، بقوله غير ثقة ولا مأمون، وهو ثقة إمام حافظ، احتج به البخاري في صحيحه، وقال ثقة، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحجة، وكذا وثقه أبو حاتم الرازي، والعجلي، وآخرون وقد قال أبو يعلى الخليلي اتفق الحفاظ على أن كلام النسائي فيه تحامل، ولا يقدح كلام أمثاله فيه، وقد بين ابن عدي سبب كلام النسائي فيه، فقال سمعت محمد بن هارون البرقي يقول حضرت
(2/326)
مجلس أحمد، فطرده من مجلسه، فحمله ذلك على أن تكلم فيه قال الذهبي في الميزان آذى النسائي نفسه بكلامه فيه، وقال ابن يونس لم يكن أحمد عندنا، كما قال النسائي لم يكن له آفة غير الكبر، وقد تكلم فيه يحيى بن معين فيما رواه معاوية بن صالح عنه، وفي كلامه ما يشير إلى الكبر، فقال كذاب يتفلسف، رأيته يخطر في جامع مصر فنسبه إلى الفلسفة، وأنه يخطر في مشيته، ولعل ابن معين لا يدري ما الفلسفة؟ فإنه ليس من أهلها
وقد ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الوجوه التي تدخل الآفة منها في ذلك، وهي خمسة
أحدها الهوى والغرض، وهو شرها، وهو في تواريخ المتأخرين كثير
والثاني المخالفة في العقائد
والثالث الاختلاف بين المتصوفة، وأهل علم الظاهر
والرابع الكلام بسبب الجهل بمراتب العلوم، وأكثر ذلك في المتأخرين؛ لاشتغالهم بعلوم الأوائل، وفيها الحق كالحساب، والهندسة، والطب، وفيها الباطل كالطبيعيات، وكثير من الإلهيات، وأحكام النجوم
والخامس الأخذ بالتوهم مع عدم الورع
هذا حاصل كلامه، وهو واضح جلي، وقد عقد ابن عبد البر في كتاب العلم بابا لكلام الأقران المتعاصرين بعضهم في بعض، ورأى أن أهل العلم لا يقبل جرحهم إلا ببيان واضح
(2/327)
وقولي فربما كان لجرح مخرج، كالجواب عن سؤال مقدر، وهو أنه إذا نسب مثل النسائي، وهو إمام حجة في الجرح والتعديل إلى مثل هذا فكيف يوثق بقوله في ذلك؟ وأجاب ابن الصلاح بأن عين السخط تبدي مساوي لها في الباطن مخارج صحيحة، تعمى عنها بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه، والله أعلم
معرفة من اختلط من الثقات
...
وفي الثقات من أخيرا اختلط ... فما روى فيه أو ابهم سقط
986....
نحو عطاء وهو ابن السائب ... وكالجريري سعيد، وأبي
...
إسحاق، ثم ابن أبي عروبة ... ثم الرقاشي أبي قلابة
988....
كذا حصين السلمي الكوفي ... وعارم محمد والثقفي
(2/328)
..
كذا ابن همام بصنعا إذ عمي ... والرأي فيما زعموا والتوأمي
990....
وابن عيينة مع المسعودي ... وآخرا حكوه في الحفيد
...
ابن خزيمة مع الغطريفي ... مع القطيعي أحمد المعروف
قال ابن الصلاح: ((هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف، واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك جدا)) ، قلت: وبسبب كلام ابن الصلاح، أفرده شيخنا الحافظ صلاح الدين العلائي بالتصنيف في جزء، حدثنا به، ولكنه اختصره ولم يبسط الكلام فيه، ورتبهم على حروف المعجم.
ثم الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدث به في حال الاختلاط، وكذا ما أبهم أمره وأشكل، فلم ندر أحدث به قبل الاختلاط، أو بعده؟ وما حدث به قبل الاختلاط قبل، وإنما يتميز ذلك باعتبار الرواة عنهم، فمنهم من سمع منهم قبل الاختلاط فقط، ومنهم من سمع بعده فقط، ومنهم من سمع في الحالين، ولم يتميز.
فممن اختلط في آخر عمره: عطاء بن السائب، قال ابن حبان: ((اختلط بأخرة، ولم يفحش خطؤه)) . انتهى.
وممن سمع منه قبل الاختلاط: شعبة وسفيان الثوري، قاله يحيى بن معين، ويحيى بن سعيد القطان، إلا أن القطان استثنى حديثين سمعهما منه شعبة بأخرة عن
(2/329)
زادان، وكذلك حماد بن زيد سمع منه قبل أن يتغير، قاله يحيى بن سعيد القطان، وكذا قال النسائي: رواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة.
وممن سمع منه بعد الاختلاط: جرير بن عبد الحميد، وخالد بن عبد الله الواسطي، وإسماعيل بن علية، وعلي بن عاصم، قاله أحمد بن حنبل، وكذلك سمع منه بعد التغير: محمد بن فضيل بن غزوان، وممن سمع منه أيضا بأخرة: هشيم، قاله أحمد بن عبد الله العجلي. قلت: قد روى له البخاري في صحيحه حديثا من رواية هشيم عنه، وليس له عند البخاري غير هذا الحديث الواحد. وممن سمع منه في الحالتين معا: أبو عوانة، قاله عباس الدوري عن يحيى بن معين، قال: ولا يحتج بحديثه. أي: بحديث أبي عوانة عنه.
وممن اختلط أخيرا: أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري، وهو ثقة احتج به الشيخان، ولم يشتد تغيره، قال يحيى بن سعيد عن كهمس: أنكرنا الجريري أيام الطاعون، وكذا قال النسائي: ثقة أنكر أيام الطاعون. وقال أبو حاتم الرازي: تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديما، فهو صالح.
قلت: وممن سمع منه قبل التغير: شعبة، وسفيان الثوري، والحمادان، وإسماعيل بن علية، ومعمر، وعبد الوارث بن سعيد، ويزيد بن زريع، ووهيب بن خالد، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي؛ وذلك لأن هؤلاء كلهم سمعوا من أيوب
(2/330)
السختياني، وقد قال أبو داود، فيما رواه عنه أبو عبيد الآجري: كل من أدرك أيوب فسماعه من الجريري جيد. انتهى.
وممن سمع منه بعد التغير: محمد بن أبي عدي، وإسحاق الأزرق، ويحيى بن سعيد القطان، ولذلك لم يحدث عنه شيئا. وقد روى الشيخان للجريري من رواية بشر ابن المفضل، وخالد بن عبد الله، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الوارث بن سعيد عنه، وروى له مسلم فقط من رواية جعفر بن سليمان الضبعي، وحماد بن أسامة، وحماد بن سلمة، وشعبة، وسفيان الثوري، وسالم بن نوح، وابن المبارك، وعبد الوهاب الثقفي، ووهيب بن خالد، ويزيد بن زريع، وعبد الواحد بن زياد، ويزيد بن هارون وقد قيل: إن يزيد بن هارون، إنما سمع منه بعد التغير، فقد روى ابن سعد عنه، قال: سمعت منه سنة اثنتين وأربعين ومائة، وهي أول سنة دخلت البصرة، ولم ننكر منه شيئا، قال: وكان قيل لنا: إنه قد اختلط، وقال ابن حبان: كان قد اختلط قبل أن يموت بثلاث سنين، قال: وقد رآه يحيى القطان، وهو مختلط، ولم يكن اختلاطه فاحشا، مات سنة أربع وأربعين ومائة.
ومنهم: أبو إسحاق السبيعي، واسمه عمرو بن عبد الله، ثقة احتج به
الشيخان، قال أحمد بن حنبل: ثقة. لكن هؤلاء الذين حملوا عنه بأخرة وقال يعقوب الفسوي: قال ابن عيينة: حدثنا أبو إسحاق في المسجد، ليس معنا ثالث، قال الفسوي: فقال بعض أهل العلم: كان قد اختلط، وإنما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه. انتهى. وكذا قال الخليلي: إن سماعه منه بعد ما اختلط.
(2/331)
قلت: ولم يخرج له الشيخان من رواية ابن عيينة عنه شيئا، إنما أخرج له من طريقه الترمذي، وكذلك النسائي في عمل اليوم والليلة، وأنكر صاحب " الميزان " اختلاطه، فقال: شاخ ونسي، ولم يختلط، قال: وقد سمع منه سفيان بن عيينة، وقد تغير قليلا. واختلف في وفاته، فقيل: سنة ست وعشرين ومائة. وقيل: سبع. وقيل: ثمان. وقيل: تسع.
ومنهم: سعيد بن أبي عروبة، واسم أبي عروبة: مهران، ثقة، احتج به الشيخان؛ لكنه اختلط، وطالت مدة اختلاطه فوق العشر سنين على ما يأتي من الخلاف، قال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط ثقة. وقد اختلف في ابتداء اختلاطه، فقال دحيم: اختلط مخرج إبراهيم سنة خمس وأربعين ومائة، وكذا قال ابن حبان: اختلط سنة خمس وأربعين ومائة، وبقي خمس سنين في اختلاطه مات سنة خمسين ومائة. وقال يحيى بن معين: خلط بعد هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين وأربعين، يعني: ومائة، ومن سمع منه بعد ذلك ليس بشيء.
قلت: هكذا اقتصر ابن الصلاح حكاية عن يحيى بن معين أن هزيمة إبراهيم سنة اثنتين وأربعين، والمعروف سنة خمس وأربعين، كما تقدم هذا هو المذكور في التواريخ أن خروجه فيها، وإنه قتل فيها يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة، واحتز رأسه.
(2/332)
فممن سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه: عبد الله بن المبارك، ويزيد بن زريع، قاله ابن حبان وغيره، وكذلك شعيب بن إسحاق سمع منه سنة أربع وأربعين قبل أن يختلط بسنة، وكذلك يزيد بن هارون صحيح السماع منه، قاله ابن معين، وكذلك عبدة ابن سليمان، قال ابن معين: إنه أثبت الناس سماعا منه، وقال ابن عدي: ((أرواهم عنه عبد الأعلى السامي، ثم شعيب بن إسحاق، وعبدة بن سليمان، وعبد الوهاب الخفاف، وأثبتهم فيه يزيد بن زريع، وخالد بن الحارث، ويحيى القطان)) . قلت: قد قال عبدة بن سليمان عن نفسه، أنه سمع منه في الاختلاط، إلا أن يريد بذلك بيان اختلاطه، وأنه لم يحدث بما سمعه منه في الاختلاط، والله أعلم. وسمع منه قديما: سرار ابن مجشر، أشار إليه النسائي في " سننه الكبرى "، وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: كان عبد الرحمن يقدمه على يزيد بن زريع، وهو من قدماء أصحاب سعيد بن أبي عروبة، ومات قديما.
وممن سمع منه في الاختلاط: أبو نعيم الفضل بن دكين، ووكيع، والمعافى بن عمران الموصلي. قلت: وقد روى له الشيخان من رواية خالد بن الحارث، وروح بن عبادة، وعبد الأعلى الشامي، وعبد الرحمن بن عثمان البكراوي، ومحمد بن سواء السدوسي، ومحمد بن أبي عدي، ويزيد بن زريع، ويحيى بن سعيد القطان عنه. وروى له البخاري فقط من رواية بشر بن المفضل، وسهل بن يوسف، وابن المبارك، وعبد الوارث بن سعيد، ومحمد ابن عبد الله الأنصاري، وكهمس بن المنهال عنه. وروى له مسلم فقط من رواية ابن علية، وأبي أسامة، وسعيد بن عامر الضبعي، وسالم ابن نوح، وأبي خالد الأحمر، وعبد الوهاب بن عطاء، وعبدة بن سليمان، وعلي بن مسهر، وعيسى بن يونس، ومحمد بن بكر البرساني، وغندر عنه.
(2/333)
قلت: وقد قال ابن مهدي: سمع غندر منه في الاختلاط. وأما مدة اختلاط سعيد، فقد تقدم قول ابن حبان أنها خمس سنين، وقال صاحب " الميزان ": ثلاث عشرة سنة، وخالف في ذلك في " العبر "، فقال: عشر سنين، مع قوله فيهما: أنه توفي سنة ست وخمسين، وكذا قال الفلاس، وأبو موسى الزمن، وغير واحد في وفاته. وقيل: سنة سبع وخمسين ومائة.
ومنهم: أبو قلابة الرقاشي، واسمه: عبد الملك بن محمد بن عبد الله أحد شيوخ ابن خزيمة، قال فيه ابن خزيمة: حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد. قلت: وممن سمع منه آخرا ببغداد: أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، وأبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، وآخرون. فعلى قول ابن خزيمة سماعهم منه بعد الاختلاط. وكانت وفاته سنة ست وسبعين ومائتين ببغداد.
ومنهم: حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، أحد الثقات الأثبات، احتج به الشيخان، ووثقه أحمد، وأبو زرعة، والعجلي، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة ساء حفظه في الآخر، وكذا قال يزيد بن هارون: إنه اختلط. وقال النسائي: تغير،
(2/334)
وأما علي بن عاصم، فقال: إنه لم يختلط، كذا حكاه صاحب " الميزان " عنه.
وقولي: (السلمي) ، من الزيادات على ابن الصلاح، وفائدته عدم الاشتباه، فإن في الكوفيين أربعة كلهم حصين بن عبد الرحمن، ليس فيهم بهذا النسب إلا هذا.
ومنهم: عارم اسمه: محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي، وعارم لقب له، وهو أحد الثقات الأثبات، روى عنه البخاري في "صحيحه"، ومسلم بواسطة، قال البخاري: ((تغير في آخر عمره)) . وقال أبو حاتم: اختلط في آخر عمره، وزال عقله، فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح، قال: وكتبت عنه قبل الاختلاط سنة أربع عشرة، ولم أسمع منه بعدما اختلط. فمن سمع منه قبل سنة عشرين ومائتين، فسماعه جيد، وأبو زرعة لقيه سنة اثنتين وعشرين. وقال الحسين بن عبد الله الذارع، عن أبي داود: بلغنا أن عارما أنكر سنة ثلاث عشرة، ثم راجعه عقله، واستحكم به الاختلاط سنة ست عشرة، وقال ابن حبان: اختلط في آخر عمره، وتغير حتى كاد لا يدري ما يحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإذا لم يعلم هذا من هذا ترك الكل. وأنكر صاحب "الميزان"، هذا القول من ابن حبان، ووصفه بالتسخيف والتهوير، وحكى قول الدارقطني: تغير بأخرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة.
(2/335)
إذا تقرر ذلك، فممن سمع منه قبل اختلاطه: أحمد بن حنبل، وعبد الله ابن محمد المسندي، وأبو حاتم الرازي، وأبو علي محمد بن أحمد بن خالد الزريقي، وقال ابن الصلاح: ما رواه عنه: البخاري، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهما من الحفاظ، ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل اختلاطه. انتهى، وممن سمع منه بعد اختلاطه: أبو زرعة الرازي، وعلي بن عبد العزيز البغوي. وكانت وفاته سنة أربع وعشرين
ومائتين.
ومنهم: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، أحد الثقات الذين احتج بهم الشيخان. قال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: اختلط بأخرة. وقال عقبة بن مكرم العمي: اختلط قبل موته بثلاث سنين، أو أربع سنين، قال صاحب " الميزان ": لكنه ما ضر تغيره حديثه، فإنه ما حدث بحديث في زمن التغير، ثم استدل بقول أبي داود: تغير جرير بن حازم، وعبد الوهاب الثقفي، فحجب الناس عنهم. ومات سنة أربع وتسعين ومائة، وقيل: سنة أربع وثمانين.
ومنهم: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، احتج به الشيخان، قال أحمد: أتيناه قبل المائتين وهو صحيح البصر. ومن سمع منه بعد ما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع، وقال أيضا: كان يلقن بعدما عمي، وقال النسائي: فيه نظر، لمن كتب عنه بأخرة. انتهى.
(2/336)
فممن سمع منه قبل اختلاطه: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ووكيع في آخرين. وممن سمع منه بعد اختلاطه: أحمد بن محمد بن شبوية، وإبراهيم بن منصور الرمادي، ومحمد بن حماد الظهراني، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، قال إبراهيم الحربي: مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين، أو سبع سنين. وقال ابن عدي: استصغر في عبد الرزاق، قال الذهبي: إنما اعتنى به أبوه فأسمعه منه تصانيفه، وله سبع سنين، أو نحوها، وقد احتج به أبو عوانة في " صحيحه "، وغيره. انتهى. وكأن من احتج به لم يبال بتغيره؛ لكونه إنما حدثه من كتبه، لا من حفظه، قال ابن الصلاح: وجدت فيما روى الطبراني عن الدبري عنه أحاديث استنكرتها جدا. فأحلت أمرها على ذلك، وتوفي سنة إحدى عشرة ومائتين.
ومنهم - فيما زعموا -: ربيعة الرأي - شيخ مالك - وهو: ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، واسم أبيه: فروخ، وهو أحد الأئمة الثقات، احتج به الشيخان، ولم أر من ذكر أنه اختلط إلا ابن الصلاح، فقال: ((قيل: إنه تغير في آخر عمره، وترك الاعتماد عليه لذلك)) ، فلذلك أتيت بقولي: (فيما زعموا) ، وقد وثقه أحمد، وأبو حاتم، والعجلي، والنسائي، وآخرون. إلا أن ابن سعد بعد أن وثقه،
(2/337)
قال: ((كانوا يتقونه لموضع الرأي)) ، وذكره النباتي في " ذيل الكامل "، وقال: إن البستي ذكره في الزيادات، قلت: قد ذكره البستي في " الثقات "، وقال: توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
ومنهم: صالح مولى التوأمة، وهو: صالح بن نبهان، اختلف في الاحتجاج به، قال أحمد: أدركه مالك، وقد اختلط وهو كبير، وما أعلم به بأسا ممن سمع منه قديما، فقد روى عنه أكابر أهل المدينة. وقال ابن معين: ثقة خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل، هو ثبت. وقيل له: إن مالكا تركه، فقال: إنما أدركه بعد أن خرف، وقال ابن المديني: ثقة إلا أنه خرف وكبر. وقال ابن حبان: ((تغير في سنة خمس وعشرين ومائة وجعل يأتي بما يشبه الموضوعات عن الثقات، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، واستحق الترك)) . وحكى ابن الصلاح كلام ابن حبان مقتصرا عليه.
قلت: قد ميز الأئمة بعض من سمع منه قديما، ممن سمع منه بعد التغير، فممن سمع منه قديما: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، قاله يحيى بن معين، وعلي بن
(2/338)
المديني، والجوزجاني، وابن عدي. وكذلك ابن جريج، وزياد بن سعد، قاله ابن عدي. وممن سمع منه بعد الاختلاط: مالك، والسفيانان، ومات سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل: سنة ست.
ومنهم: سفيان بن عيينة أحد الأئمة الثقات، قال يحيى بن سعيد القطان: أشهد أنه اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذه السنة، وبعد هذا، فسماعه لا شيء، هكذا حكاه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، عن القطان. قال صاحب " الميزان ": ((وأنا أستبعده، وأعده غلطا من ابن عمار، فإن القطان مات في صفر من سنة ثمان وتسعين، وقت قدوم الحاج، ووقت تحدثهم عن أخبار الحجاز، فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان؟ ثم يشهد عليه بذلك، والموت قد نزل به، ثم قال: فلعله بلغه ذلك في أثناء سنة سبع. وقال سمع منه فيها، أي: سنة سبع، محمد بن عاصم صاحب ذلك الجزء العالي، قال: ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع، فأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات، ولم يلقه أحد فيها، فإنه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر. قال ابن الصلاح: ((ويحصل نظر في كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من ابن عيينة، وأشباهه)) ، وقال ابن الصلاح: ((إنه توفي سنة تسع وتسعين)) .
(2/339)
قلت: والمعروف ما تقدم، فإنه مات بمكة يوم السبت، أول شهر رجب سنة ثمان وتسعين، قاله محمد بن سعد، وابن زبر، وابن حبان، إلا أنه قال آخر يوم من جمادى الآخرة.
ومنهم: المسعودي، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، قال ابن سعد: ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره، ورواية المتقدمين عنه صحيحة. وقال أبو حاتم: ((تغير بأخرة قبل موته بسنة، أو سنتين)) وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان ثقة، فلما كان بأخرة اختلط. وقال أحمد: إنما اختلط ببغداد، ومن سمع منه بالكوفة والبصرة، فسماعه جيد. وقال ابن معين: من سمع منه زمان أبي جعفر، فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في زمان المهدي فليس سماعه بشيء. قلت: وكانت وفاة أبي جعفر المنصور بمكة في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين، وكانت مدة اختلاطه، كما قال أبو حاتم، فإن المسعودي مات سنة ستين ومائة ببغداد، وقال ابن حبان: اختلط حديثه فلم يتميز، فاستحق الترك. وكذا قال أبو الحسن بن القطان: كان لا يتميز في الأغلب ما رواه قبل اختلاطه، مما رواه بعد.
(2/340)
قلت: قد ميز الأئمة بين جماعة ممن سمع منه في الصحة، أو الاختلاط. فممن سمع منه قديما قبل الاختلاط: وكيع، وأبو نعيم الفضل بن دكين، قاله أحمد بن حنبل. وممن سمع منه بعد الاختلاط: أبو النضر هاشم ابن القاسم وعاصم بن علي، قاله أحمد أيضا، وكذلك سمع منه بأخرة: عبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، قاله ابن نمير. وقد قيل: إن أبا داود الطيالسي سمع منه بعد ما تغير، قاله سلم بن قتيبة.
ومنهم من المتأخرين: أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة حفيد الحافظ أبي بكر بن خزيمة، وكذلك أبو أحمد محمد بن أحمد بن الحسين الغطريفي الجرجاني، فذكر الحافظ أبو علي البرذعي، ثم السمرقندي في " معجمه " أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما.
قلت: أما الحفيد فقد اختلط قبل موته بثلاث سنين وتجنب الناس الرواية عنه، توفي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وقد احتج الإسماعيلي بالغطريفي في " صحيحه "، وتوفي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
ومنهم: أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي راوي " مسند أحمد " و" الزهد " له.
قال ابن الصلاح: اختل في آخر عمره، وخرف، حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه، وقال صاحب " الميزان ": ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات، ثم قال: فهذا
(2/341)
غلو وإسراف، وقد وثقه البرقاني، والحاكم. وتوفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة، لسبع بقين من ذي الحجة، قال ابن الصلاح: ((واعلم أن ما كان من هذا القبيل محتجا بروايته في الصحيحين، أو أحدهما، فإنا نعرف على الجملة: أن ذلك مما تميز وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط، والله أعلم)) .
طبقات الرواة
992....
وللرواة طبقات تعرف ... بالسن والأخذ، وكم مصنف
993....
يغلط فيها، وابن سعد صنفا ... فيها ولكن كم روى عن ضعفا
من المهمات معرفة طبقات الرواة؛ فإنه قد يتفق اسمان في اللفظ، فيظن أن أحدهما الآخر، فيتميز ذلك بمعرفة طبقتيهما، إن كانا من طبقتين، فإن كانا من طبقة واحدة فربما أشكل الأمر، وربما عرف ذلك بمن فوقه، أو دونه من الرواة، فربما كان أحد المتفقين في الاسم لا يروي عمن روى عنه الآخر، فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روى عنهما، فالإشكال حينئذ أشد. وإنما يميز ذلك أهل الحفظ والمعرفة.
ويعرف كون الراويين أو الرواة من طبقة واحدة، بتقاربهم في السن، وفي الشيوخ الآخذين عنهم، إما بكون شيوخ هذا هم شيوخ هذا أو تقارب شيوخ هذا من شيوخ هذا في الأخذ، كما تقدمت الإشارة إلى نحو ذلك في رواية الأقران، فإن مدلول الطبقة
(2/342)
لغة: القوم المتشابهون، وأما في الاصطلاح فالمراد: المتشابه في الأسنان، والإسناد، وربما اكتفوا بالمتشابه في الإسناد.
وبسبب الجهل بمعرفة الطبقات غلط غير واحد من المصنفين، فربما ظن راويا راويا آخر غيره، وربما أدخل راويا في غير طبقته. وقد تقدم لذلك أمثلة في أواخر معرفة التابعين.
وقد صنف في الطبقات جماعة، فمنهم من اختصر، كخليفة بن خياط، ومسلم بن الحجاج، ومنهم من طول كمحمد بن سعد في " الطبقات الكبرى "، وله ثلاثة تصانيف في ذلك، وكتابه الكبير كتاب جليل، كثير الفائدة، وابن سعد ثقة في نفسه، وثقه أبو حاتم وغيره، ولكنه كثير الرواية في الكتاب المذكور عن الضعفاء، كمحمد بن عمر بن واقد الأسلمي الواقدي. ويقتصر كثيرا على اسمه واسم أبيه من غير نسب، وكهشام بن محمد ابن السائب الكلبي، ونصر بن باب الخراساني في آخرين منهم. على أن أكثر شيوخه أئمة ثقات، كسفيان بن عيينة، وابن علية، ويزيد بن هارون، ومعن بن عيسى، وهشيم، وأبي الوليد الطيالسي، وأبي أحمد الزبيري، وأنس ابن عياض، وغيرهم، ولكنه أكثر الرواية في الكتاب المذكور عن شيخيه الأولين.
ثم إنه قد يكون الراوي من طبقة؛ لمشابهته لتلك الطبقة من وجه، ومن طبقة أخرى غيرها؛ لمشابهته لها من وجه آخر.
(2/343)
وأنس بن مالك ونحوه من صغار الصحابة من طبقة العشرة عند من عد الصحابة كلهم طبقة واحدة، كابن حبان في " الثقات " لاشتراكهم في الصحبة وهو من طبقة أخرى دون طبقة العشرة، عند من عد الصحابة طباقا، والتابعين طباقا، كابن سعد، وقد تقدم في معرفة الصحابة أنهم اثنتا عشرة طبقة، أو أكثر، وتقدم في معرفة التابعين أنهم خمس عشرة طبقة، والله أعلم.
الموالي من العلماء والرواة
994....
وربما إلى القبيل ينسب ... مولى عتاقة وهذا الأغلب
995....
أو لولاء الحلف كالتيمي ... مالك او للدين كالجعفي
996....
وربما ينسب مولى المولى ... نحو سعيد بن يسار أصلا
من المهمات معرفة الموالي من العلماء والرواة، وأهم ذلك أن ينسب إلى القبيلة مولى لهم، مع إطلاق النسب، فربما ظن أنهم منهم صليب بحكم ظاهر الإطلاق، وربما وقع من ذلك خلل في الأحكام الشرعية في الأمور المشترط فيها النسب، كالإمامة العظمى، والكفاءة في النكاح، ونحو ذلك.
وقد صنف في الموالي أبو عمر الكندي، ولكن بالنسبة إلى المصريين لا مطلقا. ثم الموالي المنسوبون إلى القبائل منهم من يكون المراد به مولى العتاقة، وهذا هو الأغلب،
(2/344)
كأبي البختري الطائي، وأبي العالية الرياحي، والليث ابن سعد الفهمي، وعبد الله بن المبارك الحنظلي، وعبد الله بن صالح الجهني - كاتب الليث - ونحوهم.
ومنهم: من يكون المراد به ولاء الحلف، كالإمام مالك بن أنس، هو أصبحي صليبة، وقيل له: التيمي؛ لكون نفره (أصبح) موالي لتيم قريش بالحلف، وقيل: لأن جده - مالك بن أبي عامر - كان أجيرا لطلحة بن عبيد الله التيمي، وطلحة مختلف بالتجارة، وهذا قسم آخر غير هذا القسم الثاني الذي تقدم.
ومنهم: من أريد به ولاء الإسلام، كالإمام محمد بن إسماعيل البخاري، وقيل له: الجعفي؛ لأن جده كان مجوسيا وأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي، وكالحسن ابن عيسى الماسرجسي، قيل له: مولى ابن المبارك لإسلامه على يديه.
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها، كأبي الحباب سعيد بن يسار، قيل له: الهاشمي؛ لأنه مولى شقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
هكذا اقتصر ابن الصلاح على هذا القول. وقيل: إنه مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل: مولى الحسن بن علي، وقيل: مولى بني النجار. فليس حينئذ بمولى لبني هاشم.
ومن هذا القسم: عبد الله بن وهب القرشي الفهري المصري، فإنه مولى يزيد بن رمانة، ويزيد بن رمانة مولى يزيد بن أنيس الفهري، وقد أدخله ابن الصلاح في أمثلة القسم الأول، وهو بهذا أليق.
(2/345)
ثم ذكر ابن الصلاح قصة الزهري مع عبد الملك بن مروان، وسؤاله عمن يسود أهل مكة، ثم اليمن، ثم مصر، ثم الشام، ثم الجزيرة، ثم خراسان، ثم البصرة، ثم الكوفة، وجواب الزهري له، وأن كلهم موال إلا الذي بالكوفة، وهو إبراهيم النخعي، فإنه من العرب، وقول عبد الملك عند ذلك: ويلك يا زهري فرجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب، حتى يخطب لها على المنابر، والعرب تحتها، وهذا من عبد الملك، إما فراسة، أو بلغه من أهل العلم، أو أهل الكتاب، فالله أعلم.
أوطان الرواة وبلدانهم
997....
وضاعت الأنساب في البلدان ... فنسب الأكثر للأوطان
998....
وإن يكن في بلدتين سكنا ... فابدأ بالاولى وبثم حسنا
999....
وإن يكن من قرية من بلدة ... ينسب لكل وإلى الناحية
مما يحتاج إليه أهل الحديث، معرفة أوطان الرواة وبلدانهم، فإن ذلك ربما ميز بين الاسمين المتفقين في اللفظ، فينظر في شيخه وتلميذه الذي روى عنه، فربما كانا - أو
(2/346)
أحدهما - من بلد أحد المتفقين في الاسم، فيغلب على الظن أن بلديهما هو المذكور في السند، لا سيما إذا لم يعرف له سماع بغير بلده.
وأيضا ربما استدل بذكر وطن الشيخ، أو ذكر مكان السماع على الإرسال بين الراويين إذا لم يعرف لهما اجتماع عند من لا يكتفي بالمعاصرة. وسمعت شيخنا الحافظ أبا محمد عبد الله بن محمد بن أبي بكر القرشي، يقول غير مرة: كنت أسمع بقراءة الحافظ أبي الحجاج المزي كتاب " عمل اليوم والليلة " للحسن بن علي بن شبيب المعمري، فمر حديث من رواية يونس بن محمد المؤدب، عن الليث بن سعد، فقلت للمزي: في أين سمع يونس من الليث؟ فقال: لعله سمع منه في الحج، ثم استمر في القراءة، ثم قال: لا الليث ذهب في الرسيلة إلى بغداد فسمع منه هناك. انتهى.
وإنما حدث للعرب الانتساب إلى البلاد والأوطان لما غلب عليها سكنى القرى، والمدائن، وضاع كثير من أنسابها، فلم يبق لها غير الانتساب إلى البلدان، وقد كانت العرب تنسب قبل ذلك إلى القبائل، فمن سكن في بلدتين، وأراد الانتساب إليهما فليبدأ بالبلد الذي سكنها أولا، ثم بالثانية التي انتقل إليها، وحسن أن يأتي بـ (ثم) في النسب للبلدة الثانية، فيقول مثلا: المصري ثم الدمشقي. ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة، فجائز أن ينسب إلى القرية، وإلى البلدة أيضا، وإلى الناحية التي منها تلك البلدة، فمن هو؟ من أهل داريا مثلا، أن يقول في نسبه: الداري، والدمشقي، والشامي، فإن أراد الجمع بينها، فليبدأ بالأعم، فيقول: الشامي الدمشقي الداري.
(2/347)
1000....
وكملت بطيبة الميمونه ... فبرزت من خدرها مصونه
1001....
فربنا المحمود والمشكور ... إليه منا ترجع الأمور
1002....
وأفضل الصلاة والسلام ... على النبي سيد الأنام
أي: كملت هذه الأرجوزة بطيبة - مدينة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الفراغ منها: يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين وسبعمائة، وكان أول بروزها إلى الخارج بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وكمل هذا الشرح عليها في يوم السبت التاسع والعشرين، في شهر رمضان المعظم قدره، سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، بالخانقاه الطشتمرية خارج القاهرة المحروسة.
وأجزت لكل من سمع مني الأرجوزة المذكورة، أو بعضها أن يروي عني جميع هذا الشرح عليها، وجميع ما يجوز لي وعني روايته. (2/348

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق