وكل جماعة إنسانية تشترك لا محالة في أمور لا بد منها كي تعيش في حياة كريمة يسودها النظام والاستقرار ، وهذه الأمور أربعة :
( 1 ) ... الأسرة ... ... ... ... ( 2 ) ... الملكية
( 3 ) ... النظام الاجتماعي ... ... ... ( 4 ) ... الحكم
وهذه الأمور الأربعة تحرص الجماعات البشرية عليها ، حرصاً يكاد أن يكون فطرياً ، وتثور وتغضب من أجلها ، وربما تضحي بنفسها عندما تقع اعتداء على واحد منها ، وللحفاظ على هذه الأمور شرعت الحدود ـ فحد الزنا حماية للأسرة ، وحد السرقة للنظام الاجتماعي ، وحد البغي حماية للحكم.
وترجع باقي الحدود للحفاظ على هذه الأمور ـ فحد القذف حفاظ على الفرد الذي هو من صميم الأسرة والمجتمع ، وحد الشرب كذلك حفاظ على الفرد ، وعلى النظام الإجتماعي ، وحد الردة حفاظ النظام العام الذي هو الدين .
مميزات الحدود في الإسلام :
تمتاز الحدود الشرعية في الإسلام بما يلي : ـ
1- أنها لا قسوة فيها على ما يزعم أعداء الإسلام من المستشرقين ومن تابعهم من أدعياء العلم من أمتنا الإسلامية ، بل هي رحمة للجاني وللجني عليه ، لأن عقوبات الحدود الغرض منها تأديب الجاني وزجر غيره ، ولا تهتم بالنظر لشخصية المجرم ـ فجريمته أخطر من أن يلتمس لصاحبها عذر أو ظروف محيطة به .
فمتي ثبتت بشروطها المحدودة ، وتوافرت أركانها ، فقد أغنت عن النظر لما ورائها .
وعلى أنه يجب التنبيه إلى أن الإسلام وضع في الحدود قاعدة مهمة وهي ( درئها بالشبهات ) ففي الحديث (( ادرؤوا الحدود بالشبهات ، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم ))(1)
__________
(1) أخرجه مسدد في مسنده من رواية ابن مسعود رضي الله عنه ، كما في المطالب العالية 2 / 115 رقم 1806 ، و تخريج ا لمختص 1/ 443 كلاهما لابن حجر ، وقال هذا موقوف حسن الإسناد ، وقال المناوي في فيض القدير 1 / 228 وبه يرد قول
السخاوي طرقه كلها ضعيفة ، نعم أطلق الذهبي على الحديث الضعف ، ولعل مراده المرفوع أ هـ .
(1/85)
.
وفي رواية (( ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ؛ فإن الإمام إن يخطئ في العفو ، خير من أن يخطئ في العقوبة )) ( 2 )(1).
وهذا الحديث وإن لم يصح مرفوعاً ، وفيه المقال المعروف ، إلا أن الفقهاء اتفقوا على العمل به ، إلا الظاهريين ، إذ لا يسلمون بصحة ما روي عن الرسول والصحابة .
والصحيح صحة وقف الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :
(( لأن أخطئ في الحدود بالشبهات ، أحب إليَّ من أقيمها بالشبهات )) ( 3 ) (2).
ويؤيد صحة هذه القاعدة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لماعز لما جاء معترفَََاَ بالزنا ، وسيأتي الحديث وتخريجه قريباً .
__________
(1) 2 ) أخرجه الترمزي في سننه كتاب الحدود ، باب ما جاء في درء الحدود 4 / 25 رقم 1424 ، والدارقطني في سننه كتاب
الحدود والديات 3 / 84 رقم 8 ، والحاكم 4 / 426 رقم 8163 وقال صحيح الإسناد وخالفه الذهبي وقال: قال النسائي فيه
يزيد بن زياد الدمشقي الشامي متروك ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8 / 238 ، والخطيب في تاريخ بغداد 5 / 331
كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها وفي اسناده يزيد بن زياد الشامي ضعفه الترمزي ، وقال البخاري فيه إنه منكر
الحديث ، وقال النسائي متروك ، والصواب وقفه على عائشة رضي الله عنها كما قال الشوكاني في نيل الأوطار 7 / 105
(2) 3 ) أخرجه بن أبي شيبه في مصنفه 5 / 11 رقم 28493 ، وابن حزم في كتاب الإيصال بإسناد صحيح ، كما قال ا لحافظ في
تلخيص الحبير 4 / 162 رقم 1755 ، ووافقه الشوكاني في نيل الأوطار 7 / 105 : وينظر : التشريع الجنائي الإسلامي
مقارناً بالقانون الوضعي 1 / 207 وقواعد الأحكام لابن عبد السلام 2 / 306 .
(1/86)
والشبهات عديدة موضوعها كتب الفقه ( 4 )(1) ، ومن تتبعها أدرك كأن عقوباتالحدود شرعت للتخويف أكثر مما شرعت لأن توقع ! .
(( فمثلاً : عقوبة الزنا { الرجم } نجدها صعبة التنفيذ ، لأن المجيء بأربعة شهداء يرون وقوعها يكاد
يستحيل ، إلا إذا كان المجرمان في طريق عام ، عاريين مفضوحين لا يباليان بأحد وعندما يتحول
امرؤ إلي حيوان متجرد على هذا النحو الخسيس ، فلا مكان للدفاع عنه أو احترام إنسانيته )) ( 1 )(2)
وكفي بقاعدة (( درء الحدود بالشبهات )) رداً على زعم أعداء الإسلام أن شريعة الإسلام متعطشة لتعذيب الناس.
2- إن الحدود في الإسلام وضعت على أساس محاربة الدوافع النفسية في داخل مرتكبها بحيث تقلع
جذور الجريمة من ذهنه ، لأنها وضعت على أساس متين من علم النفس ( 2 )(3)لأن واضعها هو
القائل : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } ( 3 ).
(4)وقوله سبحانه { : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } ( 4 ) .(5)
وكأن الله تعالى يقول لنا : أنا خالق هذا الإنسان ، وأنا أعلم بما يصلحه ويردعه ، ففرضت هذه
الحدود التي لا مجال للرأي ي فيها .
فكم كان يتهور البشر ويضعون للسرقة عقوبة القتل ، وكم انحل البشر فأباحوا الزنا بالرضا ، وعدوا شرب الخمر مخالفة .
وهكذا تضاربت أهوائهم ، وسيطرت على عقولهم وشهواتهم قال تعالى : { ومن أضل مما اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين } ( 5 ) ،(6)
__________
(1) 4 ) ينظر : تلخيص الحبير 4 / 172 ، 173 ، وفقه السنة للسيد سابق 2 / 506 ، والتشريع الجنائي 1 / 208 وما بعدها.
(2) 1 ) مائة سؤال عن الإسلام للشيخ محمد الغزالي 2 / 47 .
(3) 2 ) ينظر التشريع الجنائي الإسلامي 1 / 635 ، ونظرة القرآن إلى الجريمة للدكتور محمد القيعي صـ 243 .
(4) 3 ) الآية 16 ق.
(5) 4 ) الآية 14 الملك.
(6) 5 ) جزء من الآية 50 القصص ، وينظر : نظرة القرآن ن إلي الجريمة صـ 244 .
(1/87)
والحدود كما وردت في القرآن الكريم ، وردت في السنة النبوية ، والسيرة العطرة تأكيداً وبياناًُ لها بالقول والعمل .
مما لا يدع مجالاً للشك في أن الإسلام قرآن وسنة قانوناً قد عمل به ، ونجحت أصوله الإدارية ، والسياسية ، والمدنية ، والأخلاقية ................ إلخ.
وليس هو مجرد نظريات محتاجة للإثبات بالتجربة والتطبيق .
وإليك نماذج من تلك الحدود كما وردت في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وسوف أقتصر على تفصيل حدي الزنا والردة حيث أنهما من أكثر الحدود إنكاراً من أعداء السنة النبوية ، والسيرة العطرة.
... ...
أولاً : حد الزنا :
أ - التعريف به : هو حد الجناية على الفرج ، وهو حد حاربته الشرائع السماوية كافة وحرمت الوسائل المؤدية إليه تحريماً قاطعاً باتاً ، وشددت العقوبة على مرتكبيه .
قال تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } (1 )(1)
والنهي عن قربان الزنا أبلغ من مجرد فعله ، وهو نهي يشمل كل مقدماته ، ودواعيه ووسائله الموصلة إليه ، وهي في عالم اليوم أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر !
قال تعالى في عقوبة الزاني في الآخرة : { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر و لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقي أثاماَ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناَ } (2).
وإذا كانت عقوبته في الآخرة مضاعفة ، فهي في الدنيا مضاعفة أيضاً قال تعالى : { والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } (3).
حكمة الجلد للزاني :
وعقوبة الجلد هنا في الآية الكريمة على ما فصلته السنة النبوية ، هي لمن زنا وهو غير محصن ، وهي عقوبة تتجلى فيها حكمة الخالق عز وجل .
__________
(1) 1 ) الآية 32 الإسراء.
(2) 2 ) الآيتان 68 ، 69 الفرقان.
(3) 3 ) الآية 2 النور.
(1/88)
لأنه إذا كان الباعث على الزنا هو اللذة وإشباعها ، كان الصارف لهذا الباعث في تشريع القرآن العادل إنما هو الألم الحسي بالجلد ، والألم المعنوي بمشاهدته وهو يجلد ، ليشعر المذنب أنه لا قيمة للذة يعقبها ذلك الألم الشديد الحسي والمعنوي .
ومن المعلوم أن في الإنسان غريزتين :
غريزة حافزة دافعة ، وغريزة مانعة كافة والغلبة لأقواهما سلطاناً لذا فقد عني الشارع الحكيم بتقوية سلطان المانع بما شرعه من عقوبة حاسمة لو تصورها الإنسان على حقيقتها لانكمش الدافع للجريمة المعاقب عليها بتلك العقوبة .(1)
ب -بيان السنة لحد الزنا :
جاءت السنة النبوية مؤكدة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم من حد الزنا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن جلد الزاني في الآية الكريمة إنما هو لمن زنا وهو غير متزوج ، ويضاعف على عذابه بالجلد ، نفيه سنة ، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم حد من زنا وهو متزوج ، بأنه ضعف غير المتزوج بالرجم .
وما يزعمه أعداء السنة النبوية من مخالفة البيان النبوي في حد الزاني للقرآن الكريم زعم لا أساس له من الصحة ، فذلك البيان النبوي صح متواتراً في سنته المطهرة وسيرته العطرة .
وهو بيان إلهي لقوله تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } ( 2 ). (2)وقوله عز وجل : { فإذا قرأناه فاتبع قرءانه ثم إن علينا بيانه } ( 3 ).(3)
وهذا البيان الإلهي واجب على النبي صلى الله عليه وسلم تبليغه ، كما أنه واجب على الأمة إتباعه لقوله تعالى : { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } (4 )(4).
__________
(1) 1 ) نظرة القرآن إلي الجريمة والعقاب للدكتور محمد القيعي صـ 244 ، وما بعدها بتصرف.
(2) 2 ) الآية 105 النساء.
(3) 3 ) الآيتان 18 ، 19 القيامة.
(4) 4 ) الآية 64 النحل.
(1/89)
وقوله سبحانه : { فلا وربك ليؤمنون حتى يحكٍّموكً فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما } ( 5 ) .(1)
وعلى ما سبق فهذا البيان النبوي هو حكم الله عز وجلفي كتابه العزيز لقوله صلى الله عليه وسلم لوالد الزاني لامرأة الرجل الذي صالحه على الغنم والخادم : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، الوليدة والغنم رد . وعلى ابنك الجلد مائة ، وتغريب عام ، واغد يا أنيس ! ( 1 )(2)إلي امرأة هذا. فإن اعترفت فارجمها )) قال : فغدا عليها ، فاعترفت ن فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت (3).
قال الحافظ بن حجر ( 3 )(4) : المراد بكتاب الله ما حكم به ، وكتب على عباده وقيل المراد القرآن وهو المتبادر .
قال أبو دقيق العيد (4) .(5)
__________
(1) 5 ) الآية 65 النساء.
(2) 1 ) هو : أنيس بن الضحاك الاسلمي ، صحابي جليل له ترجمة في : اسد الغابة 1 / 302 رقم 268 والإستيعاب 1 / 114 رقم 95 ، والإصابة 1 / 76 رقم 192 .
(3) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الحدود ، باب من اعترف على نفسه بالزنا 6 /214 رقم 1697 ، والبخاري ( بشرح فتح الباري) كتاب الحدود ، باب الاعتراف بالزنا 12 / 140 رقمي 6827 ، 6828 من حيث أبو هريرة رضي الله عنه .
(4) هو : أحمد بن على بن محمد العسقلاني ، أبو الفضل ، أصله من عسقلان بفلسطين ، ولكنه ولد بالقاهرة ، حافظ أهل زمانه، وواحد وقته وأوانه ، من مصنفاته النفيسه التي عم النفع بها ( فتح الباري شرح صحيح البخاري ) و ( والإصابة في معرفة الصحابة ) وغير ذلك ، مات سنة 852 هـ له ترجمة في : الضوء اللامع للسخاوي 2 / 36 رقم 104 ، وطبقات الحفاظ للسيوطي صـ 552 رقم 1190 ، والبدر الطالع للشوكاني 1 / 87 رقم 51 .
(5) هو : محمد بن علي بن وهب المنفلوطي ، تقي الدين ، إمام حافظ ، فقيه ، له يد طولي في الأصول والمعقول ، وليَّ قضاء الديار المصرية وتخرج به أئمة ، من مصنفاته : الإقتراح في علوم الحديث ، وشرح العمدة ، وغير ذلك مات سنة 702 هـ . له ترجمة : في طبقات الحفاظ للسيوطي صـ 516 رقم 1134 ، وتذكرة الحفاظ للذهبي 4 / 1481 رقم 1168 ، والديباج المذهب لابن فرحون صـ 411 رقم 566 ، والدرر الكامنة 4 /91 رقم 256 ، والوافي بالوفيات 4 / 193 .
(1/90)
: الأول أولي ، لأن الرجم والتغريب ليسا مذكورين في القرآن إلا بواسطة أمر الله باتباع رسوله.
قيل : وفيما قال نظر ؛ لاحتمال أن يكون المراد متضمناً قوله تعالى : { أو يجعل الله لهن
سبيلاً } } ) .. ..
فبين النبي صلى الله عليه وسلم : أن السبيل جلد البكر ونفيه ، ورجم الثيب (5 ) .(1)
قال ابن حجر : وهذا أيضاً بواسطة التبيين ، ويحتمل أن يراد بكتاب الله الآية التي نسخت تلاوتها وهي : (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم )) (1 )(2).
__________
(1) 5 ) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر
جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب ، جلد مائة والرجم )) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الحدود ، باب حد الزنا 6 / 204 رقم 1690 ، وهذا الحديث منسوخ بحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعز بن مالك ، ولم يذكر جلداً )) أخرجه أحمد في مسنده 5 / 92 . وينظر : تلخيص الحبير 4 / 150 رقم 1747 .
(2) 1 ) سيأتي تخريجه صـ 86 .
(1/91)
وهذه الآية المنسوخة تلاوة ، الباقية حكماً هي التي قال فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، قرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى أن طال بالناس زمان ، أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن ؛ من الرجال والنساء إذا قامت البينة ، أو كان الحَبَلْ، أو الإعتراف )) ( 2 )(1).
تواتر حد الرجم :
وفي إعلان عمر بالرجم ، وهو على المنبر ، وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار ، دليل على ثبوت الرجم وتواتره ( 3)(2).
فرق قديمة أنكرت الرجم :
وما خشيه عمر رضي الله عنه قد وقع ، فانكر الرجم طائفة من الخوارج أو معظمهم ، وبعض المعتزلة ، ويحتمل أن يكون استند في ذلك إلي توفيق ( 4 )(3).
ويؤيده رواية أحمد عن ابن عباس قال : خطب عمر بن الخطاب ، فحمد الله ، وأثني عليه فقال (( ألا وإنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم ، وبالدجال ، وبالشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا ))(5 )(4)
__________
(1) 2 ) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الحدود ، باب رجم الثيب في الزنا 6 / 260 رقم 1691 ، والبخاري ( بشرح فتح
الباري ) كتابالحدود ، باب الاعتراف بالزنا 12 / 140 رقم 6829 .
(2) 3 ) المنهاج شرح مسلم 6 / 207 رقم 1691 ، وينظر : تلخيص الحبير 4 / 140 رقم 1746 وسبل السلام 3 / 1276 .
(3) 4 ) فتح الباري 12 / 103 رقم 6830 ، وينظر : المنهاج شرح مسلم 6 / 207 رقم 1691 .
(4) 5 ) أخرجه أحمد في مسنده 1 / 23 ، وفيه علي بن زيد وهو سئ الحفظ ، وبقية رجاله ثقات ، كما قال الهيثمي في مجمع
الزوائد 7 / 207 ، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 7 / 315 رقم 13329 ، والطبري في تفسيره 18 / 49 ، 50 ،
وينظر : فتح الباري 12/153رقم 6830 .
(1/92)
الرد علي دعوي مخالفة السنة للقرآن في حد الزنا :
يقول الإمام الشاطبي (1) : رداَ على دعوى مخالفة الرجم والتغريب للقرآن الكريم ، قال : (( هذا اتباع للمتشابه ، لأن الكتاب في كلام العرب ، وفي الشرع يتصرف على وجوه منها الحكم ، والفرض
في قوله تعالى : { كتاب الله عليكم } (2) وقال تعالى : { كتب عليكم الصيام } (3) وقال سبحانه: { وقالوا ربنا لما كتبت علينا القتال }(4) .
فكان المعني : لأقضين بينكما بكتاب الله ، أي بحكم الله الذي شرع لنا ، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم في القرآن ، كما أن الكتاب يطلق على القرآن ، فتخصيصهم الكتاب بأحد المحامل من غير دليل إتباع لما تشابه من الأدلة )) (5)
ثم قال الإمام الشاطبي : (( وقوله من زعم (6)
__________
(1) هو : أبو اسحق إبراهيم بن موسى الغرناطي ، الشهير بالشاطبي ، أصولي ، متكلم ، مفسر ، لغوي ، من مصنفاته النفيسة : الموافقات في أصول الفقه ، والإعتصام في الحوادث والبدع ، مات سنة 790 هـ له ترجمة في : شجرة النور الذكية صـ 231 231رقم 828، والمجددون في الإسلام لعبد المتعال الصعيدي صـ 305 ، والفتح المبين لعبد الله المراغي 2 / 204 .
(2) جزء من الآية 24النساء.
(3) جزء من الآية 183 البقرة.
(4) جزء من الآية 77 النساء.
(5) الإعتصام 1 / 199 ، 200 .
(6) حكاية منه عن أهل الإبتداع قديماً ، وتابعهم حديثاً : توفيق صدقي في مقاله (( الإسلام هو القرآن وحده )) ا نظر : مجلة المنار المجلد9 / 523 ، 524 ، وأحمد حجازي السقا في كتابيه إعجاز القرآن صـ 79 ، ودفع الشبهات صـ 108 ، والسيد صالح أبو بكر في الأضواء القرآنية 2 / 313 ، 314 ، ومصطفي المهدوي في البيان بالقرآن 1 / 334 ، 356 ، ونيازي عز الدين في كتابيه دين السلطان صـ 642 ، 948 وما بعدها ، وإنذار من السماء صـ 576 ، وأحمد صبحي منصور في لماذا القرآن صـ 112، ولا رجم للزانية لأحمد حجازي السقا صـ 17 ـ 162 ، ودفاع عن الرسول ضد الفقهاء والمحدثين لصالح الورداني صـ 140، وإعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد صـ 124 ، وتبصير الأمة بحقيقة السنة لإسماعيل منصور صـ 657 ، وتطبيق الشريعة الإسلامية بين الحقيقة وشعارات الفتنة صـ 141 ، 142 ، والحكم بالقرآن لجمال البنا صـ 135 ـ 140 ، والخطوط الطويلة لمحمد علي الهاشمي صـ 25 ، والسنة ودورها في الفقه الجديد صـ 22 ، 254 ، ومشروع التعليم والتسامح لأحمد صبحي منصور وآخرون صـ 289 ، وجريدة الجيل العدد 31 في 30 / 5 / 1999 مقال لمحمد عبد اللطيف مشتهري ، وجريدة صوت الأمة العدد 110 الاثنين 6 / 1 / 2003 مقال لعلي يوسف علي.
(1/93)
أن قوله تعالى في الإماء : { فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } (1) .لا يعقل على ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ، ورجمت الأئمة بعده .(2)
لأنه يقتضي أن الرجم ينتصف ، وهذا غير معقول ، فكيف يكون نصفه على الإماء ؟
هذا ذهاباً منهم إلي أن المحصنات هن ذوات الأزواج ، وليس كذلك بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر ، بدليل قوله تعالى : - { ومن لم يستطع منكم طولاًُ أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } .(3)
وليس المراد هنا إلا الحرائر ؛ لأن ذوات الأزواج لا تنكح .(4)
وتأكيداً على أن حد الأمة نصف حد الحرة (( بالجلد دون الرجم )) سواء كانت محصنة بالتزويج أم !
جاء التقييد في الآية الكريمة في حق الإماء { فإذا أحصن } قال تعالى : { فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } .(5)
أي على الإماء وإن كن محصنات بالتزويج ، وجوب نصف حد المحصنات (( وهن الحرائر غير المتزوجات )) كما قال الإمام الشاطبي.
فلئلا يتوهم أن الأمة المزوجة ترجم جاء التقييد في الآية الكريمة .
وقد أجمع العلماء على أنها لا ترجم (6) وهذا الإجماع قائم على الآية السابقة ، وما ورد في صحيح السنة النبوية الشريفة في تأكيدها وبيانها ، من أحاديث مطلقه في حكم الأمة إذا زنت بالجلد.
__________
(1) جزء من الآية 25 النساء
(2) راجع حديث ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم، وقد سبق قريباً.
(3) الآية 25 النساء.
(4) الإعتصام 2 / 559 ، 560 .
(5) جزء من الآية 25 النساء.
(6) ينظر : المنهاج شرح مسلم 6/229رقم 1703 ، وشرح الزرقاني علي الموطأ 4/158رقم1593 .
(1/94)
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (( إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها ، فيجلدها الحد . ولا يثرب عليها . ثم إن زنت ، فليجلدها الحد ، ولا يثرب عليها . ثم إن زنت الثالثة، فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر )) (1) .
قلت : إن الرجم والنفي في البيان النبوي يوافق القرآن الكريم فيما ذكره من مضاعفة العذاب ؛ قال تعالى : { ... ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة } (2) فكان الرجم عقاب مضاعف ، وأشد لمن زنا وهو متزوج ، مقارنة بمن زني وهو غير متزوج ، حيث أخف عقوبة بجلده ، ومضاعفته بنفيه عام .
وتبدو حكمة التغريب للزاني غير المحصن في أنه " تمهيد لنسيان جريمته ، وإبعاد له عن المضايقات التي قد يتعرض لها ، فهي عقوبة لصالحه أولاً ، ولصالح الجماعة ثانياً .
والمشاهد حتى في عصرنا الحالي الذي إنعدم فيه الحياء ، أن كثيريين ممن تصيبهم معرة الزنا يهجرون موطن الجريمة مختارين لينأوا بأنفسهم عن الذلة والمهانة التي تصيبهم في هذا المكان .
الرجم من كرهه نظرياَ فسوف يرضي به عملياَ اللهم إلا أن يكون. !
(3)وكذلك الرجم : يستهدف إصلاح المجتمع ، وقد استفظعه قوم يرضون به لو كان الزاني قد زنا بمن هي من أهله . فهو وإن كرهه نظرياً ، فسوف يرضي به عملياً ، اللهم إلا أن يكون ديوساً لا غِيرةَ له على أهله ، وإباحياً لا دين له ، ومثل هذا لا وزن له عند العقلاء !
__________
(1) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الحدود ، باب رجم اليهود 6/226رقم1703، والبخاري ( بشرح فتح الباري ) كتاب الحدود ، باب لايثرب علي الأمة إذا زنت ، ولاتنفي 12/171 رقم 6839 .
(2) الآيتان 68، 69 الفرقان .
(3) ينظر : التشريع الجنائي الإسلامي لعبد القادر عودة 1/640 .
(1/95)
وفيما نشاهده أن الناس الأحرار يأبون أي شئ إلا القتل عقوبة للزاني في طرق ملتوية ، وكثيراً ما تكون وسائلها المكر والخديعة والخيانة أو دس السم وغير ذلك ، دون أن يفرقوا في حالة الزاني متزوج أم غير متزوج ! فإذا أراح القرآن الكريم الناس ، وأمر برجم الزاني المحصن فقد رحم الناس من حيث يشعرون أو لا يشعرون (2). (1) ) .
الرجم هو القتل لا غير ، وقوانين العالم كله تبيحه :
وأخيراً :(2)فإن الرجم هو القتل لا غير، وإن قوانين العالم كله تبيح القتل عقوبة لبعض الجرائم ، ولا فرق بين من يقتل شنقاً ، أو ضرباً بالرصاص ، أو رجماً بالحجارة ، فكل هؤلاء يقتل ، ولكن وسائل القتل هي التي فيها الإختلاف .
ثم إن التفكير في الرجم بالحجارة لا يتفق مع طبيعة العقاب ، فالموت إذا تجرد من الألم والعذاب كان من أتفه العقوبات ، فالناس لا يخافون الموت في ذاته ، وإنما يخافون العذاب الذي يصحب الموت .
وقد بلغت آية الزنا الغاية في إبراز هذا المعني حيث جاء فيه { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ( 1 )(3) .
جـ - الرجم من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية :
لو رجعنا إلي القرآن الكريم لوجدنا أنه يثبت بأن الرجم من أقدم العقوبات التي عرفتها
البشرية .
__________
(1) 2 ) نظرة القرآن إلي الجريمة والعقاب ص245 ، 246 ، وينظر : التشريع الجنائي الإسلامي 1/641 ، وعقوبة الحد في
ضوء القرآن الكريم وأثرها في إصلاح المجتمع للدكتور محمد زواوي ، ومنهاج السنة في الحدود وأثره في صلاح المجتمع
للدكتور عبد المنعم عطية.
(3) 1 ) جزء من الآية 2 النور، وينظر : التشريع الجنائي الإسلامي 1 / 641 .
(1/96)
وأول ما يمكن التوقف عنده قصة سيدنا نوح - عليه السلام - الذي يمكن أن يعد الأب الثاني للبشرية بعد آدم - عليه السلام - وفي قصته التي يذكر فيها القرآن الكريم جانبَا منها تأتي كلمة (( الرجم )) في قوله تعالى { قاالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين } ( 1 ) ومما ينبغي أن نلحظه في قوله تعالى ( من المرجومين ) أن حرف الجر (( من )) للتبعيض أي من بعض المرجومين ... . ... ... ... ... ... ... وفي ذلك دلالة دلالة واضحة على أن قومه كانوا يمارسون رجم من يخالفهم ، وأن الرجم عادة اتخذها قومه في العقوبات .
وفي قصة سيدنا لإبراهيم - عليه السلام - ، وفي حواره مع أبيه قال له أبوه { قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك } ( 2 ) وفي قصة سيدنا موسى - عليه السلام - تستوقفنا الآية الكريمة { وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون } ( 3 ) أي تقتلوني رجماً (4) .
وفي قصة سيدنا شعيب - عليه السلام - ، وفي دعوته مع قومه وحواره معهم قالوا له { ولولا رهطك لرجمناك } (5) أي لقتلناك بالرجم وهو شر قتله (6) ..
وهذا ما نجده مع رسل سيدنا عيسي - عليه السلام - الثلاثة الذين بعث بهم إلي القرية ( إنطاكية ) (7) لهداية أهلها ، ولكنهم رفضوا الهداية ، وهددوهم بالقتل ، قال تعالى على لسانهم : { لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم } (8) .
__________
(1) الآية 116 الشعراء
(2) الآية 46 مريم .
(3) الآية 20 الدخان .
(4) تفسير النسفي 3 / 37 .
(5) الآية 91 هود .
(6) تفسير النسفي 2 / 202.
(7) بالفتح ثم السكون ، والباء مخففه ، من أعيان بلاد الشام وأمهاتها ، موصوفة بالحسن ، وطيب الهواء ، وعذوبة الماء ، وكثرة
الفواكه ، وسعة الخير ، معجم البلدان 1 / 266 .
(8) الآية 18 يس .
(1/97)
وفي قصة أهل الكهف التي قيل إن أحداثها جرت بعد الميلاد ، وردت كلمة الرجم في قوله تعالى: { إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدَا } (1) .
من كل ما تقدم يمكن استخلاص أن عقوبة الرجم بالحجارة عرفتها البشرية منذ أقدم العصور ، وقد ترسخت عند كثير من الشعوب القديمة على اختلاف أزمانها ، وأماكنها ، وارتضتها ضمن تشريعاتها وقوانينها .
الرجم عقوبة ثابتة في الشريعة اليهودية والنصرانية :
كما أن هناك استخلاصاً مهماً في كل ما سبق وهو أن الرجم عقوبة ثابتة في حق الزناة في الشريعة اليهودية والمسيحية .
يدل على ما روي في الصحيح عن البراء بن عازب رضي الله عنه (2) قال : ُمرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهوديِّ مُحَمَّمًا (3) مجلوداً . فدعاهم صلى الله عليه وسلم فقال ( هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ ) قالوا نعم ، فدعا رجلاً من علمائهم . فقال (( أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى ! أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ )) قال : لا . ولولا أنك نشدتي بهذا لم أخبرك . نجده الرجم . ولكنه كثر في أشرافنا . فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه . وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد . قلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع . فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اللهم ! إني أولُ من أحيا أمرك إذا أماتوه )) .
__________
(1) الآية 20 الكهف .
(2) صحابي جليل له ترجمة في : اسد الغابة 1 / 362 رقم 389 ، ومشاهير علماء الأمصار صـ 55 رقم 272 ، والرياض
المستطابةصـ 37 ، وتاريخ الصحابة صـ 42 رقم 103 ، والإستيعاب 1 / 155 رقم 173 .
(3) أي مسود الوجه، من الحُمَمَة ! الفَحْمَة ، وجمعها حُمَم . أ هـ ينظر : النهاية في غريب الحديث 1 / 427 .
(1/98)
فأمر به فرجم . فأنزل الله عز وجل : { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرون يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تأتوه فاحذروا .... } (1).
يقولُ : ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم . فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه . وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا .
فأنزل الله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } (2)
{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } (3)
{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون } (4)في الكفار كلها .(5)
من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن :
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : (( من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ، قال تعالى : { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب } .(6)
فكان الرجم مما أخفوا )) .(7)
شبهة أعداء السنة حول آية الرجم المنسوخة تلاوة ، والجواب عنها :
ويبقي ما أورده البعض من خصوم السنة النبوية حول الآية المنسوخة التلاوة ، الباقية الحكم (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم))(8)
__________
(1) الآية 41 المائدة . ... ... ...
(2) الآية 44 المائدة .
(3) الآية 45 المائدة .
(4) الآية 47 المائدة .
(5) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الحدود ، باب رجم اليهود ، أهل الذمة في الزنى 6 / 244 رقم 1700 ، وينظر:
حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود للدكتور محسن عبد الناظر صـ 41-72 .
(6) الآية 15 المائدة .
(7) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/400 رقم 8069 وقال صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي .
(8) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/400 رقم 8086 ، وقال صحيح الإسناد ، وسكت عنه الذهبي ووافق تصحيح الحاكم بن
حجر في فتح الباري 12/147 رقم 6829 ، وأخرجه النسائي في سننه الكبرى كتاب الرجم ، باب نسخ الجلد عن الثيب 4/ 4/ 271 رقم 7150 ، وابن حبان في صحيحه ( الإحسان بترتيب ابن حبان كتاب الحدود ) ، باب إثبات الرجم لمن زنا
وهو محصن 6/301 رقم 4411 .
(1/99)
أنكروا حكم الآية لاختلاف نظمها مع نظم القرآن الكريم وروعته(1).
وهذا الإنكار مردود عليهم بالقرآن الكريم في قوله تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير } (2).
والمنسوخ تلاوة في الآية التي أنكروا حكمها لا يحتمل إلا (( إنساؤُه وهو حذف ذكرها عن القلوب بقوة إلهية )) (3)
والمراد أن نص الآية المنسية يزول من الوجود ، ولا يبقي في الذهن منها إلا آثار ، وإنساء النص الذي يدل على الحكم لا يستلزم نسيان الحكم كما هو معلوم.(4)
فإذا طبق الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم بعد ذلك دل على أن الحكم باق غير منسوخ .
والحكمة من رفع التلاوة مع بقاء الحكم (( ليظهر بذلك مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلي بذل النفوس بطريق الظن ، من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به ، فيسرعون بأيسر شئ ، كما سارع الخليل بذبح ولده بمنام ، والمنام أدني طريق الوحي ، وأمثلة هذا الضرب كثيرة )) (5)
زد على ما سبق أن الأمر في القرآن وأحكامه إلي الله عز وجل ينسخ ما يشاء مع بقاء النص الذي يستند إليه ، ويبقي ما يشاء مع نسخ أو إنساء النص الذي كان دليلا عليه .
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : أنزل الله عز وجل في الذين قتلوا ببئر معونة (6)
__________
(1) ينظر : الأصلان العظيمان لجمال البنا صـ 190 وما بعدها ، ومجلة روزاليوسف العدد 3702 صـ 65 مقال لجمال البنا،
والعدد 3699 صـ 30 - 33 مقال السيد القمني ،
(2) الآية 106 البقرة .
(3) مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني صـ 547 .
(4) ينظر: الإتقان في علوم القرآن 3/69 نص رقم 4116 ، 4135 ، والبرهان في علوم القرآن 2/36 .
(6) موضع في بلاد هزيل بين مكة وعسفان ، وهذه الغزة تعرف بسرية القراء ، ينظر: معجم البلدان 1/302، وفتح الباري
7/438 رقم 4087 .
(1/100)
قرآناً قرأناه حتى نسخ بعد : ( أن بلغ قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ، ورضينا عنه ) .(1)
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (2) قال : (( وإنا كنا نقرأ سورة . كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة . فأنسيتها غير أني قد حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغي وادياً ثالثاً . ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب . وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها . غير أني حفظت منها : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . فكتبت شهادة في أعناقكم . فتسألون عنها يوم القيامة )) (3) .
فهذه الروايات المعتمدة وغيرها ، تؤكد ما قلناه : وهو أن ما نسخت تلاوته أُنسِيَ فلم يبقي منه إلا ذكريات .
فمن قارن بينه وبين القرآن ، قارن بين ما هو غير موجود ، وما هو موجود .
ومن أنكره أنكر ما أثبتت الروايات وقوعه ، وكابر في التاريخ الثابت الموجود !
__________
(1) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب المساجد ، باب استحباب القنوت 3/192 رقم 677، والبخاري ( بشرح فتح الباري )
كتاب المغازي ، باب غزوة الرجيع ن ورجع وذكوان ، وبئر معونة 7/445 رقم 4095 .
(2) هو : عبد الله بن قيس بن سليم الأشعري ، صحابي جليل له ترجمة في : اسد الغابة 3/364 رقم 3137، 6/299 رقم 6296 6296، وتذكرة الحفاظ 1/23 رقم 10 ، والإستيعاب 3/979 رقم 1639 ، ومشاهير علماء الأمصار صـ 47 رقم 216 ، والرياض المستطابة صـ 188-191 .
(3) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الزكاة ، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغي ثالثاً 4/151 رقم 1050 ، وللحديث
شواهد عن ابن عباس ، وأبيّ بن كعب ، وغيرهما ، ينظر صحيح مسلم ( بشرح النووي ) في الأماكن السابقة نفسها برقم 1049 1049 والبخاري ( بشرح فتح الباري ) كتاب الرقاق ، باب ما يتقي من فتنة المال 11/ 258 رقمي 6437 ، 6440 .
(1/101)
ومن اعتبر ما بقي منه قرأناً بنصه خالف القرآن بنسخه وإنسائه ، وأتي بما ليس بقرآن موجود ، مدعياً أنه قرآن !
وعلى ما ذكرناه تحمل كل الروايات في هذا المجال .. فإذا قال الصحابي ، قرأنا كذا ، أو توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن ، أو قال كنا نقرأ كذا فحفظت منه كذا ، أو قال : فلا أدري من القرآن هو أم لا .
كل ذلك محمول في قرآن نسي أو نسخ ، ولم يبقي منه إلا بعض المعاني أو بعض الذكريات عبر عنها الصحابي بأسلوبه أو بالمعني ، والرواية بالمعني ليست من القرآن الكريم !
والدليل على ذلك : أن القرآن المجموع حفظاً وكتابةً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم في عهد أبي بكر ، ثم في عهد عثمان بن عفان ، لم يختلف فيه حرف عن حرف أو كلمة عن كلمة ، ولا يوجد فيه شئ مما ذكر الصحابة أنه مما كان من القرآن .
ومما يدل على ذلك أنه ما بقي من آثار القرآن المنسوخ لم يشتهر بين الصحابة ، بل حكي كل واحد ما بقي من ذهنه مما كان ...........
وما دام النص المنسوخ قد أُنسِيَ ، أو ليس موجوداً ، فمجال البحث والدراسة والتفسير والتأويل بالنسبة إليه غير ذي موضوع .
لكن المهم هنا أن كل ما ذكرناه يؤكد أن الآية في قوله تعلي : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها }(1) يراد بها الآية من القرآن التي تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتنسخ تلاوتها ، أو تُنسَي من القرآن ، وهو ما تؤكده الروايات الواردة في ذلك ، ومنها آية (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما )).(2)
الحكمة من كراهة النبي صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم المنسوخة تلاوة :
وهذا الذي قلناه يفسر لنا لماذا كره النبي صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم السابقة .
__________
(1) الآية 106 البقرة ، وينظر: الإتقان في علوم القرآن 3/71 نص رقم 4143 .
(2) سبق تخريجه صـ 86 .
(1/102)
إذ كيف يسمح صلى الله عليه وسلم بكتابة شئ منسوخ تلاوة بجوار القرآن الكريم ، وقد نهي صلى الله عليه وسلم عن كتابة أي شئ بجوار كلام الله عز وجل (1) في صحيفة واحدة لئلا يلتبس على من بعده ، هل هو من القرآن أم لا ! . (2)
وليس أدل على ذلك في مسألتنا هذه من قول الصحابي الجليل بن عباس رضي الله عنه بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لو أن لابن آدم ملء واد مالاً لأحب أن له إليه مثله ؛ ولا يملأ عين بن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب ))
قال : ابن عباس فلا أدري أهو من القرآن أم لا ! (3).
فخشية هذا الإلتباس تحمل كراهته صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم ، ولو كانت آية الرجم بنص تلاوتها ، كما أنزلت أولاً ، ولم تُنْسَيَ ، ولو كان صلى الله عليه وسلم مأموراً بكتابتها، لأمر بكتابتها شأنها شأن آيات الحدود الأخرى .
__________
(1) فعن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لاتكتبوعنى ، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه ، وحدثوا عنى ولاحرج ، ومن كذب على متعمداَ فليتبوأ مقعده من النار)) أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الزهد
، باب التثبت فى الحديث، وحكم كتابة العلم 9/356 رقم 3004 .
( 4 ) وكان هذا النهى النبوى فى أول الأمر مخافة َعلى كتاب الله عز وجل ، وصيانة عن خلطه بالسنة الشريفة ، التى كانوا يكتبونها بجوار القرآن فى صحيفة واحدة مما قد يلتبس على ممن كانوا حديثى عهد بالإسلام ولم يعتادوا على أسلوبه، وأكثرهم من الأعراب الذين لم يكونوا فقهوا فى الدين ! وتأكيداَ لعلة النهى هذه . ينظر : السنة النبوية فى كتابات أعداء الإسلام للمؤلف 1/ 288 طبعة دار اليقين بالمنصورة
(3) أخرجه البخاري ( بشرح فتح الباري ) كتاب الرقاق ، باب ما يتقي من فتنة المال 11/258 رقم 6437 .
(1/103)
ومنها ما هو أفظع وأشد من حد الرجم كحد المحاربين الذين يسعون في الأرض فساداً والوارد في قوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } .(1)
الجواب عن إشكال كراهة النبي صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم ، وهم عمر رضي الله عنه بكتابتها :
وكراهية النبي صلى الله عليه وسلم كتابة آية الرجم لا يشكل مع قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه (( إياكم أن تَهْلِكُوا عن آية الرجم ! لا يقول قائل لا نجد حديث في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجم أبو بكر ورجمت ، فوالذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة )) فإنا قد قرأناهد(2) .
فليس الظاهر من كلام عمر مراداً ، وأن كتابة آية الرجم جائز ، وأن المانع له من ذلك قول الناس ! كلا !
بل مراده المبالغة والحث على العمل بالرجم ~ إذ لا يسع مثل عمر مع مزيد فقهه تجويز كتابتها مع نسخ لفظها (3).
__________
(1) الآية 33 المائدة .
(2) أخرجه الشافعي في مسنده ، كتاب اختلاف الحديث صـ 294 رقم 792 ، والترمذي في سننه ، كتاب الحدود ، باب ما جاء في تحقيق الرجم 4 / 29 رقم 1431 وقال : حسن صحيح ، ومالك في الموطأ كتاب الحدود ، باب ما جاء في الرجم 2/ 628 رقم 10 ، والبيهقي في السنن الكبرى ، كتاب الحدود ، باب ما يستدل به على أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرين ، ومنسوخ عن الثيبين ، وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين 8 / 213 .
(3) ينظر : شرح الزرقاني على الموطأ 4 / 166 رقم 1601 .
(1/104)
ويؤيد هذا المراد رواية الترمذي عن عمر قال رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجم أبو بكر ، ورجمت ، ولولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله تعالى ، لكتبته في المصحف ، فإني خشيت أن تجئ أقوامٌ فلا يجدونه في كتاب الله تعالى ، فيكفرون به )) .(1)
ويؤكد ما سبق من علة كراهة كتابة آية الرجم ، التباس آخر لو كتبت في المصحف ، وهو أن العمل بها على غير الظاهر من عمومها .(2)
كما جاء في رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما أنزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : أكتبها ؟! فكأنه كره ذلك ، فقال عمر : ... ألا تري أن الشيخ إذا لم يحصن جلد ، وأن الشاب إذا زني وقد أحص)) (3)
الجواب عمن أنكر آية الرجم تلاوة وحكماَ :
أما زعم البعض أن الآية ( تلاوة وحكماً ) لم تكن في القرآن ! ولو كانت لطبق الحد على كثيرين من الصحابة، اعتماداً على أن عمر بن الخطاب خطب الناس فقال (( لا تشكوا في الرجم ، فإنه حق ولقد هممت أن أكتبه في المصحف ، فسألت أُبَّيّ بن كعب فقال : أليس أتيتني وأنا أستقرئها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدفعت في صدري ، وقلت : تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر )) .(4)
__________
(1) يراجع تخريج الحديث السابق .
(2) ينظر : فتح الباري 12/148 رقم 6829 ، والإتقان للسيوطى 3/70 نص رقم 4318 .
(3) أخرجه النسائي في الكبرى كتاب الرجم ، باب نسخ الجلد عن الثيب 4 / 270 رقم 7145 ، والحاكم في المستدرك 4/400
رقم 8071 ، وقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي ، وروي نحو قول عمر من قول زيد بن ثابت لمروان بن الحكم ، وأُبَّيّ بن كعب . ينظر : سنن النسائي الكبرى ، الكتاب ، والباب السابقين 4 / 271 رقمي 7148 ، 7149 .
(4) أخرجه بن الضريس في فضائل القرآن بإسناد رجاله ثقات كما قال الحافظ في فتح الباري 12/147 - 148 رقم 6829 ،
وذكره السيوطي في الإتقان 3/70 نص رقم 4141 وسكت عنه .
(1/105)
يقول أحدهم : وهو ما يعني في حال تدوين الآية ، وتطبيق الحد ، وقوع الرجم على أعداد غفيرة من المسلمين زمن الدعوة . (1)
مما يحمل تشكيكاً في ثبوت الحد ، وتشكيكاً في الوقت نفسه بمجتمع الصحابة وتوهيناً للثقة فيهم .
فهذا لا حجة فيه للطاعن في حد الرجم ، لأن عدم التدوين في المصحف لا يعني عدم تطبيق الحد ، لما تواتر في السنة العملية من تطبيق حد الرجم من رسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم من بعد .
كما أنه ليس في كلام عمر ، ما يدل على زعم الزاعم أنه في حالة تطبيق الحد يقع على أعداد غفيرة من الصحابة زمن الدعوة !
لأن كلمة عمر ((تستقرئه آية الرجم وهم يتسافدون تسافد الحمر )) لا تعني صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأطهار ، وإنما تعني غيرهم ممن كان معهم زمن الدعوة من المنافقين ، والمشركين ، واليهود .
ويحتمل أنها تعني من سيأتي فيما بعد من شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة وهم يتهارجون تهارج الحمر . (2)
وهذا من حسن الظن بعمر رضي الله عنه وإلا فهل يظن بمثله أن يطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
__________
(1) ينظر : مجلة روزاليوسف العدد 3699 صـ 32 مقال سيد القمني .
(2) أي يتسافدون . النهاية في غريب الحديث 5 / 223 ، والحديث أخرجه مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه مرفوعاً : بعد أنذكر النبي صلى الله عليه وسلم موت يأجوج ومأجوج قال : (( إذ يبعث الله ريحاً طيبة ، فتأخذهم تحت آباطهم . فتقبض روح كل مؤمن ، وكل مسلم ويبقي شرار الناس . يتهارجون فيها تهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة )) مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الفتن ،
باب ذكر الدجال9/ 289 رقم 2137 .
(1/106)
إن كلمة سيدنا عمر تعني على فرض التسليم بظاهرها أن التهارج فيما بعد سيكون شائعاً وجزاؤه الرجم ، ولكن إن كان هذا التهارج لا بينة عليه بأربعة شهود يرون جريمة الزنا على نحو صريح لا شبهة فيه ، فلا حد حينئذاَ إلا بالإقرار أو الحَبَلْ .
فالمقصود من كلمة عمر درء الحد مهما أمكن ، فالحدود تسقط بالشبهات ، كما سبق من قوله رضي الله عنه (( لأن أخطئ في الحدود بالشبهات ، أَحَبُ إليَّ من أن أقيمها بالشبهات )) (1).
وكأن عمر يقول لأُبَّيّ بن كعب : كيف تستقرئه آية الرجم أو كيف نكتبها ، وفي ظاهرها التباس في عمومها ؛ وهو عموم ينافي درء الحد بالشبهة ؟ !
وفي ذلك إشارة إلي : (( التخفيف على الأمة بعدم اشتهار تلاوتها وكتابتها في المصحف وإن كان حكمها باقياً ، لأنه أثقل الأحكام وأغلظ الحدود ، وفيه الإشارة إلي ندب الستر )) (2).
ثم إن تشكيك خصوم السنة النبوية ، ودعاة التنوير الزائف ، في حجية المصدر الذي أقيم على أساسه حد الرجم ، بناء على هذه الآية المنسوخة تلاوة ، الباقية حكماً .
هذا التشكيك والإنكار لا يفيد في شئ ! .
لأن الرجم ثابت بالقرآن كما سبق(3). وثابت بالسنة القولية ، والعملية المتواترة عنه صلى الله عليه وسلم ، وعن أصحابه رضي الله عنهم من بعده .
فقد اشتهر وتواتر الرجم عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً في قصة ماعز والغامدية واليهوديين ، وعلى ذلك جري الخلفاء بعده ، فبلغ حد التواتر. (4)
__________
(1) سبق تخريجه صـ 81 .
(2) الإتقان 3/70 نص رقم 4139 ، وينظر : فيض الباري على صحيح البخاري للكشميري 4/ 449 .
(3) يراجع : صـ 90 .
(4) تلخيص الحبير 4 / 147 ، وينظر : الأزهار المتناثرة صـ 59 رقم 82 ، وفي ثبوت الرجم عن الخلفاء الراشدين ، وغيرهم وعدم إنكار ذلك عليهم من بقية الصحابة والتابعين ، أبلغ رد على بعض خصوم السنة النبوية في زعمهم (( أن الرجم كان قبل نزول آية النور )) فيكون الجلد ناسخ للرجم على حد زعم أحمد حجازي السقا في كتابه (( لا رجم للزانية )) صـ 18 . وأقول متسائلاً : هل خفيت دعوي النسخ هذه عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمع ، وعن أئمة المسلمين من بعدهم ، في مثل هذا الحد حتى تزعموا بعد هذا الإجماع ، وبعد كل هذه القرون بلا دليل ولا بينة أن الرجم منسوخ ؟ ! وينظر: مقال الدكتور مصطفي محمود في دعوي نسخ الرجم ، جريدة الأهرام المصرية 5/8/200 .ودين السلطان صـ 642 وما بعدها إلي ص 961 ، والدولة والمجتمع لمحمد شحرور صـ 276 وما بعدها .
(1/107)
فعن بريدة بن الحصيب الأسلمى رضي الله عنه(1) أن ماعز بن مالك الأسلمى أتي رسول الله فقال : يا رسول ! إني قد ظلمت نفسي ، وزينت ، وإني أريدك أن تطهرني . فَردَّهُ .فلما كان من الغد أتاه فقال : يا رسول الله إني قد زنيت ؛ فرده الثانية . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي قومه فقال :(( أتعلمون بعقله بأساً تنكرون منه شيئاً ؟ فقالوا : ما نعلمه إلاَّ وفيَّ العقل . من صالحينَا فيما نُري . فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضاً فسأل عنه فأخبروه : أنه لا بأس به ، ولا بعقله ، فلما كان الرابعة حُفِرَ له حفرة ثم أمر به فرجم . )) .(2)
__________
(1) صحابي جليل له ترجمة في : اسد الغابة 1/ 367 رقم 398 ، والرياض المستطابة صـ 39 ، ومشاهير علماء الأمصار
صـ 78 رقم 414 ، وتاريخ الصحابة ص43 رقم 108 .
(2) ولأن الإسلام يحث على الستر ، ودرء الحد بالشبهات ، كان قول النبي صلى الله عليه وسلم لماعز لما جاء معترفاً بالزنا ، قال له : (( لعلك قبَّلْت ، أو غمزت ، أو نظرت ؟ قال لا يا رسول الله ، قال : أنكتها ؟ لا يكني ، قال فعندئذ أمر برجمه )) أخرجه البخاري
(بشرح فتح الباري) كتاب الحدود ، باب هل يقول الإمام للمقر : لعلك لمست أو غمزت ؟ 12 / 138 رقم 6824 من حديث ابن عباس رضي الله عنه .ولأن هزالاً أمر ماعزاً أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بما صنع لعله يستغفر له ، وبرجاء أن يكون له
مخرجاً ، كان قول النبي صلى الله عليه وسلم لهزال : (( لو سترته بثوبك كان خيراً لك )) أخرجه أبو داود في سننه ، كتاب الحدود ، باب الستر على أهل الحدود 4/134 رقم 4377 ، والحاكم في المستدرك 4/403 رقم 8080 وصححه ، ووافقه الذهبي .من
حديث نعيم بن هزال ، ومن هنا قال بريدة : كنا أصحاب محمد نتحدث ، لو أن ماعز أو هذه المرأة لم يجيئا في الرابعة ، لم يطلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم )) أخرجه الحاكم في المستدرك 4/426 رقم 8163 وصححه الذهبي .
(1/108)
قال : فجاءت الغامدية فقالت : يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني . وإنه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تَرُدَنِي ؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزاً . فو الله إني لحُبْلَي . قال : (( إمَّا لا ، فاذهبي حتى تلدي )) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقهِ قالت :هذا قد ولدته . قال : (( اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه )) . فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز . فقالت : هذا يا نبي الله قد فطمته ، وقد أكل الطعام . فدفع الصبي إلي رجل من المسلمين . ثم أمر بها فحفر لها إلي صدرها ، وأمر الناس فرجموها . فيقبل خالد بن الوليد بحجر . فرمي رأسها. فتنطح الدم على وجه خالد فسبها . فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبَّه إياها . فقال : (( مهلاً يا خالد ! فوالذي نفسي بيده ، لقد تابت توبة ، لو تابها صاحب مَكْسٍ (1) لغفر له )) ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت (2).
الجواب عمن زعم أن الرجم حكم ثابت بالسنة ، ولكنه حكم مؤقت :
بقي الرد على من زعم أن الرجم حكم ثابت بالسنة النبوية ، ولكنه حكم مؤقت !
إذ يقول بعضهم بعد أن أقر بثبوت الرجم في السنة النبوية القولية والعملية المتواترة قال : (( ونحن نقول إنه مع ثبوت وقوع حالات الرجم في عهد الرسول ، فإن استقصاء هذه الحالات ينتهي إلى أن من الممكن إيقاف هذه العقوبة دون مخالفة للسنة، ومع هذا فإذا أصر دعاة الرجم على أقوالهم فهناك مخرج يقوم على عدم تأبيد بعض أحكام السنة )) (3).
__________
(1) المكس : الضريبة التي أخذها الماكس ، وهو العشار . النهاية في غريب الحديث 4/297 .
(2) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الحدود ، باب من اعترف على نفسه بالزنا 6/212 رقم 1695 والحديث مروي عن
جماعة من الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم كثيرة. ينظر: تلخيص الحبير 4/142 - 173 .
(3) مجلة روزاليوسف العدد3702 ص35 ، مقال لجمال البنا بعنوان ( أجل من الممكن ايقاف الرجم ) .
(1/109)
وهذا الزعم مبني على مذهبه (( بأن الرسول والخلفاء الراشدون والصحابة أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السنن من أحكام )) (1) .
ويجاب عن ذلك : بأن تلك الدعوى لا دليل عليها ، ويبطلها كلام رسول الله ( وسيرة أصحابه الأطهار من بعده .
فإذا كان رسول الله ( أراد عدم تأبيد ما جاءت به السنة النبوية من أحكام ، فعلام إذاً يقرنها مع كتاب الله عز وجل مبيناً أن الإعتصام بها عصمة من الضلال في قوله : (( إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدَا كتاب الله ، وسنة نبيه )) (2).
وعلام يأمر بتبليغ سنته المطهرة في قوله ( : (( ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من أن يبلغه يكون أوعى له من بعض مَن سمعه . )) .(3)
__________
(1) السنة ودورها في الفقه الجديد لجمال البنا ص202 ، 252 ، والسلطة في الإسلام لعبد الجواد ياسين صـ 23 ، وإنذار من
السماء لنيازي عز الدين صـ 142 .
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/171 ، 172 ، رقم 318 من حديث بن عباس رضي الله عنهم ، وقال في اسناده عكرمة ، واحتج به
البخاري ، وبن أبي أويس ، واحتج به مسلم ، وسائر رواته متفق عليهم ، ثم قال : وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه في الموضع السابق ، ووافقه الذهبي وقال : وله أصل في الصحيح أ هـ .
(3) أخرجه البخاري ( بشرح فتح الباري ) كتاب التوحيد ، باب قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة) 13/433
رقم 7447 ، ومسلم ( بشرح النووي ) كتاب القسامة ، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض 6/182 رقم 1679 من حديث أبي بكر رضي الله عنه .
(1/110)
وعلام يوصي بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين والعض عليه بالنواجذ عند الإختلاف في قوله ( : (( فإنه من يعش منكم : فسيري اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ . )) (1)
وعلام التحذير الشديد من الكذب عليه ( في قوله : (( إن كذباً عليَّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار . )).(2)
وعلام يحذر ممن يأتيه الأمر مما أمر به أو نهي عنه فيعترض ويقول : (( بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه ، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه . )). ...
ثم يبين رسول الله ( أن ما يحرمه بوحي غير متلو مثل ما يحرمه الله عز وجل في
قرآنه المتلو قائلاً : (( ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله . )) (3)
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه كتاب السنة ، باب لزوم السنة 4/200 رقم 4607 ، و الترمذي في سننه كتاب العلم ، باب ما
جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع 5 / 43 ، 44 رقم 2676 ، وابن ماجه في سننه المقدمة ، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/15 - 17 رقمي 42 ، 43 .
(2) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) المقدمة ، باب تغليظ الكذب على رسول الله ( 1 / 101 رقم 4 ، والبخاري ( بشرح فتح
الباري ) كتاب الجنائز ، باب ما يكره من الناحية على الميت 3 / 191 رقم 1291 .
(3) أخرجه بن ماجه في سننه المقدمة ، باب تعظيم حديث رسول الله والتغليظ على من عارضه 1/20 رقم 12 ، وأبو داود في سننه كتاب السنة 4 / 200 رقم 4604 ، و الترمذي في سننه كتاب العلم ، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي ( 5/36 رقم 2664 ، وقال حسن غريب ، وابن حبان في صحيحه ( الإحسان بترتيب صحيح بن حبان ) ، باب الإعتصام بالسنة وما يتعلق بها نفلاً وأمراً وزجراً 1 /107 رقم 12 ، والحاكم في المستدرك 1 / 191 رقم 371 ، وسكت عنه الحاكم والذهبي ، وصححه الشيخ أحمد شاكر في هامش الرسالة للشافعي صـ 90 ، 91 .
(1/111)
... وذلك التحريم دين دائم إلي يوم القيامة كما سيأتي من قول أئمة المسلمين .
وعلام يصف الزائغ عن سنته المطهرة بأنه هالك كما قال ( : (( قد تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك . )) .(1)
فعلام يدل هذا إن لم تكن أحكام السنة حجةً وديناً عاماً دائماً كالقرآن الكريم !
إن كل ما نقلناه هنا من هذه الأحاديث ونحوها كثير بمثابة التصريح من رسول الله ( بأن سنته المطهرة حجة ودين عام دائم ملازم للقرآن الكريم .
وهذا ما فهمه الصحابة من رسول الله ( ، فهم أول المخَاطَبين بكتاب الله عز وجل ، وفيه الأمر بطاعته ( والتحذير من مخالفة أمره . قال تعالى : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }. (2)
فهل هذا الأمر الإلهي بإتباع أمر نبيه ( الوارد في سنته المطهرة أراد به رب العزة ألا يكون ديناً عاماً دائماً كالقرآن ؟؟؟ .
إن القول بهذا طعن في القرآن نفسه ، وفي عالمية الدعوة الإسلامية ؛ ثم إن رب العزة يقسم بذاته المقدسة على عدم إيمان من يُحَكِّم رسوله في كل شأن من شئون حياته ، ومن المعلوم بالضرورة ، أننا نُحَكِّمْ الرسول ( بذاته وهو حي ، فإذا انتقل الرسول ( إلي الرفيق الأعلى حَكَّمْنَا سنته المطهرة .
__________
(1) جزء من حديث طويل أخرجه بن ماجه في سننه المقدمة ، باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/29 رقم 43 ، وبن
أبي عاصم في السنة ، باب ذكر قول النبي ( تركتم على مثل البيضاء ، وتحذيره إياهم أن يتغيروا عما يتركهم عليه 1/26
رقم 48 .
(2) جزء من الآية 63 النور.
(1/112)
على أنه ليس فقط أن نُحَكِّمْ الرسول ( وسنته ، بل لا بد وأن تمتلئ قلوبنا بالرضا والسعادة بهذا الحكم النبوي ، وأن نخضع له خضوعاً كاملاً مع التسليم التام قال تعالى : { فلا وربك لا يؤمنون به حتى يُحَكَّمُوكَ فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً } (1).
وعلى ذلك يؤكد رسول الله ( بقوله : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تَبَعًا لما جئتُ بهِ )) .(2)
ولم يخالف في ذلك أحد من أصحاب رسول الله ( ، ولا يقول بخلاف هذا إلاَّ من جهل طريقتهم في العمل بأحكام الدين ، وكيف كانوا يأخذونها .
فالصحابة أجمع وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين كانوا يعظمون حديث رسول الله ( ويحكمونه في كل شأن من شئون حياتهم .
فعن ميمون بن مهران (3) قال : كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله ، فإن وجد فيه ما يَقْضِي به قضي به ، وإن لم يكن في الكتاب ، وعلم من رسول الله ( في ذلك الأمر سنة قضي بها ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين ، وقال آتاني كذا وكذا !
__________
(1) الآية 65 النساء.
(2) أخرجه بن عاصم في السنة ، باب ما يجب أن يكون هوي المرء تبعاً لما جاء به النبي ( 1 / 12 رقم 15 ، والبغوي في شرح السنة كتاب الإيمان ، باب رد البدع والأهواء 1 / 145 رقم 104 ، وقال النووي في أربعينه " هذا حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح " ينظر : جامع العلوم والحكم 2 / 386 رقم 2154 ، وقواعد التحديث للقاسمي صـ 45 .
(3) هو : أبو أيوب الرقي ميمون بن مهران الجزري ، روي عن عائشة ، وأبي هريرة ، وطائفة ، وعنه أبو بشر، والأوزاعي
وخلق كثير، متفق على توثيقه ، مات سنة 117 هـ له ترجمة في تذكرة الحفاظ 1/98 رقم 91 ، وتقريب التهذيب 2/243
رقم7075 ، والكاشف 2/ 203 رقم 5764 ، والثقات للعجلي صـ 445 رقم 1669 .
(1/113)
فهل علمتم أن رسول الله ( قضي في ذلك بقضاء ؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر عن رسول الله ( فيه قضاءًا ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا ، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله ( جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم ، فإذا اجتمع رأيهم على شئ قضي به .(1)
وعن جابر بن زيد (2) أن ابن عمر لقيه في الطواف ، فقال له يا أبا الشعثاء إنك من فقهاء البصرة، فلا تُفْتِ إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية ، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت .(3)
وعن شريح القاضي :(4)
__________
(1) أخرجه الدرامي في سنته المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1/69، 70 رقم 161 وينظر : أعلام الموقعين 2 / 62
(2) هو : أبو الشعثاء الأزدي ، جابر بن زيد ، روي عن بن عباس ،وعنه قتادة ، وأيوب ، وخلق كثيرون ، متفق على توثيقه مات سنة 93هـ له ترجمة في : تقريب التهذيب 1 / 152 رقم 867 ، والكاشف 1/287 رقم 728 ، والثقاب للعجلي صـ 93 رقم 194 .
(3) أخرجه الدرامي في سننه المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1 / 70 رقم 164 ، وجامع بيان العلم 2 / 56 .
(4) هو : شريح بن الحارث بن قيس الكندي ، أبو أمية الكوفي ، روي عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وعنه الشعبي والنخعي وطائفة ، مخضرم ، ثقة ، مات قبل الثمانين أو بعدها ، له ترجمة في تذكرة الحفاظ 1 / 59 رقم 44 ، وتقريب التهذيب 1 / 416 رقم 782 والثقات لابن شاهين صـ 163 رقم 509 ، وطبقات الحفاظ للسيوطي صـ 27 رقم 42 .
(1/114)
أن عمر بن الخطاب كتب إليه (( إن جاءك شئ في كتاب الله فاقض به ، ولا يلتفتك عنه الرجال ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله فانظر في سنة رسول الله ( ، فاقض بها ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ، ولم يكن في سنة من رسول الله ( فانظر ما اجتمع عليه الناس فخذ به ، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله و، ولم يكن في سنة رسول الله ( ، ولم يتكلم فيه أحد قبلك ، فاختر أي الأمرين شئت : إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم ، وإن شئت أن تتأخر فتتأخر، ولا أري إلاَّ التأخير خيرًا لك . )) .(1)
ونحو ذلك روي بن مسعود وابن عباس وغيرهم (2)رضي الله عنهم أجمعين.
وبذلك كانت مصادر الأحكام في الصدر الأول بأربعة :
1-القرآن الكريم : وهو المصدر الأول لهذا الدين ، وعمدة الملة ، وكانوا يفهمونه
واضحاً جلياً ، لأنه بلسانهم نزل ، مع ما امتازوا به من
معرفة أسباب نزوله .
2-السنة النبوية : وهي المصدر الثاني الملازم للمصدر الأول ، وقد اتفقوا على
اتباعها متي ظفروا بها .
القياس : أو الرأي المستند إلي كتاب الله عز وجل ، أو سنة رسول الله (
الإجماع : المستند إلي نص من كتاب أو سنة أو قياس .(3)
ولم يزل أئمة الإسلام من المحدثين والفقهاء من التابعين فمن بعدهم إلي يومنا هذا وإلي أن تقوم الساعة على تحكيم سنة رسول الله ( !!
فكيف يصح بعد ذلك القول بأن رسول الله ( وأصحابهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين أرادوا عدم تأبيد ما جاءت به السنن من أحكام ؟ !!
__________
(1) أخرجه الدرامي في سننه المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1/71 ، 72 رقم 167 ، وينظر: جامع بيان العلم 1 / 56
(2) ينظر : سنن الدرامي ، وجامع بيان العلم في الأماكن السابقة ، وأعلام الموقعين 1 / 57 - 86 .
(3) ينظر: تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد الخضري صـ 75 ، 76 ، وأصول الفقه الإسلامي للدكتور طه جابر العلواني صـ6- 10 .
(1/115)
اللهم إن هذا إنكار لإجماع الأمة منذ عهد نبينا ( إلي يومنا هذا ! وإلي أن يرث الله الأرض ومن عليها بحجية السنة المطهرة . واتخاذها ديناً عاماً دائماً ملازماً لكتاب الله عز وجل .
وهذا الإجماع قائم على الحقائق الثابتة في كتاب ربنا عز وجل ، وسنة نبينا ( وسنة الخلفاء الراشدين ، والصحابة أجمع رضي الله عنهم وعلى هذا الإجماع أئمة المسلمين من التابعين فمن بعدهم إلي يومنا هذا .
وما أصدق ما قاله عمر بن العزيز (1) في إحدى خطبه قال : (( يا أيها الناس إن الله لم يبعث بعد نبيكم نبيًا ، ولم يُنّّزِلْ بعد هذا الكتاب الذي أنزله عليه كتابًا ، فما أحل الله على لسان نبيه (، فهو حلال إلي يوم القيامة وما حرم على لسان نبيه ( فهو حرام إلي يوم القيامة ، ألا إني لست بقاض ولكني منفذ ، ولست بمبتدع ولكني متَبِعْ ، ولست بخير منكم ، غير أني أثقلكم حملاً ، ألا وأنه ليس لأحد من خلق الله أن يطاع في معصية الله ، ألا هل أَسْمَعْت )) (2)
__________
(1) هو : عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي ، أمير المؤمنين ، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ،
وليَ إمرة المدينة للوليد ، وكان مع سليمان كالوزير، ووُلِّيَ الخلافة بعده ، فعد من الخلفاء الراشدين ، مدة خلافته سنتان
ونصف ، توفي سنة101 هـ له ترجمة في : تقريب التهذيب 1 / 722 رقم 4956 ، وتذكرة الحفاظ 1/ 188 رقم 104
، ومشاهير علماء الأمصار صـ 209 رقم 1411 .
(2) أخرجه الدرامي في سننه المقدمة ، باب ما يتقي من تفسير حديث النبي ( وقول غيره عند قوله ( 1/126 رقم 433 .
(1/116)
وقال أيضاً رحمه الله تعالى : (( سن رسول الله ( ولاة الأمر من بعده سنناً ، الأخذ بها اتباع لكتاب الله عز وجل ، واستكمال لطاعة الله عز وجل ، وقوة على دين الله عز وجل ، ليس لأحد من الخلق تغيرها ولا تبديلها ولا النظر في شئ خالفها ، من اهتدي بها فهو المهتد ، ومن انتصر بها فهو منصور ، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه تعالى مما تولاه ، وأصلاه جنهم وساءت مصيراً )) .(1)
وقال الحافظ بن عبد البر (2):(( ليس لأحد من علماء الأمة يثبت حديثاً عن النبي ( ثم يرده دون إدعاء نسخ عليه بأثر مثله ، أو إجماع ، أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه ، أو طعن في سنده ، ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته ، فضلاً عن يتخذ إماماً ولزمه إثم الفسق )) (3)أهـ .
المبحث السادس : في بيان السنة لعقوبة المرتد الواردة في القرآن الكريم
ودفع الشبهات
تمهيد :
أ- التعريف بحد الردة : هو حد الجناية على دين الإسلام ، والخروج على جماعة المسلمين ، وهو
حد له نظائر في الشرائع السماوية جميعهاً ، والقوانين الوضعية تحمي نفسها .
__________
(1) ينظر : الشريعة للآجري صـ 48 ، 65 ، و جامع بيان العلم 2 / 186 - 187 .
(2) هو : يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي ، أبو عمر ، كان حافظ علماء الأندلس ، وكبير محدثيها في وقته ، وكان أولاً ظاهرياً ، ثم صار مالكياً ، فقيهاً حافظاً ، عالماَ بالقراءات ، كثير الميل إلي أقوال الشافعي ، من مصنفاته : التمهيد شرح الموطأ، والاستذكار مختصره ، والإستيعاب في معرفة الأصحاب ، وجامع بيان العلم وفضله ، وغير ذلك .
مات سنة 464هـ .له ترجمة في تذكرة الحفاظ 3 / 1128 رقم 337 ، وشجرة النور الزكية 1/119 رقم 337 .
(3) جامع بيان العلم وفضله 2/194 ، وينظر : مائة سؤال عن الإسلام للشيخ الغزالي 2/41 .
(1/117)
وكمثال : فإن في المسيحية ما يسمي ( حق الحرمان ) وهو عقوبة مشهورة ومطبقة ، بل كان الباباوات يطبقونها على الخارجين عن سلطان الكنيسة ، ولو كان من الأباطرة .
وفي القوانين الوضعية المعاصرة أي إنسان يعتدي على النظام العام للدولة في أي أمة من الأمم سواء كان نظامها شيوعياً أو رأسمالياً أو غير ذلك يتعرض للعقاب ، وقد يصل الأمر في ذلك إلي حد تهمة الخيانة العظمي ، التي تعاقب عليها معظم الدول بالإعدام !
فهل الدين أهون من مثل ذلك ؟ !
إن الإسلام في تقريره عقوبة الإعدام للمرتدين منطقي مع نفسه ، ومتلاق مع غيره من الشرائع السماوية السابقة ، وغيره من النظم القديمة والمعاصرة .
ب- حد الردة لا يناقض حرية الإعتقاد والفكر الواردة في القرآن الكريم .
إن حرية العقيدة في الإسلام مكفولة ومقدسة إلي الحد الذي لا يجوز العدوان عليها ، وهذا بصريح النصوص القرآنية التي تعلن أنه { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } .(1)
ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيداً لا يقبل التأويل في قوله عز وجل { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } .(2)
وجاء التأكيد الصريح في ترك مسألة الإعتقاد للحرية الكاملة في قوله عز وجل { قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. و لا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم وليَّ دين } (3).
هكذا بالإعلان الصريح أنتم أحرار في اختياركم وأنا حر في اختياري .
أفبعد هذا حرية ؟ !
وقد أكد رسول الله ( تلك الحرية عملياً عندما هاجر إلي المدينة المنورة ، ووضع أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود أنهم مع المسلمين يشكلون أمة واحد ة .(4)
__________
(1) الآية 256 البقرة .
(2) الآية 29 الكهف .
(3) سورة الكافرون كلها.
(4) قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله ( كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم ، وأقرهم على دينهم
وأموالهم ، واشترط عليهم وشرط لهم (( بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي ( بين المؤمنين والمسلمين من
قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم ، وجاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس ..... )) ينظر : السيرة النبوية لابن
هشام 2/126 نص رقم 538 .
(1/118)
ومن منطلق هذه الحرية الدينية التي يضمنها الإسلام ، كان إعطاء الخليفة الثاني عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان (( لأنفسهم وأموالهم وصلبانهم .. لا تهدم ، ولا ينتقص منها ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم . )) .(1)
ومع تقرير الإسلام الحرية المطلقة في اختيار العقيدة ، إلا أن تلك الحرية تقف عندما تبدأ حرية الغير وحقوقه .
فكل فرد حر في أن يعتقد ما يشاء ، وأن يتبني لنفسه من الأفكار ما يريد ، حتى ولو كان ما يعتقده أفكاراً إلحادية ، فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه ، ولا يؤذي بها أحد من الناس .
أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التي تتناقض مع معتقدات الدين الإسلام ، وتتعارض مع قيم الناس التي يدينون لها بالولاء ، فإنه بذلك يكون قد اعتدي على حقوق هذا الدين وحقوق معتنقيه .
ومعروف أن الإسلام عقيدة وشريعة ، دنيا وآخره ، وبتعبير عصرنا دين ودولة.
فقتل المرتد عن دين الإسلام حينئذ ليس لأنه ارتد فقط ؛ ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة ، وتعكير النظام العام في الدولة الإسلامية ! .
أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ، ويثير الشكوك في نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ما تخفي الصدور . (2)
ولن تخسر الأمة بارتداده شئ بل هو الذي سيخسر دنياه وآخرته قال تعالى : { ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . } .(3)
__________
(1) ينظر: نص عهد الأمان كاملاً في تاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري 3/609 ، وينظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير 2/500،501 .
(2) الإسلام في مواجهة حملات التشكيك للدكتور محمود حمدي زقزوق صـ 128 ، 130 بتصرف .
(3) الآية 217 البقرة .
(1/119)
إن الإسلام إذ يقرر حرية العقيدة على ما سبق ، لا يجبر أحد على الدخول فيه فإذا ارتضاه الإنسان بكامل إرادته وحريته واقتناعه ، فعليه أن يلتزمه لأن الأمر في الدين جد ، لا عبث فيه ، لأنه بدخوله الإسلام أصبح عضواً في جماعة المسلمين له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، وكأنه بهذا قد دخل مع جماعة المسلمين في عقد اجتماعي يقرر الإنتماء والولاء بكل ما لهما من حقوق وواجبات للفرد والأمة التي ينتمي إليها .... وبهذا العقد الاجتماعي يصبح الفرد وكأنه جزء من جسد الأمة على النحو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بقوله : (( مَثَلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد . إذا اشتكي منه عضو ، تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي . )) .(1)
فإذا عنَّ لأحدهم بعد ذلك أن يرتد ـ أعني أن يفارق الأمة التي كان عضواً فيها وجزءاً منها تمنحه ولائها وحمايتها ، ويسعي إلي تمزيق وحدتها ، إنه بهذا قد مارس ما يشبه ( الخيانة الوطنية ) في
المستوي السياسي .
وخيانة الوطن في السياسة جزائها الإعدام ، ولن تكون أقل منها خيانة الدين ! .(2)
ونتساءل بعد ذلك الإستعراض :
هل من حرية الفكر والإعتقاد أن يسلم رجل ليتزوج امرأة مسلمة ، فإذا نال مبتغاه منها وتحولت عاطفته عنها رجع إلي دينه الأول .... ؟
أو هل من حرية الفكر أن يتصل شخص بأعداء أمته ، وينقل إليهم أسرارها ، ويتآمر معهم على مستقبلها ؟
إنه لا بد من التفريق بين العبث بالدين أو خيانة الوطن وبين حرية الفكر ! فالمسافة شاسعة بين المعنيين !
__________
(1) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب البر والصلة ، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم 8/ 384 رقم 2586 ، والبخاري ( بشرح فتح الباري ) كتاب الأدب ، باب رحمة الناس والبهائم 10/452 رقم 6011 من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .
(2) القرآن والرسول ومقولات ظالمة للدكتور عبد الصبور مرزوق ص60- 62 بتصرف.
(1/120)
وقد ذكر رب العزة في كتابه العزيز كيف أراد اليهود استغلال هذه الحرية لضرب الإسلام، وصرف الناس عنه :
قال تعالى : { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنْزِلَ على الذين أمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون . } .(1)
فهل ترضي جماعة تحترم دينها بهذا العبث ! أو أن ينجح هذا التلاعب ؟ ! .
وعندما ننظر إلي السيرة النبوية العطرة ، وتاريخنا الإسلامي الطويل نجد أن قتلا المرتدين إلي أخر رمق ، تم دفاعاً عن الدين والدولة معاً ، وما سمعنا برجل قتل مرتداً لأنه ترك الصلاة مثلاً .
إن الإرتداد كما شرحنا خروج على دولة الإسلام بغية النيل منها ومنه ، والإتيان عليها وعليه ، ومقاتلة المرتدين ـ والحالة هذه ـ دين .(2)
ج- حد الردة لايناقض القرآن الكريم :
إذا كان حد الردة في دين الإسلام عقوبة للمرتد ، ليس لارتداده فقط ، وإنما لإثارته الفتنة في صفوف جماعة المسلمين ، وتشكيكهم في كتاب ربهم ، وسنة نبيهم ، بغية النيل من الإسلام وأهله.
فإننا نجد حينئذ حد المرتد صريحاً في القرآن الكريم ، والسيرة النبوية العطرة ، وإليك تفصيل ذلك من القرآن الكريم ، والسنة المطهرة :
أولاً : أدلة قتل المرتد من القرآن الكريم :
ففي القرآن الكريم يقول رب العزة : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتَّلوا . } .(3)
والمحاربة نوعان :
1 - محاربة باليد
2- و محاربة باللسان.
__________
(1) الآية 72 آل عمران .
(2) مائة سؤال عن الإسلام للشيخ محمد الغزالي 1/ 286 - 289 بتصرف .
(3) الآية 33 المائدة .
(1/121)
1- والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكي من المحاربة باليد ، ولذلك كان النبي ( يقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد ،(1)خصوصاً محاربة الرسول ( بعد موته ، فإنها تمكن باللسان ، وكذلك الإفساد قد يكون باليد ، وقد يكون باللسان ، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد ، كما أن ما يُصلحه اللسان من الأديان أضعاف ما تُصلحه اليد ، فثبت أن محاربة الله ورسوله باللسان أشد ، والسعي في الأرض لفساد الدين باللسان أوكد .
فهذا المرتد عن دين الإسلام المحارب لله ورسوله ،أولي باسم المحارب المفسد من قاطع الطريق .
ويؤكد أن المحارب لله ورسوله باللسان قد يفسر بالمحارب قاطع الطريق ، ما رواه أبو داود في سننه مفسراً لقوله ( : (( التارك لدينه المفارق للجماعة )) ( 2 ) .
(( لا يحل دم امرئ مسلم ، يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : رجل زني بعد إحصان فإنه يرجم ، ورجل خرج محارباً لله ورسوله ، فإنه يقتل أو يصلب ، أو ينفي من الأرض ، أو يقتل نفساً فيُقْتَل بها . )) .(3)
فهذا المستثني هو المذكور في قوله (( التارك لدينه المفارق للجماعة )) ولهذا وصفه بفراق الجماعة ، وإنما يكون هذا بالمحاربة .
__________
(1) ينظر : ما سيأتي من أدلة السيرة على قتل المرتدة صـ 116 .
(2) عن ابن مسعود مرفوعاً : ( لا يحل دم مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث ، الثيب الزاني ،
والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب القسامة ، باب ما يباح به دم
المسلم 6/179 رقم 1676 ، والبخاري ( بشرح فتح الباري ) كتاب الديات ، باب قوله تعالى : (( أن النفس بالنفس )) 12 12 /209 رقم 6878 .
(3) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود ، باب الحكم فيمن ارتد 4 / 126 رقم 4353 .
(1/122)
ويؤيد ذلك أن الحديثين تضمنَّا أنه لا يحل دم من يشهد : أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، والمرتد لم يدخل في هذا العموم ، فلا حاجة إلى استثنائه .
وعلى هذا فيكون ترك دينه عبارة عن خروجه عن موجب الدين ، ويفرق بين ترك الدين وتبديله.
أو يكون المراد به من ارتد وحارب كالعُرَنيين (1).
ويؤيد أن المرتد عن دين الإسلام المشكك ، والطاعن في كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله ( محارب لله ورسوله ، وتشمله الآية الكريمة.
ما روي عن أنس ، وابن عمر ، وابن عباس وغيرهم ، أن آية المحاربة نزلت في قوم من عرينة سرقوا ، وقتلوا ، وكفروا بعد إيمانهم ، وحاربوا الله ورسوله .
فعن ابن عمر أن ناساً أغاروا على إبل النبي ( فاستاقوها ، وارتدوا عن الإسلام ، وقتلوا راعي رسول الله ( مؤمناً ، فبعث في آثارهم ، فأخذوا ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسَمَلَ أعينهم، وقال : ونزلت فيهم آية المحاربة .(2)
والعلاقة بين العقوبة والجريمة في الردة والبغي : هي المعاملة بالقسطاس المستقيم فلما كان المرتد يعد خارجاً على النظام العام ، والباغي يبتغي تقويض نظام الحكم.
والنظام، واستقرار الحكم ، أمران ضروريان لا غني للبشر عنهما ، فهدمهما هدم للحياة ، والخيانة وعدم النظام ، لا تستقيم الحياة معهما.
__________
(1) الصارم المسلول على شاتم الرسول ( لابن تيميه صـ 319 ، 385 بتقديم وتأخير .
(2) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود ، باب ما جاء في المحاربة 4 / 131 رقم 4369 ، وينظر : الروايات الأخرى أرقام 4364- 4372 ففيها أيضاً التصريح بنزول آية المحاربة فيمن ارتدوا وحاربوا ، وأصل قصة العرنيين في الصحيحين. ينظر :البخاري ( بشرح فتح الباري ) كتاب الحدود ، باب المحاربين من أهل الكفر والردة 12 / 111-114 أرقام 6802 -6805 ، ومسلم ( بشرح النووي ) كتاب القسامة ، باب حكم المحاربين والمرتدين 6/167 رقم 1671 .
(1/123)
فكان جزاءاً وفاقًا أن شرع الإسلام للمرتد والباغي عقوبة القتل (1).
وهذا القتل الذي جعله رب العزة عقوبة وحداً للمرتد والباغي ، وصفه عز وجل بأنه خزي لهم في الدنيا ، ولهم في الآخر عذاب عظيم ، وهذا ما ختمت به آية المحاربة قال تعالى : { ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } .(2)
2- ويدل أيضاً على قتل المرتد قوله تعالى : { لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أينما ثقفوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تقتيلاً. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً }.(3)
قال الحسن البصري : أراد المنافقون أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق ، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه وأسرُّوه . (4)
وهذا يعني أن المنافق حين يظهر كفره ، ويطعن في دين الله عز وجل، يُأْخَذْ ويُقْتَلْ عقاباً له .
__________
(1) نظرة القرآن إلي الجريمة والعقاب صـ 252 .
(2)الآية 33 المائدة . قال الحافظ في فتح الباري 12/114 رقم 6805 ،أشكل ختام آية المحاربة مع حديث عباده الدال على أن من أقيم عليه الحد في الدنيا كان له كفارة ، فإن ظاهر الآية أن المحارب يجمع له الأمران ، والصحيح : أن حديث عباده مخصوص بالمسلمين بدليل أن فيه ذكر الشرك مع ما انضم إليه من المعاصي ، كما حصل الإجماع على أن الكافر إذا قُتِلَ على شركه فمات مشركاً أن ذلك القتل لا يكون كفارةً له ، وقام إجماع أهل السنة على أن من أُقيم عليه الحد من أهل المعاصي كان ذلك كفارة لإثم معصيته ، والذي يضبط ذلك قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) الآية 28 النساء. والله أعلم أ هـ.
(3) الآيات 60 - 62 الأحزاب.
(4) الصارم المسلول صـ 348 ، 349 ، و ينظر : الدر المنثور 5 /222 ، وروح المعاني للألوسي 22 / 90 ، 91 .
(1/124)
والسؤال هنا : هل هناك شك في أن المرتد عن دين الإسلام منافق ؟ يسعى إلي تفريق جماعة المسلمين ، وإفساد دينهم عليهم ؟ ! .
فالمرتد كما سبق وأن قلنا : إن كانت ردته بينه وبين نفسه ، دون أن ينشر ذلك بين الناس ، ويثير الشكوك في نفوسهم ، فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ما تُخفِي الصدور .
أما إذا أظهر المرتد عن دين الإسلام ردته ، وأثار الشكوك في نفوس المسلمين بالنطق بكلمة الكفر، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة .
كان حاله في هذه الحالة حال المنافق الذي يُظهر ما في قلبه من الكفر والنفاق ؛ وجهاده واجب عملاً بقوله تعالى :
3- { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جنهم وبئس المصير.
يحلفون ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله من فضله فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليِّ ولا نصير } (1)
ووجه الدليل في الآيتين : أن الله أمر رسوله ( بجهاد المنافقين ، كما أمره بجهاد الكافرين وأن جهادهم يمكن إذا ظهر منهم ؛ من القول أو الفعل ما يُوجب العقوبة ، فإنه ما لم يظهر منهم شئ البتة لم يكن لنا سبيل عليهم.
فإذا ظهر منهم كلمة الكفر كما قال الله عز وجل { وكفروا بعد إسلامهم } فجهادهم بالقتل وهو العذاب الأليم الذي توعدهم به عز وجل في الدنيا بقوله : { وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة } .
4- وهذه الآية نظير قوله تعالى { قل هل تربصُّون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا } .(2)
__________
(1) الآيتان 73 ، 74 التوبة.
(2) الآية 52 التوبة ، وهذه الآية نظير قوله تعالى ( سنعذبهم مرتين ثم يردُون إلي عذاب عظيم ) الآية 101 التوبة. والمراد بالمرة الأولي : في الدنيا بقتلهم ، والثانية : في البرزخ في قبورهم ، ينظر : تفسير القرآن العظيم 4/143،144 ، و فتح
الباري 3/286 رقم 1369 .
(1/125)
قال أهل التفسير ( أو بأيدينا ) بالقتل : إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلناكم ، وهو كما قالوا ؛ لأن العذاب على ما يبطنونه من النفاق بأيدينا لا يكون إلا القتل لكفرهم (1).
فهل بعد كل هذه الآيات الكريمات شك ، في أن المرتد إذا أظهر كلمة الكفر ، مثل المنافق ، جزاؤه القتل بصريح القرآن الكريم ؟ ! .
أما إذا كان المرتد ردته بينه وبين نفسه ، ولم يعلن بها ، فحكمه في هذه الحالة ، حكم المنافق المعلوم نفاقه بعلامات المنافقين ، غير أنه لم يعلن كلمة الكفر ، فيعامل بحسب الظاهر من إيمانه ، ويحصن به من القتل .
وهذا من حكم عدم قتل النبي بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم !
أن أجري عليهم أحكام الدنيا على حسب الظاهر من إيمانهم والله يتولى السرائر وهذا ما أكده النبي ( في مواقف عدة منها : ـ
قوله ( لأسامة بن زيد رضي الله عنه لما أخبر النبي ( أنه قتل من قال (( لا إله إلاَّ الله )) خوفاً من السيف ، فقال له النبي ( (( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا )) فما زال يكررها علىَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ . وفي رواية قال له رسول الله ( (( فكيف تصنع بلا إله إلاَّ الله ، إذا جاءت يوم القيامة ؟ قال يا رسول الله ! استغفر لي. قال : وكيف تفعل بلا إله إلاَّ الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ قال فجعل لا يزيده على أن يقول ، كيف تصنع بلا إله إلاَّ الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ .(2)
وقوله ( للذي ساره في قتل رجل من المنافقين : (( أليس يشهد أن لا إله إلا
__________
(1) الصارم المسلول على شتائم الرسول صـ 345 .
(2) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الإيمان ، باب تحريم الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله 1/376-37 378 أرقام 158 - 160 ، والبخاري ( بشرح فتح الباري ) كتاب المغازي ، باب بعث النبي ( اسامة بن زيد إلي
الحرقات من جهينة 7/590 رقم 4269 .
(1/126)
الله ؟ قال الأنصاري بلي يا رسول الله ؛ ولا شهادة له. قال رسول الله (
أليس يشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال بلي يا رسول الله ! قال : أليس يصلي ؟
قال بلي يارسول الله ؛ ولا صلاة له. فقال رسول الله ( (( أولئك الذين نهاني
الله عن قتلهم )) . (1)
وقوله ( لخالد بن الوليد رضي الله عنه (2)لما استأذن في قتل رجل أنكر قسمته ( فقال رسول الله ( : (( لا. لعله أن يكون يصلي )) قال خالد : كم من مصل
يقول بلسانه ماليس في قلبه ! فقال رسول الله ( إني لم أُومر أن أُنَّقب عن
قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) (3) والأحاديث في ذلك كثيرة .
فإعراض رسول الله ( عن قتل بعض المنافقين مع علمه بنفاقهم وقبول علانيتهم لوجهين :
الوجه الأول : أن عامتهم لم يكن ما يتكلمون به من الكفر مما يثبت عليهم بالبينة ، بل كانوا
يظهرون الإسلام ، ونفاقهم كان يعرف بعلامات منها، الكلمة يسمعها الرجل المؤمن
فينقلها إلي النبي ( فيحلفون بالله أنهم ما قالوا ؛ كما قال الله عز وجل: { يحلفون بالله
ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم } .(4)
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 5/432 ، 433 ، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/24 ، وأخرجه
الشافعي في مسنده صـ 510 رقم 1481 ، ومالك في الموطأ كتاب قصر الصلاة ، باب جامع الصلاة 1 / 256 رقم 84 .
(2) صحابي جليل له ترجمة في : الإصابة 1/ 413 رقم 2206 ، والإستيعاب 2/603 رقم 621 ، و اسد الغابة 2/140 رقم 1399 1399 وتاريخ الصحابة صـ 85 رقم 349 ، ومشاهير علماء الأمصار صـ 39 رقم 157 .
(3) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم 4/171 رقم 1064 ، البخاري ( بشرح فتح
الباري ) كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قوله تعالى : ( وإلي عادٍ أخاهم هوداً ) 6/433 رقم 3344 من حديث أبي سعيد
الخدريرضي الله عنه
(4) الآية 74 التوبة .
(1/127)
وقوله تعالى : { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون . اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون } .(1)
فدلت هذه الآيات أن المنافقين كانوا يُرضون المؤمنين بالأيمان الكاذبة ، وينكروا أنهم كفروا ، ويحلفون أنهم لم يتكلموا بكلمة الكفر . وذلك دليل علي أنهم يُقتلون إذا ثبت عليهم ذلك بالبينة .
وكذلك المرتد إذا أظهر ردته ، ونطق بكلمة الكفر ، وثبتت عليه البينة ؛ قُتِلْ .
الوجه الثاني : أنه ( كان يخاف أن يتولد من قتلهم من الفساد أكثر من استبقائهم ، وقد بين
ذلك رسول الله ( حين استأذنه عمر (2) في قتل رجل من المنافقين أنكر قسمته ( فقال : صلى الله عليه وسلم معاذ الله ! أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي .(3)
فإنه لو قتلهم بما يعلمه من كفرهم لأوشك أن يظن الظانَّ أنه إنما قتلهم لأغراض وأحقاد (4)
وبالجملة كان ترك قتلهم مع كونهم كفاراً ، لعدم ظهور الكفر منهم بحجة شرعية ، فإذا ظهر استحقوا القتل بصريح القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والسيرة العطرة التي ورد فيها إهدار دماء بعضهم .
__________
(1) الآيتان 1 ، 2 المنافقون .
(2) وهذا لا ينافي ما ورد في الرواية السابقة من استئذان خالد بن الوليد ، لاحتمال أن يكون كل منهما استأذن في ذلك . ينظر :
فتح الباري 9/715 رم 3610 ، ونيل الأوطار 1 / 289 .
(3) أخرجه مسلم ( بشرح النووي ) كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج 4 / 170 رقم 1064 من رواية جابرعبد الله رضي الله عنه .
(4) ينظر : الصارم المسلول صـ 355 - 358 بتصرف ، وفتح الباري 12/285،294رقمي 6923 ، 6962 .
(1/128)
وفيما سبق ردُ على من استدل بمواقف النبي ( من بعض المنافقين ، وأهل الكتاب بعدم قتلهم على نفي حد الردة .(1)
ثانياً : أدلة قتل المرتد من السيرة العطرة :
في صحيح السنة النبوية ، والسيرة العطرة نجد التطبيق القولي والعملي من النبي ( للآيات الكريمات السابقة المجاهدة لكل من يرتد ويظهر كلمة الكفر ، ويفسد على المسلمين دينهم ، ويؤذيهم في ربهم عز وجل ، ونبيهم ( بإهدار دمه ، يدل على ذلك ما يلي : ـ
1- ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهم قال : كان عبد الله بن أبي سرح (2) يكتب لرسول الله ( فأزله الشيطان ، فلحق بالكفار ، فامر به رسول الله ( أن يقتل يوم الفتح ؛ فاستجار له عثمان بن عفان ، فأجاره الرسول .(3)
__________
(1) ينظر : حد الردة لأحمد صبحي منصور صـ 40 - 50 ، ومشروع التعليم والتسامح لأحمد صبحي وغيره صـ 203 - 213 213،289 ونحو فقه جديد 2 / 254 ، 3 / 21 ، وإعادة تقييم الحديث لقاسم أحمد صـ 126 والحكم بالقرآن وقضية تطبيق حد الردة صـ 134 ، والإسلام وحرية الفكر صـ 188 جميعهم لجمال البنا ، وغيرهم.
(2) حسن اسلامه يوم الفتح ، ولم يظهر منه شئ ينكر عليه ، وفتح علي يديه افريقيه ، ومات بالرملة وهو في الصلاة ، فاراَ من الفتنة. سنة 59هـ. له ترجمة في : اسد الغابة 3 /260رقم 2976 ، والإستيعاب 3 /918رقم 1553 ، ومشاهير علماء الأنصار ص68ررقم 358 .
(3) 2 أخرجه أبو داود في سننه كتاب الحدود ، باب الحكم فيمن ارتد 4/128 رقم 4358 ، والحاكم في المستدرك 3/47 رقم 4358 وصححه على شرط البخاري ، ووافقه الذهبي.
(1/129)
وفي رواية عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن أبي سرح عند عثمان بن عفان ، فجاء به حتى أوقفه على النبي ( ، فقال : يارسول الله بايع عبد الله ؛ فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً ، كل ذلك يا أبي ، فبايعه بعد ثلاث ، ثم اقبل على أصحابه فقال : (( أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلي هذا ، حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ؟ فقالوا : ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ؛ ألا أومأت إلينا بعينيك ؟ قال : (( إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ))(1)
وكان عبد الله بن سعد ، أحد الرجال الذين أهدر النبي ( دمائهم يوم فتح مكة ، وقال : ((اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة )) .(2)
2- وعن معاذ بن جبل أن رسول الله ( حين أرسله إلي اليمن قال له : (( أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه ، فإن تاب فاقبل منه ، وإن لم يتب فاضرب عنقه ، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام ، فادعها ، فإن تابت فاقبل منها وإن لم تتب فاضرب عنقها )) (3)
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه ( كتاب الحدود ) باب الحكم فيمن ارتد 4 / 128 رقم 4359 ، وفي كتاب الجهاد ، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام 3/59 رقم 2683 ، وصحح إسناده ابن تيمية في الصارم المسلول صـ 109 ، وأخرجه النسائي في سننه كتاب تحريم الدم ، باب الحكم في المرتد 7 / 105 رقم 4067 ، والبيهقى في سننه كتاب الجزية ، باب الحربي إذا لجأ إلي الحرم ، وكذلك من وجب عليه الحد 9 / 212 ، والحاكم في المستدرك 3/ 47 رقم 4360 وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي .
(2) أخرجه النسائي ، ينظر : تخريج الحديث السابق ، والسيرة النبوية لابن هشام 4 /29 أرقام 1676 - 1678 ، وتلخيص
الحبير 4/303رقم 1899 ، وينظر : الأسباب التي اقتضت عصمة دماء بعض الذين أهدر رسول الله ( في الصارم المسلول ص153 .
(3)أخرجه الطبراني وفيه راو لم يسم ، قال مكحول عن بن لأبي طلحه البعمري ، وبقية رجالة ثقات ، كذا قال الهيثمي في
مجمع الزوائد 6/263 ، وحسن إسناده الحافظ في فتح الباري 12 / 284 رقم 6922 .
(1/130)
3- وقد طبق معاذ حد الردة لما قدم على أبي موسى الأشعري باليمن وخاطبه قائلاً (( انزل . وألقي له وسادة ، وإذا رجل عنده موثق . قال ما هذا ؟ قال : هذا كان يهودياً فأسلم . ثم راجع دينه ، دين السوء ، فتهود . قال : لا أجلس حتى يقتل . قضاء الله ورسوله . فقال : اجلس نعم قال : لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله . ثلاث مرات . فأمر به فقتل . ثم تذاكرا القيام من الليل . فقال أحدهما ، معاذٌ : أما أنا فأنام وأقوم ، وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي )) (1) ...
وغير ذلك من الروايات التي جاء فيها إهدار النبي ( دم من كان يؤذيه بالسب فعن عليّ رضي الله عنه أن يهودية كانت تشتم النبي ( وتقع فيه ، فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل الرسول ( دمها )) (2)
__________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق