الأربعاء، 27 يوليو 2022

مجلد 6. زاد المسير في علم التفسير المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

 

6. مجلد 6. زاد المسير في علم التفسير
المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

الكوة بلسان الحبشة وقال الزجاج هي من كلام العرب والمصباح السراج وإنما ذكر الزجاجة لأن النور في الزجاج أشد ضوءا منه في غيره وقرأ أبو رجاء العطاردي وابن أبي عبلة في زجاجة الزجاجة بفتح الزاي فيهما وقرأ معاذ القارئ وعاصم الجحدري وابن يعمر بكسر الزاي فيهما قال بعض أهل المعاني معنى الآية كمثل مصباح في مشكاة فهو من المقلوب
فأما الدري فقرأ أبو عمرو والكسائي وأبان عن عاصم دري بكسر الدال وتخفيف الياء ممدودا مهموزا قال ابن قتيبة المعنى على هذا إنه من الكواكب الدراري وهي اللاتي يدرأن عليك أي يطلعن وقال الزجاج هو ماخوذ من درأ يدرأ إذا اندفع منقضا فتضاعف نوره يقال تدارأ الرجلان إذا تدافعا وروى المفضل عن عاصم كسر الدال وتشديد الياء من غير همز ولا مد وهي قراءة عبد الله بن عمر والزهري وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم دري بضم الدال وكسر الراء

وتشديد الياء من غير مد ولا همز وقرأ عثمان بن عفان وابن عباس وعاصم الجحدري دري بفتح الدال وكسر الراء ممدودا مهموزا وقرأ أبي ابن كعب وسعيد بن المسيب وقتادة بفتح الدال وتشديد الراء والياء من غير مد ولا همز وقرأ ابن مسعود وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وابن يعمر بفتح الدال وكسر الراء مهموزا مقصورا قال الزجاج الدري منسوب إلى انه كالدر في صفائه وحسنه وقال الكسائي الدري الذي يشبه الدر والدري جار والدري يلتمع وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم والوليد بن عتبة عن ابن عامر بضم الدال وتخفيف الياء مع إثبات الهمزة والمد قال الزجاج فالنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه في هذا وقال الفراء ليس هذا بجائز في العربية لأنه ليس في الكلام فعيل إلا أعجمي مثل مريق وما أشبهه وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي المريق العصفر اعجمي معرب وليس في كلامهم اسم على زنة فعيل قال ابو علي وقد حكى سيبويه عن ابي الخطاب كوكب دري من الصفات ومن الاسماء المريق العصفر
قوله تعالى توقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتاء المفتوحة وتشديد القاف ونصب الدال يريدان المصباح لأنه هو الذي يوقد وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم يوقد بالياء مضمومة مع ضم الدال يريدون المصباح أيضا وقرأ حمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم توقد بضم التاء والدال يريدون الزجاجة قال الزجاج والمقصود مصباح الزجاجة فحذف المضاف
قوله تعالى من شجرة أي من زيت شجرة فحذف المضاف يدلك على ذلك قوله يكاد زيتها يضئ والمراد بالشجرة هاهنا شجرة الزيتون

وبركتها من وجوه فانها تجمع الأدم والدهن والوقود فيوقد بحطب الزيتون ويغسل برماده الإبريسم ويستخرج دهنه أسهل استخراج ويورق غصنه من أوله إلى آخره وإنما خصت بالذكر هاهنا دون غيرها لان دهنها أصفى وأضوأ
قوله تعالى لا شرقية ولا غربية فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها بين الشجر فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس قاله أبي ابن كعب ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثاني أنها في الصحراء لا يظلها جبل ولا كهف ولا يواريها شئ فهو اجود لزيتها رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال مجاهد والزجاج والثالث أنها من شجر الجنة لا من شجرة الدنيا قاله الحسن
قوله تعالى يكاد زيتها يضئ أي يكاد من صفائه يضئ قبل أن تصيبه النار بأن يوقد به نور على نور قال مجاهد النار على الزيت وقال ابن السائب المصباح نور والزجاجة نور وقال أبو سليمان الدمشقي نور النار ونور الزيت ونور الزجاجة يهدي الله لنوره فيه أربعة أقوال

أحدها لنور القرآن والثاني لنور الإيمان والثالث لنور محمد صلى الله عليه و سلم والرابع لدينه الإسلام - فصل
فأما وجه هذا المثل ففيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه شبه نور محمد صلى الله عليه و سلم بالمصباح النير فالمشكاة جوف رسول الله صلى الله عليه و سلم والمصباح النور الذي في قلبه والزجاجة قلبه فهو من شجرة مباركة وهو إبراهيم عليه السلام سماه شجرة مباركة لأن أكثر الأنبياء من صلبه لا شرقية ولا غربية لا يهودي ولا نصراني يكاد محمد صلى الله عليه و سلم يتبين للناس أنه نبي ولو لم يتكلم وقال القرظي المشكاة إبراهيم والزجاجة إسماعيل والمصباح محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم وقال الضحاك شبه عبد المطلب بالمشكاة وعبد الله بالزجاجة ومحمدا صلى الله عليه و سلم بالمصباح
والثاني أنه شبه نور الإيمان في قلب المؤمن بالمصباح فالمشكاة قلبه والمصباح نور الإيمان فيه وقيل المشكاة صدره والمصباح القرآن والإيمان اللذان في

صدره والزجاجة قلبه فكأنه مما فيه من القرأن والإيمان كوكب مضئ توقد من شجرة وهي الإخلاص فمثل الإخلاص عنده كشجرة لا تصيبها الشمس فكذلك هذا المؤمن قد احترس من أن تصيبه الفتن فان اعطي شكر وإن ابتلي صبر وإن قال صدق وإن حكم عدل فقلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم فاذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى كما يكاد هذا الزيت يضئ قبل أن تمسه النار فاذا مسته ا شتد نوره فالمؤمن كلامه نور وعمله نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إلى نور يوم القيامة
والثالث أنه شبه القرآن بالمصباح يستضاء به ولا ينقص والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة لسانه وفمه والشجرة المباركة شجرة الوحي تكاد حجج القرآن تتضح وإن لم نقرأ وقيل تكاد حجج الله تضئ لمن فكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن نور على نور أي القرآن نور من الله لخلقه مع ما قد قام لهم من الدلائل والاعلام قبل نزول القرآن
قوله تعالى ويضرب الله الأمثال أي ويبين الله الأشباه للناس تقريبا إلى الأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب
قوله تعالى في بيوت قال الزجاج في من صلة قوله كمشكاة

فالمعنى كمشاكة في بيوت ويجوز أن تكون متصلة بقوله يسبح له فيها فتكون فيها تكريرا على التوكيد والمعنى يسبح لله رجال في بيوت
فان قيل المشكاة إنما تكون في بيت واحد فكيف قال في بيوت
فعنه جوابان أحدهما أنه من الخطاب المتلون الذي يفتح بالتوحيد ويختم بالجمع كقوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
والثاني أنه راجع إلى كل واحد من البيوت فالمعنى في كل بيت مشكاة وللمفسرين في المراد بالبيوت ها هنا ثلاثة أقوال
أحدهما انها المساجد قاله ابن عباس والجمهور والثاني بيوت أزواج رسول الله ص قاله مجاهد والثالث بيت المقدس قاله الحسن
فأما أذن فمعنا امر وفي معنى ان ترفع قولان
أحدها أن تعظم قاله الحسن والضحاك
والثاني أن تبنى قاله مجاهد وقتادة

وفي قوله ويذكر فيها اسمه قولان
أحدهما توحيده رواه أبو صالح عن ابن عباس والثاني يتلى فيها كتابه رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
قوله تعالى يسبح قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي يسبح بكسر الباء وقرأ بن عامر وأبو بكر عن عاصم بفتحها وقرأ معاذ القارئ وأبو حيوة تسبح بتاء مرفوعة وكسر الباء ورفع الحاء
وفي قوله يسبح له فيها قولان
أحدهما أنه الصلاة ثم في صلاة الغدو قولان احدهما أنها صلاة الفجر رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس والثاني صلاة الضحى روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال إن صلاة الضحى لفي كتاب الله وما يغوص عليها إلاغواص ثم قرأ يسبح له فيها بالغدو والآصال وفي صلاة الآصال قولان أحدهما أنها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء قاله ابن السائب والثاني صلاة العصر قاله أبو سليمان الدمشقي
والقول الثاني أنه التسبيح المعروف ذكره بعض المفسرين
قوله تعالى رجال لا تلهيهم أي لا تشغلهم تجارة ولا بيع قال ابن السائب التجار الجلابون والباعة المقيمون وقال الواقدي التجارة ها هنا بمعنى الشراء

وفي المراد بذكر الله ثلاثة أقوال
أحدها الصلاة المكتوبة قاله ابن عباس وعطاء وروى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر فيهم نزلت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
والثاني عن القيام بحق الله قاله قتادة
والثالث عن ذكر الله باللسان ذكره أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى وإقام الصلاة أي أداؤها لوقتها وإتمامها
فان قيل إذا كان المراد بذكر الله الصلاة فما معنى إعادتها
فالجواب أنه بين أنهم يقيمونها بأدائها في وقتها
قوله تعالى تتقلب فيه القلوب والأبصار في معناه ثلاثة أقوال
أحدها أن من كان قلبه مؤمنا بالبعث والنشور ازداد بصيرة برؤية ما وعد به ومن كان قلبه على غير ذلك رأى ما يوقن معه بامر القيامة قاله الزجاج
والثاني أن القلوب تتقلب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك والأبصار تتقلب تنظر من أين يؤتون كتبهم أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال وأي ناحية يؤخذ بهم أذات اليمين أم ذات الشمال قاله ابن جرير
والثالث تتقلب القلوب فتبلغ إلى الحناجر وتتقلب الأبصار إلى الزرق بعد الكحل والعمى بعد النظر
قوله تعالى ليجزيهم المعنى يسبحون الله ليجزيهم أحسن ما عملوا أي ليجزيهم بحسناتهم فأما مساوئهم فلا يجزيهم بها ويزيدهم من فضله

مالم يستحقوه بأعمالهم والله يرزق من يشاء بغير حساب قد شرحناه في آل عمران والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوقه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
ثم ضرب الله مثلا للكفار فقال والذين كفروا أعمالهم كسراب قال ابن قتيبة السراب ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار والآل ما رأيته في أول النهار وآخره وهو يرفع كل شئ والقيعة والقاع واحد وقرأ أبي ابن كعب وعاصم الجحدري وابن السميفع بقيعات وقال الزجاج القيعة جمع قاع مثل جار وجيرة والقيعة والقاع ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماء يجري وذلك هو السراب والآل مثل السراب إلا انه يرتفع وقت الضحى كالماء بين السماء والأرض يحسبه الظمآن وهو الشديد العطش ماء حتى إذا جاء إلى موضع السراب رأى أرضا لاماء فيها فأعلم الله ان الكافر الذي يظن أن عمله قد نفعه عند الله كظن الذي يظن السراب ماء وعمله قد حبط قوله تعالى ووجد الله عنده أي قدم على الله فوفاه حسابه أي جازاه بعمله وهذا في الظاهر خبر عن الظمآن والمراد به الخبر عن الكافر

قوله تعالى والله سريع الحساب مفسر في البقرة
قوله تعالى أو كظلمات في هذا المثل قولان
أحدهما أنه لعمل الكافر قاله الجمهور واختاره الزجاج
والثاني أنه مثل لقلب الكافر في أنه لا يعقل ولا يبصر قاله الفراء فأما اللجي فهو العظيم اللجة وهو العميق يغشاه أي يعلو ذلك البحر موج من فوقه أي من فوق الموج موج والمعنى يتبع الموج موج حتى كان بعضه فوق بعض من فوقه أي من فوق ذلك الموج سحاب
ثم ابتدأ فقال ظلمات يعني ظلمة البحر وظلمة الموج الأول وظلمة الموج الذي فوق الموج وظلمة السحاب وقرأ ابن كثير وابن محيصن سحاب ظلمات مضافا إذا أخرج يده يعني إذا أخرجها مخرج لم يكد يراها فيه قولان
أحدهما أنه لم يرها قاله الحسن واختاره الزجاج قال لأن في دون هذه الظلمات لا يرى الكف وكذلك قال ابن الأنباري معناه لم يرها البتة لأنه قد قام الدليل عند وصف تكاثف الظلمات على ان الرؤية معدومة فبان بهذا الكلام أن يكد زائدة للتوكيد بمنزلة ما في قوله عما قليل ليصبحن نادمين المؤمنون
والثاني أنه لم يرها إلا بعد الجهد قاله المبرد قال الفراء وهذا كما تقول ما كدت أبلغ إليك وقد بلغت قال الفراء وهذا وجه العربية - فصل
فأما وجه المثل فقال المفسرون لما ضرب الله للمؤمن مثلا بالنور

ضرب للكافر هذا المثل بالظلمات والمعنى أن الكافر في حيرة لا يهتدي لرشد وقيل الظلمات ظلمة الشرك وظلمة المعاصي وقال بعضهم ضرب الظلمات مثلا لعمله والبحر اللجي لقلبه والموج لما يغشى قلبه من الشرك والجهل والحيرة والسحاب للرين والختم على قلبه فكلامه ظلمة وعمله ظلمة ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة
قوله تعالى ومن لم يجعل الله له نورا فيه قولان
أحدهما دينا وإيمانا قاله ابن عباس والسدي والثاني هداية قاله الزجاج ألم تر ان الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير
قوله تعالى ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض قد تقدم تفسيره
قوله تعالى والطير أي وتسبح له الطير صافات أي باسطات اجنحتها في الهواء وإنما خص الطير بالذكر لأنها تكون بين السماء والارض إذا طارت فهي خارجة عن جملة من في السماوات والأرض
قوله تعالى كل أي من الجملة التي ذكرها قد علم صلاته وتسبيحه قال المفسرون الصلاة لبني آدم والتسبيح لغيرهم من الخلق
وفي المشار إليه بقوله قد علم قولان
أحدهما أنه الله تعالى والمعنى قد علم الله صلاة المصلي وتسبيحه قاله الزجاج

والثاني أنه المصلي والمسبح ثم فيه قولان أحدهما قد علم المصلي والمسبح صلاة نفسه وتسبيحه أي قد عرف ما كلف من ذلك والثاني قد علم المصلي صلاة الله وتسبيحه أي علم أن ذلك لله تعالى وحده
وقرأ قتادة وعاصم الجحدري وابن يعمر كل قد علم برفع العين وكسر اللام صلاته وتسبيحه بالرفع فيهما ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى ألودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
قوله تعالى ألم تر أن الله يزجي سحابا أي يسوقه ثم يؤلف بينه أي يضم بعضه إلى بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة والسحاب لفظه لفظ الواحد ومعناه الجمع فلهذا قال يؤلف بينه ثم يجعله ركاما أي يجعل بعض السحاب فوق بعض فترى الودق وهو المطر قال الليث الودق المطر كله شديده وهينه
قوله تعالى من خلاله وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومجاهد والضحاك من خلله والخلال جمع خلل مثل جبال وجبل وينزل من السماء مفعول الإنزال محذوف تقديره وينزل من السماء من جبال فيها من برد بردا فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه ومن الأولى لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء والثانية للتبعيض لأن الذي ينزله الله بعض تلك الجبال والثالثة لتبيين الجنس لأن جنس تلك الجبال

جنس البرد قال المفسرون وهي جبال في السماء مخلوقة من برد وقال الزجاج معنى الكلام وينزل من السماء من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد المعنى هذا خاتم حديد في يدي
قوله تعالى فيصيب به أي البرد من يشاء فيضره في زرعه وثمره والسنا الضوء يذهب وقرأ مجاهد وأبو جعفر يذهب بضم الياء وكسر الهاء يقلب الله الليل والنهار أي يأتي بهذا ويذهب بهذا إن في ذلك التقلب لعبرة لأولي الأبصار أي دلالة لأهل البصائر والعقول على وحدانية الله وقدرته والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير
قوله تعالى والله خلق كل دابة وقرأ حمزة والكسائي والله خالق كل دابة من ماء وفي الماء قولان
أحدهما ان الماء أصل كل دابة والثاني أنه النطفة والمراد به جميع الحيوان المشاهد في الدنيا وإنما قال فمنهم تغليبا لما يعقل وإنما لم يذكر الذي يمشي على أكثر من أربع لأنه في رأي العين كالذي يمشي على اربع وقيل لأنه يعتمد في المشي على اربع وإنما سمي السائر على بطنه ماشيا لأن كل سائر ومستمر يقال له ماش وإن لم يكن حيوانا حتى إنه يقال قد مشى هذا الأمر هذا قول الزجاج وقال أبو عبيدة إنما هذا على سبيل التشبيه بالماشي لأن المشي لا يكون على البطن إنما يكون

لمن له قوائم فإذا خلطوا ماله قوائم بما لا قوائم له جاز ذلك كما يقولون أكلت خبزا ولبنا ولا يقال أكلت لبنا
لقد انزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون
قوله تعالى ويقولون آمنا بالله قال المفسرون نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر كان بينه وبين حكومة يهودي فدعا اليهودي المنافق إلى رسول الله ص ليحكم بينهما فقال المنافق لليهودي إن محمدا يحيف علينا ولكن بيني وبينك كعب بن الأشرف فنزلت هذه الآية
قوله تعالى ثم يتولى فريق منهم يعني المنافقين من بعد ذلك أي من بعد قولهم آمنا وما أولئك يعني المعرضين عن حكم الله ورسوله بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله أي إلى كتابه ورسوله ليحكم بينهم

الرسول إذا فريق منهم معرضون ومعنى الكلام أنهم كانوا يعرضون عن حكم الرسول عليهم لعلمهم أنه يحكم بالحق وإن كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه مذعنين لثقتهم أنه يحكم لهم بالحق قال الزجاج والإذعان في اللغة الإسراع مع الطاعة تقول قد أذعن لي أي قد طاوعني لما كنت ألتمسه منه
قوله تعالى أفي قلوبهم مرض أي كفر ام ارتابوا أي شكوا في القرآن وهذا استفهام ذم وتوبيخ والمعنى إنهم كذلك وإنما ذكره بلفظ الاستفهام ليكون أبلغ في ذمهم كما قال جرير في المدح ... ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح ...
أي انتم كذلك فأما الحيف فهو الميل في الحكم يقال حاف في قضيته أي جار بل اولئك هم الظالمون أي لا يظلم الله ورسوله احدا بل هم الظالمون لانفسهم بالكفر والإعراض عن حكم الرسول
ثم نعت المؤمنين فقال إنما كان قول المؤمنين قال الفراء ليس هذا بخبر ماض وإنما المعنى إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دعوا أن يقولوا سمعنا وقرأ الحسن وأبو الجوزاء إنما كان قول المؤمنين بضم اللام وقرأ أبو جعفر وعاصم الجحدري وابن أبي ليلى ليحكم بينهم برفع الياء وفتح الكاف وقال المفسرون سمعنا والمعنى قول رسول الله ص وأطعنا أمره وإن كان ذلك فيما يكرهونه
قوله تعالى ويخش الله أي فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما بعد ان يعصيه وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وورش عن نافع ويتقهي

موصولة بياء وروى قالون عن نافع ويتقه فأولئك بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء وقرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويتقه جزما وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فان تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين
قوله تعالى وأقسموا بالله قال المفسرون لما نزل في هؤلاء المنافقين ما نزل من بيان كراهتهم لحكم الله قالوا للنبي ص والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا فكيف لا نرضى حكمك فنزلت هذه الآية وقد بينا معنى جهد ايمانهم المائدة 53 لئن أمرتهم ليخرجن من أموالهم وديارهم وقيل ليخرجن إلى الجهاد قل لا تقسموا هذا تمام الكلام ثم قال طاعة معروفة قال الزجاج المعنى أمثل من قسمكم الذي لا تصدقون فيه طاعة معروفة قال ابن قتيبةك وبعض النحويين يقول الضمير فيها لتكن منكم طاعة معروفة أي صحيحة لا نفاق فيها
قوله تعالى فإن تولوا هذا خطاب لهم والمعنى فإن تتولوا فحذف إحدى التاءين ومعنى التولي الإعراض عن طاعة الله ورسوله فإنما عليه يعني الرسول ما حمل من التبليغ وعليكم ما حملتم من الطاعة وذكر بعض المفسرين أن هذا منسوح بآية السيف وليس بصحيح

قوله تعالى وإن تطيعوه يعني رسول الله ص تهتدوا وكان بعض السلف يقول من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة لقوله وإن تطيعوه تهتدوا وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلوة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون
قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم روى أبو عبد الله الحاكم في صحيحه من حديث أبي بن كعب قال لما قدم رسول الله ص - وأصحابه المدينة وآواهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة كانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا في لأمتهم فقالوا أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله عز و جل فنزلت هذه الآية قال أبو العالية لما أظهر الله عز و جل رسوله على جزيرة العرب وضعوا السلاح وامنوا ثم قبض الله نبيه فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا بالنعمة فأدخل الله عز و جل عليهم الخوف فغيروا فغير

الله تعالى ما بهم وروى أبو صالح عن ابن عباس أن هذا الوعد وعده الله أمة محمد في التوراة والإنجيل وزعم مقاتل أن كفار مكة لما صدوا رسول الله ص والمسلمين عن العمرة عام الحديبية قال المسلمون لو أن الله تعالى فتح علينا مكة فنزلت هذه الآية
قوله تعالى ليستخلفنهم أي ليجعلنهم يخلفون من قبلهم والمعنى ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها وعلى قول مقاتل المراد بالأرض مكة
قوله تعالى كما استخلف الذين من قبلهم وقرأ أبو بكر عن عاصم كما استخلف بضم التاء وكسر اللام يعني بني اسرائيل وذلك أنه لما هلكت الجبابرة بمصر أورثهم الله أرضهم وديارهم وأموالهم
قوله تعالى وليمكنن لهم دينهم وهو الإسلام وتمكينه إظهاره على كل دين وليبدلنهم وقرأ ابن كثير وأبو بكر وأبان ويعقوب وليبدلنهم بسكون الباء وتخفيف الدال من بعد خوفهم أمنا لأنهم كانوا مظلومين مقهورين يعبدونني هذا استئناف كلام في الثناء عليهم ومن كفر بعد ذلك بهذه النهم أي جحد حقها قال المفسرون وأول من كفر بهذه النهم قتله عثمان

لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الارض ومأواهم النار ولبئس المصير
قوله تعالى لا تحسبن الذين كفروا قرأ ابن عامر وحمزة عن عاصم لا يحسبن بالياء وفتح السين وقرأ الباقون بالتاء وكسر السين

يا أبها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلث مرات من قبل صلوة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلوة العشاء ثلث عورات لكم ليس عليكم ولاعليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم
قوله تعالى ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم في سبب نزولها قولان أحدهما أن رسول الله ص وجه غلاما من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فدخل فرأى عمر على حالة كره عمر رؤيته عليها فقال يار رسول الله وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس والثاني أن اسماء بنت مرثد كان لها غلام فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله ص فقالت إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حالة نكرهها فنزلت هذه الآية قاله مقاتل

ومعنى الآية ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم وفيهم قولان أحدهما أنه أراد الذكور دون الإناث قاله ابن عمر والثاني الذكور والإناث رواه أبو حصين عن أبي عبد الرحمن ومعنى الكلام ليستأذنكم مماليككم في الدخول عليكم قال القاضي أبو يعلى والأظهر أن يكون المراد العبيد الصغار والإماء الصغار لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته فكيف يضاف إلى الصبيان الذين هم غير مكلفين
قوله تعالى والذين لم يبلغوا الحلم وقرأ عبد الوارث الحلم باسكان اللام منكم أي من أحراركم من الرجال والنساء ثلاث مرات أي ثلاثة أوفات بينها فقال من قبل صلاة الفجر وذلك لأن الإنسان قد يبيت عريانا أو على حالة لا يحب أن يطلع عليه فيها وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة أي القائلة ومن بعد صلاة العشاء حين يأوي الرجل إلى زوجته ثلاث عورات قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم ثلاث عورات برفع الثاء من ثلاث والمعنى هذه الأوقات هي ثلاث عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فربما بدت عورته وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ثلاث عورات بنصب الثاء قال أبو علي وجعلوه بدلا من قوله ثلاث مرات والأوقات ليست عورات ولكن المعنى أنها اوقات ثلاث عورات فلما حذف المضاف أعرب باعراب المحذوف وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن جبير والأعمش عورات بفتح الواو ليس عليكم يعني المؤمنين الأحرار ولا عليهم يعني الخدم

والغلمان جناح أي حرج بعدهن أي بعد مضي هذه الأوقات أن لا يستأذنوا فرفع الحرج عن الفريقين طوافون عليكم أي هم طوافون عليكم بعضكم على بعض أي يطوف بعضكم وهم المماليك على بعض وهم الأحرار فصل
وأكثر علماء المفسرين على أن هذه الآية محكمة وممن روي عنه ذلك ابن عباس والقاسم بن محمد وجابر بن زيد والشعبي وحكي عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة بقوله وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا والأول أصح لأن معنى هذه الأية وإذا بلغ الأطفال منكم أو من الأحرار فليستأذنوا أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم كما استأذن الذين من قبلهم يعني كما استأذن الأحرار الكبار الذين هم قبلهم في الوجود وهم الذين أمروا بالاستئذان على كل حال فالبالغ يستاذن في كل وقت والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث
قوله تعالى والقواعد من النساء قال ابن قتيبة يعني العجز واحدها قاعد ويقال إنما قيل لها قاعد لقعودها عن الحيض والولد وقد تقعد عن الحيض والولد ومثلها يرجو النكاح ولا أراها سميت قاعدا إلا بالقعود لأنها إذا أسنت عجزت عن التصرف وكثرة الحركة وأطالت القعود فقيل لها قاعد بلا هاء ليدل حذف الهاء على أنه قعود كبر كما قالوا امرأة حامل ليدلوا بحذف الهاء على أنه حمل حبل وقالوا في غير ذلك قاعدة في بيتها وحاملة على ظهرها
قوله تعالى أن يضعن ثيابهن أي عند الرجال ويعني بالثياب

الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار هذا المراد بالثياب لا جميع الثياب غير متبرجات بزينة أي من غير أن يردن بوضع الجلباب أن ترى زينتهن والتبرج إظهار المرأة محاسنها وأن يستعففن فلا يضعن تلك الثياب خير لهن قال ابن قتيبة والعرب تقول امرأة واضع إذا كبرت فوضعت الخمار ولا يكون هذا إلا في الهرمة قال القاضي أبو يعلى وفي هذه الآية دلالة على أنه يباح للعجوز كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال وأما شعرها فيحرم النظر إليه كشعر الشابة
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تاكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعماكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون قوله تعالى ليس على الأعمى حرج في سبب نزولها خمسة أقوال أحدها أنه لما نزل قوله تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل النساء 29 تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج وقالوا الطعام أفضل الأموال وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل

والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والمريض لا يستوفي الطعام فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس
والثاني أن ناسا كانوا إذا خرجوا مع رسول الله ص وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا فكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فنزلت هذه الآية قاله سعيد بن المسيب
والثالث أن العرجان والعميان كانوا يمتنعون عن مؤاكلة الأصحاء لأن الناس يتقذرونهم فنزلت هذه الآية قاله سعيد بن جبير والضحاك
والرابع أن قوما من أصحاب رسول الله ص كانوا إذا لم يكن عندهم ما يطعمون المريض والزمن ذهبوا به إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم وبعض من سمى الله عز و جل في هذه الآية فكان أهل الزمانة يتحرجون من أكل ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير مالكه فنزلت هذه الآية قاله مجاهد
والخامس أنها نزلت في إسقاط الجهاد عن أهل الزمانة المذكورين في الآية قاله الحسن وابن يزيد

فعلى القول الأول يكون معنى الآية ليس عليكم في الاعمى حرج أن تأكلوا معه ولا في الأعرج وتكون على بمعنى في ذكره ابن جرير وكذلك يخرج معنى الآية على كل قول بما يليق به وقد كان جماعة من المفسرين يذهبون إلى أن آخر الكلام ولا على المريض حرج وأن ما بعده مستأنف لا تعلق له به وهو يقوي قول الحسن وابن زيد
قوله تعالى أن تأكلوا من بيوتكم فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها بيوت الأولاد
والثاني البيوت التي يسكنونها وهم فيها عيال غيرهم فيكون الخطاب لأهل الرجل وولده وخادمه ومن يشتمل عليه منزله ونسبا اليهم لأنهم سكانها
والثالث أنها بيوتهم والمراد أكلهم من مال عيالهم وأزواجهم لأن بيت المرأة كبيت الرجل
وإنما أباح الأكل من بيوت القرابات المذكورين لجريان العادة ببذل طعامهم له فإن كان الطعام وراء حرز لم يجز هتك الحرز
قوله تعالى أو ما ملكتم مفاتحه فيه ثلاثة اقوال
أحدها أنه الوكيل لا بأس أن يأكل اليسير وهو معنى قول ابن عباس وقرأها سعيد بن جبير وأبو العالية ملكتم بضم الميم وتشديد اللام مع كسرها على ما لم يسم فاعله وفسرها سعيد فقال يعني القهرمان الذي بيده المفاتيح وقرأ أنس بن مالك وقتادة وابن يعمر مفتاحه بكسر الميم على التوحيد
والثاني بيت الإنسان الذي يملكه وهو معنى قول قتادة
والثالث بيوت العبيد قاله الضحاك

قوله تعالى أو صديقكم قال ابن عباس نزلت هذه في الحارث بن عمرو خرج مع رسول الله ص غازيا وخلف مالك بن زيد على أهله فلما رجع وجده مجهودا فقال تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك فنزلت هذه الآية وكان الحسن وقتادة يريان الأكل من طعام الصديق بغير استئذان جائزا
قوله تعالى ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال أحدها أن حيا من بني كنانة يقال لهم بنو ليث كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح فنزلت هذه الآية قاله قتادة والضحاك
والثاني أن قوما من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فنزلت هذه الآية ورخص لهم أن ياكلوا جميعا أو أشتاتا قاله عكرمة
والثالث أن المسلمين كانوا يتحرجون من مؤاكلة اهل الضر خوفا من أن يستأثروا عليهم ومن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في مأكلهم وزيادة بعضهم على بعض فوسع عليهم وقيل ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أي مجتمعين أو أشتاتا أي متفرقين قاله ابن قتيبة
قوله تعالى فإذا دخلتم بيوتا فيها ثلاثة أقوال

أحدها أنها بيوت أنفسكم فسلموا على أهاليكم وعيالكم قال جابر بن عبد الله وطاووس وقتادة والثاني أنها المساجد فسلموا على من فيها قاله ابن عباس والثالث بيوت الغير فالمعنى إذا دخلتم بيوت غيركم فسلموا عليهم قاله الحسن
قوله تعالى تحية قال الزجاج هي منصوبة على المصدر لأن قوله فسلموا بمعنى فحيوا وليحي بعضكم بعضا تحية من عند الله قال مقاتل مباركة بالاجر طيبة أي حسنة إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم قوله تعالى وإذا كانوا معه يعني مع رسول الله ص على أمر جامع أي على أمر طاعة يجتمعون عليها نحو الجهاد والجمعة والعيد ونحو ذلك لم يذهبوا حتى يستاذنوه قال المفسرون كان رسول الله ص إذا صعد المنبر

يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله ص حيث يراه فيعرف أنه إنما قام ليستأذن فيأذن لمن شاء منهم فالأمر إليه في ذلك قال مجاهد وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده
قوله تعالى واستغر لهم الله أي لخروجهم عن الجماعة إن رأيت لهم عذرا لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لو اذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم
قوله تعالى لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه نهي عن التعرض لإسخاط رسول الله ص فإنه إذا دعا على شخص فدعوته موجبة قاله ابن عباس
والثاني أنهم أمروا أن يقولوا يا رسول الله ونهوا أن يقولوا يا محمد قاله سعيد بن خبير وعلقمة والأسود وعكرمة ومجاهد
والثالث أنه نهي لهم عن الإبطاء إذا أمرهم والتأخر إذا دعاهم حكاه الماوردي وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو المتوكل ومعاذ القارىء دعاء الرسول نبيكم بياء مشددة ونون قبل الباء
قوله تعالى قد يعلم الله الذين يتسللون التسلل الخروج في خفية

واللواذ أن يستتر بشيء مخافة من يراه والمراد بقوله قد يعلم التهديد بالمجازاة قال الفراء كان المنافقون يشهدون الجمعة فيذكرهم رسول الله ص ويعيبهم بالآيات التي أنزلت فيهم فإن خفي لأحدهم القيام قام فذلك قوله قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا اي يلوذ هذا بهذا أي يستتر ذا بذا وإنما قال لواذا لأنها مصدر لاوذت ولو كان مصدرا ل لذت لقلت لذت لياذا كما تقول قمت قياما وكذلك قال ثعلب وقع البناء على لاوذ ملاوذة ولو بني على لاذ يلوذ لقيل لياذا وقيل هذا كان في حفر الخندق كان المنافقون ينصرفون عن غير امر رسول الله ص مختفين
قوله تعالى فليحذر الذي يخالفون عن أمره في هاء الكناية قولان
احدهما أنها ترجع إلى الله عز و جل قال مجاهد
والثاني إلى رسول الله ص قال قتادة
وفي عن قولان أحدهما انها زائدة قال الاخفش والثاني أن معنى يخالفون يعرضون عن أمره وفي الفتنة هاهنا ثلاثة أقوال أحدها الضلالة قاله ابن عباس والثاني بلاء في الدنيا قاله مجاهد والثالثك كفر قاله السدي ومقاتل

قوله تعالى أو يصيبهم عذاب اليم فيه قولان
أحدهما القتل في الدنيا والثاني عذاب جهنم في الآخرة
قوله تعالى قد يعلم ما أنتم عليه أي ما في أنفسكم وما تنطوي عليه ضمائركم من الإيمان والنفاق وهذا تنبيه على الجزاء على ذلك

سورة الفرقان
بسم الله الرحمن الرحيم تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السموات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حيوة ولا نشورا
قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة في آخرين هي مكية وحكي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي قوله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى قوله غفورا رحيما الفرقان
قوله تعالى تبارك قد شرحناه في الأعراف والفرقان القرآن سمي فرقانا لأنه فرق به بين الحق والباطل
والمراد بعبده محمد صلى الله عليه و سلم ليكون فيه قولان

أحدهما أنه كناية عن عبده قاله الجمهور والثاني عن القرآن حكاه الماوردي
قوله تعالى للعالمين يعني الجن والإنس نذيرا أي مخوفا من عذاب الله
قوله تعالى فقدره تقديرا فيه ثلاثة أقوال
أحدها سواه وهيأه لما يصلح له فلا خلل فيه ولا تفاوت والثاني قدر له ما يصلحه ويقيمه والثالث قدر له تقديرا من الأجل والرزق
ثم ذكر ما صنعه المشركون فقال واتخذوا من دونه آلهة يعني الأصنام لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أي وهي مخلوقة ولا يملكون لأنفسهم ضرا أي دفع ضر ولا جر نفع لأنها جماد لا قدرة لها ولا يملكونها موتا أي لا تملك ان تميت أحدا ولا أن تحيي أحدا ولا أن تبعث احدا من الأموات والمعنى كيف يعبدون ما هذه صفته ويتركون عبادة من يقدر على ذلك كله وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا وقالوا اساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما
قوله تعالى وقال الذين كفروا يعني مشركي قريش وقال مقاتل هو قول النضر بن الحارث من بني عبد الدار إن هذا أي ما هذا يعنون القرآن إلا إفك أي كذب افتراه أي اختلفه من تلقاء نفسه وأعانه عليه قوم آخرون قال مجاهد يعنون اليهود وقال مقاتل أشاروا إلى عداس

مولى حويطب ويسار غلام عامر بن الحضرمي وجبر مولى لعامر أيضا وكان الثلاثة من أهل الكتاب
قوله تعالى فقد جاؤوا ظلما وزورا قال الزجاج المعنى فقد جاؤوا بظلم وزور فلما سقطت الباء أفضى الفعل فنصب والزور الكذب وقالوا أساطير الأولين المعنى وقالوا الذي جاء به أساطير الأولين وقد بينا ذلك في الأنعام قال المفسرون والذي قال هذا هو النضر بن الحارث ومعنى اكتتبها أمر أن تكبت له وقرأ أبن مسعود وإبراهيم النخعي وطلحة بن مصرف اكتتبها برفع التاء الأولى وكسر الثانية والابتداء على قراءتهم برفع الهمزة فهي تملي عليه أي تقرأ عليه ليحفظها لا ليكتبها لأنه لم يكن كاتبا بكرة وأصيلا أي غدوة وعشيا قل لهم يا محمد أنزله يعني القرآن الذي يعلم السر أي لا يخفي عليه شئ في السماوات والأرض وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا انزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز او تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا
قوله تعالى وقالوا يعني المشركين ما لهذا الرسول يأكل الطعام أنكروا أن يكون الرسول بشرا يأكل الطعام ويمشي في الطرق كما يمشي سائر الناس يطلب المعيشة والمعنى انه ليس بملك ولا ملك لأن الملائكة لا تأكل والملوك لا تتبذل في الأسواق فعجبوا أن يكون مساويا للبشر لا يتميز عليهم

بشئ وإنما جعله الله بشرا ليكون مجانسا للذين أرسل إليهم ولم يجعله ملكا يمتنع من المشي في الأسواق لأن ذلك من فعل الجبابرة ولأنه أمر بدعائهم فاحتاج أن يمشي بينهم
قوله تعالى لولا أنزل إليه ملك وذلك أنهم قالوا له سل ربك أن يبعث ملكا يصدقك ويجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا فذلك قوله أو يلقى إليه كنز أي ينزل إليه من السماء أو تكون له جنة يأكل منها أي بستان يأكل من ثماره قرا ابن كثير ونافع وابو عمرو وعاصم وابن عامر ياكل منها بالياء يعنون النبي صلى الله عليه و سلم وقرا حمزة والكسائي نأكل بالنون قال أبو علي المعنى يكون له علينا مزية في الفضل بأكلنا من جنته وباقي الآية مفسر في بني إسرائيل
قوله تعالى انظر يا محمد كيف ضربوا لك الأمثال حين مثلوك بالمسحور وبالكاهن والمجنو والشاعر فضلوا بهذا عن الهدى فلا يستطيعون سبيلا فيه قولان
أحدهما لا يستطيعون مخرجا من الأمثال التي ضربوها قاله مجاهد والمعنى أنهم كذبوا ولم يجدوا على قولهم حجة وبرهانا وقال الفراء لا يستطيعون في أمرك حيلة
والثاني سبيلا إلى الطاعة قاله السدي تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا

مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا
ثم أخبر أنه لو شاء لأعطاه خيرا مما قالوا في الدنيا وهو قوله خيرا من ذلك يعني لو شئت لأعطيتك في الدنيا خيرا مما قالوا لأنه قد شاء أن يعطيه ذلك في الآخرة ويجعل لك قصورا قرا ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويجعل لك قصورا برفع اللام وقرأ أبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ويجعل بجزم اللام فمن قرأ بالجزم كان المعنى إن يشأ يجعل لك جنات ويجعل لك قصورا ومن رفع فعلى الاستثناء المعنى ويجعل لك قصورا في الآخرة وقد سبق معنى أعتدنا النساء ومعنى السعير النساء
قوله تعالى إذ رأتهم من مكان بعيد قال السدي عن أشياخه من مسيرة مائة عام
فان قيل السعير مذكر فكيف قال إذا رأتهم
فالجواب أنه أراد بالسعير النار
قوله تعالى سمعوا لها تغيظا فيه قولان
أحدهما غليان تغيظ قاله الزجاج قال المفسرون والمعنى أنها تتغيظ عليهم فيسمعون صوت تغيظها وزفيرها كالغضبان إذا غلا صدره من الغيظ
والثاني يسمعون فيها تغيظ المعذبين وزفيرهم حكاه ابن قتيبة
قوله تعالى وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا قال المفسرون تضيق عليهم كما يضيق الزج على الرمح وهم قد قرنوا مع الشياطين والثبور الهلكة وقرأ عاصم الجحدري وابن السميفع ثبورا بفتح الثاء

قوله تعالى وادعوا ثبورا كثيرا قال الزجاج الثبور مصدر فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد كما تقول ضربته ضربا كثيرا والمعنى هلاكهم أكثر من أن يدعوا مرة واحدة وروى انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أول من يكسى من اهل النار يوم القيامة إبليس يكسى حلة من النار فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته خلفه وهو يقول واثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فينادي يا ثبوراه وينادون يا ثبورهم فيقول الله عز و جل لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعدا مسؤلا
قوله تعالى قل أذلك يعني السعير خير ام جنة الخلد وهذا تنبيه على تفاوت ما بين المنزلتين لا على أن في السعير خير وقال الزجاج قد وقع التساوي بين الجنة والنار في أنهما منزلان فلذلك وقع التفضيل بينهما

قوله تعالى كانت لهم جزاء أي ثوابا ومصيرا أي مرجعا
قوله تعالى كان على ربك المشار إليه إما الدخول وإما الخلود وعدا وعدهم الله إياه على ألسنة الرسل
وفي معنى مسؤولا قولان
أحدهما مطلوبا وفي الطالب له قولان أحدهما أنهم المؤمنون سألوا الله في الدنيا إنجاز ما وعدهم به والثاني أن الملائكة سألته ذلك لهم وهو قوله ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم غافر
والثاني أن معنى المسؤول الواجب ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول ءأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا ان نتخذ من دونك من اولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا
قوله تعالى ويوم يحشرهم قرا ابن كثير وحفص عن عاصم يحشرهم فيقول بالياء فيهما وقرأ نافع وابو عمرو وحمزة والكسائي

وأبو بكر عن عاصم نحشرهم بالنون فيقول بالياء وقرأ ابن عامر نحشرهم فنقول بالنون فيهما جميعا يعني المشركين وما يعبدون قال مجاهد يعني عيسى وعزيرا والملائكة وقال عكرمة والضحاك يعني الأصنام فيأذن الله للأصنام في الكلام ويخاطبها فيقول أأنتم أضللتم عبادي أي أمرتموهم بعبادتكم أم هم ضلوا السبيل أي أخطأوا الطريق قالوا يعني الأصنام سبحانك نزهوا الله تعالى أن يعبد غيره ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء نواليهم والمعنى ما كان ينبغي لنا أن نعبد نحن غيرك فكيف ندعو إلى عبادتنا فدل هذا الجواب على انهم لم يأمروا بعبادتهم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وابن جبير والحسن وقتادة وأبو جعفر وابن يعمر وعاصم الجحدري أن نتخذ برفع النون وفتح الخاء ثم ذكروا سبب تركهم الإيمان فقالوا ولكن متعتهم أي أطلت لهم العمر وأوسعت لهم الرزق حتى نسوا الذكر أي تركوا الإيمان بالقرآن والاتعاظ به وكانوا قوما بورا قال ابن عباس هلكي وقال في رواية أخرى البور في لغة أزد عمان الفاسد قال ابن قتيبة هو من بار يبور إذا هلك وبطل يقال بار الطعام إذا كسد وبارت الايم إذا لم يرغب فيها وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتعوذ من بوار الأيم قال وقال أبو عبيدة يقال رجل بور وقوم بور لا يجمع ولا يثنى واحتج بقول الشاعر

يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذا أنابور ...
وقد سمعنا ب رجل بائر ورأيناهم ربما جمعوا فاعلا على فعل نحو عائذ وعوذ وشارف وشرف قال المفسرون فيقال للكفار حينئذ فقد كذبوكم أي فقد كذبكم المعبودون في قولكم إنهم آلهة وقرأ سعيد ابن جبير ومجاهد ومعاذ القارئ وابن شنبوذ عن قنبل بما يقولون بالياء والمعنى كذبوكم بقولهم سبحانك ما كان ينبغي لنا الآية هذا قول الأكثرين وقال ابن زيد الخطاب للمؤمنين فالمعنى فقد كذبكم المشركون بما تقولون إن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى فما يستطعيون صرفا ولا نصرا قرأ الأكثرون بالياء وفيه وجهان
أحدهما فما يستطيع المعبودون صرفا للعذاب عنكم ولا نصرا لكم
والثاني فما يستطيع الكفار صرفا لعذاب الله عنهم ولا نصرا لأنفسهم وقرأ حفص عن عاصم تستطيعون بالتاء والخطاب للكفار وحكى ابن قتيبة عن يونس البصري أنه قال الصرف الحيلة من قولهم إنه ليتصرف
قوله تعالى ومن يظلم منكم أي بالشرك نذقه في الآخرة وقرأ عاصم الجحدري والضحاك وأبو الجوزاء وقتادة يذقه بالياء عذابا كبيرا أي شديدا وما ارسلنا قبلك من المرسلين قال الزجاج في الآية محذوف

تقديره وما أرسلنا قبلك رسلا من المرسلين فحذفت رسلا لان قوله من المرسلين يدل عليها
قوله تعالى إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق أي إنهم كانوا على مثل حالك فكيف تكون بدعا منهم
فان قيل لم كسرت إنهم هاهنا وفتحت في براءة في قوله أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم فقد بينا هنالك علة فتح تلك فأما كسر هذه فذكر ابن الأنباري فيه وجهين
أحدهما أن تكون فيها واو حال مضمرة فكسرت بعدها إن للاستئناف فيكون التقدير إلا وإنهم ليأكلون الطعام فأضمرت الواو هاهنا كما أضمرت في قوله أو هم قائلون الأعراف والتأويل أو وهم قائلون
والثاني أن تكون كسرت لإضمار من قبلها فيكون التقدير وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا من إنهم ليأكلون قال الشاعر ... فظلوا ومنهم دمعة سابق له وآخر يثني دمعة العين بالمهل ...
أراد من دمعه
قوله تعالى وجعلنا بعضكم لبعض فتنة الفتنة الابتلاء والاختبار
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها أنه افتتان الفقير بالغني يقول لو شاء لجعلني غنيا والأعمى بالبصير والسقيم بالصحيح قاله الحسن

والثاني ابتلاء الشريف بالوضيع والعربي بالمولى فاذا أراد الشريف أن يسلم فرأى الوضيع قد سبقه بالإسلام أنف فأقام على كفره قاله ابن السائب
والثالث أن المستهزئين من قريش كانوا إذا رأوا فقراء المؤمنين قالوا انظروا إلى أتباع محمد من موالينا ورذالتنا قاله مقاتل
فعلى الأول يكون الخطاب بقوله أتصبرون لأهل البلاء وعلى الثاني للرؤساء فيكون المعنى أتصبرون على سبق الموالي والأتباع وعلى الثالث للفقراء فالمعنى أتصبرون على أذى الكفار واستهزائهم والمعنى قد علمتم ما وعد الصابرون وكان ربك بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في انفسهم وعتو عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا
قوله تعالى وقال الذين لا يرجون لقاءنا أي لا يخافون البعث لولا أي هلا انزل علينا الملائكة فكانوا رسلا إلينا وأخبرونا بصدقك

أو نرى ربنا فيخبرنا أنك رسوله لقد استكبروا في أنفسهم أي تكبروا حين سألوا هذه الآيات وعتوا عتوا كبيرا قال الزجاج العتو في اللغة مجاوزة القدر في الظلم
قوله تعالى يوم يرون الملائكة فيه قولان
أحدهما عند الموت والثاني يوم القيامة
قال الزجاج وانتصب اليوم على معنى لا بشرى للمجرمين يوم يرون الملائكة ويومئذ مؤكد ل يوم يرون الملائكة والمعنى أنهم يمنعون البشرى في ذلك اليوم ويجوز أن يكون يوم منصوبا على معنى اذكر يوم يرون الملائكة ثم أخبر فقال لا بشرى والمجرمون هاهنا الكفار
قوله تعالى ويقولون حجرا محجورا وقرأ قتادة والضحاك ومعاذ القارئ حجرا بضم الحاء قال الزجاج وأصل الحجر في اللغة ما حجرت عليه أي منعت من ان يوصل إليه ومنه حجر القضاة على الأيتام
وفي القائلين لهذا قولان
أحدهما أنهم الملائكة يقولون للكفار حجرا محجورا أي حراما محرما وفيما حرموه عليهم قولان أحدهما البشرى فالمعنى حرام محرم ان تكون لكم البشرى قاله الضحاك والفراء وابن قتيبة والزجاج والثاني أن تدخلوا الجنة قاله مجاهد
والثاني أنه قول المشركين إذا عاينوا العذاب ومعناه الاستعاذة من الملائكة روي عن مجاهد أيضا وقال ابن فارس كان الرجل إذا لقي من يخافه في الشهر الحرام قال حجرا أي حرام عليك أذاي فاذا رأى

المشركون الملائكة يوم القيامة قالوا حجرا محجورا يظنون أنه ينفعهم كما كان ينفعهم في الدنيا
قوله تعالى وقدمنا قال ابن قتيبة أي قصدنا وعمدنا والأصل أن من اراد القدوم إلى موضع عمد له وقصده
قوله تعالى إلى ما عملوا من عمل أي من أعمال الخير فجعلناه هباء لأن العمل لا يتقبل مع الشرك
وفي الهباء خمسة أقوال
أحدها أنه ما رأيته يتطاير في الشمس التي تدخل من الكوة مثل الغبار قاله علي عليه السلام والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة واللغويون والمعنى ان الله أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء
والثاني أنه الماء المهراق رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثالث أنه ما تنسفه الرياح وتذريه من التراب وحطام الشجر رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس
والرابع أنه الشرر الذي يطير من النار إذا أضرمت فاذا وقع لم يكن شيئا رواه عطية عن ابن عباس
والخامس أنه ما يسطع من حوافر الدواب قاله مقاتل والمنثور المتفرق
قوله تعالى اصحاب الجنة يومئذ أي يوم القيامة خير مستقر

أفضل منزلا من المشركين وأحسن مقيلا قال الزجاج المقيل المقام وقت القائلة وهو النوم نصف النهار وقال الأزهري القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم وقال ابن مسعود وابن عباس لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقبل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا
قوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا هذا معطوف على قوله يوم يرون الملائكة وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر تشقق بالتشديد فأدغموا التاء في الشين لأن الأصل تتشقق قال الفراء المعنى تتشقق السماء عن الغمام وتنزل فيه الملائكة وعلى وعن والباء في هذا الموضع بمعنى واحد لان العرب تقول رميت عن القوس وبالقوس وعلى القوس والمعنى واحد وقال أبو علي الفارسي المعنى تتشقق السماء وعليها غمام كما تقول ركب الأمير بسلاحه وخرج بثيابه وإنما تتشقق السماء لنزول الملائكة قال ابن عباس تتشقق السماء عن الغمام وهو الغيم الأبيض وتنزل الملائكة في الغمام وقال مقاتل المراد بالسماء السماوات تتشقق عن الغمام وهو غمام أبيض كهيئة الضباب فتنزل الملائكة عند انشقاقها وقرأ ابن كثير وننزل بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة

واللام مضمومة والملائكة نصبا وقرأ عاصم الجحدري وأبو عمران الجوني ونزل بنون واحدة مفتوحة ونصب الزاي وتشديدها وفتح اللام ونصب الملائكة وقرأ ابن يعمر ونزل بفتح النون واللام والزاي والتخفيف الملائكة بالرفع
قوله تعالى الملك يومئذ الحق للرحمن قال الزجاج المعنى الملك الذي هو الملك حقا للرحمن فأما العسير فهو العصب الشديد يشتد على الكفار ويهون على المؤمنين فيكون كمقدار صلاة مكتوبة
قوله تعالى ويوم يعض الظالم على يديه في سبب نزولها ثلاثة أقوال
أحدها أن ابي بن خلف كان يحضر عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ويجالسه من غير أن يؤمن به فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك فنزلت هذه الآية رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس
والثاني أن عقبة دعا قوما فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم لطعام فأكلوا وأبى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأكل وقال لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فشهد بذلك عقبة فبلغ ذلك أبي بن خلف وكان خليلا له فقال صبوت يا عقبة فقال لا والله ولكنه أبى أن يأكل حتى قلت ذلك وليس من نفسي فنزلت هذه الآية قاله مجاهد

والثالث أن عقبة كان خليلا لأمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا فكفر وارتد لرضى أمية فنزلت هذه الآية قاله الشعبي
فأما الظالم المذكور هاهنا فهو الكافر وفيه قولان
أحدهما أنه أبي بن خلف رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني عقبة بن أبي معيط قاله مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة قال عطاء يأكل يديه حتى تذهبا إلى المرفقين ثم تنبتان فلا يزال هكذا كلما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل
قوله تعالى يا ليتني اتخذت الأكثرون يسكنون يا ليتني وأبو عمرو يحركها قال أبو علي والأصل التحريك لانها بازاء الكاف التي للخطاب إلا أن حرف اللين تكره فيه الحركة ولذلك أسكن من اسكن والمعنى ليتني اتبعته فاتخذت معه طريقا إلى الهدى
قوله تعالى ليتني لم أتخذ فلانا في المشار إليه أربعة أقوال
أحدها أنه عنى أبي بن خلف قاله ابن عباس والثاني عقبة بن أبي معيط قاله أبو مالك والثالث الشيطان قاله مجاهد والرابع امية ابن خلف قاله السدي
فان قيل إنما يكنى من يخاف المبادأة أو يحتاج إلى المداجاة فما وجه الكناية
فالجواب أنه أراد بالظالم كل ظالم واراد بفلان كل من أطيع في معصية وأرضي بسخط الله وإن كانت الآية نزلت في شخص قاله ابن قتيبة

قوله تعالى لقد أضلني عن الذكر أي صرفني عن القرآن والإيمان به بعد إذ جاءني مع الرسول وهاهنا تم الكلام ثم قال الله تعالى وكان الشيطان للانسان يعني الكافر خذولا يتبرأ منه في الآخرة وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا
قوله تعالى وقال الرسول يعني محمدا صلى الله عليه و سلم وهذا عند كثير من العلماء أنه يقوله يوم القيامة فالمعنى ويقول الرسول يومئذ وذهب آخرون منهم مقاتل إلى أن الرسول قال ذلك شاكيا من قومه إلى الله تعالى حين كذبوه وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو إن قومي اتخذوا بتحريك الياء وأسكنها عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي
وفي المراد بقوله مهجورا قولان
أحدهما متروكا لا يلتفتون إليه ولا يؤمنون به وهذا معنى قول ابن عباس ومقاتل

والثاني هجروا فيه أي جعلوه كالهذيان ومنه يقال فلان يهجر في منامه أي يهذي قاله ابن قتيبة وقال الزجاج الهجر ما لا ينتفع به من القول قال المفسرون فعزاه الله عز و جل فقال وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا أي كما جعلنا لك أعداء من مشركي قومك جعلنا لكل نبي عدوا من كفار قومه والمعنى لا يكبرن هذا عليك فلك بالأنبياء أسوة وكفى بربك هاديا ونصيرا يمنعك من عدوك قال الزجاج والباء في قوله بربك زائدة فالمعنى كفى ربك هاديا ونصيرا
وقال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا
قوله تعالى لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة أي كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور فقال الله عز و جل كذلك أي أنزلناه كذلك متفرقا لأن معنى ما قالوا لم نزل عليه متفرقا فقيل إنما أنزلناه كذلك لنثبت به فؤادك أي لنقوي به قلبك فتزداد بصيرة وذلك أنه كان يأتيه الوحي في كل أمر وحادثة فكان أقوى لقلبه وأنور لبصيرته وأبعد لاستيحاشه ورتلناه ترتيلا أي أنزلناه على الترتيل وهو التمكث الذي يضاد العجلة
قوله تعالى ولا يأتونك يعني المشركين بمثل يضربونه لك في مخاصمتك وإبطال أمرك إلا جئناك بالحق أي بالذي هو الحق لترد به كيدهم وأحسن تفسيرا من مثلهم والتفسير البيان والكشف
قال مقاتل ثم أخبر بمستقرهم في الآخرة فقال الذين يحشرون على

وجوههم وذلك أن كفار مكة قالوا إن محمدا وأصحابه شر خلق الله فنزلت هذه الآية
قوله تعالى أولئك شر مكانا أي منزلا ومصيرا وأضل سبيلا دينا وطريقا من المؤمنين ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا
قوله تعالى اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا
إن قيل إنما عاينوا الآيات بعد وجود الرسالة فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات
فالجواب أنهم كانوا مكذبين أنبياء الله وكتبه المتقدمة ومن كذب نبيا فقد كذب سائر الأنبياء ولهذا قال وقوم نوح لما كذبوا الرسل وقال الزجاج يجوز ان يكون المراد به نوح وحده وقد ذكر بلفظ الجنس كما يقال فلان يركب الدواب وإن لم يركب إلا دابة واحدة وقد شرحنا هذا في هود عند قوله وعصوا رسله وقد سبق معنى التدمير الاعراف
قوله تعالى وأصحاب الرس في الرس ثلاثة أقوال
أحدها أنها بئر كانت تسمى الرس قاله ابن عباس في رواية العوفي

وقال في رواية عكرمة هي بئر بأذربيجان وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة وقال السدي بئر بأنطاكية
والثاني أن الرس قرية من قرى اليمامة قاله قتادة
والثالث أنها المعدن قاله ابو عبيدة وابن قتيبة
وفي تسميتها بالرس قولان
أحدهما أنهم رسوا نبيهم في البئر قاله عكرمة قال الزجاج رسوه أي دسوه فيها
والثاني أن كل ركية لم تطو فهي رس قاله ابن قتيبة
واختلفوا في أصحاب الرس على خمسة أقوال
أحدها أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة فبعث الله تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بن يعقوب فحفروا له بئرا وألقوه فيها فهلكوا قاله علي عليه السلام
والثاني أنهم قوم كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوا نبيهم فأهلكهم الله قاله سعيد بن جبير
والثالث أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها وكانت لهم مواش وكانوا يعبدون الاصنام فبعث الله إليهم شعيبا فتمادوا في طفيانهم فانهارت البئر فخسف بهم وبمنازلهم قاله وهب بن منبه
والرابع أنهم الذين قتلوا حبيبا النجار قتلوه في بئر لهم وهو الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين يس قاله السدي
والخامس أنهم قوم قتلوا نبيهم وأكلوه وأول من عمل السحر نساؤهم قاله ابن السائب

قوله تعالى وقرونا المعنى وأهلكنا قرونا بين ذلك كثيرا أي بين عاد وأصحاب الرس وقد سبق بيان القرن الانعام وفي هذه القصص تهديد لقريش
قوله تعالى وكلا ضربنا له الأمثال أي أعذرنا إليه بالموعظة وإقامة الحجة وكلا تبرنا قال الزجاج التتبير والتدمير وكل شئ كسرته وفتته فقد تبرته وكسارته التبر ومن هذا قيل لمكسور الزجاج التبر وكذلك تبر الذهب ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم اضل سبيلا
قوله تعالى ولقد أتوا يعني كفار مكة على القرية التي أمطرت مطر السوء يعني قرية قوم لوط التي رميت بالحجارة افلم يكونوا يرونها في أسفارهم فيعتبروا ثم أخبر بالذي جرأهم على التكذيب فقال بل كانوا لا يرجون نشورا أي لا يخافون بعثا هذا قول المفسرين وقال الزجاج الذي عليه اهل اللغة أن الرجاء ليس بمعنى الخوف وإنما المعنى بل كانوا لا يرجون ثواب عمل الخير فركبوا المعاصي

قوله تعالى وإذا راوك إن يتخذونك أي ما يتخذونك إلا هزوا أي مهزوءا به ثم ذكر ما يقولون من الاستهزاء أهذا الذي بعث الله رسولا إن كاد ليضلنا عن آلهتنا أي ليصرفنا عن عبادة آلهتنا لولا أن صبرنا عليها أي على عبادتها قال الله تعالى وسوف يعلمون حين يرون العذاب في الآخرة من أضل أي من أخطأ طريقا عن الهدى اهم أم المؤمنون
ثم عجب نبيه من جهلهم حين عبدوا ما دعاهم إليه الهوى فقال أرأيت من اتخذ إلهه هواه قال ابن عباس كان أحدهم يعبد الحجر فاذا رأى ماهو أحسن منه رمى به وعبد الآخر وقال قتادة هو الكافر لا يهوى شيئا إلا ركبه وقال ابن قتيبة المعنى يتبع هواه ويدع الحق فهو له كالإله
قوله أفأنت تكون عليه وكيلا أي حفيظا يحفظه من اتباع هواه وزعم الكلبي ان هذه الآية منسوخة بآية القتال
قوله تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون يعني أهل مكة والمراد يسمعون سماع طالب الإفهام او يعقلون ما يعاينون من الحجج والأعلام إن هم إلا كالأنعام وفي وجه تشبيههم بالأنعام قولان
أحدهما أن الأنعام تسمع الصوت ولا تفقه القول
والثاني أنه ليس لها هم إلا المأكل والمشرب
قوله تعالى بل هم أضل سبيلا لأن البهائم تهتدي لمراعيها وتنقاد لأربابها وتقبل على المحسن إليها وهم على خلاف ذلك ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا

وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا
قوله تعالى الم تر إلى ربك أي إلى فعل ربك وقال الزجاج معناه الم تر فهو من رؤية القلب ويجوز أن يكون من رؤية العين فالمعنى ألم تر إلى الظل كيف مده ربك والظل من وقت طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس ولو شاء لجعله ساكنا أي ثابتا دائما لا يزول ثم جعلنا الشمس عليه دليلا فالشمس دليل على الظل فلولا الشمس ما عرف أنه شئ كما أنه لولا النور ما عرفت الظلمة فكل الاشياء تعرف بأضدادها
قوله تعالى ثم قبضناه إلينا يعني الظل قبضا يسيرا وفيه قولان
أحدهما سريعا قاله ابن عباس والثاني خفيا قاله مجاهد
وفي وقت قبض الظل قولان أحدهما عند طلوع الشمس يقبض الظل وتجمع أجزاؤه المنبسطة بتسليط الشمس عليه حتى تنسخه شيئا فشيئا والثاني عند غروب الشمس تقبض أجزاء الظل بعد غروبها ويخلف كل جزء منه جزءا من الظلام
قوله تعالى وهو الذي جعل لكم الليل لباسا أي ساترا بظلمته لأن ظلمته تغشى الاشخاص وتشتمل عليها اشتمال اللباس على لابسه والنوم

سباتا قال ابن قتيبة أي راحة ومنه يوم السبت لأن الخلق اجتمع يوم الجمعة وكان الفراغ منه في يوم السبت فقيل لبني إسرائيل استريحوا في هذا اليوم ولا تعملوا فيه شيئا فسمي يوم السبت أي يوم الراحة وأصل السبت التمدد ومن تمدد استراح وقال ابن الأنباري أصل السبت القطع فالمعنى وجعلنا النوم قطعا لأعمالكم
قوله تعالى وجعل النهار نشورا فيه قولان أحدهما تنتشرون فيه لابتغاء الرزق قاله ابن عباس والثاني تنشر الروح باليقظة كما تنشر بالبعث حكاه الماوردي
قوله تعالى وهو الذي أرسل الرياح قد شرحناه في الأعراف إلى قوله وأنزلنا من السماء ماء طهورا يعني المطر قال الأزهري الطهور في اللغة الطاهر المطهر والطهور ما يتطهر به كالوضوء الذي يتوضأ به والفطور الذي يفطر عليه
قوله تعالى لنحيي به بلدة ميتا وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وأبو جعفر ميتا بالتشديد قال الزجاج لفظ البلدة مؤنث وإنما قيل ميتا لان معنى البلدة والبلد سواء وقال غيره إنما قال ميتا لأنه أراد بالبلدة المكان وقد سبق معنى صفة البلدة بالموت الأعراف ومعنى ونسقيه الحجر وقرأ أبو مجلز وأبو رجاء والضحاك والأعمش وابن أبي عبلة ونسقيه بفتح النون فاما الأناسي فقال الزجاج هو جمع إنسي مثل كرسي وكراسي ويجوز أن يكون جمع إنسان وتكون الباء بدلا من النون الأصل أناسين مثل سراحين وقرأ أبو مجلز

والضحاك وأبو العالية وعاصم الجحدري وأناسي بتخفيف الياء
قوله تعالى ولقد صرفناه يعني المطر بينهم مرة لهذه البلدة ومرة لهذه ليذكروا أي ليتفكروا في نعم الله عليهم فيحمدوه وقرأ حمزة والكسائي ليذكروا خفيفة الذال قال أبو علي يذكر في معنى يتذكر فأبى أكثر الناس إلا كفورا وهم الذين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا كفروا بنعمة الله ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا المعنى إنا بعثناك إلى جميع القرى لعظم كرامتك فلا تطع الكافرين وذلك أن كفار مكة دعوه إلى دين آبائهم وجاهدهم به أي بالقرآن جهادا كبيرا أي تاما شديدا وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ويعبدون من دون الله مالا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا
قوله تعالى وهو الذي مرج البحرين قال الزجاج أي خلى بينهما تقول مرجت الدابة وأمرجتها إذا خليتها ترعى ومنه الحديث مرجت

عهودهم واماناتهم أي اختلطت قال المفسرون والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما فما يلتقيان ولا يختلط الملح بالعذب ولا العذب بالملح وهو قوله هذا يعني أحد البحرين عذب أي طيب يقال عذب الماء يعذب عذوبة فهو عذب قال الزجاج والفرات صفة للعذب وهو أشد الماء عذوبة والأجاج صفةللملح وهو المر الشديد المرارة وقال ابن قتيبة هو أشد الماء ملوحة وقيل هو الذي يخالطه مرارة ويقال ماء ملح ولا يقال مالح والبرزخ الحاجز وفي هذا الحاجز وقولان
أحدهما أنه مانع من قدرة الله تعالى قاله الأكثرون قال الزجاج فهما في مرأى العين مختلطان وفي قدرة الله منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر قال أبو سليمان الدمشقي ورأيت عند عبدان من سواد البصرة الماء العذب ينحدر في دجلة نحو البحر ويأتي المد من البحر فيلتقيان فلا يختلط أحد الماءين بالآخر يرى ماء البحر إلى الخضرة الشديدة وماء دجلة إلى الحمرة الخفيفة فيأتي المستقي فيغرف من ماء دجلة عذبا لا يخالطه شيء وإلى جانبه ماء البحر في مكان واحد
والثاني أن الحاجز الأرض واليبس وهو قول الحسن والأول أصح
قوله تعالى وحجرا محجورا قال الفراء أي حراما محرما أن يغلب أحدهما صاحبه

قوله تعالى وهوالذي خلق من الماء بشرا أي من النطفة بشرا أي إنسانا فجعله نسبا وصهرا أي ذا نسب وصهر قال علي عليه السلام النسب ما لا يحل نكاحه والصهر ما يحل نكاحه وقال الضحاك النسب سبع وهو قوله حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله وبنات الأخت والصهر خمس وهو قوله وأمهاتكم الاتي أرضعنكم إلى قوله من أصلابكم وقال طاووس الرضاعة من الصهر وقال ابن قتيبة نسبا اي قرابة النسب وصهرا أي قرابة النكاح وكل شيء من قبل الزوج مثل الأب والأخ فهم الأحماء واحدهم حما مثل قفا وحمو مثل أبو وحممء مهموز ساكن الميم وحم مثل أب وحماة المرأة أم زوجها لا لغة فيها غير هذه وكل شيء من قبل المرأة فهم الأختان والصهر يجمع ذلك كله وحكى ابن فارس عن الخليل أنه قال لا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان ولأهل بيت المرأة إلا أصهار ومن العربمن يجعلهم أصهارا كلهم والصهر إذابة الشيء وذكر الماوردي أن المناكح سميت صهرا لاختلاط الناس بها كما يختلط الشيء إذا صهر
قوله تعالى وكان الكافر على ربه ظهيرا فيه أربعة أقوال
أحدها معينا للشيطان على ربه لأن عبادته للأصنام معاونة للشيطان
والثاني معينا للمشركين على أن لا يوحدوا الله تعالى
والثالث معينا على أولياء ربه
والرابع وكان الكافر على ربه هينا ذليلا من قولك ظهرت بفلان إذا جعلته وراء ظهرك ولم تلتفت إليه قالوا والمراد بالكافر هاهنا أبو جهل

وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا قل ما أسئلكم عليه من أجر إلا من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فسئل به خبيرا وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا
قوله تعالى ماأسألكم عليه أي على القرآن وتبليغ الوحي من أجر وهذا توكيد لصدقه لأنه لو سألهم شيئا من أموالهم لا تهموه إلا من شاء معناه لكن من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا بانفاق ماله في مرضاته فعل ذلك فكأنه قال لا أسألكم لنفسي وقد سبق تفسير الكلمات التي تلي هذه آل عمران البقرة الأعراف إلى قوله فاسأل به خبيرا وبه بمعنى عنه قال علقمة بن عبدة ... فان تسألوني بالنساء فانني بصير بأدواء النساء طبيب ...
وفي هاء به ثلاثة أقوال
أحدها أنها ترجع إلى الله عز و جل والثاني إلى اسمه الرحمن لأنهم قالوا لا نعرف الرحمن والثالث إلى ما ذكر من خلق السماوات والأرض وغير ذلك
وفي الخبير أربعة أقوال
أحدها أنه جبريل قاله ابن عباس والثاني أنه الله عز و جل والمعنى

سلني فأنا الخبير قاله مجاهد والثالث أنه القرآن قاله شمر والرابع مسلمة أهل الكتاب قاله ابو سليمان وهذا يخرج على قولهم لا نعرف الرحمن فقيل سلوا مسلمة أهل الكتاب فان الله تعالى خاطب موسى في التوراة باسمه الرحمن فعلى هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمراد سواه
قوله تعالى وإذا قيل لهم يعني كفار مكة اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن قال المفسرون إنهم قالوا لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فأنكروا أن يكون من أسماء الله تعالى أنسجد لما تأمرنا وقرأ حمزة والكسائي يأمرنا بالياء أي لما يأمرنا به محمد وهذا استفهام إنكار ومعناه لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بالسجود له وزادهم ذكر الرحمن نفورا أي تباعدا من الإيمان تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر او أراد شكورا
قوله تعالى تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا قد شرحناه في الحجر والمراد بالسراج الشمس وقرأ حمزة والكسائي سرجا بضم السين والراء وإسقاط الألف قال الزجاج أراد الشمس والكواكب العظام ويجوز سرجا بتسكين الراء مثل رسل ورسل قال الماوردي لما اقترن بضوء الشمس وهج حرها جعلها لأجل الحرارة سراجا ولما عدم ذلك في القمر جعله نورا
قوله تعالى وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة فيه قولان
أحدهما أن كل واحد منهما يخالف الآخر في اللون فهذا أبيض وهذا

أسود روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس وابن أبي نجيح عن مجاهد وبه قال قتادة
والثاني ان كل واحد منهما يخلف صاحبه رواه عمرو بن قيس الملائي عن مجاهد وبه قال ابن زيد وأهل اللغة وأنشدوا قول زهير ... بها العين والآرام يمشين خلفة ... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم ...
أي إذا ذهبت طائفة جاءت طائفة
قوله تعالى لمن أراد أن يذكر أي يتعظ ويعتبر باختلافهما وقرأ حمزة يذكر خفيفة الذال مضمومة الكاف وهي في معنى يتذكر أو أراد شكر الله تعالى فيهما وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما

قوله تعالى وعباد الرحمن الذين يمشون وقرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي وابن السميفع يمشون برفع الياء وفتح الميم والشين وبالتشديد وقال ابن قتيبة إنما نسبهم إليه لاصطفائه إياهم كقوله ناقة الله الأعراف ومعنى هونا مشيا رويدا ومنه يقال أحبب حبيبك هونا ما وقال مجاهد يمشون بالوقار والسكينة وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما أي سدادا وقال الحسن لا يجهلون على أحد وإن جهل عليهم حلموا وقال مقاتل بن حيان قالوا سلاما أي قولا يسلمون فيه من الإثم وهذه الآية محكمة عند الأكثرين وزعم قوم أن المراد بها أنهم يقولون للكفار ليس بيننا وبينكم غير السلام ثم نسخت بآية السيف

قوله تعالى والذين يبيتون لربهم قال الزجاج كل من أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم يقال بات فلان قلقا إنما المبيت إدراك الليل
قوله تعالى كان غراما فيه خمسة أقوال متقارب معانيها
احدها دائما رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم والثاني موجعا رواه الضحاك عن ابن عباس والثالث ملحا قاله ابن السائب وقال ابن جريج لا يفارق والرابع هلاكا قاله أبو عبيدة والخامس أن الغرام في اللغة أشد العذاب قال الشاعر ... ويوم النسار ويوم الجفا ... ركانا عذبا وكانا غراما ...
قاله الزجاج
قوله تعالى ساءت مستقرا أي بئس موضع الاستقرار وموضع الإقامة هي
قوله تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو يقتروا مفتوحة الياء مكسورة التاء وقرأ عاصم وحمزة والكسائي يقتروا بفتح الياء وضم التاء وقرأ نافع وابن عامر يقتروا بضم الياء وكسر التاء
وفي معنى الكلام قولان
أحدهما أن الإسراف مجاوزة الحد في النفقة والإقتار التقصير عما لا بد

منه ويدل على هذا قول عمر بن الخطاب كفى بالمرء سرفا أن يأكل كل ما اشتهى
والثاني أن الإسراف الإنفاق في معصية الله وإن قل والإقتار منع حق الله تعالى قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج في آخرين
قوله تعالى وكان يعني الإنفاق بين ذلك أي بين الإسراف والإقتار قواما أي عدلا قال ثعلب القوام بفتح القاف الاستقامة والعدل وبكسرها ما يدوم عليه الأمر ويستقر والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئآتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما
قوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر في سبب نزولها ثلاثة أقوال
أحدها ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الذنب أعظم قال ان تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت

ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديقها والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية
والثاني أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت هذه الآية إلى قوله غفورا رحيما أخرجه مسلم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثالث أن وحشيا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كنت احب أن أراك على غير جوار فأما إذا أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله قال فاني أشركت بالله وقتلت التي حرم الله وزينت فهل يقبل الله مني توبة فصمت رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلت هذه الآية فتلاها عليه فقال أرى شرطا فلعلي لا أعمل صالحا أنا في جوارك حتى اسمع كلام الله فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء فدعاه فتلاها عليه فقال ولعلي ممن لا يشاء الله أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلت يا عبادي الذين أسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية الزمر فقال نعم الآن لا أرى شرطا فأسلم رواه عطاء عن ابن عباس وهذا وحشي هو قاتل حمزة وفي هذا الحديث المذكور عنه نظر وهو بعيد الصحة والمحفوظ في إسلامه غير هذا وأنه قدم

مع رسل الطائف فأسلم من غير اشتراط وقوله يدعون معناه يعبدون وقد سبق بيان قتل النفس بالحق في الأنعام
قوله تعالى يلق أثاما وقرأ سعيد بن جبير وأبو المتوكل يلق برفع الياء وفتح اللام وتشديد القاف مفتوحة قال ابن عباس يلق جزاء وقال مجاهد وعكرمة وهو واد في جهنم وقال ابن قتيبة يلق عقوبة وأنشد جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا والعقوق له أثام قال الزجاج وقوله يلق أثاما جزما على الجزاء قال أبو عمرو الشيباني يقال قد لقي أثام ذلك أي جزاء ذلك وسيبويه والخليل يذهبان إلى أن معناه يلقى جزاء الأثام قال سيبويه وإنما جزم يضاعف له العذاب لأن مضاعفة العذاب لقي الآثام فلذلك جزمت كما قال الشاعر ... متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا ...
لأن الإتيان هو الإلمام فجزم تلمم لانه بمعنى تأتي وقرأ الحسن يضعف وهو جيد بالغ تقول ضاعفت الشئ وضعفته وقرأ عاصم يضاعف بالرفع على تفسير يلق اثاما كأن قائلا قال ما لقي الأثام فقيل يضاعف للآثم العذاب وقرأ أبو المتوكل وقتادة وأبو حيوة يضعف برفع الياء وسكون الضاد وفتح العين خفيفة من غير ألف وقرأ أبو حصين الأسدي والعمري عن أبي جعفر مثله إلا أن العين مكسورة والعذاب بالنصب

قوله تعالى ويخلد وقرأ أبو حيوة وقتادة والأعمش ويخلد برفع الياء وسكون الخاء وفتح اللام مخففة وقرأ عاصم الجحدري وابن يعمر وأبو المتوكل مثله إلا أنهم شددوا اللام فصل
ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية قولان
أحدهما أنها منسوخة وفي ناسخها ثلاثة أقوال أحدها أنه قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم النساء قاله ابن عباس وكان يقول هذه مكية والتي في النساء مدنية والثاني انها نسخت بقوله إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك الآية النساء والثالث أن الأولى نسخت بالثانية وهي قوله إلا من تاب
والقول الثاني أنها محكمة والخلود إنما كان لانضمام الشرك إلى القتل والزنا وفساد القول الأول ظاهر لأن القتل لا يوجب تخليدا عند الأكثرين وقد بيناه في سورة النساء والشرك لا يغفر إذا مات المشرك عليه والاستثناء ليس بنسخ
قوله تعالى إلا من تاب قال ابن عباس قرأنا على عهد رسول الله سنتين والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ثم نزلت إلا من تاب فما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فرح بشئ فرحه بها وب إنا فتحنا لك فتحا مبينا الفتح

قوله تعالى فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات اختلفوا في كيفية هذا التبديل وفي زمان كونه فقال ابن عباس يبدل الله شركهم إيمانا وقتلهم إمساكا وزناهم إحصانا وهذا يدل على أنه يكون في الدنيا وممن ذهب إلى هذا المعنى سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد والثاني أن هذا يكون في الآخرة قاله سلمان رضي الله عنه وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين وقال عمرو بن ميمون يبدل الله سيئات المؤمن إذا غفرها له حسنات حتى إن العبد يتمنى أن تكون سيئاته أكثر مما هي وعن الحسن كالقولين وروي عن الحسن أنه قال ود قوم يوم القيامة أنهم كانوا في الدنيا استكثروا من الذنوب فقيل من هم قال هم الذين قال الله تعالى فيهم فأولئك يبدل الله سيآتهم حسنات ويؤكد هذا القول حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه فتعرض عليه صغار ذنوبه وتنحى عنه كبارها فيقال عملت يوم كذا كذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من الكبار فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة أخرجه مسلم في صحيحه

ومن تاب وعمل صالحا فانه يتوب إلى الله متابا والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
قوله تعالى ومن تاب ظاهر هذه التوبة أنها عن الذنوب المذكورة وقال ابن عباس يعني ممن لم يقتل ولم يزن وعمل صالحا فاني قد قدمتهم وفضلتهم على من قاتل نبيي واستحل محارمي
قوله تعالى فانه يتوب إلى الله متابا قال ابن الأنباري معناه من اراد التوبة وقصد حقيقتها فينبغي له أن يريد الله بها ولا يخلط بها ما يفسدها وهذا كما يقول الرجل من تجر فانه يتجر في البز ومن ناظر فانه يناظر في النحو أي من أراد ذلك فينبغي أن يقصد هذا الفن قال ويجوز أن يكون معنى هذه الآية ومن تاب وعمل صالحا فان ثوابه وجزاءه يعظمان له عند ربه الذي أراد بتوبته فلما كان قوله فانه يتوب إلى الله متابا يؤدي عن هذا المعنى كفى منه وهذا كما يقول الرجل للرجل إذا تكلمت فاعلم

أنك تكلم الوزير أي تكلم من يعرف كلامك ويجازيك ومثله قوله تعالى إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت يونس أي فاني أتوكل على من ينصرني ولا يسلمني وقال قوم معنى الآية فانه يرجع إلى الله مرجعا يقبله منه
قوله تعالى والذين لا يشهدون الزور فيه ثمانية أقوال
أحدها أنه الصم روى الضحاك عن ابن عباس ان الزور صنم كان للمشركين والثاني أنه الغناء قاله محمد بن الحنفية ومكحول وروى ليث عن مجاهد قال لا يسمعون الغناء والثالث الشرك قاله الضحاك وأبو مالك والرابع لعب كان لهم في الجاهلية قاله عكرمة والخامس الكذب قاله قتادة وابن جريج والسادس شهادة الزور قاله علي بن أبي طلحة والسابع أعياد المشركين قاله الربيع بن أنس والثامن مجالس الخنا قاله عمرو بن قيس

وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال
أحدها المعاصي قاله الحسن والثاني أذى المشركين إياهم قاله مجاهد والثالث الباطل قاله قتادة والرابع الشرك قاله الضحاك والخامس إذا ذكروا النكاح كنوا عنه قاله مجاهد وقال محمد بن علي إذا ذكروا الفروج كنوا عنها
قوله تعالى مروا كراما فيه ثلاثة أقوال
أحدها مروا حلماء قاله ابن السائب والثاني مروا معرضين عنه قاله مقاتل والثالث أن المعنى إذا مروا باللغو جاوزوه قاله الفراء
قوله تعالى والذين إذا ذكروا أي وعظوا بآيات ربهم وهي القرآن لم يخروا عليها صما وعميانا قال ابن قتيبة لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها عمي لم يروها وقال غيره من أهل اللغة لم يثبتوا على حالتهم الأولى كأنهم لم يسمعوا ولم يروا وإن لم يكونوا خروا حقيقة تقول العرب شتمت فلانا فقام يبكي وقعد يندب وأقبل يعتذر وظل يتحير وإن لم يكن قام ولا قعد

قوله تعالى هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم وذرياتنا على الجمع وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر وحفص عن عاصم وذريتنا على التوحيد قرة أعين وقرأ ابن مسعود وأبو حيوة قرات أعين يعنون من يعمل بطاعتك فتقر به أعيننا في الدنيا والآخرة وسئل الحسن عن قوله قرة أعين في الدنيا أم في الآخرة قال لا بل في الدنيا وأي شئ أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله والله ما طلب القوم إلا أن يطاع الله فتقر أعينهم قال الفراء إنما قال قرة لأنها فعل والفعل لا يكاد يجمع ألا ترى إلى قوله وادعوا ثبورا كثيرا الفرقان فلم يجمعه والقرة مصدر تقول قرت عينه قرة ولو قيل قرة عين او قرات اعين كان صوابا وقال غيره أصل القرة من البرد لأن العرب تتأذى بالحر وتستروح إلى البرد
قوله تعالى واجعلنا للمتقين إماما فيه قولان
أحدهما اجعلنا ائمة يقتدى بنا قاله ابن عباس وقال غيره هذا من الواحد الذي يراد به الجمع كقوله إنا رسول رب العالمين الشعراء وقوله فانهم عدو لي الشعراء
والثاني اجعلنا مؤتمين بالمتقين مقتدين بهم قاله مجاهد فعلى هذا يكون الكلام من المقلوب فيكون المعنى واجعل المتقين لنا إماما

أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما
قوله تعالى أولئك يجزون الغرفة قال ابن عباس يعني الجنة وقال غيره الغرفة كل بناء عال مرتفع والمراد غرف الجنة وهي من الزبرجد والدر والياقوت بما صبروا على دينهم وعلى أذى المشركين
قوله تعالى ويلقون فيها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم ويلقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ويلقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف تحية وسلاما قال ابن عباس يحيي بعضهم بعضا بالسلام ويرسل إليهم الرب عز و جل بالسلام وقال مقاتل تحية يعني السلام وسلاما أي سلم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم
قوله تعالى قل ما يعبأ بكم ربي فيه ثلاثة أقوال
أحدها ما يصنع بكم قاله ابن عباس والثاني أي وزن يكون لكم عنده تقول ما عبأت بفلان أي ما كان له عندي وزن ولا قدر قاله الزجاج والثالث ما يعبأ بعذابكم قاله ابن قتيبة
وفي قوله لولا دعاؤكم أربعة أقوال
أحدها لولا إيمانكم رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس

والثاني لولا عبادتكم رواه الضحاك عن ابن عباس
والثالث لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه قاله مجاهد والمراد نفع الخلق لأن الله تعالى غير محتاج
والرابع لولا توحيدكم حكاه الزجاج وعلى قول الأكثرين ليس في الآية إضمار وقال ابن قتيبة فيها إضمار تقديره ما يعبأ بعذابكم لولا ما تدعونه من الشريك والولد ويوضح ذلك قوله فسوف يكون لزاما يعني العذاب ومثله قول الشاعر ... من شاء دلى النفس في هوة ... ضنك ولكن من له بالمضيق ...
أي بالخروج من المضيق وهل هذا خطاب للمؤمنين أو للكفار فيه قولان فأما قوله تعالى فقد كذبتم فهو خطاب لأهل مكة حين كذبوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسوف يكون يعني تكذيبكم لزاما أي عذابا لازما لكم وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه قتلهم يوم بدر فقتلوا يومئذ واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم وهذا مذهب ابن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد في آخرين والثاني أنه الموت قاله ابن عباس والثالث أن اللزام القتال قاله ابن زيد

سورة الشعراء
وهي مكية كلها إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة من قوله والشعراء يتبعهم الغاوون الشعراء إلى آخرها قاله ابن عباس وقتادة بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين فقد كذبوا فيسأتيهم أنبؤا ما كانوا به يستهزؤون أولم يروا إلى الأرض كم أنبئنا فيها من كل زوج كريم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
قوله تعالى طسم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر طسم بفتح الطاء وإدغام النون من هجاء سين عند الميم وقرأ حمزة والكسائي وخلف وأبان والمفضل طسم وطس النمل بامالة الطاء فيهما وأظهر النون من هجاء سين عند الميم حمزة هاهنا وفي القصص

وفي معنى طسم أربعة أقوال
أحدها أنها حروف من كلمات ثم فيها ثلاثة أقوال أحدها ما رواه علي بن أبي طالب عليه السلام قال لما نزلت طسم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الطاء طور سيناء والسين الاسكندرية والميم مكة والثاني أن الطاء طيبة وسين بيت المقدس وميم مكة رواه الضحاك عن ابن عباس والثالث الطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد صلى الله عليه و سلم قاله جعفر الصادق
والثاني أنه قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله تعالى رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وقد بينا كيف يكون مثل هذا من أسماء الله تعالى في فاتحة مريم وقال القرظي أقسم الله بطوله وسنائه وملكه
والثالث انه اسم للسورة قاله مجاهد
والرابع أنه اسم من أسماء القرآن قاله قتادة وأبو روق وما بعد

هذا قد سبق تفسيره المائدة الكهف إلى قوله ألا يكونوا مؤمنين والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان
ثم أخبر أنه لو أراد أن ينزل عليهم ما يضطرهم إلى الإيمان لفعل فقال إن نشأ ننزل وقرأ أبو رزين وأبو المتوكل إن يشأ ينزل بالياء فيهما عليهم من السماء آية فظلت لها خاضعين جعل الفعل أولا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون وقيل لما وصف الأعناق بالخضوع وهو من صفات بني آدم أخرج الفعل مخرج الآدميين كما بينا في قوله والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين يوسف وهذا اختيار أبي عبيدة وقال الزجاج قوله فظلت معناه فتظل لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل كقولك إن تأتني أكرمتك معناه أكرمك وإنما قال خاضعين لأن خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها وذلك أن الخضوع لما لم يكن إلا بخضوع الأعناق جاز أن يخبر عن المضاف إليه كما قال الشاعر ... رأت مر السنين أخذن مني ... كما أخذ السرار من الهلال ...
فلما كانت السنون لا تكون إلا بمر أخبر عن السنين وإن كان أضاف إليها المرور قال وجاء في التفسير أنه يعني بالأعناق كبراءهم ورؤساءهم وجاء في

اللغة أن أعناقهم جماعاتهم يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة وما بعد هذا قد سبق تفسيره الأنبياء إلى قوله أو لم يروا إلى الأرض يعني المكذبين بالبعث كم أنبتنا فيها بعد أن لم يكن فيها نبات من كل زوج كريم قال ابن قتيبة من كل جنس حسن وقال الزجاج الزوج النوع والكريم المحمود
قوله تعالى إن في ذلك الإنبات لآية تدل على وحدانية الله وقدرته وما كان أكثرهم مؤمنين أي ما كان أكثرهم يؤمن في علم الله وإن ربك لهو العزيز المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فارسل إلى هارون ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين أن أرسل معنا بني إسرائيل قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل
قوله تعالى وإذ نادى المعنى واتل هذه القصة على قومك
قوله تعالى أن يكذبون ياء يكذبون محذوفة ومثلها أن يقتلون الشعراء سيهدين الشعراء فهو يدين الشعراء

ويسقين الشعراء فهو يشفين الشعراء ثم يحيين الشعراء كذبون الشعراء وأطيعون الشعراء فهذه ثمان آيات أثبتهن في الحالين يعقوب
قوله تعالى ويضيق صدري أي بتكذيبهم إياي ولا ينطلق لساني للعقدة التي كانت بلسانه وقرأ يعقوب ويضيق ولا ينطلق بنصب القاف فيهما فأرسل إلى هارون المعنى ليعينني فحذف لأن في الكلام دليلا عليه ولهم علي ذنب وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه والمعنى ولهم علي دعوى ذنب فأخاف أن يقتلون به قال كلا وهو ردع وزجر عن الإقامة على هذا الظن والمعنى لن يقتلوك لأني لا اسلطهم عليك فاذهبا يعني أنت وأخوك بآياتنا وهي ما أعطاهما من المعجزة إنا يعني نفسه عز و جل معكم فأجراها مجرى الجماعة مستمعون نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به
قوله تعالى إنا رسول رب العالمين قال ابن قتيبة الرسول يكون بمعنى الجميع كقوله هؤلاء ضيفي الحجر وقوله ثم نخرجكم طفلا الحج وقال الزجاج المعنى إنا رسالة رب العالمين أي ذوو رسالة رب العالمين قال الشاعر ... لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ... بسر ولا أرسلتهم برسول ...
أي برسالة

قوله تعالى أن أرسل المعنى بأن أرسل معنا بني إسرائيل أي أطلقهم من الاستعباد فأتياه فبلغاه الرسالة ف قال ألم نر بك فينا وليدا أي صبيا صغيرا ولبثت فينا من عمرك سنين وفيها ثلاثة أقوال
أحدها ثماني عشرة سنة قاله ابن عباس والثاني أربعون سنة قاله ابن السائب والثالث ثلاثون سنة قاله مقاتل والمعنى فجازيتنا على ان ربيناك أن كفرت نعمتنا وقتلت منا نفسا وهو قوله وفعلت فعلتك وهي قتل النفس قال الفراء وإنما نصبت الفاء لأنها مرة واحدة ولو أريد بها مثل الجلسة والمشية جاز كسرها
وفي قوله وأنت من الكافرين قولان
أحدهما من الكافرين لنعمتي قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك وابن زيد
والثاني من الكافرين بالهك كنت معنا على ديننا الذي تعيب قاله الحسن والسدي فعلى الاول وأنت من الكافرين الآن وعلى الثاني وكنت
وفي قوله وأنا من الضالين ثلاثة أقوال
أحدها من الجاهلين قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وقال بعض المفسرين المعنى إني كنت جاهلا لم يأتني من الله شئ
والثاني من الخاطئين والمعنى إني قتلت النفس خطأ قاله ابن زيد
والثالث من الناسين ومثله أن تضل إحداهما البقرة قاله أبو عبيدة
قوله تعالى ففررت منكم أي ذهبت من بينكم لما خفتكم على

نفسي إلى مدين وقرأ عاصم الجحدري والضحاك وابن يعمر لما بكسر اللام وتخفيف الميم فوهب لي ربي حكما وفيه قولان
أحدهما النبوة قاله ابن السائب والثاني العلم والفهم قاله مقاتل
قوله تعالى وتلك نعمة تمنها علي يعني التربية ان عبدت بني إسرائيل أي اتخذتهم عبيدا يقال عبدت فلانا وأعبدته واستعبدته إذا اتخذته عبدا
وفي أن وجهان
أحدهما أن تكون في موضع رفع على البدل من نعمة
والثاني أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض تقديره لأن عبدت أو لتعبيدك
واختلف العلماء في تفسير الآية ففسرها قوم على الإنكار وقوم على الإقرار فمن فسرها على الإنكار قال معنى الكلام أو تلك نعمة على طريق الاستفهام ومثله هذا ربي الانعام وقوله فهم الخالدون الانبياء وانشدوا ... لم أنس يوم الرحيل وقفتها وجفنها من دموعها شرق ... وقولها والركاب سائرة ... تتركنا هكذا وتنطلق

وهذا قول جماعة منهم ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال
أحدها أن فرعون أخذ أموال بني إسرائيل واستعبدهم وأنفق على موسى منها فأبطل موسى النعمة لأنها أموال بني إسرائيل قاله الحسن
والثاني أن المعنى إنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكفلني أهلي وكانت أمي تستغني عن قذفي في اليم فكأنك تمن علي بما كان بلاؤك سببا له وهذا قول المبرد والزجاج والأزهري
والثالث أن المعنى تمن علي باحسانك إلي خاصة وتنسى إساءتك بتعبيدك بني إسرائيل قاله مقاتل
والرابع أن المعنى كيف تمن علي بالتربية وقد استعبدت قومي ومن أهين قومه فقد ذل فقد حبط إحسانك إلي بتعبيدك قومي حكاه الثعلبي
فأما من فسرها على الإقرار فانه قال عدها موسى نعمة حيث رباه ولم يقتله ولا استعبده فالمعنى هي لعمري نعمة إذ ربيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل ف أن تدل على المحذوف ومثله في الكلام أن تضرب بعض عبيدك وتترك الآخر فيقول المتروك هذه نعمة علي أن ضربت فلانا وتركتني ثم تحذف وتركتني لان المعنى معروف هذا قول الفراء قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والارض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الاولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون

قوله تعالى قال فرعون وما رب العالمين سأله عن ماهية من لا ماهية له فأجابه بما يدل عليه من مصنوعاته
وفي قوله إن كنتم موقنين قولان
أحدهما أنه خلق السماوات والأرض
والثاني إن كنتم موقنين أن ما تعاينوه كما تعاينونه فكذلك فأبقنوا أن رب العالمين رب السماوات والارض قال يعني فرعون لمن حوله من أشراف قومه ألا تستمعون معجبا لهم
فان قيل فأين جوابهم
فالجواب أنه أراد ألا تستمعون قول موسى فرد موسى لأنه المراد

بالجواب ثم زاد في البيان بقوله ربكم ورب آبائكم الأولين فأعرض فرعون عن جوابه ونسبه إلى الجنون فلم يحفل موسى بقول فرعون واشتغل بتأكيد الحجة ف قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون أي إن كنتم ذوي عقول لم يخف عليكم ما أقول قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أو لو جئتك بشئ مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فاذا هي ثعبان مبين ونزع يده فاذا هي بيضاء للناظرين قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فاذا هي تلقف ما يأفكون فألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون
قوله تعالى أولو جئتك بشئ مبين أي بأمر ظاهر تعرف به صدقي أتسجنني وما بعد هذا مفسر في الأعراف إلى قوله فجمع

السحرة لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة وكان عيدا لهم وقيل للناس يعني أهل مصر وذهب ابن زيد إلى أن اجتماعهم كان بالاسكندرية
قوله تعالى لعلنا نتبع السحرة قال الاكثرون أرادوا سحرة فرعون فالمعنى لعلنا نتبعهم على امرهم وقال بعضهم ارادوا موسى وهارون وإنما قالوا ذلك استهزاء قال ابن جرير ولعل هاهنا بمعنى كي وقوله بعزة فرعون أي بعظمته قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لاضير إنا إلى ربنا منقلبون إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين
قوله تعالى فلسوف تعلمون قال الزجاج اللام دخلت للتوكيد
قوله تعالى لا ضير أي لا ضرر قال ابن قتيبة هو من ضاره يضوره ويضيره بمعنى ضره والمعنى لا ضرر علينا فيما ينالنا في الدنيا لأنا ننقلب إلى ربنا في الآخرة مؤملين غفرانه
قوله تعالى أن كنا أي لأن كنا أول المؤمنين بآيات موسى في هذه الحال وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم

من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل
قوله تعالى إنكم متبعون أي يتبعكم فرعون وقومه
قوله تعالى إن هؤلاء المعنى وقال فرعون إن هؤلاء يعني بني إسرائيل ذ شرذمة قال ابن قتيبة أي طائفة قال الزجاج والشر ذمة في كلام العرب القليل قال المفسرون وكانوا ستمائة ألف وإنما استقلهم بالاضافة إلى جنده وكان جنده لا يحصى
قوله تعالى وإنهم لنا لغائظون تقول غاظني الشئ إذا أغضبك قال ابن جرير وذكر أن غيظهم كان لقتل الملائكة من قتلت من أبكارهم قال ويحتمل أن غيظهم لذهابهم بالعواري التي استعاروها من حليهم ويحتمل أن يكون لفراقهم إياهم وخروجهم من أرضهم على كره منهم
قوله تعالى وإنا لجميع حذرون قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو حذرون بغير ألف وقرأ الباقون حاذرون بألف وهل بينهما فرق فيه قولان
أحدهما أن الحاذر المستعد والحذر المتيقظ وجاء في التفسير أن معنى حاذرين مؤدون أي ذوو أداة وهي السلاح لأنها أداة الحرب
والثاني أنهما لغتان معناهما واحد قال ابو عبيدة يقال رجل حذر وحذر وحاذر والمقام الكريم المنزل الحسن
وفي قوله كذلك قولان
أحدهما كذلك أفعل بمن عصاني قاله ابن السائب والثاني الامر كذلك أي كما وصفنا قاله الزجاج

قوله تعالى وأورثناها بني إسرائيل وذلك أن الله تعالى ردهم إلى مصر بعد غرق فرعون وأعطاهم ما كان لفرعون وقومه من المساكن والأموال وقال ابن جرير الطبري إنما جعل ديار آل فرعون ملكا لبني إسرائيل ولم يرددهم إليها لكنه جعل مساكنهم الشام فأتبعوهم مشرقين فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان اكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
قوله تعالى فأتبعوهم قال ابن قتيبة لحقوهم مشرقين أي حين شرقت الشمس أي طلعت يقال أشرقنا دخلنا في الشروق كما يقال أمسينا وأصبحنا وقرأ الحسن وأيوب السختياني فاتبعوهم بالتشديد
قوله تعالى فلما تراءى الجمعان وقرأ أبو رجاء والنخعي والأعمش تراأى بكسر الراء وفتح الهمزة أي تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه
قوله تعالى كلا أي لن يدركونا إن معي ربي سيهدين أي سيدلني على طريق النجاة
قوله تعالى فانفلق فيه إضمار فضرب فانفلق أي انشق الماء اثني عشر طريقا فكان كل فرق أي كل جزء انفرق منه وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وعاصم الجحدري كل فلق باللام كالطود وهو الجبل

قوله تعالى وأزلفنا ثم الآخرين أي قربنا الآخرين من الغرق وهم اصحاب فرعون وقال ابو عبيدة أزلفنا أي جمعنا قال الزجاج وكلا القولين حسن لأن جمعهم تقريب بعضهم من بعض واصل الزلفى في كلام العرب القربى وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وأبو رجاء والضحاك وابن يعمر أزلقنا بقاف وكذلك قرأوا وأزلقت الجنة الشعراء بقاف أيضا
قوله تعالى إن في ذلك لآية يعني في إهلاك فرعون وقومه عبرة لمن بعدهم وما كان أكثرهم مؤمنين أي لم يكن أكثر اهل مصر مؤمنين إنما آمنت آسية وخربيل مؤمن آل فرعون وفنة الماشطة ومريم امرأة دلت موسى على عظام يوسف هذا قول مقاتل وما أخللنا به من تفسير كلمات في قصة موسى فقد سبق بيانها وكذلك ما يفقد ذكره في مكان فهو إما أن يكون قد سبق وإما أن يكون ظاهرا فتنبه لهذا واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لابيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم او يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فانهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي يطعمني ويسقين وإذا

مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين
قوله تعالى هل يسمعونكم والمعنى هل يسمعون دعاءكم وقرأ سعيد بن جبير وابن يعمر وعاصم الجحدري هل يسمعونكم بضم الياء وكسر الميم إذ تدعون قال الزجاج إن شئت بينت الذال وإن شئت أدغمتها في التاء وهو أجود في العربية لقرب الذال من التاء
قوله تعالى أو ينفعونكم أي إن عبدتموهم او يضرون إن لم تعبدوهم فأخبروا عن تقليد آبائهم
قوله تعالى فانهم عدو لي فيه وجهان
أحدهما أن لفظه لفظ الواحد والمراد به الجميع فالمعنى فانهم أعداء لي
والثاني فان كل معبود لكم عدو لي
فان قيل ما وجه وصف الجماد بالعدواة
فالجواب من وجهين أحدهما أن معناه فانهم عدو لي يوم القيامة إن عبدتهم والثاني أنه من المقلوب والمعنى فاني عدو لهم لأن من عاديته عاداك قاله ابن قتيبة
وفي قوله إلا رب العالمين قولان
أحدهما أنه استثناء من الجنس لأنه علم انهم كانوا يعبدون الله مع آلهتهم قاله ابن زيد
والثاني أنه من غير الجنس والمعنى لكن رب العالمين ليس كذلك قاله أكثر النحويين

قوله تعالى الذي خلقني فهو يهدين أي إلى الرشد لا ما تعبدون والذي هو يطعمني ويسقين أي هو رازقي الطعام والشراب
فان قيل لم قال مرضت ولم يقل أمرضني
فالجواب أنه أراد الثناء على ربه فأضاف إليه الخير المحض لأنه لو قال أمرضني لعد قومه ذلك عيبا فاستعمل حسن الادب ونظيره قصة الخضر حين قال في العيب فأردت الكهف وفي الخير المحض فأراد ربك الكهف
فان قيل فهذا يرده قوله والذي يميتني
فالجواب أن القوم كانوا لا ينكرون الموت وإنما يجعلون له سببا سوى تقدير الله عز و جل فاضافه إبراهيم إلى الله عز و جل وقوله ثم يحيين يعني البعث وهو امر لا يقرون به وإنما قاله استدلالا عليهم والمعنى أن ما وافقتموني عليه موجب لصحة قولي فيما خالفتموني فيه
قوله تعالى والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يعني ما يجري على مثلي من الزلل والمفسرون يقولون إنما عنى الكلمات الثلاث التي ذكرناها في الأنبياء يوم الدين يعني يوم الحشر والحساب وهذا احتجاج على قومه أنه لا تصلح الإلهية إلا لمن فعل هذه الأفعال رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر

لأبي إنه كان من الضالين ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
قوله تعالى هب لي حكما فيه ثلاثة أقوال
أحدها النبوة قاله ابو صالح عن ابن عباس والثاني اللب قاله عكرمة والثالث الفهم والعلم قاله مقاتل وقد بينا قوله وألحقني بالصالحين في سورة يوسف وبينا معنى لسان صدق في مريم والمراد بالآخرين الذين يأتون بعده إلى يوم القيامة
قوله تعالى واغفر لأبي قال الحسن بلغني أن امه كانت مسلمة على دينه فلذلك لم يذكرها
فان قيل فقد قال اغفر لي ولوالدي إبراهيم
قيل أكثر الذكر إنما جرى لأبيه فيجوز أن يسأل الغفران لأمه وهي مؤمنة فأما أبوه فلا شك في كفره وقد بينا سبب استغفاره لأبيه في براءة وذكرنا معنى الخزي في آل عمران
قوله تعالى يوم يبعثون يعني الخلائق
قوله تعالى إلا من اتى الله بقلب سليم فيه ستة أقوال
أحدها سليم من الشرك قاله الحسن وابن زيد
والثاني سليم من الشك قاله مجاهد
والثالث سليم أي صحيح وهو قلب المؤمن لان قلب الكافر والمنافق مريض قاله سعيد بن المسيب

والرابع أن السليم في اللغة اللديغ فالمعنى كاللديغ من خوف الله تعالى قاله الجنيد
والخامس سليم من آفات المال والبنين قاله الحسين بن الفضل
والسادس سليم من البدعة مطمئن على السنة حكاه الثعلبي وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أينما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما اضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
قوله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت إليهم حتى نظروا إليها وبرزت الجحيم أي أظهرت للغاوين وهم الضالون وقيل لهم على وجه التوبيخ أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أي يمنعونكم من العذاب أو يمتنعون منه
قوله تعالى فكبكبوا قال السدي هم المشركون قال ابن قتيبة ألقوا على رؤوسهم وأصل الحرف كببوا من قولك كببت الإناء فأبدل من الباء الوسطى كافا استثقالا لاجتماع ثلاث باءات كما قالوا كمكموا من الكمة والأصل كمموا وقال الزجاج

معناه طرح بعضهم على بعض وحقيقة ذلك في اللغة تكرير الانكباب كأنه إذا ألقي ينكب مرة بعد مرة حتى يستقر فيها
وفي الغاوين ثلاثة اقوال
أحدها المشركون قاله ابن عباس
والثاني الشياطين قاله قتادة ومقاتل
والثالث لآلهة قاله السدي وجنود إبليس أتباعه من الجن والإنس قالوا وهم فيها يختصمون يعني هم وآلهتهم تالله إن كنا قال الفراء لقد كنا وقال الزجاج ما كنا إلا في ضلال
قوله تعالى إذ نسويكم أي نعدلكم بالله في العبادة وما أضلنا إلا المجرمون فيهم قولان
أحدهما الشياطين والثاني أولوهم الذين اقتدوا بهم قال عكرمة إبليس وابن آدم القاتل
قوله تعالى فما لنا من شافعين هذا قولهم إذا شفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون وروى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الرجل يقول في الجنة مافعل صديقي فلان وصديقه في الجحيم فيقول الله عز و جل أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من بقي في النار فما لنا من شافعين ولا صديق حميم والحميم القريب الذي توده ويودك والمعنى مالنا

من ذي قرابة يهمه أمرنا فلو أن لنا كرة أي رجعة إلى الدنيا فنكون من المؤمنين
لتحل لنا الشفاعة كما حلت للموحدين كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون
قوله تعالى كذبت قوم نوح قال الزجاج القوم مذكرون والمعنى كذبت جماعة قوم نوح
قوله تعالى إذ قال لهم أخوهم نوح كانت الأخوة من جهة النسب بينهم لا من جهة الدين ألا تتقون عذاب الله بتوحيده وطاعته إني لكم رسول أمين على الرسالة فيما بيني وبين ربكم وما أسألكم عليه من أجر أي على الدعاء إلى التوحيد قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمني بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين

قوله تعالى واتبعك الأرذلون وقرأ يعقوب بفتح الهمزة وتسكين التاء وضم العين وأتباعك الأرذلون وفيهم ثلاثة أقوال
أحدها الحاكة رواه الضحاك عن ابن عباس
والثاني الحاكة والأساكفة قاله عكرمة
والثالث المساكين الذين ليس لهم مال ولا عز قاله عطاء وهذا جهل منهم لأن الصناعات لا تضر في باب الديانات
قوله تعالى وما علمي بما كانوا يعملون أي لم أعلم أعمالهم وصنائعهم ولم أكلف ذلك إنما كلفت أن أدعوهم إن حسابهم فيما يعملون إلا على ربي لو تشعرون بذلك ما عبتموهم في صنائعهم وما أنا بطارد المؤمنين أي ما أنا بالذي لا أقبل إيمانهم لزعمكم أنهم الأرذلون
وفي قوله لتكونن من المرجومين ثلاثة أقوال
أحدها من المشتومين قاله الضحاك والثاني من المضروبين بالحجارة قاله قتادة والثالث من المقتولين بالرجم قاله مقاتل قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
قوله تعالى فافتح بيني وبينهم أي اقض بيني وبينهم قضاء يعني بالعذاب ونجني ومن معي من ذلك العذاب والفلك قد تقدم بيانه البقرة والمشحون المملوء يقال شحنت الإناء إذا ملأته وكانت

سفينة نوح قد ملئت من الناس والطير والحيوان كله ثم أغرقنا بعد بعد نجاة نوح ومن معه الباقين كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله واطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم
قوله تعالى أتبنون بكل ريع وقرا عاصم الجحدري وأبو حيوة وابن أبي عبلة بكل ريع بفتح الراء قال الفراء هما لغتان ثم فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه المكان المرتفع روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال بكل شرف قال الزجاج هو في اللغة الموضع المرتفع من الأرض
والثاني أنه الطريق رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال قتادة
والثالث الفج بين الجبلين قاله مجاهد والآية العلامة
وفيما أراد بهذا البناء ثلاثة أقوال
أحدها أنه أراد تبنون مالا تسكنون رواه عطاء عن ابن عباس والمعنى أنه جعل بناءهم ما يستغنون عنه عبثا
وللثاني بروج الحمام قاله سعيد بن جبير ومجاهد

والثالث أنهم كانوا يبنون في المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم وهو معنى قول الضحاك
قوله تعالى وتتخذون مصانع فيه ثلاثة أقوال
أحدها قصور مشيدة قاله مجاهد والثاني مصانع الماء تحت الارض قاله قتادة والثالث بروج الحمام قاله السدي
وفي قوله لعلكم تخلدون قولان
أحدهما كأنكم تخلدون قاله ابن عباس وأبو مالك
والثاني كيما تخلدوا قاله الفراء وابن قتيبة وقرا عكرمة والنخعي وقتادة وابن يعمر تخلدون برفع التاء وتسكين الخاء وفتح اللام مخففة وقرأ عاصم الجحدري وأبو حصين تخلدون بفتح الخاء وتشديد اللام
قوله تعالى وإذا بطشتم بطشتم جبارين المعنى إذا ضربتم ضربتم بالسياط ضرب الجبارين وإذا عاقبتم قتلتم وإنما أنكر عليهم ذلك لأنه صدر عن ظلم إذ لو ضربوا بالسيف أو بالسوط في حق ماليموا
وفي قوله عذاب يوم عظيم قولان
أحدهما ما عذبوا به في الدنيا والثاني عذاب جهنم

قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين
قوله تعالى إن هذا إلا خلق الأولين قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي خلق بفتح الخاء وتسكين اللام قال ابن قتيبة أرادوا اختلافهم وكذبهم يقال خلقت الحديث واختلقته أي افتعلته قال الفراء والعرب تقول للخرافات أحاديث الخلق وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة وخلف ونافع خلق الاولين بضم الخاء واللام وقرأ ابن عباس وعكرمة وعاصم الجحدري خلق برفع الخاء وتسكين اللام والمعنى عادتهم وشأنهم قال قتادة قالوا له هكذا كان الناس يعيشون ما عاشوا ثم يموتون ولا بعث لهم ولا حساب
قوله تعالى وما نحن بمعذبين أي على ما نفعله في الدنيا
أتتركون في ما ههنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون

قوله تعالى أتتركون فيما هاهنا أي فيما أعطاكم الله في الدنيا آمنين من الموت والعذاب
قوله تعالى طلعها هضيم الطلع الثمر وفي الهضيم سبعة أقوال
أحدها أنه الذي قد اينع وبلغ رواه العوفي عن ابن عباس والثاني أنه الذي يتهشم تهشما قاله مجاهد والثالث انه الذي ليس له نوى قاله الحسن والرابع أنه المذنب من الرطب قاله سعيد بن جبير والخامس اللين قاله قتادة والفراء والسادس أنه الحمل الكثير الذي يركب بعضه بعضا قاله الضحاك والسابع أنه الطلع قبل أن ينشق عنه القشر وينفتح يريد أنه منضم مكتنز ومنه قيل رجل أهضم الكشحين إذا كان منضمهما قاله ابن قتيبة
قوله تعالى وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو فرهين وقرأ الباقون فارهين بالف قال ابن قتيبة فرهين اشرين بطرين ويقال الهاء فيه مبدلة من حاء أي فرحين والفرح قد يكون السرور وقد يكون الأشر ومنه قوله إن الله لا يحب الفرحين القصص أي الأشرين ومن قرأ فارهين فهي لغة أخرى يقال فره وفاره كما يقال فرح وفارح ويقال فارهين أي حاذقين قال عكرمة حاذقين بنحتها

قوله تعالى ولا تطيعوا امر المسرفين قال ابن عباس يعني المشركين وقال مقاتل هم التسعة الذين عقروا الناقة
قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فات بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين
قوله تعالى إنما أنت من المسحرين قال الزجاج أي ممن له سحر والسحر الرئة والمعنى أنت بشر مثلنا وجائز أن يكون من المفعلين من السحر والمعنى ممن قد سحر مرة بعد مرة
قوله تعالى لها شرب أي حظ من الماء قال ابن عباس لها شرب معروف لا تحضروه معها ولكم شرب لا تحضر معكم فكانت إذا كان يومهم حضروا الماء فاقتسموه وإذا كان يومها شربت الماء كله وقال قتادة كانت إذا كان يوم شربها شربت ماءهم أول النهار وسقتهم اللبن آخر النهار وقرأ ابي بن كعب وأبو المتوكل وأبو الجوزاء وابن أبي عبلة لها شرب بضم الشين

قوله تعالى فأصبحوا نادمين قال ابن عباس ندموا حين رأوا العذاب على عقرها وعذابهم كان بالصيحة
أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ماخلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
قوله تعالى أتأتون الذكران وهو جمع ذكر من العالمين أي من بني آدم وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم قال الزجاج وقرأ ابن مسعود ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم يعني به الفروج وقال مجاهد تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال
قوله تعالى بل أنتم قوم عادون أي ظالمون معتدون قالوا لئن لم تنته يا لوط أي لئن لم تسكت عن نهينا لتكونن من المخرجين من بلدنا قال إني لعملكم يعني إتيان الرجال من القالين قال ابن قتيبة أي من المبغضين يقال قليت الرجل إذا أبغضته
قوله تعالى رب نجني وأهلي مما يعملون أي من عقوبة عملهم فنجيناه وأهله وقد ذكرناهم في هود إلا عجوزا يعني امرأته في الغابرين أي الباقين في العذاب ثم دمرنا الآخرين أهلكناهم بالخسف والحصب وهو قوله وأمطرنا عليهم مطرا يعني الحجارة

كذب أصحاب الأيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين
قوله تعالى كذب أصحاب الأيكة قرأ أبن كثير ونافع وابن عامر أصحاب ليكة هاهنا وفي ص بغير همز والتاء مفتوحة وقرا الباقون الايكة بالهمز فيهما والألف وقد سبق هذا الحرف الحجر إذ قال لهم شعيب إن قيل لم لم يقل أخوهم كما قال في الأعراف فالجواب أن شعيبا لم يكن من نسل أصحاب الأيكة فلذلك لم يقل أخوهم وإنما أرسل إليهم بعد أن أرسل إلى مدين وهو من نسل مدين فلذلك قال هناك أخوهم هذا قول مقاتل بن سليمان وقد ذكرنا في سورة هود عن محمد بن كعب القرظي أن أهل مدين عذبوا بعذاب الظلة فان كانوا غير أصحاب الأيكة كما زعم مقاتل فقد تساووا في العذاب وإن كان أصحاب مدين هم أصحاب الايكة وهو مذهب ابن جرير الطبري كان حذف ذكر الأخ تخفيفا والله أعلم

أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين
قوله تعالى ولا تكونوا من المخسرين أي من الناقصين للكيل يقال أخسرت الكيل والوزن إذا نقصته وقد ذكرنا القسطاس في بني إسرائيل
قوله تعالى واتقوا الذي خلقكم والجبلة أي وخلق الجبلة وقيل المعنى واذكروا ما نزل بالجبلة الأولين وقرا الحسن وأبو مجلز وابو رجاء وابن يعمر وابن ابي عبلة والجبلة برفع الجيم والباء جميعا مشددة اللام وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والضحاك وعاصم الجحدري بكسر الجيم وتسكين الباء وتخفيف اللام قال ابن قتيبة الجبلة الخلق يقال جبل فلان على كذا أي خلق قال الشاعر
... والموت أعظم حادث ... مما يمر على الجبلة ...
قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه

فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
قوله تعالى فأسقط علينا كسفا قال ابن قتيبة أي قطعة من السماء وكسف جمع كسفة كما يقال قطع وقطعة
قوله تعالى ربي أعلم بما تعملون أي من نقصان الكيل والميزان والمعنى إنه يجازيكم إن شاء وليس عذابكم بيدي فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة قال المفسرون بعث الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية فبعث الله عليهم سحابة أظلتهم من الشمس فوجدوا لها بردا ونادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارا فكان ذلك من اعظم العذاب والظلة السحابة التي أظلتهم
وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين أولم يكن لهم آية أن يعلمه علموءا بني إسرائيل ولو نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين
قوله تعالى وإنه يعني القرآن لتنزيل رب العالمين نزل به

الروح الأمين قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم نزل به خفيفا الروح الأمين بالرفع وقرأ أبن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم نزل مشددة الزاي الروح الأمين بالنصب والمراد بالروح الأمين جبريل وهو أمين على وحي الله تعالى إلى أنبيائه على قلبك قال الزجاج معناه نزل عليك فوعاه قلبك فثبت فلا تنساه أبدا
قوله تعالى لتكون من المنذرين أي ممن أنذر بآيات الله المكذبين بلسان عربي مبين قال ابن عباس بلسان قريش ليفهموا ما فيه
قوله تعالى وإنه لفي زبر الأولين وقرأ الاعمش زبر بتسكين الباء وفي هاء الكناية قولان
أحدهما أنها ترجع إلى القرآن والمعنى وإن ذكر القرآن وخبره هذا قول الأكثرين والثاني أنها تعود إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله مقاتل والزبر الكتب
قوله تعالى أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرئيل قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي أو لم يكن لهم بالياء آية بالنصب وقرأ ابن عامر وابن أبي عبلة تكن بالتاء آية بالرفع وقرأ أبو عمران الجوني وقتادة تكن بالتاء آية بالنصب قال الزجاج إذا قلت يكن بالياء فالاختيار نصب آية ويكون أن اسم كان ويكون آية خبر كان المعنى أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل أن النبي صلى الله عليه و سلم حق وأن نبوته حق آية أي علامة موضحة لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل

وجدوا ذكر النبي صلى الله عليه و سلم مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ومن قرأ أو لم تكن بالتاء آية جعل آية هي الاسم وأن يعلمه خبر تكن ويجوز أيضا أو لم تكن بالتاء آية بالنصب كقوله ثم لم تكن فتنتهم الأنعام وقرأ الشعبي والضحاك وعاصم الجحدري أن تعلمه بالتاء
قال ابن عباس بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه و سلم فقالوا إن هذا لزمانه وإنا لنجد في التوراة صفته فكان ذلك آية لهم على صدقه
قوله تعالى على بعض الأعجميين قال الزجاج هو جمع أعجم والأنثى عجماء والأعجم الذي لا يفصح وكذلك الأعجمي فأما العجمي فالذي من جنس العجم أفصح أو لم يفصح
قوله تعالى ما كانوا به مؤمنين أي لو قرأه عليهم أعجمي لقالوا لانفقه هذا فلم يؤمنوا
كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون

فيقولوا هل نحن منظرون أفبعذابنا يستعجلون أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين
قوله تعالى كذلك سلكناه قد شرحناه في الحجر والمجرمون هاهنا المشركون
قوله تعالى لا يؤمنون به قال الفراء المعنى كي لا يؤمنوا فأما العذاب الأليم فهو عند الموت فيقولوا عند نزول العذاب هل نحن منظرون أي مؤخرون لنؤمن ونصدق قال مقاتل فلما أوعدهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعذاب قالوا فمتى هو تكذيبا به فقال الله تعالى أفبعذابنا يستعجلون
قوله تعالى أفرأيت إن متعناهم سنين قال عكرمة عمر الدنيا
قوله تعالى ثم جاءهم ما كانوا يوعدون أي من العذاب وما أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا إلا لها منذرون يعني رسلا تنذرهم العذاب ذكرى أي موعظة وتذكيرا
وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون
قوله تعالى وما تنزلت به الشياطين سبب نزولها أن قريشا قالت إنما

تجئ بالقرآن الشياطين فتلقيه على لسان محمد فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
قوله تعالى وما ينبغي لهم أي أن ينزلوا بالقرآن وما يستطيعون أن يأتوا به من السماء لأنهم قد حيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب إنهم عن السمع أي عن الاستماع للوحي من السماء لمعزولون فكيف ينزلون به وقال عطاء عن سماع القرآن لمحجوبون لأنهم يرجمون بالنجوم
فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فان عصوك فقل إني برئ مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم
قوله تعالى فلا تدع مع الله إلها آخر قال ابن عباس يحذر به غيره يقول أنت أكرم الخلق علي ولو اتخذت من دوني إلها لعذبتك
قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال قام رسول الله صلى الله عليه و سلم حين أنزل الله وأنذر عشيرتك الاقربين فقال يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت ما أغني عنك من الله شيئا

وفي بعض الألفاظ سلوني من مالي ما شئتم وفي لفظ غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها ومعنى قوله عشيرتك الأقربين رهطك الأدنين فان عصوك يعني العشيرة فقل إني برئ مما تعملون من الكفر وتوكل على العزيز الرحيم أي ثق به وفوض أمرك إليه فهو عزيز في نقمته رحيم لم يعجل بالعقوبة وقرا نافع وابن عامر فتوكل بالفاء وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام
الذي يراك حين تقوم فيه ثلاثة أقوال
أحدها حين تقوم إلى الصلاة قاله ابن عباس ومقاتل والثاني حين تقوم من مقامك قاله أبو الجوزاء والثالث حين تخلو قاله الحسن
قوله تعالى وتقلبك أي ونرى تقلبك في الساجدين وفيه ثلاثة أقوال
أحدها وتقلبك في أصلاب الأنبياء حتى أخرجك رواه عكرمة عن ابن عباس
والثاني وتقلبك في الركوع والسجود والقيام مع المصلين في الجماعة والمعنى يراك وحدك ويراك في الجماعة وهذا قول الأكثرين منهم قتادة

والثالث وتصرفك في ذهابك ومجيئك في اصحابك المؤمنين قاله الحسن
هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون
قوله تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين هذا رد علهيم حين قالوا إنما يأتيه بالقرآن الشياطين فأما الأفاك فهو الكذاب والأثيم الفاجر قال قتادة وهم الكهنة
قوله تعالى يلقون السمع أي يلقون ما سمعوه من السماء إلى الكهنة
وفي قوله وأكثرهم كاذبون قولان
أحدهما أنهم الشياطين والثاني الكهنة
والشعراء يتبعهم الغاون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا

الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
قوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون وقرا نافع يتبعهم بسكون التاء والوجهان حسنان يقال تبعت واتبعت مثل حقرت واحتقرت وروى العوفي عن ابن عباس قال كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم قد تهاجيا فكان مع كل واحد منهما غواة من قومه فقال الله والشعراء يتبعهم الغاوون وفي رواية آخرى عن ابن عباس قال هم شعراء المشركين قال مقاتل منهم عبد الله بن الزبعري وأبو سفيان بن حرب وهبيرة ابن أبي وهب المخزومي في آخرين قالوا نحن نقول مثل قول محمد وقالوا الشعر فاجتمع إليهم غواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويروون عنهم
وفي الغاوين ثلاثة أقوال
أحدها الشياطين قاله مجاهد وقتادة والثاني السفهاء قاله الضحاك والثالث المشركون قاله ابن زيد
قوله تعالى ألم تر أنهم في كل واد يهيمون هذا مثل بمن يهيم في الأودية والمعنى أنهم يأخذون في كل فن من لغو وكذب وغير ذلك فيمدحون بباطل ويذمون بباطل ويقولون فعلنا ولم يفعلوا

قوله تعالى إلا الذين آمنوا قال ابن عباس لما نزل ذم الشعراء جاء كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت فقالوا يا رسول الله أنزل الله هذا وهو يعلم أنا شعراء فنزلت هذه الآية قال المفسرون وهذا الاستثناء لشعراء المسلمين الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وذموا من هجاء وذكروا الله كثيرا أي لم يشغلهم الشعر عن ذكر الله ولم يجعلوا الشعر همهم وقال ابن زيد وذكروا الله في شعرهم وقيل المراد بالذكر الشعر في طاعة الله عز و جل
قوله تعالى وانتصروا أي من المشركين من بعد ما ظلموا لأن المشركين بدؤوا بالهجاء ثم أوعد شعراء المشركين فقال وسيعلم الذين ظلموا أي أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله عليه و سلم والمؤمنين أي منقلب

ينقلبون قال الزجاج أي منصوبة بقوله ينقلبون لا بقوله سيعلم لأن أيا وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها ومعنى الكلام إنهم ينقلبون إلى نار يخلدون فيها
وقرأ ابن مسعود ومجاهد عن ابن عباس وأبو المتوكل وأبو رجاء أي متقلب يتقلبون بتاءين مفتوحتين وبقافين على كل واحدة منهما نقطتان وتشديد اللام فيهما وقرأ ابي كعب وابن عباس وأبو العالية وأبو مجلز وأبو عمران الجوني وعاصم الجحدري أي منفلت ينفلتون بالفاء فيهما وبنونين ساكنين وبتاءين وكان شريح يقول سيعلم الظالمون حظ من نقصوا إن الظالم ينتظر العقاب وإن المظلوم ينتظر النصر

سورة النمل
وهي مكية كلها باجماعها
بسم الله الرحمن الرحيم
طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين قوله تعالى طس فيه ثلاثة أقوال 3أحدها أنه قسم أقسم الله به وهو من أسمائه رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وفي رواية أخرى عنه قال هو اسم الله الأعظم

والثاني اسم من أسماء القرآن قاله قتاده
والثالث الطاء من اللطيف والسين من السميع حكاه الثعلبي
قوله تعالى وكتاب مبين وقرأ أبو المتوكل وأبو عمران وابن أبي عبلة وكتاب مبين بالرفع فيهما
قوله تعالى وبشرى أي بشرى بما فيه من الثواب للمصدقين
قوله تعالى زينا لهم أعمالهم أي حببنا إليهم قبيح فعلهم وقد بينا حقيقة التزيين والعمه في البقرة 212 , 15 وسوء العذاب شديده
قوله تعالى هم الأخسرون لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم وصاروا إلى النار
قوله تعالى وإنك لتلقى القرآن قال ابن قتيبة اي يلقى عليك فتلقاه أنت أي تأخذه إذ قال موسى المعنى أذكر أذ قال موسى
قال تعالى بشهاب قبس قرأ عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب إلا زيدا بشهاب بالتنوين وقرأالباقون على الإضافة غير منون قال الزجاج من نون الشهاب وجعل القبس من صفة الشهاب وكل أبيض ذي نور فهو شهاب فأما من أضاف فقال الفراء هذا مما يضاف إلى نفسه إذا اختلفت الاسماء كقوله ولدار الآخرة يوسف 109 قال ابن قتيبة الشهاب النار والقبس النار تقبس يقال قبست النار قبسا واسم ماقبست قبس

قوله تعالى تصطلون أي تستدفئون وكان الزمان شتاء
قوله تعالى فلما جائها أي جاء موسى النار وإنما كان نورا فاعتقده نارا نودي أن بورك من في النار فيه ثلاثة أقوال أحدها أن المعنى قدس من في النار وهو الله عز و جل قاله ابن عباس والحسن والمعنى قدس من ناداه من النار لا أن الله عز و جل يحل في شيء والثاني أن من زائدة والمعنى بوركت النار قاله مجاهد والثالث أن المعنى بورك على من في النار أوفيمن في النار قال الفراء والعرب تقول باركه الله وبارك عليه وبارك فيه بمعنى واحد والتقدير بورك من في طلب النار وهو موسى فحذف المضاف وهذه تحية من الله تعالى لموسى بالبركة كما حيا إبراهيم بالبركة على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت هود73 فخرج في قوله بورك قولان أحدهما قدس والثاني من البركة وفي قوله ومن حولها ثلاثة أقوال أحدها الملائكة قاله ابن عباس والحسن والثاني موسى والملائكة قاله محمد بن كعب والثالث موسى فالمعنى بورك فيمن يطلبها وهو قريب منها ياموسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ياموسى لا تخف إني لايخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد

سوء فاني غفور رحيم وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
قوله تعالى إنه أنا الله الهاء عماد في قول أهل اللغة وعلى قول السدي هي كناية عن المنادي لأن موسى قال من هذا الذي يناديني فقيل إنه أنا الله
قوله تعالى وألق عصاك في الآية محذوف تقديره فألقاها فصارت حية فلما رآها تهتز كأنها جان قال الفراء الجان الحية التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة
قوله تعالى ولم يعقب فيه قولان
أحدهما لم يلتفت قاله قتادة والثاني لم يرجع قاله ابن قتيبة والزجاج قال ابن قتيبة وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العقب
قوله تعالى إني لا يخاف لدي المرسلون أي لا يخافون عندي وقيل المراد في الموضع الذي يوحي إليهم فيه فكأنه نبهه على أن من آمنه الله بالنبوة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حية
وفي قوله إلا من ظلم ثلاثة أقوال
أحدها أنه استثناء صحيح قاله الحسن وقتادة ومقاتل والمعنى إلا من ظلم منهم فانه يخاف قال ابن قتيبة علم الله تعالى أن موسى مستشعر

خيفة من ذنبه في الرجل الذي وكزه فقال إلا من ظلم ثم بدل حسنا أي توبة وندما فانه يخاف وإني غفور رحيم
والثاني أنه استثناء منقطع والمعنى لكن من ظلم فانه يخاف قاله ابن السائب والزجاج وقال الفراء من مستثناه من الذين تركوا في الكلام كأنه قال لا يخاف لدي المرسلون إنما الخوف على غيرهم إلا من ظلم فتكون من مستثناة وقال ابن جرير في الآية محذوف تقديره إلا من ظلم فمن ظلم ثم بدل حسنا
والثالث أن إلا بمعنى الواو فهو كقوله لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم البقرة حكاه الفراء عن بعض النحويين ولم يرضه
وقرأ أبي بن كعب وسعيد بن جبير والضحاك وعاصم الجحدري وابن يعمر ألا من ظلم بفتح الهمزة وتخفيف اللام
وللمفسرين في المراد بالظلم هاهنا قولان
أحدهما المعاصي والثاني الشرك ومعنى حسنا توبة وندما
وقرأ ابن مسعود والضحاك وأبو رجاء والأعمش وابن السميفع وعبد الوارث عن ابي عمرو حسنا بفتح الحاء والسين بعد سوء أي بعد إساءة وقيل ألإشارة بهذا إلى أن موسى وإن كان قد ظلم نفسه بقتل القبطي فان الله يغفر له لأنه ندم على ذلك وتاب

قوله تعالى وأدخل يدك في جيبك الجيب حيث جيب من القميص أي قطع قال ابن جرير إنما أمر بادخاله يده في جيبه لأنه كان عليه حينئذ مدرعة من صوف ليس لها كم والسوء البرص
قوله تعالى في تسع آيات قاله الزجاج في من صلة قوله وألق عصاك وأدخل يدك فالتأويل أظهر هاتين الآيتين في تسع آيات وفي بمعنى من فتأويله من تسع آيات تقول خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان أي منها فحلان وقد شرحنا الآيات في بني إسرائيل
قوله تعالى إلى فرعون وقومه أي مرسلا إلى فرعون وقومه فحذف ذلك لأنه معروف فلما جاءتهم آياتنا مبصرة أي بينة واضحة وهو كقوله وآتينا ثمود الناقة مبصرة الاسراء وقد شرحناه
قوله تعالى قالوا هذا أي هذا الذي نراه عيانا سحر مبين وجحدوا بها أي أنكروا واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ظلما أي شركا وعلوا أي تكبرا قال الزجاج المعنى وجحدوا بها ظلما وعلوا أي ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنها من عند الله

ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين
قوله تعالى ولقد آتينا داود وسليمان علما قال المفسرون علما بالقضاء وبكلام الطير والدواب وتسبيح الجبال وقالا الحمد لله الذي فضلنا بالنبوة والكتاب وإلانة الحديد وتسخير الشياطين والجن والإنس على كثير من عباده المؤمنين قال مقاتل كان داود أشد تعبدا من سليمان وكان سليمان أعظم ملكا منه وأفطن
قوله تعالى وورث سليمان داود أي ورث نبوته وعلمه وملكه وكان لداود تسعة عشر ذكرا فخص سليمان بذلك ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيها سواء
قوله تعالى وقال يعني سليمان لبني إسرائيل يا أيها الناس علمنا منطق الطير قرأ أبي بن كعب علمنا بفتح العين واللام قال الفراء منطق الطير كلام الطير كالمنطق إذا فهم قال الشاعر

عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما ...
ومعنى الآية فهمنا ما تقول الطير قال قتادة والنمل من الطير وأوتينا من كل شئ قال الزجاج أي من كل شئ يجوز ان يؤتاه الأنبياء والناس وقال مقاتل أعطينا الملك والنبوة والكتاب والرياح ومنطق الطير وسخرت لنا الجن والشياطين
وروى جعفر بن محمد عن أبيه قال أعطي سليمان ملك مشارق الارض ومغاربها فملك سبعمائة سنة وستة أشهر وملك اهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع وأعطي علم كل شئ ومنطق كل شئ وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة فذلك قوله علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ
قوله تعالى إن هذا يعني الذي أعطينا لهو الفضل المبين أي الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا وحشر لسليمان جنوده أي جمع له كل صنف من جنده على حدة وهذا كان في مسير له فهم يوزعون قال مجاهد يحبس أولهم على آخرهم قال ابن قتيبة وأصل الوزع الكف والمنع يقال وزعت الرجل أي كفقته ووازع الجيش الذي يكفهم عن التفرق ويرد من شذ منهم
قوله تعالى حتى إذا أتوا أي أشرفوا على وادي النمل وفي موضعه قولان

أحدهما أنه بالطائف قاله كعب والثاني بالشام قاله قتادة
قوله تعالى قالت نملة وقرأ ابو مجلز وأبو رجاء وعاصم الجحدري وطلحة بن مصرف نملة بضم الميم أي صاحت بصوت فلما كان ذلك الصوت مفهوما عبر عنه بالقول ولما نطق النمل كما ينطق بنو آدم أجري مجرى الآدميين فقيل ادخلوا وألهم الله تلك النملة معرفة سليمان معجزا له وقد ألهم الله النمل كثيرا من مصالحها تزيد به على الحيوانات فمن ذلك أنها تكسر كل حبة تدخرها قطعتين لئلا تنبت إلا الكزبرة فانها تكسرها أربع قطع لأنها تنبت إذا كسرت قطعتين فسبحان من ألهمها هذا
وفي صفة تلك النملة قولان
أحدهما أنها كانت كهيئة النعجة قال نوف الشامي كان النمل في زمن سليمان بن داود كأمثال الذئاب
والثاني كانت نملة صغيرة
ادخلوا مساكنكم وقرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل وعاصم الجحدري مسكنكم على التوحيد
قوله تعالى لا يحطمنكم الحطم الكسر وقرأ أبي بن كعب وأبو رجاء ليحطمنكم بغير ألف بعد اللام وقرأ ابن مسعود

لا يحطمكم بفتح الياء وسكون الحاء وتخفيف الطاء وسكون الميم وحذف النون وقرأ عمرو بن العاص وأبان يحطمنكم بفتح الياء وسكون الحاء والنون ساكنة أيضا والطاء خفيفة وقرا أبو المتوكل وأبو مجلز لا يحطمنكم بفتح الياء وكسر الحاء وتشديد الطاء والنون جميعا وقرأ ابن السميفع وابن يعمر وعاصم الجحدري يحطمنكم برفع الياء وسكون الحاء وتخفيف الطاء وتشديد النون والحطم الكسر والحطام ما تحطم قال مقاتل سمع سليمان كلامها من ثلاثة اميال
وفي قوله وهم لا يشعرون قولان
أحدهما وأصحاب سليمان لم يشعروا بكلام النملة قاله ابن عباس
والثاني واصحاب سليمان لا يشعرون بمكانكم لانها علمت أنه ملك لا بغي فيه وأنهم لو علموا بالنمل ما توطؤوهم قاله مقاتل
قوله تعالى فتبسم ضاحكا قال الزجاج ضاحكا منصوب حال مؤكدة لأن تبسم بمعنى ضحك قال المفسرون تبسم تعجبا مما قالت وقيل من ثنائها عليه وقال بعض العلماء هذه الآية من عجائب القرآن لأنها بلفظة يا نادت أيها نبهت النمل عينت ادخلوا أمرت مساكنكم نصت لا يحطمنكم حذرت سليمان خصت وجنوده عمت وهم لا يشعرون عذرت
قوله تعالى وقال رب أوزعني قال ابن قتيبة ألهمني أصل الإيزاع الإغراء بالشئ يقال اوزعته بكذا أي أغريته به وهو موزع بكذا ومولع بكذا وقال الزجاج تأويله في اللغة كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك والمعنى كفني عما يباعد منك وأن أعمل أي

وألهمني أن أعمل صالحا ترضاه قال المفسرون إنما شكر الله عز و جل لأن الريح أبلغت إليه صوتها ففهم ذلك
وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم
قوله تعالى وتفقد الطير التفقد طلب ما غاب عنك والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير والطير اسم جامع للجنس وكانت الطير تصحب سليمان في سفره تظله بأجنحتها فقال ما لي لا ارى الهدهد قرأ ابن كثير وعاصم والكسائي مالي لا أرى الهدهد بفتح الياء وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة بالسكون والمعنى ما للهدهد لا أراه تقول العرب مالي أراك كئيبا أي مالك فهذا من المقلوب الذي معناه معلوم قال المفسرون لما فصل سليمان عن وادي النمل وقع في قفر من الأرض فعطش الجيش فسألوه الماء وكان الهدهد يدله على الماء فاذا قال له هاهنا الماء شققت الشياطين الصخر وفجرت العيون قبل أن يضربوا أبنيتهم وكان الهدهد يرى الماء في الارض كما يرى الماء في الزجاجة فطلبه يومئذ فلم يجده

وقال بعضهم إنما طلبه لأن الطير كانت تظلهم من الشمس فأخل الهدهد بمكانه فطلعت الشمس عليهم من الخلل
قوله تعالى أم كان قال الزجاج معناه بل كان
قوله تعالى لاعذبنه عذابا شديدا فيه ستة أقوال
أحدها نتف ريشه قاله ابن عباس والجمهور والثاني نتفه وتشميسه قاله عبد الله بن شداد والثالث شد رجله وتشميسه قاله الضحاك والرابع أن يطليه بالقطران ويشمسه قاله مقاتل بن حيان والخامس ان يودعه القفص والسادس أن يفرق بينه وبين إلفه حكاهما الثعلبي
قوله تعالى أو ليأتيني وقرأ ابن كثير ليأتينني بنونين وكذلك هي في مصاحفهم فأما السلطان فهو الحجة وقيل العذر
وجاء في التفسير أن سليمان لما نزل في بعض مسيره قال الهدهد إنه قد اشتغل بالنزول فأرتفع أنا إلى السماء فأنظر إلى طول الدنيا وعرضها فارتفع فرأى بستانا لبلقيس فمال إلى الخضرة فوقع فيه فاذا هو بهدهد قد لقيه فقال من اين أقبلت قال من الشام مع صاحبي سليمان فمن أين أنت قال من هذه البلاد وملكها امرأة يقال لها بلقيس فهل انت منطلق معي حتى ترى ملكها قال اخاف أن يتفقدني سليمان وقت الصلاة إذا احتاج إلى الماء قال إن صاحبك يسره أن تأتيه بخبر هذه الملكة فانطلق معه فنظر إلى بلقيس وملكها فمكث غير بعيد قرأالجمهور بضم الكاف وقرأ عاصم بفتحها وقرأ ابن مسعود فتمكث بزيادة تاء والمعنى لم يلبث إلا يسيرا حتى جاء فقال سليمان ما الذي أبطأ بك فقال أحطت بما لم تحط به أي علمت شيئا من جميع جهاته مما لم تعلم به وجئتك من سبأ قرأ ابن كثير

وأبو عمرو سبأ نصبا غير مصروف وقرأ الباقون خفضا منونا وجاء في الحديث عن رسول الله ص - أن سبأ رجل من العرب وقال قتادة هي ارض باليمن يقال لها مأرب وقال أبو الحسن الأخفش إن شئت صرفت سبأ فجعلته اسم أبيهم أو اسم الحي وإن شئت لم تصرف فجعلته اسم القبيلة أو اسم الأرض قال الزجاج وقد ذكر قوم من النحويين أنه اسم رجل وقال آخرون الاسم إذا لم يدر ما هو لم يصرف وكلا القولين خطأ لأن الأسماء حقها الصرف وإذا لم يعلم هل الاسم للمذكر أم للمؤنث فحقه الصرف حتى يعلم أنه لا ينصرف لان أصل الأسماء الصرف وقول الذين قالوا هو اسم رجل غلط لأن سبأ هي مدينة تعرف بمأرب من اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام فمن لم يصرفه جعله اسم مدينة ومن صرفه فلأنه اسم البلد فيكون مذكرا سمي بمذكر
قوله تعالى بنبأ يقين أي بخبر صادق إني وجدت امرأة تملكهم يعني بلقيس وأوتيت من كل شيء قال الزجاج معناه من كل شيء يعطاه الملوك ويؤتاه الناس والعرش سرير الملك قال قتادة كان عرشها من ذهب قوائمه من جوهر مكلل باللؤلؤ وكان أحد أبويها من الجن وكان مؤخر أحد قدميها مثل حافر الدابة وقال مجاهد كان قدماها كحافر الحمار وقال ابن السائب لم يكن بقدميها شيء إنما وقع الجن فيها عند سليمان بهذا القول فلما جعل لها الصرح بان له كذبهم قال مقاتل كان ارتفاع عرشها

ثمانين ذراعا في عرض ثمانين وكانت أمها من الجن قال ابن جرير وانما صار هذا الخبر عذرا للهدهد لأن سليمان كان لا يرى لاحد في الارض مملكة سواه وكان مع ذلك يحب الجهاد فلما دله الهدهد على مملكة لغيره وعلى قوم كفرة يجاهدهم صار ذلك عذرا له
قوله تعالى ألا يسجدوا قرأ الأكثرون ألا بالتشديد قال الزجاج والمعنى وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا أي فصدهم لئلا يسجدوا وقرأ ابن عباس وابو عبد الرحمن السلمي والحسن والزهري وقتادة وأبو العالية وحميد الأعرج والأعمش وابن أبي عبلة والكسائي ألا يسجدوا مخففة على معنى ألا يا هؤلاء اسجدوا فيكون في الكلام إضمار هؤلاء ويكتفى منها ب يا ويكون الوقف ألا يا والابتداء اسجدوا قال الفراء فعلى هذه القراءة هي سجدة وعلى قراءة من شدد لا ينبغي لها أن تكون سجدة وقال أبو عبيدة هذا أمر من الله مستأنف يعني ألا يا أيها الناس اسجدوا وقرأ ابن مسعود وأبي هلا يسجدوا بهاء
قوله تعالى الذي يخرج الخبء في السموات والأرض قال ابن قتيبة أي المستتر فيهما وهو من خبأت الشيء إذا أخفيته ويقال خبء السموات المطر وخبء الأرض النبات وقال الزجاج كل ما خبأته فهو خبء فالخبء كل ما غاب فالمعنى يعلم الغيب في السموات والأرض وقال ابن جرير في بمعنى من فتقديره يخرج الخبء من السموات
قوله تعالى ويعلم ما تخفون وما تعلنون قرأ حفص عن عاصم والكسائي بالتاء فيهما وقرأ الباقون بالياء قال ابن زيد من قوله أحطت إلى قوله العظيم كلام الهدهد وقرأ الضحاك وابن محيصن العظيم برفع الميم

قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون قالت يا أيها الموءا إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمن وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين
فلما فرغ الهدهد من كلامه قال سننظر فيما أخبرتنا به أصدقت فيما قلت أم كنت من الكاذبين وانما شك في خبره لأنه أنكر أن يكون لغيره في الأرض سلطان ثم كتب كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهدهد وقال اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي فألقهي موصولة بياء وقرأ أبو عمرو وعاصم وأبو جعفر وحمزة فألقه بسكون الهاء وروى قالون عن نافع كسر الهاء من غير إشباع ويعني إلى أهل سبأ ثم تول عنهم فيه قولان
أحدهما أعرض والثاني انصرف فانظر ماذا يرجعون أي ماذا يردون من الجواب
فان قيل إذا تولى عنهم فكيف يعلم جوابهم فعنه جوابان
أحدهما أن المعنى ثم تول عنهم مستترا من حيث لا يرونك فانظر ماذا يردون من الجواب وهذا قول وهب بن منبه
والثاني أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم وهذا مذهب ابن زيد
قال قتادة أتاها الهدهد وهي نائمة فألقى الكتاب على نحرها فقرأته وأخبرت قومها وقال مقاتل حمله في منقاره حتى وقف على رأس المرأة فرفرف ساعة

والناس ينظرون فرفعت رأسها فألقي الكتاب في حجرها فلما رأت الخاتم أرعدت وخضعت وخضع من معها من الجنود
واختلفوا لأي علة سمته كريما على سبعة أقوال
أحدها لأنه كان مختوما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والثاني لانها ظنته من عند الله عز و جل روي عن ابن عباس أيضا والثالث أن معنى قولها كريم حسن ما فيه قاله قتادة والزجاج والرابع لكرم صاحبه فانه كان ملكا ذكره ابن جرير والخامس لانه كان مهيبا ذكره أبو سليمان الدمشقي والسادس لتسخير الهدهد لحمله حكاه الماوردي السابع لأنها رأت في صدره بسم الله الرحمن الرحيم حكاه الثعلبي
قوله تعالى إنه من سليمان أي إن الكتاب من عنده وإنه أي وإن المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي أي لا تتكبروا وقرأ ابن عباس تغلوا بغين معجمة وأتوني مسلمين أي منقادين طائعين ثم استشارت قومها ف قالت يا أيها الملا يعني الاشراف وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر قائدا كل رجل منهم على عشرة آلاف وقال ابن عباس كان معها مائة ألف قيل مع كل قيل مائة ألف وقيل كانت جنودها ألف ألف ومائتي الف
قالت يا أيها الملؤ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن اولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية

أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون
قوله تعالى أفتوني في أمري أي بينوا لي ما أفعل وأشيروا علي قال الفراء جعلت المشورة فتيا وذلك جائز لسعة اللغة
قوله تعالى ما كنت قاطعة أمرا أي فاعلته حتى تشهدون أي تحضرون والمعنى إلا بحضوركم ومشورتكم
قالوا نحن أولوا قوة فيه قولان
أحدهما أنهم أرادوا القوة في الأبدان والثاني كثرة العدد والبأس والشجاعة في الحرب
وفيما أرادوا بذلك القول قولان أحدهما تفويض الأمر إلى رأيها والثاني تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم
ثم قالوا والأمر إليك أي في القتال وتركه قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية قال الزجاج المعنى إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة
قوله تعالى أفسدوها أي خربوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة أي أهانوا أشرافها ليستقيم لهم الأمر ومعنى الكلام أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادها
قوله تعالى وكذلك يفعلون فيه قولان
أحدهما أنه من تصديق الله تعالى لقولها قاله الزجاج
والثاني من تمام كلامها والمعنى وكذلك يفعل سليمان وأصحابه إذا دخلوا بلادنا حكاه الماوردي

قوله تعالى وإني مرسلة إليهم بهدية قال ابن عباس إنما أرسلت الهدية لتعلم أنه إن كان نبيا لم يرد الدنيا وإن كان ملكا فسيرضى بالحمل وأنها بعثت ثلاث لبنات من ذهب في كل لبنة مائة رطل وياقوتة حمراء طولها شبر مثقوبة وثلاثين وصيفا وثلاثين وصيفة وألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف الذكر من الأنثى ثم كتبت إليه إني قد بعثت إليك بهدية فاقبلها وبعثت إليك بياقوتة طولها شبر فأدخل فيها خيطا واختم على طرفي الخيط بخاتمك وقد بعثت إليك ثلاثين وصيفا وثلاثين وصيفة فميز بين الجواري والغلمان فجاء أمير الشياطين فأخبره بما بعثت إليه فقال له انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال لبنا من الذهب فانطلق فبعث الشياطين فقطعوا اللبن من الجبال وطلوه بالذهب وفرشوه ونصبوا في الطريق أساطين الياقوت الأحمر فلما جاء الرسل قال بعضهم لبعض كيف تدخلون على هذا الرجل بثلاث لبنات وعنده ما رأيتم فقال رئيسهم إنما نحن رسل فدخلوا عليه فوضعوا اللبن بين يديه فقال أتمدونني بمال ثم دعا ذرة فربط فيها خيطا وأدخلها في ثقب الياقوتة حتى خرجت من طرفها الآخر ثم جمع بين طرفي الخيط فختم عليه ودفعها إليهم ثم ميز بين الغلمان والجواري هذا كله مروي عن ابن عباس وقال مجاهد جعلت لباس الغلمان للجواري ولباس الجواري للغلمان فميزهم ولم يقبل هديتها

وفي عدد الوصائف والوصفاء خمسة أقوال
أحدها ثلاثون وصيفا وثلاثون وصيفة وقد ذكرناه عن ابن عباس والثاني خمسمائة غلام و
خمسمائة جارية قاله وهب والثالث مائتا غلام ومائتا جارية قاله مجاهد والرابع عشرة غلمان وعشر جوار قاله ابن السائب والخامس مائة وصيف ومائة وصيفة قاله مقاتل
وفي ما ميزهم به ثلاثة أقوال
أحدها أنه أمرهم بالوضوء فبدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها فميزهم بذلك قاله سعيد بن جبير
والثاني أن الغلمان بدؤوا بغسل ظهور السواعد قبل بطونها والجواري على عكس ذلك قاله قتادة
والثالث أن الغلام اغترف بيده والجارية أفرغت على يدها قاله السدي وجاء في التفسير أنها أمرت الجواري ان يكلمن سليمان بكلام الرجال وأمرت الرجال أن يكلموه كلام النساء وأرسلت قدحا تسأله أن يملأها ماء ليس من ماء السماء ولا من ماء الأرض فأجرى الخيل وملأه من عرقها
قوله تعالى فناظرة بم يرجع المرسلون أي بقبول أم برد قال ابن جرير وأصل بم بما وإنما أسقطت الألف لأن العرب إذا كانت ما بمعنى أي ثم وصلوها بحرف خافض أسقطوا ألفها تفريقا بين الاستفهام والخبر كقوله عم يتساءلون النبأ وقالوا فيم كنتم النساء وربما أثبتوا فيها الألف كما قال الشاعر

على ما قام يشتمنا لئيم ... كخنزير تمرغ في رماد ...
فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون إرجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون قال يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم
قوله تعالى فلما جاء سليمان قال الزجاج لما جاء رسولها ويجوز فلما جاء برها
قوله تعالى أتمدونني بمال قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو أتمدونني بنونين وياء في الوصل وروى المسيبي عن نافع أتمدوني بنون واحدة خفيفة وياء في الوصل والوقف وقرأ عاصم وابن عامر والكسائي أتمدونن بغير ياء في الوصل والوقف وقرأ حمزة أتمدوني بمال بنون واحدة مشددة ووقف على الياء
قوله تعالى فما آتاني الله قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم فما آتان الله بكسر النون من غير ياء وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص عن عاصم آتاني بفتح الياء وكلهم

فتحوا التاء غير الكسائي فانه أمالها من آتاني الله وأمال حمزة أنا آتيك به أشم النون شيئا من الكسر والمعنى فما آتاني الله أي من النبوة والملك خير مما آتاكم من المال بل أنتم بهديتكم تفرحون يعني إذا أهدى بعضكم إلى بعض فرح فأما أنا فلا ثم قال للرسول إرجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل أي لا طاقة لهم بها ولنخرجنهم منها يعني بلدتهم فلما رجعت رسلها إليها بالخبر قالت قد علمت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة فبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما تدعو إليه ثم أمرت بعرشها فجعل وراء سبعة أبواب ووكلت به حرسا يحفظونه وشخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف ملك تحت يدي كل ملك منهم ألوف وكان سليمان مهيبا لا يبتدأ بشئ حتى يسأل عنه فجلس يوما على سرير ملكه فرأى رهجا قريبا منه فقال ما هذا قالوا بلقيس قد نزلت بهذا المكان وكان قدر فرسخ وقد كان بلغه أنها احتاطت على عرشها قبل خروجها ف قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها وفي سبب طلبه له خمسة أقوال
أحدها ليعلم صدق الهدهد قاله ابن عباس
والثاني ليجعل ذلك دليلا على صدق نبوته لأنها خلفته في دارها واحتاطت عليه فوجدته قد تقدمها قاله وهب بن منبه
والثالث ليختبر عقلها وفطنتها أتعرفه أم تنكره قاله سعيد بن جبير
والرابع لأن صفته أعجبته فخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها فأراد أخذه قبل ذلك قاله قتادة
والخامس ليريها قدرة الله تعالى وعظم سلطانه حكاه الثعلبي

قوله تعالى قال عفريت من الجن قال أبو عبيدة العفريت من كل جن أو إنس الفائق المبالغ الرئيس وقال ابن قتيبة العفريت الشديد الوثيق وقال الزجاج العفريت النافذ في الأمر المبالغ فيه مع خبث ودهاء
وقرأ أبي بن كعب والضحاك وأبو العالية وابن يعمر وعاصم الجحدري قال عفريت بفتح العين وكسر الراء وروى ابن ابي شريح عن الكسائي عفرية بفتح الياء وتخفيفها وروي عنه أيضا تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث وقرأ ابن مسعود وابن السميفع عفراة بكسر العين وفتح الراء وبألف من غير ياء
قوله تعالى قبل أن تقوم من مقامك أي من مجلسك ومثله في مقام أمين الدخان وكان سليمان يجلس للقضاء بين الناس من وقت الفجر إلى طلوع الشمس وقيل إلى نصف النهار وإني عليه أي على حمله لقوي
وفي قوله أمين قولان
أحدهما أمين على ما فيه من الجوهر والدر وغير ذلك قاله ابن السائب
والثاني أمين ان لا آتيك بغيره بدلا منه قاله ابن زيد
قال سليمان أريد اسرع من ذلك قال الذي عنده علم من الكتاب وهل هو إنسي أم ملك فيه قولان
أحدهما إنسي قاله ابن عباس والضحاك وأبو صالح ثم فيه أربعة أقوال أحدها أنه رجل من بني إسرائيل واسمه آصف بن برخيا قاله مقاتل قال ابن عباس دعا آصف وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يخدون الأرض خدا حتى انخرقت

الأرض بالسرير بين يدي سليمان والثاني أنه سليمان عليه السلام وإنما قال له رجل انا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فقال هات قال انت النبي ابن النبي فان دعوت الله جاءك فدعا الله فجاءه قاله محمد بن المكندر والثالث أنه الخضر قاله ابن لهيعة والرابع انه عابد خرج يومئذ من جزيرة في البحر فوجد سليمان فدعا فأتي بالعرش قاله ابن زيد والقول الثاني أنه من الملائكة قولان
أحدهما أنه جبريل عليه السلام والثاني ملك من الملائكة أيد الله به سليمان حكاهما الثعلبي
وفي العلم الذي عنده من الكتاب ثلاثة أقوال
أحدها أنه اسم الله الأعظم قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والجمهور
والثاني أنه علم كتاب سليمان إلى بلقيس
والثالث أنه علم ما كتب الله لبني آدم وهذا على أنه ملك حكى القولين الماوردي
وفي قوله قبل أن يرتد إليك طرفك أربعة أقوال
أحدها قبل أن يأتيك أقصى ما تنظر إليه قاله سعيد بن جبير
والثاني قبل أن ينتهي طرفك إذا مددته إلى مداه قاله وهب
والثالث قبل أن يرتد طرفك حسيرا إذا أمدت النظر قاله مجاهد
والرابع بمقدار ما تفتح عينك ثم تطرف قاله الزجاج قال مجاهد دعا فقال ياذا الجلال والاكرام وقال ابن السائب إنما قال ياحي ياقيوم
قوله تعالى فلما رآه في الكلام محذوف تقديره فدعا الله فاتي

به فلما رآه يعني سليمان مستقرا عنده أي ثابتا بين يديه قال هذا يعني التمكن من حصول المراد
قوله تعالى أأشكر أم أكفر فيه قولان أحدهما أأشكر على السرير إذ أتيت به أم أكفر إذا رأيت من هو دوني في الدنيا أعلم مني قاله ابن عباس
و الثاني أأشكر ذلك من فضل الله علي أم أكفر نعمته بترك الشكر له قاله ابن جرير
قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لايهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمن لله رب العالمين
قوله تعالى قال نكروا لها عرشها قال المفسرون خافت الشياطين أن يتزوج سليمان بلقيس فتفشي إليه أسرار الجن لأن أمها كانت جنية فلا ينفكون من تسخير سليمان وذريته بعده فأساؤوا الثناء عليها وقالوا إن في عقلها شيئا وإن رجلها كحافر الحمار فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها وينظر إلى قدميها ببناء الصرح قال ابن قتيبة ومعنى نكروا غيروا يقال نكرت الشئ فتنكر أي غيرته فتغير

وللمفسرين في كيفية تغييره ستة أقوال
أحدها أنه زيد فيه ونقص منه رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني أنهم جعلوا صفائح الذهب التي كانت عليه مكان صفائح الفضة وصفائح الفضة مكان صفائح الذهب والياقوت مكان الزبرجد والدر مكان اللؤلؤ وقائمتي الزبرجد مكان قائمتي الياقوت قاله ابن عباس أيضا
والثالث أنهم نزعوا ما عليه من فصوصه وجواهره روي عن ابن عباس أيضا
والرابع أنهم جعلوا ما كان منه أحمر أخضر وما كان أخضر أحمر قاله مجاهد
والخامس أنهم جعلوا أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره وزادوا فيه ونقصوا منه قاله قتادة
والسادس أنهم جعلوا فيه تماثيل السمك قاله أبو صالح
وفي قوله كأنه هو قولان
أحدهما أنها لما رأته جعلت تعرف وتنكر ثم قالت في نفسها من أين يخلص إلى ذلك وهو في سبعة أبيات والحرس حوله ثم قالت كأنه هو قاله أبو صالح عن ابن عباس وقال قتادة شبهته بعرشها وقال السدي وجدت فيه ما تعرفه فلم تنكر ووجدت فيه ما تنكره فلم تثبت فلذلك قالت كأنه هو
والثاني أنها عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها فلو أنهم قالوا هذا عرشك لقالت نعم قاله مقاتل قال المفسرون فقيل لها فانه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الابواب
وفي قوله وأوتينا العلم ثلاثة أقوال

أحدها أنه قول سليمان قاله مجاهد ثم في معناه قولان أحدهما وأوتينا العلم بالله وقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة والثاني أوتينا العلم باسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين لله
والقول الثاني انه من قول بلقيس فانها لما رأت عرشها قالت قد عرفت هذه الآية وأوتينا العلم بصحة نبوة سليمان بالآيات المتقدمة تعني أمر الهدهد والرسل التي بعثت من قبل هذه الآية وكنا مسلمين منقادين لأمرك قبل أن نجئ
والثالث أنه من قول قوم سليمان حكاه الماوردي
قوله تعالى وصدها ما كانت تعبد من دون الله قال الفراء معنى الكلام هي عاقلة إنما صدها عن عبادة الله عبادتها الشمس والقمر وكان عادة من دين آبائها والمعنى وصدها أن تعبد الله ما كانت تعبد قال وقد قيل صدها سليمان أي منعها ما كانت تعبد قال الزجاج المعنى صدها عن الإيمان العادة التي كانت عليها لأنها نشأت ولم تعرف إلا قوما يعبدون الشمس وبين عبادتها بقوله إنها كانت من قوم كافرين وقرأ سعيد بن جبير وابن ابي عبلة أنها كانت بفتح الهمزة
قوله تعالى قيل لها ادخلي الصرح قال المفسرون أمر الشياطين فبنوا له صرحا كهيئة السطح من زجاج
وفي سبب أمره بذلك ثلاثة أقوال
أحدها أنه أراد ان يريها ملكا هو اعز من ملكها قاله وهب بن منبه
والثاني انه اراد ان ينظر إلى قدمها من غير ان يسألها كشفها لأنه

قيل له إن رجلها كحافر الحمار فامر ان يهيأ لها بيت من قوارير فوق الماء ووضع سرير سليمان في صدر البيت هذا قول محمد بن كعب القرظي
والثالث أنه فعل ذلك ليختبرها كما اختبرته بالوصائف والوصفاء ذكره ابن جرير فأما الصرح فقال ابن قتيبة هو القصر وجمعه صروح ومنه قول الهذلي
... على طرق كنحور الركا ... ب تحسب أعلامهن الصروحا ...
قال ويقال الصرح بلاط اتخذ لها من قوارير وجعل تحتها ماء وسمك قال مجاهد كانت بركة من ماء ضرب عليها سليمان قوارير وقال مقاتل كان قصرا من قوارير بني على الماء وتحته السمك
قوله تعالى حسبته لجة وهي معظم الماء وكشفت عن ساقيها لدخول الماء فناداها سليمان إنه صرح ممرد أي مملس من قوارير أي من زجاج فعلمت حينئذ أن ملك سليمان من الله تعالى ف قالت رب إني ظلمت نفسي أي بعبادة غيرك وقيل ظنت في سليمان أنه يريد تفريقها في الماء فلما علمت أنه صرح ممرد قالت رب

إني ظلمت نفسي بذلك الظن وأسلمت مع سليمان ثم تزوجها سليمان وقيل إنه ردها إلى مملكتها وكان يزورها في كل شهر مرة ويقيم عندها ثلاثة أيام وأنها ولدت منه وقيل إنه زوجها ببعض الملوك ولم يتزوجها هو
ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا ان اعبدوا الله فاذا هم فريقان يختصمون قال ياقوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون
قوله تعالى فاذا هم فريقان أي مؤمن وكافر يختصمون وفيه قولان أحدهما أنه قولهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه الآيات الأعراف
والثاني أنه قول كل فريق منهم الحق معي
قوله تعالى لم تستعجلون بالسيئة وذلك حين قالوا إن كان ما أتيتنا به حقا فائتنا بالعذاب وفي السيئة والحسنة قولان
أحدهما أن السيئة العذاب والحسنة الرحمة قاله مجاهد
والثاني أن السيئة البلاء والحسنة العافية قاله السدي
قوله تعالى لولا أي هلا تستغفرون الله من الشرك لعلكم ترحمون فلا تعذبون قالوا اطيرنا قال ابن قتيبة المعنى تطيرنا وتشاءمنا بك فأدغمت التاء في الطاء وأثبتت الألف ليسلم السكون

لما بعدها وقال الزجاج الأصل تطيرنا فأدغمت التاء في الطاء واجتلبت الألف لسكون الطاء فاذا ابتدأت قلت اطيرنا وإذا وصلت لم تذكر الألف وتسقط لأنها ألف وصل وإنما تطيروا به لأنهم قحطوا وجاعوا ف قال لهم طائركم عند الله وقد شرحنا هذا المعنى في الاعراف
وفي قوله تفتنون ثلاثة أقوال
أحدها تختبرون بالخير والشر قاله ابن عباس والثاني تصرفون عن دينكم قاله الحسن والثالث تبتلون بالطاعة والمعصية قاله قتادة
وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون
قوله تعالى وكان في المدينة وهي الحجر التي نزلها صالح تسعة رهط يفسدون في الأرض يريد في أرض الحجر وفسادهم كفرهم ومعاصيهم وكانوا يسفكون الدماء ويثبتون على الأموال والفروج وهم الذين عملوا في قتل الناقة وروي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح قالا كان فسادهم كسر الدراهم والدنانير قالوا فيما بينهم تقاسموا بالله أي احلفوا بالله لنبيتنه أي لنقتلن صالحا وأهله ليلا ثم لنقولن وقرأ حمزة والكسائي لتبيتنه وأهله ثم لتقولن بالتاء فيهما وقرأ مجاهد

وأبو رجاء وحميد بن قيس ليبيتنه بياء وتاء مرفوعتين ثم ليقولن بياء مفتوحة وقاف مرفوعة وواو ساكنة ولام مرفوعة لوليه أي لولي دمه إن سألنا عنه ما شهدنا أي ما حضرنا مهلك أهله قرأ الاكثرون بضم الميم وفتح اللام والمهلك يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإهلاك ويجوز ان يكون الموضع وروى ابو بكر وأبان عن عاصم بفتح الميم واللام يريد الهلاك يقال هلك يهلك مهلكا وروى عنه حفص والمفضل بفتح الميم وكسر اللام وهو اسم المكان على معنى ما شهدنا موضع هلاكهم فهذا كان مكرهم فجازاهم الله عليه فأهلكهم
وفي صفة إهلاكهم أربعة أقوال
أحدها أنهم أتوا دار صالح شاهرين سيوفهم فرمتهم الملائكة بالحجارة فقتلتهم قاله ابن عباس
والثاني رماهم الله بصخرة فقتلتهم قاله قتادة
والثالث أنهم دخلوا غارا ينتظرون مجئ صالح فبعث الله صخرة سدت باب الغار قاله ابن زيد
والرابع أنهم نزلوا في سفح جبل ينتظر بعضهم بعضا ليأتوا دار صالح فجثم عليهم الجبل فأهلكهم قاله مقاتل
قوله تعالى أنا دمرناهم قرأ عاصم وحمزة والكسائي أنا دمرناهم بفتح الألف وقرأ بكسرها فمن كسر استأنف ومن فتح فقال أبو علي فيه وجهان
أحدهما أن يكون بدلا من عاقبة مكرهم

والثاني ان يكون محمولا على مبتدأ مضمر كأنه قال هو أنا دمرناهم
قوله تعالى فتلك بيوتهم خاوية قال الزجاج هي منصوبة على الحال المعنى فانظر إلى بيوتهم خاوية
ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين
قوله تعالى أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون فيه قولان
أحدهما وأنتم تعلمون أنها فاحشة والثاني وبعضكم يبصر بعضا
قوله تعالى بل أنتم قوم تجهلون قال ابن عباس تجهلون القيامة وعاقبة العصيان
قوله تعالى قدرناها من الغابرين أي جعلناها بتقديرنا وقضائنا عليها من الباقين في العذاب وقرأ أبو بكر عن عاصم قدرناها خفيفة وهي في معنى المشددة وباقي القصة قد تقدم تفسيره هود
قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ءإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض

قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا ءإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون
قوله تعالى قل الحمد لله هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أن يحمد الله على هلاك الأمم الكافرة وقيل على جميع نعمه وسلام على عباده الذين اصطفى فيهم أربعة أقوال
أحدها الرسل رواه أبو صالح عن ابن عباس وروى عنه عكرمة قال اصطفى إبراهيم بالخلة وموسى بالكلام ومحمدا بالرؤية

والثاني أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم رواه أبو مالك عن ابن عباس وبه قال السدي
والثالث أنهم الذين وحدوه وآمنوا به رواه عطاء عن ابن عباس
والرابع أنه محمد صلى الله عليه و سلم قاله ابن السائب
قوله تعالى الله خير أما يشركون قال ابو عبيدة مجازه أو ما يشركون وهذا خطاب للمشركين والمعنى الله خير لمن عبده أم الأصنام لعابديها ومعنى الكلام أنه لما قص عليهم قصص الأمم الخالية أخبرهم أنه نجى عابديه ولم تغن الأصنام عنهم
قوله تعالى أمن خلق السماوات تقديره أما يشركون خير أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة فأما الحدائق فقال ابن قتيبة هي البساتين واحدها حديقة سميت بذلك لأنه يحدق عليها أي يحظر والبهجة الحسن
قوله تعالى ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أي ما ينبغي لكم ذلك لأنكم لا تقدرون عليه ثم قال مستفهما منكرا عليهم أإله مع الله أي ليس معه

إله بل هم يعني كفار مكة قوم يعدلون وقد شرحناه في فاتحة الأنعام أمن جعل الارض قرارا أي مستقرا لا تميد بأهلها وجعل خلالها أي فيما بينها أنهارا وجعل لها رواسي أي جبالا ثوابت وجعل بين البحرين حاجزا أي مانعا من قدرته بين العذاب والملح ان يختلطا بل أكثرهم لا يعلمون قدر عظمة الله
أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الارض ءإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ءإله مع الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدؤا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ءإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادراك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون وقال الذين كفروا ءإذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى ان يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وإن ربك ليعلم ما تكن

صدورهم وما يعلنون وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين
قوله تعالى أمن يجيب المضطر وهو المكروب المجهود ويكشف السوء يعني الضر ويجعلكم خلفاء الارض أي يهلك قرنا وينشئ آخرين وتذكرون بمعنى تتعظون وقرأ أبو عمرو بالياء والباقون بالتاء أمن يهديكم أي يرشدكم إلى مقاصدكم إذا سافرتم في ظلمات البر والبحر وقد بيناها في الأنعام وشرحنا ما يليها من الكلمات فيما مضى الأعراف ويونس إلى قوله وما يشعرون يعني من في السماوات والأرض أيان يبعثون أي متى يبعثون بعد موتهم

قوله تعالى بل أدرك علمهم في الآخرة قرأ ابن كثير وأبو عمرو بل أدرك قال مجاهد بل بمعنى أم والمعنى لم يدرك علمهم وقال الفراء المعنى هل ادرك علمهم علم الآخرة فعلى هذا يكون المعنى إنهم لا يقفون في الدنيا على حقيقة العلم بالآخرة وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بل ادارك على معنى بل تدارك أي تتابع وتلاحق فأدغمت التاء في الدال ثم في معناها قولان
أحدهما بل تكامل علمهم يوم القيامة لانهم مبعوثون قاله الزجاج وقال ابن عباس ما جهلوه في الدنيا علموه في الآخرة
والثاني بل تدارك ظنهم وحدسهم في الحكم على الآخرة فتارة يقولون إنها كائنة وتارة يقولون لا تكون قاله ابن قتيبة وروى أبو بكر عن عاصم بل ادرك على وزن افتعل من ادركت
قوله تعالى بل هم في شك منها أي بل هم اليوم في شك من القيامة بل هم منها عمون قال ابن قتيبة أي من علمها وما بعد هذا قد سبق بيانه النحل المؤمنون إلى قوله متى هذا الوعد يعنون العذاب الذي تعدنا قل عسى أن يكون ردف لكم قال ابن عباس قرب لكم وقال ابن قتيبة تبعكم واللام زائدة كأنه قال ردفكم
وفي ما تبعهم مما استعجلوه قولان
أحدهما يوم بدر والثاني عذاب القبر
قوله تعالى وإن ربك لذو فضل على الناس قال مقاتل على أهل مكة حين لا يعجل عليهم بالعذاب
قوله تعالى وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم أي ما تخفيه

وما يعلنون بألسنتهم من عداوتك وخلافك والمعنى أنه يجازيهم عليه وما من غائبة أي وما من جملة غائبة إلا في كتاب يعني اللوح المحفوظ والمعنى إن علم ما يستعجلونه من العذاب بين عند الله وإن غاب عن الخلق
إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم فتوكل على الله إنك على الحق المبين إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون
إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل وذلك أن اهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه فلو أخذوا به لسلموا إن ربك يقضي بينهم يعني بين بني إسرائيل بحكمه وقرأ أبو المتوكل وأبو عمران الجوني وعاصم الجحدري بحكمه بكسر الحاء وفتح الكاف
قوله تعالى إنك لا تسمع الموتى قال المفسرون هذا مثل ضربه الله للكفار فشبههم بالموتى
قوله تعالى ولا تسمع الصم الدعاء وقرأ ابن كثير ولا يسمع الصم بفتح ميم يسمع وضم ميم الصم
قوله تعالى إذا ولوا مدبرين أي أن الصم إذا أدبروا عنك ثم

ناديتهم لم يسمعوا فكذلك الكافر وما أنت بهاد العمي أي ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى إن تسمع إسماع إفهام إلا من يؤمن بآياتنا
قوله تعالى وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض وقع بمعنى وجب
وفي المراد بالقول ثلاثة أقوال
أحدها العذاب قاله ابن عباس والثاني الغضب قاله قتادة والثالث الحجة قاله ابن قتيبة ومتى ذلك فيه قولان
أحدهما إذا لم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر قاله ابن عمر وأبو سعيد الخدري
والثاني إذا لم يرج صلاحهم حكاه أبو سليمان الدمشقي وهو معنى قول أبي العالية والإشارة بقوله عليهم إلى الكفار الذين تخرج الدابة عليهم
وللمفسرين في صفة الدابة اربعة أقوال
أحدها أنها ذات وبر وريش رواه حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ابن عباس ذات زغب وريش لها اربع قوائم
والثاني أن رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا رواه ابن جريج عن ابي الزبير

والثالث أن وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير قاله وهب
والرابع أن لها أربع قوائم وزغبا وريشا وجناحين قاله مقاتل
وفي المكان الذي تخرج منه خمسة أقوال
أحدها من الصفا روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال بينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون تضطرب الأرض تحتهم وينشق الصفا مما يلي المسعى وتخرج الدابة من الصفا أول ما يبدو منها رأسها ملمعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال طولها ستون ذراعا وكذلك قال ابن مسعود تخرج من الصفا وقال ابن عمر تخرج من صدع في الصفا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها وقال عبد الله بن عمر تخرج الدابة فيمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض ما خرجتا
والثاني أنها تخرج من شعب أجياد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم وعن ابن عمر مثله
والثالث تخرج من بعض أودية تهامة قاله ابن عباس
والرابع من بحر سدوم قاله وهب بن منبه

والخامس أنها تخرج بتهامة بين الصفا والمروة حكاه الزجاج وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال تخرج الدابة معها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم حتى إن أهل البيت ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال تسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه مؤمن وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه كافر وتصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين وقال حذيفة بن أسيد إن للدابة ثلاث خرجات خرجة في بعض البوادي ثم تنكتم وخرجة في بعض القرى ثم تنكتم فبينما الناس عند أشرف المساجد يعني المسجد الحرام إذ ارتفعت الأرض فانطلق الناس هرابا فلا يفوتونها حتى إنها لتأتي الرجل وهو يصلي فنقول أتتعوذ بالصلاة والله ما كنت من أهل الصلاة فتخطمه وتجلو وجه المؤمن وقال عبد الله بن عمرو

إنها تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء فتفشو في وجهه فيسود وجهه وتنكت في وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو في وجهه حتى يبيض وجهه فيعرف الناس المؤمن والكافر ولكأني بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج
قوله تعالى تكلمهم قرأ الأكثرون بتشديد اللام فهو من الكلام
وفيما تكلمهم به ثلاثة أقوال
أحدها أنها تقول لهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون قاله قتادة
والثاني تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الاسلام قاله السدي
والثالث تقول هذا مؤمن وهذا كافر حكاه الماوردي
وقرأ ابن ابي عبلة والجحدري بتسكين الكاف وكسر اللام وفتح التاء فهو من الكلم قال ثعلب والمعنى تجرحهم وسئل ابن عباس عن القراءتين فقال كل ذلك والله تفعله تكلم المؤمن وتكلم الفاجر والكافر أي تجرحه
قوله تعالى أن الناس قرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة وكسرها الباقون فمن فتح أراد تكلمهم بأن الناس وهكذا قرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني تكلمهم بأن الناس بزيادة باء مع فتح الهمزة ومن كسر فلأن معنى تكلمهم تقول لهم إن الناس والكلام قول

ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاؤا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون
قوله تعالى ويوم نحشر من كل أمة فوجا الفوج الجماعة من الناس كالزمرة والمراد به الرؤساء والمتبوعون في الكفر حشروا وأقيمت الحجة عليهم وقد سبق معنى يوزعون النمل حتى إذا جاؤوا إلى موقف الحساب قال الله تعالى لهم أكذبتم بآياتي هذا استفهام إنكار عليهم ووعيد لهم ولم تحيطوا بها علما فيه قولان
أحدهما لم تعرفوها حق معرفتها
والثاني لم تحيطوا علما ببطلانها والمعنى إنكم لم تتفكروا في صحتها
أم ماذا كنتم تعملون في الدنيا فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه
قوله تعالى ووقع القول عليهم قد شرحناه آنفا النمل بما ظلموا أي بما أشركوا فهم لا ينطقون بحجة عن أنفسهم ثم احتج عليهم بالآية التي تلي هذه ومعنى قوله والنهار مبصرا أي يبصر فيه لابتغاء الرزق
ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل

شئ إنه خبير بما تفعلون من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون
قوله تعالى ويوم ينفخ في الصور قال ابن عباس هذه النفخة الأولى
قوله تعالى ففزع من في السماوات ومن في الارض قال المفسرون المعنى فيفزع من في السماوات ومن في الارض والمراد أنهم ماتوا بلغ بهم الفزع إلى الموت
وفي قوله إلا من شاء الله ثلاثة اقوال
أحدها أنهم الشهداء قاله أبو هريرة وابن عباس وسعيد بن جبير
والثاني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ثم إن الله تعالى يميتهم بعد ذلك قاله مقاتل
والثالث أنهم الذين في الجنة من الحور وغيرهن وكذلك من في النار لأنهم خلقوا للبقاء ذكره أبو إسحاق ابن شاقلا من أصحابنا
قوله تعالى وكل أي من الأحياء الذين ماتوا ثم أحيوا آتوه وقرأ حمزة وحفص عن عاصم أتوه بفتح التاء مقصورة أي يأتون الله يوم القيامة داخرين قال ابن عباس ومجاهد وقتادة صاغرين قال أبو عبيدة كل لفظه لفظ الواحد ومعناه يقع على الجميع فهذه الآية في موضع جمع
قوله تعالى وترى الجبال قال ابن قتيبة هذا يكون إذا نفخ في الصور تجمع الجبال وتسير فهي لكثرتها تحسب جامدة أي واقفة

وهي تمر أي تسير سير السحاب وكذلك كل جيش عظيم يحسبه الناظر من بعيد واقفا وهو يسير لكثرته قال الجعدي يصف جيشا
... بأرعن مثل الطود تحسب أنهم ... وقوف لحاج والركاب تهملج ...
قوله تعالى صنع الله قال الزجاج هو منصوب على المصدر لأن قوله وترى الجبال تحسبها جامدة دليل على الصنعة فكأنه قال صنع الله ذلك صنعا ويجوز الرفع على معنى ذلك صنع الله فأما الإتقان فهو في اللغة إحكام الشئ
قوله تعالى إنه خبير بما تفعلون قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر يفعلون بالياء وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي بالتاء
قوله تعالى من جاء بالحسنة قد شرحنا الحسنة والسيئة في آخر الأنعام
قوله تعالى فله خير منها فيه قولان
أحدهما فله خير منها يصل إليه وهو الثواب قاله ابن عباس والحسن وعكرمة
والثاني فله أفضل منها لأنه يأتي بحسنة فيعطى عشر أمثالها قاله زيد ابن أسلم
قوله تعالى وهم من فزع يومئذ قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر من فزع يومئذ مضافا وقرأ عاصم وحمزة والكسائي من فزع بالتنوين يومئذ بفتح الميم وقال الفراء الإضافة أعجب

إلي في العربية لأنه فزع معلوم ألا ترى إلى قوله لا يحزنهم الفزع الأكبر الانبياء فصيره معرفة فاذا أضفت مكان المعرفة كان أحب إلي واختار أبو عبيدة قراءة التنوين وقال هي أعم التأويلين فيكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم قال أبو علي الفارسي إذا نون جاز أن يعنى به فزع واحد وجاز أن يعنى به الكثرة لأنه مصدر والمصادر تدل على الكثرة وإن كانت مفردة الألفاظ كقوله إن أنكر الأصوات لصوت الحمير لقمان وكذلك إذا أضيف جاز أن يعنى به فزع واحد وجاز أن يعنى به الكثرة وعلى هذا القول القراءتان سواء فان اريد به الكثرة فهو شامل لكل فزع يكون يوم القيامة وإن أريد به الواحد فهو المشار إليه بقوله لا يحزنهم الفزع الأكبر الأنبياء وقال ابن السائب إذا أطبقت النار على أهلها فزعوا فزعة لم يفزعوا مثلها وأهل الجنة آمنون من ذلك الفزع
قوله تعالى ومن جاء بالسيئة قال المفسرون هي الشرك فكبت وجوههم يقال كببت الرجل إذا ألقيته لوجهه وتقول لهم خزنة جهنم هل تجزون إلا ما كنتم تعملون أي إلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا من الشرك
إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلوا القرآن فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون

قوله تعالى إنما أمرت المعنى قل للمشركين إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وقرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني التي حرمها وهي مكة وتحريمها تعظيم حرمتها بالمنع من القتل فيها والسبي والكف عن صيدها وشجرها وله كل شئ لأنه خالقه ومالكه وأمرت أن أكون من المسلمين أي من المخلصين لله بالتوحيد وأن أتلو القرآن عليكم فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه أي فله ثواب اهتدائه ومن ضل أي أخطأ طريق الهدى فقل إنما أنا من المنذرين أي ليس علي إلا البلاغ وذكر المفسرون أن هذا منسوخ بآية السيف وقل الحمد لله أي قل لمن ضل الحمد لله الذي وفقنا لقبول ما امتنعتم منه سيريكم آياته
ومتى يريهم فيه قولان
أحدهما في الدنيا ثم فيها ثلاثة أقوال أحدها أن منها الدخان وانشقاق القمر وقد أراهم ذلك رواه أبو صالح عن ابن عباس والثاني سيريكم آياته فتعرفونها في السماء وفي أنفسكم وفي الرزق قاله مجاهد والثالث القتل ببدر قاله مقاتل
والثاني سيريكم آياته في الآخرة فتعرفونها على ما قال في الدنيا قاله الحسن

قوله تعالى وما ربك بغافل عما تعملون وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم تعلمون بالتاء على معنى قل لهم وقرأ الباقون بالياء على أنه وعيد لهم بالجزاء على أعمالهم

سورة القصص
وهي مكية كلها غير آية منها وهي قوله إن الذي فرض عليك القرآن القصص فانها نزلت عليه وهو بالجحفة في وقت خروجه للهجرة هذا قول ابن عباس وروي عن الحسن وعطاء وعكرمة أنها مكية كلها وزعم مقاتل أن فيها من المدني الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون القصص إلى قوله لا نبتغي الجاهلين القصص وفيها آية ليست بمكية ولا مدنية وهي قوله إن الذي فرض عليك القرآن القصص نزلت بالجحفة
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون أن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون

قوله تعالى طسم قد سبق تفسيره الشعراء
قوله تعالى إن فرعون علا في الارض أي طغى وتجبر في ارض مصر وجعل أهلها شيعا أي فرقا وأصنافا في خدمته يستضعف طائفة منهم وهم بنو إسرائيل واستضعافه إياهم استعبادهم إنه كان من المفسدين بالقتل والعمل بالمعاصي يذبح أبناءهم وقرأ أبو رزين والزهري وابن محيصن وابن ابي عبلة يذبح بفتح الياء وسكون الذال خفيفة
قوله تعالى ونريد أن نمن أي ننعم على الذين استضعفوا وهم بنو إسرائيل ونجعلهم أئمة يقتدى بهم في الخير وقال قتادة ولاة وملوكا ونجعلهم الوارثين لملك فرعون بعد غرقه
قوله تعالى ونري فرعون وهامان وجنودهما وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويرى بياء مفتوحة وإمالة الالف التي بعد الراء فرعون وهامان وجنودهما بالرفع ومعنى الآية أنهم أخبروا أن هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل فكانوا على وجل منهم فأراهم الله ما كانوا يحذرون
وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأت فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون
قوله تعالى وأوحينا إلى أم موسى فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه إلهام قاله ابن عباس والثاني أن جبريل أتاها بذلك

قاله مقاتل والثالث أنه كان رؤيا منام حكاه الماوردي قال مقاتل واسم أم موسى يوخابذ
قوله تعالى أن أرضعيه قال المفسرون كانت امرأة من القوابل مصافية لأم موسى فلما وضعته تولت أمرها ثم خرجت فرآها بعض العيون فجاؤوا ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة ووضعته في التنور وهو مسجر فدخلوا ثم خرجوا فقال لأخته أين الصبي قالت لا أدري فسمعت بكاءه من التنور فاطلعت وقد جعل الله عليه النار بردا وسلاما فأرضعته بعد ولادته ثلاثة أشهر وقيل أربعة أشهر فلما خافت عليه صنعت له التابوت
وفي قوله فاذا خفت عليه قولان
أحدهما إذا خفت عليه القتل قاله مقاتل
والثاني إذا خفت عليه أن يصيح أو يبكي فيسمع صوته قاله ابن السائب
وفي قوله ولا تخافي قولان

أحدهما أن يغرق قاله ابن السائب والثاني أن يضيع قاله مقاتل
وقال الأصمعي قلت لأعرابية ما أفصحك فقالت أو بعد هذه الآية فصاحة وهي قوله وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فاذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين جمع فيها بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين
قوله تعالى فالتقطه آل فرعون الالتقاط إصابة الشئ من غير طلب والمراد بآل فرعون الذين تولوا أخذ التابوت من البحر
وفي الذين التقطوه ثلاثة أقوال
أحدها جواري امرأة فرعون قاله السدي والثاني ابنة فرعون قاله محمد بن قيس والثالث أعوان فرعون قاله ابن إسحاق
قوله تعالى ليكون لهم عدوا أي ليصير بهم الأمر إلى ذلك لا أنهم أخذوه لهذا وهذه اللام تسمى لام العاقبة وقد شرحناه في يونس
وللمفسرين في معنى الكلام قولان
أحدهما ليكون لهم عدوا في دينهم وحزنا لما يصنعه بهم
والثاني عدو لرجالهم وحزنا على نسائهم فقتل الرجال بالغرق واستعبد النساء وقالت امرأة فرعون وهي آسية بنت مزاحم وكانت من بني إسرائيل تزوجها فرعون قرة عين قال الزجاج رفع قرة عين على إضمار هو قال المفسرون كان فرعون لا يولد إلا البنات فقالت عسى

أن ينفعنا فنصيب منه خيرا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون فيه أربعة أقوال
أحدها لا يشعرون أنه عدو لهم قاله مجاهد والثاني أن هلاكهم على يديه قاله قتادة والثالث لا يشعر بنو إسرائيل أنا التقطناه قاله محمد ابن قيس والرابع لا يشعرون أني أفعل ما أريد لا ما يريدون قاله محمد ابن إسحاق
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون
قوله تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا فيه أربعة أقوال
أحدها فارغا من كل شئ إلا من ذكر موسى رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك
والثاني أصبح فؤادها فزعا رواه الضحاك عن ابن عباس وهي قراءة أبي رزين وأبي العالية والضحاك وقتادة وعاصم الجحدري فإنهم قرؤوا فزعا بزاي معجمة
والثالث فارغا من وحينا بنسيانه قاله الحسن وابن زيد

والرابع فارغا من الحزن لعلمها أنه لم يقتل قاله أبو عبيدة قال ابن قتيبة وهذا من أعجب التفسير كيف يكون كذلك والله يقول لولا أن ربطنا على قلبها وهل يربط إلا على قلب الجازع المحزون
قوله تعالى إن كادت لتبدي به في هذه الهاء قولان
أحدهما أنها ترجع إلى موسى ومتى أرادت هذا فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه حين فارقته روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال كادت تقول يا بنياه قال قتادة وذلك من شدة وجدها والثاني حين حملت لرضاعه ثم كادت تقول هو ابني قاله السدي والثالث أنه لما كبر وسمعت الناس يقولون موسى بن فرعون كادت تقول لا بل هو ابني قاله ابن السائب
والقول الثاني أنها ترجع إلى الوحي والمعنى إن كادت لتبدي بالوحي حكاه ابن جرير
قوله تعالى لولا أن ربطنا على قلبها قال الزجاج المعنى لولا ربطنا على قلبها والربط إلهام الصبر وتشديد القلب وتقويته
قوله تعالى لتكون من المؤمنين أي من المصدقين بوعد الله وقالت لأخته قصيه قال ابن عباس قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا أي أحي هو أو قد أكلته الدواب ونسيت الذي وعدها الله فيه وقال وهب إنما قالت لأخته قصيه لأنها سمعت أن فرعون قد أصاب صبيا في تابوت قال مقاتل واسم أخته مريم قال ابن قتيبة ومعنى قصيه قصي أثره واتبعيه فبصرت به عن جنب أي عن

بعد منها عنه وإعراض لئلا يفطنوا والمجانبة من هذا وقرأ ابي ابن كعب وأبو مجلز عن جناب بفتح الجيم والنون وبألف بعدهما وقرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني عن جانب بفتح الجيم وكسر النون وبينهما ألف وقرأ قتادة وأبو العالية وعاصم الجحدري عن جنب بفتح الجيم وإسكان النون من غير ألف
قوله تعالى وهم لا يشعرون فيه قولان
أحدهما وهم لا يشعرون أنه عدو لهم قاله مجاهد
والثاني لا يشعرون أنها أخته قاله السدي
قوله تعالى وحرمنا عليه المراضع وهي جمع مرضع من قبل أي من قبل أن نرده على أمه وهذا تحريم منع لا تحريم شرع قال المفسرون بقي ثمانية أيام وليالهين كلما أتي بمرضع لم يقبل ثديها فأهمهم ذلك واشتد عليهم فقالت لهم أخته هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم فقالوا لها نعم من تلك فقالت أمي قالوا وهل لها لبن قالت لبن هارون فلما جاءت قبل ثديها وقيل إنها لما قالت وهم له ناصحون قالوا لعلك تعرفين أهله قالت لا ولكني إنما قلت وهم للملك ناصحون
قوله تعالى فرددناه إلى أمه قد شرحناه في طه
قوله تعالى ولتعلم أن وعد الله يرد ولدها حق وهذا علم عيان ومشاهدة ولكن أكثرهم لا يعلمون أن الله وعدها أن يرده إليها

ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين
ولما بلغ أشده قد فسرنا هذه الآية في سورة يوسف وكلام المفسرين في لفظ الآيتين متقارب إلا أنهم فرقوا بين بلوغ الأشد وبين الاستواء فأما بلوغ الأشد فقد سلف بيانه الانعام
وفي مدة الاستواء لهم قولان
أحدهما أنه أربعون سنة قاله مجاهد وقتادة وابن زيد
والثاني ستون سنة ذكره ابن جرير قال المفسرون مكث عند أمه حتى فطمته ثم ردته إليهم فنشأ في حجر فرعون وامرأته واتخذاه ولدا
قوله تعالى ودخل المدينة فيها قولان
أحدهما أنها مصر والثاني مدينة بالقرب من مصر
قال السدي ركب فرعون يوما وليس عنده موسى فلما جاء موسى ركب في أثره فأدركه المقيل في تلك المدينة وقال غيره لما توهم فرعون في موسى أنه عدوه أمر باخراجه من مدينته فلم يدخل إلا بعد أن كبر فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها

وفي ذلك الوقت أربعة أقوال
أحدها أنه كان يوم عيد لهم وكانوا قد اشتغلوا فيه بلهوهم قاله علي عليه السلام
والثاني أنه دخل نصف النهار رواه جماعة عن ابن عباس وبه قال سعيد ابن جبير
والثالث بين المغرب والعشاء قاله وهب بن منبه
والرابع أنهم لما أخرجوه لم يدخل عليهم حتى كبر فدخل على حين غفلة عن ذكره لأنه قد نسي أمره قاله ابن زيد
قوله تعالى هذا من شيعته أي من أصحابه من بني إسرائيل وهذا من عدوه أي من أعدائه من القبط والعدو يذكر للواحد وللجمع قال الزجاج وإنما قيل في الغائب هذا وهذا على جهة الحكاية للحضرة والمعنى أنه إذا نظر إليهما الناظر قال هذا من شيعته وهذا من عدوه قال المفسرون وإن القبطي كان قد سخر الإسرائيلي أن يحمل حطبا إلى مطبخ فرعون فاستغاثه أي فاستنصره فوكزه قال الزجاج الوكز أن يضربه بجميع كفه وقال ابن قتيبة فوكزه أي لكزه يقال وكزته ولكزته ولهزته إذا دفعته فقضى عليه أي قتله وكل شئ فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه وللمفسرين فيما وكزه به قولان
أحدهما كفه قاله مجاهد والثاني عصاه قاله قتادة
فلما مات القبطي ندم موسى لأنه لم يرد قتله وقال هذا من عمل الشيطان أي هو الذي هيج غضبي حتى ضربت هذا إنه عدو

لابن آدم مضل له مبين عداوته ثم استغفر ف قال رب إني ظلمت نفسي أي بقتل هذا ولا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر قال رب بما أنعمت علي بالمغفرة فلن أكون ظهيرا للمجرمين قال ابن عباس عونا للكافرين وهذا يدل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا
فأصبح في المدينة خائفا يترقب فاذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين
قوله تعالى فأصبح في المدينة وهي التي قتل بها القبطي خائفا على نفسه يترقب أي ينتظر سوءا يناله منهم ويخاف أن يقتل به فاذا الذي استنصره بالأمس وهو الاسرائيلي يستصرخه أي يستغيث به على قبطي آخر أراد أن يسخره ايضا قال له موسى في هاء الكناية قولان
أحدهما أنها ترجع إلى القبطي والثاني إلى الإسرائيلي وهو أصح
فعلى الأول يكون المعنى إنك لغوي بتسخيرك وظلمك
وعلى الثاني فيه قولان
أحدهما أن يكون الغوي بمعنى المغوي كالأليم والوجيع بمعنى المؤلم

والموجع والمعنى إنك لمضل حين قتلت بالأمس رجلا بسببك وتدعوني اليوم إلى آخر
والثاني أن يكون الغوي بمعنى الغاوي والمعنى إنك غاو في قتالك من لا تطيق دفع شره عنك
قوله تعالى فلما ان اراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما أي بالقبطي قال يا موسى هذا قول الإسرائيلي من غير خلاف علمناه بين المفسرين قالوا لما رأى الاسرائيلي غضب موسى عليه حين قال له إنك لغوي مبين ورآه قد هم أن يبطش بالفرعوني ظن أنه يريده فخاف على نفسه ف قال يا موسى أتريد أن تقتلني وكان قوم فرعون لم يعلموا من قاتل القبطي إلا أنهم أتوا إلى فرعون فقالوا إن بني إسرائيل قتلوا رجلا منا فخذ لنا بحقنا فقال ابغوني قاتله ومن يشهد عليه لآخذ لكم حقكم فبينا هم يطوفون ولا يدرون من القاتل وقعت هذه الخصومة بين الإسرائيلي والقبطي في اليوم الثاني فلما قال الإسرائيلي لموسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس انطلق القبطي إلى فرعون فأخبره أن موسى هو الذي قتل الرجل فأمر بقتل موسى فعلم بذلك رجل من شيعة موسى فأتاه فأخبره فذلك قوله وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى فأما الجبار فقال السدي هو القتال وقد شرحناه في هود وأقصى المدينة آخرها وأبعدها ويسعى بمعنى يسرع قال ابن عباس وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون وسيأتي الخلاف في اسمه في سورة المؤمن فأما الملأ فهم الوجوه من الناس والاشراف
وفي قوله يأتمرون بك ثلاثة اقوال

أحدها يتشاورون فيك ليقتلوك قاله أبو عبيدة والثاني يهمون بك قاله ابن قتيبة والثالث يأمر بعضهم بعضا بقتلك قاله الزجاج
فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجرته إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل
قوله تعالى فخرج منها أي من مصر خائفا وقد مضى تفسيره القصص
قوله تعالى نجني من القوم الظالمين يعني المشركين أهل مصر
ولما توجه تلقاء مدين قال ابن قتيبة أي تجاه مدين ونحوها وأصله اللقاء وزيدت فيه التاء قال الشاعر

أملت خيرك هل تأتي مواعده ... فاليوم قصر عن تلقائك الامل ...
أي عن لقائك
قال المفسرون خرج خائفا بغير زاد ولا ظهر وكان بين مصر ومدين مسيرة ثمانية أيام ولم يكن له بالطريق علم ف قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي قصده قال ابن عباس لم يكن له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه وقال السدي بعث الله له ملكا فدله قالوا ولم يكن له في طريقه طعام إلا ورق الشجر فورد ماء مدين وخضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال والأمة الجماعة وهم الرعاة يسقون مواشيهم ووجد من دونهم أي من سوى الأمة امرأتين وهما ابنتا شعيب قال مقاتل واسم الكبرى صبورا والصغرى عبرا تذودان قال ابن قتيبة أي تكفان غنمهما فحذف الغنم اختصارا قال المفسرون وإنما فعلتا ذلك ليفرغ الناس وتخلو لهما البئر قال موسى ما خطبكما أي ما شأنكما لا تسقيان قالتا لا نسقي وقرأ ابن مسعود وأبو الجوزاء وابن يعمر وابن السميفع لانسقي برفع النون حتى يصدر الرعاء وقرأ أبو عمرو وابن عامر وأبو حعفر يصدر بفتح الياء وضم الدال أي حتى يرجع الرعاء وقرأ الباقون يصدر بضم الياء وكسرالدال أرادوا حتى يرد الرعاء غنمهم عن الماء والرعاء جمع راع كما يقال صاحب وصحاب وقرأ عكرمة

وسعيد بن جبير وابن يعمر وعاصم الجحدري الرعاء بضم الراء والمعنى نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال وأبونا شيخ كبير لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر فلذلك احتجنا نحن إلى ان نسقي وكان على تلك البئر صخرة عظيمة فاذا فرغ الرعاء من سقيهم أعادوا الصخرة فتأتي المرأتان إلى فضول حياض الرعاء فتسقيان غنمهما فسقى لهما موسى
وفي صفة ما صنع قولان
أحدهما أنه ذهب إلى بئر أخرى عليها صخرة لا يقتلعها إلا جماعة من الناس فاقتلعها وسقى لهما قاله عمر بن الخطاب وشريح
والثاني أنه زاحم القوم على الماء وسقى لهما قاله ابن إسحاق والمعنى سقى غنمهما لأجلهما
ثم تولى أي انصرف إلى الظل وهو ظل شجرة فقال رب إني لما اللام بمعنى إلى فتقديره إني إلى ما أنزلت إلي من خير فقير وأراد بالخير الطعام وحكى ابن جرير أنه أسمع المرأتين

هذا الكلام تعريضا أن تطعماه فجاءته إحداهما المعنى فلما شربت غنمهما رجعتا إلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى فبعث إحداهما تدعو موسى وفيها قولان أحدهما الصغرى والثاني الكبرى فجاءته تمشي على استحياء قد سترت وجهها بكم درعها
وفي سبب استحيائها ثلاثة أقوال
أحدها أنه كان من صفتها الحياء فهي تمشي مشي من لم يعتد الخروج والدخول
والثاني لأنها دعته لتكافئه وكان الأجمل عندها أن تدعوه من غير مكافأة
والثالث لأنها رسول أبيها
قوله تعالى ليجزيك أجر ما سقيت لنا قال المفسرون لما سمع موسى هذا القول كرهه وأراد أن لا يتبعها فلم يجد بدا للجهد الذي به من اتباعها فتبعها فكانت الريح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها فناداها يا أمة الله كوني خلفي ودليني الطريق فلما جاءه أي جاء موسى شعيبا وقص

عليه القصص أي أخبره بأمره من حين ولد والسبب الذي أخرجه من أرضه قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين أي لا سلطان لفرعون بأرضنا ولسنا في مملكته قالت إحداهما وهي الكبرى يا أبت استأجره أي اتخذه أجيرا إن خير من استأجرت القوي الأمين أي خير من استعملت على عملك من قوي على عملك وأدى الأمانة وإنما سمته قويا لرفعه الحجر عن رأس البئر وقيل لأنه استقى بدلو لا يقلها إلا العدد الكثير من الرجال وسمته أمينا لأنه امرها أن تمشي خلفه وقال السدي قال لها شعيب قد رأيت قوته فما يدريك بأمانته فحدثته قال المفسرون فرغب فيه شعيب فقال له إني أريد أن أنكحك أي أزواجك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج قال الفراء تأجرني وتأجرني بضم الجيم وكسرها لغتان قال الزجاج والمعنى تكون أجيرا لي ثماني سنين فإن أتممت عشرا فمن عندك أي فذلك تفضل منك وليس بواجب عليك
قوله تعالى وما أريد أن أشق عليك أي في العشر ستجدني ان شاء الله من الصالحين أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت قال له موسى ذلك بيني وبينك أي ذلك الذي وصفت وشرطت علي فلك وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي فالأمر كذلك بيننا وتم الكلام هاهنا ثم قال أيما الأجلين يعني الثماني والعشر قال أبو عبيدة ما زائدة
قوله تعالى قضيت أي أتممت فلا عدوان علي أي لا سبيل علي والمعنى لا تعتد علي بأن تلزمني أكثر منه والله على ما نقول وكيل قال الزجاج أي والله شاهدنا على ما عقد بعضنا على بعض

واختلف العلماء في هذا الرجل الذي استأجر موسى على أربعة أقوال
أحدها أنه شعيب نبي الله صلى الله عليه و سلم وعلى هذا أكثر أهل التفسير وفيه أثر عن النبي صلى الله عليه و سلم يدل عليه وبه قال وهب ومقاتل
والثاني أنه صاحب مدين واسمه يثرى قاله ابن عباس
والثالث رجل من قوم شعيب قاله الحسن
والرابع أنه يثرون ابن اخي شعيب رواه عمرو بن مرة عن أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود وبه قال ابن السائب
واختلفوا في التي تزوجها موسى من الإبنتين على قولين
أحدهما الصغرى روي عن ابن عباس والثاني الكبرى قاله مقاتل

وفي اسم التي تزوجها ثلاثة أقوال
أحدها صفوريا حكاه ابو عمران الجوني والثاني صفورة قاله شعيب الجبائي والثالث صبورا قاله مقاتل
فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون
قوله تعالى فلما قضى موسى الأجل روى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه سئل أي الأجلين قضى موسى قال أوفاهما وأطيبهما قال مجاهد مكث بعد قضاء الأجل عندهم عشرا

أخر وقال وهب بن منبه أقام عندهم بعد أن أدخل عليه امرأته سنين وقد سبق تفسير هذه الآية طه إلى قوله أو جذرة وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي جذوة بكسر الجيم وقرأ عاصم بفتحها وقرأ حمزة وخلف والوليد عن ابن عامر بضمها وكلها لغات قال ابن عباس الجذوة قطعة حطب فيها نار وقال أبو عبيدة قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب وهي مثل الجذمة من أصل الشجرة قال ابن مقبل
... باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوار ولا دعر ...
والدعر الذي قد نخر ومنه رجل داعر أي فاسد
قوله تعالى نودي من شاطئ الواد وهو جانبه الأيمن وهو الذي عن يمين موسى في البقعة وهي القطعة من الأرض المباركة بتكليم الله موسى فيها من الشجرة أي من ناحيتها وفي تلك الشجرة قولان
أحدهما أنها شجرة العناب قاله ابن عباس
والثاني عوسجة قاله قتادة وابن السائب ومقاتل

وما بعد هذا قد سبق بيانه النمل إلى قوله إنك من الآمنين أي من أن ينالك مكروه
قوله تعالى أسلك يدك أي أدخلها واضمم إليك جناحك قد فسرنا الجناح في طه إلا ان بعض المفسرين خالف بين تفسير اللفظين فشرحناه وقال ابن زيد جناحه الذراع والعضد والكف وقال الزجاج الجناح هاهنا العضد ويقال لليد كلها جناح وحكى ابن الأنباري عن الفراء انه قال الجناح هاهنا العصا قال ابن الأنباري الجناح للانسان مشبه بالجناح للطائر ففي حال تشبه العرب رجلي الإنسان بجناحي الطائر فيقولون قد مضى فلان طائرا في جناحيه يعنون ساعيا على قدميه وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر كقوله واضمم يدك إلى جناحك وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح لأن الإنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه كقوله واضمم إليك جناحك من الرهب وإنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيها واستعارة كما يقال قد قص جناح الإنسان وقد قطعت يده ورجله إذا وقعت به جائحه أبطلت تصرفه ويقول الرجل للرجل أنت يدي ورجلي أي أنت من به أصل إلى محابي قال جرير
... سأشكر أن رددت إلي ريشي ... وأنبت القوادم في جناحي ...
وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغر
... يا عصمتي في النائبات ويا ... ركني الأغر ويا يدي اليمنى ... لا صنت وجها كنت صائنه ... أبدا ووجهك في الثرى يبلى ...
فأما الرهب فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو من الرهب بفتح

الراء والهاء وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم من الرهب بضم الراء وسكون الهاء وقرأ حفص وأبان عن عاصم من الرهب بفتح الراء وسكون الهاء وهي قراءة ابن مسعود وابن السميفع وقرأ أبي بن كعب والحسن وقتادة بضم الراء والهاء قال الزجاج الرهب والرهب بمعنى واحد مثل الرشد والرشد وقال أبو عبيدة الرهب والرهبة بمعنى الخوف والفرق وقال ابن الأنباري الرهب والرهب والرهب مثل الشغل والشغل والشغل والبخل والبخل والبخل وتلك لغات ترجع إلى معنى الخوف والفرق
وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال
أحدها أنه لما هرب من الحية أمره الله أن يضم إليه جناحه ليذهب عنه الفزع قال ابن عباس المعنى اضمم يدك إلى صدرك من الخوف ولا خوف عليك وقال مجاهد كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع
والثاني أنه لما هاله بياض يده وشعاعها أمر أن يدخلها في جيبه فعادت إلى حالتها الأولى
والثالث أن معنى الكلام سكن روعك وثبت جأشك قال أبو علي ليس يراد به الضم بين الشيئين إنما أمر بالعزم على ما أمر به والجد فيه ومثله اشدد حيازيمك للموت
قوله تعالى فذانك قرأ ابن كثير وأبو عمرو فذانك بالتشديد وقرأ الباقون فذانك بالتخفيف قال الزجاج التشديد تثنية ذلك والتخفيف تثنية ذاك فجعل اللام في ذلك بدلا من تشديد النون في ذانك برهانان أي بيانان اثنان قال المفسرون فذانك يعني

العصا واليد حجتان من الله لموسى على صدقه إلى فرعون أي أرسلنا بهاتين الآيتين إلى فرعون وقد سبق تفسير ما بعد هذا الشعراء إلى قوله هو أفصح مني لسانا أي أحسن بيانا لأن موسى كان في لسانه أثر الجمرة التي تناولها فأرسله معي ردءا قرأ الأكثرون ردءا بسكون الدال وبعدها همزة وقرأ أبو جعفر ردا بفتح الدال وألف بعدها من غير تنوين ولا همز وقرأ نافع كذلك إلا أنه نون وقال الزجاج الردء العون يقال ردأته أردؤه ردءا إذا أعنته
قوله تعالى يصدقني قرأ عاصم وحمزة يصدقني بضم القاف وقرأ الباقون بسكون القاف قال الزجاج من جزم يصدقني فعلى جواب المسألة أرسله يصدقني ومن رفع فالمعنى ردءا مصدقا لي وأكثر المفسرين على أنه أشار بقوله يصدقني إلى هارون وقال مقاتل بن سليمان لكي يصدقني فرعون
قوله تعالى سنشد عضدك بأخيك قال الزجاج المعنى سنعينك بأخيك ولفظ العضد على جهة المثل لأن اليد قوامها عضدها وكل معين فهو عضد ونجعل لكما سلطانا أي حجة بينة وقيل للزيت السليط لانه يستضاء به والسلطان أبين الحجج
قوله تعالى فلا يصلون إليكما أي بقتل ولا أذى

وفي قوله بآياتنا ثلاثة أقوال
أحدها أن المعنى تمتنعان منهم بآياتنا وحججنا فلا يصلون إليكما
والثاني أنه متعلق بما بعده فالمعنى بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون أي تغلبون بآياتنا
والثالث أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره ونجعل لكما سلطانا بآياتنا فلا يصلون إليكما
فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون
قوله تعالى ما هذا إلا سحر مفترى أي ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر افتريته من قبل نفسك ولم تبعث به وما سمعنا بهذا الذي تدعونا إليه في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم وقرأ ابن كثير قال موسى بلا واو وكذلك هي في مصاحفهم بمن جاء بالهدى أي هو بالمحق منا ومن تكون له عاقبة الدار وقرأ حمزة والكسائي وخلف والمفضل يكون بالياء والباقون بالتاء
وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين

وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين
قوله تعالى فأوقد لي يا هامان على الطين قال ابن قتيبة المعنى اصنع لي الآجر فاجعل لي صرحا أي قصرا عاليا وقال الزجاج الصرح كل بناء متسع مرتفع وجاء في التفسير أنه لما أمر هامان وهو وزيره ببناء الصرح جمع العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد قط فلما تم ارتقى فرعون فوقه وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت وهي متلطخة بالدم فقال قد قتلت إله موسى فبعث الله تعالى جبريل فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل ووقعت قطعة أخرى في البحر وأخرى في المغرب
قوله تعالى لعلي أطلع إلى إله موسى أي أصعد إليه واشرف عليه وإني لأظنه يعني موسى من الكاذبين في ادعائه إلها غيري وقال ابن جرير المعنى أظن موسى كاذبا في ادعائه أن في السماء ربا أرسله واستكبر هو وجنوده في الارض يعني أرض مصر بغير الحق أي بالباطل والظلم وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون بالبعث للجزاء قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يرجعون برفع الياء وقرأ نافع وحمزة والكسائي بفتحها

قوله تعالى وجعلناهم أي في الدنيا أئمة أي قادة في الكفر يأتم بهم العتاة يدعون إلى النار لأن من أطاعهم دخلها وينصرون بمعنى يمنعون من العذاب وما بعد هذا مفسر في هود
قوله تعالى من المقبوحين أي من المبعدين الملعونين قال ابو زيد يقال قبح الله فلانا أي أبعده من كل خير وقال ابن جريج معنى الآية واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة لعنة أخرى ثم استقبل الكلام فقال هم من المقبوحين
ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين
قوله تعالى من بعد ما أهلكنا القرون الأولى يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم بصائر للناس أي ليبصروا به ويهتدوا

قوله تعالى وما كنت بجانب الغربي قال الزجاج أي وما كنت بجانب الجبل الغربي
قوله تعالى إذ قضينا إلى موسى الأمر أي أحكمنا الأمر معه بارساله إلى فرعون وقومه وما كنت من الشاهدين لذلك الأمر وفي هذا بيان لصحة نبوة نبينا صلى الله عليه و سلم لأنهم يعلمون أنه لم يقرأ الكتب ولم يشاهد ما جرى فلولا أنه أوحي إليه ذلك ما علم
قوله تعالى ولكنا أنشأنا قرونا أي خلقنا أمما من بعد موسى فتطاول عليهم العمر أي طال إمهالهم فنسوا عهد الله وتركوا أمره وهذا

يدل على أنه قد عهد إلى موسى وقومه عهود في امر محمد صلى الله عليه و سلم وأمروا بالإيمان به فلما طال إمهالهم أعرضوا عن مراعاة العهود وما كنت ثاويا أي مقيما في أهل مدين فتعلم خبر موسى وشعيب وابنتيه فتتلو ذلك على أهل مكة ولكنا كنا مرسلين ارسلناك إلى أهل مكة وأخبرناك خبر المتقدمين ولولا ذلك ما علمته وما كنت بجانب الطور أي بناحية الجبل الذي كلم عليه موسى إذ نادينا موسى وكلمناه هذا قول الأكثرين وقال أبو هريرة كان هذا النداء يا امة محمد أعطيتكم قبل ان تسألوني وأستجيب لكم قبل أن تدعوني
قوله تعالى ولكن رحمة من ربك قال الزجاج المعنى لم تشاهد قصص الأنبياء ولكنا أوحينا إليك وقصصناها عليك رحمة من ربك
ولولا أن تصيبهم مصيبة جواب لولا محذوف تقديره لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة وقيل لولا ذلك لم نحتج إلى إرسال الرسل ومؤاثرة الاحتجاج
فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون قل فأتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما أبتعه إن كنتم صادقين فان لم يستجيبوا

لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين
قوله تعالى فلما جاءهم يعني أهل مكة الحق من عندنا وهو محمد عليه السلام والقرآن قالوا لولا أي هلا أوتي محمد من الآيات مثل ما اوتي موسى كالعصا واليد قال المفسرون أمرت اليهود قريشا أن تسأل محمدا مثل ما أوتي موسى فقال الله تعالى أو لم يكفروا بما أوتي موسى أي فقد كفروا بآيات موسى وقالوا في المشار إليهم قولان أحدهما اليهود والثاني قريش سحران قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ساحران تظاهرا أي تعاونا وروى العباس الانصاري عن أبي عمرو تظاهرا بتشديد الظاء
وفيمن عنوا ثلاثة أقوال
أحدها موسى ومحمد قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير فعلى هذا هو من قول مشركي العرب
والثاني موسى وهارون قاله مجاهد فعلى هذا هو من قول اليهود لهما في ابتداء الرسالة

والثالث محمد وعيسى قاله قتادة فعلى هذا هو من قول اليهود الذين لم يؤمنوا بنبينا
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي سحران وفيه ثلاثة أقوال
أحدها التوراة والفرقان قاله ابن عباس والسدي والثاني الإنجيل والقرآن قاله قتادة والثالث التوراة والإنجيل قاله أبو مجلز وإسماعيل ابن أبي خالد ومعنى الكلام كل سحر منهما يقوي الآخر فنسب التظاهر إلى السحرين توسعا في الكلام وقالوا إنا بكل كافرون يعنون ما تقدم ذكره على اختلاف الأقوال فقال الله لنبيه قل لكفار مكة فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أي من التوراة والقرآن إن كنتم صادقين أنهما ساحران فان لم يستجيبوا لك أي فان لم يأتوا بمثل التوراة والقرآن فاعلم أنما يتبعون أهواءهم أي أن ما ركبوه من الكفر لم يحملهم عليه حجة وإنما آثروا فيه الهوى ومن أضل أي ولا أحد أضل ممن اتبع هواه بغير هدى أي بغير رشاد ولا بيان جاء من الله ولقد وصلنا لهم القول وقرأ الحسن وأبو المتوكل وابن يعمر وصلنا بتخفيف الصاد
وفي المشار إليهم قولان
أحدهما أنهم قريش قاله الأكثرون منهم مجاهد
والثاني اليهود قاله رفاعة القرظي
والمعنى أنزلنا القرآن يتبع بعضه بعضا ويخبر عن الأمم الخالية كيف عذبوا لعلهم يتعظون
الذين آتيناهم الكتاب وفيهم ثلاثة أقوال

أحدها أنهم مؤمنو أهل الكتاب رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد
والثاني مسلمو أهل الإنجيل روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أربعين من أصحاب النجاشي قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فشهدوا معه أحدا فنزلت فيهم هذه الآية
والثالث مسلمو كعبد الله بن سلام وغيره قاله السدي
قوله تعالى من قبله أي من قبل القرآن هم به في هاء الكناية قولان أحدهما أنها ترجع إلى محمد صلى الله عليه و سلم لأن ذكره كان مكتوبا عندهم في كتبهم فآمنوا به والثاني إلى القرآن
قوله تعالى وإذا يتلى عليهم يعني القرآن قالوا آمنا به إنا كنا من قبله أي من قبل نزول القرآن مسلمين أي مخلصين لله مصدقين بمحمد وذلك لأن ذكره كان في كتبهم فآمنوا به أولئك يؤتون أجرهم مرتين في المشار إليهم قولان
احدهما أنهم مؤمنو أهل الكتاب وهذ قول الجمهور وهو الظاهر

وفيما صبروا عليه قولان أحدهما أنهم صبروا على الكتاب الأول وصبروا على اتباعم محمدا قاله قتادة وابن زيد والثاني أنهم صبروا على الإيمان بمحمد قبل أن يبعث ثم على اتباعه حين بعث قاله الضحاك
والقول الثاني انهم قوم من المشركين اسلموا فكان قومهم يؤذونهم فصبروا على الأذى قاله مجاهد
قوله تعالى ويدرؤون بالحسنة السيئة فيه اقوال قد شرحناها في الرعد 22
قوله تعالى وإذا سمعوا اللغو فيه ثلاث اقوال
احدها الاذى والسب قاله مجاهد والثاني الشرك قاله الضحاك والثالث انهم قوم من اليهود آمنوا فكانوا يسمعون ما غيراليهود من صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فيكرهون ذلك ويعرضون عنه قاله ابن زيد وهل هذا منسوخ ام لا فيه قولان
وفي قوله وقالوا لنا اعمالنا ولكم اعمالكم قولان
أحدهما لنا ديننا ولكم دينكم والثاني لنا حلمنا ولكم سفهكم
سلام عليكم قال الزجاج لم يريدوا التحية وانما ارادوا بيننا وبينكم المتاركة وهذا قبل ان يؤمر المسلمون بالقتال وذكر المفسرون ان هذا منسوخ بآية السيف
وفي قوله لا نبتغي الجاهلين ثلاثة اقوال
احدها لا نبتغي دين الجاهلين والثاني لا نطلب مجاورتهم والثالث لا نريد ان نكون جهالا

إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين
قوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين التوبة وقد روى مسلم فيما انفرد به عن البخاري من حديث ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمه قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة فقال لولا أن تعيرني نساء قريش يقلن إنما حمله على ذلك الجزع لأ قررت بها عينك فأنزل الله عز و جل إنك لا تهدي من أحببت قال الزجاج اجمع المفسرون انها نزلت في ابي طالب

وفي قوله من أحببت قولان
أحدهما من أحببت هدايته والثاني من أحببته لقرابته
ولكن الله يهدي من يشاء أي يرشد لدينه من يشاء وهو أعلم بالمهتدين أي من قدر له الهدى
قوله تعالى وقالوا ان نتبع الهدى معك قال ابن عباس في رواية العوفي هم ناس من قريش قالوا ذلك وقال في رواية ابن ابي مليكة ان الحارث بن عامر بن نوفل قال ذلك وذكر مقاتل ان الحارث بن عامر قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم انا لنعلم ان الذي تقول حق ولكن يمنعنا ان نتبع الهدى معك مخافة ان تتخطفنا العرب من ارضنا يعنون مكة ومعنى الاية ان اتبعناك على دينك خفنا العرب لمخالفتنا اياها والتخطف الانتزاع بسرعة فرد الله عليهم قولهم فقال أو لم نمكن لهم حرما أي أو لم نسكنهم

حرما ونجعله مكانا لهم ومعنى آمنا ذو أمن يأمن فيه الناس وذلك أن العرب كان يغير بعضها على بعض وأهل مكة آمنون في الحرم من القتل والسبي والغارة أي فكيف يخافون إذا أسلموا وهم في حرم آمن يجبي قرأ نافع تجبي بالتاء أي تجمع إليه وتحمل من كل النواحي الثمرات رزقا من لدنا أي من عندنا ولكن أكثرهم يعني أهل مكة لا يعلمون أن الله هو الذي فعل بهم ذلك فيشكرونه ومعنى الآية إذا كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري فكيف تخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي ثم خوفهم عذاب الأمم الخالية فقال وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها قال الزجاج معيشتها منصوبة باسقاط في والمعنى بطرت في معيشتها والبطر الطغيان في النعمة قال عطاء عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام
قوله تعالى فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا قال ابن عباس لم يسكنها إلا المسافرون ومار الطريق يوما أو ساعة والمعنى لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا وكنا نحن الوارثين أي لم يخلفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم فبقيت خرابا غير مسكونة
وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون وما أوتيتم من شئ فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين
وما كان ربك مهلك القرى يعني القرى الكافر أهلها حتى يبعث

في أمها أي في أعظمها رسولا وإنما خص الأعظم ببعثة الرسول لأن الرسول إنما يبعث إلى الأشراف وأشراف القوم ملوكهم وإنما يسكنون المواضع التي هي أم ما حولها وقال قتادة أم القرى مكة والرسول محمد
قوله تعالى يتلو عليهم آياتنا قال مقاتل يخبرهم الرسول أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا
قوله تعالى وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون أي بظلمهم أهلكهم وظلمهم شركهم وما أوتيتم من شئ أي ما أعطيتم من مال وخير فمتاع الحياة الدنيا تتمتعون به ايام حياتكم ثم يفنى وينقضي وما عند الله من الثواب خير وأبقى أفضل وأدوم لأهله أفلا تعقلون ان الباقي أفضل من الفاني
قوله تعالى أفمن وعدناه وعدا حسنا اختلف فيمن نزلت على أربعة أقوال أحدها أنها نزلت في رسول الله ص وأبي جهل والثاني في علي وحمزة عليهما السلام وأبي جهل والقولان مرويان عن مجاهد والثالث في المؤمن والكافر قاله قتادة والرابع في عمار والوليد بن المغيرة قاله السدي

وفي الوعد الحسن قولان أحدهما الجنة والثاني النصر
قوله تعالى فهو لاقيه أي مصيبه ومدركه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا أي كمن هو ممتع بشئ يفنى ويزول عن قريب ثم هو يوم القيامة من المحضرين فيه قولان أحدهما من المحضرين في عذاب الله قاله قتادة والثاني من المحضرين للجزاء حكاه الماوردي ويوم يناديهم فيقول أين شركاءي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين
قوله تعالى ويوم يناديهم أي ينادي الله تعالى المشركين يوم القيامة فيقول أين شركائي هذا على حكاية قولهم والمعنى أين شركائي في قولكم قال الذين حق عليهم أي وجب عليهم العذاب وهم رؤساء الضلالة

وفيهم قولان أحدهما أنهم رؤوس المشركين والثاني أنهم الشياطين ربنا هؤلاء الذين أغوينا يعنون الأتباع اغويناهم كما غوينا أي أضللناهم كما ضللنا تبرأنا إليك أي تبرأنا منهم إليك والمعنى أنهم يتبرأ بعضهم من بعض ويصيرون أعداءا وقيل لكفار بني آدم ادعوا شركاءكم أي استغيثوا بآلهتكم لتخلصكم من العذاب فدعوهم فلم يستجيبوا لهم أي فلم يجيبوهم إلى نصرهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون قال الزجاج جواب لو محذوف والمعنى لو انهم كانوا يهتدون لما اتبعوهم ولما رأوا العذاب
قوله تعالى ويوم يناديهم أي ينادي الله الكفار ويسألهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء وقرأ أبو رزين العقيلي وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل وعاصم الجحدري فعميت برفع العين وتشديد الميم قال المفسرون خفيت عليهم الحجج وسميت أنباء لأنها اخبار يخبر بها قال ابن قتيبة والمعنى عموا عنها من شدة الهول فلم يجيبوا والأنباء هاهنا الحجج
قوله تعالى فهم لا يتساءلون فيه ثلاثة أقوال أحدها لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجة قاله الضحاك والثاني أن المعنى سكتوا فلا يتساءلون في تلك الساعة قاله الفراء والثالث لا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل عنه شيئا من ذنوبه حكاه الماوردي
فأما من تاب من الشرك وآمن أي صدق بتوحيد الله وعمل صالحا أدى الفرائض فعسى أن يكون من المفلحين وعسى من الله واجب

وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون وهوالله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون
قوله تعالى وربك يخلق ما يشاء ويختار روى العوفي عن ابن عباس في قوله وربك يخلق ما يشاء ويختار قال كانوا يجعلون لآلهتهم خير أموالهم في الجاهلية وقال مقاتل نزلت في الوليد بن المغيرة حين قال لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم الزخرف والمعنى أنه لا تبعث الرسل باختيارهم قال الزجاج والوقف الجيد على قوله ويختار وتكون ما نفيا والمعنى ليس لهم أن يختاروا على الله ويجوز أن تكون ما بمعنى الذي فيكون المعنى ويختار الذي لهم فيه الخيرة مما يتعبدهم به ويدعوهم إليه قال الفراء والعرب تقول لما تختاره أعطني الخيرة والخيرة والخيرة قال ثعلب كلها لغات
قوله تعالى ما تكن صدورهم أي ما تخفي من الكفر والعداوة وما يعلنون بألسنتهم

قوله تعالى له الحمد في الأولى والآخرة أي يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الجنة وله الحكم وهو الفصل بين الخلائق والسرمد الدائم قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ويوم يناديهم فيقول أين شركاءي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون
قوله تعالى أفلا تسمعون أي سماع فهم وقبول فتستدلوا بذلك على وحدانية الله تعالى ومعنى تسكنون فيه تستريحون من الحركة والنصب أفلا تبصرون ما أنتم عليه من الخطأ والضلالة ثم أخبر أن الليل والنهار رحمة منه وقوله لتسكنوا فيه يعني في الليل ولتبتغوا من فضله أي لتلتمسوا من رزقه بالمعاش في النهار ولعلكم تشكرون الذي أنعم عليكم بهما
قوله تعالى ونزعنا من كل أمة شهيدا أي أخرجنا من كل أمة رسولها الذي يشهد عليها بالتبليغ فقلنا هاتوا برهانكم أي حجتكم على ما كنتم تعبدون من دوني فعلموا أن الحق لله أي علموا أنه لا إله إلا هو وضل عنهم أي بطل في الآخرة ما كانوا يفترون في الدنيا من الشركاء

إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين
قوله تعالى إن قارون كان من قوم موسى أي من عشيرته وفي نسبه إلى موسى ثلاثة أقوال
أحدها أنه كان ابن عمه رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال عبد الله بن الحارث وإبراهيم وابن جريج
والثاني ابن خالته رواه عطاء عن ابن عباس
والثالث انه كان عم موسى قاله ابن إسحاق
قال الزجاج قارون اسم أعجمي لا ينصرف ولو كان فاعولا من العربية من قرنت الشئ لا نصرف
قوله تعالى فبغى عليهم فيه خمسة أقوال أحدها أنه جعل لبغي جعلا على أن تقذف موسى بنفسها ففعلت فاستحلفها موسى على ما قالت فأخبرته بقصتها فكان هذا بغيه قاله ابن عباس والثاني أنه بغى بالكفر بالله تعالى قاله الضحاك والثالث بالكبر قاله قتادة والرابع أنه زاد في طول ثيابه شبرا قاله عطاء الخراساني وشهر بن حوشب والخامس أنه كان يخدم فرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم حكاه الماوردي

وفي المراد بمفاتحه قولان
أحدهما أنها مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب قاله مجاهد وقتادة وروي الأعمش عن خيثمة قال كانت مفاتيح قارون وقر ستين بغلا وكانت من جلود كل مفتاح مثل الإصبع
والثاني أنها خزائنه قاله السدي وأبو صالح والضحاك قال الزجاج وهذا الأشبه أن تكون مفاتحه خزائن ماله وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة قال ابو صالح كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا
قوله تعالى لتنوء بالعصبة أي تثقلهم وتميلهم ومعنى الكلام لتنئ العصبة فلما دخلت الباء في العصبة انفتحت التاء كما تقول هذا يذهب بالأبصار وهذا يذهب الأبصار وهذا اختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج في آخرين وقال بعضهم هذا من المقلوب وتقديره ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه كما يقال إنها لتنوء بها عجيزتها أي هي تنوء بعجيزتها وأنشدوا ... فديت بنفسه نفسي ومالي ... وما آلوك إلا ما أطيق ...
أي فديت بنفسي وبمالي نفسه وهذا اختيار ابي عبيدة والأخفش وقد بينا معنى العصبة في سورة يوسف وفي المراد بها ها هنا ستة أقوال أحدها أربعون رجلا رواه العوفي عن ابن عباس والثاني ما بين الثلاثة إلى العشرة رواه الضحاك عن ابن عباس والثالث خمسة عشر قاله مجاهد والرابع فوق العشرة إلى الأربعين قاله قتادة والخامس سبعون رجلا قاله ابو صالح والسادس ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين حكاه الزجاج

قوله تعالى إذ قال له قومه في القائل له قولان أحدهما أنهم المؤمنون من قومه قاله السدي والثاني أنه قول موسى له حكاه الماوردي
قوله تعالى لا تفرح قال ابن قتيبة المعنى لا تأشر ولا تبطر قال الشاعر ... ولست بمفراح إذا الدهر سرني ... ولا جازع من صرفه المتحول ...
أي لست بأشر فأما السرور فليس بمكروه إن الله لا يحب الفرحين وقرأ أبو رجاء وأبو حيوة وعاصم الجحدري وابن أبي عبلة الفارحين بألف
قوله تعالى وابتغ فيما آتاك الله أي اطلب فيما أعطاك الله من الأموال وقرأ أبو المتوكل وابن السميفع واتبع بتشديد التاء وكسر الباء بعدها وعين ساكنة غير معجمة الدار الآخرة وهي الجنة وذلك يكون بانفاقه في رضى الله تعالى وشكر المنعم به ولا تنس نصيبك من الدنيا فيه ثلاثة أقوال أحدها أن يعمل في الدنيا للآخرة قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور والثاني أن يقدم الفضل ويمسك ما يغنيه قاله الحسن والثالث أن يستغني بالحلال عن الحرام قاله قتادة
وفي معنى وأحسن كما أحسن الله إليك ثلاثة أقوال حكاها الماوردي أحدها أعط فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك والثاني أحسن فيما

افترض عليك كما أحسن في إنعامه إليك والثالث أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال
قوله تعالى ولا تبغ الفساد في الأرض فتعمل فيها بالمعاصي قال إنما أوتيته على علم عندي او لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون
قوله تعالى إنما أوتيته يعني المال على علم عندي فيه خمسة أقوال
أحدها على علم عندي بصنعة الذهب رواه أبو صالح عن ابن عباس قال الزجاج وهذا لا أصل له لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له والثاني برضى الله عني قاله ابن زيد والثالث على خير علمه الله عندي قاله مقاتل والرابع إنما أعطيته لفضل علمي قاله الفراء قال الزجاج ادعى أنه أعطي المال لعلمه بالتوراة والخامس على علم عندي بوجوه المكاسب حكاه الماوردي

قوله تعالى أولم يعلم يعني قارون أن الله قد أهلك بالعذاب من قبله من القرون في الدنيا حين كذبوا رسلهم من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا للأموال
وفي قوله ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ثلاثة أقوال أحدها لا يسألون ليعلم ذلك من قبلهم وإن سئلوا سؤال توبيخ قاله الحسن والثاني أن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسألهم عن ذنوبهم قاله مجاهد والثالث يدخلون النار بغير حساب قاله قتادة وقال السدي يعذبون ولا يسألون عن ذنوبهم
فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقها إلا الصابرون
قوله تعالى فخرج على قومه في زينته قال الحسن في ثياب حمر وصفر وقال عكرمة في ثياب معصفرة وقال وهب بن منبه خرج على بغلة شهباء عليها سرج أحمر من أرجوان ومعه أربعة آلاف مقاتل وثلاثمائة وصيفة عليهن الحلي والزينة على بغال بيض قال الزجاج الأرجوان في اللغة صبغ أحمر
قوله تعالى لذو حظ أي لذو نصيب وافر من الدنيا
وقوله وقال الذين أوتوا العلم قال ابن عباس يعني الأحبار من بني إسرائيل وقال مقاتل الذين أوتوا العلم بما وعد الله في الآخرة قالوا للذين تمنوا ما أوتي قارون ويلكم ثواب الله أي ما عنده من الجزاء خير لمن آمن مما أعطي قارون

قوله تعالى ولا يلقاها قال أبو عبيدة لا يوفق لها ويرزقها وقرأ أبي بن كعب وابن أبي عبلة ولا يلقاها بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف وفي المشار إليها ثلاثة أقوال
أحدها أنها الأعمال الصالحة قاله مقاتل والثاني أنها الجنة والمعنى لا يعطاها في الآخرة إلا الصابرون على أمر الله قاله ابن السائب
والثالث أنها الكلمة التي قالوها وهي قولهم ثواب الله خير قاله الفراء
فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا ان من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون
قوله تعالى فخسفنا به وبداره الأرض لما أمر قارون البغي

بقذف موسى على ما سبق شرحه القصص غضب موسى فدعا عليه فأوحى الله تعالى إليه إني قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها فقال موسى يا أرض خذيه فأخذته حتى غيبت سريره فلما رأى ذلك ناشده بالرحم فقال خذيه فأخذته حتى غيبت قدميه فما زال يقول خذيه حتى غيبته فأوحى الله تعالى إليه يا موسى ما أفظك وعزتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته قال ابن عباس فخسفت به الأرض إلى الأرض السفلى وقال سمرة بن جندب إنه يخسف به كل يوم قامة فتبلغ به الأرض السفلى يوم القيامة وقال مقاتل فلما هلك قارون قال بنو إسرائيل إنما أهلكه موسى ليأخذ ماله وداره فخسف الله بداره وماله بعده بثلاثة ايام
قوله تعالى ينصرونه من دون الله أي يمنعونه من الله وما كان من المنتصرين أي من الممتنعين مما نزل به ثم أعلمنا أن المتمنين مكانه ندموا على ذلك التمني بالآية التي تلي هذه

وقوله لخسف بنا الأكثرون على ضم الخاء وكسر السين وقرأ يعقوب والوليد عن ابن عامر وحفص وأبان عن عاصم بفتح الخاء والسين
فأما قوله ويك فقال ابن عباس معناه ألم تر وكذلك قال أبو عبيده والكسائي وقال الفراء ويك ان في كلام العرب تقرير كقول الرجل أما ترى إلى صنع الله وإحسانه أنشدني بعضهم ... ويك أن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضر ...
وقال ابن الأنباري في قوله ويك أنه ثلاثة أوجه
إن شئت قلت ويك حرف وأنه حرف والمعنى ألم تر أنه والدليل على هذا قول الشاعر ... سألتاني الطلاق أن رأتاني ... قل مالي قد جئتماني بنكر ... ويك أن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضر ...
والثاني ان يكون ويك حرفا وأنه حرفا والمعنى ويلك اعلم أنه فحذفت اللام كما قالوا قم لا اباك يريدون لا أبالك وأنشدوا ... أبالموت الذي لا بد أني ... ملاق لا أباك تخوفيني ...
أراد لا أبالك فحذف اللام

والثالث أن يكون وي حرفا وكأنه حرفا فيكون معنى وي التعجب كما تقول وي لم فعلت كذا كذا ويكون معنى كأنه أظنه وأعلمه كما تقول في الكلام كأنك بالفرج قد أقبل فمعناه أظن الفرج مقبلا وإنما وصلوا الياء بالكاف في قوله ويكأنه لأن الكلام بهما كثر كما جعلوا يا ابن أم في المصحف حرفا واحدا وهما حرفان طه وكان جماعة منهم يعقوب يقفون على ويك في الحرفين ويبتدؤون أن وأنه في الموضعين وذكر الزجاج عن الخليل أنه قال وي مفصولة من كأن وذلك أن القوم تندموا فقالوا وي متندمين على ما سلف منهم وكل من ندم فأظهر ندامته قال وي وحكى ابن قتيبة عن بعض العلماء أنه قال معنى ويكأن رحمة لك بلغة حمير
قوله تعالى لولا أن من الله علينا أي بالرحمة والمعافاة والإيمان لخسف بنا

تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيآت إلا ما كانوا يعملون
قوله تعالى تلك الدار الآخرة يعني الجنة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض وفيه خمسة أقوال احدها أنه البغي قاله سعيد بن جبير والثاني الشرف والعز قاله الحسن والثالث الظلم قاله الضحاك والرابع الشرك قاله يحيى بن سلام والخامس الاستكبار عن الإيمان قاله مقاتل
قوله تعالى ولا فسادا فيه قولان أحدهما العمل بالمعاصي قاله عكرمة والثاني الدعاء إلى غير عبادة الله قاله ابن السائب
قوله تعالى والعاقبة للمتقين أي العاقبة المحمودة لهم
قوله تعالى من جاء بالحسنة قد فسرناه في سورة النمل

قوله تعالى فلا يجزي الذين عملوا السيئات يريد الذين اشركوا إلا ما كانوا يعملون أي إلا جزاء عملهم من الشرك وجزاؤه النار
إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ولاتكونن من المشركين ولاتدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون
قوله تعالى إن الذي فرض عليك القرآن قال مقاتل خرج رسول الله ص من الغار ليلا فمضى من وجهه إلى المدينة فسار في غير الطريق مخافة الطلب فلما أمن رجع إلى الطريق فنزل الجحفة بين مكة والمدينة فعرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها وذكر مولده فأتاه جبريل فقال أتشتاق إلى بلدك ومولدك قال نعم قال فان الله تعالى يقول إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد فنزلت هذه الآية بالجحفة
وفي معنى فرض عليك ثلاثة أقوال أحدها فرض عليك العمل

بالقرآن قاله عطاء بن أبي رباح وابن قتيبة والثاني أعطاك القرآن قاله مجاهد والثالث أنزل عليك القرآن قاله مقاتل والفراء وأبو عبيدة د
وفي قوله لرادك إلى معاد أربعة اقوال
أحدها إلى مكة رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد في رواية والضحاك قال ابن قتيبة معاد الرجل بلده لانه يتصرف في البلاد ويضرب في الأرض ثم يعود إلى بلده
والثاني إلى معادك من الجنة رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال الحسن والزهري فإن اعترض على هذا فقيل الرد يقتضي أنه قد كان فيما رد إليه فعنه ثلاثة أجوبة أحدها أنه لما كان أبوه آدم في الجنة ثم أخرج كان كأن ولده أخرج منها فاذا دخلها فكأنه أعيد والثاني أنه دخلها ليلة المعراج فاذا دخلها يوم القيامة كان ردا إليها ذكرهما ابن جرير والثالث أن العرب تقول رجع الأمر إلى كذا وإن لم يكن له كون فيه قط وأنشدوا ... وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع ...
وقد شرحنا هذا في قوله وإلى الله ترجع الأمور البقرة

والثالث لرادك إلى الموت رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال أبو سعيد الخدري
والرابع لرادك إلى القيامة بالبعث قاله الحسن والزهري ومجاهد في رواية والزجاج
ثم ابتدأ كلاما يرد به على الكفار حين نسبوا النبي ص إلى الضلال فقال قل ربي أعلم من جاء بالهدى والمعنى قد علم أني جئت بالهدى وأنكم في ضلال مبين ثم ذكره نعمه فقال وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب أي ان تكون نبيا وأن يوحى إليك القرآن إلا رحمة من ربك قال الفراء هذا استثناء منقطع والمعنى إلا أن ربك رحمك فأنزله عليك فلا تكونن ظهيرا للكافرين أي عونا لهم على دينهم وذلك أنهم دعوه إلى دين آبائه فأمر بالاحتراز منهم والخطاب بهذا وأمثاله له والمراد أهل دينه لئلا يظاهروا الكفار ولا يوافقوهم
قوله تعالى كل شئ هالك إلا وجهه فيه قولان

أحدهما إلا ما أريد به وجهه رواه عطاء عن ابن عباس وبه قال الثوري والثاني إلا هو قاله الضحاك وأبو عبيدة
قوله تعالى له الحكم أي الفصل بين الخلائق في الآخرة دون غيره وإليه ترجعون في الآخرة

سورة العنكبوت
فصل في نزولها
روى العوفي عن ابن عباس أنها مكية وبه قال الحسن وقتادة وعطاء وجابر بن زيد ومقاتل وفي رواية عن ابن عباس أنها مدنية وقال هبة الله ابن سلامة المفسر نزل من اولها إلى رأس العشر بمكة وباقيها بالمدينة وقال غيره عكس هذا نزل العشر بالمدينة وباقيها بمكة
بسم الله الرحمن الرحيم
آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئآت أن يسبقونا ساء ما يحكمون
قوله تعالى آلم أحسب الناس أن يتركوا في سبب نزولها ثلاثة أقوال

أحدها أنه لما أمر بالهجرة كتب المسلمون إلى إخوانهم بمكة أنه لا يقبل منكم إسلامكم حتى تهاجروا فخرجوا نحو المدينة فأدركهم المشركون فردوهم فأنزل الله عز و جل من أول هذه السورة عشر آيات فكتبوا إليهم يخبرونهم بما نزل فيهم فقالوا نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله عز و جل فيهم ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا النحل هذا قول الحسن والشعبي
والثاني أنها نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله عز و جل قاله عبد الله بن عبيد بن عمير
والثالث أنها نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب حين قتل ببدر فجزع عليه أبواه وامرأته فأنزل الله تعالى في أبويه وامرأته هذه الآية
قوله تعالى أحسب الناس قال ابن عباس يريد بالناس الذين آمنوا بمكة كعياش بن ابي ربيعة وعمار بن ياسر وسلمة بن هشام وغيرهم
قال الزجاج لفظ الآية استخبار ومعناه معنى التقرير والتوبيخ والمعنى أحسب الناس أن يتركوا بأن يقولوا آمنا ولأن يقولوا آمنا أي أحسبوا أن يقنع منهم بأن يقولوا إنا مؤمنون فقط ولا يمتحنون بما يبين

حقيقة إيمانهم وهم لا يفتنون أي لا يختبرون بما يعلم به صدق إيمانهم من كذبه
وللمفسرين فيه قولان أحدهما لا يفتنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب قاله مجاهد والثاني لا يبتلون بالأوامر والنواهي
قوله تعالى ولقد فتنا الذين من قبلهم أي ابتليناهم واختبرناهم فليعلمن الله فيه ثلاثة أقوال
أحدهما فليرين الله الذين صدقوا في إيمانهم عند البلاء إذا صبروا لقضائه وليرين الكاذبين في إيمانهم إذا شكوا عند البلاء قاله مقاتل
والثاني فليميزن لأنه قد علم ذلك من قبل قاله ابو عبيدة
والثالث فليظهرن ذلك حتى يوجد معلوما حكاه الثعلبي
وقرأ علي بن أبي طالب وجعفر بن محمد فليعلمن الله وليعلمن الكاذبين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين العنكبوت بضم الياء وكسر اللام
قوله تعالى أم حسب أي أيحسب الذين يعملون السيئات

يعني الشرك أن يسبقونا أي يفوتونا ويعجزونا ساء ما يحكمون أي بئس ما حكموا لانفسهم حين ظنوا ذلك قال ابن عباس عنى بهم الوليد ابن المغيرة وابا جهل والعاص بن هشام وغيرهم
من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيآتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون
قوله تعالى من كان يرجو لقاء الله قد شرحناه في آخر الكهف فإن أجل الله لآت يعني الأجل المضروب للبعث والمعنى فليعمل لذلك اليوم وهو السميع لما يقول العليم بما يعمل ومن جاهد فانما يجاهد لنفسه أي إن ثوابه إليه يرجع
قوله تعالى لنكفرن عنهم سيآتهم أي لنبطلنها حتى تصير بمنزلة مالم يعمل ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعة ولا نجزيهم بمساوئ أعمالهم
ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين
قوله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وقرأ ابي بن كعب وأبو مجلز وعاصم الجحدري إحسانا بألف وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء حسنا بفتح الحاء والسين

روى أبو عثمان النهدي عن سعد ابن أبي وقاص قال في أنزلت هذه الآية كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمت قالت يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت لتدعن دينك هذا أولا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه قلت لا تفعلي يا أماه إني لا أدع ديني هذا لشئ قال فمكثت يوما وليلة لا تأكل فأصبحت قد جهدت ثم مكثت يوما آخر وليلة لا تأكل فلما رأيت ذلك قلت تعلمين والله ياأماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشئ فكلي وإن شئت لا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فأنزلت هذه الآية وقيل أنها نزلت في عياش بن ابي ربيعة وقد جرى له مع أمه نحو هذا وذكر بعض المفسرين أن هذه الآية والتي في لقمان وفي الأحقاف نزلن في قصة سعد

قال الزجاج من قرأ حسنا فمعناه ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن ومن قرأ إحسانا فمعناه ووصينا الإنسان أن يحسن إلى والديه وكان حسنا أعم في البر
وإن جاهداك قال أبو عبيدة مجاز هذا الكلام مجاز المختصر الذي فيه ضمير والمعنى وقلنا له وإن جاهداك
قوله تعالى لتشرك بي معناه لتشرك بي شريكا لا تعلمه لي وليس لأحد بذلك علم فلا تطعهما
قوله تعالى لندخلنهم في الصالحين أي في زمرة الصالحين في الجنة وقال مقاتل في بمعنى مع
ومن الناس من يقول آمنا بالله فاذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين
قوله تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال
أحدها أنها نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون إلى بدر فارتدوا رواه عكرمة عن ابن عباس

والثاني نزلت في قوم كانوا يؤمنون بألسنتهم فاذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة في أنفسهم وأموالهم افتتنوا قاله مجاهد
والثالث نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون فاذا أوذوا وأصابهم بلاء من المشركين رجعوا إلى الشرك قاله الضحاك
والرابع أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة كان أسلم فخاف على نفسه من أهله وقومه فخرج من مكة هاربا إلى المدينة وذلك قبل قدوم رسول الله ص إلى المدينة فجزعت أمه فقالت لأخويه ابي جهل والحارث ابني هشام وهما أخواه لأمه والله لا آوي بيتا ولا آكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تأتياني به فخرجا في طلبه فظفرا به فلم يزالا به حتى تابعهما وجاءا به إليها فقيدته وقالت والله لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بمحمد ثم أقبلت تجلده بالسياط وتعذبه حتى كفر بمحمد عليه السلام جزعا من الضرب فنزلت فيه هذه الآية ثم هاجر بعد وحسن إسلامه هذا قول ابن السائب ومقاتل وفي رواية عن مقاتل أنهما جلداه في الطريق مائتي جلدة فتبرأ من دين محمد فنزلت هذه الآية
قوله تعالى فإذا أوذي في الله أي ناله أذى أو عذاب بسبب إيمانه جعل فتنة الناس أي ما يصيبه من عذابهم في الدنيا كعذاب الله في

الآخرة وإنما ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله تعالى لما يرجو من ثوابه ولئن جاء نصر من ربك يعني دولة للمؤمنين ليقولن يعني المنافقين للمؤمنين إنا كنا معكم على دينكم فكذبهم الله عز و جل وقال أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين من الإيمان والنفاق وقد فسرنا الآية التي تلي هذه في أول السورة
وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسئلن يوم القيامة عما كانوا يفترون
قوله تعالى
أتبعوا سبيلنا يعنون ديننا قال مجاهد هذا قول كفار قريش لمن آمن من اهل مكة قالوا لهم لا نبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا فان كان عليكم شئ فهو علينا
قوله تعالى ولنحمل خطاياكم قال الزجاج هو امر في تأويل الشرط والجزاء يعني إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم وقال الأخفش كأنهم أمروا أنفسهم بذلك وقرأ الحسن ولنحمل بكسر اللام قال ابن قتيبة الواو زائدة والمعنى لنحمل خطاياكم
قوله تعالى إنهم لكاذبون أي فيما ضمنوا من حمل خطاياهم

قوله تعالى وليحملن أثقالهم أي أوزار أنفسهم وأثقالا مع أثقالهم أي اوزارا مع اوزارهم وهي أوزار الذين أضلوهم وهذا كقوله ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم النحل وليسألن يوم القيامة سؤال توبيخ وتقريع عما كانوا يفترون من الكذب على الله عز و جل وقال مقاتل عن قولهم نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله عز و جل
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين
قوله تعالى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه في هذه القصة تسلية للنبي ص حيث أعلم أن الأنبياء قد ابتلوا قبله وفيها وعيد شديد لمن أقام على الشرك فانهم وإن أمهلوا فقد أمهل قوم نوح أكثر ثم أخذوا
قوله تعالى فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما اختلفوا في عمر نوح على خمسة أقوال
أحدها بعث بعد أربعين سنة وعاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم وعاش بعد الطوفان ستين سنة رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس
والثاني أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش بعد ذلك سبعين عاما فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين سنة قاله كعب الأحبار

والثالث أنه بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة قاله عون بن ابي شداد
والرابع أنه لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ودعاهم ثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة قاله قتادة وقال وهب ابن منبه بعث لخمسين سنة
والخامس أن هذه الآية بينت مقدار عمره كله حكاه الماوردي
فإن قيل ما فائدة قوله إلا خمسين عاما فهلا قال تسعمائة وخمسين
فالجواب ان المراد به تكثير العدد وذكر الألف أفخم في اللفظ وأعظم للعدد
قال الزجاج تأويل الاستثناء في كلام العرب التوكيد تقول جاءني إخوتك إلا زيدا فتؤكد أن الجماعة جاؤوا وتنقص زيدا واستثناء نصف الشئ قبيح جدا لا تتكلم به العرب وإنما تتكلم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان تقول عندي درهم ينقص قيراطا فلو قلت ينقص نصفه كان الاولى ان تقول عندي نصف درهم ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إلا قليل من كثير
قوله تعالى فأخذهم الطوفان فيه ثلاثة أقوال
أحدها الموت روت عائشة عن رسول الله ص في قوله فأخذهم الطوفان قال الموت

والثاني المطر قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة قال ابن قتيبة هو المطر الشديد
والثالث الغرق قاله الضحاك
قال الزجاج الطوفان من كل شئ ما كان كثيرا مطيفا بالجماعة كلها فالغرق الذي يشتمل على المدن الكثيرة طوفان وكذلك القتل الذريع والموت الجارف طوفان
قوله تعالى وهم ظالمون قال ابن عباس كافرون
قوله تعالى وجعلناها يعني السفينة قال قتادة أبقاها الله آية للناس بأعلى الجودي قال ابو سليمان الدمشقي وجائز ان يكون اراد الفعلة التي فعلها بهم من الغرق آية أي عبرة للعالمين بعدهم
وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين
قوله تعالى وإبراهيم قال الزجاج هو معطوف على نوح والمعنى أرسلنا إبراهيم
قوله تعالى ذلكم يعني عبادة الله خير لكم من عبادة الأوثان

إن كنتم تعلمون ما هو خير لكم مما هو شر لكم والمعنى ولكنكم لا تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا قال الفراء إنما في هذا الموضع حرف واحد وليست على معنى الذي وقوله وتخلقون إفكا مردود على إنما كقولك أنما تفعلون كذا وإنما تفعلون كذا وقال مقاتل الأوثان الأصنام قال ابن قتيبة واحدها وثن وهو ما كان من حجارة أو جص
قوله تعالى وتخلقون إفكا وقرأ ابن السميفع وأبو المتوكل وتختلقون بزيادة تاء ثم فيه قولان أحدهما تختلقون كذبا في زعمكم أنها آلهة والثاني تصنعون الأصنام والمعنى تعبدون أصناما أنتم تصنعونها ثم بين عجزهم بقوله لا يملكون لكم رزقا أي لا يقدرون على أن يرزقوكم فابتغوا عند الله الرزق أي فاطلبوا من الله فانه القادر على ذلك
قوله تعالى وإن تكذبوا هذا تهديد لقريش فقد كذب أمم من قبلكم والمعنى فأهلكوا أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم
أولم يروا قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر

يروا بالياء وقرأ حمزة والكسائي بالتاء وعن عاصم كالقراءتين وعنى بالكلام كفار مكة كيف يبدئ الله الخلق أي كيف يخلقهم ابتداء من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة إلى أن يتم الخلق ثم يعيده أي ثم هو يعبده في الآخرة عند البعث وقال أبو عبيدة مجازه أولم يروا كيف استأنف الله الخلق الاول ثم يعيده وفيه لغتان أبدأ وأعاد وكان مبدئا ومعيدا وبدأ وعاد وكان بادئا وعائدا
قوله تعالى إن ذلك على الله يسير يعني الخلق الأول والخلق الثاني
قوله تعالى قل سيروا في الأرض أي انظروا إلى المخلوقات التي في الأرض وابحثوا عنها هل تجدون لها خالقا غير الله فاذا علموا أنه لا خالق لهم سواه لزمتهم الحجة في الإعادة وهو قوله ثم الله ينشئ النشأة الآخرة أي ثم الله ينشئهم عند البعث نشأة أخرى وأكثر القراء فرؤوا النشأة بتسكين الشين وترك المد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو النشاءة بالمد
قوله تعالى يعذب من يشاء فيه قولان
أحدهما أنه في الآخرة بعد إنشائهم
والثاني أنه في الدنيا ثم فيه خمسة أقوال حكاها الماوردي أحدها يعذب من يشاء بالحرص ويرحم من يشاء بالقناعة والثاني يعذب بسوء الخلق ويرحم بحسن الخلق والثالث يعذب بمتابعة البدعة ويرحم بملازمة السنة والرابع يعذب بالانقطاع إلى الدنيا ويرحم بالإعراض عنها والخامس يعذب من يشاء ببغض الناس له ويرحم من يشاء بحب الناس له
قوله تعالى وإليه تقلبون أي تردون وما أنتم بمعجزين في الأرض فيه قولان حكاهما الزجاج

أحدهما وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا أهل السماء بمعجزين في السماء
والثاني وما أنتم بمعجزين في الارض ولا لو كنتم في السماء وقال قطرب هذا كقولك ما يفوتني فلان لا هاهنا ولا بالبصرة أي ولا بالبصرة لو صار إليها قال مقاتل والخطاب لكفار مكة والمعنى لا تسبقون الله حتى يجزيكم بأعمالكم السيئة وما لكم من دون الله من ولي أي قريب ينفعكم ولا نصير يمنعكم من الله
قوله تعالى والذين كفروا بآيات الله ولقائه أي بالقرآن والبعث أولئك يئسوا من رحمتي في الرحمة قولان أحدهما الجنة قاله مقاتل والثاني العفو والمغفرة قاله أبو سليمان قال ابن جرير وذلك في الآخرة عند رؤية العذاب فما كان جواب قومه إلا ان قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين
ثم عاد الكلام إلى قصة إبراهيم وهو قوله فما كان جواب قومه أي حين دعاهم إلى الله ونهاهم عن الأصنام إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه وهذا بيان لسفه أحلامهم حين قابلوا احتجاجه عليهم بهذا
قوله تعالى فأنجاه الله المعنى فحرقوه فانجاه الله من النار
قوله تعالى إن في ذلك يشير إلى إنجائه إبراهيم
قوله تعالى وقال يعني إبراهيم إنما اتخذتم من دون الله أوثانا

مودة بينكم قرأ ابن كثير وأبو عمرو مودة بينكم بالرفع والإضافة قال الزجاج مودة مرفوعة باضمار هي كأنه قال تلك مودة بينكم أي ألفتكم واجتماعكم على الأصنام مودة بينكم والمعنى إنما أتخذتم هذه الأوثان لتتوادوا بها في الحياة الدنيا ويجوز أن تكون ما بمعنى الذي
وقرأ ابن عباس وسعيد بن المسيب وعكرمة وابن ابي عبلة مودة بالرفع بينكم بالنصب
وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم مودة بينكم قال ابو علي المعنى اتخذتم الأصنام للمودة وبينكم نصب على الظرف والعامل فيه المودة
وقرأ حمزة وحفص عن عاصم مودة بينكم بنصب مودة مع الإضافة وهذا على الاتساع في جعل الظرف اسما لما أضيف إليه
قال المفسرون معنى الكلام إنما اتخذتموها لتتصل المودة بينكم واللقاء والاجتماع عندها وأنتم تعلمون أنها لا تضر ولا تنفع ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض أي يتبرأ القادة من الأتباع ويلعن بعضكم بعضا يلعن الأتباع القادة لانهم زينوا لهم الكفر فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه

إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين
قوله تعالى فآمن له لوط أي صدق بابراهيم وقال يعني إبراهيم إني مهاجر إلى ربي فيه قولان أحدهما إلى رضى ربي والثاني إلى حيث أمرني ربي فهاجر من سواد العراق إلى الشام وهجر قومه المشركين ووهبنا له إسحاق بعد إسماعيل ويعقوب من إسحاق وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وذلك أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من صلبه وآتيناه أجره في الدنيا فيه أربعة أقوال
أحدها الذكر الحسن رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس والثاني الثناء الحسن والولد الصالح رواه أبو صالح عن ابن عباس والثالث العافية والعمل الحسن والثناء فلست تلقى أحدا من اهل الملل إلا يتولاه قاله قتادة والرابع أنه أري مكانه من الجنة قاله السدي
قوله تعالى وإنه في الآخرة لمن الصالحين قد سبق بيانه البقرة قال ابن جرير له هناك جزاء الصالحين غير منقوص من الآخرة بما أعطي في الدنيا من الأجر وما بعد هذا قد سبق بيانه الأعراف إلى قوله وتقطعون السبيل وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنهم كانوا يعترضون من مر بهم لعملهم الخبيث قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أنهم كانوا إذا جلسوا في مجالسهم يرمون ابن السبيل بالحجارة فيقطعون سبيل المس قاله مقاتل
والثالث أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال حكاه الماوردي

قوله تعالى وتأتون في ناديكم المنكر قال ابن قتيبة النادي المجلس والمنكر يجمع الفواحش من القول والفعل
وللمفسرين في المراد بهذا المنكر اربعة أقوال
أحدها أنهم كانوا يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم فذلك المنكر روته أم هانئ بنت أبي طالب عن رسول الله ص وقال عكرمة والسدي كانوا يحذفون كل من مر بهم
والثاني لف القميص على اليد وجر الإزار وحل الأزرار والحذف والرمي بالبندق ولعب الحمام والصفير في خصال أخر رواها ميمون بن مهران عن ابن عباس
والثالث أنه الضراط رواه عروة عن عائشة وكذلك فسره القاسم ابن محمد
والرابع أنه إتيان الرجال في مجالسهم قاله مجاهد وقتادة وابن زيد

وهذه الآية تدل على أنه لا ينبغي للمجتمعين أن يتعاشروا إلا على ما يقرب من الله عز و جل ولا ينبغي ان يجتمعوا على الهزء واللعب
قوله تعالى رب انصرني أي بتصديق قولي في العذاب ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن اعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا أمرأته كانت من الغابرين ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيئ بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا أمرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون
قوله تعالى إنا مهلكو أهل هذه القرية يعنون قرية لوط
قوله تعالى لننجينه قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم لننجينه وإنا منجوك بتشديد الحرفين وخففهما حمزة والكسائي وروى أبوبكر عن عاصم لننجينه مشدده وإنا منجوك مخففة ساكنة النون وقد سبق شرح ما أخللنا بذكره هود إلى قوله إنا منزلون على اهل هذه القرية رجزا وهو الحصب والخسف
قوله تعالى ولقد تركنا منها في المكني عنها قولان
أحدهما أنها الفعلة التي فعل بهم فعلى هذا في الآية ثلاثة أقوال أحدها أنها الحجارة التي أدركت أوائل هذه الأمة قاله قتادة والثاني الماء الاسود على وجه الارض قاله مجاهد والثالث الخبر عما صنع بهم

والثاني أنها القرية فعلى هذا في المراد بالآية ثلاثة أقوال
أحدها أنها آثار منازلهم الخربة قاله ابن عباس
والثاني أن الآية في قريتهم إلى الآن أن أساسها أعلاها وسقوفها أسفلها حكاه ابو سليمان
والثالث أن المعنى تركناها آية تقول إن في السماء لآية تريد أنها هي الآية قاله الفراء وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجعوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جائمين
قوله تعالى وارجوا اليوم الآخر قال المفسرون اخشوا البعث الذي فيه جزاء الأعمال وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنكم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون
قوله تعالى وعادا وثمود قال الزجاج المعنى وأهلكنا عادا وثمودا لان قبل هذا فأخذتهم الرجفة
قوله تعالى وقد تبين لكم من مساكنهم أي ظهر لكم يا أهل مكة

من منازلهم بالحجاز واليمن آية في هلاكهم وكانوا مستبصرين قال الفراء أي ذوي بصائر وقال الزجاج أتوا ما أتوه وقد تبين لهم أن عاقبته عذابهم وقال غيره كانوا عند أنفسهم مستبصرين يظنون أنهم على حق
قوله تعالى وما كانوا سابقين أي ما كانوا يفوتون الله ان يفعل بهم ما يريد
قوله تعالى فكلا أخذنا بذنبه أي عاقبنا بتكذيبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا يعني قوم لوط ومنهم من أخذته الصيحة يعني ثمودا وقوم شعيب ومنهم من خسفنا به الأرض يعني قارون وأصحابه ومنهم من أغرقنا يعني قوم نوح وفرعون وما كان الله ليظلمهم فيعذبهم على غير ذنب ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالإقامة على المعاصي مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون
قوله تعالى مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء يعني الأصنام يتخذها المشركون أولياء يرجون نفعها ونصرها فمثلهم في ضعف احتيالهم كمثل العنكبوت اتخذت بيتا قال ثعلب والعنكبوت أنثى وقد يذكرها بعض العرب قال الشاعر

على هطالهم منهم بيوت ... كأن العنكبوت هو ابتناها ...
قوله تعالى إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ أي هو عالم بما عبدوه من دونه لا يخفى عليه ذلك والمعنى أنه يجازيهم على كفرهم وتلك الأمثال يعني أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار وقيل إن تلك بمعنى هذه والعالمون الذين يعقلون عن الله عز و جل خلق الله السماوات والارض بالحق إن في ذلك لآية للمؤمنين أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
خلق الله السماوات والأرض بالحق أي للحق ولإظهار الحق
قوله تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر في المراد بالصلاة قولان
أحدهما أنها الصلاة المعروفة قاله الأكثرون وروى أنس بن مالك عن رسول الله ص أنه قال من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا

والثاني أن المراد بالصلاة القرآن قاله ابن عمر ويدل على هذا قوله ولا تجهر بصلاتك الاسراء وقد شرحنا معنى الفحشاء والمنكر فيما سبق البقرة النحل
وفي معنى هذه الآية للعلماء ثلاثة أقوال
أحدها أن الإنسان إذا أدى الصلاة كما ينبغي وتدبر ما يتلو فيها نهته عن الفحشاء والمنكر هذا مقتضاها وموجبها
والثاني أنها تنهاه ما دام فيها
والثالث أن المعنى ينبغي أن تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر
قوله تعالى ولذكر الله اكبر فيه أربعة أقوال
أحدها ولذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه رواه ابن عمر عن

رسول الله ص وبه قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد في آخرين
والثاني ولذكر الله افضل من كل شئ سواه وهذا مذهب أبي الدرداء وسلمان وقتادة
والثالث ولذكر الله في الصلاة أكبر مما نهاك عنه من الفحشاء والمنكر قاله عبد الله بن عون
والرابع ولذكر الله العبد ماكان في صلاته أكبر من ذكر العبد لله قاله ابن قتيبة ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون
قوله تعالى ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن في التي هي أحسن ثلاثة أقوال أحدها أنها لا إله إلا الله رواه الضحاك عن ابن عباس والثاني أنها الكف عنهم إذا بذلوا الجزية فان أبوا قوتلوا قاله مجاهد والثالث أنها القرآن والدعاء إلى الله بالآيات والحجج
قوله تعالى إلا الذين ظلموا منهم وهم الذين نصبوا الحرب وأبوا أن يؤدوا الجزية فجادلوا هؤلاء بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وقولوا

لمن أدى الجزية منهم إذا أخبركم بشئ مما في كتبهم آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم الآية وقد روى ابو هريرة قال كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله ص لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم الآية
فصل
واختلف في نسخ هذه الآية على قولين

أحدهما أنها نسخت بقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إلى قوله وهم صاغرون التوبة قاله قتادة والكلبي
والثاني أنها ثابتة الحكم وهو مذهب ابن زيد وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون
قوله تعالى وكذلك أي وكما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به يعني مؤمني أهل الكتاب ومن هؤلاء يعني أهل مكة من يؤمن به وهم الذين أسلموا وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون قال قتادة إنما يكون الجحد بعد المعرفة قال مقاتل وهم اليهود
قوله تعالى وما كنت تتلو من قبله من كتاب قال أبو عبيدة مجازة ما كنت تقرأ قبله كتابا ومن زائدة فأما الهاء في قبله فهي عائدة إلى القرآن والمعنى ما كنت قارئا قبل الوحي ولا كاتبا وهكذا كانت صفته في التوراة والإنجيل أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب وهذا يدل على ان الذي جاء به من عند الله تعالى

قوله تعالى إذا لارتاب المبطلون أي لو كنت قارئا كاتبا لشك اليهود فيك ولقالوا ليست هذه صفته في كتابنا والمبطلون الذين يأتون بالباطل وفيهم ها هنا قولان أحدهما كفار قريش قاله مجاهد والثاني كفار اليهود قاله مقاتل
قوله تعالى بل هو آيات بينات في المكني عنه قولان
أحدهما أنه النبي محمد ص ثم في معنى الكلام قولان احدهما ان المعنى بل وجدان أهل الكتاب في كتبهم ان محمدا ص لا يكتب ولا يقرأ وأنه أمي آيات بينات في صدورهم وهذا مذهب ابن عباس والضحاك وابن جريج والثاني أن المعنى بل محمد ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب لأنهم يجدونه بنعته وصفته قاله قتادة
والثاني أنه القرآن والذين أوتوا العلم المؤمنون الذين حملوا القرآن على عهد رسول الله ص وحملوه بعده وإنما أعطي الحفظ هذه الأمة وكان من قبلهم لا يقرؤون كتابهم إلا نظرا فاذا أطبقوه لم يحفظوا ما فيه سوى الأنبياء وهذا قول الحسن
وفي المراد بالظالمين هاهنا قولان أحدهما المشركون قاله ابن عباس والثاني كفار اليهود قاله مقاتل وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم

يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله اولئك هم الخاسرون
قوله تعالى وقالوا يعني كفار مكة لولا أنزل عليه آيات من ربه قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم آيات على الجمع وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم آية على التوحيد وإنما أرادوا كآيات الأنبياء قل إنما الآيات عند الله أي هو القادر على إرسالها وليست بيدي وزعم بعض علماء التفسير أن قوله وإنما أنا نذير مبين منسوخ بآية السيف
ثم بين الله عز و جل ان القرآن يكفي من الآيات التي سألوها بقوله أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب وذكر يحيى بن جعدة أن ناسا من المسلمين أتوا رسول الله ص بكتب قد كتبوها فيها بعض ما يقول اليهود فلما نظر إليها ألقاها وقال كفى بها حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى قوم غيرهم فنزلت أولم يكفهم إلى آخر الآية
قوله تعالى قل كفى بالله قال المفسرون لما كذبوا بالقرآن نزلت

قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يشهد لي أني رسوله ويشهد عليكم بالتكذيب وشهادة الله له إثبات المعجزة له بانزال الكتاب عليه والذين آمنوا بالباطل قال ابن عباس بغير الله وقال مقاتل بعبادة الشيطان ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يوم يغاشهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون
قوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب قال مقاتل نزلت في النضر بن الحارث حين قال فأمطر علينا حجارة من السماء الأنفال
وفي الأجل المسمى أربعة أقوال أحدها أنه يوم القيامة قاله سعيد ابن جبير والثاني أجل الحياة إلى حين الموت وأجل الموت إلى حين البعث قاله قتادة والثالث مدة اعمارهم قاله الضحاك والرابع يوم بدر حكاه الثعلبي
قوله تعالى وليأتينهم يعني العذاب وقرأ معاذ القارئ وأبو نهيك وابن أبي عبلة ولتأتينهم بالتاء بغتة وهم لا يشعرون باتيانه
قوله تعالى وإن جهنم لمحيطة بالكافرين أي جامعة لهم
قوله تعالى ويقول ذوقوا قرأ ابن كثير بالنون وقرأ نافع بالياء فمن قرأ بالياء أراد الملك الموكل بعذابهم ومن قرأ بالنون فلأن ذلك لما كان يأمر الله تعالى جاز ان ينسب إليه ومعنى ما كنتم تعملون أي جزاء ما عملتم من الكفر والتكذيب

يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فاياي فاعبدون كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرقا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم
قوله تعالى يا عبادي الذين آمنوا قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر يا عبادي بتحريك الياء وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي باسكانها
قوله تعالى إن أرضي واسعة وقرأ ابن عامر وحده أرضي بفتح الياء وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه خطاب لمن آمن من أهل مكة قيل لهم إن أرضي يعني المدينة واسعة فلا تجاوروا الظلمة في أرض مكة قاله أبو صالح عن ابن عباس وكذلك قال مقاتل نزلت في ضعفاء مسلمي مكة أي إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فارض المدينة واسعة
والثاني أن المعنى إذا عمل بالمعاصي في ارض فاخرجوا منها رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال عطاء
والثالث إن رزقي لكم واسع قاله مطرف بن عبد الله
قوله تعالى فاياي فاعبدون أثبت فيها الياء يعقوب في الحالين وحذفها الباقون قال الزجاج أمرهم بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله إلى حيث تتهيأ لهم العبادة ثم خوفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة فقال كل نفس ذائقة الموت المعنى فلا تقيموا في دار الشرك خوفا من الموت ثم

إلينا ترجعون بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم والأكثرون قرؤوا ترجعون بالتاء على الخطاب وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء
قوله تعالى لنبوئنهم قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر لنبوئنهم بالباء أي لننزلنهم وقرأ حمزة والكسائي وخلف لنثوينهم بالثاء وهو من ثويت بالمكان إذا أقمت به قال الزجاج يقال ثوى الرجل إذا اقام وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه
قوله تعالى وكأين من دابة لا تحمل رزقها قال ابن عباس لما أمرهم رسول الله ص بالخروج إلى المدينة قالوا يا رسول الله نخرج إلى المدينة وليس لنا بها عقار ولا مال فمن يؤوبنا ويطعمنا فنزلت هذه الآية قال ابن قتيبة ومعنى الآية كم من دابة لا ترفع شيئا لغد قال ابن عيينة ليس يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة

قال المفسرون وقوله الله يرزقها أي حيثما توجهت وإياكم أي ويرزقكم إن هاجرتم إلى المدينة وهو السميع لقولكم لا نجد ما ننفق بالمدينة العليم بما في قلوبكم ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شئ عليم ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون
قوله تعالى ولئن سألتهم يعني كفار مكة وكانوا يقرون بأنه الخالق والرازق وإنما أمره أن يقول الحمد لله على إقرارهم لأن ذلك يلزمهم الحجة فيوجب عليهم بل أكثرهم لا يعقلون توحيد الله مع إقرارهم بأنه الخالق والمراد بالأكثر الجميع وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون فاذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون
قوله تعالى وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب والمعنى وما الحياة في هذه الدنيا إلا غرور ينقضي عن قليل وإن الدار الآخرة يعني الجنة لهي الحيوان قال ابو عبيدة اللام في لهي زائدة للتوكيد والحيوان والحياة واحد والمعنى لهي دار الحياة التي لا موت فيها ولا تنفيص

يشوبها كما يشوب الحياة الدنيا لو كانوا يعلمون أي لو علموا لرغبوا عن الفاني في الباقي ولكنهم لا يعلمون
قوله تعالى فاذا ركبوا في الفلك يعني المشركين دعوا الله مخلصين له الدين أي افردوه بالدعاء قال مقاتل والدين بمعنى التوحيد والمعنى أنهم لا يدعون من يدعونه شريكا له فلما نجاهم أي خلصهم من أهوال البحر وأفضوا إلى البر إذا هم يشركون في البر وهذا إخبار عن عنادهم ليكفروا بما آتيناهم هذه لام الأمر ومعناه التهديد والوعيد كقوله اعملوا ما شئتم فصلت والمعنى ليجحدوا نعمة الله في إنجائه إياهم وليتمتعوا قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي باسكان اللام على معنى الامر والمعنى ليتمتعوا بباقي أعمارهم فسوف يعلمون عاقبة كفرهم وقرأ الباقون بكسر اللام في ليتمتعوا فجعلوا اللامين بمعنى كي فتقديره لكي يكفروا ولكي يتمتعوا فيكون معنى الكلام إذا هم يشركون ليكفروا وليتمتعوا أي لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمنون به في العاجلة من غير نصب لهم في الآخرة أولم يروا أنا جعلنا حرما امنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين
قوله تعالى أو لم يروا يعني كفار مكة أنا جعلنا حرما آمنا يعني مكة وقد شرحنا هذا المعنى في القصص

ويتخطف الناس من حولهم أي أن العرب يسبي بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون أفبالباطل وفيه ثلاثة أقوال أحدها الشرك قاله قتادة والثاني الأصنام قاله ابن السائب والثالث الشيطان قاله مقاتل
قوله تعالى يؤمنون وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعاصم الجحدري تؤمنون وبنعمة الله تكفرون بالتاء فيهما
قوله تعالى وبنعمة الله يعني محمدا والإسلام وقيل بانعام الله عليهم حين أطعمهم وآمنهم يكفرون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أي زعم أن له شريكا وأنه أمر بالفواحش أو كذب بالحق لما جاءه يعني محمدا والقرآن أليس في جهنم مثوى للكافرين وهذا استفهام بمعنى التقرير كقول جرير ... ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح ...
والذين جاهدوا فينا أي قاتلوا أعداءنا لاجلنا لنهدينهم سبلنا أي لنوفقنهم لإصابة الطريق المستقيمة وقيل لنزيدنهم هداية وإن الله لمع المحسنين بالنصرة والعون قال ابن عباس يريد بالمحسنين الموحدين وقال غيره يريد المجاهدين وقال ابن المبارك من اعتاصت عليه مسألة فليسأل أهل الثغور عنها لقوله لنهدينهم سبلنا

سورة الروم
وهي مكية كلها باجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم
قوله تعالى غلبت الروم ذكر أهل التفسير في سبب نزولها أنه كان بين فارس والروم حرب فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك رسول الله ص وأصحابه فشق ذلك عليهم وفرح المشركون بذلك لأن فارس لم يكن لهم كتاب وكانوا يجحدون البعث ويعبدون الأصنام والروم أصحاب كتاب فقال المشركون لأصحاب رسول الله ص إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من اهل فارس على إخوانكم من

الروم فان قاتلتمونا لنظهرن عليكم فنزلت هذه الآية فخرج بها أبو بكر الصديق إلى المشركين فقالوا هذا كلام صاحبك فقال الله أنزل هذا فقالوا لأبي بكر نراهنك على ان الروم لا تغلب فارس فقال ابو بكر البضع ما بين الثلاث إلى التسع فقالوا الوسط من ذلك ست فوضعوا الرهان وذلك قبل أن يحرم الرهان فرجع ابو بكر إلى أصحابه فأخبرهم فلاموه وقالوا هلا أقررتها كما أقرها الله لو شاء أن يقول ستا لقال فلما كانت سنة ست لم تظهر الروم على فارس فاخذوا الرهان فلما كانت سنة سبع ظهرت الروم على فارس وروى ابن عباس قال لما نزلت آلم غلبت الروم ناحب ابو بكر قريشا فقال له رسول الله ص ألا احتطت فان البضع مابين السبع والتسع وذكر بعضهم أنهم ضربوا الاجل خمس سنين وقال بعضهم ثلاث سنين فقال رسول الله ص إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فخرج ابو بكر فقال لهم أزايد كم

في الخطر وامد في الأجل إلى تسع سنين ففعلوا فقهرهم أبو بكر وأخذ رهانهم
وفي الذي تولى وضع الرهان من المشركين قولان أحدهما أبي بن خلف قال قتادة والثاني أبو سفيان بن حرب قاله السدي
قوله تعالى في أدنى الارض وقرأ أبي بن كعب والضحاك وابو رجاء وابن السميفع في أداني الارض بألف مفتوحة الدال أي اقرب الأرض أرض الروم إلى فارس قال ابن عباس وهي طرف الشام
وفي اسم هذا المكان ثلاثة أقوال احدها أنه الجزيرة وهي أقرب أرض الروم إلى فارس قاله مجاهد والثاني أذرعات وكسكر قاله عكرمة والثالث الاردن وفلسطين قاله السدي
قوله تعالى وهم يعني الروم من بعد غلبهم وقرأ أبو الدرداء وأبو رجاء وعكرمة والأعمش غلبهم بتسكين اللام أي من بعد غلبة فارس إياهم والغلب والغلبة لغتان سيغلبون فارس في بضع سنين في البضع تسعة أقوال قد ذكرناها في يوسف قال المفسرون وهي هاهنا سبع سنين وهذا من علم الغيب الذي يدل على أن القرآن حق لله الأمر من قبل ومن بعد أي من قبل ان تغلب الروم ومن بعد ما غلبت والمعنى أن غلبة الغالب وخذلان المغلوب بامر الله وقضائه

ويومئذ يعني يوم غلبت الروم فارس يفرح المؤمنون بنصر الله للروم وكان التقاء الفريقين في السنة السابعة من غلبة فارس إياهم فغلبتهم الروم وجاء جبريل يخبر بنصر الروم على فارس فوافق ذلك يوم بدر وقيل يوم الحديبية
وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقأي ربهم لكافرون
قوله تعالى وعد الله أي وعد الله وعدا لا يخلف الله وعده أن الروم يظهرون على فارس ولكن أكثر الناس يعني كفار مكة لا يعلمون ان الله لا يخلف وعده في ذلك
ثم وصف كفار مكة فقال يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال عكرمة هي المعايش وقال الضحاك يعلمون بنيان قصورها وتشقيق أنهارها وقال الحسن يعلمون متى زرعهم ومتى حصادهم ولقد بلغ والله من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقر الدرهم بظفره فيخبرك بوزنه ولا يحسن يصلي
قوله تعالى وهم عن الآخرة هم غافلون لأنهم لا يؤمنون بها قال الزجاج وذكرهم ثانية يجري مجرى التوكيد كما تقول زيد هو عالم وهو اوكد من قولك زيد عالم
قوله تعالى أولم يتفكروا في أنفسهم قال الزجاج معناه أولم يتفكروا فيعلموا فحذف فيعلموا لأن في الكلام دليلا عليه ومعنى إلا بالحق

إلا للحق أي لإقامة الحق وأجل مسمى وهو وقت الجزاء وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون المعنى لكافرون بلقاء ربهم فقدمت الباء لأنها متصلة بكافرون وما اتصل بخبر إن جاز أن يقدم قبل اللام ولايجوز أن تدخل اللام بعد مضي الخبر من غير خلاف بين النحويين لا يجوز ان تقول إن زيدا كافر لبالله لأن اللام حقها أن تدخل على الابتداء أو الخبر أو بين الابتداء والخبر لأنها تؤكد الجملة وقال مقاتل في قوله وأجل مسمى للسماوات والأرض أجل ينتهيان إليه وهو يوم القيامة وإن كثيرا من الناس يعني كفار مكة بلقاء ربهم أي بالبعث لكافرون
أولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا اشد منهم قوة وأثاروا الارض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوآي أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون الله يبدؤا الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون
قوله تعالى أولم يسيروا في الأرض أي أولم يسافروا فينظروا مصارع الأمم قبلهم كيف أهلكوا بتكذيبهم فيعتبروا قوله تعالى وأثاروا الأرض أي قلبوها للزراعة ومنه قيل للبقرة منيرة وقرأ ابي بن كعب ومعاذ القارئ وأبو حيوة وآثروا الأرض بمد الهمزة وفتح الثاء مرفوعة الراء وعمروها أكثر مما عمروها أي أكثر من عمارة أهل مكة لطول أعمار أولئك وشدة قوتهم وجاءتهم رسلهم بالبينات أي بالدلالات فما كان الله ليظلمهم بتعذيبهم على غير ذنب

ولكن كانوا انفسهم يظلمون بالكفر والتكذيب ودل هذا على أنهم لم يؤمنوا فأهلكوا
ثم أخبر عن عاقبتهم فقال ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى يعني الخلة السيئة وفيها قولان أحدهما انها العذاب قاله الحسن والثاني جهنم قاله السدي
قوله تعالى أن كذبوا قال الفراء معناه لأن كذبوا فلما ألقيت اللام كان نصبا وقال الزجاج لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم وقيل السوأى مصدر بمنزلة الإساءة فالمعنى ثم كان التكذيب آخر أمرهم أي ماتوا على ذلك كأن الله تعالى جازاهم على إساءتهم ان طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب عقوبة لهم وقال مكي بن أبي طالب النحوي عاقبة اسم كان والسوأى خبرها وأن كذبوا مفعول من أجله ويجوز أن يكون السوأى مفعولة ب أساؤوا وأن كذبوا خبر كان ومن نصب عاقبة جعلها خبر كان والسوأى اسمها ويجوز أن يكون أن كذبوا اسمها وقرأ الأعمش أساؤوا السوء برفع السوء
قوله تعالى الله يبدأ الخلق ثم يعيده أي يخلقهم أولا ثم يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا ثم إليه ترجعون قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ترجعون بالتاء فعلى هذا يكون الكلام عائدا من الخبر إلى الخطاب وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بالياء لأن المتقدم ذكره غيبة والمراد بذكر الرجوع الجزاء على الاعمال والخلق بمعنى المخلوقين وإنما قال يعيده على لفظ الخلق

ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ولم يكن لهم من شركائهم شفعاؤا وكانوا بشركائهم كافرين ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقائ الآخرة فأولئك في العذاب محضرون
قوله تعالى يبلس المجرمون قد شرحنا الإبلاس في الأنعام
قوله تعالى ولم يكن لهم من شركائهم أي من أوثانهم التي عبدوها شفعاء في القيامة وكانوا بشركائهم كافرين يتبرؤون منها وتتبرأ منهم
قوله تعالى يومئذ يتفرقون وذلك بعد الحساب ينصرف قوم إلى الجنة وقوم إلى النار
قوله تعالى فهم في روضة الروضة المكان المخضر من الارض وإنما خص الروضة لأنها كانت أعجب الأشياء إلى العرب قال ابو عبيدة ليس شئ عند العرب أحسن من الرياض المعشبة ولا أطيب ريحا قال الأعشى ... ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل ... يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل ...
قال المفسرون والمراد بالروضة رياض الجنة
وفي معنى يحبرون أربعة اقوال

أحدها يكرمون رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثاني ينعمون قاله مجاهد وقتادة قال الزجاج والحبرة في اللغة كل نغمة حسنة
والثالث يفرحون قاله السدي وقال ابن قتيبة يحبرون يسرون والحبرة السرور
والرابع أن الحبر السماع في الجنة فاذا أهل الجنة في السماع لم تبق شجرة إلا وردت قاله يحيى بن أبي كثير وسئل يحيى بن معاذ أي الأصوات أحسن فقال مزامير أنس في مقاصير قدس بألحان تحميد في رياض تمجيد في مقعد صدق عند مليك مقتدر القمر
قوله تعالى فأولئك في العذاب محضرون أي هم حاضرون العذاب أبدا لا يخفف عنهم
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الارض بعد موتها وكذلك تخرجون
ثم ذكر ما تدرك به الجنة ويتباعد به من النار فقال فسبحان الله حين تمسون قال المفسرون المعنى فصلوا لله حين تمسون أي حين تدخلون في الظهيرة وهي وقت الزوال وعشيا أي وسبحوه عشيا وهذه الآية قد جمعت الصلوات الخمس فقوله حين تمسون يعني به

صلاة المغرب والعشاء وحين تصبحون يعني به صلاة الفجر وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر
قوله تعالى وله الحمد في السماوات والارض قال ابن عباس يحمده أهل السماوات وأهل الأرض ويصلون له
قوله تعالى يخرج الحي من الميت فيه أقوال قد ذكرناها في آل عمران
قوله تعالى ويحيي الأرض بعد موتها أي يجعلها منبتة بعد أن كانت لا تنبت وتلك حياتها وكذلك تخرجون قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر تخرجون بضم التاء وفتحها حمزة والكسائي والمراد تخرجون يوم القيامة من الارض أي كما أحيا الأرض بالنبات يحييكم بالبعث ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا انتم تخرجون

وله من في السماوات والأرض كل له قانتون وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين
قوله تعالى ومن آياته أي من دلائل قدرته أن خلقكم من تراب يعني آدم لأنه أصل البشر ثم إذا أنتم بشر من لحم ودم يعني ذريته تنتشرون أي تنبسطون في الأرض
قوله تعالى أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا فيه قولان
أحدهما أنه يعني بذلك آدم خلق حواء من ضلعه وهو معنى قول قتادة
والثاني ان المعنى جعل لكم آدميات مثلكم ولم يجعلهن من غير جنسكم قاله الكلبي
قوله تعالى لتسكنوا إليها أي لتأووا إلى الأزواج وجعل بينكم مودة ورحمة وذلك أن الزوجين يتوادان ويتراحمان من غير رحم بينهما إن في ذلك الذي ذكره من صنعه لآيات لقوم يتفكرون في قدرة الله وعظمته
قوله تعالى واختلاف ألسنتكم يعني اللغات من العربية والعجمية وغير ذلك وألوانكم لأن الخلق بين أسود وأبيض وأحمر وهم ولد رجل واحد وامرأة واحدة وقيل المراد باختلاف الألسنة اختلاف النغمات والأصوات حتى إنه لا يشتبه صوت أخوين من اب وأم والمراد باختلاف الألوان اختلاف

الصور فلا تشتبه صورتان مع التشاكل إن في ذلك لآيات للعالمين قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم للعالمين بفتح اللام وقرأ حفص عن عاصم للعالمين بكسر اللام
قوله تعالى ومن آياته منامكم بالليل والنهار أي نومكم قال ابو عبيدة المنام من مصادر النوم بمنزلة قام يقوم قياما ومقاما وقال يقول مقالا قال المفسرون وتقدير الآية منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله وهو طلب الرزق بالنهار إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون سماع اعتبار وتذكر وتدبر ومن آياته يريكم البرق قال اللغويون إنما حذف أن لدلالة الكلامة عليه وأنشدوا ... وما الدهر إلا تارتان فتارة أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح ...
ومعناه فتارة أموت فيها وقال طرفة ... ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغي وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي ...
أراد أن أحضر وقد شرحنا معنى الخوف والطمع في رؤية البرق في سورة الرعد
قوله تعالى أن تقوم السماء والأرض أي تدوما قائمتين بأمره ثم إذا دعاكم دعوة وهي نفحة إسرافيل الأخيرة في الصور بامر الله عز و جل

من الأرض أي من قبوركم إذا أنتم تخرجون منها وما بعد هذا قد سبق بيانه البقرة العنكبوت إلى قوله وهو أهون عليه وفيه اربعة أقوال
أحدها أن الإعادة أهون عليه من البداية وكل هين عليه قاله مجاهد وأبو العالية
والثاني أن أهون بمعنى هين فالمعنى وهو هين عليه وقد يوضع أفعل في موضع فاعل ومثله قولهم في الأذان الله أكبر أي الله كبير قال الفرزدق ... إن الذي سمك السماء بني لنا بيتا دعائمه أعز وأطول ...
وقال معن بن أوس المزني ... لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تغدو المنية أول ...
أي وإني لوجل وقال غيره
... أصبحت أمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل ...
وأنشدوا أيضا

تمنى رجال أن اموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد ...
أي بواحد هذا قول أبي عبيدة وهو مروي عن الحسن وقتادة وقد قرأ ابي بن كعب وأبو عمران الجوني وجعفر بن محمد وهو هين عليه
والثالث أنه خاطب العباد بما يعقلون فأعلمهم أنه يجب أن يكون عندهم البعث أسهل من الابتداء في تقديرهم وحكمهم فمن قدر على الإنشاء كان البعث أهون عليه هذا اختيار الفراء والمبرد والزجاج وهو قول مقاتل وعلى هذه الأقوال الثلاثة تكون الهاء في عليه عائدة إلى الله تعالى
والرابع أن الهاء تعود على المخلوق لأنه خلقه نطفة ثم علقة ثم مضغة ويوم القيامة يقول له كن فيكون رواه ابو صالح عن ابن عباس وهو اختيار قطرب
قوله تعالى وله المثل الأعلى قال المفسرون أي له الصفة العليا في السماوات والأرض وهي أنه لا إله غيره
قوله تعالى ضرب لكم مثلا سبب نزولها أن اهل الجاهلية كانوا يلبون فيقولون لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك فنزلت هذه الآية قاله سعيد بن جبير ومقاتل ومعنى الآية بين لكم أيها المشركون شبها وذلك الشبه من أنفسكم ثم بينه فقال هل لكم مما ملكت أيمانكم أي من عبيدكم من شركاء فيما رزقناكم من المال والأهل والعبيد أي هل يشارككم عبيدكم في أموالكم فأنتم فيه سواء أي أنتم

وشركاؤكم من عبيدكم سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم أي كما تخافون امثالكم من الأحرار وأقرباءكم كالآباء والأبناء قال ابن عباس تخافونهم ان يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا وقال غيره تخافونهم أن يقاسموكم أموالكم كما يفعل الشركاء والمعنى هل يرضى أحدكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله حتى يساويه في التصرف في ذلك فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرف فيه كما يخاف غيره من الشركاء الأحرار فاذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي كذلك أي كما بينا هذا المثل نفصل الآيات لقوم يعقلون عن الله ثم بين أنهم إنما اتبعوا الهوى في إشراكهم فقال بل اتبع الذين ظلموا أي أشركوا بالله أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وهذا يدل على أنهم إنما اشركوا باضلال الله إياهم وما لهم من ناصرين أي مانعين من عذاب الله فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت

أيديهم إذا هم يقنطون أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون
قوله تعالى فأقم وجهك قال مقاتل أخلص دينك الإسلام للدين أي للتوحيد وقال ابو سليمان الدمشقي استقم بدينك نحو الجهة التي وجهك الله إليها وقال غيره سدد عملك والوجه ما يتوجه إليه وعمل الإنسان ودينه ما يتوجه إليه لتسديده وإقامته
قوله تعالى حنيفا قال الزجاج الحنيف الذي يميل إلى الشيء ولا يرجع عنه كالحنف في الرجل وهو ميلها إلى خارجها خلقة لا يقدر الأحنف أن يرد حنفه وقوله فطرة الله منصوب بمعنى اتبع فطرة الله لأن معنى فأقم وجهك اتبع الدين القيم واتبع فطرة الله أي دين الله والفطرة الخلقة التي خلق الله عليها البشر وكذلك قوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة أي على الإيمان بالله وقال مجاهد في قوله فطرة الله التي فطر الناس عليها قال الإسلام وكذلك قال قتادة والذي

أشار إليه الزجاج أصح وإليه ذهب ابن قتيبة فقال فرق ما بيننا وبين أهل القدر في هذا الحديث أن الفطرة عندهم الإسلام والفطرة عندنا الإقرار بالله والمعرفة به لا الإسلام ومعنى الفطرة ابتداء الخلقة والكل أقروا حين قوله ألست بربكم قالوا بلى ولست واجدا أحدا إلا وهو مقر بأن له صانعا ومدبرا وإن عبد شيئا دونه وسماه بغير اسمه فمعنى الحديث إن كل مولود في العالم على ذلك العهد وذلك الإقرار الأول وهو للفطرة ثم يهود اليهود أبناءهم أي يعلمونهم ذلك وليس الإقرار الأول مما يقع به حكم ولا ثواب وقد ذكر نحو هذا أبو بكر الأثرم واستدل عليه بأن الناس أجمعوا على انه لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ثم أجمعوا على ان اليهودي إذا مات له ولد صغير ورثه وكذلك النصراني والمجوسي ولو كان معنى الفطرة الإسلام ما ورثه إلا المسلمون ولا دفن إلا معهم وإنما أراد بقوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة أي على تلك البداية التي أقروا له فيها بالوحدانية حين أخذهم من صلب آدم فمنهم من جحد ذلك بعد إقراره ومثل هذا الحديث

حديث عياض بن حمار عن النبي ص قال قال الله عز و جل إني خلقت عبادي حنفاء وذلك أنه لم يدعهم يوم الميثاق إلا إلى حرف واحد فأجابوه
قوله تعالى لا تبديل لخلق الله لفظه لفظ النفي ومعناه النهي والتقدير لا تبدلوا خلق الله وفيه قولان أحدهما أنه خصاء البهائم قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه والثاني دين الله قاله مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والنخعي في آخرين وعن ابن عباس وعكرمة كالقولين
قوله تعالى ذلك الدين القيم يعني التوحيد المستقيم ولكن أكثر الناس يعني كفار مكة لا يعلمون توحيد الله

قوله تعالى منيبين إليه قال الزجاج زعم جميع النحويين أن معنى هذا فأقيموا وجوهكم منيبين لأن مخاطبة النبي ص تدخل معه فيها الأمة ومعنى منيبين راجعين إليه في كل ما أمر فلا يخرجون عن شئ من امره وما بعد هذا قد سبق تفسيره البقرة الأنعام إلى قوله وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة وفيه قولان أحدهما أنه القحط والرحمة المطر والثاني أنه البلاء والرحمة العافية إذا فريق منهم وهم المشركون والمعنى إن الكل يلتجؤون إليه في شدائدهم ولا يلتفت المشركون حينئذ إلى أوثانهم
قوله تعالى ليكفروا بما آتيناهم قد شرحناه في آخر العنكبوت وقوله فتمتعوا خطاب لهم بعد الإخبار عنهم
قوله تعالى أم أنزلنا عليهم أي على هؤلاء المشركين سلطانا أي حجة وكتابا من السماء فهو يتكلم بما كانوا به يشركون أي يأمرهم بالشرك وهذا استفهام إنكار معناه ليس الأمر كذلك
قوله تعالى وإذا أذقنا الناس قال مقاتل يعني كفار مكة رحمة وهي المطر والسيئة الجوع والقحط وقال ابن قتيبة الرحمة النعمة والسيئة المصيبة قال المفسرون وهذا الفرح المذكور هاهنا هو فرح البطر الذي لا شكر فيه والقنوط اليأس من فضل الله وهو خلاف وصف المؤمن فانه يشكر عند النعمة ويرجو عند الشدة وقد شرحناه في بني إسرائيل إلى قوله ذلك يعني إعطاء الحق خير أي افضل من الإمساك للذين يريدون وجه الله أي يطلبون بأعمالهم ثواب الله

وما آتيناهم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون
قوله تعالى وما آتيتم من ربا في هذه الآية أربعة أقوال
أحدها أن الربا هاهنا أن يهدي الرجل للرجل الشئ يقصد أن يثيبه عليه أكثر من ذلك هذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وطاووس والضحاك وقتادة والقرظي قال الضحاك فهذا ليس فيه أجر ولا وزر وقال قتادة ذلك الذي لا يقبله الله ولا يجزي به وليس فيه وزر
والثاني أنه الربا المحرم قاله الحسن البصري
والثالث أن الرجل يعطي قرابته المال ليصير به غنيا لا يقصد بذلك ثواب الله تعالى قاله إبراهيم النخعي
والرابع أنه الرجل يعطي من يخدمه لأجل خدمته لا لأجل الله تعالى قاله الشعبي
قوله تعالى ليربو في أموال الناس وقرأ نافع ويعقوب لتربو بالتاء وسكون الواو أي في اجتلاب اموال الناس واجتذابها فلا يربو عند الله أي لا يزكو ولا يضاعف لأنكم قصدتم زيادة العوض ولم تقصدوا القربة
وما آتيتم من زكاة أي ما أعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة

إنما تريدون بها ما عند الله فأولئك هم المضعفون قال ابن قتيبة الذين يجدون التضعيف والزيادة وقال الزجاج أي ذووا الأضعاف من الحسنات كما يقال رجل مقو أي صاحب قوة وموسر صاحب يسار ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين فأقم وجهك للدين القيم من قبل ان يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون
قوله تعالى ظهر الفساد في البر والبحر في هذا الفساد أربعة أقوال أحدها نقصان البركة قاله ابن عباس والثاني ارتكاب المعاصي قاله أبو العالية والثالث الشرك قاله قتادة والسدي والرابع قحط المطر قاله عطية
فأما البر فقال ابن عباس البر البرية التي ليس عندها نهر
وفي البحر قولان
أحدهما أنه ما كان من المدائن والقرى على شط نهر قاله ابن عباس وقال عكرمة لا أقول بحركم هذا ولكن كل قرية عامرة وقال قتادة المراد بالبر أهل البوادي وبالبحر أهل القرى وقال الزجاج المراد بالبحر مدن البحر على الأنهار وكل ذي ماء فهو بحر
والثاني أن البحر الماء المعروف قال مجاهد ظهور الفساد في البر قتل

ابن آدم أخاه وفي البحر ملك جائر يأخذ كل سفينة غصبا وقيل لعطية أي فساد في البحر فقال إذا قل المطر قل الغوص
قوله تعالى بما كسبت أيدي الناس أي بما عملوا من المعاصي ليذيقهم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعكرمة وقتادة وابن محيصن وروح عن يعقوب وقنبل عن ابن كثير لنذيقهم بالنون بعض الذي عملوا أي جزاء بعض أعمالهم فالقحط جزاء ونقصان البركة جزاء ووقوع المعصية منهم جزاء معجل لمعاصيهم ايضا
قوله تعالى لعلهم يرجعون في المشار إليهم قولان
أحدهما أنهم الذين أذيقوا الجزاء ثم في معنى رجوعهم قولان أحدهما يرجعون عن المعاصي قاله أبو العالية والثاني يرجعون إلى الحق قاله إبراهيم
والثاني أنهم الذين يأنون بعدهم فالمعنى لعله يرجع من بعدهم قاله الحسن
قوله تعالى قل سيروا في الأرض أي سافروا فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل أي الذين كانوا قبلكم والمعنى انظروا إلى مساكنهم وآثارهم كان أكثرهم مشركين المعنى فأهلكوا بشركهم

فأقم وجهك للدين أي أقم قصدك لاتباع الدين القيم وهو الإسلام المستقيم من قبل ان يأتي يوم لا مرد له من الله يعني يوم القيامة لا يقدر احد على رد ذلك اليوم لأن الله تعالى قد قضى كونه يومئذ يصدعون أي يتفرقون إلى الجنة والنار من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين
من كفر فعليه كفره أي جزاء كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون أي يوطئون وقال مجاهد يسوون المضاجع في القبور قال أبو عبيدة من يقع على الواحد والاثنين والجمع من المذكر والمؤنث ومجازها هاهنا مجاز الجميع ويمهد بمعنى يكتسب ويعمل ويستعد ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين
قوله تعالى ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات تبشر بالمطر

وليذيقكم من رحمته وهو الغيث والخصب ولتجري الفلك في البحر بتلك الرياح بأمره ولتبتغوا بالتجارة في البحر من فضله وهو الرزق وكل هذا بالرياح
قوله تعالى فجاؤوهم بالبينات أي بالدلالات على صدقهم فانتقمنا من الذين أجرموا أي عذبنا الذين كذبوهم وكان حقا علينا أي واجبا هو أوجبه على نفسه نصر المؤمنين إنجاؤهم مع الرسل من عذاب المكذبين الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فاذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شئ قدير ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون فانك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث

فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون
قوله تعالى يرسل الرياح وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء والنخعي وطلحة بن مصرف والأعمش يرسل الريح بغير ألف
قوله تعالى فتثير سحابا أي تزعجه فيبسطه الله في السماء كيف يشاء إن شاء بسطة مسيرة يوم أو يومين أو اقل أو أكثر ويجعله كسفا أي قطعا متفرقة والأكثرون فتحوا سين كسفا وقرأ أبو رزين وقتادة وابن عامر وأبو جعفر وابن ابي عبلة بتسكينها قال ابو علي يمكن ان يكون مثل سدرة وسدر فيكون معنى القراءتين واحدا فترى الودق يخرج من خلاله وقرأ ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وأبو العالية من خلله وقد شرحناه في النور فاذا أصاب به أي بالودق ومعنى يستبشرون يفرحون بالمطر وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم المطر من قبله وفي هذا التكرير ثلاثة أقوال
أحدها أنه للتأكيد كقوله فسجد الملائكة كلهم أجمعون الحجر قاله الأخفش في آخرين
والثاني أن قبل الأولى للتنزيل والثانية للمطر قاله قطرب قال ابن الأنباري والمعنى من قبل نزول المطر من قبل المطر وهذا مثلما يقول القائل آتيك من قبل أن تتكلم من قبل ان تطمئن في مجلسك فلا تنكر الإعادة لاختلاف الشيئين
والثالث أن الهاء في قوله من قبله ترجع إلى الهدى وإن لم يتقدم له ذكر فيكون المعنى كانوا يقطنون من قبل نزول المطر من قبل الهدى

فلما جاء الهدى والإسلام زال القنوط ذكره ابن الأنباري عن ابي عمر الدوري وأبي جعفر بن قادم والمبلسون الآيسون وقد سبق الكلام في هذا الأنعام
فانظر إلى آثار رحمة الله قرأ أبن كثير ونافع وابو عمرو وأبو بكر عن عاصم إلى أثر وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم إلى آثار على الجمع والمراد بالرحمة هاهنا المطر وأثرها النبت والمعنى انظر إلى حسن تأثيره في الأرض كيف يحيي الارض أي كيف يجعلها تنبت بعد ان لم يكن فيها نبت وقرا عثمان بن عفان وأبو رجاء وأبو عمران الجوني وسليمان التيمي كيف تحيي بتاء مرفوعة مكسورة الياء الأرض بفتح الضاد
قوله تعالى ولئن أرسلنا ريحا أي ريحا باردة مضرة والريح إذا أتت على لفظ الواحد أريد بها العذاب ولهذا كان رسول الله ص يقول عند هبوب الريح اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا فرأوه مصفرا

يعني النبت والهاء عائدة إلى الأثر قال الزجاج المعنى فرأوا النبت قد اصفر وجف لظلوا من بعده يكفرون ومعناه ليظلن لأن معنى الكلام الشرط والجزاء فهم يستبشرون بالغيث ويكفرون إذا انقطع عنهم الغيث وجف النبت وقال غيره المراد برحمة الله المطر وظلوا بمعنى صاروا من بعده أي من بعد اصفرار النبت يجحدون ما سلف من النعمة وما بعد هذا مفسر في سورة النمل إلى قوله الله الذي خلقكم من ضعف وقد ذكرنا الكلام فيه في الأنفال قال المفسرون المعنى خلقكم من ماء ذي ضعف وهو المني ثم جعل من بعد ضعف يعني ضعف الطفولة قوة الشباب ثم جعل من بعد قوة الشباب ضعف الكبر وشيبة يخلق ما يشاء أي من ضعف وقوة وشباب وشيبة وهو العليم بتدبير خلقه القدير على ما يشاء
ويوم تقوم الساعة قال الزجاج الساعة في القرآن على معنى الساعة التي تقوم فيها القيامة فلذلك لم تعرف أي ساعة هي
قوله تعالى يقسم المجرمون أي يحلف المشركون ما لبثوا في القبور غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون قال ابن قتيبة يقال أفك الرجل إذا عدل به عن الصدق فالمعنى أنهم قد كذبوا في هذا الوقت كما كذبوا في الدنيا وقال غيره أراد الله تعالى أن يفضحهم يوم القيامة بين المؤمنين فحلفوا على شئ يبين للمؤمنين كذبهم فيه ويستدلون على كذبهم في الدنيا

ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم بقوله وقال الذين أوتوا العلم والإيمان وفيهم قولان أحدهما أنهم الملائكة والثاني المؤمنون
قوله تعالى لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فيه قولان
أحدهما أن فيه تقديما وتأخيرا تقديره وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان بالله قاله ابن جريج في جماعة من المفسرين
والثاني أنه على نظمه ثم في معناه قولان أحدهما لقد لبثتم في علم الله قاله الفراء والثاني لقد لبثتم في خبر الكتاب قاله ابن قتيبة
قوله تعالى فهذا يوم البعث أي اليوم الذي كنتم تنكرونه ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر لا تنفع بالتاء وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء لأن التأنيث غير حقيقي
قال ابن عباس لا يقبل من الذين أشركوا عذر ولا توبة
قوله تعالى ولا هم يستعتبون أي لا يطلب منهم العتبى والرجوع في الآخرة ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون
قوله تعالى ولئن جئتهم بآية أي كعصا موسى ويده ليقولن الذين كفروا إن انتم أي ما أنتم يا محمد وأصحابك إلا مبطلون أي أصحاب أباطيل وهذا بيان لعنادهم كذلك أي كما طبع على قلوبهم حتى

لا يصدقون الآيات يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون توحيد الله فالسبب في امتناع الكفار من التوحيد الطبع على قلوبهم
قوله تعالى فاصبر إن وعد الله بنصرك وإظهارك على عدوك حق ولا يستخفنك وقرأ يعقوب إلا روحا وزيدا يستخفنك بسكون النون قال الزجاج لا يستفزنك عن دينك الذين لا يوقنون أي هم ضلال شاكون وقال غيره لا يوقنون بالبعث والجزاء وزعم بعض المفسرين أن هذه الآية منسوخة

سورة لقمان
وهي مكية في قول الأكثرين وروي عن عطاء أنه قال هي مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما قوله تعالى ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والتي بعدها لقمان وروي عن الحسن أنه قال إلا آية نزلت بالمدينة وهي قوله الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة لقمان لأن الصلاة والزكاة مدنيتان بسم الله الرحمن الرحيم آلم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين

وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فانبتنا فيها من كل زوج كريم هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم
قوله تعالى هدى ورحمة وقرأ حمزة وحده ورحمة بالرفع قال الزجاج القراءة بالنصب على الحال والمعنى تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة ويجوز الرفع على إضمار هو هدى ورحمة وعلى معنى تلك هدى ورحمة وقد سبق تفسير مفتتح هذه السورة البقرة إلى قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال ابن عباس نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية مغنية وقال مجاهد نزلت في شراء القيان والمغنيات وقال ابن السائب ومقاتل نزلت في النضر بن الحارث وذلك أنه كان

تاجرا إلى فارس فكان يشتري أخبار الأعاجم فيحدث بها قريشا ويقول لهم إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستحملون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت فيه هذه الآية
وفي المراد بلهو الحديث أربعة أقوال
أحدها أنه الغناء كان ابن مسعود يقول هو الغناء والذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وبهذا قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال اللهو الطبل
والثاني أنه ما ألهى عن الله قاله الحسن وعنه مثل القول الاول
والثالث أنه الشرك قاله الضحاك
والرابع الباطل قاله عطاء
وفي معنى يشتري قولان
أحدهما يشتري بماله وحديث النضر يعضده والثاني يختار ويستحب قاله قتادة ومطر

وإنما قيل لهذه الأشياء لهو الحديث لأنها تلهي عن ذكر الله
قوله تعالى ليضل المعنى ليصير أمره إلى الضلال وقد بينا هذا الحرف في الحج
وقرأ أبو رزين والحسن وطلحة بن مصرف والأعمش وأبو جعفر ليضل بضم الياء والمعنى ليضل غيره وإذا أضل غيره فقد ضل هو ايضا
قوله تعالى ويتخذها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويتخذها برفع الذال وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بنصب الذال قال أبو علي من نصب عطف على ليضل ويتخذ ومن رفع عطفه على من يشتري ويتخذ
وفي المشار إليه بقوله ويتخذها قولان
أحدهما أنها الآيات والثاني السبيل
وما بعد هذا مفسر في مواضع قد تقدمت الاسراء الانعام البقرة الرعد النحل الشعراء إلى قوله ولقد آتينا لقمان الحكمة وفيها قولان أحدهما الفهم والعقل قاله الأكثرون والثاني النبوة وقد اختلف في نبوته على قولين
أحدهما أنه كان حكيما ولم يكن نبيا قاله سعيد بن المسيب ومجاهد وقتادة
والثاني انه كان نبيا قاله الشعبي وعكرمة والسدي هكذا حكاه

عنهم الواحدي ولا يعرف إلا ان هذا مما تفرد به عكرمة والقول الأول اصح
وفي صناعته ثلاثة أقوال
أحدها أنه كان خياطا قاله سعيد بن المسيب والثاني راعيا قاله ابن زيد والثالث نجارا قاله خالد الربعي
فأما صفته فقال ابن عباس كان عبدا حبشيا وقال سعيد بن المسيب كان لقمان أسود من سودان مصر وقال مجاهد كان غليظ الشفتين مشقق القدمين وكان قاضيا على بني إسرائيل
قوله تعالى أن اشكر لله المعنى وقلنا له ان أشكر لله على ما أعطاك من الحكمة ومن يشكر فانما يشكر لنفسه أي إنما يفعل لنفسه ومن كفر النعمة فان الله لغني عن عبادة خلقه

ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلى المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات او في الأرض يات بها الله إن الله لطيف خبير يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور
قوله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه قال مقاتل نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد شرحنا ذلك في العنكبوت
قوله تعالى حملته أمه وهنا على وهن وقرأ الضحاك وعاصم الجحدري وهنا على وهن بفتح الهاء فيهما قال الزجاج أي ضعفا على ضعف والمعنى لزمها بحملها إياه أن تضعف مرة بعد مرة وموضع أن نصب ب وصينا المعنى ووصينا الإنسان أن أشكر لي ولواليدك أي وصيناه بشكرنا وشكر والديه
قوله تعالى وفصاله في عامين أي فطامه يقع في انقضاء عامين وقرأ إبراهيم النخعي وأبو عمران والأعمش وفصاله بفتح الفاء وقرأ أبي بن كعب والحسن وأبو رجاء وطلحة بن مصرف وعاصم الجحدري وقتادة وفصله بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف والمراد التنبيه على مشقة الوالدة بالرضاع بعد الحمل

قوله تعالى وإن جاهداك قد فسرنا ذلك في سورة العنكبوت إلى قوله وصاحبهما في الدنيا معروفا قال الزجاج أي مصاحبا معروفا تقول صاحبه مصاحبا ومصاحبة والمعروف ما يستحسن من الأفعال
قوله تعالى واتبع سبيل من أناب إلي أي من رجع إلي وأهل التفسير يقولون هذه الآية نزلت في سعد وهو المخاطب بها
وفي المراد بمن أناب ثلاثة أقوال
أحدها أنه أبو بكر الصديق قيل لسعد اتبع سبيله في الإيمان هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء وقال ابن اسحاق أسلم على يدي أبي بكر الصديق عثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف والثاني أنه رسول الله ص قاله ابن السائب
والثالث من سلك طريق محمد وأصحابه ذكره الثعلبي
ثم رجع إلى الخبر عن لقمان فقال يا بني وقال ابن جرير وجه اعتراض هذه الآيات بين الخبرين عن وصية لقمان أن هذا مما أوصى به لقمان ابنه
قوله تعالى إنها أن تك مثقال حبة وقرأ نافع وحده مثقال حبة برفع اللام

وفي سبب قول لقمان لابنه هذا قولان
أحدهما أن ابن لقمان قال لأبيه أرأيت لو كانت حبة في قعر البحر أكان الله يعلمها فأجابه بهذه الآية قاله السدي
والثاني أنه قال يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله فأجابه بهذا قاله مقاتل
قال الزجاج من قرأ برفع المثقال مع تأنيث تك فلأن مثقال حبة من خردل راجع إلى معنى خردلة فهي بمنزلة إن تك حبة من خردل ومن قرأ مثقال حبة فعلى معنى إن التي سألتني عنها إن تك مثقال حبة وعلى معنى إن فعلة الإنسان وإن صغرت يأت بها الله وقد بينا معنى مثقال حبة من خردل في الأنبياء
قوله تعالى فتكن في صخرة قال قتادة في جبل وقال السدي هي الصخرة التي تحت الارض السابعة ليست في السماوات ولا في الأرض
وفي قوله يأت بها الله ثلاثة أقوال
أحدها يعلمها الله قاله أبو مالك والثاني يظهرها قاله ابن قتيبة والثالث يأت بها الله في الآخرة للجزاء عليها

إن الله لطيف قال الزجاج لطيف باستخراجها خبير بمكانها وهذا مثل لأعمال العباد والمراد أن الله تعالى يأتي بأعمالهم يوم القيامة من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
قوله تعالى واصبر على ما أصابك أي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأذى وباقي الآية مفسر في آل عمران ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
قوله تعالى ولا تصعر خدك للناس قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب تصعر بتشديد العين من غير ألف وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بألف من غير تشديد قال الفراء هما لغتان ومعناهما الإعراض من الكبر وقرأ أبي بن كعب وأبو رجاء وابن السميفع وعاصم الجحدري ولا تصعر باسكان الصاد وتخفيف العين من غير ألف وقال الزجاج معناه لا تعرض عن الناس تكبرا يقال أصاب البعير صعر إذا أصابه داء يلوي منه عنقه وقال ابن عباس هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر وقال ابو العالية ليكن الغني والفقير عندك في العلم سواء وقال مجاهد هو الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة فيراه فيعرض عنه وباقي الآية بعضه مفسر في بني إسرائيل وبعضه في سورة النساء

قوله تعالى واقصد في مشيك أي ليكن مشيك قصدا لا تخيلا ولا إسراعا قال عطاء امش بالوقار والسكينة
قوله تعالى واغضض من صوتك أي انقص منه قال الزجاج ومنه قولهم غضضت بصري وفلان يغص من فلان أي يقصر به
إن أنكر الأصوات وقرأ أبو المتوكل وابن ابي عبلة ان انكر الاصوات بفتح الهمزة ومعنى أنكر أقبح تقول أتانا فلان بوجه منكر أي قبيح وقال المبرد تأويله أن الجهر بالصوت ليس بمحمود وأنه داخل في باب الصوت المنكر وقال ابن قتيبة عرفه قبح رفع الأصوات في المخاطبة والملاحاة بقبح أصوات الحمير لأنها عالية قال ابن زيد لو كان رفع الصوت خيرا ما جعله الله للحمير وقال سفيان الثوري صياح كل شئ تسبيح لله عز و جل إلا الحمار فانه ينهق بلا فائدة
فان قيل كيف قال لصوت ولم يقل لأصوات الحمير
الجواب أن لكل جنس صوتا فكأنه قال إن أنكر أصوات الأجناس صوت هذا الجنس
ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير
قوله تعالى وأسبغ عليكم أي أوسع وأكمل نعمه قرأ نافع

وأبو عمرو وحفص عن عاصم نعمه أرادوا جميع ما انعم به وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم نعمة على التوحيد قال الزجاج هو ما أعطاهم من توحيده وروى الضحاك عن ابن عباس قال سألت رسول الله ص فقلت يا رسول الله ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة فقال أما ما ظهر فالإسلام وما سوى الله من خلقك وما أفضل عليك من الرزق وأما ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك وقال الضحاك الباطة المعرفة والظاهرة حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الاعضاء
قوله تعالى أولو كان الشيطان يدعوهم هو متروك الجواب تقديره أفتتبعونه
ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر

يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم قوله تعالى ومن يسلم وجهه وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية وقتادة ومن يسلم بفتح السين وتشديد اللام وذكر المفسرون أن قوله ومن كفر فلا يحزنك كفره منسوخ بآية السيف ولا يصح لانه تسلية عن الحزن وذلك لا ينافي الأمر بالقتال وما بعد هذا قد تقدم تفسير ألفاظه في مواضع هود 48 , العنكبوت61 , البقرة267 إلى قوله ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام وفي سبب نزولها قولان
أحدهما أن أحبار اليهود قالوا لرسول الله ص أرأيت قول الله عز و جل وما أوتيتم من العلم إلا قليلا الاسراء إيانا يريد أم قومك فقال كلا فقالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شئ فقال إنها في علم الله قليل فنزلت هذه الآية رواه سعيد ابن جبير عن ابن عباس
والثاني أن المشركين قالوا في القرآن إنما هو كلام يوشك أن ينفد وينقطع فنزلت هذه الآية قاله قتادة

ومعنى الآية لو كانت شجر الأرض أقلاما وكان البحر ومعه سبعة أبحر مدادا وفي الكلام محذوف تقديره فكتب بهذه الأقلام وهذه البحور كلمات الله لتكسرت الأقلام ونفذت البحور ولم تنفذ كلمات الله أي لم تنقطع
فأما قوله والبحر فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والبحر بالرفع ونصبه أبو عمرو وقال الزجاج من قرأ والبحر بالنصب فهو عطف على ما المعنى ولو أن ما في الأرض ولو أن البحر والرفع حسن على معنى والبحر هذه حاله قال اليزيدي ومعنى يمده من بعده يزيد فيه يقال مد قدرك أي زد في مائها وكذلك قال ابن قتيبة يمده من المداد لا من الإمداد يقال مددت دواتي بالمداد وأمددته بالمال والرجال ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة أن الله سميع بصير ألم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في

الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور
قوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة سبب نزولها أن أبي بن خلف في آخرين من قريش قالوا للنبي ص إن الله خلقنا أطوارا نطفة علقة مضغة عظاما لحما ثم تزعم أنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة فنزلت هذه الآية ومعناها ما خلقكم ايها الناس جميعا في القدرة إلا كخلق نفس واحدة ولا بعثكم جميعا في القدرة إلا كبعث نفس واحدة قاله مقاتل
وما بعد هذا قد تقدم تفسيره آل عمران الرعد الحج إلى قوله ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله قال ابن عباس من نعمه جريان الفلك ليريكم من آياته أي ليريكم من صنعته عجائبه في

البحر وابتغاء الرزق إن في ذلك لآيات لكل صبار قال مقاتل أي لكل صبور على أمر الله شكور في نعمه
قوله تعالى وإذا غشيهم يعني الكفار وقال بعضهم هو عام في الكفار والمسلمين موج كالظل قال ابن قتيبة وهي جمع ظلة يراد أن بعضه فوق بعض فله سواد من كثرته
قوله تعالى دعوا الله مخلصين له الدين وقد سبق شرح هذا يونس والمعنى أنهم لا يذكرون أصنامهم في شدائدهم إنما يذكرون الله وحده وجاء في الحديث أن عكرمة بن ابي جهل لما هرب يوم الفتح من رسول الله ص ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال اهل السفينة أخلصوا فان آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا فقال عكرمة ما هذا الذي تقولون فقالوا هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله فقال هذا إله محمد الذي كان يدعونا إليه لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره ارجعوا بنا فرجع فأسلم
قوله تعالى فمنهم مقتصد فيه ثلاثة أقوال
أحدها مؤمن قاله الحسن
والثاني مقتصد في قوله وهو كافر قاله مجاهد يعني أنه يعترف بأن الله وحده القادر على إنجائه وإن كان مضمرا للشرك
والثالث أنه العادل في الوفاء بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد قاله مقاتل
فأما الختار فقال الحسن هو الغدار قال ابن قتيبة الختر أقبح الغدر وأشده

يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس باي أرض تموت إن الله عليم خبير
قوله تعالى يا أيها الناس اتقوا ربكم قال المفسرون هذا خطاب لكفار مكة وقوله لا يجزي والد عن ولده أي لا يقضي عنه شيئا من جنايته ومظالمه قال مقاتل وهذا يعني به الكفار وقد شرحنا هذا في البقرة قال الزجاج وقوله هو جاز جاءت في المصاحف بغير ياء والأصل جازي بضمة وتنوين وذكر سيبويه والخليل أن الإختيار في الوقف هو جاز بغير ياء هكذا وقف الفصحاء من العرب ليعلموا أن هذه الياء تسقط في الوصل وزعم يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقف بياء ولكن الاختيار اتباع المصحف
قوله تعالى إن وعد الله حق أي بالبعث والجزاء فلا تغرنكم الحياة الدنيا بزينتها عن الاسلام والتزود لللآخرة ولا يغرنكم بالله أي بحلمه وإمهاله الغرور يعني الشيطان وهو الذي من شأنه أن يغر قال الزجاج الغرور على وزن الفعول وفعول من أسماء المبالغة يقال فلان أكول إذا كان كثير الأكل وضروب إذا كان كثير الضرب فقيل للشيطان غرور لأنه يغر كثيرا وقال ابن قتيبة الغرور بفتح الغين الشيطان وبضمها الباطل
قوله تعالى إن الله عنده علم الساعة سبب نزولها أن رجلا من

أهل البادية جاء إلى النبي ص فقال إن امرأتي حبلى فأخبرني ما ذا تلد وبلدنا مجدب فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى اموت فنزلت هذه الآية قاله مجاهد
ومعنى الآية إن الله عز و جل عنده علم الساعة متى تقوم لا يعلم سواه ذلك وينزل الغيث وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وينزل بالتشديد فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث أليلا أم نهارا ويعلم ما في الأرحام لا يعلم سواه ما فيها أذكرا أم أنثى أبيض أو أسود وما تدري نفس ماذا تكسب غدا أخيرا أم شرا وما تدري نفس بأي أرض تموت أي بأي مكان وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب

وابن أبي عبلة بأية أرض بتاء مكسورة والمعنى ليس أحد يعلم أين مضجعه من الأرض حتى يموت أفي بر او بحر او سهل أو جبل وقال ابو عبيدة يقال بأي أرض كنت وبأية ارض كنت لغتان وقال الفراء من قال باي أرض اجتزأ بتأنيث الارض من ان يظهر في أي تأنيثا آخر قال ابن عباس هذه الخمس لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل مصطفى قال الزجاج فمن أدعى أنه يعلم شيئا من هذه كفر بالقرآن لأنه خالفه

سورة السجدة
وتسمى سورة المضاجع وهي مكية باجماعهم
وقال الكلبي فيها من المدني ثلاث آيات أولها قوله أفمن كان مؤمنا السجدة وقال مقاتل فيها آية مدنية وهي قوله تتجافى جنوبهم الآية السجدة وقال غيرهما فيها خمس آيات مدنيات أولها تتجافى جنوبهم السجدة بسم الله الرحمن الرحيم آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون الله الذي خلق السماوات

والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون
قوله تعالى تنزيل الكتاب لا ريب فيه قال مقاتل المعنى لا شك فيه أنه تنزيل من رب العالمين
أم يقولون بل يقولون يعني المشركين افتراه محمد من تلقاء نفسه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما اتاهم من نذير من قبلك يعني العرب الذين أدركوا رسول الله ص لم يأتهم نذير من قبل محمد عليه السلام وما بعده قد سبق تفسيره الاعراف إلى قوله ما لكم من دونه من ولي يعني الكفار يقول ليس لكم من دونه عذابه من ولي أي قريب يمنعكم فيرد عذابه عنكم ولا شفيع يشفع لكم أفلا تتذكرون فتؤمنوا يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون
قوله تعالى يدبر الامر من السماء إلى الأرض في معنى الآية قولان احدهما يقضي القضاء من السماء فينزله مع الملائكة إلى الأرض ثم يعرج الملك إليه في يوم من ايام الدنيا فيكون الملك قد قطع في يوم واحد من ايام الدنيا في نزوله وصعوده مسافة ألف سنة من مسيرة الآدمي
والثاني يدبر امر الدنيا مدة ايام الدنيا فينزل القضاء والقدر من

السماء إلى الارض ثم يعرج إليه أي يعود إليه الأمر والتدبير حين ينقطع أمر الأمراء وأحكام الحكام وينفرد الله تعالى بالأمر في يوم كان مقداره ألف سنة وذلك في يوم القيامة لأن كل يوم من أيام الآخرة كألف سنة
وقال مجاهد يقضي أمر ألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى الملائكة فاذا مضت قضى لألف سنة آخرى ثم كذلك أبدا
وللمفسرين في المراد بالأمر ثلاثة أقوال
أحدها أنه الوحي قاله السدي والثاني القضاء قاله مقاتل والثالث أمر الدنيا
ويعرج بمعنى يصعد قال الزجاج يقال عرجت في السلم أعرج وعرج الرجل يعرج إذا صار أعرج
وقرأ معاذ القارئ وابن السميفع وابن أبي عبلة ثم يعرج إليه بياء مرفوعة وفتح الراء وقرأ ابو المتوكل وأبو الجوزاء يعرج بياء مفتوحة وكسر الراء وقرأ أبو عمران الجوني وعاصم الجحدري ثم تعرج بتاء مفتوحة ورفع الراء
قوله تعالى الذي أحسن كل شئ خلقه فيه خمسة أقوال
أحدها جعله حسنا والثاني أحكم كل شئ رويا عن ابن عباس وبالاول قال قتادة وبالثاني قال مجاهد والثالث أحسنه لم يتعلمه من احد كما يقال فلان يحسن كذا إذا علمه قاله السدي ومقاتل والرابع

أن المعنى ألهم خلقه كل ما يحتاجون إليه كأنه أعلمهم كل ذلك وأحسنهم قاله الفراء والخامس أحسن إلى كل شئ خلقه حكاه الماوردي
وفي قوله خلقه قراءتان قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر خلقه ساكنة اللام وقرأ الباقون بتحريك اللام وقال الزجاج فتحها على الفعل الماضي وتسكينها على البدل فيكون المعنى أحسن خلق كل شئ والعرب تفعل مثل هذا يقدمون ويؤخرون
قوله تعالى وبدأ خلق الإنسان يعني آدم ثم جعل نسله أي ذريته وولده وقد سبق شرح الآية المؤمنون
ثم رجع إلى آدم فقال ثم سواه ونفخ فيه من روحه وقد سبق بيان ذلك الحجر ثم عاد إلى ذريته فقال وجعل لكم السمع والأبصار أي بعد كونكم نطفا وقالوا ءإذا ضللنا في الأرض ءإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون قل يتوفكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون
قوله تعالى وقالوا يعني منكري البعث أإذا ضللنا في الأرض وقرا علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين وجعفر بن محمد وابو رجاء وأبو مجلز وحميد وطلحة ضللنا بضاد معجمة مفتوحة وكسر اللام الأولى قال الفراء ضللنا وضللنا لغتان إذا صارت عظامنا ولحومنا ترابا

كالأرض تقول ضل الماء في اللبن وضل الشئ في الشئ إذا أخفاه وغلب عليه وقرأ أبو نهيك وأبو المتوكل وأبو الجوزاء وأبو حيوة وابن ابي عبلة ضللنا بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى وكسرها وقرأ الحسن وقتادة ومعاذ القارئ صللنا بصاد غير معجمة مفتوحة وذكر لها الزجاج معنيين أحدهما أنتنا وتغيرنا وتغيرت صورنا يقال صل اللحم وأصل إذا أنتن وتغير والثاني صرنا من جنس الصلة وهي الأرض اليابسة
قوله تعالى أإئنا لفي خلق جديد هذا استفهام إنكار
قوله تعالى الذي وكل بكم أي بقبض أرواحكم ثم إلى ربكم ترجعون يوم الجزاء
ثم اخبر عن حالهم في القيامة فقال ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم أي مطأطئوها حياء وندما ربنا فيه إضمار يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا أي علمنا صحة ما كنا به مكذبين فارجعنا إلى الدنيا وجواب لو متروك تقديره لو رأيت حالهم لرأيت ما يعتبر به ولشاهدت العجب ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم

ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون
قوله تعالى ولكن حق القول مني أي وجب وسبق والقول هو قوله لإبليس لاملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين قوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين أي من كفار الفريقين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا قال مقاتل إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة فذوقوا العذاب وقال غيره إذا اصطرخوا فيها قيل لهم ذوقوا بما نسيتم أي بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا إنا نسيناكم أي تركناكم من الرحمة
قوله تعالى إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها أي وعظوا بها خروا سجدا أي سقطوا على وجوههم ساجدين وقيل المعنى إنما يؤمن بفرائضنا من الصلاوات الخمس الذين إذا ذكروا بها بالأذان والإقامة خروا سجدا
قوله تعالى تتجافى جنوبهم اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال
أحدها أنها نزلت في المتهجدين بالليل روى معاذ بن جبل عن رسول الله ص في قوله تتجافى جنوبهم قال قيام العبد من الليل وفي

لفظ آخر أنه قال لمعاذ إن شئت أنبأتك بأبواب الخير قال قلت أجل يا رسول الله قال الصوم جنة والصدقة تكفر الخطيئة وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله ثم قرأ تتجافى جنوبهم عن المضاجع وكذلك قال الحسن ومجاهد وعطاء وأبو العالية وقتادة وابن زيد أنها في

قيام الليل وقد روى العوفي عن ابن عباس قال تتجافى جنوبهم لذكر الله كلما استيقظوا ذكروا الله إما في الصلاة وإما في قيام او في قعود أو على جنوبهم فهم لا يزالون يذكرون الله عز و جل
والثاني أنها نزلت في ناس من اصحاب رسول الله ص كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء قاله انس بن مالك
والثالث أنها نزلت في صلاة العشاء كان أصحاب رسول الله ص لا ينامون حتى يصلوها قاله ابن عباس
والرابع انها صلاة العشاء والصبح في جماعة قاله ابو الدرداء والضحاك
ومعنى تتجافى ترتفع والمضاجع جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه
يدعون ربهم خوفا من عذابه وطمعا في رحمته وثوابه ومما رزقناهم ينفقون في الواجب والتطوع
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم وأسكن ياء أخفي حمزة ويعقوب قال الزجاج في هذا دليل على أن المراد بالآية التي قبلها الصلاة في جوف الليل لأنه عمل يستر الإنسان به فجعل لفظ ما يجازي به أخفي لهم فاذا فتحت ياء أخفي فعلى تأويل الفعل الماضي وإذا أسكنتها فالمعنى ما أخفي انا لهم إخبار عن الله تعالى وكذلك قال الحسن البصري أخفي لهم بالخفية خفية وبالعلانية علانية وروى أبو هريرة عن رسول الله ص قال يقول الله عز و جل أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرؤوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم

قوله تعالى من قرة اعين وقرا أبو الدرداء وأبو هريرة وأبو عبد الرحمن السلمي والشعبي وقتادة من قرات اعين بألف على الجمع أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون اما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا ان يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون
قوله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا في سبب نزولها قولان
احدهما ان الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال لعلي بن أبي طالب أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك فقال له علي اسكت فانما أنت فاسق فنزلت هذه الآية فعنى بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد

رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال عطاء بن يسار وعبد الرحمن ابن ابي ليلى ومقاتل
والثاني أنها نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل قاله شريك
قوله تعالى لا يستوون قال الزجاج المعنى لا يستوي المؤمنون والكافرون ويجوز ان يكون لاثنين لأن معنى الاثنين جماعة وقد شهد الله بهذا الكلام لعلي عليه السلام بالايمان وأنه في الجنة لقوله أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف جنة المأوى على التوحيد
قوله تعالى نزلا وقرأ الحسن والنخعي والاعمش وابن ابي عبلة نزلا بتسكين الزاي وما بعد هذا قد سبق بيانه الحج إلى قوله ولنذيقنهم من العذاب الأدنى وفيه ستة أقوال
أحدها أنه ما أصابهم يوم بدر رواه مسروق عن ابن مسعود وبه قال قتادة والسدي
والثاني سنون أخذوا بها رواه ابو عبيدة عن ابن مسعود وبه قال النخعي وقال مقاتل أخذوا بالجوع سبع سنين
والثالث مصائب الدنيا قاله ابي بن كعب وابن عباس في رواية ابن ابي طلحة وأبو العالية والحسن وقتادة والضحاك
والرابع الحدود رواه عكرمة عن ابن عباس
والخامس عذاب القبر قاله البراء
والسادس القتل والجوع قاله مجاهد

قوله تعالى دون العذاب الأكبر أي قبل العذاب الأكبر وفيه قولان احدهما أنه عذاب يوم القيامة قاله ابن مسعود والثاني أنه القتل ببدر قاله مقاتل
قوله تعالى لعلهم يرجعون قال أبو العالية لعلهم يتوبون وقال ابن مسعود لعل من بقي منهم يتوب وقال مقاتل لكي يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان
قوله تعالى ومن اظلم قد فسرناه في الكهف
قوله تعالى إنا من المجرمين منتقمون قال زيد بن رفيع هم اصحاب القدر وقال مقاتل هم كفار مكة انتقم الله منهم بالقتل ببدر وضربت الملائكة وجوههم وأدبارهم وعجل أرواحهم إلى النار ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات

أفلا يسمعون اولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون
قوله تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب يعني التوراة فلا تكن في مرية من لقائه فيه أربعة أقوال
أحدها فلا تكن في مرية من لقاء موسى ربه رواه ابن عباس عن رسول الله ص
والثاني من لقاء موسى ليلة الإسراء قاله أبو العالية ومجاهد وقتادة وابن السائب
والثالث فلا تكن في شك من لقاء الأذى كما لقي موسى قاله الحسن
والرابع لا تكن في مرية من تلقى موسى كتاب الله بالرضى والقبول قاله السدي قال الزجاج وقد قيل فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب فتكون الهاء للكتاب وقال ابو علي الفارسي المعنى من لقاء موسى الكتاب فأضيف المصدر إلى ضمير الكتاب وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أمر به وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل

وفي قوله وجعلناه هدى قولان أحدهما الكتاب قاله الحسن والثاني موسى قاله قتادة
وجعلنا منهم أي من بني إسرائيل أئمة أي قادة في الخير يهدون بأمرنا أي يدعون الناس إلى طاعة الله لما صبروا قرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر لما صبروا بفتح اللام وتشديد الميم وقرأ حمزة والكسائي لما بكسر اللام خفيفة وقرا ابن مسعود بما بباء مكان اللام والمراد صبرهم على دينهم وأذى عدوهم وكانوا بآياتنا يوقنون أنها من الله عز و جل وفيهم قولان أحدهما أنهم الأنبياء والثاني أنهم قوم صالحون سوى الأنبياء وفي هذا تنبيه لقريش انكم إن أطعتم جعلت منكم أئمة
قوله تعالى إن ربك هو يفصل بينهم أي يقضي ويحكم وفي المشار إليهم قولان أحدهما أنهم الأنبياء وأممهم والثاني المؤمنون والمشركون
ثم خوف كفار مكة بقوله أو لم يهد لهم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي نهد بالنون وقد سبق تفسيره في طه
او لم يروا أنا نسوق الماء يعني المطر والسيل إلى الأرض الجرز وهي التي لا تنبت وقد ذكرناها في أول الكهف فاذا جاء الماء أنبت فيها ما يأكل الناس والأنعام
ويقولون يعني كفار مكة متى هذا الفتح وفيه أربعة أقوال
أحدها أنه ما فتح يوم بدر روى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال يوم بدر فتح للنبي ص فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت
والثاني أنه يوم القيامة وهو يوم الحكم بالثواب والعقاب قاله مجاهد

والثالث أنه اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب في الدنيا قاله السدي
والرابع فتح مكة قاله ابن السائب والفراء وابن قتيبة وقد اعترض على هذا القول فقيل كيف لا ينفع الكفار إيمانهم يوم الفتح وقد أسلم جماعة وقبل إسلامهم يومئذ فعنه جوابان
أحدهما لا ينفع من قتل من الكفار يومئذ إيمانهم بعد الموت وقد ذكرناه عن ابن عباس وقد ذكر أهل السير أن خالدا دخل يوم الفتح من غير الطريق التي دخل منها رسول الله ص فلقيه صفوان بن أمية وسهيل ابن عمرو في آخرين فقاتلوه فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم فقتل أربعة وعشرين من قريش وأربعة من هذيل وانهزموا فلما ظهر رسول الله ص قال ألم أنه عن القتال فقيل إن خالدا قوتل فقاتل
والثاني لا ينفع الكفار ما أعطوا من الأمان لأن النبي ص قال

من اغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن قال الزجاج يقال آمنت فلانا إيمانا فعلى هذا يكون المعنى لا يدفع هذا الأمان عنهم عذاب الله وهذا القول الذي قد دافعنا عنه ليس بالمختار وإنما بينا وجهه لانه قد قيل
وقد خرج بما ذكرنا في الفتح قولان أحدهما أنه الحكم والقضاء وهو الذي نختاره والثاني فتح البلد
قوله تعالى فأعرض عنهم وانتظر أي انتظر عذابهم إنهم منتظرون بك حوادث الدهر قال المفسرون وهذه الآية منسوخة بأية السيف

سورة الأحزاب
وهي مدنية باجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللاءي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
قوله تعالى يا أيها النبي اتق الله سبب نزولها أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن ابي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا على رسول الله ص في الموادعة التي كانت بينهم فنزلوا على عبد الله بن ابي ومتعب بن قشير والجد بن قيس فتكلموا فيما بينهم وأتوا رسول الله ص فدعوه إلى أمرهم

وعرضوا عليه أشياء كرهها فنزلت هذه الآية رواه أبو صالح عن ابن عباس قال مقاتل سألوا رسول الله ص أن يرفض ذكر اللات والعزى ويقول إن لها شفاعة فكره ذلك ونزلت هذه الآية وقال ابن جرير ولا تطع الكافرين الذين يقولون اطرد عنا أتباعك من ضعفاء المسلمين والمنافقين فلا تقبل منهم رأيا
فإن قيل ما الفائدة في أمر الله تعالى رسوله بالتقوى وهو سيد المتقين فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها أن المراد بذلك استدامة ما هو عليه والثاني الإكثار مما هو فيه والثالث أنه خطاب ووجه به والمراد أمته
قال الفسرون وأراد بالكافرين في هذه الآية أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور وبالمنافقين عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعد بن ابي سرح وطعمة بن أبيرق وما بعد هذا قد سبق بيانه النساء إلى قوله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وفي سبب نزولها قولان
أحدهما أن المنافقين كانوا يقولون لمحمد قلبان قلب معنا وقلب مع أصحابه فأكذبهم الله تعالى ونزلت هذه الآية قاله ابن عباس

والثاني أنها نزلت في جميل بن معمر الفهري كذا نسبه جماعة من المفسرين وقال الفراء جميل بن أسد ويكنى أبا معمر وقال مقاتل أبو معمر بن أنس الفهري وكان لبيبا حافظا لما سمع فقالت قريش ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان في جوفه وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما افضل من عقل محمد فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم يومئذ جميل بن معمر تلقاه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له ما حال الناس فقال انهزموا قال فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك قال ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده وهذا قول جماعة من المفسرين وقد قال الزهري في هذا قولا عجيبا قال بلغنا أن ذلك في زيد ابن حارثة ضرب له مثل يقول ليس ابن رجل آخر ابنك قال الأخفش من زائدة في قوله من قلبين

قال الزجاج أكذب الله عز و جل هذا الرجل الذي قال لي قلبان ثم قرر بهذا الكلام ما يقوله المشركون وغيرهم مما لا حقيقة له فقال وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم فأعلم الله تعالى ان الزوجة لا تكون اما وكانت الجاهلية تطلق بهذا الكلام وهو أن يقول لها انت علي كظهر أمي وكذلك قوله وما جعل أدعياءكم أبناءكم أي ما جعل من تدعونه ابنا وليس بولد في الحقيقة ابنا ذلكم قولكم بأفواهكم أي نسب من لا حقيقة لنسبة قول بالفم لا حقيقة تحته والله يقول الحق أي لا يجعل غير الابن ابنا وهو يهدي السبيل أي للسبيل المستقيم

وذكر المفسرون أن قوله وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن نزلت في اوس بن الصامت وامرأته خولة بنت ثعلبة
ومعنى الكلام ما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن كامهاتكم في التحريم إنما قولكم معصية وفيه كفارة وأزواجكم لكم حلال وسنشرح هذا في سورة المجادلة إن شاء الله وذكروا أن قوله وما جعل أدعياءكم ابناءكم نزل في زيد بن حارثة أعتقه رسول الله ص وتبناه قبل الوحي فلما تزوج رسول الله ص زينب بنت جحش قال اليهود والمنافقون تزوج محمد امراة ابنه وهو ينهى الناس عنها فنزلت هذه الآية أدعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا
قوله تعالى أدعوهم لآبائهم قال ابن عمر ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت أدعوهم لآبائهم

قوله تعالى هو أقسط أي أعدل فان لم تعلموا آباءهم أي إن لم تعرفوا آباءهم فاخوانكم أي فهم إخوانكم فليقل أحدكم يا أخي ومواليكم قال الزجاج أي بنو عمكم ويجوز أن يكون مواليكم أولياءكم في الدين
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به فيه ثلاثة أقوال
أحدها فيما أخطأتم به قبل النهي قاله مجاهد
والثاني في دعائكم من تدعونه إلى غير أبيه وأنتم ترونه كذلك قاله قتادة
والثالث فيما سهوتم فيه قاله حبيب بن أبي ثابت
فعلى الأول يكون معنى قوله ولكن ما تعمدت قلوبكم أي بعد النهي وعلى الثاني والثالث ما تعمدت في دعاء الرجل إلى غير أبيه
قوله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم أي احق فله أن يحكم فيهم بما يشاء قال ابن عباس إذا دعاهم إلى شئ ودعتهم أنفسهم إلى شئ كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم وهذا صحيح فان أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم والرسول يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم

قوله تعالى وأزواجه أمهاتهم أي في تحريم نكاحهن على التأبيد ووجوب إجلالهن وتعظيمهن ولا تجري عليهن أحكام الامهات في كل شئ إذ لو كان كذلك لما جاز لأحد أن يتزوج بناتهن ولورثن المسلمين ولجازت الخلوة بهن وقد روى مسروق عن عائشة أن أمرأة قالت يا أماه فقالت لست لك بأم إنما أنا ام رجالكم فبان بهذا الحديث أن معنى الأمومة تحريم نكاحهن فقط وقال مجاهد وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم وما بعد هذا مفسر

في آخر الأنفال إلى قوله تعالى من المؤمنين والمهاجرين والمعنى أن ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من أن يرثوا بالإيمان والهجرة كما كانوا يفعلون قبل النسخ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا وهذا استثناء ليس من الأول والمعنى لكن فعلكم إلى أوليائكم معروفا جائز وذلك أن الله تعالى لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح الوصية للمعاقدين فللانسان ان يوصي لمن يتولاه بما أحب من ثلثه فالمعروف ها هنا الوصية
قوله تعالى كان ذلك يعني نسخ الميراث بالهجرة ورده إلى ذوي الأرحام في الكتاب يعني اللوح المحفوظ مسطورا أي مكتوبا وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسئل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا
قوله تعالى وإذ أخذنا المعنى واذكر إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم أي عهدهم وفيه قولان
أحدهما أخذ ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا قاله قتادة
والثاني أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادته ويصدق بعضهم بعضا وأن ينصحوا لقومهم قاله مقاتل

وهذا الميثاق أخذ منهم حين أخرجوا من ظهر آدم كالذر قال ابي بن كعب لما أخذ ميثاق الخلق خص النبيين بميثاق آخر
فان قيل لم خص الأنبياء الخمسة بالذكر دون غيرهم من الأنبياء
فالجواب أنه نبه بذلك على فضلهم لانهم أصحاب الكتب والشرائع وقدم نبينا ص بيانا لفضله عليهم قال قتادة كان نبينا أول النبيين في الخلق
وقوله ميثاقا غليظا أي شديدا على الوفاء بما حملوا وذكر المفسرون أن ذلك العهد الشديد اليمين بالله عز و جل

ليسأل الصادقين يقول أخذنا ميثاقهم لكي نسأل الصادقين وهم الأنبياء عن صدقهم في تبليغهم ومعنى سؤال الأنبياء وهو يعلم صدقهم تبكيت مكذبيهم وها هنا تم الكلام ثم أخبر بعد ذلك عما أعد للكافرين بالرسل
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود وهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أيام الخندق
الإشارة إلى القصة
ذكر أهل العلم بالسيرة ان رسول الله صلى الله عليه و سلم لما اجلي بني النضير ساروا إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج لقتاله ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسليم ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف وخرجوا يقودهم أبو سفيان ووافتهم بنو سليم ب مر الظهران وخرجت بنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة فكان جميع من وافى الخندق من القبائل عشرة آلاف وهم الأحزاب فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خروجهم من مكة أخبر الناس خبرهم وشاورهم فأشار سلمان بالخندق فأعجب ذلك المسلمين وعسكر بهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى سفح سلع وجعل سلعا خلف ظهره ودس أبو سفيان بن حرب حيي ابن اخطب إلى بني قريظة يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم ويكونوا معهم عليه فأجابوا واشتد الخوف وعظم البلاء ثم جرت بينهم مناوشة وقتال وحصر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه بضع عشرة ليلة حتى خلص

إليهم الكرب وكان نعيم بن مسعود الاشجعي قد أسلم فمشى بين قريش وقريظة وغطفان فخذل بينهم فاستوحش كل منهم من صاحبه واعتلت قريظة بالسبت فقالوا لا نقاتل فيه وهبت ليلة السبت ريح شديدة فقال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله لستم بدار مقام لقد هلك الخف والحافر وأجدب الجناب وأخلفتنا قريظة ولقينا من الريح ما ترون فارتحلوا فاني مرتحل فأصبحت العساكر قد أقشعت كلها قال مجاهد والريح التي أرسلت عليهم هي الصبا حتى أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم والجنود الملائكة ولم تقاتل يومئذ وقيل إن الملائكة جعلت تقلع أوتادهم وتطفئ نيرانهم وتكبر في جوانب عسكرهم فاشتدت عليهم فانهزموا من غير قتال
قوله تعالى لم تروها وقرأ النخعي والجحدري والجوني وابن السميفع لم يروها بالياء وكان الله بما تعملون بصيرا وقرأ أبو عمرو يعملون بالياء اذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

قوله تعالى إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم أي من فوق الوادي ومن أسفله وإذا زاغت الأبصار أي مالت وعدلت فلم تنظر إلى شئ إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب وبلغت القلوب الحناجر وهي جمع حنجرة والحنجرة جوف الحلقوم قال قتادة شخصت عن مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها ان تخرج لخرجت وقال غيره المعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فيرتفع حينئذ القلب إلى الحنجرة وهذا المعنى مروي عن ابن عباس والفراء وذهب ابن قتيبة إلى أن المعنى كادت القلوب تبلغ الحلوق من الخوف وقال ابن الأنباري كاد لا يضمر ولا يعرف معناه إذا لم ينطق به
قوله تعالى وتظنون بالله الظنونا قال الحسن اختلفت ظنونهم فظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون وظن المؤمنون أنه ينصر
قرأ ابن كثير والكسائي وحفص عن عاصم الظنونا والرسولا الأحزاب و السبيلا الأحزاب بألف إذا وقفوا عليهن وبطرحها في الوصل وقال هبيرة عن حفص عن عاصم وصل أو وقف بالف وقرا نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بالألف فيهن وصلا ووقفا وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بغير ألف في وصل ولا وقف قال الزجاج والذي عليه حذاق النحويين والمتبعون السنة من قرائهم أن يقرؤوا الظنونا ويقفون على الألف ولا يصلون وإنما فعلوا ذلك لأن أواخر الآيات عندهم فواصل يثبتون في آخرها الألف في الوقف
قوله تعالى هنالك أي عند ذلك ابتلى المؤمنون أي اختبروا بالقتال والحصر ليتبين المخلص من المنافق وزلزلوا أي ازعجوا وحركوا

بالخوف فلم يوجدوا إلا صابرين وقال الفراء حركوا إلى الفتنة تحريكا فعصموا
قوله تعالى وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض فيه قولان
أحدهما أنه الشرك قاله الحسن والثاني النفاق قاله قتادة ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا قال المفسرون قالوا يومئذ إن محمدا يعدنا أن نفتح مدائن كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع ان يجاوز رحله هذا والله الغرور وزعم ابن السائب أن قائل هذا معتب بن قشير
وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤلا قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا
قوله تعالى وإذ قالت طائفة منهم يعني من المنافقين وفي القائلين لهذا منهم قولان أحدهما عبد الله بن ابي وأصحابه قاله السدي والثاني بنو سالم من المنافقين قاله مقاتل
قوله تعالى يا أهل يثرب قال أبو عبيدة يثرب اسم أرض ومدينة النبي صلى الله عليه و سلم في ناحية منها

قوله تعالى لا مقام لكم وقرأ حفص عن عاصم لا مقام بضم الميم قال الزجاج من ضم الميم فالمعنى لا إقامة لكم ومن فتحها فالمعنى لا مكان لكم تقيمون فيه وهؤلاء كانوا يثبطون المؤمنين عن النبي صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى فارجعوا أي إلى المدينة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج بالمسلمين حتى عسكروا ب سلع وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم فقال المنافقون للناس ليس لكم هاهنا مقام لكثرة العدو وهذا قول الجمهور وحكى الماوردي قولين آخرين
أحدهما لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب قاله الحسن
والثاني لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان قاله الكلبي
قوله تعالى ويستأذن فريق منهم النبي فيه قولان
أحدهما أنهم بنو حارثة قاله ابن عباس وقال مجاهد بنو حارثة ابن الحارث بن الخزرج وقال السدي إنما استأذنه رجلان من بني حارثة
والثاني بنو حارثة وبنو سلمة بن جشم قاله مقاتل
قوله تعالى إن بيوتنا عورة قال ابن قتيبة أي خالية فقد

امكن من أراد دخولها وأصل العورة ما ذهب عنه الستر والحفظ فكأن الرجال ستر وحفظ للبيوت فاذا ذهبوا أعورت البيوت تقول العرب أعور منزلي إذا ذهب ستره أو سقط جداره وأعور الفارس إذا بان منه موضع خلل للضرب والطعن يقول الله وما هي بعورة لأن الله يحفظها ولكن يريدون الفرار وقال الحسن ومجاهد قالوا بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق وقال قتادة قالوا بيوتنا مما يلي العدو ولا نأمن على أهلنا فكذبهم الله وأعلم أن قصدهم الفرار
قوله تعالى ولو دخلت عليهم من أقطارها يعني المدينة والأقطار النواحي والجوانب واحدها قطر ثم سئلوا الفتنة وقرأ علي بن ابي طالب عليه السلام والضحاك والزهري وابو عمران وأبو جعفر وشيبة ثم سيلوا برفع السين وكسر الياء من غير همز وقرأ أبي بن كعب ومجاهد وأبو الجوزاء ثم سوءلوا برفع السين ومد الواو بهمزة مكسورة بعدها وقرأ الحسن وأبو الأشهب ثم سولوا برفع السين وسكون الواو من غير مد ولا همز وقرا الأعمش وعاصم الجحدري ثم سيلوا بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو ومعنى سئلوا الفتنة أي سئلوا فعلها والفتنة الشرك لآتوها قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر لاتوها بالقصر أي لقصدوها ولفعلوها وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي لآتوها بالمد أي لاعطوها قال ابن عباس في معنى الآية لو ان الأحزاب دخلوا المدينة ثم امروهم بالشرك لأشركوا
قوله تعالى وما تلبثوا بها إلا يسيرا فيه قولان
أحدهما وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا قاله قتادة

والثاني وما تلبثوا بالمدينة بعد الإجابة إلا يسيرا حتى يعذبوا قاله السدي وحكى ابو سليمان الدمشقي في الآية قولا عجيبا وهو ان الفتنة هاهنا الحرب والمعنى ولو دخلت المدينة على أهلها من أقطارها ثم سئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادرين وما تلبثوا يعني الجيوش الداخلة عليهم بها إلا قليلا حتى يخرجوهم منها وإنما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشك في دينك قال وهذا المعنى حفظته من كتاب الواقدي
قوله تعالى ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال
أحدها أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر فلما علموا ما اعطى الله اهل بدر من الكرامة قالوا لئن شهدنا قتالا لنقاتلن قاله قتادة

والثاني أنهم أهل العقبة وهم سبعون رجلا بايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم على طاعة الله ونصرة رسوله قاله مقاتل
والثالث أنه لما نزل بالمسلمين يوم أحد ما نزل عاهد الله معتب بن قشير وثعلبة بن حاطب لا نولي دبرا قط فلما كان يوم الأحزاب نافقا قاله الواقدي واختاره ابو سليمان الدمشقي وهو اليق مما قبله وإذا كان الكلام في حق المنافقين فكيف يطلق القول على أهل العقبة كلهم
قوله تعالى وكان عهد الله مسؤولا أي يسألون عنه في الآخرة
ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم فقال قل لن ينفعك الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون بعد الفرار في الدنيا إلا قليلا وهو باقي آجالكم
ثم أخبر ان ما قدره عليهم لا يدفع بقوله من ذا الذي يعصمكم من الله أي يجيركم ويمنعكم منه إن أراد بكم سوءا وهو الإهلاك والهزيمة والبلاء او اراد بكم رحمة وهي النصر والعافية والسلامة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا أي لا يجدون مواليا ولا ناصرا يمنعهم من مراد الله فيهم
قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فاذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور اعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فاذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير اولئك لم يؤمنوا فأحبط الله اعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب

يودوا لو انهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ولما رأ المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما
قوله تعالى قد يعلم الله المعوقين منكم في سبب نزولها قولان
احدهما ان رجلا انصرف من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاحزاب فوجد أخاه لأمه وابيه وعنده شواء ونبيذ فقال له انت هاهنا ورسول الله بين الرماح والسيوف فقال هلم إلي لقد أحيط بك وبصاحبك والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا فقال له كذبت والذي يحلف به اما والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه و سلم بأمرك فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ليخبره فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إلى قوله يسيرا هذا قول ابن زيد
والثاني أن عبد الله بن ابي ومعتب بن قشير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إلى المدينة كانوا إذا جاءهم منافق قالوا له ويحك اجلس فلا تخرج ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فانا ننتظركم يثبطونهم عن القتال وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن لا يجدوا بدا فيأتون العسكر ليرى الناس وجوههم فاذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة فنزلت هذه الآية قاله ابن السائب
والمعوق المثبط تقول عاقني فلان واعتاقني وعوقني إذا

منعك عن الوجه الذي تريده وكان المنافقون يعوقون عن رسول الله صلى الله عليه و سلم نصاره
قوله تعالى والقائلين لإخوانهم هلم إلينا فيهم ثلاثة أقوال
أحدها أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد
والثاني أنهم اليهود دعوا إخوانهم من المنافقين إلى ترك القتال قاله مقاتل
والثالث أنهم المنافقون دعوا المسلمين إليهم عن رسول الله ص حكاه الماوردي
قوله تعالى ولا يأتون البأس أي لا يحضرون القتال في سبيل الله إلا قليلا للرياء والسمعة من غير احتساب ولو كان ذلك القليل لله لكان كثيرا
قوله تعالى أشحة عليكم قال الزجاج هو منصوب على الحال المعنى لا يأتون الحرب إلا تعذيرا بخلاء عليكم
وللمفسرين فيما شحوا به اربعة أقوال أحدها أشحة بالخير قاله مجاهد

والثاني بالنفقة في سبيل الله والثالث بالغنيمة رويا عن قتادة وقال الزجاج بالظفر والغنيمة والرابع بالقتال معكم حكاه الماوردي
ثم أخبر عن جبنهم فقال فإذا جاء الخوف أي إذا حضر القتال رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت وهو الذي دنا موته وغشيته أسبابه فانه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره فلا يطرف فكذلك هؤلاء لأنهم يخافون القتل
فاذا ذهب الخوف سلقوكم قال الفراء آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة حداد سليطة ذربة والعرب تقول صلقوكم بالصاد ولا يجوز في القراءة وهذا قول الفراء وقد قرأ بالصاد أبي بن كعب وأبو الجوزاء وأبو عمران الجوني وابن ابي عبلة في آخرين وقال الزجاج معنى سلقوكم خاطبوكم اشد مخاطبة وأبلغها في الغنيمة يقال خطيب مسلاق إذا كان بليغا في خطبته أشحة على الخير أي خاطبوكم وهم أشحة على المال والغنيمة قال قتادة إذا كان وقت قسمة الغنيمة بسطوا ألسنتهم فيكم يقولون أعطونا فلستم أحق بها منا فاما عند الباس فأجبن قوم وأخذله للحق وأما عند الغنيمة فأشح قوم
وفي المراد بالخير ها هنا ثلاثة أقوال أحدها أنه الغنيمة والثاني على المال أن ينفقوه في سبيل الله تعالى والثالث على رسول الله ص بظفره

قوله تعالى أولئك لم يؤمنوا أي هم وإن أظهروا الإيمان فليسوا بمؤمنين لنفاقهم فأحبط الله أعمالهم قال مقاتل أبطل جهادهم لانه لم يكن في إيمان وكان ذلك الإحباط على الله يسيرا
ثم أخبر عنهم بما يدل على جبنهم فقال يحسبون الأحزاب لم يذهبوا أي يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب أي يرجعوا إليهم كرة ثانية للقتال يودوا لو انهم بادون في الأعراب أي يتمنوا لو كانوا في بادية الاعراب من خوفهم يسألون عن أنبائكم أي ودوا لو انهم بالبعد منكم يسألون عن أخباركم فيقولون ما فعل محمد وأصحابه ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة فرقا وجبنا وقيل بل يسألون شماتة بالمسلمين وفرحا بنكباتهم ولو كانوا فيكم أي لو كانوا يشهدون القتال معكم ما قاتلوا إلا قليلا فيه قولان
أحدهما إلا رميا بالحجارة قاله ابن السائب
والثاني إلا رياء من غير احتساب قاله مقاتل
ثم عاب من تخلف بالمدينة بقوله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي قدوة صالحة والمعنى لقد كان لكم به اقتداء لو اقتديتم به في الصبر معه كما صبر يوم احد حتى كسرت رباعيته وشج جبينه وقتل عمه وآساكم مع ذلك بنفسه
وقرأ عاصم أسوة بضم الألف والباقون بكسر الألف وهما لغتان قال الفراء أهل الحجاز وأسد يقولون إسوة بالكسر وتميم وبعض قيس يقولون أسوة بالضم وخص الله تعالى بهذه الأسوة المؤمنين فقال لمن كان يرجو الله واليوم الآخر والمعنى أن الأسوة برسول الله إنما كانت لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وفيه قولان

أحدهما يرجو ما عنده من الثواب والنعيم قاله ابن عباس والثاني يخشى الله ويخشى البعث قاله مقاتل
قوله تعالى وذكر الله كثيرا أي ذكرا كثيرا لأن ذاكر الله متبع لأوامره بخلاف الغافل عنه
ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وفي ذلك الوعد قولان
أحدهما أنه قوله ام حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية البقرة فلما عاينوا البلاء يومئذ قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله قاله ابن عباس وقتادة في آخرين
والثاني ان رسول الله ص وعدهم النصر والظهور على مدائن كسرى وقصور الحيرة ذكره الماوردي وغيره
قوله تعالى وما زادهم يعني ما رأوه إلا إيمانا بوعد الله وتسليما لأمره من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم

إن الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤها وكان الله على كل شئ قديرا
قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه اختلفوا فيمن نزلت على قولين
احدهما أنها نزلت في أنس بن النضر قاله انس بن مالك وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فلما قدم قال غبت عن اول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه و سلم المشركين لئن اشهدني الله عز و جل قتالا ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف الناس فقال اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين ثم

مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال أي سعد والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون احد واها لريح الجنة قال سعد فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم قد مثلوا به قال فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه قال أنس فكنا نقول أنزلت هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فيه وفي أصحابه
والثاني أنها نزلت في طلحة بن عبيد الله روى النزال بن سبرة عن علي عليه السلام أنهم قالوا له حدثنا عن طلحة قال ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى فمنهم من قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل

وقد جعل بعض المفسرين هذا القدر من الآية في طلحة وأولها في أنس قال ابن جرير ومعنى الآية وفوا لله بما عاهدوه عليه وفي ذلك أربعة أقوال
أحدها أنهم عاهدوا ليلة العقبة على الإسلام والنصرة
والثاني أنهم قوم لم يشهدوا بدرا فعاهدوا الله ان لا يتأخروا بعدها
والثالث أنهم عاهدوا أن لا يفروا إذا لاقوا فصدقوا
والرابع أنهم عاهدوا على البأساء والضراء وحين البأس
قوله تعالى فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر فيه ثلاثة أقوال
أحدها فمنهم من مات ومنهم من ينتظر الموت قاله ابن عباس
والثاني فمنهم من قضى عهده قتل او عاش ومنهم من ينتظر أن يقضيه بقتال او صدق لقاء قاله مجاهد
والثالث فمنهم من قضى نذره الذي كان نذر قاله ابو عبيدة فيكون النحب على القول الأول الأجل وعلى الثاني العهد وعلى الثالث النذر وقال ابن قتيبة قضى نحبه أي قتل وأصل النحب النذر كأن قوما نذورا أنهم إن لقوا العدو قاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله عليهم فقتلوا فقيل فلان قضى نحبه أي قتل فاستعير النحب مكان الأجل لان الأجل وقع بالنحب وكان النحب سببا له ومنه قيل للعطية من لأن من أعطى فقد من قال ابن عباس ممن قضى

نحبه حمزة بن عبد المطلب وانس بن النضر وأصحابه وقال ابن إسحاق فمنهم من قضى نحبه من استشهد يوم بدر وأحد ومنهم من ينتظر ما وعد الله من نصره أو الشهادة على ما مضى عليه أصحابه وما بدلوا أي ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم عليه كما غير المنافقون
قوله تعالى ليجزي الله الصادقين بصدقهم وهم المؤمنون الذين صدقوا فيما عاهدوا الله عليه ويعذب المنافقين بنقض العهد إن شاء وهو ان يميتهم على نفاقهم أو يتوب عليهم في الدنيا فيخرجهم من النفاق إلى الإيمان فيغفر لهم
ورد الله الذين كفروا يعني الأحزاب صدهم ومنعهم عن الظفر بالمسلمين بغيظهم أي لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا لم ينالوا خيرا أي لم يظفروا بالمسلمين وكان ذلك عندهم خيرا فخوطبوا على استعمالهم وكفى الله المؤمنين القتال بالريح والملائكة وأنزل الذين ظاهروهم

أي عاونوا الأحزاب وهم بنو قريظة وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم من العهد وصاروا مع المشركين يدا واحدة
وهذه الإشارة إلى قصتهم
ذكر أهل العلم بالسيرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما انصرف من الخندق وضع عنه اللأمة واغتسل فتبدى له جبريل فقال ألا أراك وضعت اللأمة وما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فاني عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم فدعا عليا فدفع لواءه إليه وبعث بلالا فنادى في الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا ببني قريظة ثم سار إليهم فحاصرهم خمسة عشر يوما أشد الحصار وقيل عشرين ليلة فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر فأرسله إليهم فشاوروه في أمرهم فأشار إليهم بيده إنه الذبح ثم ندم فقال خنت الله ورسوله فانصرف فارتبط في المسجد حتى أنزل الله

توبته ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمر بهم رسول الله محمد ابن مسلمة وكتفوا ونحوا ناحية وجعل النساء والذرية ناحية وكلمت الأوس رسول الله صلى الله عليه و سلم ان يهبهم لهم وكانوا حلفاءهم فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ هكذا ذكر محمد بن سعد وحكى غيره أنهم نزلوا اولا على حكم سعد بن معاذ وكان بينهم وبين قومه حلف فرجوا أن تأخذه فيهم هوادة فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه المواسي وتسبى النساء والذراري وتقسم الأموال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة ارقعة وانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم وأمر بهم فأدخلوا المدينة وحفر لهم أخدود في السوق وجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه أصحابه وأخرجوا إليه فضربت أعناقهم وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة
قوله تعالى من صياصيهم قال ابن عباس وقتادة من حصونهم قال ابن قتيبة وأصل الصياصي قرون البقر لأنها تمتنع بها وتدفع عن أنفسها

فقيل للحصون الصياصي لأنها تمنع وقال الزجاج كل قرن صيصية وصيصية الديك شوكة يتحصن بها
قوله تعالى وقذف في قلوبهم الرعب أي ألقى فيها الخوف فريقا تقتلون وهم المقاتلة وتأسرون وقرأ ابن يعمر وابن أبي عبلة وتأسرون برفع السين فريقا وهم النساء والذراري وأورثكم ارضهم وديارهم يعني عقارهم ونخيلهم ومنازلهم وأموالهم من الذهب والفضة والحلي والعبيد والإماء وأرضا لم تطئوها أي لم تطؤوها باقدامكم بعد وهي مما سنفتحها عليكم وفيها اربعة أقوال
أحدها أنها فارس والروم قاله الحسن والثاني ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة قاله عكرمة والثالث مكة قاله قتادة والرابع خيبر قاله ابن زيد وابن السائب وابن اسحاق ومقاتل
يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما يانساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها

مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما يانساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا
قوله تعالى يا أيها النبي قل لازواجك الآية ذكر أهل التفسير أن أزواج النبي صلى الله عليه و سلم سألنه شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فآلى رسول الله صلى الله عليه و سلم منهن شهرا وصعد إلى غرفة له فمكث فيها فنزلت هذه الآية وكن أزواجه يومئذ تسعا عائشة وحفصة وام حبيبة وسودة وام سلمة وصفية الخيبرية وميمونة الهلالية وزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرض الآية عليهن فبدأ بعائشة فاختارت الله ورسوله ثم قالت يا رسول الله لا تخبر أزواجك أني اخترتك فقال إن الله بعثني مبلغا ولم يبعثني متعنتا وقد ذكرت حديث التخيير في كتاب الحدائق وفي المغنى بطوله

وفي ما خيرهن فيه قولان
أحدهما أنه خيرهن بين الطلاق والمقام معه هذا قول عائشة عليها السلام
والثاني أنه خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن أو اختيار الآخرة فيمسكهن ولم يخيرهن في الطلاق قاله الحسن وقتادة
وفي سبب تخييره إياهن ثلاثة أقوال
أحدها أنهن سألنه زيادة النفقة والثاني أنهن آذينه بالغيرة والقولان مشهوران في التفسير
والثالث أنه لما خير بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة أمر بتخيير نسائه ليكن على مثل حاله حكاه أبو القاسم الصيمري
والمراد بقوله أمتعكن متعة الطلاق والمراد بالسراح الطلاق

وقد ذكرنا ذلك في البقرة والمراد بالدار الآخرة الجنة والمحسنات المؤثرات للآخرة
قال المفسرون فلما اخترنه أثابهن الله عز و جل ثلاثة أشياء أحدها التفضيل على سائر النساء بقوله لستن كأحد من النساء والثاني أن جعلهن امهات المؤمنين والثالث أن حظر عليه طلاقهن والاستبدال بهن بقوله لا يحل لك النساء من بعد الأحزاب وهل أبيح له بعد ذلك التزويج عليهن فيه قولان سيأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى
قوله تعالى من يأت منكن بفاحشة مبينة أي بمعصية ظاهرة قال ابن عباس يعني النشوز وسوء الخلق يضاعف لها العذاب ضعفين أي يجعل عذاب جرمها في الآخرة كعذاب جرمين كما انها تؤتى أجرها على الطاعة مرتين وإنما ضوعف عقابهن لأنهن يشاهدن من الزواجر الرادعة مالا يشاهد غيرهن فاذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب ولان في معصيتهن أذى لرسول الله صلى الله عليه و سلم وجرم من آذى رسول الله صلى الله عليه و سلم أكبر من جرم غيره
قوله تعالى وكان ذلك على الله يسيرا أي وكان عذابها على الله هينا ومن يقنت أي تطع وأعتدنا قد سبق بيانه النساء والرزق الكريم الحسن وهو الجنة
ثم اظهر فضيلتهن على النساء بقوله لستن كأحد من النساء قال الزجاج لم يقل كواحدة من النساء لان أحدا نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة قال ابن عباس يريد ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات أنتن أكرم علي وثوابكن أعظم إن اتقيتن فشرط عليهن التقوى بيانا ان فضيلتهن إنما تكون بالتقوى لا بنفس اتصالهن برسول الله صلى الله عليه و سلم

قوله تعالى فلا تخضعن بالقول أي لا تلن بالكلام فيطمع الذي في قلبه مرض أي فجور والمعنى لا تقلن قولا يجد به منافق أو فاجر سبيلا إلى موافقتكن له والمرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة
وقلن قولا معروفا أي صحيحا عفيفا لا يطمع فاجرا
وقرن في بيوتكن قرأ نافع وعاصم إلا أبان وهبيرة والوليد بن مسلم عن ابن عامر وقرن بفتح القاف وقرأ الباقون بكسرها قال الفراء من قرأ بالفتح فهو من قررت في المكان فخففت كما قال ظلت عليه عاكفا طه ومن قرأ بالكسر فمن الوقار يقال قر في منزلك وقال ابن قتيبة من قرأ بالكسر فهو من الوقار يقال وقر في منزله يقر وقورا ومن قرأ بنصب القاف جعله من القرار وقرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل واقررن باسكان القاف وبراءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة مثله إلا أنهما كسرا الراء الأولى
قال المفسرون ومعنى الآية الأمر لهن بالتوقر والسكون في بيوتهن وان لا يخرجن
قوله تعالى ولا تبرجن قال ابو عبيدة التبرج أن يبرزن

محاسنهن وقال الزجاج التبرج إظهار الزينة وما يستدعى به شهوة الرجل
وفي الجاهلية الأولى أربعة اقوال
أحدها أنها كانت بين إدريس ونوح وكانت ألف سنة رواه عكرمة عن ابن عباس
والثاني أنها كانت على عهد إبراهيم عليه السلام وهو قول عائشة رضي الله عنها
والثالث بين نوح وآدم قاله الحكم
والرابع ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام قاله الشعبي قال الزجاج وإنما قيل الأولى لأن كل متقدم أول وكل متقدمة أولى فتأويله أنهم تقدموا أمة محمد صلى الله عليه و سلم
وفي صفة تبرج الجاهلية الأولى ستة أقوال
أحدها أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال فهو التبرج قاله مجاهد والثاني أنها مشية فيها تكسر وتغنج قاله قتادة والثالث أنه التبختر قاله أبن أبي نجيح والرابع أن المرأة منهن كانت تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها غيره وذلك في زمن إبراهيم عليه السلام

قاله الكلبي والخامس أنها كانت تلقي عن رأسها ولا تشده فيرى قرطها وقلائدها قاله مقاتل أنها كانت تلبس الثياب تبلغ المال لا تواري جسدها حكاه الفراء
قوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس وفيه للمفسرين خمسة أقوال
أحدها الشرك قاله الحسن والثاني الإثم قاله السدي والثالث الشيطان قاله ابن زيد والرابع الشك والخامس المعاصي حكاهما الماوردي قال الزجاج الرجس كل مستقذر من مأكول أو عمل أو فاحشة
ونصب أهل البيت على وجهين أحدهما على معنى أعني أهل البيت والثاني على النداء فالمعنى يا أهل البيت
وفي المراد بأهل البيت ها هنا ثلاثة اقوال
أحدها أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنهن في بيته رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل ويؤكذ هذا القول أن ما قبله وبعده متعلق وبعده متعلق بأزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى أرباب هذا القول اعتراض وهو ان جمع المؤنث بالنون فكيف قيل عنكم ويطهركم فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهن فغلب المذكر
والثاني أنه خاص في رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين قاله ابو سعيد الخدري وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك
والثالث أنهم أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأزواجه قاله الضحاك

وحكى الزجاج أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم والرجال الذين هم آله قال واللغة تدل على انها للنساء والرجال جميعا لقوله عنكم بالميم ولو كانت للنساء لم يجز إلا عنكن ويطهركن
قوله تعالى ويطهركم تطهيرا فيه ثلاثة أقوال
أحدها من الشرك قاله مجاهد والثاني من السوء قاله قتادة والثالث من الإثم قاله السدي ومقاتل
قوله تعالى واذكرن فيه قولان
أحدهما أنه تذكيرلهن بالنعم
والثاني أنه أمر لهن بحفظ ذلك فمعنى واذكرن واحفظن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله يعني القرآن

وفي الحكمة قولان أحدهما أنها السنة قاله قتادة والثاني الامر والنهي قاله مقاتل
قوله تعالى إن الله كان لطيفا أي ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما
قوله تعالى إن المسلمين والمسلمات في سبب نزولها خمسة أقوال
أحدها أن نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم قلن ما له ليس يذكر إلا المؤمنون ولا تذكر المؤمنات بشئ فنزلت هذه الآية رواه أبو ظبيان عن ابن عباس
والثاني أن أم سلمة قالت يا رسول الله يذكر الرجال ولا ذكر فنزلت هذه الآية ونزل قوله لا أضيع عمل عامل منكم آل عمران قاله مجاهد

والثالث أن أم عمارة الأنصارية قالت قلت يارسول الله بأبي وأمي ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء فنزلت هذه الآية قاله عكرمة وذكر مقاتل بن سليمان أن أم سلمة وأم عمارة قالتا ذلك فنزلت هذه الآية في قولهما
والرابع أن الله تعالى لما ذكر أزواج رسوله دخل النساء المسلمات عليهن فقلن ذكرتن ولم نذكر ولو كان فينا خير ذكرنا فنزلت هذه الآية قاله قتاده
والخامس أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة دخلت على نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت هل نزل فينا شئ من القرآن قلن لا فأتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار قال ومم ذاك قالت لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال فنزلت هذه الآية ذكره مقاتل بن حيان
وقد سبق تفسير ألفاظ الآية في مواضع البقرة الأحزاب آل عمران البقرة يوسف البقرة الأنبياء آل عمران وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه

أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا
قوله تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة الآية في سبب نزولها قولان
أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم انطلق يخطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة فقالت لا أرضاه ولست بناكحته فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بلى فانكحيه فاني قد رضيته لك فأبت فنزلت هذه الآية وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والجمهور وذكر بعض المفسرين أن عبد الله بن جحش أخا زينب كره ذلك كما كرهته زينب فلما نزلت الآية رضيا وسلما قال مقاتل والمراد بالمؤمن عبد الله بن جحش والمؤمنة زينب بنت جحش
والثاني أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت أول أمرأة هاجرت فوهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال قد قبلتك وزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله فزوجها عبده فنزلت هذه الآية قاله ابن زيد والاول عند المفسرين أصح

قوله تعالى إذا قضى الله ورسوله أمرا أي حكما بذلك أن تكون وقرأ أهل الكوفة أن يكون بالياء لهم الخيرة وقرأ أبو مجلز وأبو رجاء الخيرة باسكان الياء فجمع في الكناية في قوله لهم لان المراد جميع المؤمنين والمؤمنات والخيرة الاختيار فأعلم الله عز و جل أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله فلما زوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم زيدا مكثت عنده حينا ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى منزل زيد فنظر إليها وكانت بيضاء جميلة من أتم نساء قريش فوقعت في قلبه فقال سبحان مقلب القلوب وفطن زيد فقال يا رسول الله ائذن لي في طلاقها وقال بعضهم أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم منزل زيد فرأى زينب فقال سبحان مقلب القلوب فسمعت ذلك زينب فلما جاء زيد ذكرت له ذلك فعلم أنها قد وقعت في نفسه فأتاه فقال يا رسول الله ائذن لي في طلاقها وقال ابن زيد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى باب زيد وعلى الباب ستر من شعر فرفعت الريح الستر فرأى زينب فلما وقعت في قلبه كرهت إلى الآخر فجاء فقال يا رسول الله أريد فراقها فقال له اتق الله وقال مقاتل لما فطن زيد لتسبيح رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا رسول الله ائذن لي في طلاقها فان فيها كبرا فهي تعظم علي وتؤذيني بلسانها فقال له النبي صلى الله عليه و سلم أمسك عليك زوجك واتق الله ثم إن زيدا طلقها

بعد ذلك فأنزل الله تعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه بالاسلام وأنعمت عليه بالعتق
قوله تعالى واتق الله أي في أمرها فلا تطلقها وتخفي في نفسك أي تسر وتضمر في قلبك ما الله مبديه أي مظهره وفيه أربعة اقوال
أحدها حبها قاله ابن عباس
والثاني عهد عهده الله إليه أن زينب ستكون له زوجة فلما أتى زيد يشكوها قال له أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى في نفسه ما الله مبديه قاله علي بن الحسين
والثالث إيثاره لطلاقها قاله قتادة وابن جريج ومقاتل
والرابع أن الذي أخفاه إن طلقها زيد تزوجتها قاله ابن زيد
قوله تعالى وتخشى الناس فيه قولان
أحدهما أنه خشي اليهود أن يقولوا تزوج محمد امرأة ابنه رواه عطاء عن ابن عباس

والثاني أنه خشي لوم الناس أن يقولوا أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها
قوله تعالى والله احق ان تخشاه أي أولى أن تخشى في كل الأحوال وليس المراد أنه لم يخش في هذه الحال ولكن لما كان لخشيته بالخلق نوع تعلق قيل له الله احق أن تخشى منهم قالت عائشة ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم آية هي أشد عليه من هذه الآية ولو كتم شيئا من الوحي لكتمها فصل
وقد ذهب بعض العلماء إلى تنزيه رسول الله من حبها وإيثاره طلاقها وإن كان ذلك شائعا في التفسير قالوا وإنما عوتب في هذه القصة على شيئين

أحدهما أنه أخبر بأنها ستكون زوجة له فقال لزيد أمسك عليك زوجك فكتم ما أخبره الله به من أمرها حياء من زيد ان يقول له إن زوجتك ستكون امرأتي وهذا يخرج على ما ذكرنا عن علي بن الحسين وقد نصره الثعلبي والواحدي
والثاني أنه لما رأى اتصال الخصومة بين زيد وزينب ظن أنهما لا يتفقان وأنه سيفارقها وأضمر أنه إن طلقها تزوجتها صلة لرحمها وإشفاقا عليها لانها كانت بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب فعاتبه الله على إضمار ذلك وإخفاؤه حين قال لزيد أمسك عليك زوجك وأراد منه ان يكون ظاهره وباطنه عند الناس سواء كما قيل له في قصة رجل أراد قتله هلا أومأت إلينا بقتله فقال ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ذكر هذا القول القاضي أبو يعلى رحمه الله عليه
قوله تعالى فلما قضى زيد منها وطرا قال الزجاج الوطر كل حاجة لك فيها همة فاذا بلغها البالغ قيل قد قضى وطره وقال غيره قضاء الوطر في اللغة بلوغ منتهى ما في النفس من الشئ ثم صار عبارة عن الطلاق لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة والمعنى لما قضى زيد حاجته من نكاحها زوجناكها وإنما ذكر قضاء الوطر هاهنا ليبين أن امرأة المتبني تحل وإن وطئها وهو قوله لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا والمعنى زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي تبنيته لكيلا يظن أن امرأة المتبني لا يحل نكاحها وروى مسلم في

أفراده من حديث أنس بن مالك قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لزيد اذهب فاذكرها علي قال زيد فانطلقت فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت يا زينب أرسلني رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل عليها بغير إذن
وذكر أهل العلم أن من خصائص رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه أجيز له التزويج بغير مهر ليخلص قصد زوجاته لله دون العوض وليخفف عنه وأجيز له التزويج بغير ولي لأنه مقطعوع بكفاءته وكذلك هو مستغن في نكاحه عن الشهود وكانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه و سلم وتقول زوجكن أهلوكن وزجني الله عز و جل ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان امر الله قدرا مقدورا الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما

قوله تعالى ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له قال قتادة فيما أحل الله له من النساء
قوله تعالى سنة الله هي منصوبة على المصدر لأن معنى ما كان على النبي من حرج سن الله سنة واسعة لا حرج فيها والذين خلوا هم النبيون فالمعنى أن سنة الله في التوسعة على محمد فيما فرض له كسنته في الأنبياء الماضين قال ابن السائب هكذا سنة الله في الأنبياء كداود فانه كان له مائة امرأة وسليمان كان له سبعمائة امرأة وثلاثمائة سرية

وكان أمر الله قدرا مقدورا أي قضاء مقضيا وقال ابن قتيبة سنة الله في الذين خلوا معناه لا حرج على احد فيما لم يحرم عليه
ثم اثنى الله على الأنبياء بقوله الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله أي لا يخافون لائمة الناس وقولهم فيما أحل لهم وباقي الآية قد تقدم بيانه النساء
قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم قال المفسرون لما تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب قال الناس إن محمدا قد تزوج امرأة ابنه فنزلت هذه الآية والمعنى ليس بأب لزيد فتحرم عليه زوجته ولكن رسول الله قال الزجاج من نصبه فالمعنى ولكن كان رسول الله وكان خاتم النبيين ومن رفعه فالمعنى ولكن هو رسول الله ومن قرأ خاتم بكسر التاء فمعناه وختم النبيين ومن فتحها فالمعنى آخر النبيين قال ابن عباس يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ولدا يكون بعده نبيا

يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما
قوله تعالى اذكروا الله ذكرا كثيرا قال مجاهد هو أن لا ينساه أبدا وقال ابن السائب يقال ذكرا كثيرا بالصلوات الخمس وقال مقاتل بن حيان هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير على كل حال وقد روى ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يقول ربكم أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه

قوله تعالى وسبحوه بكرة وأصيلا قال ابو عبيدة الأصيل ما بين العصر إلى الليل وللمفسرين في هذا التسبيح قولان
أحدهما أنه الصلاة واتفق أرباب هذا القول على أن المراد بالتسبيح بكرة صلاة الفجر
واختلفوا في صلاة الأصيل على ثلاثة أقوال أحدها أنها صلاة العصر

قاله أبو العالية وقتادة والثاني أنها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قاله ابن السائب والثالث أنها الظهر والعصر قاله مقاتل
والقول الثاني أنه التسبيح باللسان وهو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله قاله مجاهد
قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته في صلاة الله علينا خمسة أقوال
أحدها أنها رحمته قاله الحسن والثاني مغفرته قاله سعيد بن جبير والثالث ثناؤه قاله ابو العالية والرابع كرامته قاله سفيان والخامس بركته قاله ابو عبيدة
وفي صلاة الملائكة قولان
أحدهما أنها دعاؤهم قاله أبو العالية والثاني استغفارهم قاله مقاتل
وفي الظلمات والنور ها هنا ثلاثة أقوال
أحدها الضلالة والهدى قاله ابن زيد والثاني الإيمان والكفر قاله مقاتل والثالث الجنة والنار حكاه الماوردي
قوله تعالى تحيتهم الهاء والميم كناية عن المؤمنين
فأما الهاء في قوله يلقونه ففيها قولان
أحدهما أنها ترجع إلى الله عز و جل ثم فيه ثلاثة أقوال احدها أن معناه تحيتهم من الله يوم يلقونه سلام وروى صهيب عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الله يسلم على أهل الجنة والثاني تحيتهم من الملائكة يوم يلقون الله سلام

قاله مقاتل وقال أبو حمزة الثمالي تسلم عليهم الملائكة يوم القيامة وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم والثالث تحيتهم بينهم يوم يلقون ربهم سلام وهو ان يحيي بعضهم بعضا بالسلام ذكره أبو سليمان الدمشقي
والقول الثاني أن الهاء ترجع إلى ملك الموت وقد سبق ذكره في ذكر الملائكة قال ابن مسعود إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال له ربك يقرئك السلام وقال البراء بن عازب في قوله تحيتهم يوم يلقونه قال ملك الموت ليس مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه فأما الأجر الكريم فهو الحسن في الجنة يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا

قوله تعالى يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا أي على أمتك بالبلاغ ومبشرا بالجنة لمن صدقك ونذيرا أي منذرا بالنار لمن كذبك وداعيا إلى الله أي إلى توحيده وطاعته باذنه أي بأمره لا أنك فعلته من تلقاء نفسك وسراجا منيرا أي أنت لمن اتبعك سراجا أي كالسراج المضئ في الظلمة يهتدي به
قوله تعالى وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا وهو الجنة قال جابر بن عبد الله لما أنزل قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآيات الفتح قال الصحابة هنيئا لك يا رسول الله فما لنا فنزلت هذه الآية
قوله تعالى ولا تطع الكافرين قد سبق في أول السورة
قوله تعالى ودع أذاهم قال العلماء معناه لا تجازهم عليه وتوكل على الله في كفاية شرهم وهذا منسوخ بآية السيف

يا أيها الذين آمنوا إذ نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا
قوله تعالى إذ نكحتم المؤمنات قال الزجاج معنى نكحتم

تزوجتم ومعنى تمسوهن تقربوهن وقرأ حمزة والكسائي تماسوه بألف
قوله تعالى فما لكم عليهن من عدة تعتدونها أجمع العلماء أنه إذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة فلا عدة وعندنا أن الخلوة توجب العدة وتقرر الصداق خلافا للشافعي
قوله فمتعوهن المراد به من لم يسم لها مهرا لقوله في البقرة أو تفرضوا لهن فريضة وقد بينا المتعة هنالك وكان سعيد بن المسيب وقتادة يقولان هذه الآية منسوخة بقوله فنصف ما فرضتم البقرة
قوله تعالى وسرحوهن سراحا جميلا أي من غير إضرار وقال قتادة هو طلاقها طاهرا من غير جماع وقال القاضي أبو يعلي الأظهر أن هذا التسريح ليس بطلاق لانه قد ذكر الطلاق وإنما هو بيان أنه لا سبيل له عليها وأن عليه تخليتها من يده وحباله فصل
واختلف العلماء فيمن قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ثم تزوجها فعندنا أنها لا تطلق وهو قول ابن عباس وعائشة والشافعي واستدل أصحابنا

بهذه الآية وأنه جعل الطلاق بعد النكاح وقال سماك بن الفضل النكاح عقدة والطلاق يحلها فكيف يحل عقدة لم تعقد فجعل بهذه الكلمة قاضيا على صنعاء وقال ابو حنيفة ينعقد الطلاق فاذا وجد النكاح وقع مالك ينعقد ذلك في خصوص النساء وهو إذا كان في امرأة بعينها ولا ينعقد في عمومهن فأما إذا قال إن ملكت فلانا فهو حر ففيه عن احمد روايتان يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما ترجى من تشاء منهن وتؤي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا
قوله تعالى إنا أحللنا لك أزواجك ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلها له فقال أزواجك اللاتي آتيت أجورهن أي مهورهن وهن اللواتي تزوجتهن بصداق وما ملكت يمينك يعني الجواري

مما أفاء الله عليك أي رد عليك من الكفار كصفية وجويرية فانه أعتقهما وتزوجهما وبنات عمك وبنات عماتك يعني نساء قريش وبنات خالك وبنات خالاتك يعني نساء بني زهرة اللاتي هاجرن معك إلى المدينة قال القاضي أبو يعلى وظاهر هذا يدل على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يحل له نكاحها وقالت أم هانئ خطبني رسول الله صلى الله عليه و سلم فاعتذرت إليه بعذر ثم أنزل الله تعالى إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله اللاتي هاجرن معك قالت فلم أكن لاحل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء وهذا يدل من مذهبها أن تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر من لم تهاجر
وذكر بعض المفسرين أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ ولم يذكر ناسخة وحكى الماوردي في ذلك قولين أحدهما أن الهجرة شرط في إحلال النساء له على الإطلاق والثاني أنه شرط في إحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات

قوله تعالى وامرأة مؤمنة أي وأحللنا لك امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها لك إن اراد النبي أن يستنكحها أي إن آثر نكاحها خالصة لك أي خاصة قال الزجاج وإنما قال إن وهبت نفسها للنبي ولم يقل لك لأنه لو قال لك جاز أن يتوهم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه و سلم كما جاز في بنات العم وبنات العمات وخالصة منصوب على الحال
وللمفسرين في معنى خالصة ثلاثة أقوال
أحدها ان المراة إذا هبت له نفسها لم يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين قاله أنس بن مالك وسعيد بن المسيب
والثاني أن له أن ينكحها بلا ولي ولا مهر دون غيره قاله قتادة
والثالث خالصة لك ان تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين وهذا قول الشافعي وأحمد
وفي المرأة التي وهبت له نفسها أقوال أحدها أم شريك والثاني خولة بنت حكيم ولم يدخل بواحدة منهما وذكروا أن ليلى بنت الخطيم وهبت

نفسها له فلم يقبلها قال ابن عباس لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم امرأة وهبت نفسها له وقد حكي عن ابن عباس ان التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث وعن الشعبي أنها زينب بنت خزيمة والأول اصح
قوله تعالى قد علمنا ما فرضنا عليهم على المؤمنين غيرك في أزواجهم وفيه قولان
أحدهما أن لا يجاوز الرجل اربع نسوة قاله مجاهد
والثاني أن لا يتزوج الرجل المرأة ألا بولي وشاهدين وصداق قاله قتادة قوله تعالى وما ملكت أيمانهم أي وما أبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور
قوله تعالى لكيلا يكون عليك حرج هذا فيه تقديم المعنى

أحللنا لك أزواجك إلى قوله خالصة لك من دون المؤمنين لكيلا يكون عليك حرج
قوله تعالى ترجي من تشاء منهن قرأ ابن كثير وأبوعمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ترجئ مهموزا وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم بغير همز وسبب نزولها أنه لما نزلت آية التخيير المتقدمة أشفقن أن يطلقن فقلن يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا فنزلت هذه الآية قاله ابو رزين
وفي معنى الآية اربعة أقوال
أحدها تطلق من تشاء من نسائك وتمسك من تشاء من نسائك قاله ابن عباس
والثاني تترك نكاح من تشاء وتنكح من نساء أمتك من تشاء قاله الحسن
والثالث تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق وتأتي من تشاء فلا تعز لها قاله مجاهد والرابع تقبل من تشاء من المؤمنات اللواتي يهبن أنفسهن وتترك من تشاء قاله الشعبي وعكرمة
وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه و سلم مصاحبة نسائه كيف شاء من غير إيجاب القسمة عليه والتسوية بينهن غير أنه كان يسوي

بينهن وقال الزهري ما علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أرجأ منهن أحدا ولقد آواهن كلهن حتى مات وقال ابو رزين آوى عائشة وأم سلمة وحفصة وزينب وكان قسمه من نفسه وماله فيهن سواء وأرجأ سودة وجويرية وصفية وأم حبيبة وميمونة وكان يقسم لهن ما شاء وكان أراد فراقهن فقلن اقسم لنا ما شئت ودعنا على حالنا وقال قوم إنما أرجأ سودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة فتوفي وهو يقسم لثمان
قوله تعالى وتؤوي أي تضم ومن ابتغيت ممن عزلت أي إذا أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلت من القسمة فلا جناح عليك أي لا ميل عليك بلوم ولا عتب ذلك أدنى أن تقر أعينهن أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن والمعنى إنهن إذا علمن أن هذا أمر من الله كان أطيب لأنفسهن وقرأ ابن محيصن وأبو عمران الجوني أن تقر بضم التاء وكسر القاف أعينهن بنصب النون

ويرضين بما آتيتهن كلهن أي بما أعطيتهن من تقريب وتأخير والله يعلم ما في قلوبكم من الميل إلى بعضهن والمعنى إنما خيرناك تسهيلا عليك
قوله تعالى لا يحل لك النساء كلهم قرأ لا يحل بالياء غير أبي عمرو فانه قرأ بالتاء والتأنيث ليس بحقيقي إنما هو تأنيث الجمع فالقراءتان حسنتان
وفي قوله من بعد ثلاثة أقوال
أحدها من بعد نسائك اللواتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله قاله ابن عباس والحسن وقتادة في آخرين وهن التسع فصار مقصورا عليهن ممنوعا من غيرهن وذكر أهل العلم أن طلاقه لحفصة وعزمه على طلاق سودة كان قبل التخيير

والثاني من بعد الذي أحللنا لك فكانت الإباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله خالصة لك قاله أبي بن كعب والضحاك
والثالث لا تحل لك النساء غير المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات وتحل لك المسلمات قاله مجاهد
قوله تعالى ولا أن تبدل بهن فيه ثلاثة أقوال
أحدها أن تطلق زوجاتك وتستبدل بهن سواهن قاله الضحاك
والثاني أن تبدل بالمسلمات المشركات قاله مجاهد في آخرين والثالث أن تعطي الرجل زوجتك وتأخذ زوجته وهذه كانت عادة للجاهلية قاله أبو هريرة وابن زيد
قوله تعالى إلا ما ملكت يمينك يعني الإماء
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها إلا أن تملك بالسبي فيحل لك وطؤها وإن كانت من غير الصنف الذي أحللته لك وإلى هذا أومأ أبي بن كعب في آخرين
والثاني إلا أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين قاله ابن عباس ومجاهد

والثالث إلا أن تبدل أمتك بامة غيرك قاله ابن زيد
قال أبو سليمان الدمشقي وهذه الأقوال جائزة إلا أنا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يدن منها حتى اسلمت
فصل
واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين
أحدهما أنها منسوخة بقوله إنا أحللنا لك أزواجك وهذا مروي عن علي وابن عباس وعائشة وام سلمة وعلي بن الحسين والضحاك وقالت عائشة ما مات رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أحل له النساء قال ابو سليمان الدمشقي يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات
والقول الثاني أنها محكمة ثم فيها قولان
أحدهما أن الله تعالى أثاب نساءه حين اخترنه بأن قصره عليهن فلم يحل له غيرهن ولم ينسخ هذا قاله الحسن وابن سيرين وأبو أمامة بن سهل وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث
والثاني أن المراد بالنساء ها هنا الكافرات ولم يجز له ان يتزوج كافرة قاله مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وجابر بن زيد

يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية في سبب نزولها ستة أقوال

القول الأول أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما تزوج زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام وقعد ثلاثة فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل فاذا القوم جلوس فرجع وإنهم قاموا فانطلقوا وجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه و سلم أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله تعالى هذه الآية
والثاني أن ناسا من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه و سلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتأذى بهم فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس
والثالث أن عمر بن الخطاب قال قلت يا رسول الله إن نساءك يدخل

عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب أخرجه البخاري من حديث أنس وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر كلاهما عن عمر
والرابع ان عمر أمر نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحجاب فقالت زينب يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا فنزلت الآية قاله ابن مسعود
والخامس أن عمر كان يقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم احجب نساءك فلا يفعل فخرجت سودة ليلة فقال عمر قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فنزل الحجاب رواه عكرمة عن عائشة

والسادس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يطعم معه بعض أصحابه فأصابت يد رجل منهم يد عائشة وكانت معهم فكره النبي صلى الله عليه و سلم ذلك فنزلت آية الحجاب قاله مجاهد
قوله تعالى إلا أن يؤذن لكم إلى طعام أي ان تدعوا إليه غير ناظرين أي منتظرين إناه قال الزجاج موضع أن نصب والمعنى إلا بأن يؤذن لكم أو لأن يؤذن وغير منصوبة على الحال والمعنى إلا أن يؤذن لكم غير منتظرين وإناه نضجه وبلوغه
قوله تعالى فانتشروا أي فاخرجوا
قوله تعالى ولا مستأنسين لحديث المعنى ولا تدخلوا مستأنسين أي طالبي الانس لحديث وذلك أنهم كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدثون طويلا وكان ذلك يؤذيه ويستحيي أن يقول لهم قوموا فعلمهم الله الأدب فذلك قوله والله لا يستحيي من الحق أي لا يترك ان يبين لكم ما هو الحق وإذا سألتموهن متاعا أي شيئا يستمتع به وينتفع به من آلة المنزل فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر أي سؤالكم إياهن المتاع من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الريبة

قوله تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله أي ما كان لكم أذاه في شئ من الأشياء قال ابو عبيدة وكان من حروف الزوائد والمعنى ما لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا روى عطاء عن ابن عباس قال كان رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لو توفي رسول الله ص - تزوجت عائشة فأنزل الله ما أنزل وزعم مقاتل أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد الله
قوله تعالى إن ذلكم يعني نكاح أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عند الله عظيما أي ذنبا عظيم العقوبة

إن تبدوا شيئا أو تخفوه فان الله كان بكل شئ عليما لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء أخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شئ شهيدا
قوله تعالى إن تبدوا شيئا أو تخفوه قيل إنها نزلت فيما أبداه القائل لئن مات رسول الله لأتزوجن عائشة
قوله تعالى لا جناح عليهن في آبائهن قال المفسرون لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله تعالى لا جناح عليهن في آبائهن أي في أن يروهن ولا يحتجبن عنهم إلى قوله و لا نسائهن قال ابن عباس يعني نساء المؤمنين لأن نساء اليهود والنصارى يصفن لأزواجهن نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رأينهن
فإن قيل ما بال العم والخال لم يذكرا فعنه جوابان

أحدهما لأن المرأة تحل لأبنائهما فكره أن تضع خمارها عند عمها وخالها لأنهما ينعتانها لأبنائهما هذا قول الشعبي وعكرمة
والثاني لأنهما يجريان مجرى الوالدين فلم يذكرا قاله الزجاج
فأما قوله ولا ما ملكت أيمانهن ففيه قولان
أحدهما أنه أراد الإماء دون العبيد قاله سعيد بن المسيب
والثاني انه عام في العبيد والإماء قال ابن زيد كن أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يحتجبن من المماليك وقد سبق بيان هذا في سورة النور
قوله تعالى واتقين الله أي أن يراكن غير هؤلاء إن الله كان على كل شئ شهيدا أي لم يغب عنه شئ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا
قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي في صلاة الله وصلاة الملائكة أقوال قد تقدمت في هذه السورة الأحزاب
قوله تعالى صلوا عليه قال كعب بن عجرة قلنا يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد

أخرجه البخاري ومسلم ومعنى قوله قد علمنا التسليم عليك ما يقال في التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وذهب ابن السائب إلى أن معنى التسليم سلموا لما يأمركم به
قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال

أحدها في الذين طعنوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اتخذ صفية بنت حيي قاله ابن عباس
والثاني نزلت في المصورين قاله عكرمة
والثالث في المشركين واليهود والنصارى وصفوا الله بالولد وكذبوا رسوله وشجوا وجهه وكسروا رباعيته وقالوا مجنون شاعر ساحر كذاب ومعنى أذى الله وصفه بما هو منزه عنه وعصيانه ولعنهم في الدنيا بالقتل والجلاء وفي الآخرة بالنار
قوله تعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات في سبب نزولها أربعة أقوال

أحدها أن عمر بن الخطاب رأى جارية متبرجة فضربها وكف ما رأى من زينتها فذهبت إلى أهلها تشكو فخرجوا إليه فآذوه فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني أنها نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيرون المرأة فيدنون منها فيغمزونها وإنما كانوا يؤذون الإماء غير أنه لم تكن الامة تعرف من الحرة فشكون ذلك إلى أزواجهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية قاله السدي
والثالث أنها نزلت فيمن تكلم في عائشة وصفوان بن المعطل بالإفك قاله الضحاك
والرابع ان ناسا من المنافقين آذوا علي بن أبي طالب فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
قال المفسرون ومعنى الآية يرمونهم بما ليس فيهم يا أيها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما لئن لم ينته المنافقون والذين في

قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا
قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك الآية سبب نزولها أن الفساق كانوا يؤذون النساء
إذا خرجن بالليل فاذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا هذه حرة وإذا رأوها بغير قناع قالوا أمة فآذوها فنزلت هذه الآية قاله السدي
قوله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن قال ابن قتيبة يلبسن الأردية وقال غيره يغطين رؤوسهن ووجوهن ليعلم أنهن حرائر ذلك أدنى أي أحرى وأقرب أن يعرفن أنهن حرائر فلا يؤذين
قوله تعالى لئن لم ينته المنافقون أي عن نفاقهم والذين في قلوبهم مرض أي فجور وهم الزناة والمرجفون في المدينة بالكذب والباطل يقولون أتاكم العدو وقتلت سراياكم وهزمت لنغرينك بهم أي لنسلطنك عليهم بأن نأمرك بقتالهم قال المفسرون وقد أغري بهم فقيل له

جاهد الكفار والمنافقين التوبة التحريم وقال يوم الجمعة اخرج يا فلان من المسجد فانك منافق قم يا فلان فانك منافق ثم لا يجاورونك فيها أي في المدينة إلا قليلا حتى يهلكوا ملعونين منصوب على الحال أي لا يجاورونك إلا وهم ملعونون أينما ثقفوا أي وجدوا وأدركوا أخذوا وقتلوا تقتيلا معنى الكلام الأمر أي هذا الحكم فيهم سنة الله أي سن في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم ان يفعل بهم هذا
يسئلك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا
قوله تعالى يسألك الناس عن الساعة قال عروة الذي سأله عنها عتبة بن ربيعة
قوله تعالى وما يدريك أي أي شئ يعلمك امر الساعة ومتى تكون والمعنى أنت لا تعرف ذلك ثم قال لعل الساعة تكون قريبا
فان قيل هلا قال قريبة فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها أنه أراد الظرف ولو أراد صفة الساعة بعينها لقال قريبة

هذا قول أبي عبيدة والثاني أن المعنى راجع إلى البعث أو إلى مجئ الساعة والثالث أن تأنيث الساعة غير حقيقي ذكرهما الزجاج وما بعد هذا قد سبق بيان ألفاظه البقرة النساء الاسراء
فأما قوله وأطعنا الرسول فقال الزجاج الاختيار الوقف بألف لأن أواخر الآي وفواصلها تجري أواخر الأبيات وإنما خوطبوا بما يعقلونه من الكلام المؤلف ليدل بالوقف بزيادة الحرف أن الكلام قد تم وقد أشرنا إلى هذا في قوله الظنونا الأحزاب
قوله تعالى أطعنا سادتنا وكبراءنا أي أشرافنا وعظماءنا قال مقاتل هم المطعمون في غزوة بدر وكلهم قرأوا سادتنا على التوحيد غير ابن عامر فانه قرأ سادتنا على الجمع مع كسر التاء ووافقه المفضل ويعقوب إلا أبا حاتم فأضلونا السبيل أي عن سبيل الهدى ربنا آتهم يعنون السادة ضعفين أي ضعفي عذابنا والعنهم لعنا كبيرا قرأ ابن كثير ونافع وابوعمرو وحمزة والكسائي كثيرا بالثاء وقرأ عاصم وابن عامر كبيرا بالباء وقال ابو علي الكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما
قوله تعالى لا تكونوا كالذين آذوا موسى أي لا توذوا محمدا كما آذى بنو إسرائيل موسى فينزل بكم ما نزل بهم

و في ما آذوا به موسى أربعة أقوال
أحدها أنهم قالوا هو آدر فذهب يوما يغتسل ووضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فخرج في طلبه فرأوه فقالوا والله ما به من بأس والحديث مشهور في الصحاح كلها من حديث ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ذكرته باسناده في المغني والحدائق قال ابن قتيبة والآدر عظيم الخصيتين
والثاني أن موسى صعد الجبل ومعه هارون فمات هارون فقال بنو إسرائيل أنت قتلته فآذوه بذلك فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مرت به على بني إسرائيل وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات فبرأه الله من ذلك قاله علي عليه السلام

والثالث أن قارون استأجر بغيا لتقذف موسى بنفسها على ملأ من بني إسرائيل فعصمها الله وبرأ موسى من ذلك قاله ابو العالية
والرابع أنهم رموه بالسحر والجنون حكاه الماوردي
قوله تعالى وكان عند الله وجيها قال ابن عباس كان عند الله حظيا لا يسأله شيئا إلا أعطاه وقد بينا معنى الوجيه في آل عمران وقرأ ابن مسعود والاعمش وأبو حيوة وكان عبدا لله بالتنوين والباء وكسرا اللام
قوله تعالى وقولوا قولا سديدا فيه أربعة أقوال

أحدها صوابا قاله ابن عباس والثاني صادقا قاله الحسن والثالث عدلا قاله السدي والرابع قصدا قاله ابن قتيبة
ثم في المراد بهذا القول ثلاثة أقوال
أحدها أنه لا إله إلا الله قاله ابن عباس وعكرمة والثاني أنه العدل في جميع الأقوال والأعمال قاله قتادة والثالث في شأن زينب وزيد ولا تنسبوا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ما لا يصلح قاله مقاتل بن حيان
قوله تعالى يصلح لكم أعمالكم فيه قولان
أحدهما يتقبل حسناتكم قاله ابن عباس والثاني يزكي أعمالكم قاله مقاتل
قوله تعالى فقد فاز فوزا عظيما أي نال الخير وظفر به إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فابين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما
قوله تعالى إنا عرضنا الامانة فيها قولان
أحدهما أنها الفرائض عرضها الله على السماوات والأرض والجبال إن أدتها أثابها وإن ضيعتها عذبها فكرهت ذلك وعرضها على آدم فقبلها بما فيها رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وكذلك قال سعيد بن جبير عرضت الأمانة على آدم فقيل له تأخذها بما فيها إن أطعت غفرت لك وإن

عصيت عذبتك فقال قبلت فما كان إلا كما بين صلاة العصر إلى أن غربت الشمس حتى أصاب الذنب وممن ذهب إلى أنها الفرائض قتادة والضحاك والجمهور
والثاني أنها الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضا عليها روى السدي عن أشياخه أن آدم لما أراد الحج قال للسماء احفظي ولدي بالأمانة فأبت وقال للأرض فأبت وقال للجبال فأبت فقال لقابيل فقال نعم تذهب وتجئ وتجد أهلك كما يسرك فلما انطلق آدم قتل قابيل هابيل فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه فذلك حيث يقول الله عز و جل إنا عرضنا الأمانة إلى قوله وحملها الإنسان وهو ابن آدم فما قام بها
وحكى ابن قتيبة عن بعض المفسرين ان آدم لما حضرته الوفاة قال يا رب من أستخلف من بعدي فقيل له اعرض خلافتك على جميع الخلق فعرضها فكل أباها غير ولده
وللمفسرين في المراد بعرض الأمانة على السماوات والأرض قولان
أحدهما أن الله تعالى ركب العقل في هذه الأعيان وأفهمهن خطابه وأنطقهن بالجواب حين عرضها عليهن ولم يرد بقوله أبين المخالفة

ولكن أبين للخشية والمخافة لأن العرض كان تخييرا لا إلزاما وأشفقن بمعنى خفن منها ان لا يؤذنها فيلحقن العقاب هذا قول الأكثرين
والثاني أن المراد بالآية إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة قاله الحسن
وفي المراد بالإنسان أربعة أقوال أحدها آدم في قول الجمهور والثاني قابيل في قول السدي والثالث الكافر والمنافق قاله الحسن والرابع جميع الناس قاله ثعلب
قوله تعالى إنه كان ظلوما جهولا فيه ثلاثة أقوال
أحدها ظلوما لنفسه غرا بأمر ربه قاله ابن عباس والضحاك
والثاني ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة امره قاله مجاهد
والثالث ظلوما بمعصية ربه جهولا بعقاب الأمانة قاله ابن السائب
وذكر الزجاج في الآية وجها يخالف أكثر الأقوال وذكر أنه موافق للتفسير فقال إن الله تعالى ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له فأما السماوات والأرض فقالتا أتينا طائعين فصلت وأعلمنا ان من الحجارة ما يهبط من خشية الله وأن الشمس والقمر والنجوم والجبال والملائكة يسجدون لله فعرفنا الله تعالى أن السماوات والأرض لم تحتمل الأمانة لأنها أدتها وأداؤها طاعة الله وترك معصيته وكل من خان الأمانة فقد احتملها وكذلك كل من أثم فقد احتمل الإثم وكذلك قال الحسن وحملها الإنسان أي الكافر والمنافق حملاها أي خانا ولم يطيعا فأما من أطاع فلا يقال كان ظلوما جهولا

قوله تعالى ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات قال ابن قتيبة المعنى عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهم الله ويظهر إيمان المؤمنين فيتوب الله عليهم أي يعود عليهم بالرحمة والمغفرة إن وقع منهم تقصير في الطاعات

سورة سبأ
وهي مكية باجماعهم
وقال الضحاك وابن السائب ومقاتل فيها آية مدنية وهي قوله ويرى الذين أوتوا العلم سبأ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الارض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور وقال الذين كفروا لاتأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا اكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم

عذاب من رجز أليم ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد
قوله تعالى الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ملكا وخلقا وله الحمد في الآخرة يحمده أولياؤه إذا دخلوا الجنة فيقولون الحمد لله الذي صدقنا وعده الحمد لله الذي هدانا لهذا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن
يعلم ما يلج في الأرض من بذر أو مطر أو كنز او غير ذلك وما يخرج منها من زرع ونبات وغير ذلك وما ينزل من السماء من مطر او رزق او ملك وما يعرج فيها من ملك او عمل أو دعاء
وقال الذين كفروا يعني منكري البعث لا تأتينا الساعة أي لا نبعث

قوله تعالى عالم الغيب قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو عالم الغيب بكسر الميم وقرأ نافع وابن عامر برفعها وقرأ حمزة والكسائي علام الغيب بالكسر ولام قبل الألف قال ابو علي من كسر فعلى معنى الحمد لله عالم الغيب ومن رفع جاز ان يكون عالم الغيب خبر مبتدأ محذوف تقديره هو عالم الغيب ويجوز أن يكون ابتداء خبره لا يعزب عنه و علام أبلغ من عالم وقرأ الكسائي وحده لا يعزب بكسر الزاي وهما لغتان
قوله تعالى ولا أصغر من ذلك وقرأ ابن السميفع والنخعي والأعمش ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالنصب فيهما
قوله تعالى ليجزي الذين آمنوا قال الزجاج المعنى بلى وربي لنأتينكم المجازاة وقال ابن جرير المعنى أثبث مثقال الذرة وأصغر منه في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وليري الذين أوتوا العلم
قوله تعالى من رجز أليم قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ويعقوب والمفضل من رجز أليم رفعا والباقون بالخفض فيهما
وفي الذين أوتوا العلم قولان
أحدهما أنهم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم قاله قتادة

قوله تعالى الذي أنزل إليك من ربك يعني القرآن هو الحق قال الفراء هو عماد فلذلك انتصب الحق وما أخللنا به فقد سبق في مواضع الحج البقرة
وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبا ام به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب
قوله تعالى وقال الذين كفروا وهم منكروا البعث قال بعضهم لبعض هل ندلكم على رجل ينبئكم أي يقول لكم إنكم إذا مزقتم كل ممزق أي فرقتم كل تفريق والممزق هاهنا مصدر بمعنى التمزيق إنكم لفي خلق جديد أي يجدد خلقكم للبعث ثم أجاب بعضهم فقالوا أفترى على الله كذبا حين زعم أنا نبعث وألف أفترى ألف استفهام وهو استفهام تعجب وإنكار أم به جنة أي جنون فرد الله عليهم فقال بل أي ليس الأمر كما تقولون من الافتراء والجنون بل الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم الذين يجحدون البعث في العذاب إذا بعثوا في الآخرة والضلال البعيد من الحق في الدنيا
ثم وعظهم فقال أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء

والأرض وذلك أن الإنسان حيثما نظر رأى السماء والأرض قدماه وخلفه وعن يمينه وعن شماله فالمعنى أنهم اين كانوا فأرضي وسمائي محيطة بهم وأنا القادر عليهم إن شئت خسفت بهم الارض وإن شئت اسقطت عليهم قطعة من السماء إن في ذلك أي فيما يرون من السماء والأرض لآية تدل على قدرة الله تعالى على بعثهم والخسف بهم لكل عبد منيب أي راجع إلى طاعة الله متأمل لما يرى
ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير
قوله تعالى ولقد آتينا داود منا فضلا وهو النبوة والزبور وتسخير الجبال والطير إلى غير ذلك مما أنعم الله به عليه يا جبال أوبي معه وروى الحلبي عن عبد الوارث أوبي بضم الهمزة وتخفيف الواو قال الزجاج المعنى وقلنا يا جبال أوبيء معه أي رجعي معه والمعنى سبحي معه ورجعي التسبيح ومن قرأ أوبي معناه عودي في التسبيح معه كلما عاد وقال ابن قتيبة أوبي أي سبحي واصل التأويب في السير وهو ان يسير النهار كله وينزل ليلا فكأنه أراد ادأبي النهار كله بالتسبيح إلى الليل

قوله تعالى والطير وقرأ أبو رزين وأبو عبد الرحمن السلمي وابو العالية وابن ابي عبلة والطير بالرفع فأما قراءة النصب فقال أبو عمرو بن العلاء هو عطف على قوله ولقد آتينا داود منا فضلا والطير أي وسخرنا له الطير قال الزجاج ويجوز ان يكون نصبا على النداء كأنه قال دعونا الجبال والطير فالطير معطوف على موضع الجبال وكل منادي عند البصريين فهو في موضع نصب قال وأما الرفع فمن جهتين إحداهما ان يكون نسقا على ما في أوبي فالمعنى يا جبال رجعي التسبيح معه أنت والطير والثانية على النداء المعنى يا جبال ويا أيها الطير أوبي معه
قال ابن عباس كانت الطير تسبح معه إذا سبح وكان إذا قرأ لم تبق دابة إلا استمعت لقراءته وبكت لبكائه وقال وهب بن منبه كان يقول للجبال سبحي وللطير أجيبي ثم يأخذ هو في تلاوة الزبور بين ذلك بصوته الحسن فلا يرى الناس منظرا أحسن من ذلك ولا يسمعون شيئا أطيب منه
قوله تعالى وألنا له الحديد أي جعلناه لينا قال قتادة سخر الله له الحديد بغير نار فكان يسويه بيده لا يدخله النار ولا يضربه بحديدة وكان اول من صنع الدروع وكانت قبل ذلك صفائح
قوله تعالى أن اعمل قال الزجاج معناه وقلنا له اعمل ويكون في معنى لأن يعمل سابغات أي دروعا سابغات فذكر الصفة لانها تدل على الموصوف
قال المفسرون كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء

فيعمل الدرع في بعض يوم فيبيعه بمال كثير فيأكل ويتصدق والسابغات الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض
وقدر في السرد أي اجعله على قدر الحاجة قال ابن قتيبة السرد النسج ومنه يقال لصانع الدروع سراد وزراد تبدل من السين الزاي كما يقال سراط وزراط وقال الزجاج السرد في اللغة تقدمة الشئ إلى الشئ تأني به متسقا بعضه في إثر بعض متتابعا ومنه قولهم سرد فلان الحديث
وفي معنى الكلام قولان
أحدهما عدل المسمار في الحلقة ولا تصغره فيقلق ولا تعظمه فتنفصم الحلقة قاله مجاهد
والثاني لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها قاله قتادة
قوله تعالى واعملوا صالحا خطاب لداود وآله
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين

قوله تعالى ولسليمان الريح قرأ الأكثرون بنصب الريح على معنى وسخرنا لسليمان الريح وروى أبو بكر والمفضل عن عاصم الريح رفعا أي له تسخير الريح وقرأ أبو جعفر الرياح على الجمع
غدوها شهر قال قتادة تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين قال الحسن لما شغلت نبي الله سليمان الخيل عن الصلاة فعقرها أبدله الله خيرا منها وأسرع وهي الريح فكان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للمسرع
قوله تعالى وأسلنا له عين القطر قال الزجاج القطر النحاس وهو الصفر أذيب مذ ذاك وكان قبل سليمان لا يذوب
قال المفسرون أجرى الله لسليمان عين الصفر حتى صنع منها ما أراد من غير نار كما الين لداود الحديد بغير نار فبقيت تجري ثلاثة أيام ولياليهن كجري الماء وإنما يعمل الناس اليوم مما اعطي سليمان

قوله تعالى ومن الجن المعنى وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه باذن ربه أي بأمره سخرهم الله له وأمرهم بطاعته والكلام يدل على أن منهم من لم يسخر له ومن يزغ منهم أي يعدل عن امرنا له بطاعة سليمان نذقه من عذاب السعير وهل هذا في الدنيا أم في الآخرة فيه قولان أحدهما في الآخرة قاله الضحاك والثاني في الدنيا قاله مقاتل وقيل إنه كان مع سليمان ملك بيده سوط من نار فمن زاغ من الجن ضربه الملك بذلك السوط
يعملون له ما يشاء من محاريب وفيها ثلاثة أقوال أحدها أنها المساجد قاله مجاهد وابن قتيبة والثاني القصور قاله عطية والثالث المساجد والقصور قاله قتادة وأما التماثيل فهي الصور قال الحسن ولم تكن يومئذ محرمة ثم فيها قولان
أحدهما أنها كانت كالطواويس والعقبان والنسور على كرسيه ودرجات سريره لكي يهابها من أراد الدنو منه قاله الضحاك
والثاني أنها كانت صور النبيين والملائكة لكي يراهم الناس مصورين فيعبدوا مثل عبادتهم ويتشبهوا بهم قاله ابن السائب
وفي ما كانوا يعملونها منه قولان أحدهما من النحاس قاله مجاهد والثاني من الرخام والشبه قاله قتادة
قوله تعالى وجفان كالجوابي الجفان جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة والجوابي جمع جابية وهي الحوض الكبير يجبي فيه الماء أي يجمع

قرأ ابن كثير وأبو عمرو كالجوابي بياء إلا أن ابن كثير يثبت الياء في الوصل والوقف وأبو عمرو يثبتها في الوصل دون الوقف قال الزجاج وأكثر القراء على الوقف بغير ياء وكان الأصل الوقف بالياء إلا أن الكسرة تنوب عنها
قال المفسرون كانوا يصنعون له القصاع كحياض الإبل يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها
قوله تعالى وقدور راسيات أي ثوابت يقال رسا يرسو إذا ثبت
وفي علة ثبوتها في مكانها قولان أحدهما ان أثافيها منها قاله ابن عباس والثاني أنها لا تنزل لعظمها قاله ابن قتيبة
قال المفسرون وكانت القدور كالجبال لا تحرك من أماكنها يأكل من القدر ألف رجل
قوله تعالى اعملوا آل داود شكرا المعنى وقلنا اعملوا بطاعة الله شكرا له على ما آتاكم
قوله تعالى فلما قضينا عليه الموت يعني على سليمان

قال المفسرون كانت الإنس تقول إن الجن تعلم الغيب الذي يكون في غد فوقف سليمان في محرابه يصلي متوكئا على عصاه فمات فمكث كذلك حولا والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة ولا تعلم بموته حتى اكلت الأرض عصا سليمان فخر فعلموا بموته وعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب
وقيل أن سليمان سأل الله تعالى أن يعمي على الجن موته فأخفاه الله عنهم حولا
وفي سبب سؤاله قولان
أحدهما لأن الجن كانوا يقولون للانس إننا نعلم الغيب فأراد تكذيبهم
والثاني لانه كان قد بقي من عمارة بيت المقدس بقية
فاما دابة الأرض فهي الأرضة وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وعاصم الجحدري دابة الارض بفتح الراء
والمنسأة العصا قال الزجاج وإنما سميت منسأة لأنه ينسأ بها أي يطرد ويزجر قال الفراء أهل الحجاز لا يهمزون المنسأة وتميم وفصحاء قيس يهمزونها
قوله تعالى فلما خر أي سقط تبينت الجن أي ظهرت وانكشف للناس أنهم لا يعلمون الغيب ولو علموا ما لبثوا في العذاب المهين

أي ما عملوا مسخرين وهو ميت وهم يظنونه حيا وقيل تبينت الجن أي علمت لانها كانت تتوهم باستراقها السمع أنها تعلم الغيب فعلمت حينئذ خطأها في ظنها وروى رويس عن يعقوب تبينت برفع التاء والباء وكسر الياء
لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شئ حفيظ
قوله تعالى لقد كان لسبأ في مساكنهم آية قرأ ابن كثير

ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم في مساكنهم وقرأ حمزة وحفص عن عاصم مسكنهم بفتح الكاف من غير ألف وقرأ الكسائي وخلف مسكنهم بكسر الكاف وهي لغة
قال المفسرون المراد بسبأ هاهنا القبيلة التي هم من أولاد سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان وقد ذكرنا في سورة النمل الخلاف في هذا وأن قوما يقولون هو اسم بلد وليس باسم رجل وذكر الزجاج في هذا المكان أن من قرأ لسبأ بالفتح وترك الصرف جعله اسما للقبيلة ومن صرف وكسر ونون جعله اسما للحي واسما لرجل وكل جائز حسن وآية رفع اسم كان وجنتان رفع على نوعين أحدهما أنه بدل من آية والثاني على إضمار كأنه لما قيل آية قيل الآية جنتان
الإشارة إلى قصتهم
ذكر العلماء بالتفسير والسير أن بلقيس لما ملكت قومها جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم فجعلت تناهم فلا يطيعونها فتركت ملكها وانطلقت إلى قصرها فنزلته فلما كثر الشر بينهم وندموا أتوها فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها فأبت فقالوا لترجعن أو لنقتلنك فقالت إنكم لا تطيعونني وليست لكم عقول فقالوا فانا نطيعك فجاءت إلى واديهم وكانوا

إذا مطروا أتاه السيل من مسيرة أيام فأمرت به فسد ما بين الجبلين بمسناة وحبست الماء من وراء السد وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم فكان الماء يخرج بينهم بالسوية إلى أن كان من شأنها مع سليمان ما سبق ذكره النمل وبقوا بعدها على حالهم وقيل إنما بنوا ذلك البنيان لئلا يغشى السيل أموالهم فيهلكها فكانوا يفتحون من ابواب السد ما يريدون فيأخذون من الماء ما يحتاجون إليه وكانت لهم جنتان عن يمين واديهم وعن شماله فأخصبت أرضهم وكثرت فواكههم وإن كانت المرأة لتمر بين الجنتين والمكتل على رأسها فترجع وقد امتلأ من الثمر ولا تمس بيدها شيئا منه ولم يكن يرى في بلدهم حية ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ويمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القمل فيموت القمل لطيب هوائها وقيل لهم كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة أي هذه بلدة طيبة أو بلدتكم بلدة طيبة ولم تكن سبخة ولا فيها ما يؤذي ورب غفور أي والله رب غفور وكانت ثلاث عشرة قرية فبعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوا الرسل ولم يقروا بنعم الله فذلك قوله فأعرضوا أي عن الحق وكذبوا أنبياءهم فأرسلنا عليهم سيل العرم وفيه أربعة أقوال

أحدها أن العرم الشديد رواه علي بن أبي طالب عن ابن عباس وقال ابن الأعرابي العرم السيل الذي لا يطاق
والثاني أنه اسم الوادي رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال قتادة والضحاك ومقاتل
والثالث أنه المسناة قاله مجاهد وأبو ميسرة والفراء وابن قتيبة وقال أبو عبيدة العرم جمع عرمة وهي السكر والمسناة
والرابع أن العرم الجرذ الذي نقب عليهم السكر حكاه الزجاج
وفي صفة إرسال هذا السيل عليهم قولان
أحدهما أن الله تعالى بعث على سكرهم دابة من الأرض فنقبت فيه نقبا فسال ذلك الماء إلى موضع غير الموضع الذي كانوا ينتفعون به رواه العوفي عن ابن عباس وقال قتادة والضحاك في آخرين بعث الله عليهم جرذا يسمى الخلد والخلد الفأر الأعمى فنقبه من أسفله فأغرق الله به جناتهم وخرب به أرضهم
والثاني أنه أرسل عليهم ماء أحمر أرسله في السد فنسفه وهدمه وحفر الوادي ولم يكن الماء أحمر من السد وإنما كان سيلا أرسل عليهم قاله مجاهد
قوله تعالى وبدلناهم بجنتيهم يعني اللتين تطعمان الفواكه جنتين ذواتي أكل خمط قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي أكل بالتنوين وقرأ أبو عمرو أكل بالإضافة وخفف الكاف ابن كثير ونافع وثقلها الباقون أما الأكل فهو الثمر
وفي المراد ب الخمط ثلاثة أقوال

أحدها أنه الأراك قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور فعلى هذا أكله ثمره ويسمى ثمر الأراك البرير
والثاني أنه كل شجرة ذات شوك قاله ابو عبيدة
والثالث أنه كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله قاله المبرد والزجاج فعلى هذا القول الخمط اسم للمأكول فيحسن على هذا قراءة من نون الأكل وعلى ما قبله هو اسم شجرة والأكل ثمرها فيحسن قراءة من أصناف
فأما الأثل ففيه ثلاثة اقوال أحدها أنه الطرفاء قاله ابن عباس والثاني أنه السمر حكاه ابن جرير والثالث أنه شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه
قوله تعالى وشيء من سدر قليل فيه تقديم وتقديره وشئ قليل من سدر وهو شجر النبق والمعنى أنه كان الخمط والأثل في جنتيهم

أكثر من السدر قال قتادة بينا شجرهم من خير الشجر إذ صيره الله من شر الشجر
قوله تعالى ذلك جزيناهم أي ذلك التبديل جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور
فان قيل قد يجازي المؤمن والكافر فما معنى هذا التخصيص فعنه جوابان
أحدهما أن المؤمن يجزى ولا يجازى فيقال في أفصح اللغة جزى الله المؤمن ولا يقال جازاه لأن جازاه بمعنى كافأه فالكافر يجازى بسيئته مثلها مكافأة له والمؤمن يزاد في الثواب ويتفضل عليه هذا قول الفراء
والثاني أن الكافر ليست له حسنة تكفر ذنوبه فهو يجازي بجميع الذنوب والمؤمن قد أحبطت حسناته سيئاته هذا قول الزجاج وقال طاووس الكافر يجازى ولا يغفر له والمؤمن لا يناقش الحساب
قوله تعالى وجعلنا بينهم هذا معطوف على قوله تعالى لقد كان لسبأ والمعنى كان من قصصهم أنا جعلنا بينهم وبين القرى التي

باركنا فيها وهي قرى الشام وقد سبق بيان معنى البركة فيها الانبياء هذا قول الجمهور وحكى ابن السائب ان الله تعالى لما أهلك جنتيهم قالوا للرسل قد عرفنا نعمة الله علينا فلئن رد إلينا ما كنا عليه لنعبدنه عبادة شديدة فرد عليهم النعمة وجعل لهم قرى ظاهرة فعادوا إلى الفساد وقالوا باعد بين أسفارنا فمزقوا
قوله تعالى قرى ظاهرة أي متواصلة ينظر بعضها إلى بعض وقدرنا فيها السير فيه قولان
أحدهما أنهم كانوا يغدون فيقيلون في قرية ويروحون فيبيتون في قرية قاله الحسن وقتادة
والثاني أنه جعل ما بين القرية والقرية مقدارا واحدا قاله ابن قتيبة
قوله تعالى سيروا فيها والمعنى وقلنا لهم سيروا فيها ليالي وأياما أي ليلا ونهارا آمنين من مخاوف السفر من جوع أو عطش أو سبع أو تعب وكانوا يسيرون أربعة أشهر في أمان فبطروا النعمة وملوها كما مل بنو إسرائيل المن والسلوى فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا قرأ ابن كثير وأبو عمرو بعد بتشديد العين وكسرها وقرأ نافع وعاصم وحمزة باعد بألف وكسر العين وعن ابن عباس كالقراءتين قال ابن عباس إنهم قالوا لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن يشتهى جناها قال أبو سليمان الدمشقي لما ذكرتهم الرسل نعم الله أنكروا أن يكون ماهم فيه نعمة

وسألوا الله أن يباعد بين أسفارهم وقرأ يعقوب ربنا برفع الباء باعد بفتح العين والدال جعله فعلا ماضيا على طريق الإخبار للناس بما أنزله الله عز و جل بهم وقرأ علي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو رجاء وابن السميفع وابن أبي عبلة بعد برفع العين وتخفيفها وفتح الدال من غير ألف على طريق الشكاية إلى الله عز و جل وقرأ عاصم الجحدري وأبو عمران الجوني بوعد برفع الباء وبواو ساكنة مع كسر العين
قوله تعالى وظلموا أنفسهم فيه قولان أحدهما بالكفر وتكذيب الرسل والثاني بقولهم بعد بين أسفارنا
فجعلناهم أحاديث لمن بعدهم يتحدثون بما فعل بهم ومزقناهم كل ممزق أي فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق لأن الله لما غرق مكانهم وأذهب جنتيهم تبددوا في البلاد فصارت العرب تتمثل في الفرقة بسبأ إن في ذلك أي فيما فعل بهم لآيات أي لعبرا لكل صبار عن معاصي الله شكور لنعمه
قوله تعالى ولقد صدق عليهم إبليس ظنه عليهم بمعنى فيهم

وصدقه في ظنه أنه ظن بهم أنهم يتبعونه إذ أغواهم فوجدهم كذلك وإنما قال ولأضلنهم ولأمنينهم النساء بالظن لا بالعلم فمن قرأ صدق بتشديد الدال فالمعنى حقق ما ظنه فيهم بما فعل بهم ومن قرأ بالتخفيف فالمعنى صدق عليهم في ظنه بهم
وفي المشار إليهم قولان
أحدهما أنهم أهل سبأ والثاني سائر المطيعين لإبليس
قوله تعالى وما كان له عليهم من سلطان قد شرحناه في قوله ليس لك عليهم سلطان الحجر قال الحسن والله ما ضربهم بعصا ولا قهرهم على شئ إلا أنه دعاهم إلى الأماني والغرور
قوله تعالى إلا لنعلم أي ما كان تسليطنا إياه إلا لنعلم المؤمنين من الشاكين وقرأ الزهري إلا ليعلم بياء مرفوعة على ما لم يسم فاعله وقرأ ابن يعمر ليعلم بفتح الياء
وفي المراد بعلمه هاهنا ثلاثة أقوال قد شرحناه في أول العنكبوت
وربك على كل شئ من الشك والإيمان حفيظ وقال ابن قتيبة والحفيظ بمعنى الحافظ قال الخطابي وهو فعيل بمعنى فاعل كالقدير والعليم فهو يحفظ السماوات والأرض بما فيها لتبقى مدة بقائها ويحفظ عباده من

المهالك ويحفظ عليهم أعمالهم ويعلم نياتهم ويحفظ أولياءه عن مواقعة الذنوب ويحرسهم من مكايد الشيطان قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يعلمون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير
قوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم المعنى قل للكفار ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لينعموا عليكم بنعمة أو يكشفوا عنكم بلية ثم أخبر عنهم فقال لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض أي من خير وشر ونفع وضر وما لهم فيهما من شرك لم يشاركونا في شئ من خلقهما وماله أي وما لله منهم أي من الآلهة من ظهير أي من معين على شئ
ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له قرا ابن كثير ونافع وابن عامر أذن له بفتح الألف وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف أذن له برفع الألف وعن عاصم كالقراءتين أي لا تنفع شفاعة ملك ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة وقيل حتى يؤذن له فيمن يشفع وفي هذا رد عليهم حين قالوا إن هذه الآلهة تشفع لنا

حتى إذا فزع عن قلوبهم قرأ الأكثرون فزع بضم الفاء وكسر الزاي قال ابن قتيبة خفف عنها الفزع وقال الزجاج معناه كشف الفزع عن قلوبهم وقرأ ابن عامر ويعقوب وأبان فزع بفتح الفاء والزاي والفعل لله عز و جل وقرأ الحسن وقتادة وابن يعمر فرغ بالراء غير معجمة وبالغين معجمة وهو بمعنى الأول لأنها فرغت من الفزع وقال غيره بل فرغت من الشك والشرك
وفي المشار إليهم قولان
أحدهما أنهم الملائكة وقد دل الكلام على انهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله ولم يذكره في الآية لأن إخراج الفزع يدل على حصوله وفي سبب فزعهم قولان
أحدهما أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فاذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك قال فيقول الحق فينادون الحق الحق وروى ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا قضى الله عز و جل الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فاذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا

للذي قال الحق وهو العلي الكبير
والثاني أنهم يفزعون من قيام الساعة وفي السبب الذي ظنوه بدنو الساعة ففزعوا قولان
أحدهما أنه لما كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ثم بعث الله محمدا أنزل الله جبريل بالوحي فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل بشئ من أمر الساعة فصعقوا لذلك فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي قاله قتادة ومقاتل وابن السائب وقيل لما علموا بالإيحاء إلى محمد صلى الله عليه و سلم فزعوا لعلمهم أن ظهوره من أشراط الساعة
والثاني أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله تعالى فانحدروا يسمع لهم صوت شديد فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجدا ويصعقون حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة وهذا كلما مروا عليهم رواه الضحاك عن ابن مسعود
والقول الثاني أن الذي أشير إليهم المشركون ثم في معنى الكلام قولان
أحدهما أن المعنى حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت إقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة ماذا قال ربكم في الدنيا قالوا الحق فأقروا حين لم ينفعهم الإقرار قاله الحسن وابن زيد

والثاني حتى إذا كشف الغطاء عن قلوبهم يوم القيامة قيل لهم ماذا قال ربكم قاله مجاهد قل من يرزقكم من السماوات والارض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم
قوله تعالى قل من يرزقكم من السماوات يعني المطر والأرض يعني النبات والثمر وإنما أمر أن يسأل الكفار عن هذا احتجاجا عليهم بأن الذي يرزق هو المستحق للعبادة وهم لا يثبتون رازقا سواه ولهذا قيل له قل الله لأنهم لا يجيبون بغير هذا وهاهنا تم الكلام ثم أمره أن يقول لهم وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين مذهب المفسرين أن أو هاهنا بمعنى الواو وقال أبو عبيدة معنى الكلام وإنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين وقال الفراء معنى أو عند المفسرين معنى الواو وكذلك هو في المعنى غير أن العربية على غير ذلك لا تكون او بمنزلة الواو ولكنها تكون في الأمر المفوض كما تقول إن شئت فخذ درهما أو اثنين فله أن يأخذ واحدا أو اثنين وليس له أن يأخذ ثلاثة وإنما معنى الآية وإنا لضالون أو مهتدون وإنكم أيضا لضالون أو مهتدون وهو يعلم أن

رسوله المهتدي وأن غيره الضال كما تقول للرجل تكذبه والله إن أحدنا لكاذب وأنت تعنيه فكذبته تكذيبا غير مكشوف ويقول الرجل والله لقد قدم فلان فيقول له من يعلم كذبه قل إن شاء الله فيكذبه بأحسن من تصريح التكذيب ومن كلام العرب أن يقولوا قاتله الله ثم يستقبحونها فيقول قاتعه الله ويقول بعضهم كاتعه الله ويقولون جوعا دعاء على الرجل ثم يستقبحونها فيقولون جودا وبعضهم يقول جوسا ومن ذلك قولهم ويحك وويسك وإنما هي في معنى ويلك إلا أنها دونها
قوله تعالى قل لا تسألون عما أجرمنا أي لا تؤاخذون به ولا نسأل عما تعلمون من الكفر والتكذيب والمعنى إظهار التبري منهم وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف ولا وجه لذلك
قوله تعالى قل يجمع بيننا ربنا يعني عند البعث في الآخرة ثم يفتح بيننا أي يقضي بالحق أي بالعدل وهو الفتاح القاضي العليم بما يقضي قل للكفار أروني الذين ألحقتم به شركاء أي أعلموني من أي وجه ألحقتموهم وهم لا يخلقون ولا يرزقون كلا ردع وتنبيه والمعنى ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالتكم فليس الأمر على ما أنتم عليه

وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون
قوله تعالى وما أرسلناك إلا كافة للناس أي عامة لجميع الخلائق وفي الكلام تقديم تقديره وما أرسلناك إلا للناس كافة وقيل معنى كافة للناس تكفهم عما هم عليه من الكفر والهاء فيه للمبالغة
ويقولون متى هذا الوعد يعنون العذاب الذي يعدهم به في يوم القيامة وإنما قالوا هذا لأنهم ينكرون البعث قل لكم ميعاد يوم وفيه قولان أحدهما أنه يوم الموت عند النزع والسياق قاله الضحاك والثاني يوم القيامة قاله ابو سليمان الدمشقي

وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانو يعملون
قوله تعالى وقال الذين كفروا يعني مشركي مكة لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه يعنون التوراة والإنجيل وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا إن صفة محمد في كتابنا فكفر أهل مكة بكتابهم
ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال ولو ترى إذ الظالمون يعني مشركي مكة موقوفون عند ربهم في الآخرة يرجع بعضهم إلى بعض القول أي يرد بعضهم على بعض في الجدال واللوم يقول الذين استضعفوا وهم الأتباع للذين استكبروا وهم الأشراف والقادة لولا أنتم لكنا مؤمنين أي مصدقين بتوحيد الله والمعنى أنتم منعتمونا عن الإيمان فأجابهم المتبوعون فقالوا أنحن صددناكم عن الهدى أي منعناكم عن الإيمان بعد إذ جاءكم به الرسول بل كنتم مجرمين بترك الإيمان وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببا للعداوة في الآخرة فرد عليهم الأتباع فقالوا بل مكر الليل والنهار أي بل مكركم بنا في الليل والنهار قال الفراء

وهذا مما تتوسع فيه العرب لوضوح معناه كما يقولون ليله قائم ونهاره صائم فتضيف الفعل إلى غير الآدميين والمعنى لهم وقال الأخفش وهذا كقوله من قريتك التي أخرجتك محمد قال جرير ... لقد لمتنا يا أم غيلان في السري ونمت وما ليل المطي بنائم ...
وقرأ سعيد بن جبير وأبو الجوزاء وعاصم الجحدري بل مكر بفتح الكاف والراء الليل والنهار برفعهما وقرأ ابن يعمر بل مكر باسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها الليل والنهار بنصبهما
قوله تعالى إذ تأمورننا ان نكفر بالله وذلك أنهم كانوا يقولون لهم إن ديننا حق ومحمد كذاب وأسروا الندامة وقد سبق بيانه في يونس
قوله تعالى وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا إذا دخلوا جهنم غلت أيديهم إلى أعناقهم وقالت لهم خزنة جهنم هل تجزون إلا ما كنتم تعملون في الدنيا قال ابو عبيدة مجاز هل هاهنا مجاز الإيجاب وليس باستفهام والمعنى ما تجزون إلا ما كنتم تعملون وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون والذين

يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين
وما أرسلنا في قرية من نذير أي نبي ينذر إلا قال مترفوها وهم أغنياؤهم ورؤساؤها
قوله تعالى وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا في المشار إليهم

قولان أحدهما أنهم المترفون من كل أمة والثاني مشركو مكة فظنوا من جهلهم أن الله خولهم المال والولد لكرامتهم عليه فقالوا وما نحن بمعذبين لأن الله أحسن إلينا بما أعطانا فلا يعذبنا فأخبر أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر والمعنى أن بسط الرزق وتضييقه ابتلاء وامتحان لا أن البسط يدل على رضى الله ولا التضييق يدل على سخطه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك ثم صرح بهذا المعنى بقوله وما اموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قال الفراء يصلح أن تقع التي على الأموال والأولاد جميعا لأن الأموال جمع والأولاد جمع وإن شئت وجهت التي إلى الأموال واكتفيت بها من ذكر الأولاد وأنشد لمرار الأسدي ... نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف ...
وقد شرحنا هذا في قوله ولا ينفقونها في سبيل الله التوبة وقال الزجاج المعنى وما أموالكم بالتي تقربكم ولا أولادكم بالذين يقربونكم فحذف اختصارا وقرأ أبي بن كعب والحسن وأبو الجوزاء باللاتي تقربكم قال الأخفش وزلفى هاهنا اسم مصدر كأنه قال تقربكم عندنا ازدلافا وقال ابن قتيبة زلفى أي قربى ومنزلة عندنا

قوله تعالى إلا من آمن قال الزجاج المعنى ما تقرب الأموال إلا من آمن وعمل بها في طاعة الله فأولئك لهم جزاء الضعف والمراد به ها هنا عشر حسنات تأويله لهم جزاء الضعف الذي قد أعلمتكم مقداره وقال ابن قتيبة لم يرد فيما يرى أهل النظر والله اعلم أنهم يجازون بواحد مثله ولا اثنين ولكنه أراد جزاء التضعيف وهو مثل يضم إلى مثل ما بلغ وكأن الضعف الزيادة فالمعنى لهم جزاء الزيادة وقرأ سعيد بن جبير وأبو المتوكل ورويس وزيد عن يعقوب لهم جزاء بالنصب والتنوين وكسر التنوين وصلا الضعف بالرفع وقرأ أبو الجوزاء وقتادة وأبو عمران الجوني لهم جزاء بالرفع والتنوين الضعف بالرفع
قوله تعالى وهم في الغرفات يعني في غرف الجنة وهي البيوت فوق الأبنية وقرأ حمزة في الغرفة على التوحيد أراد اسم الجنس وقرأ الحسن وأبو المتوكل في الغرفات بضم الغين وسكون الراء مع الألف وقرأ أبو الجوزاء وابن يعمر بضم الغين وفتح الراء مع الألف آمنون من الموت والغير وما بعد هذا قد تقدم تفسيره الحج الرعد إلى قوله وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه أي يأتي ببدله يقال أخلف الله له وعليه إذا أبدل ما ذهب عنه وفي معنى الكلام اربعة أقوال
أحدهما ما أنفقتم من غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه قاله سعيد بن جبير
والثاني ما أنفقتم في طاعته فهو يخلفه في الآخرة بالأجر قاله السدي
والثالث ما أنفقتم في الخير والبر فهو يخلفه إما أن يعجله في الدنيا أو يدخره لكم في الآخرة قاله ابن السائب

والرابع أن الإنسان قد ينفق ماله في الخير ولا يرى له خلفا أبدا وإنما معنى الآية ما كان من خلف فهو منه ذكره الثعلبي
قوله تعالى وهو خير الرازقين لما دار على الألسن أن السلطان يرزق الجند وفلان يرزق عياله أي يعطيهم أخبر أنه خير المعطين ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير

قوله تعالى ويوم يحشرهم جميعا يعني المشركين وقال مقاتل يعني الملائكة ومن عبدها ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون وهذا استفهام تقرير وتوبيخ للعابدين فنزهت الملائكة ربها عن الشرك فقالوا سبحانك أي تنزيها لك مما أضافوه إليك من الشركاء أنت ولينا من دونهم أي نحن نتبرأ إليك منهم ما تولينا ولا اتخذناهم عابدين ولسنا نريد وليا غيرك بل كانوا يعبدون الجن أي يطيعون الشياطين في عبادتهم إيانا أكثرهم بهم أي بالشياطين مؤمنون أي مصدقون لهم فيما يخبرونهم من الكذب أن الملائكة بنات الله فيقول الله تعالى فاليوم يعني في الآخرة لا يملك بعضكم لبعض يعني العابدين والمعبودين نفعا بالشفاعة ولا ضرا بالتعذيب ونقول للذين ظلموا فعبدوا غير الله ذوقوا عذاب النار الآية
ثم أخبر أنهم يكذبون محمدا والقرآن بالآية التي تلي هذه وتفسيرها ظاهر
ثم أخبر أنهم لم يقولوا ذلك عن بينة ولم يكذبوا محمدا عن يقين ولم يأتهم قبله كتاب ولا نبي يخبرهم بفساد أمره فقال وما آتيناهم من كتب يدرسونها قال قتادة ما أنزل الله على العرب كتابا قبل القرآن

ولا بعث إليهم نبيا قبل محمد وهذا محمول على الذين أنذرهم نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وقد كان إسماعيل نذيرا للعرب
ثم أخبر عن عاقبة المكذبين قبلهم مخوفا لهم فقال وكذب الذين من قبلهم يعني الامم الكافرة وما بلغوا معشار ما آتيناهم وفيه ثلاثة أقوال
أحدها ما بلغ كفار مكة معشار ما آتينا الأمم التي كانت قبلهم من القوة والمال وطول العمر قاله الجمهور
والثاني ما بلغ الذين من قبلهم معشار ما أعطينا هؤلاء من الحجة والبرهان
والثالث ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم حكاهما الماوردي
والمعشار العشر والنكير اسم بمعنى الإنكار قال الزجاج والمعنى فكيف كان نكيري وإنما حذفت الياء لأنه آخر آية قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد قل ماسألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شئ شهيد قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد قل إن ضللت فانما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب
قوله تعالى قل إنما أعظكم أي آمركم وأوصيكم بواحدة وفيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها لا إله إلا الله رواه ليث عن مجاهد

والثاني طاعة الله رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد
والثالث أنها قوله أن تقوموا لله مثنى وفرادى قاله قتادة والمعنى ان التي أعظكم بها قيامكم وتشميركم لطلب الحق وليس بالقيام على الأقدام والمراد بقوله مثنى أي يجتمع اثنان فيتناظران في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم والمراد به فرادى أن يتفكر الرجل وحده ومعنى الكلام ليتفكر الإنسان منكم وحده وليخل بغيره وليناظر وليستشر فيستدل بالمصنوعات على صانعها ويصدق الرسول على اتباعه وليقل الرجل لصاحبه هلم فلنتصادق هل رأينا بهذا الرجل جنة قط أو جربنا عليه كذبا قط وتم الكلام عند قوله ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة وفيه اختصار تقديره ثم تتفكروا لتعلموا صحة ما أمرتكم به وأن الرسول ليس بمجنون إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد في الآخرة
قوله تعالى قل ما سألتكم من أجر على تبليغ الرسالة فهو لكم

والمعنى ما أسألكم شيئا ومثله قول القائل ما لي في هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شئ
قوله تعالى قل إن ربي يقذف بالحق أي يلقي الوحي إلى أنبياءه علام الغيوب وقرأ أبو رجاء علام بنصب الميم
قل جاء الحق وهو الإسلام والقرآن
وفي المراد بالباطل ثلاثة أقوال
أحدها أنه الشيطان لا يخلق أحدا ولا يبعثه قاله قتادة
والثاني أنه الأصنام لا تبدئ خلقا ولا تحيي قاله الضحاك وقال أبو سليمان لا يبتدئ الصنم من عنده كلاما فيجاب ولا يرد ما جاء من الحق بحجة
والثالث أنه الباطل الذي يضاد الحق فالمعنى ذهب الباطل بمجئ الحق فلم تبق منه بقية يقبل بها او يدبر أو يبدي او يعيد ذكره جماعة من المفسرين
قوله تعالى قل إن ضللت فانما أضل على نفسي أي إثم ضلالتي

على نفسي وذلك أن كفار مكة زعموا أنه قد ضل حين ترك دين آبائه وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي من الحكمة والبيان ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب
قوله تعالى ولو ترى إذ فزعوا في زمان هذا الفزع قولان
أحدهما أنه حين البعث من القبور قاله الأكثرون
والثاني أنه عند ظهور العذاب في الدنيا رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال قتادة وقال سعيد بن جبير هو الجيش الذي يخسف به بالبيداء يبقى منهم رجل فيخبر الناس بما لقوا وهذا حديث مشروح في التفسير وأن هذا الجيش يؤم البيت الحرام لتخريبه فيخسف بهم وقال الضحاك وزيد ابن أسلم هذه الآية فيمن قتل يوم بدر من المشركين

قوله تعالى فلا فوت المعنى فلا فوت لهم أي لا يمكنهم أن يفوتونا وأخذوا من مكان قريب فيه ثلاثة أقوال
أحدها من مكانهم يوم بدر قاله زيد بن أسلم والثاني من تحت أقدامهم بالخسف قاله مقاتل والثالث من القبور قاله ابن قتيبة وأين كانوا فهم من الله قريب
قوله تعالى وقالوا أي حين عاينوا العذاب آمنا به في هاء الكناية أربعة أقوال
أحدها أنها تعود إلى الله عز و جل قاله مجاهد والثاني إلى البعث قاله الحسن والثالث إلى الرسول قاله قتادة والرابع إلى القرآن قاله مقاتل
قوله تعالى وأنى لهم التناوش قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم التناوش غير مهموز وقرا أبو عمرو وحمزة ة والكسائي والمفضل عن عاصم بالهمز قال الفراء من همز جعله من نأشت ومن لم يهمز جعله من نشت وهما متقاربان والمعنى تناولت الشئ بمنزلة ذمت الشئ وذامته إذا عبته وقد تناوش القوم في القتال إذ تناول بعضهم بعضا بالرماح ولم يتدانوا كل التداني وقد يجوز همز التناؤش وهي من نشت لانضمام الواو مثل قوله وإذا الرسل أقتت المرسلات وقال الزجاج من همز التناؤش فلأن واو التناوش مضمومة وكل واو مضمونة ضمتها لازمة إن شئت أبدلت منها همزة وإن شئت لم تبدل نحو أدؤر وقال ابن قتيبة معنى الآية وأنى لهم

التناوش لما أرادوا بلوغه وإدراك ما طلبوا من التوبة من مكان بعيد وهو الموضع الذي تقبل فيه التوبة وكذلك قال المفسرون انى لهم بتناول الإيمان والتوبة وقد تركوا ذلك في الدنيا والدنيا قد ذهبت
قوله تعالى وقد كفروا به في هاء الكناية أربعة أقوال قد تقدمت في قوله آمنا به سبأ ومعنى من قبل أي في الدنيا من قبل معاينة أهوال الآخرة ويقذفون بالغيب أي يرمون بالظن من مكان بعيد وهو بعدهم عن العلم بما يقولون
وفي المراد بمقالتهم هذه ثلاثة أقوال
أحدها أنهم يظنون أنهم يردون إلى الدنيا قاله ابو صالح عن ابن عباس
والثاني أنه قولهم في الدنيا لا بعث لنا ولا جنة ولا نار قاله الحسن وقتادة
والثالث أنه قولهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم هو ساحر هو كاهن هو شاعر قاله مجاهد
قوله تعالى وحيل بينهم وبين ما يشتهون أي منع هؤلاء الكفار مما يشتهون وفي ستة اقوال
احدها انه الرجوع إلى الدنيا قاله ابن عباس والثاني الأهل والمال والولد قاله مجاهد والثالث الإيمان قاله الحسن والرابع طاعة الله قاله قتادة والخامس التوبة قاله السدي والسادس حيل بين الجيش الذي

خرج لتخريب الكعبة وبين ذلك بأن خسف بهم قاله مقاتل
قوله تعالى كما فعل وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وأبو عمران كما فعل بفتح الفاء والعين بأشياعهم من قبل قال الزجاج أي بمن كان مذهبه مذهبهم قال المفسرون والمعنى كما فعل بنظرائهم من الكفار من قبل هؤلاء فانهم حيل بينهم وبين ما يشتهون وقال الضحاك هم أصحاب الفيل حين أرادوا خراب الكعبة إنهم كانوا في شك من البعث ونزول العذاب بهم مريب أي موقع للريبة والتهمة

سورة فاطر
وتسمى سورة الملائكة وهي مكية باجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم
قوله تعالى الحمد لله فاطر السماوات والأرض أي خالقهما مبتدئا على غير مثال قال ابن عباس ما كنت أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى اختصم أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتداءتها
قوله تعالى جاعل الملائكة وروى الحلبي والقزاز عن عبد الوارث

جاعل بالرفع والتنوين الملائكة بالنصب رسلا يرسلهم إلى الأنبياء وإلى ما يشاء من الأمور أولي أجنحة أي أصحاب أجنحة مثنى وثلاث ورباع فبعضهم له جناحان وبعضهم له ثلاثة وبعضهم له اربعة ويزيد في الخلق ما يشاء فيه خمسة أقوال
أحدها أنه زاد في خلق الملائكة الأجنحة رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني يزيد في الاجنحة ما يشاء رواه عباد بن منصور عن الحسن وبه قال مقاتل
والثالث أنه الخلق الحسن رواه عوف عن الحسن
والرابع أنه حسن الصوت قاله الزهري وابن جريج
والخامس الملاحة في العينين قاله قتادة
قوله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة أي من خير ورزق وقيل أراد بها المطر فلا ممسك لها وقرأ أبي بن كعب وابن ابي عبلة فلا ممسك له وفي الآية تنبيه على أنه لا إله إلا هو إذ لا يستطيع أحد إمساك ما فتح وفتح ما أمسك يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء الأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا

ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير
قوله تعالى يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم قال المفسرون الخطاب لأهل مكة واذكروا بمعنى احفظوا ونعمة الله عليهم إسكانهم الحرم ومنع الغارات عنهم
هل من خالق غير الله وقرأ حمزة والكسائي غير الله بخفض الراء قال أبو علي جعلاه صفة على اللفظ وذلك حسن لإتباع الجر وهذا استفهام تقرير وتوبيخ والمعنى لا خالق سواه يرزقكم من السماء المطر و من الأرض النبات وما بعد هذا قد سبق بيانه الأنعام آل عمران البقرة لقمان إلى قوله إن الشيطان لكم عدو أي إنه يريد هلاككم فاتخذوه عدوا أي أنزلوه من أنفسكم منزلة الأعداء وتجنبوا طاعته إنما يدعو حزبه أي شيعته إلى الكفر ليكونوا من أصحاب السعير أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور

قوله تعالى أفمن زين له سوء عمله اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال
أحدها أنها نزلت في ابي جهل ومشركي مكة قاله ابن عباس
والثاني في أصحاب الأهواء والملل التي خالفت الهدى قاله سعيد بن جبير
والثالث أنهم اليهود والنصارى والمجوس قاله أبو قلابة
فان قيل اين جواب أفمن زين له
فالجواب من وجهين ذكرهما الزجاج
أحدهما أن الجواب محذوف والمعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله ويدل على هذا قوله فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء
والثاني أن المعنى أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليهم حسرات ويدل على هذا قوله فلا تذهب نفسك عليهم حسرات

وقرأ أبو جعفر فلا تذهب بضم التاء وكسر الهاء نفسك بنصب السين
وقال ابن عباس لا تغتم ولا تهلك نفسك حسرة على تركهم الإيمان
قوله تعالى فتثير سحابا أي تزعجه من مكانه وقال أبو عبيدة تجمعه وتجئ به وسقناه بمعنى نسوقه والعرب قد تضع فعلنا في موضع نفعل وأنشدوا ... إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا مني وما سمعوا من صالح دفنوا ...
المعنى يطيروا ويدفنوا
قوله تعالى كذلك النشور وهو الحياة وفي معنى الكلام قولان
أحدهما كما أحيا الله الأرض بعد موتها يحيي الموتى يوم البعث روى أبو رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه فقال هل مررت بوادي أهلك محلا ثم مررت به يهتز خضرا قلت نعم قال فكذلك يحيي الله الموتى وتلك آيته في خلقه
والثاني كما أحيا الله الأرض المينة بالماء كذلك يحيي الله الموتى بالماء

قال ابن مسعود يرسل الله تعالى ماء من تحت العرش كمني الرجال قال فتنبت لحمانهم وجسمانهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثرى ثم قرأ هذه الآية وقد ذكرنا في الأعراف نحو هذا الشرح من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور
قوله تعالى من كان يريد العزة فيه ثلاثة أقوال
أحدها من كان يريد العزة بعبادة الأوثان فلله العزة جميعا قاله مجاهد
والثاني من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله قاله قتادة وقد روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال إن ربكم يقول كل يوم انا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز
والثالث من كان يريد العزة لمن هي فانها لله جميعا قاله الفراء
قوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب وقرأ ابن مسعود وأبو عبد الرحمن السلمي والنخعي والجحدري والشيزري عن الكسائي

يصعد الكلام الطيب وهو توحيده وذكره والعمل الصالح يرفعه قال علي بن المديني الكلم الطيب لا إله إلا الله والعمل الصالح أداء الفرائض واجتناب المحارم
وفي هاء الكناية في قوله يرفعه ثلاثة أقوال
أحدها أنها ترجع إلى الكلم الطيب فالمعنى والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وكان الحسن يقول يعرض القول على الفعل فان وافق القول الفعل قبل وإن خالف رد
والثاني أنها ترجع إلى العمل الصالح فالمعنى والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب فهو عكس القول الأول وبه قال أبو صالح وشهر بن حوشب فاذا قلنا إن الكلم الطيب هو التوحيد كانت فائدة هذا القول أنه لا يقبل عمل صالح إلا من موحد
والثالث أنها ترجع إلى الله عز و جل فالمعنى والعمل الصالح يرفعه الله إليه أي يقبله قاله قتادة
قوله تعالى والذين يمكرون السيئات قال أبو عبيدة يمكرون بمعنى يكتسبون ويجترحون ثم في المشار إليهم اربعة أقوال

أحدها أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه و سلم في دار الندوة قاله أبو العالية
والثاني أنهم أصحاب الرياء قاله مجاهد وشهر بن حوشب
والثالث أنهم الذين يعملون السيئات قاله قتادة وابن السائب
والرابع أنهم قائلو الشرك قاله مقاتل
وفي معنى يبور قولان
أحدهما يبطل قاله ابن قتيبة والثاني يفسد قاله الزجاج والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية

تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير
قوله تعالى والله خلقكم من تراب يعني آدم ثم من نطفة يعني نسله ثم جعلكم أزواجا أي أصنافا ذكورا وإناثا قال قتادة زوج بعضهم ببعض
قوله تعالى وما يعمر من معمر أي ما يطول عمر أحد ولا ينقص وقرأ الحسن ويعقوب ينقص بفتح الياء وضم القاف من عمره في هذه الهاء قولان
أحدهما أنها كناية عن آخر فالمعنى ولا ينقص من عمر آخر وهذا المعنى في رواية العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد في آخرين قال الفراء وإنما كني عنه كأنه الأول لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأول كأنه قال ولا ينقص من عمر معمر ومثله في الكلام عندي درهم ونصفه والمعنى ونصف آخر
والثاني أنها ترجع إلى المعمر المذكور فالمعني ما يذهب من عمر هذا المعمر يوم أو ليلة إلا وذلك مكتوب قال سعيد بن جبير مكتوب في أول الكتاب عمره كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم

ذهب يومان ذهبت ثلاثة إلى أن ينقطع عمره وهذا المعنى في رواية ابن جبير عن ابن عباس وبه قال عكرمة وأبو مالك في آخرين
فأما الكتاب فهو اللوح المحفوظ
وفي قوله إن ذلك على الله يسير قولان
أحدهما أنه يرجع إلى كتابة الآجال والثاني إلى زيادة العمر ونقصانه
قوله تعالى وما يستوي البحران يعني العذب والملح وهذه الآية وما بعدها قد سبق بيانه الفرقان النحل آل عمران الرعد إلى قوله ما يملكون من قطمير قال ابن عباس هو القشر الذي يكون على ظهر النواة
قوله تعالى إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم لأنهم جماد ولو سمعوا بأن يخلق الله لهم أسماعا ما استجابوا لكم أي لم يكن عندهم إجابة ويوم القيامة يكفرون بشرككم أي يتبرؤون من عبادتكم ولا ينبئك يا محمد مثل خبير أي عالم بالأشياء يعني نفسه عز و جل والمعنى أنه لا أخبر منه عز و جل بما أخبر أنه سيكون

يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فانما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير وما يستوي الاعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير
يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله أي المحتاجون إليه والله هو الغني عن عبادتكم الحميد عند خلقه باحسانه إليهم وما بعد هذا قد تقدم

بيانه إبراهيم الأنعام إلى قوله وإن تدع مثقلة أي نفس مثقلة بالذنوب إلى حملها الذي حملت من الخطايا لا يحمل منه شئ ولو كان الذي تدعوه ذا قربى ذا قرابة إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب أي يخشونه ولم يروه والمعنى إنما تنفع بانذارك أهل الخشية فكأنك تنذرهم دون غيرهم لمكان اختصاصهم بالانتفاع ومن تزكى أي تطهر من الشرك والفواحش وفعل الخير فانما يتزكى لنفسه أي فصلاحه لنفسه وإلى الله المصير فيجزي بالأعمال
وما يستوي الاعمى والبصير يعني المؤمن والمشرك ولا الظلمات يعني الشرك والضلالات ولا النور الهدى والإيمان ولا الظل ولا الحرور فيه قولان
أحدهما ظل الليل وسموم النهار قاله عطاء
والثاني الظل الجنة والحرور النار قاله مجاهد قال الفراء الحرور بمنزلة السموم وهي الرياح الحارة والحرور تكون بالنهار وبالليل والسموم لا تكون إلا بالنهار وقال ابو عبيدة الحرور تكون بالنهار مع الشمس وكان رؤبة يقول الحرور بالليل والسموم بالنهار
قوله تعالى وما يستوي الأحياء ولا الأموات فيهم قولان
أحدهما أن الأحياء المؤمنون والأموات الكفار
والثاني أن الأحياء العقلاء والأموات الجهال

وفي لا المذكورة في هذه الآية قولان
أحدهما أنها زائدة مؤكدة والثاني أنها نافية لاستواء أحد المذكورين مع الآخر
قال قتادة هذه أمثال ضربها الله تعالى للمؤمن والكافر يقول كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن
إن الله يسمع من يشاء أي يفهم من يريد إفهامه وما انت بمسمع من في القبور وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن والجحدري بمسمع من على الإضافة يعني الكفار شبههم بالموتى إن أنت إلا نذير قال بعض المفسرين نسخ معناها بآية السيف

قوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير أي ما من أمة إلا قد جاءها رسول وما بعد هذا قد سبق بيانه آل عمران الحج إلى قوله فكيف كان نكير أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب وافقه في الوصل ورش ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور
قوله تعالى ومن الجبال جدد بيض أي ومما خلقنا من الجبال جدد قال ابن قتيبة الجدد الخطوط والطرائق تكون في الجبال فبعضها بيض وبعضها حمر وبعضها غرابيب سود والغرابيب جمع غربيب وهو الشديد السواد يقال أسود غربيب وتمام الكلام عند قوله كذلك يقول من الجبال مختلف ألوانه ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك أي كاختلاف الثمرات قال الفراء وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره وسود غرابيب لأنه يقال أسود غربيب

وقلما يقال غربيب أسود وقال الزجاج المعنى ومن الجبال غرابيب سود وهي ذوات الصخر الأسود وقال ابن دريد الغربيب الأسود أحسب أن اشتقاقه من الغراب
وللمفسرين في المراد بالغرابيب ثلاثة أقوال
أحدها الطرائق السود قاله ابن عباس والثاني الأودية السود قاله قتادة والثالث الجبال السود قاله السدي
ثم ابتدأ فقال إنما يخشى الله من عباده العلماء يعني العلماء بالله عز و جل قال ابن عباس يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني وقال مجاهد والشعبي العالم من خاف الله وقال الربيع ابن انس من لم يخش الله فليس بعالم إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير
قوله تعالى إن الذين يتلون كتاب الله يعني قراء القرآن فأثنى عليهم بقراءة القرآن وكان مطرف يقول هذه آية القراء
وفي قوله يتلون قولان أحدهما يقرؤون والثاني يتبعون

قال أبو عبيدة وأقاموا الصلاة بمعنى ويقيمون وهو إدامتها لمواقيتها وحدودها
قوله تعالى يرجون تجارة قال الفراء هذا جواب قوله إن الذين يتلون قال المفسرون والمعنى يرجون بفعلهم هذا تجارة لن تفسد ولن تهلك ولن تكسد ليوفيهم أجورهم أي جزاء أعمالهم ويزيدهم من فضله قال ابن عباس سوى الثواب مالم ترعين ولم تسمع أذن
فأما الشكور فقال الخطابي هو الذي يشكر اليسير من الطاعة فيثيب عليه الكثير من الثواب ويعطي الجزيل من النعمة ويرضي باليسير من الشكر ومعنى الشكر المضاف إليه الرضى بيسير الطاعة من العبد والقبول له وإعظام الثواب عليه وقد يحتمل أن يكون معنى الثناء على الله بالشكور ترغيب الخلق في الطاعة قلت أو كثرت لئلا يستقلوا القليل من العمل ولا يتركوا اليسير منه ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير
قوله تعالى ثم أورثنا الكتاب في ثم وجهان أحدهما أنها بمعنى الواو والثاني أنها للترتيب والمعنى أنزلنا الكتب المتقدمة ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا وفيهم قولان
أحدهما أنهم أمة محمد صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس
والثاني أنهم الأنبياء وأتباعهم قاله الحسن

وفي الكتاب قولان
أحدهما أنه اسم جنس والمراد به الكتب التي انزلها الله عز و جل وهذا يخرج على القولين فان قلنا الذين اصطفوا أمة محمد فقد قال ابن عباس إن الله أورث أمة محمد صلى الله عليه و سلم كل كتاب انزله وقال ابن جرير الطبري ومعنى ذلك أورثهم الإيمان بالكتب كلها وجميع الكتب تأمر باتباع القرآن فهم مؤمنون بها عاملون بمقتضاها واستدل على صحة هذا القول بأن الله تعالى قال في الآية التي قبل هذه والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق وأتبعه بقوله ثم أورثنا الكتاب فعلمنا أنهم أمة محمد إذ كان معنى الميراث انتقال شئ من قوم إلى قوم ولم تكن أمة على عهد نبينا انتقل إليهم كتاب من قوم كانوا قبلهم غير أمته فان قلنا هم الأنبياء وأتباعهم كان المعنى أورثنا كل كتاب أنزل على نبي ذلك النبي وأتباعه
والقول الثاني أن المراد بالكتاب القرآن
وفي معنى أورثنا قولان
أحدهما أعطينا لأن الميراث عطاء قاله مجاهد
والثاني أخرنا ومنه الميراث لأنه تأخر عن الميت فالمعنى أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناه هذه الأمة إكراما لها ذكره بعض أهل المعاني
قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه فيه أربعة أقوال

أحدها أنه صاحب الصغائر روى عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه الآية قال كلهم في الجنة
والثاني أنه الذي مات على كبيرة ولم يتب منها رواه عطاء عن ابن عباس
والثالث أنه الكافر رواه عمرو بن دينار عن ابن عباس وقد رواه ابن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فعلى هذا يكون الاصطفاء لجملة من أنزل عليه الكتاب كما قال وإنه لذكر لك ولقومك الزخرف أي لشرف لكم وكم من مكرم لم يقبل الكرامة
والرابع أنه المنافق حكي عن الحسن وقد روي عن الحسن أنه

قال الظالم الذي ترجح سيئاته على حسناته والمقتصد الذي قد استوت حسناته وسيئاته والسابق من رجحت حسناته وروي عن عثمان بن عفان أنه تلا هذه الآية فقال سابقنا أهل جهادنا ومقتصدنا أهل حضرنا وظالمنا أهل بدونا
قوله تعالى ومنهم سابق وقرأ أبو المتوكل والجحدري وابن السميفع سباق مثل فعال بالخيرات أي بالأعمال الصالحة إلى الجنة أو إلى الرحمة باذن الله أي بارادته وأمره ذلك هو الفضل الكبير يعني إيراثهم الكتاب
ثم أخبر بثوابهم فجمعهم في دخول الجنة فقال جنات عدن يدخلونها قرأ أبو عمرو وحده يدخلونها بضم الياء وفتحها الباقون وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم ولؤلؤا بالنصب وروى

أبو بكر عن عاصم أنه كان يهمز الواو الثانية ولا يهمز الأولى وفي رواية أخرى أنه كان يهمز الأولى ولا يهمز الثانية والآية مفسرة في سورة الحج قال كعب تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك تجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمر كم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور هو الذي جعلكم خلائف في الارض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا
ثم أخبر عما يقولون عند دخولها وهو قوله الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن الحزن والحزن واحد كالبخل والبخل
وفي المراد بهذا الحزن خمسة أقوال أحدها أنه الحزن لطول المقام في المحشر روى ابو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أما السابق فيدخل الجنة بغير حساب وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا وأما الظالم لنفسه فانه حزين في ذلك المقام فهو الحزن والغم وذلك قوله تعالى الحمد لله الذي

أذهب عنا الحزن
والثاني أنه الجوع رواه أبو الدرداء أيضا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يصح وبه قال شمر بن عطية وفي لفظ عن شمر أنه قال الحزن هم الخبز وكذلك روي عن سعيد بن جبير أنه قال الحزن هم الخبز في الدنيا
والثالث أنه حزن النار رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس
والرابع حزنهم في الدنيا على ذنوب سلفت منهم رواه عكرمة عن ابن عباس
والخامس حزن الموت قاله عطية
والآية عامة في هذه الأقوال وغيرها ومن القبيح تخصيص هذا الحزن بالخبز وما يشبهه وإنما حزنوا على ذنوبهم وما يوجبه الخوف

قوله تعالى الذي أحلنا أي أنزلنا دار المقامة قال الفراء المقامة هي الإقامة والمقامة المجلس بالفتح لا غير قال الشاعر ... يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب ...
قوله تعالى من فضله قال الزجاج أي بتفضله لا بأعمالنا والنصب التعب واللغوب الإعياء من التعب ومعنى لغوب شئ يلغب أي لا نتكلف شيئا نعنى منه
قوله تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا أي لايهلكون فيستريحوا مما هم فيه ومثله فوكزه موسى فقضى عليه القصص

قوله تعالى كذلك نجزي كل كفور وقرأ أبو عمرو يجزي بالياء كل برفع اللام وقرأ الباقون نجزي بالنون كل بنصب اللام
قوله تعالى وهم يصطرخون فيها وهو افتعال من الصراخ والمعنى يستغيثون فيقولون ربنا أخرجنا نعمل صالحا أي نوحدك ونطيعك غير الذي كنا نعمل من الشرك والمعاصي فوبخهم الله تعالى بقوله أولم نعمركم قال أبو عبيدة معناه التقرير وليس باستفهام والمعنى أو لم نعمركم عمرا يتذكر فيه من تذكر
وفي مقدار هذا التعمير أربعة أقوال
أحدها أنه سبعون سنة قال ابن عمر هذه الآية تعبير لأبناء السبعين
والثاني أربعون سنة
والثالث ستون سنة رواهما مجاهد عن ابن عباس وبالأول منهما قال الحسن وابن السائب
والرابع ثماني عشرة سنة قاله عطاء ووهب بن منبه وأبو العالية وقتادة
قوله تعالى وجاءكم النذير فيه أربعة أقوال
أحدها أنه الشيب قاله ابن عمر وعكرمة وسفيان بن عيينة والمعنى او لم نعمر كم حتى شبتم والثاني النبي صلى الله عليه و سلم قاله قتادة وابن زيد

وابن السائب ومقاتل والثالث موت الأهل والأقارب والرابع الحمى ذكرهما الماوردي
قوله تعالى فذوقوا يعني العذاب فما للظالمين من نصير أي من مانع يمنع عنهم وما بعد هذا قد تقدم بيانه المائدة إلى قوله خلائف في الأرض وهي الأمة التي خلفت من قبلها ورأت فيمن تقدمها ما ينبغي أن تعتبر به فمن كفر فعليه كفره أي جزاء كفره قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض ام لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا
قوله تعالى أرأيتم شركاءكم المعنى أخبروني عن الذين عبدتم من دون الله واتخذتموهم شركاء بزعمكم بأي شئ أوجبتم لهم الشركة في العبادة أبشئ

خلقوه من الارض أم شاركوا خالق السماوات في خلقها ثم عاد إلى الكفار فقال أم آتيناهم كتابا يامرهم بما يفعلون فهم على بينة منه قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم على بينة على التوحيد وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم بينات جمعا والمراد البيان بأن مع الله شريكا بل إن يعد الظالمون يعني المشركين يعد بعضهم بعضا أن الأصنام تشفع لهم وأنه لاحساب عليهم ولا عقاب وقال مقاتل ما يعد الشيطان الكفار من شفاعة الآلهة إلا باطلا
قوله تعالى إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا أي يمنعهما من الزوال والذهاب والوقوع قال الفراء ولئن بمعنى ولو وإن بمعنى ما فالتقدير ولو زالتا ما أمسكهما من احد وقال الزجاج لما قالت النصارى المسيح ابن الله وقالت اليهود عزير ابن الله كادت السماوات يتفطرن والجبال أن تزول والارض أن تنشق فأمسكها الله عز و جل وإنما وحد الارض مع جمع السماوات لأن الأرض تدل على الأرضين ولئن زالتا تحتمل وجهين أحدهما زوالهما يوم القيامة والثاني أن يقال تقديرا وإن لم تزولا وهذا مكان يدل على القدرة غير أنه ذكر الحلم فيه لأنه لما أمسكهما

عند قولهم اتخذ الرحمن ولدا مريم حلم فلم يعجل لهم العقوبة وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا إستكبارا في الأرض ومكر السئ ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا
قوله تعالى وأقسموا بالله جهد أيمانهم يعني كفار مكة حلفوا بالله قبل إرسال محمد صلى الله عليه و سلم لئن جاءهم نذير أي رسول الله ليكونن أهدى أي أصوب دينا من إحدى الأمم يعني اليهود والنصارى الصائبين فلما جاءهم نذير وهو محمد صلى الله عليه و سلم ما زادهم مجيئه إلا نفورا أي تباعدا عن الهدى استكبارا في الارض أي عتوا على الله وتكبرا عن الإيمان به قال الاخفش نصب استكبارا على البدل من النفور قال الفراء المعنى

فعلوا ذلك استكبارا ومكر السئ فأضيف المكر إلى السئ كقوله وإنه لحق اليقين الحاقة وتصديقه في قراءة عبد الله ومكرا سيئا والهمزة في السئ مخفوضة وقد جزمها الأعمش وحمزة لكثرة الحركات قال الزجاج وهذا عند النحويين الحذاق لحن إنما يجوز في الشعر اضطرارا وقال أبو جعفر النحاس كان الأعمش يقف على مكر السئ فيترك الحركة وهو وقف حسن تام فغلط الراوي فروى أنه كان يحذف الإعراب في الوصل فتابع حمزة الغالط فقرأ في الإدراج بترك الحركة
وللمفسرين في المراد ب مكر السئ قولان
أحدهما أنه الشرك قال ابن عباس عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك
والثاني أنه المكر برسول الله صلى الله عليه و سلم حكاه الماوردي
قوله تعالى فهل ينظرون أي ينتظرون إلا سنة الأولين أي إلا أن ينزل العذاب بهم كما نزل بالأمم المكذبة قبلهم فلن تجد لسنة الله في العذاب تبديلا وإن تأخر ولن تجد لسنة الله تحويلا أي لا يقدر احد أن يحول العذاب عنهم إلى غيرهم أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شئ

في السماوات ولا في الارض إنه كان عليما قديرا ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فاذا جاء أجلهم فان الله كان بعباده بصيرا
قوله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا هذا عام وبعضهم يقول أراد بالناس المشركين والمعنى لو واخذهم بأفعالهم لعجل لهم العقوبة وقد شرحنا هذه الآية في النحل وما أخللنا به فقد سبق بيانه يوسف الروم الأعراف النحل
قوله تعالى فإن الله كان بعباده بصيرا قال ابن جرير بصيرا بمن يستحق العقوبة ومن يستوجب الكرامة

سورة يس وفيها قولان
أحدهما أنها مكية قاله ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة والجمهور وروي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا إنها مكية إلا آية منها وهي قوله وإذا قيل أنفقوا مما رزقكم الله يس 45
والثاني أنها مدنية حكاه أبو سليمان الدمشقي وقال ليس بالمشهور بسم الله الرحمن الرحيم
يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون
وفي قوله يس خمسة أقوال
أحدها أن معناها يا إنسان بالحبشية رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وعكرمة ومقاتل
والثاني أنها قسم أقسم الله به وهو من أسمائه رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
والثالث أن معناها يا محمد قاله ابن الحنفية والضحاك

والرابع أن معناها يا رجل قاله الحسن
والخامس اسم من أسماء القرآن قاله قتادة
وقرأ الحسن وأبو الجوزاء يس بفتح الياء وكسر النون وقرأ أبو المتوكل وأبو رجاء وابن ابي عبلة بفتح الياء والنون جميعا وقرأ أبو حصين الأسدي بكسر الياء وإظهار النون قال الزجاج والذي عند أهل العربية أن هذا بمنزلة افتتاح السور وبعض العرب يقول يس والقرآن بفتح النون وهذا جائز في العربية لوجهين أحدهما أن يس اسم للسورة فكأنه قال اتل يس وهو على وزن هابيل وقابيل لا ينصرف والثاني أنه فتح لالتقاء الساكنين والتسكين أجود لأنه حرف هجاء
قوله تعالى والقرآن الحكيم هذا قسم وقد سبق معنى الحكيم البقرة 32 قال الزجاج وجوابه إنك لمن المرسلين وأحسن ما جاء في العربية أن يكون لمن المرسلين خبر إن ويكون قوله على صراط مستقيم خبرا ثانيا فيكون المعنى إنك لمن المرسلين إنك على صراط مستقيم ويجوز أن يكون على صراط من صلة المرسلين فيكون المعنى إنك لمن المرسلين الذين أرسلوا على طريقة مستقيمة
قوله تعالى تنزيل العزيز قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو تنزيل

برفع اللام وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي تنزيل بنصب اللام وعن عاصم كالقراءتين قال الزجاج من قرأ بالنصب فعلى المصدر على معنى نزل الله ذلك تنزيلا ومن قرأ بالرفع فعلى معنى الذي أنزل إليك تنزيل العزيز وقال الفراء من نصب أراد إنك لمن المرسلين تنزيلا حقا منزلا ويكون الرفع على الاستئناف كقوله ذلك تنزيل العزيز وقرأ أبي بن كعب وأبو رزين وأبو العالية والحسن والجحدري تنزيل بكسر اللام وقال مقاتل هذا القرآن تنزيل العزيز في ملكه الرحيم بخلقه
قوله تعالى لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم في ما قولان
أحدهما أنها تنفي وهو قول قتادة والزجاج في الأكثرين
والثاني أنها بمعنى كما قاله مقاتل وقيل هي بمعنى الذي
قوله تعالى فهم غافلون أي عن حجج التوحيد وأدلة البعث
لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين
لقد حق القول فيه قولان أحدهما وجب العذاب والثاني سبق القول بكفرهم

قوله تعالى على أكثرهم يعني أهل مكة وهذه إشارة إلى إرادة الله تعالى السابقة لكفرهم فهم لا يؤمنون لما سبق من القدر بذلك
إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها مثل وليس هناك غل حقيقة قاله أكثر المحققين ثم لهم فيه ثلاثة أقوال أحدها أنها مثل لمنعهم عن كل خير قاله قتادة والثاني لحبسهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال قاله الفراء وابن قتيبة والثالث لمنعهم من الإيمان بالله قاله أبو سليمان الدمشقي
والقول الثاني أنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل قال مقاتل بن سليمان حلف أبو جهل لئن رأى النبي صلى الله عليه و سلم يصلي ليدمغنه فجاءه وهو يصلي فرفع حجرا فيبست يده والتصق الحجر بيده فرجع إلى أصحابه فأخبرهم الخبر فقام رجل منهم فأخذ الحجر فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم طمس الله على بصره فلم يره فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه فنزل في أبي جهل إنما جعلنا في أعناقهم أغلالا الآية ونزل في الآخر وجعلنا من بين أيديهم سدا

والقول الثالث أنه على حقيقته إلا أنه وصف لما سينزله الله تعالى بهم في النار حكاه الماوردي
قوله تعالى فهي إلى الأذقان قال الفراء فهي كناية عن الأيمان ولم تذكر لأن الغل لا يكون إلا في اليمين والعنق جامعا لهما فاكتفي بذكر أحدهما عن صاحبه وقال الزجاج هي كناية عن الأيدي ولم يذكر إيجازا لأن الغل يتضمن اليد والعنق وأنشد ... وما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني ...
وإنما قال أيهما لأنه قد علم أن الخير والشر معرضان للانسان قال الفراء والذقن أسفل اللحيين والمقمح الغاض بصره بعد رفع رأسه قال أبو عبيده كل رافع رأسه فهو مقامح وقامح والجمع قماح فان فعل ذلك بانسان فهو مقمح ومنه هذه الآية وقال ابن قتيبة يقال بعير قامح وإبل قماح إذا رويت من الماء فقمحت قال الشاعر وذكر سفينة ... ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح وقال الأزهري المراد أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إياها

قوله تعالى وجعلنا من بين أيديهم سدا قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بفتح السين والباقون بضمها وقد تكلمنا على الفرق بينهما في الكهف 94 وفي معنى الآية قولان
أحدهما منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج عن الكفر
والثاني حجبناهم عن أذى رسول الله صلى الله عليه و سلم بالظلمة لما قصدوه بالأذى
قوله تعالى فأغشيناهم قال ابن قتيبة أغشينا عيونهم وأعميناهم عن الهدى وقرأ ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ويحيى بن يعمر فأغشيناهم بعين غير معجمة ثم ذكر ان الإنذار لا ينفعهم لإضلاله إياهم بالآية التي بعد هذه ثم أخبر عمن ينفعه الإنذار بقوله إنما تنذر أي إنما ينفع إنذارك من اتبغ الذكر وهو القرآن فعمل به وخشي الرحمن بالغيب وقد شرحناه في الأنبياء 49 والأجر الكريم الحسن وهو الجنة إنا نحن نحيي الموتى للبعث ونكتب ما قدموا من خير وشر في دنياهم وقرأ النخعي والجحدري ويكتب بياء مرفوعة وفتح التاء وآثارهم برفع الراء
وفي أثارهم ثلاثة أقوال
أحدها أنها خطاهم بأرجلهم قاله الحسن ومجاهد وقتادة قال أبو سعيد الخدري شكت بنو سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم عليكم منازلكم فانما تكتب آثاركم وقال قتادة وعمر بن عبد العزيز لو كان الله مغفلا شيئا لأغفل ما تعفي الرياح من أثر قدم ابن آدم

والثاني أنها الخطا إلى الجمعة قاله أنس بن مالك
والثالث ما أثروا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم قاله ابن عباس وسعيد بن جبير واختاره الفراء وابن قتيبة والزجاج
قوله تعالى وكل شيء وقرأ ابن السميفع وابن أبي عبلة وكل برفع اللام أي من الأعمال أحصيناه أي حفظناه في إمام مبين وهو اللوح المحفوظ

واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون
قوله تعالى واضرب لهم مثلا المعنى صف لأهل مكة مثلا أي شبها وقال الزجاج المعنى مثل لهم مثلا أصحاب القرية وهو بدل من مثل كأنه قال اذكر لهم أصحاب القرية وقال عكرمة وقتادة هذه القرية هي أنطاكية
إذ أرسلنا إليهم اثنين وفي اسميهما ثلاثة أقوال أحدها صادق وصدوق قاله ابن عباس وكعب والثاني يوحنا وبولس قاله وهب بن منبه والثالث تومان وبولس قاله مقاتل

قوله تعالى فعززنا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم فعززنا بتشديد الزاي قال ابن قتيبة المعنى قوينا وشددنا يقال تعزز لحم الناقة إذا صلب وقرأ أبو بكر والمفضل عن عاصم فعززنا خفيفة قال أبو علي أراد فغلبنا قال مقاتل واسم هذا الثالث شمعون وكان من الحواريين وهو وصي عيسى عليه السلام قال وهب وأوحى الله إلى شمعون يخبره خبر الاثنين ويأمره بنصرتهما فانطلق يؤمهما وذكر الفراء أن هذا الثالث كان قد أرسل قبلهما قال ونراه في التنزيل كأنه بعدهما وإنما المعنى فعززنا بالثالث الذي قبلهما والمفسرون على أنه إنما أرسل لنصرتهما ثم إن الثالث إنما يكون بعد ثان فأما إذا سبق الاثنين فهو أول وإني لأتعجب من قول الفراء واختلف المفسرون فيمن أرسل هؤلاء الرسل على قولين تعالى أرسلهم وهو ظاهر القرآن وهو مروي عن ابن عباس وكعب ووهب
والثاني أن عيسى أرسلهم وجاز أن يضاف ذلك إلى الله تعالى لأنهم رسل رسوله قاله قتادة وابن جريج
قوله تعالى قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا أي مالكم علينا فضل في شيء وما أنزل الرحمن من شيء أي لم ينزل كتابا ولم يرسل رسولا

وما بعده ظاهر إلى قوله قالوا إنا تطيرنا بكم وذلك أن المطر حبس عنهم فقالوا إنما أصابنا هذا من قبلكم لئن لم تنتهوا أي تسكتوا عنا لنرجمنكم أي لنقتلنكم
قالوا طائركم معكم أي شؤمكم معكم بكفركم لا بنا أئن ذكرتم قرأ ابن كثير أين ذكرتم بهمزة واحدة بعدها ياء وافقه أبو عمرو إلا أنه كان يمد قال الأخفش معناه حيث ذكرتم أي وعظتم وخوفتم وهذا استفهام جوابه محذوف تقديره أئن ذكرتم تطيرتم بنا وقيل أئن ذكرتم قلتم هذا القول والمسرفون هاهنا المشركون
وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كما منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فاذا هم خامدون
قوله تعالى وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى واسمه حبيب النجار وكان مجذوما وكان قد آمن بالرسل لما وردوا القرية وكان منزله عند أقصى باب من أبواب القرية فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم جاء يسعى فقال ما قصه الله علينا إلى قوله وهم مهتدون يعنى

الرسل فأخذوه ورفعوه إلى الملك فقال له الملك أفأنت تتبعهم فقال ومالى أسكن هذه الياء حمزة وخلف ويعقوب لا أعبد الذي فطرني أي وأي شيء لي إذا لم أعبد خالقي وإليه ترجعون عند البعث فيجزيكم بكفركم
فان قيل لم أضاف الفطرة إلى نفسه والبعث إليهم وهو يعلم أن الله قد فطرهم جميعا كما يبعثهم جميعا
فالجواب أن إيجاد الله تعالى نعمة يوجب الشكر والبعث في القيامة وعيد يوجب الزجر فكانت إضافة النعمة إلى نفسه أظهر في الشكر وإضافة البعث إلى الكافر أبلغ في الزجر
ثم أنكر عبادة الأصنام بقوله أأتخذ من دونه آلهة
قوله تعالى لا تغن عني شفاعتهم يعني أنه لا شفاعة لهم فتغني ولا ينقذون أثبت ها هنا الياء في الحالين يعقوب وورش والمعنى لا يخلصوني من ذلك المكروه إني إذا فتح هذه الياء نافع وأبو عمرو
قوله تعالى إني آمنت بربكم فتح هذه الياء أهل الحجاز وأبو عمرو
وفيمن خاطبهم بايمانه قولان أحدهما أنه خاطب قومه بذلك قاله ابن مسعود والثاني أنه خاطب الرسل
ومعنى فاسمعون اشهدوا لي بذلك قاله الفراء وقال أبو عبيدة المعنى فاسمعوا مني وأثبت ياء فاسمعوني في الحالين يعقوب قال ابن مسعود لما خاطب قومه بذلك وطئوه بأرجلهم وقال السدي رموه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي
قوله تعالى قيل ادخل الجنة لما قتلوه فلقي الله قيل ادخل الجنة

فلما دخلها قال ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وفي ما قولان
أحدهما أنها مع غفر في موضع مصدر والمعنى بغفران الله لي
والثاني أنها بمعنى الذي فالمعنى ليتهم يعلمون بالذي غفر لي به ربي فيؤمنون فنصحهم حيا وميتا
فلما قتلوه عجل الله لهم العذاب فذلك قوله وما أنزلنا على قومه يعنى قوم حبيب من بعده أي من بعد قتله من جند من السماء يعني الملائكة أي لم ينتصر منهم بجند من السماء وما كنا ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم وقيل المعنى ما بعثنا إليهم بعده نبيا ولا أنزلنا عليهم رسالة
إن كانت إلا صيحة واحدة قال المفسرون أخذ جبريل عليه السلام بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة فاذا هم ميتون لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت وهو قوله فاذا هم خامدون أي ساكنون كهيأة الرماد الخامد
يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون وإن كل لما جميع لدينا محضرون وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكروه سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون

قوله تعالى يا حسرة على العباد قال الفراء المعنى يالها حسرة على العباد وقال الزجاج الحسرة أن يركب الإنسان من شدة الندم مالا نهاية له حتى يبقى قلبه حسيرا وفي المتحسر على العباد قولان
أحدهما أنهم يتحسرون على أنفسهم قال مجاهد والزجاج استهزاؤهم بالرسل كان حسرة عليهم في الآخرة وقال أبو العالية لما عاينوا العذاب قالوا يا حسرتنا على المرسلين كيف لنا بهم الآن حتى نؤمن
والثاني أنه تحسر الملائكة على العباد في تكذيبهم الرسل قاله الضحاك
ثم خوف كفار مكة فقال ألم يروا أي ألم يعلموا كم أهلكنا قبلهم من القرون فيعتبروا ويخافوا أن نعجل لهم الهلاك كما عجل لمن أهلك قبلهم ولم يرجعوا إلى الدنيا قال الفراء وألف أنهم مفتوحة لأن المعنى ألم يروا أنهم إليهم لا يرجعون وقد كسرها الحسن كأنه لم يوقع الرؤية على كم فلم يقعها على أن وإن استأنفتها كسرتها
قوله تعالى وإن كل لما وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة لما بالتشديد جميع لدينا محضرون أي إن الأمم يحضرون يوم القيامة فيجازون بأعمالهم قال الزجاج من قرأ لما بالتخفيف ف ما زائدة مؤكدة والمعنى وإن كل لجميع ومعناه وما كل إلا جميع لدينا محضرون ومن قرأ لما بالتشديد فهو بمعنى إلا تقول سألتك لما فعلت وإلا فعلت

وآية لهم الأرض الميتة وقرأ نافع الميتة بالتشديد وهو الأصل والتخفيف أكثر وكلاهما جائز وآية مرفوعة بالابتداء وخبرها لهم ويجوز أن يكون خبرها الأرض الميتة والمعنى وعلامة تدلهم على التوحيد وأن الله يبعث الموتى أحياء الأرض الميتة
قوله تعالى فمنه يأكلون يعنى ما يقتات من الحبوب
قوله تعالى وجعلنا فيها وقوله وفجرنا فيها يعني في الأرض
قوله تعالى ليأكلوا من ثمره يعني النخيل وهو في اللفظ مذكر
وما عملته أيديهم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم عملته بهاء وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم عملت بغير هاء والهاء مثبتة في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة ومحذوفة من مصاحف أهل الكوفة قال الزجاج موضع ما خفض والمعنى ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم ويجوز أن يكون ما نفيا المعنى ولم تعمله أيديهم وهذا على قراءه من أثبت الهاء فاذا حذفت الهاء فالاختيار أن تكون ما في موضع خفض وتكون بمعنى الذي فيحسن حذف الهاء وكذلك ذكر المفسرون القولين فمن قال بالأول قال ليأكلوا مما عملت أيديهم وهو الغروس والحروث التي تعبوا فيها ومن قال بالثاني قال ليأكلوا ما ليس من صنعهم ولكنه من فعل الحق عز و جل أفلا يشكرون الله تعالى فيوحدوه
ثم نزه نفسه بقوله سبحان الذي خلق الأزواج كلها يعني الأجناس كلها مما تنبت الأرض من الفواكهة والحبوب وغير ذلك

ومن أنفسهم وهم الذكور والإناث ومما لا يعلمون من دواب البر والبحر وغير ذلك مما لم يقفوا على علمه
وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النار وكل في فلك يسبحون
قوله تعالى وآية له الليل نسلخ منه النهار أي وعلامة لهم تدل على توحيدنا وقدرتنا الليل نسلخ منه النهار قال الفراء نرمي بالنهار عنه ومنه بمعنى عنه وقال أبو عبيدة نخرج منه النهار ونميزه منه فتجيء الظلمة قال الماوردي وذلك أن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فاذا خرج منه أظلم وقوله فاذا هم مظلمون أي داخلون في الظلام
والشمس أي وآية لهم الشمس تجرى لمستقر لها وفيه أربعة أقوال
أحدها إلى موضع قرارها روى أبو ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قوله لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش وقال إنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها فتستأذن في الطلوع فيؤذن لها

والثاني أن مستقرها مغربها لا تجاوزه ولا تقتصر عنه قاله مجاهد
والثالث لوقت واحد لا تعدوه قاله قتاده وقال مقاتل لوقت لها إلى يوم القيامة
والرابع تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها الذي لا تجاوزه ثم ترجع إلى أول منازلها قاله ابن السائب وقال ابن قتيبة إلى مستقر لها ومستقرها أقصى منازلها في الغروب وذلك لأنها لا تزال تتقدم إلى أقصى مغاربها ثم ترجع
وقرأ ابن مسعود وعكرمة وعلي بن الحسين والشيزري عن الكسائي لا مستقر لها والمعنى أنها تجري أبدا لا تثبت في مكان واحد
قوله تعالى ذلك الذي ذكر من أمر الليل والنهار والشمس تقدير العزيز في ملكه العليم بما يقدر قوله تعالى والقمر قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والقمر بالرفع وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والقمر بالنصب قال الزجاج من قرأ بالنصب فالمعنى وقدرنا القمر قدرناه منازل ومن قرأ بالرفع فالمعنى وآية لهم القمر قدرناه ويجوز أن يكون على الابتداء

وقدرناه الخبر
قال المفسرون ومنازل القمر ثمانية وعشرون منزلا ينزلها من أول الشهر إلى آخره وقد سميناها في سورة يونس 5 فاذا صار إلى آخر منازله دق فعاد كالعرجون وهو عود العذق الذي تركته الشماريخ فاذا جف وقدم يشبه الهلال قال ابن قتيبة والقديم هاهنا الذي قد أتى عليه حول شبه القمر آخر ليلة يطلع به قال الزجاج وتقدير عرجون فعلون من الانعراج
وقرأ أبو مجلز وأبو رجاء والضحاك وعاصم الجحدري وابن السميفع كالعرجون بكسر العين
قوله تعالى لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر فيه ثلاثة أقوال
أحدهما أنهما إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر فلا يشتركان في المنازل قاله ابن عباس
والثاني لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر قاله مجاهد
والثالث لا يجمتع ضوء أحدهما مع الآخر فاذا جاء سلطان أحدهما ذهب سلطان الآخر قاله قتادة فيكون وجه الحكمة في ذلك أنه لو اتصل الضوء لم يعرف الليل
قوله تعالى ولا الليل سابق النهار وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء

وأبو عمران وعاصم الجحدري سابق بالتنوين النهار بالنصب وفيه قولان
أحدهما لا يتقدم الليل قبل استكمال النهار
والثاني لا يأتي ليل بعد ليل من غير نهار فاصل بيهما وباقي الآية مفسر في سورة الأنبياء33
وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين
قوله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم قرأ نافع وابن عامر ذرياتهم على الجمع وقرأ الباقون من السبعة ذريتهم على التوحيد قال المفسرون أراد في سفينة نوح فنسب الذرية إلى المخاطبين لأنهم من جنسهم كأنه قال ذرية الناس وقال الفراء أي ذرية من هو منهم فجعلها ذرية لهم وقد سبقتهم وقال غيره هو حمل الأنبياء في أصلاب الآباء حين ركبوا السفينة ومنه قول العباس ... بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق ...
قال المفضل بن سلمة الذرية النسل لأنهم من ذرأهم الله منهم والذرية

أيضا الآباء لأن الذر وقع منهم فهو من الأضداء ومنه هذه الآية وقد شرحنا هذا في قوله ذرية بعضها من بعض آل عمران 34 والمشحون المملوء
قوله تعالى وخلقنا لهم من مثله فيه قولان
أحدهما مثل سفينة نوح وهي السفن روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال الضحاك وأبو مالك وأبو صالح والمراد بهذا ذكر منته بأن خلق الخشب الذي تعمل منه السفن
والثاني أنها الإبل خلقها لهم للركوب في البر مثل السفن المركوبة في البحر رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة وعن الحسن وقتادة كالقولين
قوله تعالى فلا صريخ لهم أي لا مغيث ولا مجير ولا هم ينقذون أي ينجون من الغرق يقال أنقذه واستنقذه إذا خلصه من المكروه إلا رحمة منا المعنى إلا أن نرحمهم ونمتعهم إلى آجالهم
قوله تعالى وإذا قيل لهم يعني الكفار اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم فيه أربعة أقوال
أحدها ما بين أيديكم ما مضى من الذنوب وما خلفكم ما يأتي من الذنوب قاله مجاهد

والثاني ما بين أيدكم ما تقدم من عذاب الله للأمم وما خلفكم من أمر الساعة قاله قتادة
والثالث ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم من عذاب الآخرة قاله سفيان
والرابع ما بين أيديكم من أمر الآخرة وما خلفكم من أمر الدنيا فلا تغتروا بها قاله ابن عباس والكلبي
لعلكم ترحمون أي لتكونوا على رجاء الرحمة من الله وجواب إذا محذوف تقديره إذا قيل لهم هذا أعرضوا ويدل على هذا المحذوف قوله وما تأتيهم من آية أي من دلالة تدل على صدق الرسول
وإذا قيل لهم انفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين ويقولون متى هذا الوعد إ ن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ونفخ في الصور فاذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فاذا هم جميع لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكؤن لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم

قوله تعالى وإذا قيل لهم أنفقوا اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال أحدها في اليهود قاله الحسن والثاني في الزنادقة قاله قتادة والثالث في مشركي قريش قاله مقاتل وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة أنفقوا على المساكين النصيب الذي زعمتم أنه لله من الحرث والأنعام فقالوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه وقال ابن السائب كان العاص بن وائل إذا سأله مسكين قال اذهب إلى ربك فهو أولى بك مني ويقول قد منعه الله أطعمه أنا ومعنى الكلام أنهم قالوا لو أراد الله أن يرزقهم لرزقهم فنحن نوافق مشيئة الله فيهم فلا نطعمهم وهذا خطأ منهم لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وافقر بعضا ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له في ماله من الزكاة والمؤمن لا يعترض على المشيئة وإنما يوافق الأمر وقيل إنما قالوا هذا على سبيل الاستهزاء
وفي قوله إن أنتم إلا في ضلال مبين قولان أحدهما أنه من قول الكفار للمؤمنين يعنون إنكم في خطأ من اتباع محمد والثاني أنه من قول الله للكفار لما ردوه من جوانب المؤمنين
قوله تعالى متى هذا الوعد يعنون القيامة والمعنى متى إنجاز هذا الوعد إن كنتم صادقين يعنون محمدا وأصحابه
ما ينظرون أي ما ينتظرون إلا صيحة واحدة وهي النفخة الأولى و يخصمون بمعنى يختصون فأدغمت التاء في الصاد قرأ ابن كثير وابو عمرو يخصمون بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد وروي عن أبي عمرو اختلاس حركة الخاء وقرأ عاصم وابن عامر والكسائي

يخصمون بفتح الياء وكسر الخاء وعن عاصم كسر الياء والخاء وقرأ نافع بسكون الخاء وتشديد الصاد وقرأ حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد أي يخصم بعضهم بعضا وقرأ أبي بن كعب يختصمون بزيادة تاء والمعنى أن الساعة تأتيهم أغفل ما كانوا عنها وهم متشاغلون في متصرفاتهم وبيعهم وشرائهم فلا يستطيعون توصية قال مقاتل أعجلوا عن الوصية فماتوا ولا إلى أهلهم يرجعون أي لا يعودون من الأسواق إلى منازلهم فهذا وصف ما يلقون في النفخة الأولى ثم ذكر ما يلقون في النفخة الثانية فقال ونفخ في الصور فاذا هم من الأجداث يعني القبور إلى ربهم ينسلون أي يخرجون بسرعة وقد شرحنا هذا المعنى في سورة الأنبياء 96 قالوا يا وليلنا من بعثنا من مرقدنا وقرأ علي بن أبي طالب وأبو رزين والضحاك وعاصم الجحدري من بعثنا بكسر الميم والثاء وسكون العين قال المفسرون إنما قالوا هذا لأن الله تعالى رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين قال أبي بن كعب ينامون نومة قبل البعث فاذا بعثوا قالوا هذا

قوله تعالى هذا ما وعد الرحمن في قائلي هذا الكلام ثلاثة أقوال
أحدها أنه قول المؤمنين قاله مجاهد وقتادة وابن أبي ليلى قال قتادة أول الآية للكافرين وآخرها للمؤمنين
والثاني أنه قول الملائكة لهم قاله الحسن
والثالث أنه قول الكافرين يقول بعضهم لبعض هذا الذي أخبرنا به المرسلون أننا نبعث ونجازى قاله ابن زيد
قال الزجاج من مرقدنا هو وقف التمام ويجوز أن يكون هذا من نعت مرقدنا على معنى من بعثنا من مرقدنا هذا الذي كنا راقدين فيه ويكون في قوله ما وعد الرحمن أحد إضمارين إما هذا وإما حق فيكون المعنى حق ما وعد الرحمن

ثم ذكر النفخة الثانية فقال إن كانت إلا صيحة واحدة وما بعد هذا ظاهر إلى قوله إن أصحاب الجنة اليوم يعني في الآخرة في شغل قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو في شغل باسكان الغين وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في شغل بضم الشين والغين وقرأ أبو هريرة وأبو رجاء وأيوب السختياني في شغل بفتح الشين والغين وقرأ أبو مجلز وأبو العالية وعكرمة والضحاك والنخعي وابن يعمر والجحدري في شغل بفتح الشين وسكون الغين وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أن شغلهم اقتضاض العذارى رواه شقيق عن ابن مسعود ومجاهد عن ابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب وقتادة والضحاك
والثاني ضرب الأوتار رواه عكرمة عن ابن عباس وعن عكرمة كالقولين ولا يثبت هذا القول
والثالث النعمة قاله مجاهد وقال الحسن شغلهم نعيمهم عما فيه أهل النار من العذاب

قوله تعالى فاكهون وقرأ ابن مسعود وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو المتوكل وقتادة وأبو الجوزاء والنخعي وأبو جعفر فكهون وهل بينهما فرق فيه قولان
أحدهما أن بينهما فرقا
فأما فاكهون ففيه أربعه أقوال أحدها فرحون قاله ابن عباس والثاني معجبون قاله الحسن وقتادة والثالث ناعمون قاله أبو مالك ومقاتل والرابع ذوو فاكهة كما يقال فلان لابن تامر قاله أبو عبيدة وابن قتيبة
وأما فكهون ففيه قولان أحدهما أن الفكه الذي يتفكه تقول العرب للرجل إذا كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس إن فلانا لفكه بكذا ومنه يقال للمزاح فكاهة قاله أبو عبيدة
والثاني أن فكهين بمعنى فرحين قاله أبو سليمان الدمشقي
والقول الثاني أن فاكهين وفكهين بمعنى واحد كما يقال حاذر وحذر قاله الفراء وقال الزجاج فاكهون وفكهون بمعنى فرحين وقال أبو زيد الفكه الطيب النفس الضحوك يقال رجل فاكه وفكه
قوله تعالى هم وأزواجهم يعنى حلائلهم في ظلال وقرأ حمزة والكسائي وخلف في ظلل قال الفراء الظلال جمع ظل والظلل جمع ظلة وقد تكون الظلال جمع ظلة أيضا كما يقال خلة وخلل فاذا كثرت فهي الخلال والحلال والقلال قال مقاتل والظلال أكنان القصور

قال أبو عبيدة والمعنى أنهم لا يضحون فأما الأرائك فقد بيناها في سورة الكهف 31
قوله تعالى ولهم ما يدعون قال ابن قتيبة ما يتمنون ومنه يقول الناس هو في خير ما ادعى أي ما تمنى والعرب تقول ادع ما شئت أي تمن ما شئت وقال الزجاج هو مأخوذ من الدعاء والمعنى كل ما يدعو به أهل الجنة يأتيهم وقوله سلام بدل من ما المعنى لهم ما يتمنون سلام أي هذا منى أهل الجنة أن يسلم الله عليهم و قولا منصوب على معنى سلام يقوله الله قولا قال أبو عبيدة سلام رفع على لهم فالمعنى لهم فيها فاكهة ولهم فيها سلام وقال الفراء معنى الكلام لهم ما يدعون مسلم خالص ونصب القول كأنك قلت قاله قولا وإن شئت جعلته نصبا من قوله ولهم ما يدعون قولا كقولك عدة من الله وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب والجحدري سلاما قولا بنصبهما جميعا
وامتازوا اليوم أيها المجرمون ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون إصلوها اليوم بما كنتم تكفرون

قوله تعالى وامتازوا اليوم أيها المجرمون قال ابن قتيبة أي انقطعوا عن المؤمنين وتميزوا منهم يقال مزت الشيء من الشيء إذا عزلته عنه فانماز وامتاز وميزته فتميز
قال المفسرون إذا اختلط الإنس والجن في الآخرة قيل وامتازوا اليوم أيها المجرمون فيقال للمجرمين ألم أعهد إليكم أي ألم آمركم ألم أوصيكم وتعبدوا بمعنى تطيعوا والشيطان هو إبليس زين لهم الشرك فأطاعوه إنه لكم عدو مبين ظاهر العداوة أخرج أبويكم من الجنة
وأن اعبدوني قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وأن اعبدوني بضم النون وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة وأن اعبدوني بكسر النون والمعنى وحدوني هذا صراط مستقيم يعني التوحيد
ولقد أضل منكم جبلا قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف جبلا بضم الجيم والباء وتخفيف اللام وقرأ أبو عمرو وابن عامر جبلا بضم الجيم وتسكين الباء مع تخفيف اللام وقرأ نافع وعاصم جبلا بكسر الجيم والباء مع تشديد اللام وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي والزهري والأعمش جبلا بضم الجيم والباء مع تشديد اللام وقرأ عبد الله بن عمرو وابن السميفع جبلا بكسر الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام وقرأ سعيد بن جبير وأبو المتوكل ومعاذ القارئ جبلا برفع الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام وقرأ أبو العالية وابن يعمر جبلا بكسر الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام وقرأ أبو عمران الجوني وعمرو بن دينار جبالا مكسورة الجيم مفتوحة الباء وبألف ومعنى الكلمة كيف تصرفت في هذه اللغات الخلق والجماعة فالمعنى

ولقد أضل منكم خلقا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون فالمعنى قد رأيتم آثار الهالكين قبلكم بطاعة الشيطان أفلم تعقلوا ذلك وقرأ ابن عباس وأبو رزين وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو رجاء ومجاهد وابن يعمر أفلم يكونوا يعقلون بالياء فيهما فاذا أدنوا إلى جهنم قيل لهم هذه جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا اصلوها أي قاسوا حرها
اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستقبوا الصراط فأنى يبصرون ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون
قوله تعالى اليوم نختم على أفواهم وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء يختم بياء مضمومة وفتح التاء وتكلمنا قرأ ابن مسعود ولتكلمنا بزيادة لام مكسورة وفتح الميم و واو قبل اللام وقرأ أبي بن كعب وابن أبي عبلة لتكلمنا بلام مكسورة من غير واو قبلها وبنصب الميم وقرأوا جميعا ولتشهد أرجلهم بلام مكسورة وبنصب الدال
ومعنى نختم نطبع عليها وقيل منعها من الكلام هو الختم عليها وفي سبب ذلك أربعة أقوال
أحدها أنهم لما قالوا والله ربنا ما كنا مشركين الأنعام 23 ختم الله على أفواهم ونطقت جوارحهم قاله أبو موسى الأشعري
والثاني ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت أعوانا لهم على المعاصي صارت شهودا عليهم

والثالث ليعرفهم أهل الموقف فيتميزوا منهم بذلك
والرابع لأن إقرار الجوارح أبلغ في الإقرار من نطق اللسان ذكرهن الماوردي
فان قيل ما الحكمة في تسمية نطق اليد كلاما ونطق الرجل شهادة
فالجواب أن اليد كانت مباشرة والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة بما رأى وقول الفاعل على نفسه إقرار بما فعل
قوله تعالى ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فيه ثلاثة أقوال
أحدها ولو نشاء لأذهبنا أعينهم حتى لا يبدو لها شق ولا جفن والمطموس الذي لا يكون بين جفينه شق فاستبقوا الصراط أي فتبادروا إلى الطريق فأنى يبصرون أي فكيف يبصرون وقد أعمينا أعينهم وقرأ أبو بكر الصديق وعروة بن الزبير وأبو رجاء فاستبقوا بكسر الباء فأنى تبصرون بالتاء وهذا تهديد لأهل مكة وهو قول الأكثرين
والثاني ولو نشاء لأضللناهم وأعميناهم عن الهدى فأنى يبصرون الحق رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثالث ولو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم وأعميناهم عن غيهم وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فأبصروا رشدهم فأنى يبصرون ولم أفعل ذلك بهم روي عن جماعة منهم مقاتل
قوله تعالى ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم وروى أبو بكر عن عاصم على مكاناتهم وقد سبق بيان هذا البقرة آية 65

وفي المراد بقوله لمسخناهم أربعة أقوال أحدها لأهلكناهم قاله ابن عباس والثاني لأقعدناهم على أرجلهم قاله الحسن وقتادة والثالث لجعلناهم حجارة قاله أبو صالح ومقاتل والرابع لجعلناهم قردة وخنازير لا أرواح فيها قاله ابن السائب
وفي قوله فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ثلاثة أقوال أحدها فما استطاعوا أن يتقدموا ولا أن يتأخروا قاله قتادة والثاني فما استطاعوا مضيا عن العذاب ولا رجوعا إلى الخلقة الأولى بعد المسخ قاله الضحاك والثالث مضيا من الدنيا ولا رجوعا إليها قاله أبو صالح عن ابن عباس
قوله تعالى ومن نعمره ننكسه في الخلق قرأ حمزة ننكسه مشددة مع ضمن النون الأولى وفتح الثانية والباقون بفتح النون الأولى وتسكين الثانية من غير تشديد وعن عاصم كالقراءتين ومعنى الكلام من نطل عمره ننكس خلقه فنجعل مكان القوة الضعف وبدل الشباب الهرم فنرده إلى أرذل العمر أفلا يعقلون قرأ نافع وأبو عمرو أفلا تعقلون بالتاء والباقون بالياء والمعنى أفلا يعقلون أن من فعل هذا قادر على البعث
وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين
قوله تعالى وما علمناه الشعر قال المفسرون إن كفار مكة قالوا إن

هذا القرآن شعر وإن محمدا شاعر فقال الله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له أي ما يتسهل له ذلك قال الفسرون ما كان يتزن له بيت شعر حتى إنه روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه تمثل يوما فقال كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا فقال أبو بكر يا رسول الله إنما قال الشاعر كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا أشهد أنك رسول الله ما علمك الله الشعر وما ينبغي لك ودعا يوما بعباس بن مرادس فقال أنت القائل أتجعل نهبي ونهب العبي د بين الأقرع وعيينة فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي لم يقل كذلك فأنشده أبو بكر فقال

رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يضرك بأيهما بدأت فقال أبو بكر والله ما أنت بشاعر ولا ينبغي لك الشعر وتمثل يوما فقال ويأتيك من لم تزوده بالأخبار فقال أبو بكر ليس هكذا يا رسول الله فقال إني لست بشاعر ولا ينبغي لي وإنما منع من قول الشعر لئلا تدخل الشبهة على قوم فيما أتى به من القرآن فيقولون قوي على ذلك بما في طبعه من الفطنة للشعر

قوله تعالى إن هو يعني القرآن إلا ذكر إلا موعظة وقرآن مبين فيه الفرائض والسنن والأحكام
قوله تعالى لينذر قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي لينذر بالياء يعنون القرآن وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب لتنذر بالتاء يعنون النبي صلى الله عليه و سلم أي لتنذر يا محمد بما في القرآن وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وابن السميفع لينذر بياء مرفوعة وفتح الذال والراء جميعا
قوله تعالى من كان حيا وفيه أربعة أقوال
أحدها حي القلب حي البصر قاله قتاده
والثاني من كان عاقلا قاله الضحاك قال الزجاج من كان يعقل ما يخاطب به فان الكافر كالميت في ترك النذير
والثالث مهتديا قاله السدي وقال مقاتل من كان مهتديا في علم الله
والرابع من كان مؤمنا قاله يحيى بن سلام وهذا على المعنى الذي قد سبق في قوله إنما تنذر الذين يخشون ربهم فاطر 18 ويجوز أن يريد إنما ينفع إنذارك من كان مؤمنا في علم الله
قوله تعالى ويحق القول على الكافرين معناه يجب وفي المراد بالقول قولان أحدهما أنه العذاب والثاني الحجة
أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم

جند محضرون فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون
ثم ذكرهم قدرته فقال أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما قال ابن قتيبة يجوز أن يكون المعنى مما عملناه بقوتنا وقدرتنا وفي اليد القدرة والقوة على العمل فتستعار اليد فتوضع موضعها هذا مجاز للعرب يحتمله هذا الحرف والله أعلم بما أراد وقال غيره ذكر الأيدي ها هنا يدل على انفراده بما خلق والمعنى لم يشاركنا أحد في إنشائنا والواحد منا إذا قال عملت هذا بيدي دل ذلك على انفراده بعمله وقال أبو سليمان الدمشقي معنى الآية مما أوجدناه بقدرتنا وقوتنا وهذا إجماع أنه لم يرد هاهنا إلا ما ذكرنا
قوله تعالى فهم لها مالكون فيه قولان
أحدهما ضابطون قاله قتادة ومقاتل قال الزجاج ومثله في الشعر ... أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا ...
أي لا أضبط رأس البعير
والثاني قادرون عليها بالتسخير لهم قاله ابن السائب
قوله تعالى وذللناها لهم أي سخرناها فهي ذليلة لهم فمنها ركوبهم قال ابن قتيبة الركوب ما يركبون والحلوب ما يحلبون قال الفراء ولو قرأ قارئ فمنها ركوبهم كان وجها كما تقول منها أكلهم وشربهم وركوبهم وقد قرأ بضم الراء الحسن وأبو العالية

والأعمش وابن يعمر في آخرين وقرأ أبي بن كعب وعائشة ركوبتهم بفتح الراء والباء وزيادة تاء مرفوعة قال المفسرون يركبون من الأنعام الإبل ويأكلون الغنم ولهم فيها منافع من الأصواف والأوبار والأشعار والنسل ومشارب من ألبانها أفلا يشكرون رب هذه النعم فيوحدونه
ثم ذكر جهلهم فقال واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون أي لتمنعهم من عذاب الله ثم أخبر أن ذلك لا يكون بقوله لا يستطيعون نصرهم أي لا تقدر الأصنام على منعهم من أمر أراده الله بهم وهم يعني الكفار لهم يعني الأصنام جند محضرون وفيه أربعة أقوال
أحدها جند في الدنيا محضرون في النار قاله الحسن
والثاني محضرون عند الحساب قاله مجاهد
والثالث المشركون جند للأصنام يغضبون لها في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تدفع عنهم شرا قاله قتادة وقال مقاتل الكفار يغضبون للآلهة ويحضرونها في الدنيا وقال الزجاج هم للأصنام ينتصرون وهي لا تستطيع نصرهم
والرابع هم جند محضرون عند الأصنام يعبدونها قاله ابن السائب
قوله تعالى فلا يحزنك قولهم يعني قول كفار مكة في تكذيبك إنا نعلم ما يسرون في ضمائرهم من تكذيبك وما يعلنون بألسنتهم من ذلك والمعنى إنا نثيبك ونجازيهم

أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون
قوله تعالى أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية والتي بعدها على خمسة أقوال
أحدها أنه العاص بن وائل السهمي أخذ عظما من البطحاء ففته بيده ثم قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم أيحيي الله هذا بعد ما أرى فقال نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت هذه الآيات رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثاني أنه عبد الله بن أبي بن سلول جرى له نحو هذه القصة رواه العوفي عن ابن عباس

والثالث أنه أبو جهل ابن هشام وأن هذه القصة جرت له رواه الضحاك عن ابن عباس
والرابع أنه أمية بن خلف قاله الحسن
والخامس أنه أبي بن خلف الجمحي وهذه القصة جرت له قاله مجاهد وقتادة والجمهور وعليه المفسرون
ومعنى الكلام التعجب من جهل هذا المخاصم في إنكاره البعث والمعنى ألا يعلم أنه مخلوق فيتفكر في بدء خلقه فيترك خصومته وقيل هذا تنبيه له على نعمة الله عليه حيث أنشأه من نطفة فصار مجادلا
وضرب لنا مثلا في إنكار البعث بالعظم البالي حين فته بيده وتعجب ممن يقول إن الله يحييه ونسى خلقه أي نسي خلقنا له أي

ترك النظر في خلق نفسه إذ خلق من نطفة قال من يحيي العظام وهي رميم أي بالية يقال رم العظم إذا بلي فهو رميم لأنه معدول عن فاعله وكل معدول عن وجهه و وزنه فهو مصروف عن إعرابه كقوله وما كانت أمك بغيا مريم 28 فأسقط الهاء لأنها مصروفة عن باغية فقاس هذا الكافر قدرة الله تعالى بقدرة الخلق فأنكر إحياء العظم البالي لأن ذلك ليس في مقدور الخلق قل يحييها الذي أنشأها أي ابتدأ خلقها أول مرة وهو بكل خلق من الابتداء والإعادة عليم
الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا قال ابن قتيبة أراد الزنود التي توري بها الأعراب من شجر المرخ والعفار فإن قيل لم قال الشجر الأخضر ولم يقل الشجر الخضر
فالجواب أن الشجر جمع وهو يؤنث ويذكر قال الله تعالى فمالئون منها البطون الواقعة 53 وقال فاذا أنتم منه توقدون
ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان فقال أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر وقرأ أبو بكر الصديق وعاصم الجحدري يقدر بياء من غير ألف على أن يخلق مثلهم وهذا استفهام تقرير والمعنى من قدر على ذلك العظيم قدر على هذا اليسير وقد فسرنا

معنى أن يخلق مثلهم في بني إسرائيل 99 ثم أجاب هذا الاستفهام فقال بلى وهو الخلاق يخلق خلقا بعد خلق وقرأ أبي بن كعب والحسن وعاصم الجحدري وهو الخالق العليم بجميع المعلومات والملكوت والملك واحد وباقي السورة قد تقدم شرحه البقرة 117 32 الأنعام 75

سورة الصافات وهي مكية كلها باجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم
والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا إن إلهكم لواحد رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق
قوله تعالى والصافات صفا فيها قولان
أحدهما أنها الملائكة قاله ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة والجمهور قال ابن عباس هم الملائكة صفوف في السماء لا يعرف ملك منهم من إلى جانبه لم يلتفت منذ خلقه الله عز و جل وقيل هي الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة إلى أن يأمرها الله عز و جل بما يشاء
والثاني أنها الطير كقوله والطير صافات النور 41 حكاه الثعلبي

وفي الزاجرات قولان
أحدهما أنها الملائكة التي تزجر السحاب قاله ابن عباس والجمهور
والثاني أنها زواجر القرآن وكل ما ينهى ويزجر عن القبيح قاله قتادة
وفي التاليات ذكرا ثلاثة أقوال
أحدها أنها الملائكة تقرأ كتب الله تعالى قاله ابن مسعود والحسن والجمهور
والثاني أنهم الرسل رواه الضحاك عن ابن عباس
والثالث ما يتلى في القرآن من أخبار الأمم قاله قتادة
وهذا قسم بهذه الأشياء وجوابه إن إلهكم لواحد وقيل معناه ورب هذه الأشياء إنه واحد
قوله تعالى ورب المشارق قال السدي المشارق ثلاثمائة وستون مشرقا والمغارب مثلها على عدد أيام السنة
فإن قيل لم ترك ذكر المغارب

فالجواب أن المشارق تدل على المغارب لأن الشروق قبل الغروب
إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من شيطان مارد لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب
قوله تعالى إنا زينا السماء الدنيا يعني التي تلي الأرض وهي أدنى السموات إلى الأرض بزينة الكواكب قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو والكسائي بزينة الكواكب مضافا أي بحسنها وضوئها وقرأ حمزة وحفص عن عاصم بزينة منونة وخفض الكواكب وجعل الكواكب بدلا من الزينة لأنها هي كما تقول مررت بأبي عبد الله زيد فالمعنى إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب وقرأ أبو بكر عن عاصم بزينة بالتنوين وبنصب الكواكب والمعنى زينا السماء الدنيا بأن زينا الكواكب فيها حين ألقيناها في منازلها وجعلناها ذات نور قال الزجاج ويجوز أن يكون الكواكب في النصب بدلا من قوله بزينة لأن قوله بزينة في موضع نصب وقرأ أبي بن كعب ومعاذ القارئ وأبو نهيك وأبو حصين الأسدي في آخرين بزينة بالتنوين الكواكب برفع الباء قال الزجاج والمعنى إنا زينا السماء الدنيا بأن زينتها الكواكب وبأن زينت الكواكب وحفظا أي وحفظناها حفظا فأما المارد فهو العاتي وقد شرحنا هذا في قوله شيطانا مريدا النساء 117
قوله تعالى لا يسمعون قال الفراء لا هاهنا كقوله كذلك

سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به الشعراء 200 201 ويصلح في لا على هذا المعنى الجزم فان العرب تقول ربطت الفرس لا ينفلت وقال غيره لكي لا يسمعوا إلى الملأ الأعلى وهم الملائكة الذين في السماء وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف لا يسمعون بتشديد السين وأصله يتسمعون فأدغمت التاء في السين وإنما قال إلى الملأ الأعلى لأن العرب تقول سمعت فلانا وسمعت من فلان وإلى فلان
ويقذفون من كل جانب بالشهب دحورا قال قتادة أي قذفا بالشهب وقال ابن قتيبة أي طردا يقال دحرته دحرا ودحورا أي دفعته وقرأ علي بن أبي طالب وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن والضحاك وأيوب السختياني وابن أبي عبلة دحورا بفتح الدال
وفي الواصب قولان
أحدهما أنه الدائم قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والفراء وابن قتيبة
والثاني أنه الموجع قاله أبو صالح والسدي
وفي زمان هذا العذاب قولان أحدهما أنه في الآخرة والثاني أنه في الدنيا فهم يخرجون بالشهب ويخبلون إلى النفخة الأولى في الصور
قوله تعالى إلا من خطف الخطفة قرأ ابن السميفع خطف بفتح الخاء وكسر الطاء وتشديدها وقرأ أبو رجاء والجحدري بكسر الخاء والطاء جميعا والتخفيف قال الزجاج خطف وخطف بفتح الطاء وكسرها يقال خطفت أخطف وخطفت أخطف إذا أخذت الشيء بسرعة

ويجوز إلا من خطف بفتح الخاء وتشديد الطاء ويجوز خطف بكسر الخاء وفتح الطاء والمعنى اختطف فأدغمت التاء في الطاء وسقطت الألف لحركة الخاء فمن فتح الخاء ألقى عليها فتحة التاء التي كانت في اختطف ومن كسر الخاء فلسكونها وسكون الطاء فأما من روى خطف بكسر الخاء والطاء فلا وجه لها إلا وجها ضعيفا جدا وهو أن يكون على إتباع الطاء كسرة الخاء قال المفسرون والمعنى إلا من اختطف الكلمة من كلام الملائكة مسارقة فأتبعه أي لحقه شهاب ثاقب قال ابن قتيبة أي كوكب مضيء يقال أثقب نارك أي أضئها والثقوب ما تذكى به النار
فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب بل عجبت ويسخرون وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا رأوا آية يستسخرون وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ءإذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل نعم وأنتم داخرون فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون وقالوا يا ولينا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون أحشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤلون مالكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون
قوله تعالى فاستفتهم أي فسلهم سؤال تقرير أهم أشد خلقا أي أحكم صنعة أم من خلقنا فيه قولان

أحدهما أن المعنى أم من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض قاله ابن جرير
والثاني أم من خلقنا قبلهم من الأمم السالفة والمعنى إنهم ليسوا بأقوى من أولئك وقد أهلكناهم بالتكذيب فما الذي يؤمن هؤلاء
ثم ذكر خلق الناس فقال إنا خلقناهم من طين لازب قال الفراء وابن قتيبة أي لاصق لازم والباء تبدل من الميم لقرب مخرجيهما قال ابن عباس هو الطين الحر الجيد اللزق وقال غيره هو الطين الذي ينشف عنه الماء وتبقى رطوبته في باطنه فيلصق باليد كالشمع وهذا إخبار عن تساوي الأصل في خلقهم وخلق من قبلهم فمن قدر على إهلاك الأقوياء قدر على إهلاك الضعفاء
قوله تعالى بل عجبت بل معناه ترك الكلام الأول والأخذب في الكلام الآخر كأنه قال دع يا محمد ما مضى
وفي عجبت قراءتان قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر بل عجبت بفتح التاء وقرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي وعكرمة وقتادة وأبو مجلز والنخعي وطلحة بن مصرف والأعمش وابن أبي ليلى وحمزة والكسائي في آخرين بل عجبت بضم التاء واختارها الفراء فمن فتح أراد بل عجبت يا محمد ويسخرون هم قال ابن السائب أنت تعجب منهم وهم يسخرون منك وفي ما عجب منه قولان أحدهما من الكفار إذ لم يؤمنوا بالقرآن والثاني إذ كفروا بالبعث ومن ضم أراد الإخبار عن الله عز و جل

أنه عجب قال الفراء وهي قراءة علي وعبد الله وابن عباس وهي أحب إلي وقد أنكر هذه القراءة قوم منهم شريح القاضي فإنه قال إن الله لا يعجب إنما يعجب من لا يعلم قال الزجاج وإنكار هذه القراءة غلط لأن العجب من الله خلاف العجب من الآدمين وهذا كقوله ويمكر الله الأنفال 30 وقوله سخر الله منهم التوبة 79 وأصل العجب في اللغة أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله قال قد عجبت من كذا وكذلك إذا فعل الآدميون ما ينكره الله عز و جل جاز أن يقول عجبت والله قد علم الشيء قبل كونه وقال ابن الأنباري المعنى جازيتهم على عجبهم من الحق فسمى الجزاء على الشيء باسم الشيء الذي له الجزاء فسمى فعله عجبا وليس بعجب في الحقيقة لأن المتعجب يدهش ويتحير والله عز و جل قد جل عن ذلك وكذلك سمي تعظيم الثواب عجبا لأنه إنما يتعجب من الشيء إذا كان في النهاية والعرب تسمي الفعل باسم الفعل إذا داناه من بعض وجوهه وإن كان مخالفا له في أكثر معانيه قال عدي ... ثم أضحوا لعب الدهر بهم ... وكذلك الدهر يودي بالرجال ... فجعل إهلاك الدهر وإفساده لعبا وقال ابن جريرمن ضم التاء فالمعنى بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا وتكذيبهم تنزيلي وقال غيره إضافة العجب إلى الله على ضربين أحدهما بمعنى الإنكار والذم كهذه الآية والثاني بمعنى الاستحسان والإخبار عن تمام الرضى كقوله عليه السلام عجب ربك من شاب ليست له صبوة

قوله تعالى وإذا ذكروا لا يذكرون أي إذا وعظوا بالقرآن لا يذكرون ولا يتعظون وقرأ سعيد بن جبير والضحاك وأبو المتوكل وعاصم الجحدري وأبو عمران ذكروا بتخفيف الكاف
وإذا رأوا آية قال ابن عباس يعني انشقاق القمر يستسخرون قال أبو عبيدة يستسخرون ويسخرون سواء قال ابن قتيبة يقال سخر واستسخر كما يقال قر واستقر وعجب واستعجب ويجوز أن يكون يسألون غيرهم من المشركين أن يسخروا من رسول الله كما يقال استعتبته أي سألته العتبى واستوهبته أي سألته الهبة واستعفيته سألته العفو
وقالوا إن هذا يعنون انشقاق القمر إلا سحر مبين أي بين لمن تأمله أنه سحر
أإذا متنا قد سبق بيان هذه الآية مريم 66

أو آباؤنا هذه ألف الاستفهام دخلت على حرف العطف كقوله أو أمن أهل القرى الاعراف 98 وقرأ نافع وابن عامر أو آباؤنا الأولون بسكون الواو هاهنا وفي الواقعة 48
قل نعم أي نعم تبعثون وأنتم داخرون أي صاغرون
فانما هي زجرة واحدة أي فانما قصة البعث صيحة واحدة من إسرافيل وهي نفخة البعث وسميت زجرة لأن مقصودها الزجر فاذا هم ينظرون قال الزجاج أي يحيون ويبعثون بصراء ينظرون فاذا عاينوا بعثهم ذكروا إخبار الرسل عن البعث وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين أى يوم الحساب والجزاء فتقول الملائكة هذا يوم الفصل أي يوم القضاء الذي يفصل فيه بين المحسن والمسيء ويقول الله عز و جل يومئذ للملائكة احشروا أي اجمعوا الذين ظلموا من حيث هم وفيهم قولان أحدهما أنهم المشركون والثاني أنه عام في كل ظالم وفي أزواجهم أربعة أقوال
أحدها أمثالهم وأشباههم وهو قول عمر وابن عباس والنعمان بن بشير ومجاهد في أخرين وروي عن عمر قال يحشر صاحب الربا مع صاحب الربا وصاحب الزنا مع صاحب الزنا وصاحب الخمر مع صاحب الخمر
والثاني أن أزواجهم المشركات قاله الحسن
والثالث أشياعهم قاله قتادة
والرابع قرناؤهم من الشياطين الذين أضلوهم قاله مقاتل
وفي قوله وما كانوا يعبدون ثلاثة أقوال أحدها الأصنام قاله عكرمة وقتادة والثاني إبليس وحده قاله مقاتل والثالث الشياطين ذكره الماوردي وغيره

قوله تعالى فاهدوهم إلى صراط الجحيم أي دلوهم على طريقها والمعنى اذهبوا بهم إليها قال الزجاج يقال هديت الرجل إذا دللته وهديت العروس إلى زوجها وأهديت الهدية فاذا جعلت العروس كالهدية قلت أهديتها
قوله تعالى وقفوهم أي احبسوهم إنهم مسؤولون وقرأ ابن السميفع أنهم بفتح الهمزة قال المفسرون لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط لأن السؤال هناك وفي هذا السؤال ستة أقوال
أحدها أنهم سئلوا عن أعمالهم وأقوالهم في الدنيا الثاني عن لا إله إلا الله رويا جميعا عن ابن عباس والثالث عن خطاياهم قاله الضحاك والرابع سألهم خزنة جهنم ألم يأتكم نذير الملك 8 ونحو هذا قاله مقاتل والخامس أنهم يسألون عما كانوا يعبدون ذكره ابن جرير والسادس أن سؤالهم قوله ما لكم لا تناصرون ذكره الماوردي قال المفسرون المعنى مالكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم في الدنيا وهذا جواب أبي جهل حين قال يوم بدر نحن جميع منتصر القمر 44 فقيل لهم ذلك يومئذ توبيخا والمستسلم المنقاد الذليل والمعنى أنهم منقادون لا حيلة لهم
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنما لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون

ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين إنكم لذائقوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعلمون إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون
قوله تعالى وأقبل بعضهم على بعض فيهم قولان أحدهما الإنس على الشياطين والثاني الأتباع على الرؤساء يتساءلون تسآل توبيخ وتأنيب ولوم فيقول الأتباع للرؤساء لم غررتمونا ويقول الرؤساء لم قبلتم منا فذلك قوله قالوا يعنى الأتباع للمتبوعين إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين وفيه ثلاثة أقوال
أحدها كنتم تقهروننا بقدرتكم علينا لأنكم كنتك أعز منا رواه الضحاك عن ابن عباس
والثاني من قبل الدين فتضلونا قاله الضحاك وقال الزجاج تأتوننا من قبل الدين فتخدعونا بأقوى الأسباب
والثالث كنتم توثقون ما كنتم تقولون بأيمانكم فتأتوننا من قبل الأيمان التي تحلفونها حكاه علي بن أحمد النيسابوري فيقول المتبوعون لهم بل لم تكونوا مؤمنين أي لم تكونوا على حق فنضلكم عنه إنما الكفر من قبلكم
وما كان عليكم من سلطان فيه قولان أحدهما انه القهر والثاني الحجة فيكون المعنى على الأول وما كان لنا عليكم من قوة نقهركم بها

ونكرهكم على متابعتنا وعلى الثاني لم نأتكم بحجة على ما دعوناكم إليه كما أتت الرسل
قوله تعالى فحق علينا قول ربنا أي فوجبت علينا كلمة العذاب وهي قوله لأملأن جهنم الاعراف 18 إنا لذائقون العذاب جميعا نحن وأنتم فأغويناكم أي أضللناكم عن الهدى بدعائكم إلى ما نحن عليه وهو قوله إنا كنا غاوين
ثم أخبر عن الأتباع والمتبوعين بقوله فانهم يومئذ في العذاب مشتركون والمجرمون هاهنا المشركون إنهم كانوا في الدنيا إذا قيل لهم لا إله إلا الله أي قولوا هذه الكلمة يستكبرون أي يتعظمون عن قولها ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا المعنى أنترك عبادة آلهتنا لشاعر أي لاتباع شاعر يعنون رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد الله عليهم فقال بل أي ليس الأمر على ما قالوا بل جاء بالحق وهو التوحيد والقرآن وصدق المرسلين الذين كانوا قبله والمعنى أنه أتى بما أتوا به ثم خاطب المشركين بما يعد هذا إلى قوله إلا عباد الله المخلصين يعني الموحدين قال أبو عبيدة والعرب تقول إنكم لذاهبون إلا زيدا وفي ما استثناهم منه قولان
أحدهما من الجزاء على الأعمال فالمعنى إنا لا نؤاخذهم بسوء أعمالهم بل نغفر لهم قاله ابن زيد
والثاني من دون العذاب فالمعنى فإنهم لا يذوقون العذاب قاله مقاتل
قوله تعالى أولئك لهم رزق معلوم فيه قولان أحدهما أنه الجنة قاله قتادة والثاني أنه الرزق في الجنة قاله السدي

فعلى هذا في معنى معلوم قولان أحدهما أنه بمقدار الغداة والعشي قاله ابن سائب والثاني أنهم حين يشتهونه يؤتون به قاله مقاتل
ثم بين الرزق فقال فواكه وهي جمع فاكهة وهي الثمار كلها رطبها ويابسها وهم مكرمون بما أعطاهم الله وما بعد هذا قد تقدم تفسيره الحجر 47 إلى قوله يطاف عليهم بكأس من معين قال الضحاك كل كأس ذكرت في القرآن فإنما عني بها الخمر قال أبو عبيدة الكأس الإناء بما فيه والمعين الماء الطاهر الجاري قال الزجاج الكأس الإناء الذي فيه الخمر ويقع الكأس على كل إناء مع شرابه فإن كان فارغا فليس بكأس والمعين الخمر تجري كما يجري الماء على وجه الأرض من العيون
قوله تعالى بيضاء قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن قال أبو سليمان الدمشقي ويدل على أنه أراد بالكأس الخمر أنه قال بيضاء فأنث ولو أراد الإناء على انفراده أو الإناء والخمر لقال أبيض وقال ابن جرير إنما أراد بقوله بيضاء الكأس ولتأنيث الكأس أنثت البيضاء
قوله تعالى لذة قال ابن قتيبة أي لذيذة يقال شراب لذاذ إذا كان طيبا وقال الزجاج أي ذات لذة
لا فيها غول فيه سبعة أقوال
أحدها ليس فيها صداع رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثاني ليس فيها وجع بطن رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وابن زيد

والثالث ليس فيها صداع رأس قاله قتادة
والرابع ليس فيها أذى ولا مكروه قاله سعيد بن جبير
والخامس لا تغتال عقولهم قاله السدي وقال الزجاج لا تغتال عقولهم فتذهب بها ولا يصيبهم منها وجع
والسادس ليس فيها إثم حكاه ابن جرير
والسابع ليس فيها شيء من هذه الآفات لأن كل من ناله شيء من هذه الآفات قيل قد غالته غول فالصواب أن يكون نفي الغول عنها يعم جميع هذه الأشياء هذا اختيار ابن جرير
قوله تعالى ولاهم عنها ينزفون قرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي هاهنا وفيه الواقعة 19 وفتح عاصم الزاي هاهنا وكسرها في الواقعة 19 وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بفتح الزاي في السورتين قال الفراء فمن فتح فالمعنى لا تذهب عقولهم بشربها يقال للسكران نزيف ومنزوف ومن كسر ففيه وجهان أحدهما لا ينفدون شرابهم أي هو دائم أبدا والثاني لا يسكرون قال الشاعر ... لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا ...
قوله تعالى وعندهم قاصرات الطرف فيه قولان
أحدهما أنهن النساء قد قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرنن إلى غيرهم وأصل القصر الحبس قال ابن زيد إن المرأة منهن لتقول

لزوجها وعزة ربى ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك فالحمد لله الذي جعلني زوجك وجعلك زوجي
والثاني أنهن قد قصرن طرف الأزواج عن غيرهن لكمال حسنهن سمعته من الشيخ أبي محمد ابن الخشاب النحوي
وفي العين ثلاثة أقوال أحدها حسان العيون قاله مجاهد والثاني عظام الأعين قاله السدي وابن زيد والثالث كبار العيون حسانها وواحدتهن عيناء قاله الزجاج
قوله تعالى كأنهن بيض مكنون في المراد بالبيض هاهنا ثلاثة أقوال أحدها أنه اللؤلؤ رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال أبو عبيدة
والثاني بيض النعام قاله الحسن وابن زيد والزجاج قال جماعة من أهل اللغة والعرب تشبه المرأة الحسناء في بياضها وحسن لونها بيضة النعامة وهو أحسن ألوان النساء وهو أن تكون المرأة بيضاء مشربة صفرة
والثالث أنه البيض حين يقشر قبل أن تمسه الأيدي قاله السدي وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير وقتادة وابن جرير
فأما المكنون فهو المصون فعلى القول الأول هو مكنون في صدفه وعلى الثاني هو مكنون بريش النعام وعلى الثالث هو مكنون بقشرة

فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول ءإنك لمن المصدقين ءإذا متنا وكنا ترابا وعظاما ءإنا لمدينون قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآة في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليعمل العاملون
قوله تعالى فأقبل بعضهم على بعض يعني أهل الجنة يتساءلون عن أحوال كانت في الدنيا
قال قائل منهم إني كان لي قرين فيه أربعة أقوال أحدها أنه الصاحب في الدنيا والثاني أنه الشريك رويا عن ابن عباس والثالث أنه الشيطان قاله مجاهد والرابع أنه الأخ قال مقاتل وهما الأخوان المذكوران في سورة الكهف 32 في قوله واضرب لهم مثلا رجلين والمعنى كان لي صاحب أو أخ ينكر البعث يقول أئنك لمن المصدقين قال الزجاج هي مخففة الصاد من صدق يصدق فهو مصدق ولا يجوز هاهنا تشديد الصاد قال المفسرون والمعنى أئنك لمن المصدقين بالبعث وقرأ بكر بن عبد الرحمن القاضي عن حمزة المصدقين بتشديد الصاد

قوله تعالى أئنا لمدينون أي مجزيون بأعمالنا يقال دنته بما صنع أي جازيته فأحب المؤمن أن يرى قرينة الكافر فقال لأهل الجنة هل أنتم مطلعون أي هل تحبون الاطلاع إلى النار لتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهلها وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو عمران وابن يعمر هل أنتم مطلعون باسكان الطاء وتخفيفها فاطلع بهمزة مرفوعة وسكون الطاء وقرأ أبو رزين وابن أبي عبلة مطلعون بكسر النون قال ابن مسعود اطلع ثم التفت إلى أصحابه فقال لقد رأيت جماجم القوم تغلي قال ابن عباس وذلك أن في الجنة كوى ينظر منها أهلها إلى النار
قوله تعالى فرآه يعني قرينة الكافر في سواء الجحيم أي في وسطها وقيل إنما سمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب قال خليد العصري والله لولا أن الله عرفه إياه ما عرفه لقد تغير حبره وسبره فعند ذلك قال تالله إن كدت لتردين قال المفسرون معناه والله ما كدت إلا تهلكني يقال أرديت فلانا أي أهلكته ولولا نعمة ربي أي إنعامه علي بالإسلام لكنت من المحضرين معك في النار قوله تعالى أفما نحن بميتين فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه إذا ذبح الموت قال أهل الجنة أفما نحن بميتين

إلا موتتنا الأولى التي كانت في الدنيا وما نحن بمعذبين فيقال لهم لا فعند ذلك قالوا إن هذا لهو الفوز العظيم فيقول الله تعالى لمثل هذا فليعمل العاملون قاله ابن السائب وقيل يقول ذلك للملائكة
والثاني أنه قوله المؤمن لأصحابه فقالوا له إنك لا تموت فقال إن هذا لهو الفوز العظيم قاله مقاتل وقال أبو سفيان الدمشقي إنما خاطب المؤمن أهل الجنة بهذا على طريق الفرح بدوام النعيم لا على طريق الاستفهام لأنه قد علم أنهم ليسوا بميتين ولكن أعاد الكلام ليزداد بتكراره على سمعه سرورا
والثالث أنه قول المؤمن لقرينه الكافر على جهة التوبيخ بما كان ينكره ذكره الثعلبي
قوله تعالى لمثل هذا يعنى النعيم الذي ذكره في قوله أولئك لهم رزق معلوم الصافات 41 فليعمل العاملون وهذا ترغيب في طلب ثواب الله عز و جل بطاعته
أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه

رؤوس الشياطين فانهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين إلا عباد الله المخلصين
أذلك خير يشير إلى ما وصف لأهل الجنة نزلا قال ابن قتيبة أي رزقا ومنه إقامة الأنزال وأنزال الجنود أرزاقها وقال الزجاج النزل هاهنا الريع والفضل يقال هذا طعام له نزل ونزل بتسكين الزاي وضمها والمعنى أذلك خير في باب الأنزال التي تتقوت ويمكن معها الإقامة أم نزل أهل النار وهو قوله أم شجرة الزقوم
واختلف العملماء هل هذه الشجرة في الدنيا أم لا
فقال قطرب هي شجرة مرة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر وقال غيره الزقوم ثمرة شجرة كريهة الطعم وقيل إنها لا تعرف في شجر الدنيا وإنما هي في النار يكره أهل النار على تناولها
قوله تعالى إنا جعلناها فتنة للظالمين يعني للكافرين وفي المراد بالفتنة ثلاثة أقوال
أحدها أنه لما ذكر أنها في النار افتتنوا وكذبوا فقالوا كيف يكون

في النار شجرة والنار تأكل الشجر فنزلت هذه الآية قاله قتادة وقال السدي فتنة لأبي جهل وأصحابه
والثاني أن الفتنة بمعنى العذاب قاله ابن قتيبة
والثالث أن الفتنة بمعنى الاختبار اختبروا بها فكذبوا قاله الزجاج
قوله تعالى تخرج في أصل الجحيم أي في قعر النار قال الحسن أصلها في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها طلعها أي ثمرها وسمي طلعا لطلوعة كأنه رؤوس الشياطين
فإن قيل كيف شبهها بشيء لم يشاهد فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها أنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين وإن لم تشاهد فجاز تشبيهها بما قد علم قبحه قال امرؤ القيس ... أيقتلني والمشر في مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال ...
قال الزجاج هو لم ير الغول ولا أنيابها ولكن التمثيل بما يستقبح أبلغ في باب المذكر أن يمثل بالشياطين وفي باب المؤنث أن يشبه بالغول
والثاني أن بين مكة واليمن شجر يسمى رؤوس الشياطين فشبهها بها قاله ابن السائب

والثالث أنه أراد بالشياطين حيات لها رؤوس ولها أعراف شبه طلعها برؤوس الحيات ذكره الزجاج قال الفراء والعرب تسمي بعض الحيات شيطانا وهو حية ذو عرف قبيح الوجه
قوله تعالى فانهم لآكلون منها أي من ثمرها فمالئون منها البطون وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم
ثم إن لهم عليها لشوبها من حميم قال ابن قتيبة أي خلطا من الماء الحار يشربونه عليها قال أبو عبيدة تقول العرب كل شيء خلطته بغيره فهو مشوب قال المفسرون إذا أكلوا الزقوم ثم شربوا عليه الحميم شاب الحميم الزقوم في بطونهم فصار شوبا له
ثم إن مرجعهم أي بعد أكل الزقوم وشرب الحميم لإلى الجحيم وذلك أن الحميم خارج الجحيم فهم يوردونه كما تورد الإبل الماء ثم يردون إلى الجحيم ويدل على هذا قوله يطوفون بينها وبين حميم آن الرحمن 44 و ألفوا بمعنى وجدوا و يهرعون مشروح في هود 78 والمعنى أنهم يتبعون آباءهم في سرعة ولقد ضل قبلهم أي قبل هؤلاء المشركين أكثر الأولين من الأمم الخالية

قوله تعالى إلا عباد الله المخلصين يعنى الموحدين فإنهم نجوا من العذاب قال ابن جرير وإنما حسن الاستثناء لأن المعنى فانظر كيف أهلكنا المنذرين إلا عباد الله
ولقد نادانا نوح فلنعم الموجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين
ولقد نادانا نوح أي دعانا وفي دعائه قولان أحدهما أنه دعا مستنصرا على قومه والثاني أن ينجيه من الغرق فلنعم المجيبون نحن والمعنى إنا أنجيناه وأهلكنا قومه
وفي الكرب العظيم قولان أحدهما أنه الغرق والثاني أذى قومه
وجعلنا ذريته هم الباقين وذلك أن نسل أهل السفينة انقرضوا غير نسل ولده فالناس كلهم من ولد نوح وتركنا عليه أي تركنا عليه ذكرا جميلا في الآخرين وهم الذين جاؤوا بعده إلى يوم القيامة قال الزجاج وذلك الذكر الجميل قوله سلام على نوح في العالمين وهم الذين جاؤوا

من بعده والمعنى تركنا عليه أن يصلى عليه في الآخرين إلى يوم القيامة إنا كذلك نجزي المحسنين قال مقاتل جزاه الله باحسانه الثناء الحسن في العالمين
وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون مالكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم
قوله تعالى وإن من شيعته لإبراهيم أي من أهل دينه وملته والهاء في شيعته عائدة على نوح في قول الأكثرين وقال ابن السائب تعود إلى محمد صلى الله عليه و سلم واختاره الفراء

فان قيل كيف يكون من شيعته وهو قبله
فالجواب أنه مثل قوله حملنا ذريتهم يس 41 فجعلها ذريتهم وقد سبقتهم وقد شرحنا هذا فيما مضى يس 41
قوله تعالى إذ جاء ربه أي صدق الله وآمن به بقلب سليم من الشرك وكل دنس وفيه أقوال ذكرناها في الشعراء 89
قوله تعالى ماذا تعبدون هذا استفهام توبيخ كأنه وبخهم على عبادة غير الله أءفكا أي أتأفكون إفكا وتعبدون آلهة سوى الله فما ظنكم برب العالمين إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره كأنه قال فما ظنكم أن يصنع بكم
فنظر نظرة في النجوم فيه قولان
أحدهما أنه نظر في علم النجوم وكان القوم يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث هم وأراهم أني أعلم من ذ لك ما تعلمون لئلا ينكروا عليه ذلك قال ابن المسيب رأى نجما طالعا فقال إني مريض غدا
والثاني أنه نظر إلى النجوم لا في علمها
فان قيل فما كان مقصوده
فالجواب أنه كان لهم عيد فأراد التخلف عنهم ليكيد أصناهم فاعتل بهذا القول
قوله تعالى إني سقيم من معاريض الكلام ثم فيه ثلاثة أقوال
أحدها أن معناه سأسقم قاله الضحاك قال ابن الأنباري أعلمه الله عز و جل أنه يمتحنه بالسقم إذا طلع نجم يعرفه فلما رأى النجم علم أنه سيسقم

والثاني إني سقيم القلب عليكم إذ تكهنتم بنجوم لا تضر ولا تنفع ذكره ابن الأنباري
والثالث أنه سقم لعلة عرضت له حكاه الماوردي وذكر السدي أنه خرج معهم إلى يوم عيدهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال أني سقيم أشتكي رجلي فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتم أي مال إليها وكانوا قد جعلوا بين يديها طعاما لتبارك فيه على زعمهم فقال إبراهيم استهزاء بها ألا تأكلون
وقوله ضربا باليمين في اليمين ثلاثة أقوال
أحدها أنها اليد اليمنى قاله الضحاك

والثاني بالقوة والقدرة قاله السدي والفراء
والثالث باليمين التي سبقت منه وهي قوله وتالله لأكيدن أصناكم الأنبياء 57 حكاه الماوردي
قال الزجاج ضربا مصدر والمعنى فمال على الأصنام يضربها ضربا باليمين وإنما قال عليهم وهي أصنام لأنهم جعلوها بمنزلة ما يميز
فأقبلوا إليه يزفون قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر والكسائي يزفون بفتح الياء وكسر الزاي وتشديد الفاء وقرأ حمزة والمفضل عن عاصم يزفون برفع الياء وكسر الزاي وتشديد الفاء وقرأ ابن السميفع وأبو المتوكل والضحاك يزفون بفتح الياء وكسر الزاي وتخفيف الفاء وقرأ ابن أبي عبلة وأبو نهيك يزفون بفتح الياء وسكون الزاي وتخفيف الفاء قال الزجاج أعرب القراءات فتح الياء وتشديد الفاء وأصله من زفيف النعام وهو ابتداء عدو النعام يقال زف النعام يزف وأما ضم الياء فمعناه يصيرون إلى الزفيف وأنشدوا ... تمنى حصين ان يسود جذاعه ... فأضحى حصين قد أذل واقهرا ...
أي صار إلى القهر واما كسر الزاي مع تخفيف الفاء فهو من وزف يزف بمعنى أسرع يسرع ولم يعرفه الكسائي ولا الفراء وعرفه غيرهما

قال المفسرون بلغهم ما صنع إبراهيم فأسرعوا فلما انتهوا إليه قال لهم محتجا عليهم أتعبدون ما تنحتون بأيديكم والله خلقكم وما تعملون قال ابن جرير في ما وجهان
أحدهما أن تكون بمعنى المصدر فيكون المعنى والله خلقكم وعملكم
والثاني أن تكون بمعنى الذي فيكون المعنى والله خلقكم وخلق الذي تعملونه بأيديكم من الأصنام وفي هذه الآية دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله
فلما لزمتهم الحجة قالوا ابنوا له بنيانا وقد شرحنا قصته في سورة الأنبياء 52 74 وبينا معنى الجحيم في البقرة 119 والكيد الذي أرادوا به إحراقه
ومعنى قوله فجعلناهم الأسفلين أن إبراهيم علاهم بالحجة حيث سلمه الله من كيدهم وحل الهلاك بهم
وقال يعني إبراهيم إني ذاهب إلى ربي في هذا الذهاب قولان
أحدهما أنه ذاهب حقيقة وفي وقت قوله هذا قولان أحدهما أنه حين أراد هجرة قومه فالمعنى إني ذاهب إلى حيث أمرني ربي عز و جل سيهدين إلى حيث أمرني وهو الشام قاله الأكثرون والثاني حين ألقي في النار قاله سليمان بن صرد فعلى هذا في المعنى قولان أحدهما ذاهب إلى الله بالموت

سيهدين إلى الجنة والثاني ذاهب إلى ماقضى به ربي سيهدين إلى الخلاص من النار
والقول الثاني إني ذاهب إلى ربي بقلبي وعملي ونيتي قاله قتادة
فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال رب هب لي من الصالحين أي ولدا صالحا من الصالحين فاجتزأ بما ذكر عما ترك ومثله وكانوا فيه من الزاهدين يوسف 20 فاستجاب له وهو قوله فبشرناه بغلام حليم وفيه قولان أحدهما أنه إسحاق والثاني أنه إسماعيل قال الزجاج هذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر وأنه يبقى حتى ينتهي في السن ويوصف بالحلم فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إ نه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين

قوله تعالى فما بلغ معه السعي فيه ثلاثة أقوال
أحدها أن المراد بالسعي هاهنا العمل قاله ابن عباس
والثاني أنه المشي والمعنى مشى مع أبيه قاله قتاده قال ابن قتيبة بلغ أن ينصرف معه ويعينه قال ابن السائب كان ابن ثلاث عشرة سنة
والثالث أن المراد بالسعي العبادة قاله ابن زيد فعلى هذا يكون قد بلغ
قوله تعالى إني أرى في المنام أني أذبحك أكثر العلماء على أنه لم ير أنه ذبحه في المنام وإنما المعنى أنه أمر في المنام بذبحه ويدل عليه قوله افعل ما تؤمر وذهب بعضهم إلى أنه رأى أنه يعالج ذبحه ولم ير إراقة الدم قال قتادة ورؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا فعلوه وذكر السدي عن أشياخه أنه لما بشر جبريل سارة بالولد قال إبراهيم هو إذا لله ذبيح فلما فرغ من بنيان البيت أتي في المنام فقيل له أوف بنذرك واختلفوا في الذبيح على قولين
أحدهما أنه إسحاق قاله عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والعباس ابن عبد المطلب وابن مسعود وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة وأنس وكعب الأحبار ووهب بن منبه ومسروق وعبيد بن عمير والقاسم ابن أبي بزة ومقاتل بن سليمان واختاره ابن جرير وهؤلاء يقولون كانت هذه القصة بالشام وقيل طويت له الأرض حتى حمله إلى المنحر بمنى في ساعة
والثاني أنه إسماعيل قاله ابن عمر وعبد الله بن سلام والحسن البصري وسعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد ويوسف بن مهران وأبو صالح

ومحمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس وعبد الرحمن بن سابط واختلفت الرواية عن ابن عباس فروى عنه عكرمة أنه إسحاق وروى عنه عطاء ومجاهد والشعبي وأبو الجوزاء ويوسف بن مهران أنه إسماعيل وروى عنه سعيد بن جبير كالقولين وعن سعيد بن جبير وعكرمة والزهري وقتادة والسدي روايتان وكذلك عن أحمد رضي الله عنه روايتان ولكل قوم حجة ليس هذا موضعها وأصحابنا ينصرون القول الأول
الإشارة إلى قصة الذبح ذكر أهل العلم بالسير والتفسير أن إبراهيم لما أراد ذبح ولده قال له انطلق فنقرب قربنا إلى الله عز و جل فأخذ سكينا وحبلا ثم انطلق حتى إذا ذهبا بين الجبال قال له الغلام يا أبت أين قربانك قال يا بني إني رأيت في المنام أني أذبحك فقال له اشدد رباطي حتى لا أضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليك من دمي فتراه أمي فتحزن واسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت علي فاذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني فأقبل عليه إبراهيم يقبله ويبكي ويقول نعم العون أنت يا بني

على أمر الله عز و جل ثم إنه أمر السكين على حلقه فلم يحك شيئا وقال مجاهد لما أمرها على حلقه انقلبت فقال مالك انقلبت قال اطعن بها طعنا وقال السدي ضرب الله على حلقه صفيحة من نحاس وهذا لا يحتاج إليه بل منعها بالقدرة أبلغ قالوا فلما طعن بها نبت وعلم الله منهما الصدق في التسليم فنودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا هذا فداء ابنك فنظر إبراهيم فاذا جبريل معه كبش أملح
قوله تعالى فانظر ماذا ترى لم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله عز و جل ولكن أراد أن ينظر ما عنده من الرأي وقرأ حمزة والكسائي وخلف ماذا تري بضم التاء وكسر الراء وفيها قولان أحدهما ماذا تريني من صبرك أو جزعك قاله الفراء والثاني ماذا تبين قاله الزجاج وقال غيره ماذا تشير
قوله تعالى افعل ما تؤمر قال ابن عباس افعل ما أوحي إليك من ذبحي ستجدني إن شاء الله من الصابرين على البلاء
قوله تعالى فلما أسلما أي استسلما لأمر الله عز و جل فأطاعا ورضيا وقرأ علي وابن مسعود وابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والأعمش وابن أبي عبلة فلما سلما بتشديد اللام من غير همز قبل السين والمعنى سلما لأمر الله عز و جل
وفي جواب قوله فلما أسلما قولان
أحدهما أن جوابه وناديناه والواو زائدة قاله الفراء
والثاني أن الجواب محذوف لأن في الكلام دليلا عليه والمعنى فلما فعل ذلك سعد وأجزل ثوابه قاله الزجاج

قوله تعالى وتله للجبين قال ابن قتيبة أي صرعه على جبينه فصار أحد جبينيه على الأرض وهما جبينان والجبهة بينهما وهي ما أصاب الأرض في السجود والناس لا يكادون يفرقون بين الجبين والجبهة فالجبهة مسجد الرجل الذي يصيبه ندب السجود والجبينان يكتنفانها من كل جانب جبين
قوله تعالى وناديناه قال المفسرون نودي من الجبل يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وفيه قولان
أحدهما قد عملت ما أمرت وذلك أنه قصد الذبح بما أمكنه وطاوعه الابن بالتمكين من الذبح إلا أن الله عز و جل صرف ذلك كما شاء فصار كأنه قد ذبح وإن لم يتحقق الذبح
والثاني أنه رأى في المنام معالجة الذبح ولم ير إراقة الدم فلما فعل في اليقظة ما رأى في المنام قيل له قد صدقت الرؤيا
وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وأبو عمران والجحدري قد صدقت الرؤيا بتخفيف الدال وهاهنا تم الكلام ثم قال تعالى إنا كذلك أي كما ذكرنا من العفو من ذبح ولده نجزي المحسنين

إن هذا لهو البلاء المبين في ذلك قولان أحدهما النعم البينة قاله ابن السائب ومقاتل والثاني الاختبار العظيم قاله ابن زيد وابن قتيبة فعلى الأول يكون قوله هذا إشارة إلى العفو عن الذبح وعلى الثاني يكون إشارة إلى امتحانه بذبح ولده
قوله تعالى وفديناه يعني الذبيح بذبح وهو بكسر الذال اسم ما ذبح وبفتح الذال مصدر ذبحت قاله ابن قتيبة ومعنى الآية خلصناه من الذبح بأن جعلنا الذبح فداء له وفي هذا الذبح ثلاثة أقوال
أحدها أنه كان كبشا أقرن قد رعى في الجنة قبل ذلك أربعين عاما قاله ابن عباس في رواية مجاهد وقال في رواية سعيد بن جبير هو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه كان في الجنة حتى فدي به
والثاني أن إبراهيم فدى ابنه بكبشين أبيضين أعينين أقرنين رواه أبو الطفيل عن ابن عباس
والثالث أنه ما فدي إلا بتيس من الأورى أهبط عليه من ثبير قاله الحسن
وفي معنى عظيم أربعة أقوال
أحدها لأنه كان قد رعى في الجنة قاله ابن عباس وابن جبير

والثاني لأنه ذبح على دين إبراهيم وسنته قاله الحسن
والثالث لأنه متقبل قاله مجاهد وقال أبو سليمان الدمشقي لما قر به ابن آدم رفع حيا فرعى في الجنة ثم جعل فداء الذبيح فتقبل مرتين
والرابع لأنه عظيم الشخص والبركة ذكره الماوردي
قوله تعالى وتركنا عليه قد فسرناه في هذه السورة الصافات 78
قوله تعالى وبشرناه باسحاق من قال إن إسحق الذبيح قال بشر إبراهيم بنبوة إسحاق وأثيب إسحاق بصبره النبوة وهذا قول ابن عباس في رواية عكرمة وبه قال قتادة والسدي ومن قال الذبيح إسماعيل قال بشر الله إبراهيم بولد يكون نبيا بعد هذه القصة جزاء لطاعته وصبره وهذا قول سعيد ابن المسيب
قوله تعالى وباركنا عليه وعلى إسحاق يعني بكثرة ذريتهما وهم الأسباط كلهم ومن ذريتهما محسن أي مطيع لله وظالم وهو العاصي له وقيل المحسن المؤمن والظالم الكافر

ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبدانا المؤمنين وإن إلياس لمن المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون إلا عباد الله المخلصين وتركنا عليه في الآخرين سلام على آل ياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين
قوله تعالى ولقد مننا على موسى وهارون أي أنعمنا عليهما بالنبوة
وفي الكرب العظيم قولان أحدهما استعباد فرعون وبلاؤه وهو معنى قول قتادة والثاني الغرق قاله السدي
قوله تعالى ونصرناهم فيه قولان أحدهما أنه يرجع إلى موسى وهارون وقومهما والثاني أنه يرجع إليهما فقط فجمعا لأن العرب تذهب بالرئيس إلى الجمع لجنوده وأتباعه ذكرهما ابن جرير وما بعد هذا قد تقدم بيانه الأنبياء 48 إلى قوله وإن إلياس لمن المرسلين فيه قولان
أحدهما أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل قاله الأكثرون
والثاني أنه إدريس قاله ابن مسعود وقتادة وكذلك كان يقرأ ابن مسعود وأبوالعالية وأبو عثمان النهدي وإن إدريس مكان إلياس

قوله تعالى إذ قال لقومه ألا تتقون أي ألا تخافون الله فتوحدونه وتعبدونه أتدعون بعلا فيه ثلاثة أقوال
أحدها انه بمعنى الرب قاله ابن عباس ومجاهد وأبوعبيدة وابن قتيبة وقال الضحاك كان ابن عباس قد أعياه هذا الحرف فبينا هو جالس إذ مر أعرابي قد ضلت ناقته وهو يقول من وجد ناقة أنا بعلها فتبعه الصبيان يصيحون به يازوج الناقة يازوج الناقة فدعاه ابن عباس فقال ويحك ما عنيت ببعلها قال أنا ربها فقال ابن عباس صدق الله أتدعون بعلا ربنا وقال قتادة هذه لغة يمانية
والثاني أنه اسم صنم كان لهم قاله الضحاك وابن زيد وحكى ابن جرير أنه به سميت بعلبك
والثالث أنها امرأه كانوا يعبدونها حكاه محمد بن إسحاق
قوله تعالى الله ربكم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم الله ربكم بالرفع وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف ويعقوب الله بالنصب

قوله تعالى فكذبوه فانهم لمحضرون النار إلا عباد الله المخلصين الذين لم يكذبوه فإنهم لا يحضرون النار
الإشارة إلى القصة
ذكر أهل العلم بالتفسير والسير أنه لما كثرت الأحداث بعد قبض حزقيل النبي عليه السلام وعبدت الأوثان بعث الله تعالى إليهم إلياس قال ابن إسحاق وهو إلياس بن تشبي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران فجعل يدعوهم فلا يسمعون منه فدعا عليهم بحبس المطر فجهدوا جهدا شديدا واستخفى إلياس خوفا منهم على نفسه ثم إنه قال لهم يوما إنكم قد هلكتم جهدا وهلكت البهائم والشجر بخطاياكم فاخرجوا بأصنامكم وادعوها فان استجابت لكم فالأمر كما تقولون وإن لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم عنه ودعوت الله ففرج عنكم فقالوا أنصفت فخرجوا بأصنامهم وأوثانهم فدعوا فلم يستجب لهم فعرفوا ضلالهم فقالوا ادع الله لنا فدعا لهم فأرسل المطر وعاشت بلادهم فلم بنزعوا عما كانوا عليه فدعا إلياس ربه ان يقبضه إليه ويريحه منهم فقيل له اخرج يوم كذا إلى مكان كذا فما جاءك من شيء فاربكه ولا تهبه فخرج فأقبل فرس من نار فوثب عليه فانطلق به وكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار في الملائكة فكان إنسيا ملكيا أرضيا سماويا

قوله تعالى سلام على إلياسين قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي إلياسين موصولة مكسورة الألف ساكنة اللام فجعلوها كلمة واحدة وقرأ الحسن مثلهم إلا أنه فتح الهمزة وقرأ نافع وابن عامر وعبد الوارث ويعقوب إلا زيدا إل ياسين مقطوعة فجعلوها كلمتين
وفي قراءة الوصل قولان
أحدهما أنه جمع لهذا النبي وامته المؤمنين به وكذلك يجمع ما ينسب إلى الشيء بلفظ الشيء فتقول رأيت المهالبة تريد بني المهلب والمسامعة تريد بني مسمع
والثاني أنه اسم النبي وحده وهو اسم عبراني والعجمي من الأسماء قد يفعل به هكذا كما تقول ميكال وميكائيل ذكر القولين الفراء والزجاج
فأما قراءة من قرأ إل ياسين مفصولة ففيها قولان
أحدهما أنهم آل هذا النبي المذكور وهو يدخل فيهم كقوله عليه السلام اللهم صل على آل أبي أوفى فهو داخل فيهم لأنه هو المراد بالدعاء

والثاني أنهم آل محمد صلى الله عليه و سلم قاله الكلبي وكان عبد الله بن مسعود يقرأ سلام على إدراسين وقد بينا مذهبه في أن إلياس هو إدريس
فان قيل كيف قال إدراسين وإنما الواحد إدريس والمجموع إدريسي لا إدراس ولا إدراسي
فالجواب أنه يجوز أن يكون لغة كابراهيم إبراهام و مثله ... قدني من نصر الخبيبين قدي وقرأ أبي بن كعب وأبو نهيك سلام على ياسين بحذف الهمزة واللام

وإن لوطا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون
قوله تعالى إذ نجيناه إذ هاهنا لا يتعلق بما قبله لأنه لم يرسل إذ نجي ولكنه يتعلق بمحذوف تقديره واذكر يامحمد إذ نجيناه وقد تقدم تفسير ما بعد هذا الشعراء 171 إلى قوله وإنكم لتمرون عليهم مصبحين هذا خطاب لأهل مكة كانوا إذا ذهبوا إلى الشام وجاؤوا مروا على قرى قوم لوط صباحا ومساء أفلا تعقلون فتعتبرون
وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين فالتقمه الحوت وهو مليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون

فنبذناه بالعراء وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين
قوله تعالى إذ أبق قال المبرد تأويل أبق تباعد وقال أبو عبيدة فزع وقال الزجاج هرب وقال بعض أهل المعاني خرج ولم يؤذن له فكان بذلك كالهارب من مولاه قال الزجاج والفلك السفينة والمشحون المملوء وساهم بمعنى قارع من المدحضين اي المغلوبين قال ابن قتيبة يقال أدحض الله حجته فدحضت أي أزالها فزالت وأصل الدحض الزلق
الإشارة إلى قصته قد شرحنا بعض قصته في آخر يونس وفي الأنبياء 86 على قدر ما تحتمله الآيات ونحن نذكر هاهنا ما تحتمله قال عبد الله بن مسعود لما وعد يونس قومه بالعذاب بعد ثلاث جأروا إلى الله عز و جل واستغفروا فكف عنهم العذاب فانطلق مغاضبا حتى انتهى إلى قوم في سفينة فعرفوه فحملوه فلما ركب السفينة وقفت فقال ما لسفينتكم قالوا لا ندري قال لكني أدري فيها عبد آبق من ربه إنها والله لا تسير حتى تلقوه فقالوا أما أنت يا نبي الله فوالله لا نلقيك قال فاقترعوا فمن قرع فليقع فاقترعوا فقرع يونس فأبوا أن يمكنوه من الوقوع فعادوا إلى القرعة حتى قرع يونس ثلاث مرات وقال طاووس إن صاحب السفينة هو الذي قال إنما يمنعها أن تسير

أن فيكم رجلا مشؤوما فاقترعوا لنلقي أحدنا فاقترعوا فقرع يونس ثلاث مرات
قال المفسرون وكل الله به حوتا فلما ألقى نفسه في الماء التقمه وأمر أن لا يضره ولا يكلمه وسارت السفينة حينئذ ومعنى التقمه ابتعله
وهو مليم قال ابن قتيبة أي مذنب يقال ألام الرجل إذا أتى ذنبا يلام عليه قال الشاعر ... تعد معاذرا لا عذر فيها ... ومن يخذل أخاه فقد ألاما ...
قوله تعالى فلولا أنه كان من المسبحين فيه ثلاثة أقوال أحدها من المصلين قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والثاني من العابدين قاله مجاهد ووهب بن منبه والثالث قول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين الأنبياء 87 قاله الحسن وروى عمران القطان عن الحسن قال والله ما كانت إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت فعلى هذا القول يكون تسبيحه في بطن الحوت وجمهور العلماء على أنه أراد لولا ما تقدم له قبل التقام الحوت إياه من التسبيح للبث في بطنه إلى يوم يبعثون قال قتادة لصار بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة ولكنه كان كثير الصلاة في الرخاء فنجاه الله تعالى بذلك

وفي قدر مكثه في بطن الحوت خمسة أقوال أحدها أربعون يوما قاله أنس بن مالك وكعب وأبو مالك وابن جريج والسدي والثاني سبعة أيام قاله سعيد بن جبير وعطاء والثالث ثلاثة أيام قاله مجاهد وقتادة والرابع عشرون يوما قاله الضحاك والخامس بعض يوم التقمة ضحى ونبذه قبل غروب الشمس قاله الشعبي
قوله تعالى فنبذناه قال ابن قتيبة أي ألقيناه بالعراء وهي الأرض التي لا يتوارى فيها بشجر ولا غيره وكأنه من عري الشيء
قوله تعالى وهو سقيم أي مريض قال ابن مسعود كهيأة الفرخ الممعوط الذي ليس له ريش وقال سعيد بن جبير أوحى الله تعالى إلى الحوت أن ألقه في البر فألقاه لا شعر عليه ولا جلد ولا ظفر
قوله تعالى وأنبتنا عليه شجرة من يقطين قال ابن عباس هو القرع وقد قال أمية بن أبي الصلت قبل الإسلام ... فأنبت يقطينا عليه برحمة ... من الله لولا الله ألفي ضاحيا ... قال الزجاج كل شجرة لا تنبت على ساق وإنما تمتد على وجه الارض نحو القرع والبطيخ والحنظل فهي يقطين واشتقاقه من قطن بالمكان إذا أقام فهذا الشجر ورقه كله على وجه الأرض فلذلك قيل له يقطين قال ابن مسعود كان يستظل بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها فأوحى الله إليه أتبكي على شجرة أن يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم قال يزيد بن عبد الله بن قسيط قيض الله له أروية من الوحش تروح عليه بكرة وعشيا فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه

فان قيل ما الفائدة في إنبات شجرة اليقطين عليه دون غيرها
فالجواب أنه خرج كالفرخ على ما وصفنا وجلده قد ذاب فأدنى شيء يمر به يؤذيه وفي ورق اليقطين خاصية وهو أنه إذا ترك على شيء لم يقربه ذباب فأنبته الله عليه ليغطيه ورقها ويمنع الذباب ريحه أن يسقط عليه فيؤذيه
قوله تعالى وأرسلناه إلى مائة ألف اختلفوا هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إياه أم بعد ذلك على قولين
أحدهما أنها كانت بعد نبذ الحوت إياه على ما ذكرنا في يونس 98 وهو مروي عن ابن عباس
والثاني أنها كانت قبل التقام الحوت له وهو قول الاكثرين منهم الحسن ومجاهد وهو الأصح والمعنى وكنا أرسلناه إلى مائة ألف فلما خرج من بطن الحوت أمر أن يرجع إلى قومه الذين أرسل إليهم
وفي قوله أو ثلاثة أقوال
أحدها أنها بمعنى بل قاله ابن عباس والفراء
والثاني أنها بمعنى الواو قاله ابن قتيبة وقد قرأ أبي بن كعب ومعاذ القارئ وأبو المتوكل وأبو عمران الجوني ويزيدون من غير ألف

والثالث أنها على أصلها والمعنى أو يزيدون في تقديركم إذا رآهم الرائي قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون
وفي زيادتهم أربعة أقوال أحدها أنهم كانوا مائة ألف يزيدون عشرين ألفا رواه أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم والثاني أنهم كانوا مائة ألف وثلاثين ألفا والثالث مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا رويا عن ابن عباس والرابع أنهم كانوا يزيدون سبعين ألفا قاله سعيد بن جبير ونوف
قوله تعالى فآمنوا في وقت إيمانهم قولان أحدهما عند معاينة العذاب والثاني حين أرسل إليهم يونس فمتعناهم إلى حين إلى منتهى آجالهم
فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم
قوله تعالى فاستفتهم أي سل أهل مكة سؤال توبيخ وتقرير لأنهم زعموا أن الملائكة بنات الله وهم شاهدون أى حاضرون ألا أنهم من إفكهم أي كذبهم ليقولون ولد الله حين زعموا أن الملائكة بناته

قوله تعالى أصطفى البنات قال الفراء هذا استفهام فيه توبيخ لهم وقد تطرح ألف الاستفهام من التوبيخ ومثله أذهبتم طيباتكم الأحقاف 20 وأذهبتم يستفهم بها ولا يستفهم ومعناهما واحد وقرأ أبو هريرة وابن المسيب والزهري وابن جماز عن نافع وأبو جعفر وشيبة وإنهم لكاذبون اصطفى بالوصل غير مهموز ولا ممدود قال أبو علي وهو على وجه الخبر كأنه قال اصطفى البنات على البنين كما يقولون كقوله ذق انك أنت العزيز الكريم الدخان 49
قوله تعالى مالكم كيف تحكمون لله بالبنات ولأنفسكم بالبنين أم لكم سلطان مبين أي حجة بينة على ما تقولون فائتوا بكتابكم الذي فيه حجتكم
وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنهم قالوا هو وإبليس أخوان رواه العوفي عن ابن عباس قال الماوردي وهو قول الزنادقة والذين يقولون الخير من الله والشر من إبليس
والثاني أن كفار قريش قالوا الملائكة بنات الله والجنة صنف من الملائكة يقال لهم الجنة قاله مجاهد
والثالث أن اليهود قالت إن الله تعالى تزوج إلى الجن فخرجت من بينهم الملائكة قاله قتادة وابن السائب
فخرج في معنى الجنة قولان أحدهما أنهم الملائكة والثاني الجن
فعلى الأول يكون معنى قوله ولقد علمت الجنة أي علمت الملائكة إنهم أي إن هؤلاء الشركين لمحضرون النار

وعلى الثاني ولقد علمت الجنة إنهم أي إن الجن أنفسها لمحضرون الحساب
قوله تعالى إلا عباد الله المخلصين يعني الموحدين وفيما استثنوا منه قولان
أحدهما أنهم استثنوا من حضور النار قاله مقاتل والثاني مما يصف أولئك وهو معنى قول ابن السائب قوله
تعالى فانكم يعني المشركين وما تعبدون من دون الله ما أنتم عليه أي على ما تعبدون بفاتنين أي بمضلين أحدا إلا من هو صال الجحيم أي من سبق له في علم الله أنه يدخل النار
وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين لكنا عباد الله المخلصين فكفروا به فسوف يعلمون ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ثم أخبر عن الملائكة بقوله وما منا والمعنى ما منا ملك إلا له

مقام معلوم أي مكان في السموات مخصوص يعبد الله فيه وإنا لنحن الصافون قال قتادة صفوف في السماء وقال السدي هو الصلاة وقال ابن السائب صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض
قوله تعالى وإنا لنحن المسبحون فيه قولان أحدهما المصلون والثاني المنزهون لله عز و جل عن السوء وكان عمر بن الخطاب إذا أقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال يا أيها الناس استووا فإنما يريد الله بكم هدي الملائكة وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون
ثم عاد إلى الإخبار عن المشركين فقال وإن كانوا ليقولون اللام في ليقولون لام توكيد والمعنى وقد كان كفار قريش يقولون قبل بعثة النبي صلى الله عليه و سلم لو أن عندنا ذكرا أي كتابا من الأولين أي مثل كتب الأولين وهم اليهود والنصارى لكنا عباد الله المخلصين أي لأخلصنا العبادة لله عز و جل
فكفروا به فيه اختصار تقديره فلما آتاهم ما طلبوا كفروا به فسوف يعلمون عاقبة كفرهم وهذا تهديد لهم
ولقد سبقت كلمتنا أي تقدم وعدنا للمرسلين بنصرهم والكلمة قوله كتب الله لأغلبن أنا ورسلي المجادلة 21 إنهم لهم المنصرون بالحجة وإن جندنا يعني حزبنا المؤمنين لهم الغالبون بالحجة أيضا والظفر فتول عنهم أي أعرض عن كفار مكة حتى حين أي حتى تنقضي مدة إمهالهم وقال مجاهد حتى نأمرك بالقتال

فعلى هذا الآية محكمة وقال في رواية حتى الموت وكذلك قال قتادة وقال ابن زيد حتى القيامة فعلى هذا يتطرق نسخها وقال مقاتل بن حيان نسختها آية القتال
قوله تعالى وأبصرهم أي انظر إليهم إذا نزل العذاب قال مقاتل بن سليمان هو العذاب ببدر وقيل أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ما انكروا وكانوا يستعجلون بالعذاب تكذيبا به فقيل أفبعذابنا يستعجلون
فاذا نزل يعني العذاب وقرأ ابن مسعود وأبو عمران والجحدري وابن يعمر فإذا نزل برفع النون وكسر الزاي وتشديدها بساحتهم أي بفنائهم وناحيتهم والساحة فناء الدار قال الفراء العرب تكتفي بالساحة والعقوة من القوم فيقولون نزل بك العذاب وبساحتك قال الزجاج فكان عذاب هؤلاء القتل فساء صباح المنذرين أي بئس صباح الذين أنذروا العذاب
ثم كرر ما تقدم توكيدا لوعده بالعذاب فقال وتول عنهم الآيتين
ثم نزه نفسه عن قولهم بقوله سبحان ربك رب العزة قال مقاتل يعني عزة من يتعزز من ملوك الدنيا
قوله تعالى عما يصفون أي من اتخاذ النساء والأولاد

وسلام على المرسلين فيه وجهان أحدهما تسليمه عليهم إكراما لهم والثاني إخباره بسلامتهم والحمد لله رب العالمين على هلاك المشركين ونصرة الأنبياء والمرسلين

سورة ص
ويقال لها سورة داود وهي مكية كلها باجماعهم
فأما سبب نزول أولها فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن قريشا شكوا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي طالب فقال يا ابن أخي ما تريد من قومك فقال يا عم إنما اريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم الجزية بها العجم قال كلمة قال كلمة واحدة قال ماهي قال لا إله إلا الله فقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا فنزلت فيهم ص والقرآن إلى قوله إن هذا إلا اختلاق بسم الله الرحمن الرحيم
ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص

واختلفوا في معنى ص على سبعة أقوال
أحدها أنه قسم أقسم الله به وهو من أسمائه رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثاني أنه بمعنى صدق محمد رواه عطاء عن ابن عباس
والثالث صدق الله قاله الضحاك وقد روي عن ابن عباس أنه قال معناه صادق فيما وعد وقال الزجاج معناه الصادق الله تعالى
والرابع أنه اسم من أسماء القرآن أقسم الله به قاله قتادة
والخامس أنه اسم حية رأسها تحت العرش وذنبها تحت الأرض السفلى حكاه أبو سليمان الدمشقي وقال أظنه عن عكرمة
والسادس أنه بمعنى حادث القرآن أي انظر فيه قاله الحسن وهذا على قراءة من كسروا منهم ابن عباس والحسن وابن أبي عبلة قال ابن جرير فيكون المعنى صاد بعملك القرآن أي عارضه وقيل اعرضه على عملك فانظر أين هو منه
والسابع أنه بمعنى صاد محمد قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به وأحبوه حكاه الثعلبي وهذا على قراءة من فتح وهي قراءة أبي رجاء وأبي الجوزاء

وحميد ومحبوب عن أبي عمرو قال الزجاج والقراءة صاد بتسكين الدال لأنها من حروف التهجي وقد قرئت بالفتح وبالكسر فمن فتحها فعلى ضربين أحدهما لالتقاء الساكنين والثاني على معنى أتل صاد ويكون صاد اسما للسورة لاينصرف ومن كسر فعلى ضربين أحدهما لالتقاء الساكنين أيضا والثاني على معنى صاد القرآن بعملك من قولك صادى يصادي إذا قابل وعادل يقال صاديته إذا قابلته
قوله تعالى ذي الذكر في المراد بالذكر ثلاثة أقوال أحدها أنه الشرف قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي والثاني البيان قاله قتادة والثالث التذكير قاله الضحاك
فإن قيل أين جواب القسم بقوله ص والقرآن ذي الذكر
فعنه خمسة أجوبة
أحدها أن ص جواب لقوله والقرآن ف ص في معناها كقولك وجب والله نزل والله حق والله قاله الفراء وثعلب

والثاني أن جواب ص قوله كم أهلكنا من قبلهم من قرن ومعناه لكم فلما طال الكلام حذفت اللام ومثله والشمس وضحاها قد أفلح الشمس 1 و 9 فإن المعنى لقد أفلح غير أنه لما اعترض بينهما كلام تبعه قوله قد أفلح حكاه الفراء وثعلب أيضا
والثالث أنه قوله إن كل إلا كذب الرسل ص 14 حكاه الأخفش
والرابع أنه قوله إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ص 64 قاله الكسائي وقال الفراء لا نجده مستقيما في العربية لتأخره جدا عن قوله والقرآن
والخامس أن جوابه محذوف تقديره والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار ويدل على هذا المحذوف قوله بل الذين كفروا في عزة وشقاق ذكره جماعة من المفسرين وإلى نحوه ذهب قتادة والعزة الحمية والتكبر عن الحق وقرأ عمرو بن العاص وأبو رزين وابن يعمر وعاصم الجحدري ومحبوب عن أبي عمرو في غرة بغين معجمة و راء غير معجمة والشقاق الخلاف والعداوة لرسول الله صلى الله عليه و سلم وقد سبق بيان الكلمتين مشروحا البقرة 206 138
ثم خوفهم بقوله كم أهلكنا من قبلهم من قرن يعنى الأمم الخالية فنادوا عند وقوع الهلاك بهم وفي هذا النداء قولان أحدهما أنه الدعاء والثاني الاستغاثة

قوله تعالى ولات حين مناص وقرأ الضحاك وأبو المتوكل وعاصم الجحدري وابن يعمر ولات حين بفتح التاء ورفع النون قال ابن عباس ليس حين يروه فرار وقال عطاء في لغة أهل اليمن لات بمعنى ليس وقال وهب بن منبه هي بالسريانية وقال الفراء لات بمعنى ليس والمعنى ليس بحين فرار ومن القراء من يخفض لات والوجه النصب لأنها في معنى ليس أنشدني المفضل ... تذكر حب ليلى لات حينا ... وأضحى الشيب قد قطع القرينا ...
قال ابن الأنباري كان الفراء والكسائي والخليل وسيبويه والأخفش وأبو عبيدة يذهبون إلى أن التاء في قوله ولات منقطعة من حين قال وقال أبو عبيدة الوقف عندي على هذا الحرف ولا والابتداء تحين لثلاث حجج
إحداهن أن تفسير ابن عباس يشهد لها لأنه قال ليس حين يروه فرار فقد علم أن ليس هي أخت لا وفي معناها
والحجة الثانية أنا لا نجد في شيء من كلام العرب ولات إنما المعروفة لا
والحجة الثالثة أن هذه التاء إنما وجدناها تلحق مع حين ومع الآن ومع ال أوان فيقولون كان هذا تحين كان ذلك وكذلك تأوان ويقال اذهب تلان ومنه قول أبي وجزة السعدي

العاطفون تحين مامن عاطف ... والمطعمون زمان ما من مطعم ...
وذكر ابن قتيبة عن ابن الأعرابي أن معنى هذا البيت العاطفونة بالهاء ثم تبتدئ حين مامن عاطف قال ابن الأنباري وهذا غلط لأن الهاء إنما تقحم على النون في مواضع القطع والسكون فأما مع الاتصال فانه غير موجود وقال علي بن أحمد النيسابوري النحويون يقولون في قوله ولات هي لا زيدت فيها التاء كما قالوا ثم وثمت ورب وربت وأصلها هاء وصلت ب لا فقالوا لاه فلما وصلوها جعلوها تاء والوقف عليها بالتاء عند الزجاج وأبي علي وعند الكسائي بالهاء وعند أبي عبيد الوقف على لا
فأما المناص فهو الفرار قال الفراء النوص في كلام العرب التأخر والبوص التقدم قال إمرؤ القيس ... أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص ... فتقصر عنها خطوة وتبوص

وقال أبوعبيدة المناص مصدر ناص ينوص وهوالمنجى والفوز
وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذ لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق ءأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب جند ما هنالك مهزوم من الاحزاب
قوله تعالى وعجبوا يعني الكفار أن جاءهم منذر منهم يعني رسولا من أنفسهم ينذرهم النار
أجعل الآلهة إلها واحدا لأنه دعاهم إلى الله وحده وأبطل عبادة آلتهم وهذا قولهم لما اجتمعوا عند أبي طالب وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أتعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم وهي لا إله إلا الله فقاموا يقولون أجعل الآلهة إلها واحدا ونزلت هذه الآية فيهم إن هذا الذي يقول محمد من أن الآلهة إلها واحدا لشيء عجاب أي لأمر عجب وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية وابن يعمر وابن السميفع

عجاب بتشديد الجيم قال اللغويون العجاب والعجاب والعجيب بمعنى واحد كما تقول كبير وكبار وكبار وكريم وكرام وكرام وطويل وطوال وطوال وأنشد الفراء ... جاؤوا بصيد عجب من العجب ... أزيرق العينين طوال الذنب ...
قال قتادة عجب المشركون أن دعي الله وحده وقالوا أيسمع لحاجتنا جميعا إله واحد
وقوله تعالى وانطلق الملأ منهم قال المفسرون لما اجتمع أشراف قريش عند أبي طالب وشكوا إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما سبق بياه نفروا من قوله لا إله إلا الله وخرجوا من عند أبي طالب فذلك قوله وانطلق الملأ منهم الانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقة الوجه والملأ أشراف قريش فخرجوا يقول بعضهم لبعض امشوا و أن بمعنى أي فالمعنى أي امشوا قال الزجاج ويجوز أن يكون المعنى انطلقوا بأن امشوا أي انطلقوا بهذا القول وقال بعضهم المعنى انطلقوا يقولون امشوا إلى أبي طالب فاشكوا إليه ابن أخيه واصبروا على آلهتكم أي اثبتوا على عبادتها إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد لشيء يراد أي لأمر يراد بنا
ما سمعنا بهذا الذي جاء به محمد من التوحيد في الملة الآخرة وفيها ثلاثة أقوال
أحدها النصرانية رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وإبراهيم بن المهاجر عن مجاهد وبه قال محمد بن كعب القرظي ومقاتل

والثاني أنها ملة قريش رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد وبه قال قتادة
والثالث اليهودية والنصرانية قاله الفراء والزجاج والمعنى أن اليهود أشركت بعزير والنصارى قالت ثالث ثلاثة فلهذا أنكرت التوحيد
إن هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه و سلم إلا اختلاق أي كذب أأنزل عيه الذكر يعنون القرآن عليه يعنون رسول الله صلى الله عليه و سلم من بيننا أي كيف خص بهذا دوننا وليس بأعلانا نسبا ولا أعظمنا شرفا قال الله تعالى بل هم في شك من ذكري أي من القرآن والمعنى أنهم ليسوا على يقين مما يقولون إنما هم شاكون بل لما قال مقاتل لما بمعنى لم كقوله ولما يدخل الإيمان في قلوبكم الحجرات 14 وقال غيره هذا تهديد لهم والمعنى أنه لو نزل بهم العذاب علموا أن ما قاله محمد حق وأثبت ياء عذابي في الحالين يعقوب
قال الزجاج ولما دل قولهم أأنزل عليه الذكر على حسدهم له أعلم الله عز و جل أن الملك والرسالة إليه فقال أم عندهم خزائن رحمة ربك قال المفسرون ومعنى الآية أبأيديهم مفاتيح النبوة فيضعونها حيث شاؤوا والمعنى ليست بأيديهم ولا ملك السموات والأرض لهم فان ادعوا شيئا من ذلك فليرتقوا في الأسباب قال سعيد بن أي في أبوبا السماء وقال الزجاج فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء
قوله تعالى جند أي هم جند والجند الأتباع فكأنه قال هم اتباع مقلدون ليس فيهم عالم راشدو ما زائدةو هنالك إشارة إلى بدر والأحزاب جميع من تقدمهم من الكفار الذين تحزبوا على

الأنبياء قال قتادة أخبر الله نبيه وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها يوم بدر
كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذوالأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب وما ينظر هؤلاء إلا صحية واحدة مالها من فواق
قوله تعالى كذبت قبلهم قوم نوح قال أبو عبيدة قوم من العرب يؤنثون القوم وقوم يذكرون فان احتج عليهم بهذه الآية قالوا وقع المعنى على العشيرة واحتجوا بقوله كلا إنها تذكرة عبس11 قالوا والمضمر مذكر
قوله تعالى وفرعون ذو الأوتاد فيه ستة أقوال
أحدها أنه كان يعذب الناس بأربعة أوتاد يشدهم فيها ثم يرفع صخرة فتلقى على الإنسان فتشدخه قاله ابن مسعود وابن عباس وكذلك قال الحسن ومجاهد كان يعذب الناس بأوتاد يوتدها في أيديهم وأرجلهم والثاني أنه ذو البناء المحكم روي عن ابن عباس أيضا وبه قال الضحاك والقرظي واختاره ابن قتيبة قال والعرب تقول هم في عز ثابت الأوتاد وملك ثابت الأوتاد يريدون أنه دائم شديد وأصل هذا أن البيت من بيوتهم يثبت بأوتاد قال الأسود بن يعفر

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ... في ظل ملك ثاتب الأوتاد ... والثالث أن المراد بالأوتاد الجنود رواه عطية عن ابن عباس وذلك أنهم كانوا يشدون ملكه ويقوون أمره كما يقوي الوتد الشيء
والرابع أنه كان يبني منارا يذبح عليها الناس
والخامس أنه كان له أربع أسطوانات فيأخذ الرجل فيمد كل قائمة إلى أسطوانة فيعذبه روي القولان عن سعيد بن جبير
والسادس أنه كانت له أوتاد وأرسان وملاعب يلعب له عليها قاله عطاء وقتادة
ولما ذكر المكذبين قال أولئك الأحزاب فأعلمنا أن مشركي قريش من هؤلاء وقد عذبوا وأهلكوا فحق عقاب أثبت الياء في الحالين

يعقوب وما ينظر أي وما ينتظر هؤلاء يعني كفار مكة إلا صيحة واحدة وفيها قولان أحدهما أنها النفخة الأولى قاله مقاتل والثاني النفخة الأخيرة قاله ابن السائب
وفي الفواق قراءتان قرأ حمزة وخلف والكسائي بضم الفاء وقرأ الباقون بفتحها وهل بينهما فرق أم لا فيه قولان
أحدهما أنهما لغتان بمعنى واحد وهو معنى قول الفراء وابن قتيبة والزجاج قال الفراء والمعنى مالها من راحة ولا إفاقة واصله من الإفاقة في الرضاع إذا ارتضعت البهيمة أمها ثم تركتها حتى تنزل شيئا من اللبن فتلك الإفاقة وجاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال العيادة قدر فواق ناقة ومن يفتح الفاء فيه لغة جيدة عالية وقال ابن قتيبة الفواق والفواق واحد وهو أن تحلب الناقة وتترك ساعة حتى تنزل شيئا من اللبن ثم تحلب فما بين الحلبتين فواق فاستعير الفواق في موضع المكث والانتظار وقال الزجاج الفواق ما بين حلبتي الناقة وهو مشتق من الرجوع لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين يقال أفاق من مرضه أي رجع الى الصحة
والثاني أن من فتحها أراد مالها من راحة ومن ضمها أراد فواق الناقة قاله أبو عبيدة

وللمفسرين في معنى الكلام أربعة أقوال
أحدها مالها من رجعة ثم فيه قولان أحدهما مالها من ترداد قاله ابن عباس والمعنى أن تلك الصيحة لا تكرر والثاني مالها من رجوع إلى الدنيا قاله الحسن وقتادة والمعنى أنهم لا يعودون بعدها إلى الدنيا
والثاني ما لهم منها من إفاقة بل تهلكهم قاله ابن زيد
والثالث مالها من فتور ولا انقطاع قاله ابن جرير والرابع مالها من راحة حكاه جماعة من المفسرين
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب إصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب
قوله تعالى وقالوا ربنا عجل لنا قطنا في سبب قولهم هذا قولان
أحدهما أنه لما ذكر لهم ما في الجنة قالوا هذا قاله سعيد بن جبير والسدي
والثاني أنه لما نزل قوله فأما من أوتي كتابه بيمينه الآيات الحاقة 19 37 قالت قريش زعمت يا محمد أنا نؤتى كتبنا بشمائلنا فعجل لنا قطنا يقولون ذلك تكذيبا له قاله أبو العالية ومقاتل
وفي المراد بالقط أربعة أقوال
أحدها أنه الصحيفة قاله أبو صالح عن ابن عباس قال الفراء القط

في كلام العرب الصك وقال أبو عبيدة القط الكتاب والقطوط الكتب بالجوائز وإلى هذا المعنى ذهب الحسن ومقاتل وابن قتيبة
والثاني أن القط الحساب رواه الضحاك عن ابن عباس
والثالث أنه القضاء قاله عطاء الخراساني والمعنى أنهم لما وعدوا بالقضاء بينهم سألوا ذلك
والرابع أنه النصيب قاله سعيد بن جبير قال الزجاج القط النصيب وأصله الصحيفة يكتب للانسان فيها شيء يصل إليه واشتقاقة من قططت أي قطعت فالنصيب هو القطعة من الشيء ثم في هذا القول للمفسرين قولان أحدهما أنهم سألوه نصيبهم من الجنة قاله سعيد بن جبير والثاني سألوه نصيبهم من العذاب قاله قتادة وعلى جميع الأقوال إنما سألوا ذلك استهزاء لتكذيبهم بالقيامة
إصبر على ما يقولون أي من تكذيبهم وأذاهم وفي هذا قولان

أحدهما أنه أمر بالصبر سلوكا لطريق أولي العزم وهذا محكم
والثاني أنه منسوخ بآية السيف فيما زعم الكلبي
قوله تعالى واذكر عبدنا داود في وجه المناسبة بين قوله إصبر وبين قوله واذكر عبدنا داود قولان
أحدهما أنه أمر أن يتقوى علىالصبر بذكر قوة داود على العبادة والطاعة
والثاني أن المعنى عرفهم أن الأنبياء عليهم السلام مع طاعتهم كانوا خائفين مني هذا داود مع قوته على العبادة لم يزل باكيا مستغفرا فكيف حالهم مع أفعالهم
فأما قوله ذا الأيد فقال ابن عباس هي القوة في العبادة وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه
وفي الأواب أقوال قد ذكرناها في بني اسرائيل 25 إنا سخرنا الجبال معه يسبحن قد ذكرنا تسبيح الجبال معه في الانبياء 79 وذكرنا معنى العشي في مواضع مما تقدم آل عمران 41 الأنعام 53 وذكرنا معنى الإشراق في الحجر 73 عند قوله مشرقين قال الزجاج الإشراق طلوع الشمس وإضاءتها وروي عن ابن عباس

أنه قال طلبت صلاة الضحى فلم أجدها إلا في هذه الآية وقد ذكرنا عنه أن صلاة الضحى مذكورة في النور 36 في قوله بالغدو والآصال
قوله تعالى والطير محشورة وقرأ عكرمة وأبو الجوزاء والضحاك وابن أبي عبلة والطير محشورة بالرفع فيهما أي مجموعة إليه تسبح الله معه كل له في هاء الكناية قولان
أحدهما أنها ترجع إلى داود أي كل لداود أواب أي رجاع إلى طاعته وأمره والمعنى كل له مطيع بالتسبيح معه هذا قول الجمهور
والثاني أنها ترجع إلى الله تعالى فالمعنى كل مسبح لله قاله السدي قوله تعالى وشددنا ملكه أي قويناه وفي ما شد به ملكه قولان
احدهما أنه الحرس والجنود قال ابن عباس كان يحرسه كل ليلة ستة وثلاثون ألف رجل
والثاني أنه هيبة ألقيت له في قلوب الناس وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضا
قوله تعالى وآتيناه الحكمة وفيها أربعة أقوال أحدها أنها الفهم قاله ابن عباس والحسن وابن زيد والثاني الصواب قاله مجاهد والثالث السنة قاله قتادة والرابع النبوة قاله السدي وفي فصل الخطاب أربعة أقوال
أحدها علم القضاء والعدل قاله ابن عباس والحسن

والثاني بيان الكلام روي عن ابن عباس أيضا وذكر الماوردي أنه البيان الكافي في كل غرض مقصود
والثالث قوله أما بعد وهو أول من تكلم بها قاله أبو موسى الأشعري والشعبي
والرابع تكليف المدعي البينة والمدعى عليه اليمين قاله شريح وقتادة وهو قول حسن لأن الخصومة إنما تفصل بهذا
وهل آتك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب
قوله تعالى وهل أتاك نبأ الخصم قال أبو سليمان المعنى قد أتاك فاستمع له نقصص عليك

واختلف العلماء في السبب الذي امتحن لأجله داود عليه السلام بما امتحن به على خمسة أقوال
أحدها أنه قال يارب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لو وددت أنك أعطيتني مثله فقال الله تعالى إني ابتليتهم بما لم أبتلك به فان شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به وأعطيتك كما أعطيتهم قال نعم فبينما هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة فأراد أن يأخذها فطارت فذهب ليأخذها فرأى امرأة تغتسل رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال السدي
والثاني أنه مازال يجتهد في العبادة حتى برز له قرناؤه من الملائكة وكانوا يصلون معه ويسعدونه بالبكاء فلما استأنس بهم قال أخبروني بأي شيء أنتم موكلون قالوا مانكتب عليك ذنبا بل نكتب صالح عملك ونثبتك ونوفقك ونصرف عنك السوء فقال في نفسه ليت شعري كيف أكون لو خلوني ونفسي وتمنى أن يخلى بينه وبين نفسه ليعلم كيف يكون فأمر الله تعالى قرناءه أن يعتزلوه ليعلم انه لا غناء به عن الله عزوجل فلما فقدهم جد واجتهد ضعف عبادته إلى أن ظن أنه قد غلب نفسه فأراد الله تعالى أن يعرفه ضعفه فأرسل إليه طائرا من طيور الجنة فسقط في محرابه فقطع صلاته ومد يده إليه فتنحى عن مكانه فأتبعه بصره فاذا امرأة أوريا هذا قول وهب بن منبه

والثالث أنه تذاكر هو وبنو إسرائيل فقالوا هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك فلما كان يوم عبادته أغلق أبوابه وأمر أن لا يدخل عليه احد واكب على قراءه الزبور فاذا حمامة من ذهب فأهوى إليها فطارت فتبعها فرأى المرأة رواه مطر عن الحسن
والرابع أنه قال لبني إسرائيل حين ملك والله لأعدلن بينكم ولم يستثن فابتلي رواه قتادة عن الحسن
والخامس أنه أعجبه كثرة عمله فابتلي قاله أبو بكر الوراق
الإشارة إلى قصة ابتلائه
قد ذكرنا عن وهب أنه قال كانت الحمامة من طيور الجنة وقال السدي تصور له الشيطان في صورة حمامة قال المفسرون إنه لما تبع الحمامة رأى امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل وقيل بل على سطح لها فعجب

من حسنها فحانت منها التفاته فرأت ظله فنقضت شعرها فغطى بدنها فزاده ذلك إعجابا فسأل عنها فقيل هذه امرأة أرويا وزوجها في غزاة فكتب داود إلى أمير ذلك الجيش أن ابعث أوريا إلى موضع كذا وكذا وقدمه قبل التابوت وكان من قدم على التابوت لا يحل له أن يرجع حتى يفتح عليه أو يستشهد ففعل ذلك ففتح عليه فكتب إلى داود يخبره فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا ففتح عليه فكتب إلى داود يخبره فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا فقتل في المرة الثالثة فلما انقضت عدة المرأة تزوجها داود فهي أم سليمان فلما دخل بها لم يلبث إلا يسيرا حتى بعث الله عز و جل ملكين في صورة إنسيين وقيل لم يأته الملكان حتى جاء منها سليمان وشب ثم اتياه فوجداه في محراب عبادته فمنعهما الحرس من الدخول إليه فتسوروا المحراب عليه وعلى هذا الذي ذكرناه من القصة اكثر المفسرين وقد روى نحوه العوفي عن ابن عباس وروي عن الحسن وقتادة والسدي ومقاتل في آخرين وذكر جماعة من المفسرين أن داود لما نظر إلى المرأة سأل عنها وبعث زوجها إلى الغزاة مرة بعد مرة إلى أن قتل فتزوجها وروي مثل هذا عن ابن عباس ووهب والحسن في جماعة قال المصنف وهذا لا يصح من طريق النقل ولا يجوز من حيث المعنى لأن الأنبياء منزهون عنه
وقد اختلف المحققون في ذنبه الذي عوتب عليه على أربعة أقوال
أحدها أنه لما هويها قال لزوجها تحول لي عنها فعوتب على ذلك وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال مازاد داود على ان قال لصاحب

المرأة أكفلنيها وتحول لي عنها ونحو ذلك روي عن ابن مسعود وقد حكى أبو سليمان الدمشقي أنه بعث إلى أوريا فأقدمه من غزاته فأدناه وأكرمه جدا إلى أن قال له يوما انزل لي عن امرأتك وانظر أي امرأة شئت في بني إسرائيل أزوجكها أو أي أمة شئت أبتاعها لك فقال لا أريد بامرأتي بديلا فلما لم يجبه إلى ما سأل أمره أن يرجع إلى غزاته
والثاني أنه تمنى تلك المرأة حلالا وحدث نفسه بذلك فاتفق غزو أوريا وهلاكه من غير أن يسعى في سبب قتله ولا في تعريضه للهلاك فلما بلغة قتله لم يجزع عليه كما جزع على غيره من جنده ثم تزوج امرأته فعوتب على ذلك وذنوب الأنبياء عليهم السلام وإن صغرت فهي عظيمة عند الله عز و جل
والثالث أنه لما وقع بصره عليها أشبع النظر إليها حتى علقت بقلبه
والرابع أن أوريا كان قد خطب تلك المرأة فخطبها داود مع علمه بأن أوريا قد خطبها فتزوجها فاغتم أوريا وعاتب الله تعالى داود إذ لم يتركها لخاطبها الأول واختار القاضي أبو يعلى هذا القول واستدل عليه بقوله وعزني في الخطاب قال فدل هذا على أن الكلام إنما كان بينهما في الخطبة ولم يكن قد تقدم تزوج الآخر فعوتب داود عليه السلام لشيئين ينبغي للأنبياء التنزه عنهما أحدهما خطبته على خطبته غيره والثاني إظهار الحرص على التزويج مع كثرة نسائه ولم يعتقد ذلك معصية فعاتبه الله تعالى عليها قال فأما ماروي أنه نظر إلى المرأة فهويها وقدم زوجها للقتل

فانه وجه لا يجوز على الأنبياء لأن الأنبياء لا يأتون المعاصي مع العلم بها
الزجاج إنما قال الخصم بلفظ الواحد وقال تسوروا المحراب بلفظ الجماعة لأن قولك خصم يصلح للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى تقول هذا خصم وهي خصم وهما خصم وهم خصم وإنما يصلح لجميع ذلك لأنه مصدر تقول خصمته أخصمه خصما والمحراب هاهنا كالغرفة قال الشاعر

ربة محراب إذا جئتها ... لم ألقها أو أرتقي سلما ...
و تسوروا يدل على علو
قال المفسرون كانا ملكين وقيل هما جبريل وميكائيل عليهما السلام أتياه لينبهاه على التوبة وإنما قال تسوروا وهما اثنان لأن معنى الجمع ضم شيء إلى شيء والاثنان فما فوقهما جماعة
قوله تعالى إذ دخلوا على داود قال الفراء يجوز أن يكون معنى تسوروا دخلوا فيكون تكرارا ويجوز أن تكون إذ بمعنى لما فيكون المعنى إذ تسوروا المحراب لما دخلوا ولما تسوروا إذ دخلوا
قوله تعالى ففزع منهم وذلك أنهما أتيا على غير صفة مجيء الخصوم وفي غير وقت الحكومة ودخلا تسورا من غير إذن وقال أبو الأحوص دخلا عليه وكل واحد منهما آخذ برأس صاحبه و خصمان مرفوع باضمار نحن قال ابن الأنباري المعنى نحن كخصمين ومثل خصمين فسقطت الكاف وقام الخصمان مقامها كما تقول العرب عبد الله القمر حسنا وهم يريدون مثل القمر قالت هند بنت عتبة ترثي أباها وعمها ... من حس لي الأخوين ... كالغصنين أو من راهما ... أسدين في عيل يحيد ... القوم عن عرواهما

صقرين لا يتذللان ... ولا يباح حماهما ... رمحين خطيين في ... كبد السماء تراهما ...
أرادت مثل أسدين ومثل صقرين فأسقطت مثلا وأقامت الذي بعده مقامه ثم صرف الله عز و جل النون والألف في بعضنا إلى نحن المضمر كما تقول العرب نحن قوم شرف أبونا ونحن قوم شرف أبوهم والمعنى واحد والحق هاهنا العدل
ولا تشطط أي لا تجر يقال شط وأشط إذا جار وقرأ ابن أبي عبلة ولا تشطط بفتح التاء وضم الطاء قال الفراء وبعض العرب يقول شططت علي في السموم وأكثر الكلام أشططت بالألف وشطت الدار تباعدت
قوله تعالى واهدنا إلى سواء الصراط أي إلى قصد الطريق والمعنى احملنا على الحق فقال داود تكلما فقال أحدهما إن هذا أخي قال ابن الأنباري المعنى قال أحد الخصمين اللذين شبه الملكان بهما إن هذا أخي فأضمر القول لوضوح معناه له تسع وتسعون نعجة قال الزجاج كني عن المرأة بالنعجة وقال غيره العرب تشبه النساء بالنعاج وتوري عنها بالشاء والبقر قال ابن قتيبة ورى عن ذكر النساء بذكر النعاج كما قال عنترة

يا شاة ما قنص لمن حلت له ... حرمت علي وليتها لم تحرم ... يعرض بجارية يقول أي صيد أنت لمن حل له أن يصيدك فأما أنا فان حرمة الجوار قد حرمتك علي وإنما ذكر الملك هذا العدد لأنه عدد نساء داود
قوله تعالى ولي نعجة واحدة فتح الياء حفص عن عاصم وأسكنها الباقون
فقال أكفلنيها قال ابن قتيبة أي ضمها إلي واجعلني كافلها وقال الزجاج انزل أنت عنها واجعلني أنا أكفلها
قوله تعالى وعزني في الخطاب أي غلبني في القول وقرأ عمر بن الخطاب وأبو رزين العقبلي والضحاك وابن يعمر وابن أبي عبلة وعازني بألف أي غالبني قال ابن مسعود وابن عباس في قوله وعزني في الخطاب ما زاد على أن قال انزل لي عنها وروى العوفي عن ابن عباس قال إن دعوت ودعا كان أكثر وإن بطشت وبطش كان أشد مني
فان قيل كيف قال الملكان هذا وليس شيء منه موجودا عندهما
فالجواب أن العلماء قالوا إنما هذا على سبيل المثل والتشبيه بقصة داود وتقدير كلامهما ما تقول إن جاءك خصمان فقالا كذا وكذا وكان داود لا يرى أن عليه تبعة فيما فعل فنبهه الله بالملكين وقال ابن قتيبة هذا مثل ضربه الله له ونبهه على خطيئته وقد ذكرنا آنفا أن المعنى نحن كخصمين
قوله تعالى قال يعني داود لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه

قال الفراء أي بسؤاله نعجتك فاذا ألقيت الهاء من السؤال أضفت الفعل إلى النعجة ومثله لا يسأم الإنسان من دعاء الخير فصلت 49 أي من دعائه بالخير فلما ألقى الهاء أضاف الفعل إلى الخير وألقى من الخير الباء وأنشدوا ... فلست مسلما ما دمت حيا ... على زيد بتسليم الأمير ...
أي بتسليم على الأمير
قوله تعالى إلى نعاجه أي ليضمها إلى نعاجه قال ابن قتيبة المعنى بسؤال نعجتك مضمومة إلى نعاجه فاختصر قال ويقال إلى بمعنى مع
فان قيل كيف حكم داود قبل أن يسمع كلام الآخر
فالجواب أن الخصم الآخر اعترف فحكم عليه باعترافه وحذف ذكر الاعتراف اكتفاء بفهم السامع والعرب تقول أمرتك بالتجارة فكسبت الأموال أي فاتجرت فكسبت ويدل عليه قول السدي إن داود قال للخصم الآخر ما تقول قال نعم أريد أن آخذها منه فأكمل بها نعاجي وهو كاره قال إذا لا ندعك وإن رمت هذا ضربنا منك هذا ويشير إلى أنفه وجبهته فقال أنت ياداود أحق أن يضرب هذا منك حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن لأوريا إلا واحدة فنظر داود فلم ير أحدا فعرف ما وقع فيه
قوله تعالى وإن كثيرا من الخلطاء يعني الشركاء واحدهم خليط وهو المخالط في المال وإنما قال هذا لأنه ظنهما شريكين إلا الذين آمنوا

أي فانهم لا يظلمون أحدا وقليل ماهم ما زائدة والمعنى وقليل هم وقيل المعنى هم قليل يعني الصالحين الذين لا يظلمون
قوله تعالى وظن داود أي أيقن وعلم أنما فتناه فيه قولان أحدهما اختبرناه والثاني ابتليناه بما جرى له من نظره إلى المرأة وافتتانه بها وقرأ عمر بن الخطاب أنما فتناه بتشديد التاء والنون جميعا وقرأ أنس بن مالك وأبو رزين والحسن وقتادة وعلي بن نصر عن أبي عمرو أنما فتناه بتخفيف التاء والنون جميعا يعني الملكين قال أبو علي الفارسي يريد صمدا له وفي سبب علمه وتنبيهه على ذلك ثلاثة أقوال
أحدها أن الملكين أفصحا له بذلك على ماذكرناه عن السدي
والثاني أنهما عرجا وهما يقولان قضى الرجل على نفسه فعلم أنه عني بذلك قاله وهب
والثالث أنه لما حكم بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه وضحك ثم صعدا إلى السماء وهو ينظر فعلم أن الله تعالى ابتلاه بذلك قاله مقاتل
قوله تعالى فاستغفر ربه قال المفسرون لما فطن داود بذنبه خر راكعا قال ابن عباس أي ساجدا وعبر عن السجود بالركوع لأنهما بمعنى الانحناء وقال بعضهم فخر بعد أن كان راكعا فصل
واختلف العلماء هل هذه من عزائم السجود على قولين أحدهما ليست

من عزائم السجود قاله الشافعي والثاني أنها من عزائم السجود قاله أبو حنيفة وعن أحمد روايتان قال المفسرون فبقي في سجوده أربعين ليلة لا يرفع رأسه إلا لوقت صلاة مكتوبة أو حاجة لا بد منها ولا يأكل ولا يشرب فأكلت الأرض من جبينه ونبت العشب من دموعه ويقول في سجوده رب داود زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب قال مجاهد نبت البقل من دموعه حتى غطى رأسه ثم نادى رب قرح الجبين وجمدت العين وداود لم يرجع إليه في خطيئته شيء فنودي أجائع فتطعم أم مريض فتشفى أم مظلوم فينتصر لك فنحب نحيبا هاج كل شيء نبت فعند ذلك غفر له وقال ثابت البناني اتخذ داود سبع حشايا من شعر وحشاهن من الرماد ثم بكى حتى أنفذها دموعا ولم يشرب شرابا إلا ممزوجا بدموع عينيه وقال وهب بن منبه نودي يا داود ارفع رأسك فانا قد غفرنا لك فرفع راسه وقد زمن وصار مرعشا

فأما قوله وأناب فمعناه رجع من ذنبه تائبا إلى ربه فغفرنا له ذلك يعني الذنب وإن له عندنا لزلفى قال ابن قتيبة أي تقدم وقربة
قوله تعالى وحسن مآب قال مقاتل حسن مرجع وهو ما أعد الله له في الجنة
قوله تعالى يا داود المعنى وقلنا له يا داود إنا جعلناك أي صيرناك خليفة في الأرض أي تدبر أمر العباد من قبلنا بأمرنا فكأنك خليفة عنا فاحكم بين الناس بالحق أي بالعدل ولا تتبع الهوى أي لا تمل مع ما تشتهي إذا خالف أمر الله عز و جل فيضلك عن سبيل الله أي عن دينه إن الذين يضلون وقرأ أبو نهيك وأبو حيوة وابن يعمر يضلون بضم الياء
قوله تعالى بما نسوا يوم الحساب فيه قولان
أحدهما بما تركوا العمل ليوم الحساب قاله السدي قال الزجاج لما تركوا العمل لذلك اليوم صاروا بمنزلة الناسين
والثاني أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا أي تركوا القضاء بالعدل وهو قول عكرمة

وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الأبصار
قوله تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا أي عبثا ذلك ظن الذين كفروا أن ذلك خلق لغير شيء وإنما خلق للثواب والعقاب
أم نجعل الذين آمنوا قال مقاتل قال كفار قريش للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة مثل ما تعطون فنزلت هذه الآية وقال ابن السائب نزلت في الستة الذين تبارزوا يوم بدر علي رضي الله عنه وحمزة رضي الله عنه وعبيدة بن الحارث رضي الله عنه وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة فذكر أولئك بالفساد في الأرض لعملهم فيها بالمعاصي وسمى المؤمنين بالمتقين لاتقائهم الشرك وحكم الآية عام
قوله تعالى كتاب أي هذا كتاب يعني القرآن وقد بينا معنى بركته في سورة الأنعام 92

ليدبروا آياته وقرأ عاصم في رواية لتدبروا آياته بالتاء خفيفة الدال أي ليتفكروا فيها فيتقرر عندهم صحتها وليتذكر بما فيه من المواعظ أولوا الألباب وقد سبق بيان هذا الرعد 19
ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب
قوله تعالى نعم العبد يعني به سليمان

وفي الأواب أقوال قد تقدمت في بني إسرائيل 25 أليقها بهذا المكان أنه رجاع بالتوبة إلى الله تعالى مما يقع منه من السهو والغفلة
قوله تعالى إذ عرض عليه بالعشي وهو ما بعد الزوال الصافنات وهي الخيل وفي معنى الصافنات قولان
أحدهما أنها القائمة على ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى على طرف الحافر من يد أو رجل وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد وابن زيد واختاره الزجاج وقال هذا أكثر قيام الخيل إذا وقفت كأنها تراوح بين قوائمها قال الشاعر ... ألف الصفون فما يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا ...
والثاني أنها القائمة سواء كانت على ثلاث أو غير ثلاث قال الفراء على هذا رأيت العرب وأشعارهم تدل على أنه القيام خاصة وقال ابن قتيبة الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل وغيرها ومنه قوله صلى الله عليه و سلم من سره أن يقوم له الرجال صفونا فليتبوأ مقعده من النار

أي يديمون القيام له
فأما الجياد فهي السراع في الجرى وفي سبب عرضها عليه أربعة أقوال
أحدها أنه عرضها لأنه أراد جهاد عدو له قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه
والثاني أنها كانت من دواب البحر قال الحسن بلغني أنها كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة وقال إبراهيم التيمي كانت عشرين فرسا ذات أجنحة وقال ابن زيد أخرجتها له الشياطين من البحر
والثالث أنه ورثها من أبيه داود عليه السلام فعرضت عليه قاله وهب بن منبه ومقاتل والرابع
أنه غزا جيشا فظفر به وغنمها فدعا بها فعرضت عليه قاله ابن السائب
وفي عددها أربعة أقوال أحدها ثلاثة عشر ألفا قاله وهب والثاني عشرون ألفا قاله سعيد بن مسروق والثالث ألف فرس قاله ابن السائب ومقاتل والرابع عشرون فرسا وقد ذكرناه عن إبراهيم التيمي

قال المفسرون ولم تزل تعرض عليه إلى أن غابت الشمس ففاتته صلاة العصر وكان مهيبا لا يبتدئه أحد بشيء فلم يذكروه ونسي هو فلما غابت الشمس ذكر الصلاة فقال إني أحببت فتح الياء أهل الحجاز وأبو عمرو حب الخير وفيه قولان أحدهما أنه المال قاله سعيد بن جبير والضحاك والثاني حب الخيل قاله قتادة والسدي والقولان يرجعان إلى معنى واحد لأنه أراد بالخير الخيل وهي مال وقال الفراء العرب تسمي الخيل الخير قال الزجاج وقد سمى رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد الخيل زيد الخير ومعنى أحببت آثرت حب الخير على ذكر ربي وكذلك قال غير الزجاج عن بمعنى على وقال بعضهم يحتمل المعنى فشغلني عن ذكر ربي قال أبو عبيدة ومعنى الكلام أحببت حبا ثم أضاف الحب إلى الخير وقال ابن قتيبة سمى الخيل خيرا لما فيها من الخير والمفسرون على أن المراد بذكر ربه صلاة العصر قاله علي وابن مسعود وقتادة في آخرين وقال الزجاج لا أدري هل كانت صلاة العصر مفروضة أم لا إلا أن اعتراضه الخيل شغله عن وقت كان يذكر الله فيه حتى توارت بالحجاب

قال المصنف وأهل اللغة يقولون يعني الشمس ولم يجر لها ذكر ولا أحسبهم أعطوا في هذا الفكر حقه لأن في الآية دليلا على الشمس وهو قوله بالعشي ومعناه عرض عليه بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب ولا يجوز الإضمار إلا أن يجري ذكر أو دليل ذكر فيكون بمنزلة الذكر وأما الحجاب فهو ما يحجبها عن الأبصار
قوله تعالى ردوها علي قال المفسرون لما شغله عرض الخيل عليه عن الصلاة فصلاها بعد خروج وقتها اغتم وغضب وقال ردوها علي يعني أعيدوا الخيل علي فطفق قال ابن قتيبة أي أقبل مسحا قال الأخفش أي يمسح مسحا
فأما السوق فجمع ساق مثل دور ودار وهمز السؤق ابن كثير قال أبو علي وغير الهمز أحسن منه وقرأ أبو عمران الجوني وابن محيصن بالسؤوق مثل الرؤوس وفي المراد بالمسح هاهنا ثلاثة اقوال
أحدها أنه ضربها بالسيف وروى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في

قوله فطفق مسحا بالسوق والأعناق قال بالسيف وروى مجاهد عن ابن عباس قال مسح أعناقها وسوقها بالسيف وقال الحسن وقتادة وابن السائب قطع أعناقها وسوقها وهذا اختيار السدي ومقاتل والفراء وأبي عبيدة والزجاج وابن قتيبة وأبي سليمان الدمشقي والجمهور
والثاني أنه جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال مجاهد مسحها بيده وهذا اختيار ابن جرير والقاضي أبي يعلى

والثالث أنه كوى سوقها وأعناقها وحبسها في سبيل الله تعالى حكاه الثعلبي
والمفسرون على القول الأول وقد اعترضوا على القول الثاني وقالوا أي مناسبة بين شغلها إياه عن الصلاة وبين مسح اعرافها حبا لها ولا أعلم قوله حبا لها يثبت عن ابن عباس وحملوا قول مجاهد مسحها بيده أي تولى ضرب أعناقها
فان قيل فالقول الأول يفسد بأنه لا ذنب للحيوان فكيف وجه العقوبة إليه وقصد التشفي بقتله وهذا يشبه فعل الجبارين لا فعل الأبياء
فالجواب أنه لم يكن ليفعل ذلك إلا وقد أبيح له وجائز ان يباح له ما يمنع منه في شرعنا على أنه إذا ذبحها كانت قربانا وأكل لحمها جائز فما وقع تفريط قال وهب بن منبه لما ضرب سوقها وأعناقها شكر الله تعالى له ذلك فسخر له الريح مكانها وهي أحسن في المنظر وأسرع في السير وأعجب في الأحدوثة
قوله تعالى ولقد فتنا سليمان أي ابتليناه وامتحناه بسلب ملكه وألقينا على كرسيه أي على سريره جسدا وفيه قولان
أحدهما أنه شيطان قاله ابن عباس والجمهور وفي اسم ذلك الشيطان ثلاثة اقوال أحدها صخر رواه العوفي عن ابن عباس وذكر العلماء أنه كان شيطانا مريدا لم يسخر لسليمان والثاني آصف قاله مجاهد إلا أنه ليس بالمؤمن الذي عنده الاسم الأعظم إلا أن بعض ناقلي التفسير حكى أنه

آصف الذي عنده علم من الكتاب وأنه لما فتن سليمان سقط الخاتم من يده فلم يثبت فقال آصف أنا أقوم مقامك إلى أن يتوب الله عليك فقام في مقامه وسار بالسيرة الجميلة هذا لا يصح ولا ذكره من يوثق به والثالث حبقيق قاله السدي والمعنى أجلسنا على كرسيه في ملكه شيطانا ثم أناب أي رجع وفيما رجع إليه قولان أحدهما تاب من ذنبه قاله قتادة والثاني رجع إلى ملكه قاله الضحاك
وفي سبب ابتلاء سليمان بهذا خمسة أقوال أحدها أنه كانت له امرأة يقال لها جرادة وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة فقضى بينهم بالحق إلا أنه ود أن الحق كان لأهلها فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحدا وأوحى الله تعالى إليه أنه سيصيبك بلاء فكان لا يدري أيأتيه من السماء أو من الأرض رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والثاني أن زوجته جرادة كانت آثر النساء عنده فقالت له يوما إن أخي بينه وبين فلان خصومة وإني أحب أن تقضي له فقال نعم ولم يفعل فابتلي لأجل ما قال قاله السدي والثالث أن زوجته جرادة كان قد سباها في غزاة له وكانت بنت ملك فأسلمت وكانت تبكي عنده بالليل والنهار فسألها عن حالها فقالت أذكر أبي وما كنت فيه فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري فأتسلى بها ففعل فكانت إذا خرج سليمان تسجد له هي و ولائدها أربعين صباحا فلما علم سليمان كسر تلك الصورة وعاقب المرأة و ولائدها ثم تضرع إلى الله تعالى مستغفرا مما كان في داره فسلط الشيطان على خاتمه هذا قول وهب بن منبه والرابع أنه احتجب عن الناس ثلاث أيام فأوحى الله تعالى

إليه ياسليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام فلم تنظر في أمور عبادي ولم تنصف مظلوما من ظالم فسلط الشيطان على خاتمه قاله سعيد ابن المسيب والخامس أنه قارب امرأة من نسائه في الحيض أو غيره قاله الحسن
والقول الثاني أن المراد بالجسد الذي ألقي على كرسيه أنه ولد له ولد فاجتمعت الشياطين فقال بعضهم لبعض إن عاش له ولد لم ينفعك من البلاء

فسبيلنا أن نقتل ولده أو نخبله فعلم بذلك سليمان فأمر السحاب فحمله وعدا ابنه في السحاب خوفا من الشياطين فعاتبه الله تعالى على تخوفه من الشياطين ومات الولد فألقي على كرسيه ميتا جسدا قاله الشعبي والمفسرون على القول الأول ونحن نذكر قصة ابتلائه على قول الجمهور
الإشارة إلى ذلك
اختلف العلماء في كيفية ذهاب خاتم سليمان على قولين
أحدهما أنه كان جالسا على شاطئ البحر فوقع منه في البحر قاله علي رضي الله عنه والثاني أن شيطانا أخذه وفي كيفية ذلك أربعة أقوال
أحدها أنه دخل ذات يوم الحمام ووضع الخاتم تحت فراشه فجاء الشيطان فأخذه وألقاه في البحر وجعل الشيطان يقول أنا نبي الله قاله سعيد ابن المسيب
والثاني أن سليمان قال للشيطان كيف تفتنون الناس قال أرني خاتمك أخبرك فأعطاه إياه فنبذه في البحر فذهب ملك سليمان وقعد الشيطان على كرسيه قاله مجاهد
والثالث أنه دخل الحمام ووضع خاتمه عند أوثق نسائه في نفسه فأتاها الشيطان فتمثل لها في صورة سليمان وأخذ الخاتم منها فلما خرج سليمان طلبه

منها فقالت قد دفعته إليك فهرب سليمان وجاء الشيطان فجلس على ملكه قاله سعيد بن جبير
والرابع أنه دخل الحمام وأعطى الشيطان خاتمه فألقاه الشيطان في البحر فذهب ملك سليمان وألقي على الشيطان شبهه قاله قتادة
فأما قصة الشيطان فذكر أكثر المفسرين أنه لما أخذ الخاتم رمى به في البحر وألقي عليه شبه سليمان فجلس على كرسيه وتحكم في سلطانه وقال السدي لم يلقه في البحر حتى فر من مكان سليمان وهل كان يأتي نساء سليمان فيه قولان أحدهما أنه لم يقدر عليهن قاله الحسن وقتادة والثاني أنه كان يأتيهن في زمن الحيض فأنكرنه قاله سعيد ابن المسيب والأول أصح قالوا وكان يقضي بقضايا فاسدة ويحكم بما لا يجوز فأنكره بنو إسرائيل فقال بعضهم لبعض إما أن تكونوا قد هلكتم أنتم وإما أن يكون ملككم قد هلك فاذهبوا إلى نسائه فاسألوهن فذهبوا فقلن إنا والله قد أنكرنا ذلك فلم يزل على حاله إلى أن انقضى زمن البلاء
وفي كيفية بعد الشيطان عن مكان سليمان أربعة أقوال
أحدها أن سليمان وجد خاتمه فتختم به ثم جاء فأخذ بناصية الشيطان قاله سعيد بن المسيب

والثاني أن سليمان لما رجع إلى ملكه وجاءته الريح والطير والشياطين فر الشيطان حتى دخل البحر قاله مجاهد
والثالث أنه لما مضى أربعون يوما طار الشيطان من مجلسه قاله وهب
والرابع أن بني إسرائيل لما أنكروه أتوه فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرؤوا فطار بين أيديهم حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت قاله السدي
وفي قدر مكث الشيطان قولان أحدهما أربعون يوما قاله الأكثرون والثاني أربعة عشر يوما حكاه الثعلبي
وأما قصة سليمان عليه السلام فانه لما سلب خاتمه ذهب ملكه فانطلق هاربا في الأرض قال مجاهد كان يستطعم فلا يطعم فيقول لو عرفتموني أعطيتموني أنا سليمان فيطردونه حتى أعطته امرأة حوتا فوجد خاتمه في بطن الحوت وقال سعيد بن جبير انطلق سليمان حتى أتى ساحل البحر فوجد صيادين قد صادوا سمكا كثيرا وقد أنتن عليهم بعضه فأتاهم يستطعم فقالوا اذهب إلى تلك الحيتان فخذ منها فقال لا أطعموني من هذا فأبوا عليه فقال أطعموني فاني سليمان فوثب إليه رجل منهم فضربه بالعصا غضبا لسليمان فأتى تلك الحيتان فأخذ منها شيئا فشق بطن حوت فاذا هو بالخاتم وقال الحسن ذكر لي أنه لم يؤوه أحد من الناس ولم يعرف أربعين ليلة وكان يأوي إلى امرأة مسكينة فبينا هو يوما على شط نهر وجد سمكة فأتى بها المراة فشقتها فاذا بالخاتم وقال الضحاك اشترى سمكة من امرأة فشق بطنها فوجد خاتمه
وفي المدة التي سلب فيها الملك قولان أحدهما أربعون ليلة

كما ذكرنا عن الحسن والثاني خمسون ليلة قاله سعيد بن جبير قال المفسرون فلما جعل الخاتم في يده رد الله عليه بهاءه وملكه فأظلته الطير وأقبل لا يستقبله جني ولا طائر ولا حجر ولا شجر إلا سجد له حتى انتهى إلى منزله قال السدي ثم أرسل إلى الشيطان فجيء به فأمر به فجعل في صندوق من حديد ثم أطبق عليه وأقفل وختم عليه بخاتمه ثم أمر به فألقي في البحر فهو فيه إلى أن تقوم الساعة وقال وهب جاب صخرة فأدخله فيها ثم أوثقها بالحديد والرصاص ثم قذفه في البحر
قوله تعالى وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فتح الياء نافع وأبو عمرو وفيه قولان
أحدهما لا يكون لأحد بعدي قاله مقاتل وأبو عبيدة وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرددته خاسئا

والثاني لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني في حياتي كما فعل الشيطان الذي جلس على كرسيه قاله الحسن وقتادة وإنما طلب هذا الملك ليعلم أنه قد غفر له ويعرف منزلته باجابة دعوته قاله الضحاك ولم يكن في ملكه حين دعا بهذا الريح ولا الشياطين فسخرنا له الريح وقرأ أبو الجوزاء وأبو جعفر وأبو المتوكل الرياح على الجمع

قوله تعالى رخاء فيه ثلاثة أقوال
أحدها مطيعة رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن والضحاك والثاني أنها الطيبة قاله مجاهد والثالث اللينة مأخوذ من الرخاوة قاله اللغويون
فان قيل كيف وصفها بهذا بعد أن وصفها في سورة الأنبياء 81 بأنها عاصفة
فالجواب أن المفسرين قالوا كان يأمر العاصف تارة ويأمر الرخاء أخرى وقال ابن قتيبة كأنها كانت تشتد إذا أراد وتلين إذا أراد
قوله تعالى حيث أصاب أي حيث قصد وأراد قال الأصمعي تقول العرب أصاب فلان الصواب فأخطأ الجواب أي أراد الصواب
قوله تعالى والشياطين أي وسخرنا له الشياطين كل بناء يبنون له ما يشاء وغواص يغوصون له في البحار فيستخرجون الدر وآخرين أي وسخرنا له آخرين وهم مردة الشياطين سخرهم له حتى قرنهم في الأصفاد لكفرهم قال مقاتل أوثقهم في الحديد وقد شرحنا

معنى مقرنين في الأصفاد في سورة نبي الله إبراهيم عليه السلام إبراهيم 49 هذا عطاؤنا المعنى قلنا له هذا عطاؤنا وفي المشار إليه قولان
أحدهما أنه جميع ما أعطي فامنن أو أمسك أي أعط من شئت من المال وامنع من شئت والمن الإحسان إلى من لا يطلب ثوابه
والثاني أنه إشارة إلى الشياطين المسخرين له فالمعنى فامنن على من شئت باطلاقه وأمسك من شئت منهم وقد روي معنى القولين عن ابن عباس
قوله تعالى بغير حساب قال الحسن لا تبعة عليك في الدنيا ولا في الآخرة وقال سعيد بن جبير ليس عليك حساب يوم القيامة وقيل في الكلام تقديم وتأخير تقديره هذا عطاؤنا بغير حساب فامنن أو أمسك
وما بعد هذا قد سبق تفسيره سبأ 37 الرعد29 الانبياء83 إلى قوله مسني الشيطان وذلك أن الشيطان سلط عليه فأضاف ما أصابه إليه
قوله تعالى بنصب قرأ الأكثرون بضم النون وسكون الصاد وقرأ

الحسن وابن أبي عبلة وابن السميفع والجحدري ويعقوب بفتحهما وهل بينهما فرق فيه قولان
أحدهما أنهما سواء قال الفراء هما كالرشد والرشد والعدم والعدم والحزن والحزن وكذلك قال ابن قتيبة والزجاج قال المفسرون والمراد بالنصب الضر الذي أصابه
والثاني أن النصب بتسكين الصاد الشر وبتحريكها الإعياء قاله أبو عبيدة
وقرأت عائشة ومجاهد وأبو عمران وأبو جعفر وشيبة وأبو عمارة عن حفص بنصب بضم النون والصاد جميعا وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو الجوزاء وهبيرة عن حفص بنصب بفتح النون وسكون الصاد
وفي المراد بالعذاب قولان أحدهما أنه العذاب الذي أصاب جسده والثاني أنه أخذ ماله وولده
قوله تعالى أركض أي اضرب الأرض برجلك

ومنه ركضت الفرس فركض فنبعت عين ماء فذلك قوله عز و جل هذا مغتسل بارد وشراب قال ابن قتيبة المغتسل الماء وهو الغسول أيضا قال الحسن ركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا ثم ركض برجله فنبعت عين فشرب منها وعلى هذا جمهور العلماء أنه ركض ركضتين فنبعت له عينان فاغتسل من واحدة وشرب من الأخرى
قوله تعالى وخذ بيدك ضغثا كان قد حلف لئن شفاه الله ليجلدن زوجته مائة جلدة وفي سبب هذه اليمين ثلاثة أقوال
أحدها أن إبليس جلس في طريق زوجة أيوب كأنه طبيب فقالت له يا عبد الله إن ها هنا إنسانا مبتلى فهل لك أن تداويه قال نعم إن شاء شفيته على أن يقول إذا برأ أنت شفيتني فجاءت فأخبرته فقال ذاك الشيطان لله علي إن شفاني أن أجلدك مائة جلدة رواه يوسف بن مهران

عن ابن عباس
والثاني أن إبليس لقيها فقال إني أنا الذي فعلت بأيوب مابه وأنا إله الأرض وما أخذته منه فهو بيدي فانطلقي أريك فمشى بها غير بعيد ثم سحر بصرها فأراها واديا عميقا فيه أهلها وولدها ومالها فأنت أيوب فأخبرته فقال ذاك الشيطان ويحك كيف وعى قوله سمعك والله لئن شفاني الله عز و جل لأجلدنك مائة قاله وهب بن منبه
والثالث أن إبليس جاء إلى زوجته بسخلة فقال ليذبح لي هذه وقد برأ فأخبرته فحلف ليجلدنها وقد ذكرنا هذا القول في سورة الأنبياء 83 عن الحسن
فأما الضغث فقال الفراء هو كل ما جمتعه من شيء مثل الحزمة الرطبة قال وما قام على ساق واستطال ثم جمعته فهو ضغث وقال ابن قتيبة هو الحزمة من الخلال والعيدان قال الزجاج هو الحزمة من الحشيش والريحان وما أشبههه قال المفسرون جزى الله زوجته بحسن صبرها أن أفتاه في ضربها فسهل الأمر فجمع لها مائة عود وقيل مائة سنبلة وقيل كانت أسلا وقيل من الإذخر وقيل كانت شماريخ فضربها بها ضربة واحدة ولم يحنث في يمنيه وهل ذلك خاص له أم لا فيه قولان

أحدهما أنه عام وبه قال ابن عباس وعطاء بن أبي رباح وابن أبي ليلى والثاني أنه خاص لأيوب قاله مجاهد فصل
وقد اختلف الفقهاء فيمن حلف أن يضرب عبده عشرة أسواط فجمعها كلها وضربه بها ضربة واحدة فقال مالك والليث بن سعد لا يبر وبه قال أصحابنا وقال أبو حنيفة والشافعي إذا أصابه في الضربة الواحدة كل واحد منها فقد بر واحتجوا بعموم قصة أيوب عليه الصلاة و السلام
قوله تعالى إنا وجدناه صابرا أي على البلاء الذي ابتليناه به
واذكر عبادنا إبراهيم واسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب جنات عدن مفتحة لهم الأبواب متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب وعندهم قاصرات الطرف أتراب هذا ما توعدون ليوم الحساب إن هذا لرزقنا ماله من نفاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق