انشر الدال علي الخير كفاعله
ختمة القراءة والاستماع
في ما يلي مقطع فيديو لصفحة من مصحف التجويد متلوة ومفسرة. يرجى في حال رغبتكم متابعة بقية صفحات القرآن، الضغط على أيقونة "ختمة فيديو" الموجودة على موقعنا على الانترنت ثم الضغط على رقم الصفحة التي ترغبونها مباشرة.
عون الله لأحبابه .....................
2 .وأخيرًا ...جاء الفرج كان في أيام سليمان بن عبد الملك رجلٌ يقال له: خزيمة بن بشر، من بني أسد بالرقة، وكان له مروءةٌ ونعمة حسنة، وفضل وبر بالإخوان، فلم يزل على تلك الحال حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يتفضل عليهم، فواسوه حينًا ثم ملوه، فلما لاح تغيرهم أتى امرأته – وكانت ابنة عمه – فقال لها: يا ابنة عمي، قد رأيت من إخواني تغيرًا، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت، ثم إنه أغلق بابه، وأقام يتقوت بما عنده حتى نفد، وبقي حائرًا في حاله، وكان عكرمة الفياض الربعي واليًا على الجزيرة، فبينما هو في مجلسه وعنده جماعة من أهل البلد، إذ جرى ذكر خزيمة بن بشر في مجلسه، فقال عكرمة: ما حاله؟ فقالوا: صار من سوء الحال إلى أمر لا يوصف، فأغلق بابه ولزم بيته. فقال الفياض: فما وجد خزيمة بن بشر مواسيًا ولا مكافئًا؟ قالوا: لا. فأمسك، ثم لما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار، فجعلها في كيس واحد، ثم أمر بإسراج دابته، وخرج سرًا من أهله، فركب ومعه غلامٌ من غلمانه يحمل المال، ثم سار حتى وقف بباب خزيمة، ثم أخذ الكيس من الغلام، ثم أبعده عنه، وتقدم فدفعه بنفسه، فخرج إليه خزيمة، فناوله الكيس وقال: أصلح بهذا شأنك. فتناوله، فرآه ثقيلاً، فوضعه، ثم أمسك بلجام الدابة، وقال له: من أنت جُعِلْتُ فداك؟ فقال: يا هذا؛ ما جئتك في هذه الساعة وأنا أريد أن تعرفني. قال خزيمة: فما أقبله أو تعرفني من أنت. قال: أنا جابر عثرات الكرام. قال: زدني. قال: لا مزيد. ثم مضى، ودخل خزيمة بالكيس إلى امرأته فقال لها: أبشري، فقد أتى الله بالفرج والخير، ولو كان هذا فلوسًا فهو كثير، قومي فأسرجي. قالت: لا سبيل إلى السراج، فبات يلمسها فيجد خشونة الدنانير ولا يصدق، فرجع عكرمة إلى منزله فوجد امرأته قد افتقدته وسألت عنه، فأُخبرت بركوبه منفردًا، فارتابت فشقت جيبها ولطمت خدها، فلما رآها على تلك الحال قال لها: ما دهاك؟ قالت: يا ابن عمي، غدرت. قال: وما ذاك؟ قالت: أميرُ الجزية يخرج بعد هدوء من الليل منفردًا عن غلمانه، في سر من أهله إلا إلى زوجة أو سرية؟ قال: لقد علم الله ما خرجت إلى واحدة منهما. قالت: فخبرني فيم خرجت؟ قال: يا هذه، لم أخرج في هذا الوقت، وأنا أريد أن يعلم بي أحدٌ. قالت: لا بد أن تخبرني بالقصة. قال: فاكتميه إذًا. قالت: أفعل. فأخبرها بالقصة على وجهها، وما كان من قوله له ورده عليه، ثم قال لها: أتحبين أن أحلف لك؟ قالت: لا، فإن قلبي قد سكن إلى ما ذكرت. فلما أصبح خزيمة صالح الغرماء، وأصلح حاله، ثم تجهز يريد سليمان بن عبد الملك بفلسطين، فلما وقف ببابه دخل الحاجب فأخبره بمكانه – وكان مشهور المروءة، وكان سليمان به عارفًا – فأذن له، فلما دخل عليه وسلم بالخلافة. قال: يا خزيمة، ما أبطاك عنا؟ قال: سوء الحال. قال: فما منعك من النهضة إليها؟ قال: ضعفي. قال: فبم نهضت؟ قال: لم أعلم بعد هدوء من الليل إلا ورجل طرق بابي، فكان منه كيت وكيت، وأخبره بقصته من أولها إلى آخرها، فقال له: هل تعرفه؟ قال: ما عرفته يا أمير المؤمنين، وذلك أنه كان متنكرًا، وما سمعت منه إلا: «جابر عثرات الكرام». فتلهف سليمان على معرفته وقال: لو عرفناه لأعناه على مروءته، ثم قال: عليَّ بقناةٍ. فعقد لخزيمة الولاية على الجزية التي على عمل عكرمة الفياض، فخرج خزيمة طالبًا الجزيرة، فلما وصل إليها خرج عكرمة وأهل بلده للقائه، فسلم عليه، ثم سارا جميعًا إلى أن دخلا جميعًا، فنزل خزيمة دار الإمارة، وأمر أن يؤخذ عكرمة بكفيل وأن يحاسب، فحوسب فَوُجِدَت عليه فضول كثيرة، فطالبه بأدائها، قال: ما لي إلى شيء منها سبيل.
.3 لا ترجُ غير الله عن أبي حسان الزيادي قال: لحقني ما يلحق الرجال من الشدائد، واقتضاني جماعة كنت أعاملهم فيما أحتاج إليه لمنزلي ما لهم عليَّ، وألحت رقاعهم فيه، فشكوت ذلك إلى زوجتي فقالت: نشدتك الله ألا ما اقتصرت على الله تبارك وتعالى ولا ترجُ أحدًا من خلقه. ففعلت ذلك، وكان لي دهليز واسع ينوب عن مجلس في الدار، كنت أجتمع فيه مع الفقهاء، ونتناظر في دقائق الفقه، فإني لجالس فيه تلك العشية، وهو خالٍ ممن كان يغشاه، إذ دخل إليَّ رجل من الخراسانية يريد الحج، وكان الوقت قريبًا من وقت المسير إلى الحج. فقال لي: أصلحك الله إن رأيت أن تقبل مني هذه البدرة من الدراهم وديعة إلى رجوعي من الموسم. قلت: أفعل. فأخذتها منه مضمونة، فعمدت إليها ففضضت عنها خاتمها وقسمتها في معاملتي، وفي سائر مهماتي حتى استنفدتها وقضيت كل دين كان عليَّ. فلما أصبحت ركبت وأطلت. ثم رجعت ووجدت الخراساني على الباب ينظرني، وهو قد بدا له عمَّا عزم عليه من الخروج إلى مكة، فلما رأيته ضاقت بي الأرض وقال لي: احتجت إلى تلك الوديعة. قلت له: ليس أصل إليها الساعة، فعد إليَّ غدًا نقبضها إن شاء الله. فانصرف ودخلت إلى زوجتي فأعلمتها بذلك فقالت لي: ارجع إلى الله عز وجل في أمرك، فليس يملك كشف هذا الكرب عنا غيره. فرجعت أتضرع إلى الله عز وجل في تلك الليلة، في إسدال ستره، وتعجيل فرجه، وفزعت إليه بهمي وكربي. ثم ركبت بغلتي في الغلس، وأنا لا أدري أين أتوجه، فعبرت الجسر وأخذت نحو المخرم، وما في نفسي أحد أقصده واستقبلني رجل راكب فقال لي: إليك بعثت. قلت: ومن بعثك؟ قال: دينار بن عبد الله. فأتيته فدخلت عليه وهو جالس فسألني عن خبري وشأني فقلت له: ما الذي أوجب إرسالك إليَّ وسؤالك عن شأني؟ قال: ما نمت هذه الليلة إلا أتاني آتٍ يقول: «أبو سفيان الزيادي تعرف خبره واكفه ما أهمه». فحدثته حديثي، فدعا بعشرين ألف درهم، فدفعها إليَّ، فرجعت فصليت في مسجدي صلاة الصبح، وجاء الخراساني فوفيته بدرته بتمامها وكمالها، وأنفقت باقي المال في حوائجي، وتوسعت. والحمد لله كشاف الكرب. ..
.5 لا تيأس من روح الله كان ينزل بباب الشام من الجانب الغربي من بغداد رجلٌ مشهورٌ بالزهد والعبادة يقال له: لبيب العابد، لا يعرف إلا بهذا، وكان الناس ينتابونه، وكان صديقًا لأبي، فحدثني لبيب وقال: كنت مملوكًا روميًا لبعض الجند، فرباني، وعلمني العمل بالسلاح حتى صرت رجلاً، ومات مولاي بعد أن أعتقني، فتوصلت إلى أن حصلت رزقة لي، وتزوجت بامرأته، وقد علم الله أنني لم أرد بذلك إلا صيانتها، فأقمت معها مدة، ثم اتفق أنني رأيت يومًا حية داخلة في جحرها، فأمسكت ذنبها، فانثنت علي فنهشت يدي فشلت ومضى على ذلك زمان طويل، فشلت يدي الأخرى لغير سبب أعرفه، ثم جفت رجلاي ثم عميت ثم خرست. وكنت على تلك الحال ملقى سنة كاملة، لم تبق لي جارحة صحيحة إلا سمعي أسمع به ما أكره، وأنا طريح على ظهري لا أقدر على الكلام ولا على الحركة. وكنت أسقى وأنا ريان، وأترك وأنا عطشان، وأهمل وأنا جائع، وأطعم وأنا شبعان، فلما كان بعد سنة دخلت امرأة على زوجتي، فقالت: كيف أبو علي؟ فقالت لها زوجتي: لا حي فيرجى ولا ميت فيسلى. فأقلقني ذلك وآلمني ألمًا شديدًا. وبكيت ورغبت إلى الله عز وجل في سري بالدعاء، وكنت في جميع تلك العلل لا أجد ألمًا في جسمي، فلما كان في بقية ذلك اليوم ضرب على جسمي ضربانًا عظيمًا، كاد يتلفني، ولم أزل على تلك الحال إلى أن دخل الليل، وانتصف، فسكن الألم قليلاً فنمت. فما أحسست إلا وقد انتبهت وقت السحر، وإحدى يدي على صدري، وقد كانت طوال هذه السنة مطروحة على الفراش لا تنشال ولا تشال، ثم وقع في قلبي أن أتعاطي تحريكها، فحركتها، فتحركت، فقبضت إحدى رجلي، فانقبضت، فرددتها فرجعت، ففعلت مثل ذلك مرارًا، ثم رمت الانقلاب من غير أن يقبلني أحد كما كان يفعل بي أولاً فانقلبت بنفسي، وجلست، ورمت(اي احببت واردت) القيام فأمكنني، فقمت،ونزلت عن السرير الذي كنت مطروحًا عليه وكان في بيت الدار، فمشيت ألتمس الحائط في الظلمة؛ لأنه لم يكن هناك سراج إلى أن وقعت على الباب وأنا لا أطمع في بصري، فخرجت من البيت إلى صحن الدار، فرأيت السماء والكواكب، تزهر، فكدت أموت فرحًا. وانطلق لساني بأن قلت: يا قديم الإحسان لك الحمدثم صحت زوجتي فقالت: أبو علي؟ فقلت: الساعة صرت أبا علي؟ أسرجي فأسرجت، فقلت: جيئيني بمقراض، فجاءت به، فقصصت شاربًا لي كان بزي الجند، فقالت زوجتي: ما تصنع الساعة يعيبك رفقاؤك؟. فقلت: بعد هذا لا أخدم أحدًا غير ربي. فانقطعت إلى الله عز وجل، وخرجت من الدار، وطلقت الزوجة، ولزمت عبادة ربي، سبحانك يا رب ما أعظم لطفك وأرأفك بعبادك
.7 ثبات امرأة! عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة، وهي إحدى نساء قريش ثم إحدى بني عامر بن لؤي، وكانت تحت أبي العسكر الدوسي فأسلمت، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها وقالوا: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، ولكن سنردك إليهم، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيره، ثم تركوني ثلاثًا لا يطعموني ولا يسقوني، قالت: فما أتت على ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه، قالت: فنزلوا منزلاً، وكانوا إذا نزلوا منزلاً أوثقوني في الشمس واستظلوا هم منها، وحبسوا عني الطعام والشراب، فلا تزال تلك حالي حتى يرتحلوا، قالت: فبينما هم قد نزلوا منزلاً وأوثقوني في الشمس، واستظلوا منها إذ أنا بأبرد شيء على صدري، فتناولته فإذا هو دلو من ماء، فشربت منه قليلاً، ثم نُزع فرفع، ثم عاد فتناولته فشربت منه، ثم رفع، ثم عاد أيضًا فتناولته فشربت منه قليلاً، ثم رفع، قالت: فصنع بي مرارًا، ثم ركعت فشربت حتى رويت، ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، قالوا لي: أتحللت، فأخذت سقاءنا فشربت منه؟ قلت: لا والله ما صنعت، ولكنه كان من الأمر كذا وكذا، قالوا: لئن كنت صادقة لدينك خير من ديننا، فلما نظروا أسقيتهم وجدوها كما تركوها، فأسلموا عند ذلك، وأقبلت على النبي ، فوهبت نفسها له بغير مهر، فقبلها ودخل عليها .
8 اللهم خذ لي بقلب الحجاج ذكر التنوخي في «الفرج بعد الشدة» عن أبي سعد البقال أنه قال: كنت محبوسًا في ديماس الحجاج، ومعنا إبراهيم التيمي، فبات في السجن، فأتى رجل، فقال له: يا أبا إسحاق، في أي شيء حُبِست؟ فقال: جاء العريف، فتبرأ مني وقال: هذا كثير الصوم والصلاة، وأخاف أن يرى رأي الخوارج. فإنا لنتحدث مع مغيب الشمس، ومعنا إبراهيم التيمي، إذ دخل علينا رجل السجن، فقلنا: يا عبد الله، ما قصتك وأمرك؟ فقال: ما أدري ولكني أخذت في رأي الخوارج، ووالله، إنه لرأي ما رأيته قط، ولا أحببته، ولا أحببت أهله، يا هؤلاء، ادعوا لي بوَضوء، فدعونا له به، ثم قام فصلى أربع ركعات، ثم قال: (اللهم إنك تعلم إني كنت على إساءتي وظلمي، وإسرافي على نفسي لم أجعل لك ولدًا، ولا شريكًا، ولا ندًا، ولا كفؤًا، فإن تعذب فعدل، وإن تعف فإنك أنت العزيز الحكيم، اللهم إني أسألك يا من لا تغلطه المسائل، ولا يشغله سمع عن سمعويا من لا يبرمه إلحاح الملحين، أن تجعل لي في ساعتي هذه فرجًا ومخرجًا مما أنا فيه، من حيث أرجو ومن حيث لا أرجو، وخذ لي بقلب عبدك الحَجَّاج، وسمعه وبصره ويده ورجله حتى تخرجني في ساعتي هذه فإن قلبه وناصيته بيدك يا رب يا رب. قال: وأكثر، فوالذي لا إله غيره، ما انقطع دعاؤه حتى ضرب باب السجن، وقيل: أين فلان؟ فقام صاحبنا، فقال: يا هؤلاء، إن تكن العافية، فوالله لا أدع الدعاء لكم، وإن تكن الأخرى فجمع الله بيننا وبينكم في مستقر رحمته. قال: فبلغنا من الغد أنه خُلِّيَ سبيله . 8 انشرها لما تحتويه من دعاء تفريج الكرب وفك الاسر والخروج من الضيق والضنك
ابتلاء سيد الخلق: وقد ابتلي رسول الله أعظم ابتلاء، وأوذي أشد الأذى وهو راضٍ صابرا محتسبا متوكلا على ربه، راغبا في مرضاته. قال ابن الجوزي: «من أراد أن يعلم حقيقة الرضا عن الله عز وجل في أفعاله، وأن يدري من أين ينشأ الرضا؛ فليتفكر في أحوال رسول الله . فإنه لما تكاملت معرفته بالخالق سبحانه، رأى أن الخالق مالك، وللمالك التصرف في مملوكه. ورآه حكيمًا لا يصنع شيئًا عبثًا، فسلّم تسليم مملوكٍ لحكيم، فكانت العجائب تجري عليه، ولا يوجد منه تغير، ولا من الطبع تأفف، ولا يقول بلسان الحال: لو كان كذا! بل يثبت للأقدار ثبوت الجبال لعواصف الرياح. هذا سيد الرسل ، بعث إلى الخلق وحده، والكفر قد ملأ الآفاق، فجعل يفر من مكان إلى مكان، واستتر في دار الأرقم، وهم يضربونه إذا خرج، ويدمون عقبه، وأُلقي السَّلاَ على ظهره، وهو ساكت ساكن. ويخرج كل موسم فيقول: «من يؤويني؟ من ينصرني؟». ثم خرج من مكة فلم يقدر على العود إلا في جوار كافرٍ. ولم يوجد من الطبع تأفف، ولا من الباطن اعتراض، إذ لو كان غيره لقال: يا رب أنت مالك الخلق، وأقدرُ على النصر، فلم أُذلّ؟. كم قال عمر رضي الله عنه يوم صلح الحديبية: ألسنا على الحق؟ فلم نعطي الدنيةَ في ديننا؟ ولما قال هذا قال له الرسول : «إني عبد الله، ولن يضيعني» [متفق عليه]. فجمعت الكلمتان الأصلين اللذين ذكرناهما: فقوله: «إني عبد الله» إقرار بالملك، وكأنه قال: أنا مملوك يفعل بي ما يشاء. وقوله: «لن يضيعني» بيان حكمته وأنه لا يفعل شيئًا عبثًا. ثم يُبتلى بالجوع فيشد الحجر، ولله خزائن السموات والأرض. ويقتل أصحابه، ويشج وجهه، وتكسر رباعيته، ويُمثّل بعمه، وهو ساكت. ثم يرزق ابنًا ويسلب منه، فيتعلل بالحسن والحسين، فيخبر بما سيجري عليهما. ويسكن بالطبع إلى عائشة رضي الله عنها، فينغص عيشه بقذفها. ويبالغ في إظهار المعجزات، فيقام في وجهه مسيلمة والعنسي وابن صياد. ويقيم ناموس الأمانة والصدق فيقال: كذاب ساحر. ثم يعلقه المرض، فيوعك كما يوعك رجلان وهو ساكن ساكت. ثم يشدد عليه الموت، فيُسلب روحه الشريفة، وهو مضطجعٌ في كساء ملبد وإزار غليظ، وليس عندهم زيت يوقد به المصباح لَيْلَتَئِذٍ! هذا شيء ما قدر على الصبر عليه كما ينبغي نبي قبله، ولو ابتليت به الملائكة ما صبرت »!. ولكن ماذا بعد هذا الضيق والشدائد؟ ماذا بعد هذه المحن والمصائب؟ ماذا بعد هذا الصبر والثبات العظيم؟ ماذا بعد هذا التوكل والرضا؟ جاءه الفرج من الله... جاءه النصر المبين... جاءه المدد من السماء... إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51]. وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران: 123]. وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55]. وهكذا عاقبة الصبر والثبات والتوكل والرضا؛ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [الصف: 13].
( اهم مؤديات الفرج بعد الكرب واليسر بعد الشدة) 1/ 4- إقامة الصلاة: فللصلاة تأثير عجيب في علاج الهموم والغموم وتفريج الكرب، ولذلك فقد أمر الله تعالى بالاستعانة بها في كل الأمور فقال تعالى: ( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]. وقال تعالى: ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِين)ُ [الحجر: 97-99]. وقد كان النبي إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة وقال عليه الصلاة والسلام: «يا بلال أرحنا بالصلاة». 2/5- ذكر الله تعالى: وذكر الله تعالى من أسباب التغلب على الشدائد والكربات والهموم والغموم. قال تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28]. وقال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة: 152]. فإذا ذكر المريض ربه ذكره الله بالصحة والعافية وإذا ذكر المهموم ربه، ذكره الله بشرح الصدر وتفريج الهموم. 9؟ وإذا ذكر الخائف ربه، ذكره الله بالأمن والسكينة والطمأنينة. 3/ومن أنواع الذكر: الدعاء: قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ [النمل: 62]. ومن الذكر تلاوة القرآن: قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]. ومن الذكر: الصلاة على النبي : فقد قال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال: «إذن يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك» [رواه أحمد]. ومن الذكر: ما يُقال عند الكرب: ومن ذلك قوله : «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله إلا إله إلا أنت» [رواه أبو داود وحسنه الألباني]. وفي الصحيحين عن ابن عباس -رضي الله عنه- أن رسول الله كان يقول عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم». أخي الكريم... هذه المقدمة جعلناها بين يدي مجموعة من القصص والأخبار التي فيها الفرج بعد الشدة،ن والأمن بعد الخوف، واليسر بعد العسر، حتى لا ييأس من رحمة الله يائس، ولا يزهد في فرج الله وأسباب نجاته زاهد... وقد جاء في بعض الآثار عن الله عز وجل: أيؤمّل غيري للشدائد، والشدائد بيدي، وأنا الحي القيوم؟! أيرجى غيري، ويطرق بابه بالبركات، وبيدي مفاتيح الخزائن، وبابي مفتوح لمن دعاني؟! من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم فخيبت رجاءه؟ أو من ذا الذي طرق بابي، فلم أفتحه له؟ أنا غاية الآمال، فكيف تنقطع الآمال دوني؟ أبخيلٌ أنا فيبخلني عبدي؟ أليست الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي؟ فما يمنع المؤملين أن يؤملوني؟ لو جمعت أهل السموات والأرض، ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع، وبلغت كل واحد منهم أمله، لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة. كيف ينقص ملك أنا قَيِّمه؟! فيا بؤسًا للقانطين من رحمتي! ويا بؤسًا لمن عصاني وتوثب على محارمي. فأين عني تهرب الخلائق؟ وأين عن بابي يتنحى العاصون؟
قد تأتيك السعادة دون أن تعرف السبب، ولكن تيقن أنها قد تكون: دعوة من قلب محب ، أو بسبب جبرك لخاطر مهموم أو معـروفا قدمته لوجه الله وقد نسـيته. كلما ضاقت أو تاهت بك الظنون تذكر : (إن الله بكل شي عليم) (وهو معكم أينما كنتم) (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) أسأل الله أن يـسعدكم سعادةً لايخالـطها همٌ ولا حزن. والسلام عليكم هلموا يا اصحاب الكروب ويا ايها المهمومين
وجاء الفرج من الله معجزات حادثة الافك وكيف فرج الله كرب عائشة بصدقها وورعها وسلامة نيتها وصبرها علي البلاء حادثة الإفك ................. روى البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج النبي حين قال لها أهل الإفك ما قالوا: كان رسول الله إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله بعدما أنزل الحجاب، فكنت أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقدٌ لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه – وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يَهْبُلْنَ ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العُلقة من الطعام – فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه، وكنت جارية حديثة السن، ...فبعثوا الجمل فساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، ...فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب. فتيممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ. ...فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، ووالله ما تكلمنا بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها، فقمت إليها فركبتها، ...فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول قالت: فهلك من هلك. وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول. قال عروة: أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه. وقال عروة أيضًا: لم يسم من أهل الإفك أيضًا إلا حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم، غير أنهم عصبةٌ – كما قال الله تعالى – وإن كَبِرَ ذلك يقال عبد الله بن أبي بن سلول. قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال: فإن أبى ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء قالت عائشة: فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرًا، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، .....إنما يدخل عليَّ رسول الله فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ ... ثم ينصرف، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر، حتى خرجت نقهت، فخرجت مع أم مسطح – قبل المناصع – وكان متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل – وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، ...قالت: وأمرنا أمر العرب الأول في البرية قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنيف أن نتخذها عند بيوتنا. قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح – وهي: ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، أمها: بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب – فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت؛ أتسبين رجلاً شهد بدرًا؟ فقالت: أي هنتا، ولم تسمعي ما قال؟ قالت: وقلت: ما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك. قالت: فازددت مرضًا على مرضي. فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله ، فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت له: أتذان لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما. قالت: فأذن لي رسول الله فقلت لأمي: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية، هوني عليك. فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها. قالت فقلت: سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي. قالت: ودعا رسول الله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلْبثَ الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله. قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه، فقال أسامة: أهلك، ولا نعلم إلا خيرًا. وأما علي فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك. قالت: فدعا رسول الله بريرة فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قال له بريرة: والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمرًا قط أغمصه، غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهليها فتأتي الداجن فتأكله. قالت: فقام رسول الله من يومه فاستعذر من عبد الله بن أُبي – وهو على المنبر – فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا. ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيرًا، وما يدخل على أهلي إلا معي. قالت: فقام سعد بن معاذ –أخو بني عبد الأشهل – فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. قالت: قام رجل من الخزرج – وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج. قالت: وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا، ولكن احتملته الحمية – فقال لسعد: كذبت لعمر الله، لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل. ...فقام أسيد بن حضير – وهو ابن عم سعد – فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله، لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين. قالت: فثار الحيان الأوس والخزرج – حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر. قالت: فلم يزل رسول الله يخفضهم حتى سكتوا وسكت. قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم. قالت: وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، حتى أني لأظن أن البكاء فالق كبدي. فبينا أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليَّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي. قالت: فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله علينا فسلم ثم جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، ولقد لبث شهرًا لا يُوحى إليه في شأني بشيء. قالت: فتشهد رسول الله حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف ثم تاب؛ تاب الله عليه. قالت: فلما قضى رسول الله مقالته قَلَصَ دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله عني في ما قال، فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله . فقلت لأمي: أجيبي رسول الله في ما قال: قالت أمي والله ما أدري ما أقول لرسول الله . فقلت – وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرًا: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة – لا تصدقونني، ولئن اعترفت لكم بأمر – والله يعمل أني منه بريئة – لتصدِّقني، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18]. ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، والله يعلم أني حينئذ بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي. ...... ولكن والله ما كنت أظن أن الله تعالى منزل في شأني وحيًا يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله مجلسه ولا خرج أحدٌ من أهل البيت حتى أُنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحَاء، حتى أنه ليتحدر منه العرق مثل الجمعان – وهو في يوم شات – من ثقل القول الذي أنزل عليه. قالت: فسري عن رسول الله وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، أما الله فقد برأك. قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: لا والله لا أقوم إليه، فإني لا أحمد إلا الله عز وجل. قالت: وأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 11]. العشر الآيات. ثم أنزل الله تعالى هذا في براءتي. ......... قال أبو بكر الصديق- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال؛ فأنزل الله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22]. .......... قال أبو بكر الصديق: بلى. والله، إني لأحب أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا. ..... قالت عائشة: وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال لزينب: ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرًا. قالت عائشة: وهي التي كانت تُساميني من أزواج النبي ، فعصمها الله بالورع. قالت: وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك، قال ابن شهاب: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط. ثم قال عروة: «قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أثنى قط. قالت: ثم قُتل بعد ذلك في سبيل الله».
وعن أَبي مالك الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ- أَوْ تَمْلأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ)). رواه مسلم. ....... قوله: ((الطُّهور شطر الإيمان))، أي: نصفه؛ لأن خصال الإيمان قسمان: ظاهرة، وباطنة، فالطهور من الخصال الظاهرة، والتوحيد من الخصال الباطنة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)). قوله: ((والحمد لله تملأ الميزان))، أي: عِظَم أجرها يملأ ميزان الحامد لله تعالى. قوله: ((وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السموات والأرض))، أي: لو كان جسمين لملآ ما ذكر، ففيه عظم فضلهما وعلوِّ مقامهما.
اعلم انني كررتها قبلا واليوم اذكرها لأهمية محتواها بالنسبة للمؤمنين ... قصة النفر الثلاثة: أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: «بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، ...فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها؛ لعله يفرجها فقال أحدهم: ..... اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار ..كنت أرعى عليهم، ...فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه ناء بي الشجر(أي اخرني وأبعدني) فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحليب فقمت عند رأسيهما، ... ....أكره أن أوقظهما من نومهما، ....وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون(اي يبكون ويصرخون من الجوع) عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، ....فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء ...ففرج لهم فرجة، وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ...فطلبت إليها نفسها، فأبت حتى آتيها بمائة دينار.... فسعيت حتى جمعت مائة دينار فلقيتها بها فلما قعدت بين رجليها، ...قالت: يا عبد الله، اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها ... اللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها ...، ففرج لهم فرجة، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا لم أعرفه، فلما قضى عمله ...قال: أعطني حقي، فعرضت عين حقه، فتركه، ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا وراعيها، ..... فجاءني وقال: اتق الله ولا تظلمني، وأعطني حقي فقلت: اذهب إلى تلك البقر وراعيها، فقال: اتق الله ولا تهزأ بي، فقلت: إني لا أهزأ بك فخذ تلك البقر وراعيها، فأخذه فانطلق، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج ما بقي، ففرج الله عنهم».وفي رواية وخرجوا يمشون..
4 لا ترجُ غير الله عن أبي حسان الزيادي قال: لحقني ما يلحق الرجال من الشدائد، واقتضاني جماعة كنت أعاملهم فيما أحتاج إليه لمنزلي ما لهم عليَّ، وألحت رقاعهم فيه، فشكوت ذلك إلى زوجتي فقالت: نشدتك الله إلا ما اقتصرت على الله تبارك وتعالى ولا ترجُ أحدًا من خلقه. ففعلت ذلك، وكان لي دهليز واسع ينوب عن مجلس في الدار، كنت أجتمع فيه مع الفقهاء، ونتناظر في دقائق الفقه، فإني لجالس فيه تلك العشية، وهو خالٍ ممن كان يغشاه، إذ دخل إليَّ رجل من الخراسانية يريد الحج، وكان الوقت قريبًا من وقت المسير إلى الحج. فقال لي: أصلحك الله إن رأيت أن تقبل مني هذه البدرة من الدراهم وديعة إلى رجوعي من الموسم. قلت: أفعل. فأخذتها منه مضمونة، فعمدت إليها ففضضت عنها خاتمها وقسمتها في معاملتي، وفي سائر مهماتي حتى استنفدتها وقضيت كل دين كان عليَّ. فلما أصبحت ركبت وأطلت. ثم رجعت ووجدت الخراساني على الباب ينظرني، وهو قد بدا له عمَّا عزم عليه من الخروج إلى مكة، فلما رأيته ضاقت بي الأرض وقال لي: احتجت إلى تلك الوديعة. قلت له: ليس أصل إليها الساعة، فعد إليَّ غدًا نقبضها إن شاء الله. فانصرف ودخلت إلى زوجتي فأعلمتها بذلك فقالت لي: .......................................... ارجع إلى الله عز وجل في أمرك، فليس يملك كشف هذا الكرب عنا غيره. ......................................... فرجعت ...أتضرع إلى الله عز وجل في تلك الليلة في إسدال ستره وتعجيل فرجه، وفزعت إليه بهمي وكربي. ثم ركبت بغلتي في الغلس،( اي في دغيشة الصبح ) وأنا لا أدري أين أتوجه، فعبرت الجسر وأخذت نحو المخرم( مكان بالجوار )، ......... وما في نفسي أحد أقصده واستقبلني رجل راكب فقال لي: إليك بعثت. قلت: ومن بعثك؟ قال: دينار بن عبد الله. فأتيته فدخلت عليه وهو جالس فسألني عن خبري وشأني فقلت له: ما الذي أوجب إرسالك إليَّ وسؤالك عن شأني؟ قال: ما نمت هذه الليلة إلا أتاني آتٍ يقول: «أبو سفيان الزيادي تعرف خبره واكفه ما أهمه». فحدثته حديثي، فدعا بعشرين ألف درهم، فدفعها إليَّ، فرجعت فصليت في مسجدي صلاة الصبح، وجاء الخراساني فوفيته بدرته بتمامها وكمالها، وأنفقت باقي المال في حوائجي، وتوسعت. والحمد لله كشاف الكرب. ......
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق