الأربعاء، 27 يوليو 2022

مجلد5. زاد المسير في علم التفسير المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

 

5.  مجلد5. زاد المسير في علم التفسير
المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

احدها انه من الأمر وفي الكلام اضمار تقديره امرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا هذا مذهب سعيد بن جبير قال الزجاج ومثله في الكلام امرتك فعصيتني فقد علم ان المعصية مخالفة الأمر
والثاني كثرنا يقال أمرت الشيء وآمرته أي كثرته ومنه قولهم مهرة مأمورة أي كثيرة النتاج يقال أمر بنو فلان يأمرون أمرا اذا كثروا هذا قول ابي عبيدة وابن قتيبة
والثالث ان معنى امرنا امرنا يقال امرت الرجل بمعنى امرته والمعنى سلطنا مترفيها بالإمارة ذكره ابن الانباري وروى خارجة عن نافع أمرنا ممدودة مثل آمنا وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير وهي قراءة ابن عباس وابي الدرداء وابي رزين والحسن والضحاك ويعقوب قال ابن قتيبة وهي اللغة العالية المشهورة ومعناه كثرنا ايضا وروى ابن مجاهد ان أبا عمرو قرأ امرنا مشددة الميم وهي رواية أبان عن عاصم وهي قراءة ابي العالية والنخعي والجحدري قال ابن قتيبة المعنى جعلناهم أمراء وقرأ ابو المتوكل وأبو الجوزاء وابن يعمر أمرنا بفتح الهمزة مكسورة الميم مخففة فأما المترفون فهم المتنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش والمفسرون يقولون هم الجبارون والمسلطون والملوك وانما خص المترفين بالذكر لأنهم الرؤساء ومن عداهم تبع لهم
قوله تعالى ففسقوا فيها أي تمردوا في كفرهم لأن الفسق في الكفر الخروج الى افحشه وقد شرحنا معنى الفسق في البقرة
قوله تعالى فحق عليها القول قال مقاتل وجب عليها العذاب وقد ذكرنا معنى التدمير في الاعراف 137

قوله تعالى وكم اهلكنا من القرون وهو جمع قرن وقد ذكرنا اختلاف الناس فيه في الانعام 6 وشرحنا معنى الخبير والبصير في البقرة قال مقاتل وهذه الاية تخويف لأهل مكة
من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلها مذموما مدحورا ومن أراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا
قوله تعالى من كان يريد العاجلة يعني من كان يريد بعمله الدنيا فعبر بالنعت عن الاسم عجلنا له فيها ما نشاء من عرض الدنيا وقيل من البسط والتقتير لمن نريد فيه قولان
أحدهما لمن نريد هلكته قاله ابو اسحاق الفزاري
والثاني لمن نريد ان نعجل له شيئا وفي هذا ذم لمن اراد بعمله الدنيا وبيان انه لا ينال مع ما يقصده منها الا ما قدر له ثم يدخل النار في الاخرة وقال ابن جرير هذه الاية لمن لا يوقن بالمعاد وقد ذكرنا معنى جنهم في البقرة 206 ومعنى يصلاها في سورة النساء 10 ومعنى مذموما مدحورا في الاعراف 18
قوله تعالى ومن اراد الاخرة يعني الجنة وسعى لها سعيها أي عمل لها العمل الذي يصلح لها وانما قال وهو مؤمن لأن الايمان شرط في صحة الاعمال فأولئك كان سعيهم مشكورا أي مقبولا وشكر الله عز و جل لهم ثوابه إياهم وثناؤه عليهم
كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة

اكبر درجات واكبر تفضيلا لا تجعل مع الله الها آخر فتقعد مذموما مخذولا
قوله تعالى كلا نمد هؤلاء قال الزجاج كلا منصوب ب نمد هؤلاء بدل من كل والمعنى نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك قال المفسرون كلا نعطي من الدنيا البر والفاجر والعطاء هاهنا الرزق والمحظور الممنوع والمعنى ان الرزق يعم المؤمن والكافر والآخرة للمتقين خاصة أنظر يا محمد كيف فضلنا بعضهم على بعض وفيما وفضلوا فيه قولان
أحدهما الرزق منهم مقل ومنهم مكثر
والثاني الرزق والعمل فمنهم موفق لعمل صالح ومنهم ممنوع من ذلك
قوله تعالى لا تجعل مع الله الها اخر الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمعنى عام لجميع المكلفين والمخذول الذي لا ناصر له والخذلان ترك العون قال مقاتل نزلت حين دعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم الى ملة آبائه
وقضى ربك الا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم اعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فانه كان للأوابين غفورا
قوله تعالى وقضى ربك روى ابن ابي طلحة عن ابن عباس قال امر ربك ونقل عنه الضحاك انه قال انما هي ووصى ربك فالتصقت احدى

الواوين ب الصاد وكذلك قرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل وسعيد ابن جبير ووصى وهذا علىخلاف ما انعقد عليه الاجماع فلا يلتفت اليه وقرأ ابو عمران وعاصم الجحدري ومعاذ القارئ وقضاء ربك بقاف وضاد بالمد والهمز والرفع وخفض اسم الرب قال ابن الانباري هذا القضاء من باب الحتم والوجوب لكنه من باب الامر والفرض وأصل القضاء في اللغة قطع الشيء باحكام واتقان قال الشاعر يرثي عمر ... قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في اكمامها لم تفتق ...
اراد قطعتها محكما لها
قوله تعالى وبالوالدين احسانا أي وأمر بالوالدين إحسانا وهوالبر والإكرام وقد ذكرنا هذا في البقرة 83
قوله تعالى إما يبلغن قرا ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يبلغن على التوحيد وقرأ حمزة والكسائي وخلف يبلغان

على التثنية قال الفراء جعلت يبلغن فعلا لأحدهما وكرت عليهما كلاهما ومن قرا يبلغان فانه ثنى لأن الوالدين قد ذكرا قبل هذا فصار الفعل على عددهما ثم قال أحدهما أو كلاهما على الاستئناف كقوله فعموا وصموا المائدة 71 ثم استأنف فقال كثير منهم
قوله تعالى فلا تقل لهما اف قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم أف بالكسر من غير تنوين وقرا ابن كثير وابن عامر ويعقوب والمفضل اف بالفتح من غير تنوين وقرأ نافع وحفص عن عاصم أن بالكسر والتنوين وقرأ أبو الجوزاء وابن يعمر أف بالرفع والتنوين وتشديد الفاء وقرأ معاذ القارئ وعاصم الجحدري وحميد بن قيس أفا مثل تعسا وقرأ ابو عمران الجوني وأبو السماك العدوي أف بالرفع من غير تنوين مع تشديد الفاء وهي رواية الاصمعي عن ابي عمرو وقرأ عكرمة وابو المتوكل وابو رجاء وابو الجوزاء اف باسكان الفاء وتخفيفها قال الاخفش وهذا لأن بعض العرب يقول اف لك على الحكاية والرفع قبيح لأنه لم يجيء بعده لام وقرأ ابو العالية وابو حصين الاسدي افي بتشديد الفاء وياء وروى ابن الانباري ان بعضهم قرأها إف بكسر الهمزة وقال الزجاج فيها سبع لغات الكسر بلا تنوين وبتنوين والضم بلا تنوين وبتنوين والفتح بلا تنوين وبتنوين واللغة السابعة لا تجوز في القراءة أفي بالياء هكذا قال الزجاج وقال ابن الانباري في أف عشرة أوجه أف لك بفتح الفاء وأف بكسرها وأف وأفا لك بالنصب والتنوين على مذهب الدعاء

كما تقول ويلا للكافرين و أف لك بالرفع والتنوين وهو رفع باللام كقوله تعالى ويل للمطففين المطففون1 وأفه لك بالخفض والتنوين تشبيها بالأصوات كقولك صه ومه وأفهأ لك على مذهب الدعاء ايضا وأفي لك على الإضافة الى النفس وأف لك بسكون الفاء تشبيها بالأدوات مثل كم وهل وبل وإف لك بكسر الألف وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال وتقول أف منه وأف وأف وأف وأفا وأف و أفي مضاف وأفها وأفا بالألف ولا تقل أفي بالياء فانه خطأ
فأما معنى أف ففيه خمسة اقوال
أحدها انه وسخ الظفر قاله الخليل والثاني وسخ الأذن قاله الاصمعي والثالث قلامة الظفر قاله ثعلب والرابع ان الأف الاحتقار والاستصغار من الأفف والأفف عند العرب القلة ذكره ابن الأنباري والخامس ان الأف ما رفعته من الأرض من عود او قصبة حكاه ابن فارس اللغوي وقرأت على شيخنا أبي منصور قال معنى الأف النتن والتضجر وأصلها نفخك الشيء يسقط عليك من تراب ورماد وللمكان تريد اماطة الأذى عنه فقيلت لكل مستثقل قال المصنف واما قولهم تف فقد جعلها قوم بمعنى أف فروي عن أبي عبيد أنه قال اصل الأف والتف الوسخ على الأصابع إذا فتلته وحكى ابن الأنباري فرقا قال اللغويون أصل الأف في اللغة وسخ الأذن والتف وسخ الأظفار فاستعملتهما العرب فيما يكره ويستقذر ويضجر فيهه وحكى الزجاج فرقا آخر فقال قد

قيل إن أف وسخ الأظفار والتف الشيء الحقير نحو وسخ الأذن او الشظية تؤخذ من الارض ومعنى أف النتن ومعنى الآية لا تقل لهما كلاما تتبرم فيه بهما اذا كبرا وأسنا فينبغي ان تتولى من خدمتهما مثل الذي توليا من القيام بشأنك وخدمتك ولا تنهرهما أي لا تكلمهما ضجرا صائحا في وجوههما وقال عطاء بن ابي رباح لا تنقضي يدك عليهما يقال نهرته انهره نهرا وانتهرته انتهارا بمعنى واحد وقال ابن فارس نهرت الرجل وانتهرته مثل زجرته قال المفسرون وانما نهى عن اذاهما في الكبر وإن كان منهيا عنه على كل حالة لأن حالة الكبر يظهر فيها منهما ما يضجر ويؤذي وتكثر خدمتهما
قوله تعالى وقل لهما قولا كريما أي لينا لطيفا أحسن ما تجد وقال سعيد بن المسيب قول العبد المذنب للسيد الفظ
قوله تعالى واخفض لهما جناح الذل من الرحمة أي ألن لهما جانبك متذللا لهما من رحمتك إياهما وخفض الجناح قد شرحناه في الحجر 88 قال عطاء جناحك يداك فلا ترفعهما على والديك والجمهور يضمون الذال من الذل وقرا ابو رزين والحسن وسعيد بن جبير وقتادة وعاصم الجحدري وابن ابي عبلة بكسر الذال قال الفراء الذل ان تتذلل لهما من الذل والذل أن تتذلل ولست بذليل في الخدمة والذل والذلة مصدر الذليل والذل بالكسر مصدر الذلول مثل الدابة والأرض قال ابن الانباري من قرأ الذل بكسر الذال جعله بمعنى الذل بضم الذال والذي عليه كبراء اهل اللغة ان الذل من الرجل الذليل والذل من الدابة الذلول
قوله تعالى وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا أي مثل رحمتهما إياي في

صغري حتى ربياني وقد ذهب قوم الى ان هذا الدعاء المطلق نسخ منه الدعاء لأهل الشرك بقوله ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين التوبة 113 وهذا المعنى منقول عن ابن عباس والحسن وعكرمة ومقاتل قال المصنف ولا أرى هذا نسخا عند الفقهاء لأنه عام دخله التخصيص وقد ذكر قريبا مما قلته ابن جرير
قوله تعالى ربكم اعلم بما في نفوسكم أي بما تضمرون من البر والعقوق فمن بدرت منه بادرة وهو لا يضمر العقوق غفر له ذلك وهو قوله ان تكونوا صالحين أي طائعين لله وقيل بارين وقيل توابين فانه كان للأوابين غفورا في الأواب عشرة أقوال
أحدها انه المسلم رواه الضحاك عن ابن عباس
والثاني انه التواب رواه ابو صالح عن ابن عباس وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وابو عبيدة وقال ابن قتيبة هو التائب مرة بعد مرة وقال الزجاج هو التواب المقلع عن جميع ما نهاه الله عنه يقال قد آب يؤوب أوبا اذا رجع
والثالث انه المسبح رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والرابع انه المطيع لله تعالى رواه علي بن ابي طلحة عن ابن عباس
والخامس انه الذي يذكر ذنبه في الخلاء فيستغفر الله منه قاله عبيد بن عمير
والسادس انه المقبل الى الله تعالى بقلبه وعمله قاله الحسن
والسابع المصلي قاله قتادة
والثامن هو الذي يصلي بين المغرب والعشاء قاله ابن المنكدر

والتاسع الذي يصلي صلاة الضحى قاله عون العقيلي
والعاشر انه الذي يذنب سرا ويتوب سرا قاله السدي
وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان ربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا
قوله تعالى وآت ذا القربى حقه فيه قولان
احدهما انه قرابة الرجل من قبل ابيه وامه قاله ابن عباس والحسن فعلى هذا في حقهم ثلاثة أقوال احدها ان المراد به برهم وصلتهم والثاني النفقة الواجبة لهم وقت الحاجة والثالث الوصية لهم عند الوفاة
والثاني انهم قرابة الرسول قال علي بن الحسين عليهما السلام والسدي فعلى هذا يكون حقهم إعطاؤهم من الخمس ويكون الخطاب للولاة
قوله تعالى والمسكين وابن السبيل قال القاضي ابو يعلى يجوز ان يكون المراد الصدقات الواجبة يعني الزكاة ويجوز ان يكون الحق الذي يلزمه اعطاؤه عند الضرور اليه وقيل حق المسكين من الصدقة وابن السبيل من الضيافة
قوله تعالى ولا تبذر تبذيرا في التبذير قولان
أحدهما انه انفاق المال في غير حق قاله ابن مسعود وابن

عباس وقال مجاهد لو انفق الرجل ماله كله في حق ما كان مبذرا ولو انفق مدا في غير حق كان مبذرا قال الزجاج التبذير النفقة في غير طاعة الله وكانت الجاهلية تنحر الابل وتبذر الاموال تطلب بذلك الفخر والسمعة فأمر الله عز و جل بالنفقة في وجهها فيما يقرب منه
والثاني انه الإسراف المتلف للمال ذكره الماوردي وقال ابو عبيدة المبذر هو المسرف المفسد العائث
قوله تعالى ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين لأنهم يوافقونهم فيما يدعونهم اليه ويشاكلونهم في معصية الله وكان الشيطان لربه كفورا أي جاحدا لنعمه وهذا يتضمن أن المسرف كفور للنعم
قوله تعالى واما تعرضن عنهم في المشار اليهم اربعة اقوال
احدها انهم الذين تقدم ذكرهم من الاقارب والمساكين وابناء السبيل قاله الاكثرون فعلى هذا في علة هذا الاعراض قولان احدهما الاعسار قاله الجمهور والثاني خوف انفاقهم ذلك في معصية الله قاله ابن زيد وعلى هذا في الرحمة قولان احدهما الرزق قاله الاكثرون والثاني انه الصلاح والتوبة هذا على قول ابن زيد
والثاني انهم المشركون فالمعنى واما تعرضن عنهم لتكذيبهم قاله سعيد بن جبير فتحتمل اذا الرحمة وجهين احدهما انتظار النصر عليهم والثاني الهداية لهم
والثالث انهم ناس من مزينة جاؤوا يستحملون رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا اجد ما أحملكم عليه فبكوا فنزلت هذه الاية قاله عطاء الخراساني

والرابع انها نزلت في خباب وبلال وعمار ومهجع ونحوهم من الفقراء كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يجد ما يعطيهم فيعرض عنهم ويسكت قاله مقاتل فعلى هذا القول والذي قبله تكون الرحمة بمعنى الرزق
قوله تعالى فقل لهم قولا ميسورا قال ابو عبيدة لينا هينا وهو من اليسر وللمفسرين فيه ثلاثة أقوال
احدها انه العدة الحسنة قاله ابن عباس والحسن ومجاهد
والثاني انه القول الجميل مثل ان يقول رزقنا الله واياك قاله ابن زيد وهذا على ما تقدم من قوله
والثالث انه المداراة لهم باللسان على قول من قال هم المشركون قاله ابو سليمان الدمشقي وعلى هذا القول تحتمل الآية النسخ
ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر انه كان بعباده خبيرا بصيرا ولا تقتلو اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطأ كبيرا
قوله تعالى ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك سبب نزولها ان غلاما جاء الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ان امي تسألك كذا وكذا قال ما عندنا اليوم شيء قال فتقول لك اكسني قميصك قال فخلع قميصه فدفعه اليه وجلس في البيت حاسرا فنزلت هذه الاية قاله ابن مسعود وروى جابر

ابن عبد الله نحو هذا فزاد فيه فأذن بلال للصلاة وانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب الصحابة فدخل عليه بعضهم فرأوه عريانا فنزلت هذه الاية والمعنى لا تمسك يدك عن البذل كل الامساك حتى كأنها مقبوضة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط في الاعطاء والنفقة فتقعد ملوما تولم تلوم نفسك ويلومك الناس محسورا قال ابن قتيبة تحسرك العطية وتقطعك كما يحسر السفر البعير فيبقى منقطعا به قال الزجاج المحسور الذي قد بلغ الغاية في التعب والإعياء فالمعنى فتقعد وقد بلغت في الحمل على نفسك وحالك حتى صرت بمنزلة من قد حسر قال القاضي ابو يعلى وهذا الخطاب اريد به غير رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه لم يكن يدخر شيئا لغد وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه وقد كان كثير من فضلاء الصحابة ينفقون جميع ما يملكون فلم ينههم الله لصحة يقينهم وانما نهى من خيف عليه التحسر على ما خرج من يده فأما من وثق بوعد الله تعالى فهو غير مراد بالاية
قوله تعالى ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يوسع على من يشاء ويضيق انه كان بعباده خبيرا بصيرا حيث أجرى أرزاقهم على ما علم فيه صلاحهم
قوله تعالى ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق قد فسرناه في الانعام 151
قوله تعالى كان خطءا كبيرا قرأ نافع وابو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي خطءا مكسورة الخاء ساكنة الطاء مهموزة مقصورة وقرأ ابن كثير وعطاء خطاء مكسورة الخاء ممدودة مهموزة وقرأ ابن عامر خطأ بنصب الخاء والطاء وبالهمز من غير مد وقرأ ابو رزين كذلك إلا

أنه مد وقرأ الحسن وقتادة خطءا بفتح الخاء وسكون الطاء مهموز مقصور وقرأ الزهري وحميد بن قيس خطا بكسر الخاء وتنوين الطاء من غير همز ولا مد قال الفراء الخطء الإثم وقد يكون في معنى خطأ كما قالوا قتب وقتب وحذر وحذر ونجس ونجس والخط والخطاء والخطاء ممدود لغات وقال أبو عبيده خطئت وأخطأت لغتان وقال ابو علي قراءة ابن كثير خطاء يجوز أن تكون مصدر خاطأ وان لم يسمع خاطأ ولكن قد جاء ما يدل عليه انشد ابو عبيدة
الخطء والخطء والخطاء
وقال الاخفش خطئ يخطأ بمعنى أذنب وليس بمعنى أخطأ لأن اخطأ فيما لم يصنعه عمدا تقول فيما اتيته عمدا خطئت وفيما لم تتعمده أخطأت وقال ابن الانباري الخطء الإثم يقال قد خطئ يخطأ إذا أثم وأخطأ يخطئ إذا فارق الصواب وقد شرحنا هذا في يوسف 91 عند قوله وان كنا لخاطئين
ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا
قوله تعالى ولا تقربوا الزنا وقرأ ابو رزين وابو الجوزاء والحسن بالمد قال ابو عبيدة وقد يمد الزنا في كلام اهل نجد قال الفرزدق ... ابا حاضر من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا

وقال ايضا ... أخضبت فعلك للزناء ولم تكن ... يوم اللقاء لتخضب الأبطالا ...
وقال اخر ... كانت فريضة ما نقول كما ... كان الزناء فريضة الرجم ...
قوله تعالى ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قد ذكرناه في الانعام 151
قوله تعالى فقد جعلنا قال الزجاج الأجود إدغام الدال مع الجيم والإظهار جيد بالغ إلا أن الجيم من وسط اللسان والدال من طرف اللسان والإدغام جائز لأن حروف وسط اللسان تقرب من حروف طرف اللسان ووليه الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه فان لم يكن له ولي فالسلطان وليه
وللمفسرين في السلطان قولان
احدهما انه الحجة قاله ابن عباس والثاني انه الوالي والمعنى فقد جعلنا لوليه سلطانا ينصره وينصفه في حقه قاله ابن زيد
قوله تعالى فلا يسرف في القتل قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وعاصم فلا يسرف بالياء وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء
وفي المشار اليه في الاية قولان

احدهما انه ولي المقتول وفي المراد باسرافه خمسة اقوال احدها ان يقتل غير القاتل قاله بن عباس والحسن والثاني أن يقتل اثنين بواحد قاله سعيد بن بن جبير والثالث ان يقتل اشرف من الذي قتل قاله ابن زيد والرابع ان يمثل قاله قتادة والخامس ان يتولى هو قتل القاتل دون السلطان ذكره الزجاج
والثاني ان الإشارة الى القاتل الأول والمعنى فلا يسرف القاتل بالقتل تعديا وظلما قاله مجاهد
قوله تعالى انه كان منصورا أي معانا عليه
وفي هاء الكناية اربعة اقوال
احدها انها ترجع إلى الولي فالمعنى انه كان منصورا بتمكينه من القود قال قتادة والجمهور
والثاني انها ترجع الى المقتول فالمعنى انه كان منصورا بقتل قاتله قاله مجاهد
والثالث انها ترجع الى الدم فالمعنى ان دم المقتول كان منصورا أي مطلوبا به
والرابع انها ترجع الى القتل ذكر القولين الفراء
ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن

تأويلا ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا
قوله تعالى ولا تقربوا ما ل اليتيم قد شرحناه في الانعام 152
قوله تعالى وأوفوا بالعهد وهو عام فيما بين العبد وبين ربه وفيما بينه وبين الناس قال الزجاج كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد
قوله تعالى كان مسؤولا قال ابن قتيبة أي مسؤولا عنه
قوله تعالى وأوفوا الكيل اذا كلتم أي أتموه ولا تبخسوا منه
قوله تعالى وزنوا بالقسطاس فيه خمس لغات أحدها قسطاس بضم القاف وسينين وهذه قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وأبن عامر وأبي بكر عن عاصم هاهنا وفي الشعراء 182 والثانية كذلك إلا أن القاف مكسورة وهذه قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم قال الفراء هما لغتان والثالثة قصطاص بصادين والرابعة قصطاس بصاد قبل الطاء وسين بعدها وهاتان مرويتان عن حمزة والخامسة قسطان بالنون قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد قال القسطاس الميزان رومي معرب ويقال قسطاس و قسطاس
قوله تعالى ذلك خير أي ذلك الوفاء خير عند الله وأقرب اليه وأحسن تأويلا أي عاقبة في الجزاء
قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم قال الفراء أصل تقف من القيافة وهي تتبع الأثر وفيه لغتان قفا يقفو وقاف يقوف واكثر القراء يجعلونها من قفوت فيحرك الفاء الى الواو ويجزم القاف كما تقول لا تدع وقرأ معاذ القارىء لا تقف مثل تقل والعرب

تقول قفت أثره وقفوت ومثله عاث وعثا وقاع الجمل الناقة وقعاها اذا ركبها قال الزجاج من قرأ باسكان الفاء وضم القاف من قاف يقوف فكأنه مقلوب من قفا يقفو والمعنى واحد تقول قفوت الشيء أقفوه قفوا إذا تبعت أثره وقال ابن قتيبة لا تقف أي لا تتبعه الظنون والحدس وهو من القفاء مأخوذ كأنك تقفوا الأمور أي تكون في أقفائها وأواخرها تتعقبها والقائف الذي يعرف الآثار ويتبعها فكأنه مقلوب عن القافي
وللمفسرين في المراد به أربعة أقوال
أحدها لا ترم أحدا بما ليس لك به علم رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني لا تقل رأيت ولم تر ولا سمعت ولم تسمع رواه عثمان بن عطاء عن ابيه ابن عباس وبه قال قتادة
والثالث لا تشرك بالله شيئا رواه عطاء أيضا عن ابن عباس
والرابع لا تشهد بالزور قاله محمد بن الحنفية
قوله تعالى ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك قال الزجاج إنما قال كل ثم قال كان لأن كلا في لفظ الواحد وإنما قال أولئك لغير الناس لأن كل جمع أشرت اليه من الناس وغيرهم من الموات تشير اليه بلفظ أولئك قال جرير ... ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام ...
قال المفسرون الإشارة الى الجوارح المذكورة يسأل العبد يوم القيامة فيما اذا

استعملها وفي هذا زجر عن النظر الى ما لا يحل والاستماع الى ما يحرم والعزم على مالا يجوز
ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله الها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا
قوله تعالى ولا تمش في الأرض مرحا وقرأ الضحاك وابن يعمر مرحا بكسر الراء قال الأخفش والكسر أجود لأن مرحا اسم الفاعل قال الزجاج وكلاهما في الجودة سواء غير أن المصدر أوكد في الاستعمال تقول جاء زيد ركضا وجاء زيد راكضا ف ركضا أوكد في الاستعمال لأنه يدل على توكيد الفعل وتأويل الاية لا تمش في الأرض مختالا فخورا والمرح الأشر والبطر وقال ابن فارس المرح شدة الفرح
قوله تعالى إنك لن تخرق الأرض فيه قولان
أحدهما لن تقطعها إلى آخرها والثاني لن تنفذها وتنقبها قال ابن عباس لن تخرق الأرض بكبرك ولن تبلغ الجبال طولا بعظمتك قال ابن قتيبة والمعنى لا ينبغي للعاجز ان يبذخ ويستكبر
قوله تعالى كل ذلك كان سيئه قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو سيئه منونا غير مضاف على معنى كان خطيئة فعلى هذا يكون قوله كل ذلك إشارة الى المنهي عنه من المذكور فقط وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي سيئه مضافا مذكرا فتكون لفظة كل يشار بها الى سائر ما تقدم ذكره وكان ابو عمرو لا يرى هذه القراءة قال الزجاج

وهذا غلط من أبي عمرو لأن في هذه الأقاصيص سيئا وحسنا وذلك أن فيها الامر ببر الوالدين وإيتاء ذي القربى والوفاء بالعهد ونحو ذلك فهذه القراءة أحسن من قراءة من نصب السيئة وكذلك قال أبو عبيدة تدبرت الآيات من قوله تعالى وقضى ربك فوجدت فيها أمورا حسنة وقال أبو علي من قرأ سيئة رأى أن الكلام انقطع عند قوله وأحسن تأويلا وأن قوله ولا تقف لا حسن فيه
قوله تعالى ذلك مما أوحى اليك ربك يشير الى ما تقدم من الفرائض والسنن من الحكمة أي من الأمور المحكمة والأدب الجامع لكل خير وقد سبق معنى المدحور الاعراف 18
أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما
قوله تعالى أفأصفاكم ربكم بالبنين قال مقاتل نزلت في مشركي العرب الذين قالوا الملائكة بنات الرحمن وقال ابو عبيدة ومعنى أفأصفاكم اختصكم وقال المفضل أخلصكم وقال الزجاج أختار لكم صفوة الشيء وهذا توبيخ للكفار والمعنى أختار لكم البنين دونه وجعل البنات مشتركة بينكم وبينه فاختصكم بالأعلى وجعل لنفسه الأدون
ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا
قوله تعالى ولقد صرفنا معنى التصريف هاهنا التبيين وذلك انه

إنما يصرف القول ليبين وقال ابن قتيبة صرفنا بمعنى وجهنا وهو من قولك صرفت إليك كذا أي عدلت به اليك كذا وشدد للتكثير كما تقول فتحت الأبواب
قوله تعالى ليذكروا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر ليذكروا مشدد وقرأ حمزة والكسائي وخلف ليذكروا مخفف وكذلك قرؤوا في الفرقان 50 والتذكر الاتعاظ والتدبر وما يزيدهم تصريفنا وتذكيرنا إلا نفورا قال ابن عباس ينفرون من الحق ويتبعون الباطل
قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا
قوله تعالى قل لو كان معه آلهة كما يقولون قرأ نافع وأبو عمرو وأبن عامر وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم تقولون بالتاء وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم يقولون بالياء
قوله تعالى إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا فيه قولان
أحدهما لابتغوا سبيلا الى ممانعته وإزالة ملكه قاله الحسن وسعيد بن جبير
والثاني لابتغوا سبيلا الى رضاه لأنهم دونه قاله قتادة
قوله تعالى عما يقولون قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر وحفص عن عاصم يقولون بالياء وقرأ حمزة والكسائي بالتاء

قوله تعالى تسبح له السموات السبع قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم تسبح بالتاء وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم يسبح بالياء قال الفراء وإنما حسنت الياء هاهنا لأنه عدد قليل وإذا قل العدد من المؤنث والمذكر كانت الياء فيه أحسن من التاء قال عز و جل في المؤنث القليل وقال نسوة يوسف 30 وقال في المذكر فاذا انسلخ الاشهر الحرم التوبه 5 قال العلماء والمراد بهذا التسبيح الدلالة على أنه الخالق القادر
قوله تعالى وإن من شيء الا يسبح بحمده إن بمعنى ما وهل هذا على إطلاقه ام لا فيه قولان
أحدهما أنه على إطلاقه فكل شيء يسبحه حتى الثوب والطعام وصرير الباب قاله إبراهيم النخعي
والثاني انه عام يراد به الخاص ثم فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه كل شيء فيه الروح قاله الحسن وقتادة والضحاك والثاني أنه كل ذي روح وكل نام من شجر أو نبات قال عكرمة الشجرة تسبح والأسطوانة لا تسبح وجلس الحسن على طعام فقدموا الخوان فقيل له أيسبح هذا الخوان فقال قد كان يسبح مرة والثالث أنه كل شيء لم يغير عن حاله فاذا تغير انقطع تسبيحه روى خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب قال إن التراب ليسبح ما لم يبتل فاذا ابتل ترك التسبيح وإن الورقة تسبح ما دامت على الشجرة فاذا سقطت تركت التسبيح وان الثوب ليسبح ما دام جديدا فاذا توسخ ترك التسبيح

فأما تسبيح الحيوان الناطق فمعلوم وتسبيح الحيوان غير الناطق فجائز ان يكون بصوته وجائز ان يكون بدلالته على صانعه
وفي تسبيح الجمادات ثلاثة أقوال
أحدها انه تسبيح لا يعلمه الا الله والثاني أنه خضوعه وخشوعه لله والثالث أنه دلالته على صانعه فيوجب ذلك تسبيح مبصره فان قلنا إنه تسبيح حقيقة كان قوله ولكن لا تفقهون تسبيحهم لجميع الخلق وإن قلنا إنه دلالته على صانعه كان الخطاب للكفار لأنهم لا يستدلون ولا يعتبرون وقد شرحنا معنى الحليم و الغفور في البقرة 225
وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين ل يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا وقالوا ءإذا كنا عظاما ورفاتا ءإنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة او حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم الا قليلا
قوله تعالى حجابا مستورا فيه ثلاثة أقوال
احدها ان الحجاب هو الأكنة على قلوبهم قاله قتادة

والثاني أنه حجاب يستره فلا ترونه وقيل إنها نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قرأ القرآن قال الكلبي وهم أبو سفيان والنضر ابن الحارث وابو جهل وأم جميل امرأة أبي لهب فحجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن فكانوا يأتونه ويمرون به ولا يرونه
والثالث انه منع الله عز و جل إياهم عن أذاه حكاه الزجاج
وفي معنى مستورا قولان
أحدهما أنه بمعنى ساتر قال الزجاج وهذا قول أهل اللغة قال الأخفش وقد يكون الفاعل في لفظ المفعول كما تقول إنك مشؤوم علينا وميمون علينا وإنما هو شائم ويامن لأنه من شأمهم ويمنهم
والثاني أن المعنى حجابا مستورا عنكم لا ترونه ذكره الماوردي وقال ابن الأنباري إذا قيل الحجاب هو الطبع على قلوبهم فهو مستور عن الأبصار فيكون مستورا باقيا على لفظه
قوله تعالى وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه قد شرحناه في الأنعام 25
قوله تعالى وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده يعني قلت لا إله إلا الله وأنت تتلو لقرآن ولوا على أدبارهم قال ابو عبيدة أي على أعقابهم نفورا وهو جمع نافر بمنزلة قاعد وقعود وجالس وجلوس وقال الزجاج تحتمل مذهبين أحدهما المصدر فيكون المعنى ولوا نافرين نفورا والثاني ان يكون نفورا جمع نافر
وفي المشار اليهم قولان أحدهما أنهم الشياطين قاله ابن عباس والثاني انهم المشركون وهذا مذهب ابن زيد
قوله تعالى نحن أعلم بما يستمعون به قال المفسرون أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم

عليا عليه السلام ان يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين ففعل ذلك ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ عليهم القرآن ودعاهم الى التوحيد وكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم هو ساحر هو مسحور فنزلت هذه الآية نحن أعلم بما يستمعون به أي يستمعونه والباء زائدة إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى قال أبو عبيدة هي مصدر من ناجيت واسم منها فوصف القوم بها والعرب تفعل ذلك كقولهم انما هو عذاب وانتم غم فجاءت في موضع متناجين وقال الزجاج والمعنى وإذ هم ذوو نجوى وكانوا يستمعون من رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقولون بينهم هو ساحر وهو مسحور وما أشبه ذلك من القول
قوله تعالى إذ يقول الظالمون يعني أولئك المشركون إن تتبعون أي ما تتبعون الا رجلا مسحورا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه الذي سحر فذهب بعقله قاله ابو صالح نع ابن عباس
والثاني مخدوعا مغرورا قاله مجاهد
والثالث له سحر أي رئة وكل دابة أو طائر او بشر يأكل فهو مسحور ومسحر لأن له سحرا قال لبيد ... فان تسألينا فيم نحن فاننا ... عصافير من هذا الأنام المسحر ...
وقال امرؤ القيس ... أرانا مرصدين لأمر غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب

أي نغذى لأن أهل السماء لا يأكلون فأراد أن يكون ملكا فعلى هذا يكون المعنى إن تتبعون إلا رجلا له سحر خلقه الله كخلقكم وليس بملك وهذا قول ابي عبيدة
قال ابن قتيبة والقول قول مجاهد أي مخدوعا لأن السحر حيلة وخديعة ومعنى قول لبيد المسحر المعلل وقول امرئ القيس ونسحر أي نعلل وكأنا نخدع والناس يقولون سحرتني بكلامك أي خدعتني ويدل عليه قوله انظر كيف ضربوا لك الأمثال لانهم لو أرادوا رجلا ذا رئة لم يكن في ذلك مثل ضربوه فلما أرادوا مخدوعا كأنه بالخديعة سحر كان مثلا ضربوه وكأنهم ذهبوا الى ان قوما يعلمونه ويخدعونه قال المفسرون ومعنى ضربوا لك الأمثال بينوا لك الأشباه حتى شبهوك بالساحر والشاعر والمجنون فضلوا عن الحق فلا يستطيعون سبيلا فيه ثلاثة اقوال
أحدها لا يجدون سبيلا الى تصحيح ما يعيبونك به
والثاني لا يستطيعون سبيلا الى الهدى لأنا طبعنا على قلوبهم
والثالث لا يأتون سبيل الحق لثقله عليهم ومثله قولهم لا أستطيع أن انظر الى فلان يعنون أنا مبغض له فنظري إليه يثقل ذكرهن ابن الأنباري
قوله تعالى أئذا كنا عظاما قرأ ابن كثير أيذا بهمزة ثم يأتي بياء ساكنة من غير مد أينا مثله وكذلك في كل القرآن وكذلك روى قالون عن نافع الا ان نافعا كان لا يستفهم في أينا كان يجعل الثاني

خبرا في كل القرآن وكذلك مذهب الكسائي غير أنه يهمز الأولى همزتين وقرأ عاصم وحمزة بهمزتين في الحرفين جميعا وقرأ ابن عامر إذا كنا بغير استفهام بهمزة واحدة آئنا بهمزتين يمد بينهما مدة
قوله تعالى ورفاتا فيه قولان
أحدهما أنه التراب ولا واحد له فهو بمنزلة الدقاق والحطام قاله الفراء وهو مذهب مجاهد
والثاني أنه العظام مالم تتحطم والرفات الحطام قاله ابو عبيدة وقال الزجاج الرفات التراب والرفات كل شيء حطم وكسر وخلقا جديدا في معنى مجددا
قوله تعالى أو خلقا مما يكبر في صدوركم فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه الموت قاله ابن عمر وابن عباس والحسن والاكثرون
والثاني انه السماء والارض والجبال قاله مجاهد
والثالث انه ما يكبر في صدوركم من كل ما استعظموه من خلق الله تعالى قاله قتادة
فان قيل كيف قيل لهم كونوا حجارة أو حديدا وهم لا يقدرون على ذلك فعنه جوابان
أحدهما إن قدرتم على تغير حالاتكم فكونوا حجارة أو اشد منها فانا نميتكم وننفذ أحكامنا فيكم ومثل هذا قولك للرجل اصعد الى السماء فاني لاحقك
والثاني تصوروا أنفسكم حجارة او اصلب منها فانا سنبيدكم قال الاحوص

إذا كنت عزهاة عن اللهو والصبى ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا ...
معناه فتصور نفسك حجرا وهؤلاء قوم اعترفوا ان الله خالقهم وجحدوا البعث فأعلموا ان الذي ابتدأ خلقهم هو الذي يحييهم
قوله تعالى فسينغضون إليك رؤوسهم قال قتادة يحر كونها تكذيبا واستهزاء قال الفراء يقال أنغض رأسه إذا حركه إلى فوق وإلى أسفل وقال ابن قتيبة المعنى يحر كونها كما يحرك الآيس من الشيء والمستبعد له رأسه يقال نغضت سنه إذا تحركت
قوله تعالى ويقولون متى هو يعنون البعث قل عسى ان يكون قريبا أي هو قريب ثم بين متى يكون فقال يوم يدعوكم يعني من القبور بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة فتستجيبون أي تجيبون قال مقاتل يقوم إسرافيل على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن فيقول أيتها العظام البالية وأيتها اللحوم المتمزقة وأيتها الشعور المتفرقة وأيتها العروق المتقطعة اخرجوا الى فصل القضاء لتجزوا بأعمالكم فيسمعون الصوت فيسعون اليه
وفي معنى بحمده اربعة أقوال
أحدها بأمره قاله ابن عباس وابن جريج وابن زيد
والثاني يخرجون من القبور وهم يقولون سبحانك وبحمدك قاله سعيد بن جبير

والثالث ان معنى بحمده بمعرفته وطاعته قاله قتادة قال الزجاج تستجيبون مقرين انه خالقكم
والرابع تجيبون بحمد الله لا بحمد أنفسكم ذكره الماوردي
قوله تعالى وتظنون إن لبثتم إلا قليلا في هذا الظن قولان
أحدهما انه بمعنى اليقين
والثاني انه على اصله وأين يظنون أنهم لبثوا قليلا فيه ثلاثة أقوال أحدها بين النفختين ومقداره أربعون سنة ينقطع في ذلك العذاب عنهم فيرون لبثهم في زمان الراحة قليلا رواه ابو صالح عن ابن عباس والثاني في الدنيا لعلمهم بطول اللبث في الآخرة قاله الحسن والثالث في القبور قاله مقاتل فعلى هذا انما قصر اللبث في القبور عندهم لأنهم خرجوا الى ما هو أعظم عذابا من عذاب القبور وقد ذهب بعض المفسرين الى أن هذه الآية خطاب للمؤمنين لأنهم يجيبون المنادي وهم يحمدون الله على إحسانه اليهم ويستقلون مدة اللبث في القبور لأنهم كانوا غير معذبين
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا
قوله تعالى وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن في سبب نزولها قولان
أحدهما أن المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة بالقول والفعل فشكوا ذلك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الاية قاله ابو صالح عن ابن عباس
والثاني أن رجلا من الكفار شتم عمر بن الخطاب فهم به عمر رضي الله عنه

فنزلت هذه الاية قاله مقاتل والمعنى وقل لعبادي المؤمنين يقولوا الكلمة التي هي احسن واختلفوا فيمن تقال له هذه الكلمة على قولين
أحدهما أنهم المشركون قال الحسن تقول له يهديك الله وما ذكرنا من سبب نزول الآية يؤيد هذا القول وذهب بعضهم الى انهم امروا بهذه الآية بتحسين خطاب المشركين قبل الأمر بقتالهم ثم نسخت هذه الآية بآية السيف
والثاني أنهم المسلمون قاله ابن جرير والمعنى وقل لعبادي يقول بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة وقد روى مبارك عن الحسن قال التي هي أحسن أن يقول له مثل قوله ولكن يقول له يرحمك الله ويغفر الله لك قال الأخفش وقوله يقولوا مثل قوله يقيموا الصلاة وقد شرحنا ذلك في سورة ابراهيم 31
قوله تعالى إن الشيطان ينزع بينهم أي يفسد ما بينهم والعدو المبين الظاهر العداوة
ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلا
قوله تعالى ربكم أعلم بكم فيمن خوطب بهذا قولان
أحدهما أنهم المؤمنون ثم في معنى الكلام قولان أحدهما إن يشأ يرحمكم فينجيكم من أهل مكة وإن يشأ يعذبكم فيسلطهم عليكم رواه ابو صالح عن ابن عباس والثاني إن يشأ يرحمكم بالتوبة أو يعذبكم بالإقامة على الذنوب قاله الحسن

والثاني انهم المشركون ثم في معنى الكلام قولان أحدهما ان يشأ يرحكم فيهديكم للإيمان او إن يشأ يعذبكم فيميتكم على الكفر قاله مقاتل والثاني انه لما نزل القحط بالمشركين فقالوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون الدخان 12 قال الله تعالى ربكم أعلم بكم من الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن إن يشأ يرحمكم فيكشف القحط عنكم أو إن يشأ يعذبكم فيتركه عليكم ذكره أبو سليمان الدمشقي قال ابن الأنباري و أو هاهنا دخلت لسعة الأمرين عند الله تعالى وأنه لا يرد عنهما فكانت ملحقة ب أو المبيحة في قولهم جالس الحسن أو ابن سيرين يعنون قد وسعنا لك الأمر
قوله تعالى وما أرسلناك عليهم وكيلا فيه ثلاثة أقوال
أحدها كفيلا تؤخذ بهم قاله أبو صالح عن ابن عباس والثاني حافظا وربا قاله الفراء والثالث كفيلا بهدايتهم وقادرا على إصلاح قلوبهم ذكره ابن الأنباري وذهب بعض المفسرين الى أن هذا منسوخ بآية السيف
وربك أعلم بمن في السموات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا
قوله تعالى وربك أعلم بمن في السموات والارض لأنه خالقهم فهدى من شاء وأضل من شاء وكذلك فضل بعض النبيين على بعض وذلك عن حكمة منه وعلم فخلق آدم بيده ورفع إدريس وجعل الذرية لنوح واتخذ ابراهيم خليلا وموسى كليما وجعل عيسى روحا وأعطى سليمان ملكا جسيما ورفع محمدا صلى الله عليه و سلم فوق السموات وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ويجوز أن يكون المفضلون أصحاب الكتب لأنه ختم الكلام بقوله وآتينا داود زبورا وقد شرحنا معنى الزبور في سورة النساء 163

قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا
قوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه في سبب نزولها قولان
احدهما أن نفرا من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجن والنفر من العرب لا يشعرون فنزلت هذه الآية والتي بعدها روي عن ابن مسعود والثاني أن المشركين كانوا يعبدون الملائكة ويقولون هي تشفع لنا
عند الله فلما ابتلوا بالقحط سبع سنين قيل لهم ادعوا الذين زعمتم قاله مقاتل والمعنى قل ادعوا الذين زعمتم انهم آلهة فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا له الى غيركم
قوله تعالى أولئك الذين يدعون في المشار إليهم ب أولئك ثلاثة أقوال
أحدها أنهم الجن الذين أسلموا والثاني الملائكة وقد سبق بيان

القولين والثالث أنهم المسيح وعزير والملائكة والشمس والقمر قاله ابن عباس وفي معنى يدعون قولان
أحدهما يعبدون أي يدعونهم آلهة وهذا قول الأكثرين
والثاني أنه بمعنى يتضرعون الى الله في طلب الوسيلة وعلى هذا يكون قوله يدعون راجعا الى أولئك ويكون قوله يبتغون تماما للكلام وعلى القول الأول يكون يدعون راجعا الى المشركين ويكون قوله يبتغون وصفا ل أولئك مستأنفا وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو عبد الرحمن تدعون بالتاء قال ابن الأبناري فعلى هذا الفعل مردود إلى قوله فلا يملكون كشف الضر عنكم ومن قرأ يدعون بالياء قال العرب تنصرف من الخطاب الى الغيبة إذا أمن اللبس ومعنى يدعون يدعونهم ألهة وقد فسرنا معنى الوسيلة في المائدة 35
وفي قوله أيهم أقرب قولان ذكرهما الزجاج
أحدهما أن يكون أيهم مرفوعا بالابتداء وخبره أقرب ويكون المعنى يطلبون اليه فيتوسلون الى الله به
والثاني أن يكون أيهم أقرب بدلا من الواو في يبتغون فيكون المعنى يبتغي أيهم هو أقرب الوسيلة إلى الله أي يتقرب اليه بالعمل الصالح
وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيمة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا
قوله تعالى وإن من قرية إلا نحن مهلكوها إن بمعنى ما والقرية الصالحة هلاكها بالموت والعاصية بالعذاب والكتاب اللوح المحفوظ والمسطور المكتوب

وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون آتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا
قوله تعالى وما منعنا أن نرسل بالآيات سبب نزولها فيه قولان
أحدهما ان أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا فقيل له إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم وإن شئت نؤتيهم الذي سألوا فان كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم قال لا بل أستأني بهم فنزلت هذه الآية رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثاني قد ذكرناه عن الزبير في قوله ولو أن قرآنا سيرت به الجبال الرعد 31 ومعنى الآية وما منعنا إرسال الآيات التي سألوها الا تكذيب الأولين يعني أن هؤلاء سألوا الآيات التي استوجب بتكذيبها الأولون العذاب فلم يرسلها لئلا يكذب بها هؤلاء فيهلكوا كما هلك اولئك وسنة الله في الأمم أنهم إذا سألوا الآيات ثم كذبوا بها عذبهم
قوله تعالى وآتينا ثمود الناقة مبصرة قال ابن قتيبة أي بينة يريد مبصرا بها قال ابن الأنباري ويجوز أن تكون مبصرة ويصلح أن يكون المعنى مبصر مشاهدوها فنسب اليها فعل غيرها تجوزا كما يقال لا أرينك هاهنا فأدخل حرف النهي على غير المنهي عنه اذ المعنى لا تحضر هاهنا حتى

إذا جئت لم أرك فيه ومن قرأ مبصرة بفتح الميم والصاد فمعناه المبالغة في وصف الناقة بالتبيان كقولهم الولد مجبنة
قوله تعالى فظلموا بها قال ابن عباس فجحدوا بها وقال الأخفش بها كان ظلمهم
قوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا أي نخوف العباد ليتعظوا
وللمفسرين في المراد بهذه الآيات أربعة أقوال
أحدها أنها الموت الذريع قاله الحسن والثاني معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفا للمكذبين والثالث آيات الانتقام تخويفا من المعاصي والرابع تقلب أحوال الإنسان من صغر إلى شباب ثم إلى كهولة ثم إلى مشيب ليعتبر بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره ذكر هذه الأقوال الثلاثة الماوردي ونسب القول الأخير منها إلى إمامنا أحمد رضي الله عنه
وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا
قوله تعالى وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس فيه ثلاثة أقوال
أحدها أحاط علمه بالناس قاله ابو صالح عن ابن عباس وبه قال الربيع ابن انس وقال مقاتل أحاط علمه بالناس يعني أهل مكة أن يفتحها لرسوله صلى الله عليه و سلم

والثاني أحاطت قدرته بالناس فهم في قبضته قاله مجاهد
والثالث حال بينك وبين الناس أن يقتلوك لتبلغ رسالته قاله الحسن وقتادة
قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس في هذه الرؤيا قولان
أحدهما أنها رؤيا عين وهي ما رأى ليلة أسري به من العجائب والآيات روى عكرمة عن ابن عباس قال هي رؤيا عين رآها ليلة أسري به وإلى هذا المعنى ذهب الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة ومسروق والنخعي وقتادة وأبو مالك وأبو صالح وابن جريج وابن زيد في آخرين فعلى هذا يكون معنى الفتنة الاختبار فان قوما آمنوا بما قال وقوما كفروا قال ابن الأنباري المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة ولا فرق بين أن يقول القائل رأيت فلانا رؤية ورأيته رؤيا إلا أن الرؤية يقل استعمالها في المنام والرؤيا يكثر استعمالها في المنام ويجوز كل واحد منهما في المعنيين
والثاني أنها رؤيا منام ثم فيها قولان أحدهما ان رسول الله صلى الله عليه و سلم

كان قد أرى انه يدخل مكة هو وأصحابه وهو يومئذ بالمدينة فعجل قبل الأجل فرده المشركون فقال أناس قد رد وكان حدثنا أنه سيدخلها فكان رجوعهم فتنتهم رواه العوفي عن ابن عباس وهذا لا ينافي حديث المعراج لأن هذا كان بالمدينة والمعراج كان بمكة قال ابو سليمان الدمشقي وإنما ذكره ابن عباس على وجه الزيادة في الإخبار لنا أن المشركين بمكة افتتنوا برؤيا عينه والمنافقين بالمدينة افتتنوا برؤيا نومه والثاني أنه أري بني أمية على المنابر فساءه ذلك فقيل له إنها الدنيا يعطونها فسري عنه فالفتنة هاهنا البلاء رواه علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب وإن كان مثل هذا لا يصح ولكن قد ذكره عامة المفسرين
وروى ابن الأنباري أن سعيد بن المسيب قال رآى رسول الله صلى الله عليه و سلم قوما على منابر فشق ذلك عليه وفيه نزل والشجرة الملعونة في القرآن قال ومعنى قوله إلا فتنة للناس إلا بلاء للناس قال ابن الأنباري فمن ذهب الى أن الشجرة رجال رآهم النبي صلى الله عليه و سلم في منامه يصعدون على المنابر احتج بأن الشجرة يكنى بها عن المرأة لتأنيثها وعن الجماعة لاجتماع أغصانها قالوا ووقعت اللعنة بهؤلاء الذين كنى عنهم بالشجرة قال المفسرون وفي الآية تقديم وتأخير تقديره وما جعلنا الرؤيا والشجرة إلا فتنة للناس
وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال
احدها أنها شجرة الزقوم رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال

مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومسروق والنخعي والجمهور وقال مقاتل لما ذكر الله تعالى شجرة الزقوم قال ابو جهل يا معشر قريش ان محمدا يخوفكم بشجرة الزقوم ألستم تعلمون ان النار تحرق الشجر ومحمد يزعم ان النار تنبت الشجر فهل تدرون ما الزقوم فقال عبدالله بن الزبعرى إن الزقوم بلسان بربر التمر والزبد فقال ابو جهل يا جارية ابغينا تمرا وزبدا فجاءته به فقال لمن حوله تزقموا من هذا الذي يخوفكم به محمد فأنزل الله تعالى ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا قال ابن قتيبة كانت فتنتهم بالرؤيا قولهم كيف يذهب الى بيت المقدس ويرجع في ليلة وبالشجرة قولهم كيف يكون في النار شجرة
وللعلماء في معنى الملعونة ثلاثة اقوال احدها المذمومة قاله ابن عباس والثاني الملعون آكلها ذكره الزجاج وقال ان لم يكن في القرآن ذكر لعنها ففيه لعن أكليها قال والعرب تقول لكل طعام مكروه وضار ملعون فأما قوله في القرآن فالمعنى التي ذكرت في القرآن وهي مذكورة في قوله إن شجرة الزقوم طعام الأثيم الدخان 4344 والثالث أن معنى الملعونة المبعدة عن منازل اهل الفضل ذكره ابن الانباري

والقول الثاني ان الشجرة الملعونة هي التي تلتوي على الشجر يعني الكشوثى وهذا مروي عن ابن عباس ايضا
والثالث ان الشجرة كناية عن الرجال على ما ذكرنا عن سعيد بن المسيب
قوله تعالى ونخوفهم قال ابن الأنباري مفعول نخوفهم محذوف تقديره ونخوفهم العذاب فما يزيدهم أي فما يزيدهم التخويف إلا طغيانا وقد ذكرنا معنى الطغيان في البقرة 15 وذكرنا هناك تفسير قوله وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس البقرة 34
وإذ قلنا للملئكة اسجددوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال ءأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن اخرتن الى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فان جهنم جزاؤكم جزاء موفورا واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا
قوله تعالى آسجد قرأه الكوفيون بهمزتين وقرأه الباقون بهمزة مطولة وهذا استفهام انكار يعني به لم أكن لأفعل
قوله تعالى لمن خلقت طينا قال الزجاج طينا منصوب على وجهين

أحدهما التمييز المعنى لمن خلقته من طين والثاني على الحال المعنى أنشأته في حال كونه من طين ولفظ قال أرأيتك جاء هاهنا بغير حرف عطف لأن المعنى قال آسجد لمن خلقت طينا وأرأيتك وهي في معنى أخبرني والكاف ذكرت في المخاطبة توكيدا والجواب محذوف والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمت علي لم كرمته علي وقد خلقتني من نار وخلقته من طين فحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه
قوله تعالى لئن أخرتن الى يوم القيامة قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر أخرتني بياء في الوصل وقف أبن كثير بالياء وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا في وقف
قوله تعالى لأحتنكن ذريته فيه ثلاثة أقوال
أحدها لأستولين عليهم قاله ابن عباس والفراء والثاني لأضلنهم قاله ابن زيد والثالث لأستأصلنهم يقال احتنك الجراد ما على الأرض إذا أكله واحتنك فلان ما عند فلان من العلم إذا استقصاه فالمعنى لأقودنهم كيف شئت هذا قول ابن قتيبة
فان قيل من أين علم الغيب فقد اجبنا عنه في سورة النساء 119
قوله تعالى إلا قليلا قال ابن عباس هم أولياء الله الذين عصمهم
قوله تعالى قال اذهب هذا اللفظ يتضمن إنظاره فمن تبعك أي تبع أمرك منهم يعني ذرية آدم والموفور الموفر قال ابن قتيبة يقال وفرت ماله عليه ووفرته بالتخفيف والتشديد

قوله تعالى واستفزز من استطعت منهم قال ابن قتيبة استخف ومنه تقول استفزني فلان
وفي المراد بصوته قولان أحدهما انه كل داع دعا الى معصية الله قاله ابن عباس والثاني انه الغناء والمزامير قاله مجاهد
قوله تعالى وأجلب عليهم أي صح بخيلك ورجلك واحثثهم عليهم بالإغراء يقال أجلب القوم وجلبوا إذا صاحوا وقال الزجاج المعنى اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك فعلى هذا تكون الباء زائدة قال ابن قتيبة والرجل الرجالة يقال راجل ورجل مثل تاجر وتجر وصاحب وصحب قال ابن عباس كل خيل تسير في معصية الله وكل رجل يسير في معصية الله وقال قتادة ان له خيلا ورجلا من الجن والانس وروى حفص عن عاصم بخيلك ورجلك بكسر الجيم وهي قراءة ابن عباس وابي رزين وأبي عبد الرحمن السلمي قال ابو زيد يقال رجل رجل للراجل ويقال جاءنا حافيا رجلا وقرأ ابن السميفع والجحدري بخيلك ورجالك برفع الراء وتشديد الجيم مفتوحة وبألف بعدها وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وعكرمة ور جالك بكسر الراء وتخفيف الجيم مع ألف
قوله تعالى وشاركهم في الأموال فيه اربعة أقوال
أحدها انها ما كانوا يحرمونه من انعامهم رواه عطية عن ابن عباس

والثاني ألاموال التي اصيبت من حرام قاله مجاهد والثالث التي انفقوها في معاصي الله قال الحسن والرابع ما كانوا يذبحون لألهتهم قاله الضحاك
فأما مشاركته إياهم في الأولاد ففيها أربعة أقوال
أحدها أنهم أولاد الزنا رواه عطية عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك
والثاني الموؤودة من أولادهم رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
والثالث انه تسمية اولادهم عبيدا لأوثانهم كعبد شمس وعبد العزى وعبد مناف رواه ابو صالح عن ابن عباس
والرابع ما مجسوا وهودوا ونصروا وصبغوا من أولادهم غير صبغة الإسلام قاله الحسن وقتادة
قوله تعالى وعدهم قد ذكرناه في قوله يعدهم ويمنيهم الى آخر الآية النساء 120 وهذه الآية لفظها لفظ الأمر ومعناها التهديد ومثلها في الكلام أن تقول للإنسان أجهد جهدك فسترى ما ينزل بك قال الزجاج اذا تقدم الأمر نهي عما يؤمر به فمعناه التهديد والوعيد تقول للرجل لا تدخلن هذه الدار فاذا حاول ان يدخلها قلت ادخلها وانت رجل فلست تأمره بدخولها ولكنك توعده وتهدده ومثله اعملوا ما شئتم فصلت 40 وقد نهوا ان يعملوا بالمعاصي وقال ابن الانباري هذا أمر معناه التهديد تقديره إن فعلت هذا عاقبناك وعذبناك فنقل الى لفظ الأمر عن الشرط كقوله فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الكهف 29
قوله تعالى ان عبادي ليس لك عليهم سلطان قد شرحناه في الحجر 42

قوله تعالى وكفى بربك وكيلا قال الزجاج كفى به وكيلا لأوليائه يعصمهم من القبول من إبليس
ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا أفامنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لاتجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعا ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا
قوله تعالى ربكم الذي يزجي لكم الفلك أي يسيرها قال الزجاج يقال زجيت الشيء أي قدمته
قوله تعالى لتبتغوا من فضله أي في طلب التجارة
وفي من ثلاثة أقوال
أحدها أنها زائدة والثاني أنها للتبعيض والثالث أن المفعول محذوف والتقدير لتبتغوا من فضله الرزق والخير ذكرهن ابن الأنباري
قوله تعالى إنه كان بكم رحيما هذا الخطاب خاص للمؤمنين ثم خاطب المشركين فقال وإذا مسكم الضر في البحر يعني خوف الغرق ضل

من تدعون أي يضل من يدعون من الآلهة إلا الله تعالى ويقال ضل بمعنى غاب يقال ضل الماء في اللبن إذا غاب والمعنى أنكم أخلصتم الدعاء لله ونسيتم الأنداد وقرأ مجاهد وأبو المتوكل ضل من يدعون بالياء فلما نجاكم إلى البر اعرضتم عن الإيمان والإخلاص وكان الإنسان يعني الكافر كفورا بنعمة ربه أفأمنتم إذا خرجتم من البحر أن يخسف بكم قرأ ابن كثير وأبو عمرو نخسف بكم أو نرسل أن نعيدكم فنرسل فنغرقكم بالنون في الكل وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بالياء في الكل ومعنى نخسف بكم جانب البر أي نغيبكم ونذهبكم في ناحية البر والمعنى إن حكمي نافذ في البر نفوذه في البحر أو نرسل عليكم حاصبا فيه ثلاثة أقوال
أحدها أن الحاصب حجارة من السماء قاله قتادة
والثاني أنه الريح العاصف تحصب قاله أبو عبيدة وأنشد للفرزدق ... مستقبلين شمال الريح تضربهم ... بحاصب كنديف القطن منثور ... وقال ابن قتيبة الحاصب الريح سميت بذلك لأنها تحصب أي ترمي بالحصباء وهي الحصى الصغار وقال ابن الأنباري قال اللغويون الحاصب الريح التي فيها الحصى وإنما قال في الريح حاصبا ولم يقل حاصبة لأنه وصف لزم الريح ولم يكن لها مذكر تنتقل إليه في حال فكان بمنزلة قولهم حائض للمرأة حين لم يقل رجل حائض قال وفيه جواب آخر

وهو أن نعت الريح عري من علامة التأنيث فأشبهت بذلك أسماء المذكر كما قالوا السماء أمطر والأرض أنبت
والثالث أن الحاصب التراب الذي فيه حصباء قاله الزجاج
قوله تعالى ثم لاتجدوا لكم وكيلا أي مانعا وناصرا
قوله تعالى أم أمنتم أن يعيدكم فيه أي في البحر تارة أخرى أي مرة أخرى والجمع تارات فيرسل عليكم قاصفا من الريح قال أبو عبيدة هي التي تقصف كل شيء قال ابن قتيبة القاصف الريح التي تقصف الشجر أي تكسره
قوله تعالى فيغرقكم وقرأ أبو المتوكل وأبو جعفر وشيبة ورويس فتغرقكم بالتاء وسكون الغين وتخفيف الراء وقرا أبو الجوزاء وأيوب فيغرقكم بالياء وفتح الغين وتشديدها وقرأ أبو رجاء مثله إلا انه بالتاء بما كفرتم أي بكفركم حيث نجوتم في المرة الأولى ثم لاتجدوا لكم علينا به تبيعا قال ابن قتيبة أي من يتبع بدمائكم أي يطالبنا قال عبدالله ابن عمرو رضي الله عنهما ريح العذاب أربع اثنتان في البر واثنتان ف البحر فاللتان في البر الصرصر والعقيم واللتان في البحر العاصف والقاصف
قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم أي فضلناهم قال أبو عبيدة وكرمنا اشد مبالغة من أكرمنا
وللمفسرين فيما فضلوا به أحد عشر قولا
أحدها أنهم فضلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة جبريل وميكائيك وإسرافيل وملك الموت وأشباههم قاله ابو صالح عن ابن عباس

فعلى هذا يكون المراد المؤمنين منهم ويكون تفضيلهم بالإيمان والثاني أن سائر الحيوان يأكل بفيه إلا ابن آدم فانه يأكل بيده رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس وقال بعض المفسرين المراد بهذا التفضيل أكلهم بأيديهم ونظافة ما يقتاتونه اذ الجن يقتاتون العظام والروث والثالث فضلوا بالعقل روي عن ابن عباس والرابع بالنطق والتمييز قاله الضحاك والخامس بتعديل القامة وامتدادها قاله عطاء والسادس بأن جعل محمدا صلى الله عليه و سلم منهم قاله محمد بن كعب والسابع فضلوا بالمطاعم واللذات في الدنيا قاله زيد بن أسلم والثامن بحسن الصورة قاله يمان والتاسع بتسليطهم على غيرهم من الخلق وتسخير سائر الخلق لهم قاله محمد بن جرير والعاشر بالأمر والنهي ذكره الماوردي والحادي عشر بأن جعلت اللحى للرجال والذوائب للنساء ذكره الثعلبي
فان قيل كيف أطلق ذكر الكرامة على الكل وفيهم الكافر المهان
فالجواب من وجهين احدهما أنه عامل الكل معاملة المكرم بالنعم الوافرةوالثاني انه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة أجرى الصفة على جماعتهم كقوله كنتم خيرة أمة أخرجت للناس آل عمران 110
قوله تعالى وحملناهم في البر على أكباد رطبة وهي الإبل والخيل والبغال والحمير و في البحر على أعواد يابسة وهي السفن ورزقناهم من الطيبات فيه قولان
أحدهما الحلال والثاني المستطاب في الذوق
قوله تعالى وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا فيه قولان
أحدهما انه على لفظه وأنهم لم يفضلوا على سائر المخلوقات وقد ذكرنا

عن ابن عباس انهم فضلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة وقال غيره بل الملائكة أفضل
والثاني أن معناه وفضلناهم على جميع من خلقنا والعرب تضع الأكثر والكثير في موضع الجمع كقوله يلقون السمع وأكثرهم كاذبون الشعراء 223 وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال المؤمن أكرم على الله عز و جل من الملائكة الذين عنده
يوم ندعوا كل اناس بامامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا
قوله تعالى يوم ندعو قال الزجاج هو منصوب على معنى اذكر يوم ندعو كل اناس بامامهم والمراد به يوم القيامة وقرا الحسن البصري يوم يدعو بالياء كل بالنصب وقرأ ابو عمران الجوني يوم يدعى بياء مرفوعة وفتح العين وبعدها ألف كل بالرفع
وفي المراد بامامهم أربعة أقوال
أحدها أنه رئيسهم قاله أبو صالح عن بن عباس وروى عنه سعيد بن جبير أنه قال إمام هدى او إمام ضلالة

والثاني عملهم رواه عطية عن ابن عباس وبه قال الحسن وأبوالعالية
والثالث نبيهم قاله أنس بن مالك وسعيد بن جبير وقتادة ومجاهد في رواية
والرابع كتابهم قاله عكرمة ومجاهد في رواية ثم فيه قولان أحدهما انه كتابهم الذي فيه أعمالهم قاله قتادة ومقاتل والثاني كتابهم الذي أنزل عليهم قاله الضحاك وابن زيد فعلى القول الأول يقال يا متبعي موسى يا متبعي عيسى يا متبعي محمد ويقال يا متبعي رؤساء الضلالة وعلى الثاني يا من عمل كذا وكذا وعلى الثالث يا أمة موسى يا امة عيسى يا أمة محمد وعلى الرابع يا أهل التوراة يا أهل الإنجيل يا أهل القرآن او يا صاحب الكتاب الذي فيه عمل كذا وكذا
قوله تعالى فأولئك يقرؤون كتابهم معناها يقرؤون حسناتهم لأنهم أخذوا كتبهم بأيمانهم
قوله تعالى ولا يظلمون فتيلا أي لا ينقصون من ثوابهم بقدر الفتيل وقد بيناه في سورة النساء 49
قوله تعالى ومن كان في هذه اعمى قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر أعمى فهو في الآخرة أعمى مفتوحتي الميم وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بكسر الميمين وقرأ ابو عمرو في هذه أعمى بكسر الميم فهو في الأخرة أعمى بفتحها
وفي المشار اليها ب هذه قولان
أحدهما أنها الدنيا قاله مجاهد ثم في معنى الكلام خمسة أقوال أحدها

من كان في الدنيا أعمى عن معرفة قدرة الله في خلق الأشياء فهو عما وصف له في الآخرة أعمى رواه الضحاك عن ابن عباس والثاني من كان في الدنيا أعمى بالكفر فهو في الآخرة أعمى لأنه في الدنيا تقبل توبته وفي الآخرة لا تقبل قاله الحسن والثالث من عمي عن آيات الله في الدنيا فهو عن الذي غيب عنه من أمور الآخرة أشد عمى والرابع من عمي عن نعم الله التي بينها في قوله ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر إلى قوله تفضيلا فهو في الآخرة أعمى عن رشاده وصلاحه ذكرهما ابن الأنباري والخامس من كان فيها أعمى عن الحجة فهو في الآخرة أعمى عن الجنة قاله ابو بكر الوراق
والثاني أنها النعم ثم في الكلام قولان أحدهما من كان أعمى عن النعم التي ترى وتشاهد فهو في الآخرة التي لم تر أعمى رواه عكرمة عن ابن عباس والثاني من كان أعمى عن معرفة حق الله في هذه النعم المذكورة في قوله ولقد كرمنا بني آدم ولم يؤد شكرها فهو فيما بينه وبين الله مما يتقرب به اليه أعمى وأضل سبيلا قاله السدي قال ابو علي الفارسي ومعنى قوله في الآخرة أعمى أي أشد عمى لأنه كان في الدنيا يمكنه الخروج عن عماه بالاستدلال ولا سبيل له في الآخرة الى الخروج من عماه وقيل معنى العمى في الآخرة أنه لا يهتدي إلى طريق الثواب وهذا كله من عمى القلب
فان قيل لم قال فهو في الآخرة أعمى ولم يقل أشد عمى لأن العمى خلقة بمنزلة الحمرة والزرقة والعرب تقول ما أشد سواد زيد وما أبين زرقة عمرو وقلما يقولون ما أسود زيدا وما أزرق عمرا
فالجواب أن المراد بهذا العمى عمى القلب وذلك يتزايد ويحدث منه

شيء بعد شيء فيخاف الخلق اللازمة التي لا تزيد نحو عمى العين والبياض والحمرة ذكره ابن الأنباري
وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحيوة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا
قوله تعالى وان كادوا ليفتنونك في سبب نزولها أربعة أقوال
أحدها أن وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا متعنا باللات سنة وحرم وادينا كما حرمت مكة فأبى ذلك فأقبلوا يكثرون مسألتهم وقالوا إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم فان خشيت أن يقول العرب أعطيتهم مالم تعطنا فقل الله أمرني بذلك فأمسك رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهم وداخلهم الطمع فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عباس وروى عطية عن ابن عباس أنهم قالوا أجلنا سنة ثم نسلم ونكسر أصنامنا فهم أن يؤجلهم فنزلت هذه الآية
والثاني أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم لا نكف عنك إلا بأن تلم بآلهتنا ولو بأطراف أصابعك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما علي لو فعلت والله يعلم إني لكاره فنزلت هذه الآية قاله سعيد بن جبير وهذا باطل

لا يجوز ان يظن برسول الله صلى الله عليه و سلم ولا ما ذكرنا عن عطية من أنه هم أن ينظرهم سنة وكل ذلك محال في حقه وفي حق الصحابة أنهم رووا عنه
والثالث أن قريشا خلوا برسول الله ليلة الى الصباح يكلمونه ويفخمونه ويقولون أنت سيدنا وابن سيدنا وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ثم عصمه الله من ذلك ونزلت هذه الآية قاله قتادة
والرابع أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم اطرد عنك سقاط الناس ومواليهم وهؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن وذلك أنهم كانوا يلبسون الصوف حتى نجالسك ونسمع منك فهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يفعل ما يستدعي به إسلامهم فنزلت هذه الآيات حكاه الزجاج قال ومعنى الكلام كادوا يفتنونك ودخلت إن واللام للتوكيد قال المفسرون وإنما قال ليفتنونك لأن في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن
قوله تعالى لتفتري أي لتختلق علينا غيره وهو قولهم قل الله أمرني بذلك وإذا لو فعلت ذلك لاتخذوك خليلا أي والوك وصافوك
قوله تعالى ولولا أن ثبتناك على الحق لعصمتنا إياك لقد كدت تركن اليهم أي هممت وقاربت أن تميل الى مرادهم شيئا قليلا قال ابن عباس وذلك حين سكت عن جوابهم والله أعلم بنيته وقال ابن الأنباري الفعل في الظاهر للنبي صلى الله عليه و سلم وفي الباطن للمشركين وتقديره لقد كادوا يركنونك اليهم وينسبون إليك كما يقول الرجل للرجل كدت تقتل نفسك اليوم يريد كدت تفعل فعلا يقتلك غيرك من اجله فهذا من المجاز والاتساع وشبيه

بهذا قوله فلا تموتن إلا وانتم مسلمون البقرة 132 وقول القائل لا أرينك في هذا الموضع
قوله تعالى إذا لأذقناك المعنى لو فعلت ذلك الشيء القليل لأذقناك ضعف الحياة أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات ومثله قول الشاعر ... نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس ...
أي أهل المجلس وقال ابن عباس ضعف عذاب الدنيا والآخرة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم معصوما ولكنه تخويف لأمته لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه
قوله تعالى وان كادوا ليستفزونك من الارض في سبب نزولها قولان
أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما قدم المدينة حسدته اليهود على مقامه بالمدينة وكرهوا قربه فأتوه فقالوا يا محمد أنبي أنت قال نعم قالوا فوالله لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء وان أرض الأنبياء الشام فان كنت نبيا فائت الشام فنزلت هذه الآية قاله ابو صالح عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير هم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يشخص عن المدينة فنزلت هذه الآية

وقال عبد الرحمن بن غنم لما قالت له اليهود هذا صدق ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد إلا الشام فلما بلغ تبوك نزلت هذه الاية
والثاني أنهم المشركون أهل مكة هموا باخراج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة فأمره الله بالخروج وأنزل هذه الآية إخبارا عما هموا به قاله الحسن ومجاهد وقال قتادة هم أهل مكة باخراجه من مكة ولو فعلوا ذلك ما نرظروا ولكن الله كفهم عن اخراجه حتى أمره بالخروج وقيل ما لبثوا حتى بعث الله عليهم القتل ببدر فعلى القول الأول المشار اليهم والأرض المدينة وعلى الثاني هم المشركون والأرض مكة وقد ذكرنا معنى الاستفزاز آنفا الاسراء 64 وقيل المراد به هاهنا القتل ليخرجوه من الأرض كلها روي عن الحسن
قوله تعالى وإذا لا يلبثون خلفك قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم خلفك وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم خلافك قال الأخفش خلافك في معنى خلفك والمعنى لا يلبثون بعد خروجك الا قليلا أي لو أخرجوك لاستأصلناهم بعد خروجك بقليل وقد جازاهم الله على ما هموا به فقتل صناديد المشركين ببدر وقتل من اليهود بني قريظة وأجلى النضير وقال ابن الأنباري معنى الكلام لا يلبثون

على خلافك ومخالفتك فسقط حرف الخفض وقرأ أبو رزين وأبو المتوكل خلافك بضم الخاء وتشديد اللام ورفع الفاء
قوله تعالى سنة من قد أرسلنا قال الفراء نصب السنة على العذاب المضمر أي يعذبون كسنتنا فيمن أرسلنا وقال الأخفش المعنى سنها سنة وقال الزجاج النصب بمعنى لا يلبثون وتأويله إنا سننا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك أنهم اذا اخرجوا نبيهم أو قتلوه لم يلبث العذاب أن ينزل بهم
أقم الصلوة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا
قوله تعالى أقم الصلاة أي أدها لدلوك الشمس أي عند دلوكها وذكر أبن الأنباري في اللام قولين أحدهما أنها بمعنى في والثاني أنها مؤكدة كقوله ردف لكم النمل 72 وقال ابو عبيدة دلوكها من عند زوالها الى أن تغيب وقال الزجاج ميلها وقت الظهيرة دلوك وميلها للغروب دلوك وقال الأزهري معنى الدلوك في كلام العرب الزوال ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة وإذا أفلت دالكة لأنها في الحالين زائلة

وللمفسرين في المراد بالدلوك هاهنا قولان
أحدهما أنه زوالها نصف النهار روى جابر بن عبد الله قال دعوت رسول الله صلى الله عليه و سلم ومن شاء من اصحابه فطعموا عندي ثم خرجوا حين زالت الشمس فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال اخرج يا أبا بكر فهذا حيث دلكت الشمس وهذا قول ابن عمر وأبي برزة وأبي هريرة والحسن والشعبي وسعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعبيد بن عمير وقتادة والضحاك ومقاتل وهو اختيار الأزهري قال الأزهري لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس فيكون المعنى أقم الصلاة من وقت زوال الشمس الى غسق الليل فيدخل فيها الأولى والعصر وصلاتا غسق الليل وهما العشاءان ثم قال وقرآن الفجر فهذه خمس صلوات
والثاني أنه غروبها قاله ابن مسعود والنخعي وابن زيد وعن ابن عباس كالقولين قال الفراء ورأيت العرب تذهب في الدلوك الى غيبوبة الشمس وهذا اختيار ابن قتيبة قال لأن العرب تقول دلك النجم اذا غاب قال ذو الرمة ... مصابيح ليست باللواتي تقودها ... نجوم ولا بالآفلات الدوالك

وتقول في الشمس دلكت براح يريدون غربت والناظر قد وضع كفه على حاجبه ينظر اليها قال الشاعر ... والشمس قد كادت تكون دنفا ... أدفعها بالراح كي تزحلفا ...
فشبهها بالمريض في الدنف لأنها قد همت بالغروب كما قارب الدنف الموت وانما ينظر اليها من تحت الكف ليعلم كم بقي لها الى ان تغيب ويتوقى الشعاع بكفه فعلى هذا المراد بهذه الصلاة المغرب فأما غسق الليل فظلامه
وفي المراد بالصلاة المتعلقة بغسق الليل ثلاثة أقوال
أحدها العشاء قاله ابن مسعود والثاني المغرب قاله ابن عباس قال القاضي ابو يعلى فيحتمل ان يكون المراد بيان وقت المغرب انه من غروب الشمس الى غسق الليل والثالث المغرب والعشاء قاله الحسن
قوله تعالى وقرآن الفجر المعنى وأقم قراءة الفجر قال المفسرون المراد به صلاة الفجر قال الزجاج وفي هذا فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة حين سميت الصلاة قرآنا

قوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودا روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار
قوله تعالى ومن الليل فتهجد به قال ابن عباس فصل بالقرآن قال مجاهد وعلقمة والأسود التهجد بعد النوم قال ابن قتيبة تهجدت سهرت وهجدت نمت وقال ابن الانباري التهجد هاهنا بمعنى التيقظ والسهر واللغويون يقولون هو من حروف الاضداد يقال للنائم هاجد ومتهجد وكذلك للساهر قال النابغة ... ولو انها عرضت لأشمط راهب ... عبد الآله صرورة متهجد ... لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولخاله رشدا وإن لم يرشد ...
يعني بالمجتهد الساهر وقال لبيد ... قال هجدنا فقد طال السرى ... وقدرنا إن خنا الدهر غفل

أي نومنا وقال الأزهري المتهجد القائم الى الصلاة من النوم وقيل له متهجد لإلقائه الجود عن نفسه كما يقال تحرج وتأئم
قوله تعالى نافلة نافلة لك النافلة في اللغة ما كان زائدا على الأصل
وفي معنى هذه الزيادة في حقه قولان
أحدهما أنها زائدة فيما فرض عليه فيكون المعنى فريضة عليك وكان قد فرض عليه قيام الليل هذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير
والثاني أنها زائدة على الفرض وليست فرضا فالمعنى تطوعا وفضيلة قال أبو أمامة والحسن ومجاهد انما النافلة للنبي صلى الله عليه و سلم خاصة قال مجاهد وذلك أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما زاد على فرضه فهو نافلة له وفضيلة وهو لغيره كفارة وذكر أهل العلم أن صلاة الليل كانت فرضا عليه في الابتداء ثم رخص له في تركها فصارت نافلة وذكر ابن الأنباري في هذا قولين
أحدهما يقارب ما قاله مجاهد فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا تنفل

لا يقدر له أن يكون بذلك ماحيا للذنوب لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وغيره إذا تنفل كان راجيا ومقدرا محو السيئات عنه بالتنفل فالنافلة لرسول الله صلى الله عليه و سلم زيادة على الحاجة وهي لغيره مفتقر اليها ومأمول بها دفع المكروه والثاني ان النافلة للنبي صلى الله عليه و سلم وأمته والمعنى ومن الليل فتهجدوا به نافله لكم فخوطب النبي صلى الله عليه و سلم بخطاب امته
قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك عسى من الله واجبه ومعنى يبعثك يقيمك مقاما محمودا وهو الذي يحمده لأجله جميع أهل الموقف وفيه قولان
أحدهما انه الشفاعة للناس يوم القيامة قاله ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وابن عمر وسلمان الفارسي وجابر بن عبدالله والحسن وهي رواية بن أبي نجيح عن مجاهد
والثاني يجلسه على العرش يوم القيامة روى أبو وائل عن عبدالله انه قرأ هذه الآية وقال يقعده على العرش وكذلك روى الضحاك عن ابن عباس وليث عن مجاهد
قوله تعالى وقل رب ادخلني مدخل صدق وقرأ الحسن وعكرمة والضحاك وحميد بن قيس وابن أبي عبلة بفتح الميم في مدخل

ومخرج قال الزجاج المدخل بضم الميم مصدر أدخلته مدخلا ومن قال مدخل صدق فهو على أدخلته فدخل مدخل صدق وكذلك شرح مخرج مثله
وللمفسرين في المراد بهذا المدخل والمخرج احد عشر قولا
أحدها أدخلني المدينة مدخل صدق وأخرجني من مكة مخرج صدق روى أبو ظبيان عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ثم أمر بالهجرة فنزلت عليه هذه الآية وإلى هذا المعنى ذهب الحسن في رواية سعيد بن جبير وقتادة وابن زيد
والثاني أدخلني القبر مدخل صدق وأخرجني منه مخرج صدق رواه العوفي عن ابن عباس
والثالث أدخلني المدينة واخرجني الى مكة يعني لفتحها رواه أبو صالح عن ابن عباس
والرابع أدخلني مكة مدخل صدق وأخرجني منها مخرج صدق فخرج منها آمنا من المشركين ودخلها ظاهرا عليها يوم الفتح قاله الضحاك
والخامس أدخلني مدخل صدق الجنة وأخرجني مخرج صدق من مكة الى المدينة رواه قتادة عن الحسن
والسادس أدخلني في النبوة والرسالة وأخرجني منها مخرج صدق قاله مجاهد يعني أخرجني مما يجب علي فيها
والسابع أدخلني في الإسلام وأخرجني منه قاله ابو صالح يعني من أداء ما وجب علي فيه إذا جاء الموت

والثامن أدخلني في طاعتك وأخرجني منها أي سالما غير مقصر في أدائها قاله عطاء
والتاسع أدخلني الغار وأخرجني منه قاله محمد بن المنكدر
والعاشر أدخلني في الدين وأخرجني من الدنيا وأنا على الحق ذكره الزجاج
والحادي عشر أدخلني مكة وأخرجني إلى حنين ذكره ابو سليمان الدمشقي
وأما اضافة الصدق الى المدخل والمخرج فهو مدح لهما وقد شرحنا هذا المعنى في سورة يونس 2
قوله تعالى وأجعل لي من لدنك أي من عندك سلطانا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها انه التسلط على الكافرين بالسيف وعلى المنافقين بإقامة الحدود قاله الحسن والثاني انه الحجة البينة قاله مجاهد والثالث الملك العزيز الذي يقهر به العصاة قاله قتادة وقال ابن الأنباري وقوله نصيرا يجوز أن يكون بمعنى منصرا ويصلح أن يكون تأويله ناصرا
قوله تعالى وقل جاء الحق وزهق الباطل فيه اربعة أقوال
أحدها ان الحق الإسلام والباطل الشرك قاله ابو صالح عن ابن عباس والثاني ان الحق القرآن والباطل الشيطان قاله قتادة والثالث أن الحق الجهاد والباطل الشرك قاله بن جريج والرابع الحق عبادة الله والباطل عبادة الأصنام قاله مقاتل ومعنى زهق بطل واضمحل وكل شيء هلك وبطل فقد زهق وزهقت نفسه تلفت
وروى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة وحول البيت ثلاثمائة

وستون صنما فجعل يطعنها ويقول جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا
فان قيل كيف قلتم ان زهق بمعنى بطل والباطل موجود معمول عليه عند اهله
فالجواب أن المراد من بطلانه وهلكته وضوح عيبه فيكون هالكا عند المتدبر الناظر
وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا
قوله تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء من هاهنا لبيان الجنس فجميع القرآن شفاء وفي هذا الشفاء ثلاثة أقوال
أحدها شفاء من الضلال لما فيه من الهدى والثاني شفاء من السقم لما فيه من البركة والثالث شفاء من البيان للفرائض والأحكام
وفي الرحمة قولان أحدهما النعمة والثاني سبب الرحمة
قوله تعالى ولا يزيد الظالمين يعني المشركين إلا خسارا لأنهم يكفرون به ولا ينتفعون بمواعظه فيزيد خسرانهم
وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونآ بجانبه وإذ مسه الشر كان يؤسا قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا

قوله تعالى واذا انعمنا على الإنسان قال ابن عباس الانسان هاهنا الكافر والمراد به الوليد بن المغيرة قال المفسرون وهذا الإنعام سعة الرزق وكشف البلاء ونأى بجانبه قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم ونأى على وزن نعى بفتح النون والهمزة وقرأ ابن عامر ناء مثل باع وقرأ الكسائي وخلف عن سليم عن حمزة وناء باماله النون والهمزة وروى خلاد عن سليم نئي بفتح النون وكسر الهمزة والمعنى تباعد عن القيام بحقوق النعم وقيل تعظم وتكبر واذا مسه الشر أي نزل به البلاء والفقر كان يؤوسا أي قنوطا شديد اليأس لا يرجو فضل الله
قوله تعالى قل كل يعمل على شاكلته فيها ثلاثة أقوال
أحدها على ناحيته قاله ابن عباس وسعيد بن جبير قال الفراء الشاكلة الناحية والجديلة والطريقة سمعت بعض العرب يقول وعبد الملك اذ ذاك على جديلته وابن الزبير على جديلته يريد على ناحيته وقال أبو عبيدة على ناحيته وخليقته وقال ابن قتيبة على خليقته وطبيعته وهو من الشكل يقال لست على شكلي ولا شاكلتي وقال الزجاج على طريقته وعلى مذهبه
والثاني على نيته قاله الحسن ومعاوية بن قرة وقال الليث الشاكلة من الأمور ما وافق فاعله
والثالث على دينه قاله ابن زيد وتحرير المعنى أن كل واحد يعمل على طريقته التي تشاكل أخلاقه فالكافر يعمل ما يشبه طريقته من الإعراض عند النعم واليأس عند الشدة والمؤمن يعمل ما يشبه طريقته من الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء والله يجازي الفريقين وذكر ابو صالح عن ابن عباس ان

هذه الآية منسوخة بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتمهوهم التوبة 5 وليس بشيء
ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
قوله تعالى ويسألونك عن الروح في سبب نزولها قولان
احدهما ان رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بناس من اليهود فقالوا سلوه عن الروح فقال بعضهم لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون فأتاه نفر منهم فقالوا يا أبا القاسم ما تقول في الروح فسكت ونزلت هذه الآية قاله ابن مسعود
والثاني ان اليهود قالت لقريش سلوا محمدا عن ثلاث فان اخبركم عن اثنتين وامسك عن الثالثة فهو نبي سلوه عن فتية فقدوا وسلوه عن ذي القرنين وسلوه عن الروح فسألوه عنها ففسر لهم أمر الفتية في الكهف وفسر لهم قصة ذي القرنين وأمسك عن قصة الروح فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عباس

وفي المراد بالروح هاهنا ستة أقوال
أحدها انه الروح الذي يحيا به البدن روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس وقد اختلف الناس في ماهية الروح ثم اختلفوا هل الروح النفس ام هما شيئان فلا يحتاج الى ذكر اختلافهم لأنه لا برهان على شيء من ذلك وإنما هو شيء أخذوه عن الطب والفلاسفة فأما السلف فانهم أمسكوا عن ذلك لقوله تعالى قل الروح من أمر ربي فلما رأوا أن القوم سألوا عن الروح فلم يجابوا ولوحي ينزل والرسول حي علموا أن السكوت عما لم يحط بحقيقة علمه أولى
والثاني أن المراد بهذا الروح ملك من الملائكة على خلقه هائلة روي عن علي عليه السلام وابن عباس ومقاتل
والثالث ان الروح خلق من خلق الله عز و جل صورهم على صور بني آدم رواه مجاهد عن ابن عباس
والرابع أنه جبريل عليه السلام قاله الحسن وقتادة
والخامس أنه القرآن روي عن الحسن ايضا
والسادس أنه عيسى بن مريم حكاه الماوردي قال ابو سليمان الدمشقي قد ذكر الله تعالى الروح في مواضع من القرآن فغالب ظني أن الناقلين نقلوا تفسيره من موضعه إلى موضع لا يليق به وظنوه مثله وإنما هو الروح الذي يحيى به ابن آدم وقوله من أمر ربي أي من عمله الذي منع إن يعرفه أحد قوله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا في المخاطبين بهذا قولان
أحدهما أنهم اليهود قاله الأكثرون

والثاني أنهم جميع الخلق علمهم قليل بالإضافة إلى علم الله عز و جل ذكره الماوردي
فان قيل كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا البقرة 269
فالجواب أن ما أوتيه الناس من العلم وان كان كثيرا فهو بالإضافة الى علم الله قليل
ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا
قوله تعالى ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك قال الزجاج المعنى لو شئنا لمحوناه من القلوب والكتب حتى لا يوجد له أثر ثم لا تجد لك به علينا وكيلا أي لا تجد من يتوكل علينا في رد شيء منه الا رحمة من ربك هذا استنثاء ليس من الأول والمعنى لكن الله رحمك فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين وقال ابن الأنباري المعنى لكن رحمة من ربك تمنع من أن تسلب القرآن وكان المشركون قد خاطبوا نساءهم من المسلمين في الرجوع الى دين آبائهم فهددهم الله عز و جل بسلب النعمة فكان ظاهر الخطاب للرسول ومعنى التهدد للأمة وقال ابو سليمان ثم لا تجد لك به أي بما نفعله بك من إذهاب ما عندك وكيلا يدفعنا عما نريده بك وروي عن عبدالله ابن مسعود انه قال يسرى على القرآن في ليلة واحدة فيجيء جبريل من جوف الليل فيذهب به من صدورهم ومن بيوتهم فيصبحون لا يقرؤون آية

ولا يحسونها ورد أبو سليمان الدمشقي صحة هذا الحديث بقوله عليه الصلاة و السلام ان الله لا يقبض العلم انتزاعا وحديث ابن مسعود مروي من طرق حسان فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم أراد بالعلم ما سوى القرآن فان العلم ما يزال ينقرض حتى يكون رفع القرآن آخر الأمر
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
قوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن قال المفسرون هذا تكذيب للنضر بن الحارث حين قال لو شئنا لقلنا مثل هذا والمثل الذي طلب منهم كلام له نظم كنظم القرآن في أعلى طبقات البلاغة والظهير المعين

ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا
قوله تعالى ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن قد فسرناه في هذه السورة الاسراء 41 والمعنى من كل مثل من الأمثال التي يكون بها الاعتبار فأبى أكثر الناس يعني أهل مكة الا كفورا أي جحودا للحق وانكارا
قوله تعالى وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا سبب نزول هذه الآية وما يتبعها أن رؤساء قريش كعتبة وشيبة وأبي جهل وعبدالله بن أبي أمية والنضر بن الحارث في آخرين اجتمعوا عند الكعبة فقال بعضهم لبعض ابعثوا الى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذورا فيه فبعثوا اليه ان أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك فجاءهم سريعا وكان حريصا على رشدهم فقالوا محمد إنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فان كنت انما جئت بهذا لتطلب مالا جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالا وان كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كان هذا الرئي الذي يأتيك قد غلب عليك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن تقبلوا

مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم قالوا يا محمد فان كنت غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلادا ولا أشد عيشا منا سل لنا ربك يسير لنا هذه الجبال التي ضيقت علينا ويجري لنا أنهارا ويبعث من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلام فانه كان شيخا صدوقا فنسائله عما تقول أحق هو فان فعلت صدقناك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما بهذا بعثت وقد أبلغتكم ما ارسلت به قالوا فسل ربك أن يبعث ملكا يصدقك وسله أن يجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك قال ما أنا بالذي يسأل ربه هذا قالوا فأسقط السماء علينا كما زعمت بأن ربك إن شاء فعل فقال ذلك إلى الله عز و جل فقال قائل منهم لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا وقال عبد الله بن أبي أمية لا أؤمن لك حتى تتخذ الى السماء سلما وترقى فيه وأنا أنظر وتأتي بنسخة منشورة معك وتفر من الملائكة يشهدون لك فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم حزينا لما رأى من مباعدتهم إياه فأنزل الله تعالى وقالوا لن نؤمن لك الآيات رواه عكرمة عن ابن عباس
قوله تعالى حتى تفجر قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر حتى تفجر بضم التاء وفتح الفاء وتشديد الجيم مع الكسرة وقرأ عاصم وحمزة والكسائي حتى تفجر بفتح التاء وتسكين الفاء وضم الجيم مع التخفيف فمن ثقل أراد كثرة الانفجار من الينبوع ومن خفف فلأن

الينبوع واحد فأما الينبوع فهو عين ينبع الماء منها قال أبو عبيدة هو يفعول من نبع الماء أي ظهر وفار
قوله تعالى أو تكون لك جنة أي بستان فتفجر الأنهار أي تفتحها وتجريها خلالها أي وسط تلك الجنة
قوله تعالى أو تسقط السماء وقرأ مجاهد وأبو مجلز وأبو رجاء وحميد والجحدري أو تسقط بفتح التاء ورفع القاف السماء بالرفع
قوله تعالى كسفا قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي كسفا بتسكين السين في جميع القرآن إلا في الروم 48 فانهم حركوا السين وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم بتحريك السين في الموضعين وفي باقي القرآن بالتسكين وقرأ ابن عامر هاهنا بفتح السين وفي باقي القرآن بتسكينها قال الزجاج من قرأ كسفا بفتح السين جعلها جمع كسفة وهي القطعة ومن قرأ كسفا بتسكين السين فكأنهم قالوا أسقطها طبقا علينا واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته يعنون أسقطها علينا قطعة واحدة وقال ابن الأنباري من سكن قال تأويله سترا وتغطية من قولهم قد انكسفت الشمس إذا غطاها ما يحول بين الناظرين إليها وبين أنوارها
قوله تعالى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا فيه ثلاثة أقوال
أحدها عيانا رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال قتادة وابن جريج ومقاتل وقال ابو عبيدة معناه مقابلة أي معاينة وأنشد للأعشى ... نصالحكم حتى تبوؤوا بمثلها ... كصرخة حبلى يسرتها قبيلها

أي قابلتها ويروى وجهتها يعني بدل يسرتها
والثاني كفيلا أنك رسول الله قاله أبو صالح عن ابن عباس واختاره الفراء قال القبيل والكفيل والزعيم سواء تقول قبلت وكفلت وزعمت
والثالث قبيلة قبيلة كل قبيلة على حدتها قاله الحسن ومجاهد فأما الزخرف فالمراد به الذهب وقد شرحنا أصل هذه الكلمة في يونس 24وترقى بمعنى تصعد يقال رقيت أرقى رقيا
قوله تعالى حتى تنزل علينا كتابا قال ابن عباس كتابا من رب العالمين الى فلان بن فلان يصبح عند كل واحد منا يقرؤه
قوله تعالى قل سبحان ربي قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي قل وقرأ ابن كثير وابن عامر قال وكذلك هي في مصاحف اهل مكة والشام هل كنت الا بشرا رسولا أي أن هذه الأشياء ليست في قوى البشر
فان قيل لم اقتصر على حكاية قالوا من غير إيضاح الرد فالجواب أنه لما خصهم بقوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلم يكن في وسعهم عجزهم فكأنه يقول قد أوضحت لكم بما سبق من الآيات ما يدل على بنوتي ومن ذلك التحدي بمثل هذا القرآن فأما عنتكم فليس في وسعي ولأنهم الحوا عليه في هذه الأشياء ولم يسألوه أن يسأل ربه فرد قولهم بكونه بشرا فكفى ذلك في الرد
وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث ألله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملئكة يمشون

مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا نصيرا
قوله تعالى وما منع الناس أن يؤمنوا قال ابن عباس يريد أهل مكة قال المفسرون ومعنى الآية وما منعهم من الإيمان إذ جاءهم الهدى وهو البيان والإرشاد في القرآن إلا أن قالوا أي إلا قولهم في التعجب والإنكار أبعث الله بشرا رسولا وفي الآية اختصار تقديره هلا بعث الله ملكا رسولا فأجيبوا على ذلك بقوله تعالى قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين أي مستوطنين الأرض ومعنى الطمأنينة السكون والمراد من الكلام أن رسول كل جنس ينبغي أن يكون منهم
قوله تعالى قل كفى بالله شهيدا قد فسرناه في الرعد 43 إنه كان بعباده خبيرا بصيرا قال مقاتل حين اختص الله محمدا بالرسالة
ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا ءإذا كنا عظاما ورفاتا ءإنا لمبعوثون خلقا جديدا أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا
قوله تعالى من يهدي الله فهوالمهتدي قرأ نافع وأبو عمرو بالياء في الوصل وحذفاها في الوقف وأثبتها يعقوب في الوقف وحذفها الأكثرون في

الحالتين من يهد الله قال ابن عباس من يرد الله هداه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه يهدونهم
قوله تعالى ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يمشيهم على وجوههم وشاهده ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال إن الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة
والثاني أن المعنى ونحشرهم مسحوبين على وجوههم قاله ابن عباس
والثالث نحشرهم مسرعين مبادرين فعبر بقوله على وجوههم عن الإسراع كما تقول العرب قد مر القوم على وجوههم إذا أسرعوا قاله ابن الأنباري
قوله تعالى عميا وبكما وصما فيه قولان
أحدهما عميا لا يرون شيئا يسرهم وبكما لا ينطقون بحجة وصما لا يسمعون شيئا يسرهم قاله ابن عباس وقال في رواية عميا عن النظر الى ما جعل لأوليائه وبكما عن مخاطبة الله وصما عما مدح به اولياءه وهذا قول الأكثرين
والثاني أن هذا الحشر في بعض أحوال القيامة بعد الحشر الأول قال مقاتل هذا يكون حين يقال لهم اخسؤوا فيها المؤمنون 108 فيصيرون عميا بكما صما لا يرون ولا يسمعون ولا ينطقون بعد ذلك
قوله تعالى كلما خبت قال ابن عباس أي سكنت قال المفسرون وذلك أنها تأكلهم فاذا لم تبق منهم شيئا وصاروا فحما ولم تجد شيئا تأكله

سكنت فيعادون خلقا جديدا فتعود لهم وقال ابن قتيبة يقال خبت النار إذا سكن لهبها فالهلب يسكن والجمر يعمل فان سكن اللهب ولم يطفأ الجمر قيل خمدت تخمد خمودا فان طفئت ولم يبق منها شيء قيل همدت تهمد همودا ومعنى زدناهم سعيرا نارا تتسعر أي تتلهب وما بعد هذا قد سبق تفسيره الاسراء 49 الى قوله قادر على أن يخلق مثلهم أي على أن يخلقهم مرة ثانية وأراد ب مثلهم إياهم وذلك أن مثل الشيء مساو له فجاز أن يعبر به عن نفس الشيء يقال مثلك لا يفعل هذا أي أنت ومثله قوله فان آمنوا بمثل ما آمنتم به البقرة 137 وقدتم الكلام عند قوله مثلهم ثم قال وجعل لهم أجلا لا ريب فيه يعني أجل البعث فابى الظالمون إلا كفورا أي جحودا بذلك الأجل
قوله تعالى قل لو انتم تملكون خزائن رحمة ربي قال الزجاج المعنى لو تملكون انتم قال الملمس ... ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... نصبت لهم فوق العرانين ميسما ...
المعنى لو أراد غير أخوالي
وفي هذه الخزائن قولان
أحدهما خزائن الأرزاق والثاني خزائن النعم فيخرج في الرحمة قولان أحدهما الرزق والثاني النعمة وتحرير الكلام لو ملكتم ما يملكه الله عز و جل لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفاقة وكان الإنسان يعني الكافر قتورا أي بخيلا ممسكا يقال قتر يقتر وقتر يقتر إذا قصر في الإنفاق وقال الماوردي لو ملك أحد من المخلوقين من خزائن الله تعالى لما جاد

كجود الله تعالى لأمرين أحدهما أنها لا بد أن يمسك منه لنفقته ومنفعته والثاني أنه يخاف الفقر والله تعالى منزه في جوده عن الحالين
ثم إن الله تعالى ذكر إنكار فرعون آيات موسى تشبيها بحال هؤلاء المشركين فقال ولقد آتينا موسى تسع آيات وفيها قولان
أحدهما أنها بمعنى المعجزات والدلالات ثم اتفق جمهور المفسرين على سبع آيات منها وهي يده والعصا والطوفان والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وا في الآيتين الآخرتين على ثمانية أقوال أحدها أنهما لسانه والبحر الذي فلق له رواه العوفي عن ابن عباس يعني بلسانه أنه كان فيه عقدة فحلها الله تعالى له والثاني البحر والجبل الذي نتق فوقهم رواه الضحاك عن ابن عباس والثالث السنون ونقص الثمرات رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال مجاهد والشعبي وعكرمة وقتادة وقال الحسن السنون ونقص الثمرات آية واحدة والرابع البحر والموت أرسل عليهم قاله الحسن ووهب والخامس الحجر والبحر قاله سعيد بن جبير والسادس لسانه وإلقاء العصا مرتين عند فرعون قاله الضحاك والسابع البحر والسنون قاله محمد بن كعب والثامن ذكره محمد بن اسحاق عن محمد بن كعب ايضا فذكر السبع الآيات الأولى إلا أنه جعل مكان يده البحر وزاد الطمسة والحجر يعني قوله اطمس على أموالهم يونس 88
والثاني أنها آيات الكتاب روى ابو داود السجستاني من حديث صفوان ابن عسال أن يهوديا قال لصاحبه تعال حتى نسأل هذا النبي فقال الآخر لا تقل انه نبي فانه لو سمع ذلك صارت له أربعة أعين فأتياه فسالاه عن تسع آيات بينات فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق

ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا بالبريء الى السلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تقذفوا المحصنات ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة يهود ألا تعدوا في السبت قال فقبلا يده وقالا نشهد أنك نبي
ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فسئل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والارض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الاخرة جئنا بكم لفيفا
قوله تعالى فاسال بني اسرائيل قرأ الجمهور فاسأل على معنى الأمر لرسول الله صلى الله عليه و سلم وإنما أمر أن يسأل من آمن منهم عما اخبر به عنهم ليكون حجة

على من لم يؤمن منهم وقرا ابن عباس فسأل بني أسرائيل على معنى الخبر عن موسى أنه سأل فرعون أن يرسل معه بني اسرائيل فقال له فرعون إني لأظنك أي لأحسبك يا موسى مسحورا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها مخدوعا قاله ابن عباس والثاني مسحورا قد سحرت قاله ابن السائب والثالث ساحرا فوضع مفعولا في موضع فاعل هذا مروي عن الفراء وأبي عبيدة فقال موسى لقد علمت قرأ الجمهور بفتح التاء وقرأ علي عليه السلام بضمها وقال والله ما علم عدو الله ولكن موسى هوالذي علم فبلغ ذلك ابن عباس فاحتج بقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم النمل 14 واختار الكسائي وثعلب قراءة علي عليه السلام وقد رويت عن ابن عباس وأبي رزين وسعيد بن جبير وأبن يعمر واحتج من نصرها بأنه لما نسب موسى إلى أنه مسحور أعلمه بصحة عقله بقوله لقد علمت والقراءة الأولى أصح لاختيار الجمهور ولأنه قد أبان موسى من المعجزات ما أوجب علم فرعون بصدقه فلم يرد عليه الا بالتعلل والمدافعة فكأنه قال لقد علمت بالدليل والحجة ما أنزل هؤلاء يعني الآيات وقد شرحنا معنى البصائر في الأعراف 203
قوله تعالى وإني لأظنك قال أكثر المفسرين الظن هاهنا بمعنى العلم على خلاف ظن فرعون في موسى وسوى بينهما بعضهم فجعل الأول بمعنى العلم أيضا
وفي المثبور ستة أقوال
أحدها أنه الملعون روه ابو صالح عن ابن عباس وبه قال الضحاك والثاني المغلوب رواه العفوي عن ابن عباس والثالث الناقص العقل رواه

ميمون بن مهران عن ابن عباس والرابع المهلك رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال ابو عبيدة وابن قتيبة قال الزجاج يقال ثبر الرجل فهو مثبور إذا أهلك والخامس الهالك قاله مجاهد والسادس الممنوع من الخير تقول العرب ما ثبرك عن هذا أي ما منعك قاله الفراء
قوله تعالى فأراد أن يستفزهم من الأرض يعني فرعون أراد أن يستفز بني أسرائيل من أرض مصر وفي معنى يستفزهم قولان
أحدهما يستأصلهم قاله ابن عباس
والثاني يستخفهم حتى يخرجوا قاله ابن قتيبة وقال الزجاج جائز أن يكون استفزازهم اخراجهم منها بالقتل أو بالتنحية قال العلماء وفي هذه الآية تنبيه على نصرة رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه لما خرج موسى فطلبه فرعون هلك فرعون وملك موسى وكذلك أظهر الله نبيه بعد خروجه من مكة حتى رجع اليها ظاهرا عليها
قوله تعالى وقلنا من بعده أي من بعد هلاك فرعون لبني أسرائيل اسكنوا الأرض وفيها ثلاث أقوال
أحدها فلسطين والأردن قاله ابن عباس والثاني أرض وراء الصين قال مقاتل والثالث أرض مصر والشام
قوله تعالى فاذا جاء وعد الآخرة يعني القيامة جئنا بكم لفيفا أي جميعا قاله ابن عباس ومجاهد وابن قتيبة وقال الفراء لفيفا أي من هاهنا ومن هاهنا وقال الزجاج اللفيف الجماعات من قبائل شتى

وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا
قوله تعالى وبالحق أنزلناه الهاء كناية عن القرآن والمعنى أنزلنا القرآن بالأمر الثابت والدين المستقيم فهو حق ونزوله حق وما تضمنه حق وقال ابو سليمان الدمشقي وبالحق أنزلناه أي بالتوحيد وبالحق نزل يعني بالوعد والوعيد والأمر والنهي
قوله تعالى وقرآنا فرقناه قرأ علي عليه السلام وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وأبو رزين ومجاهد والشعبي وقتادة والأعرج وأبو رجاء وابن محيصن فرقناه بالتشديد وقرأ الجمهور بالتخفيف
فأما قراءة التخفيف ففي معتاها ثلاثة أقوال
أحدها بينا حلاله وحرامه رواه الضحاك عن ابن عباس
والثاني فرقنا فيه بين الحق والباطل قاله الحسن
والثالث أحكمناه وفصلناه كقوله تعالى فيها يفرق كل أمر حكيم الدخان 4 قاله الفراء وأما المشددة فمعناها أنه أنزل متفرقا ولم ينزل جملة واحدة وقد بينا في أول كتابنا هذا مقدار المدة التي نزل فيها

قوله تعالى لتقرأه على الناس على مكث قرأ أنس والشعبي والضحاك وقتادة وأبو رجاء وأبان عن عاصم وابن محيصن بفتح الميم والمعنى على تؤدة وترسل ليتدبروا معناه
قوله تعالى قل آمنوا به أو لا تؤمنوا هذا تهديد لكفار أهل مكة والهاء كناية عن القرآن إن الذين أوتوا العلم وفيهم ثلاثة أقوال
أحدها أنهم ناس من أهل الكتاب قاله مجاهد
والثاني أنهم الأنبياء عليهم السلام قاله ابن زيد
والثالث طلاب الدين كأبي ذر وسلمان وورقة بن نوفل وزيد ابن عمرو قاله الواحدي
وفي هاء الكناية في قوله من قبله قولان
أحدهما أنها ترجع إلى القرآن والمعنى من قبل نزوله
والثاني ترجع الى رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله ابن زيد فعلى الأول اذا يتلى عليهم القرآن وعلى قول ابن زيد اذا يتلى عليهم ما انزل اليهم من عند الله
قوله تعالى يخرون للأذقان اللام هاهنا بمعنى على قال ابن عباس قوله للأذقان أي للوجوه قال الزجاج الذي خير وهو قائم إنما يخر لوجهه والذقن مجتمع اللحيين وهو عضو من أعضاء الوجه فاذا ابتدأ يخر فأقرب الأشياء من وجهه الى الأرض الذقن وقال ابن الأنباري أول ما يلقى الأرض من الذي يخر قبل ان يصوب جبتهه ذقنه فلذلك قال

للأذقان ويجوز أن يكون المعنى يخرون للوجوه فاكتفى بالذقن من الوجه كما يكتفى بالبعض من الكل وبالنوع من الجنس
قوله تعالى ويقولون سبحان ربنا نزهوا الله تعالى عن تكذيب المكذبين بالقرآن وقالوا ان كان وعد ربنا بانزال القرآن وبعث محمد صلى الله عليه و سلم لمفعولا واللام دخلت للتوكيد وهؤلاء قوم كانوا يسمعون أن الله باعث نبيا من العرب ومنزل عليه كتابا فلما عاينوا ذلك حمدوا الله تعالى على انجاز الوعد ويخرون للأذقان كرر القول ليدل على تكرار الفعل منهم ويزيدهم خشوعا أي يزيدهم القرآن تواضعا وكان عبد الأعلى التيمي يقول من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن لا يكون أوتي علما ينفعه لأن الله تعالى نعت العلماء فقال ان الذين اوتوا العلم إلى قوله يبكون
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا
قوله تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن الآية هذه الأية نزلت على سببين نزل أولها إلى قوله الحسنى على سبب وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تهجد ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده يا رحمن يا رحيم فقال المشركون كان محمد يدعو إلها واحدا فهو الآن

يدعو إلهين اثنين الله والرحمن ما نعرف الرحمن الا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة فأنزل الله هذه الآية قاله ابن عباس
والثاني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يكتب في أول ما أوحي اليه باسمك اللهم حتى نزل إنه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم النمل 30 فكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال مشركو العرب هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن فنزلت هذه الاية قاله ميمون بن مهران
والثالث أن اهل الكتاب قالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم فنزلت هذه الآية قاله الضحاك
فأما قوله ولا تجهر بصلاتك فنزل على سبب وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرفع صوته بالقرآن بمكة فيسب المشركون القرآن و من أتى به فخفض رسول الله صلى الله عليه و سلم صوته بعد ذلك حتى لم يسمع المشركون فيسبوا القرآن ولا تخافت بها عن أصحابك فلا يسمعون قاله ابن عباس
والثاني أن الأعرابي كان يجهر في التشهد ويرفع صوته فنزلت هذه الآية هذا قول عائشة
والثالث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي بمكة عند الصفا فجهر بالقرآن في صلاة الغداة فقال أبو جهل لاتفتر على الله فخفض النبي صلى الله عليه و سلم صوته فقال

أبو جهل للمشركين الا ترون ما فعلت بابن ابي كبشة رددته عن قراءته فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
فأما التفسير فقوله قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن المعنى إن شئتم فقولوا يا ألله وإن شئتم فقولوا يارحمن فانهما يرجعان إلى واحد أيا ما تدعوا المعنى أي أسماء الله تدعوا قال الفراء وما قد تكون صلة كقوله عما قليل ليصبحن نادمين المؤمنون 40 وتكون في معنى أي معادة لما اختلف لفظهما
قوله تعالى ولا تجهر بصلاتك فيه قولان
أحدهما أنها الصلاة الشرعية ثم في المراد بالكلام ستة أقوال
أحدها لاتجهر بقراءتك ولا تخافت بها فكأنه نهي عن شدة الجهر بالقراءة وشدة المخافتة قاله ابن عباس فعلى هذا في تسمية القراءة بالصلاة قولان ذكرهما ابن الأنباري أحدهما أن يكون المعنى فلا تجهر بقراءة صلاتك والثاني أن القراءة بعض الصلاة فنابت عنها كما قيل لعيسى كلمة الله لأنه بالكلمة كان
والثاني لا تصل مراءاة للناس ولا تدعها مخافة الناس قاله ابن عباس ايضا
والثالث لا تجهر بالتشهد في صلاتك روي عن عائشة في رواية وبه قال ابن سيرين
والرابع لا تجهر بفعل صلاتك ظاهرا ولا تخافت بها شديد الاستتار قاله عكرمة
والخامس لا تحسن علانيتها وتسيء سريرتها قاله الحسن
والسادس لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بجميعها فاجهر في صلاة الليل وخافت في صلاة النهار على ما أمرناك به ذكره القاضي ابو يعلى

والقول الثاني أن المراد بالصلاة الدعاء وهو قول عائشة وأبي هريرة ومجاهد
قوله تعالى ولا تخافت بها المخافتة الإخفاء يقال صوت خفيت وابتغ بين ذلك سبيلا أي اسلك بين الجهر والمخافتة طريقا وقد روي عن ابن عباس انه قال نسخت هذه الآية بقوله واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول الأعراف 205 وقال ابن السائب نسخت بقوله فاصدع بما تؤمر الحجر 94 وعلى التحقيق وجود النسخ هاهنا بعيد
قوله تعالى ولم يكن له شريك في الملك وقرأ ابو المتوكل وأبو الجوزاء وطلحة بن مصرف في الملك بكسر الميم ولم يكن له ولي من الذل قال مجاهد لم يحالف أحدا ولم يبتغ نصر أحد والمعنى أنه لا يحتاج الى موالاة أحد لذل يلحقه فهو مستغن عن الولي والنصير وكبره تكبيرا أي عظمه تعظيما تاما

سورة الكهف
فصل في نزولها
روى أبو صالح عن ابن عباس أن سورة الكهف مكية وكذلك قال الحسن ومجاهد وقتادة وهذا اجماع المفسرين من غير خلاف نعلمه إلا أنه قد روي عن ابن عباس وقتادة أن منها آية مدنية وهي قوله واصبر نفسك الكهف 28 وقال مقاتل من أولها الى قوله تعالى صعيدا جرزا الكهف 8 مدني وقوله تعالى ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات الكهف 107108 الآيتان مدنية وباقيها مكي وروى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من حفظ عشر آيات من أول الكهف ثم أدرك الدجال لم يضره ومن حفظ خواتيم سورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم اجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا مالهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا
قوله تعالى الحمد لله قد شرحناه في أول الفاتحة والمراد بعبده هاهنا محمد صلى الله عليه و سلم وبالكتاب القرآن تمدح بانزاله لأنه انعام على الرسول خاصة وعلى الناس عامة قال العلماء باللغة والتفسير في هذه الآية تقديم وتأخير تقديرها أنزل على عبده الكتاب قيما أي مستقيما عدلا وقرأ أبو رجاء وابو المتوكل وأبو الجوزاء وابن يعمر والنخعي والأعمش قيما بكسر القاف وفتح الياء وقد فسرناه في الأنعام 161
قوله تعالى ولم يجعل له عوجا أي لم يجعل فيه اختلافا وقد سبق بيان العوج في آل عمران 99
قوله تعالى لينذر بأسا شديدا أي عذابا شديدا من لدنه أي من عنده ومن قبله والمعنى لينذر الكافرين ويبشر المؤمنين الذين يعلمون الصالحات أن لهم أي بأن لهم اجرا حسنا وهو الجنة ماكثين

أي مقيمين وهو منصوب على الحال وينذر بعذاب الله الذين قالوا اتخذ الله ولدا وهم اليهود حين قالوا عزير ابن الله والنصارى حين قالوا المسيح ابن الله والمشركون حين قالوا الملائكة بنات الله ما لهم به أي بذلك القول من علم لأنهم قالوا أفترى على الله ولا لآبائهم الذين قالوا ذلك كبرت أي عظمت كلمة الجمهور على النصب وقرأ ابن مسعود والحسن ومجاهد وأبو رزين وأبو رجاء ويحيى بن يعمر وابن محيصن وابن أبي عبلة كلمة بالرفع قال الفراء من نصب أضمر كبرت تلك الكلمة كلمة ومن رفع لم يضمر شيئا كما تقول عظم قولك وقال الزجاج من نصب فالمعنى كبرت مقالتهم اتخذ الله ولدا كلمة وكلمة منصوب على التمييز ومن رفع فالمعنى عظمت كلمة هي قولهم اتخذ الله ولدا
قوله تعالى تخرج من أفواههم أي إنها قول بالفم لا صحة لها ولا دليل عليها ان يقولون أي ما يقولون إلا كذبا ثم عاتبه على حزنه لفوت ما كان يرجو من اسلامهم فقال فلعلك باخع نفسك وقرأ سعيد ابن جبير وابو الجوزاء وقتادة باخع نفسك بكسر السين على الإضافة قال المفسرون واللغويون فلعلك مهلك نفسك وقاتل نفسك وانشد أبو عبيدة لذي الرمة ... ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه ... لشيء نحته عن يديه المقادر ...
أي تحته

فان قيل كيف قال فلعلك والغالب عليها الشك والله عالم بالأشياء قبل كونها
فالجواب أنها ليست بشك إنما هي مقدرة تقدير الاستفهام الذي يعني به التقرير فالمعنى هل أنت قاتل نفسك لا ينبغي أن يطول أساك على إعراضهم فان من حكمنا عليه بالشقوة لا تجدي عليه الحسرة ذكره ابن الأنباري
قوله تعالى على آثارهم أي من بعد توليهم عنك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث يعني القرآن أسفا وفيه اربعة أقوال
أحدها حزنا قاله ابن عباس وابن قتيبة والثاني جزعا قاله مجاهد والثالث غضبا قاله قتادة والرابع ندما قاله السدي وقال ابو عبيدة ندما وتلهفا وأسى قال الزجاج الأسف المبالغة في الحزن أو الغضب يقال قد أسف الرجل فهو أسيف قال الشاعر ... أرى رجلا منهم أسيفا كأنهما ... يضم إلى كشحيه كفا مخضبا ...
وهذه الآية يشير بها الى نهي رسول الله صلى الله عليه و سلم عن كثرة الحرص على إيمان قومه لئلا يؤدي ذلك إلى هلاك نفسه بالأسف
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم احسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا
قوله تعالى إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها فيه أربعة أقوال
أحدها أنهم الرجال رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والثاني العلماء

رواه مجاهد عن ابن عباس فعلى هذين القولين تكون ما في موضع من لأنها في موضع إبهام قاله ابن الانباري والثالث أنه ما عليها من شيء قاله مجاهد والرابع النبات والشجر قالاه مقاتل وقول مجاهد أعم يدخل فيه النبات والماء والمعادن وغير ذلك
فان قيل قد نرى بعض ما على الأرض سمجا وليس بزينة
فالجواب أنا إن قلنا إن المراد به شيء مخصوص فالمعنى إنا جعلنا بعض ما على الأرض زينة لها فخرج مخرج العموم ومعناه الخصوص وإن قلنا هم الرجال أو العلماء فلعبادتهم أو لدلالتهم على خالقهم وإن قلنا النبات والشجر فلأنه زينة لها تجري مجرى الكسوة والحلية وإن قلنا إنه عام في كل ما عليها فلكونه دالا على خالقه فكأنه زينة الأرض من هذه الجهة
قوله تعالى لنبلوهم أي لنختبر الخلق والمعنى لنعاملهم معاملة المبتلى قال ابن الأنباري من قال إن ما على الأرض يعني به النبات قال الهاء والميم ترجع إلى سكان الأرض المشاهدين للزينة ومن قال ما على الأرض الرجال رد الهاء والميم على ما لأنها بتأويل الجميع ومعنى الآية لنبلوهم فنرى أيهم أحسن عملا هذا أم هذا قال الحسن أيهم أزهد في الدنيا وقد ذكرنا في هذه الآية أربعة أقوال في سورة هود 7 ثم أعلم الخلق أنه يفني جميع ذلك فقال تعالى وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا قال الزجاج الصعيد الطريق الذي لا نبات فيه وقال ابن الأنباري قال اللغويون الصعيد التراب ووجه الأرض فأما الجرز فقال الفراء أهل الحجاز يقولون أرض جرز وجرز وأسد تقول جرز وجرز وتميم تقول أرض جرز وجرز وبالتخفيف وقال ابو عبيدة الصعيد الجرز الغليظ الذي لا ينبت شيئا ويقال للسنة

المجدبة جرز وسنون أجراز لجدوبتها وقلة مطرها وأنشد
قد جرفتهن السنون الأجراز
وقال الزجاج الجرز الأرض التي لا ينبت فيها شيء كأنها تأكل النبت أكلا وقال ابن الأنباري قال اللغويون الجرز الأرض التي لا يبقى بها نبات تحرق كل نبات يكون بها وقال المفسرون وهذا يكون يوم القيامة يجعل الله الأرض مستوية لا نبات فيها ولا ماء
أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية الى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا امدا
قوله تعالى أم حسبت أن اصحاب الكهف والرقيم نزلت على سبب قد ذكرناه عند قوله تعالى ويسألونك عن الروح الاسراء 85 وقال ابن قتيبة ومعنى أم حسبت أحسبت فأما الكهف فقال المفسرون هو المغارة في الجبل إلا أنه واسع فاذا صغر فهو غار قال ابن الأنباري قال اللغويون الكهف بمنزلة الغار في الجبل
فأما الرقيم ففيه ستة أقوال
أحدها أنه لوح من رصاص كانت فيه أسماء الفتية مكتوبة ليعلم من اطلع عليهم يوما من الدهر ما قصتهم قاله ابو صالح عن ابن عباس وبه قال

وهب بن منبه وسعيد بن جبير في رواية ومجاهد في رواية وقال السدي الرقيم صخرة كتب فيها اسماء الفتية وجعلت في سور المدينة وقال مقاتل الرقيم كتاب كتبه رجلان صالحان وكانا يكتمان إيمانهما من الملك الذي فر منه الفتية كتبا أمر الفتية في لوح من رصاص ثم جعلاه في تابوت من نحاس ثم جعلاه في البناء الذي سدوا به باب الكهف فقالا لعل الله أن يطلع على هؤلاء الفتية احدا فيعلمون أمرهم إذا قرؤوا الكتاب وقال الفراء كتب في اللوح اسماؤهم وانسابهم ودينهم وممن كانوا قال ابو عبيدة وابن قتيبة الرقيم الكتاب وهو فعيل بمعنى مفعول ومنه كتاب مرقوم أي مكتوب والثاني أنه اسم القرية ألتي خرجوا منها قاله كعب والثالث اسم الجبل قاله الحسن وعطية والرابع ان الرقيم الدواة بلسان الروم قاله عكرمة ومجاهد في رواية والخامس اسم الكلب قاله سعيد بن جبير والسادس اسم الوادي الذي فيه الكهف قاله قتادة والضحاك
قوله تعالى كانوا من آياتنا عجبا قال المفسرون معنى الكلام أحسبت أنهم كانوا أعجب آياتنا قد كان في آياتنا ما هو أعجب منهم فان خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصتهم وقال ابن عباس الذي آتيتك من الكتاب والسنة والعلم أفضل من شأنهم
قوله تعالى إذ أوى الفتية قال الزجاج معنى أووا اليه صاروا اليه وجعلوه مأواهم والفتية جمع فتى مثل غلام وغلمة وصبي وصبية وفعلة من أسماء الجمع وليس ببناء يقاس عليه لا يجوز غراب وغربة ولا غني وغنية وقال بعض المفسرين الفتية بمعنى الشبان وقد ذكرنا عن

القتيبي أن الفتى بمعنى الكامل من الرجال وبيناه في قوله تعالى من فتياتكم المؤمنات النساء 25
قوله تعالى فقالوا ربنا آتنا من لدنك أي من عندك رحمة أي رزقا وهيئ لنا أي أصلح لنا من أمرنا رشدا أي ارشدنا إلى ما يقربنا منك والمعنى هيئ لنا من أمرنا ما نصيب به الرشد والرشد والرشد والرشاد نقيض الضلال
تلخيص قصة أصحاب الكهف
اختلف العلماء في بدو امرهم وسبب مصيرهم الى الكهف على ثلاثة أقوال
أحدها أنهم هربوا ليلا من ملكهم حين دعاهم الى عبادة الأصنام الأصنام فمروا براع له فتبعهم على دينهم فأووا الى الكهف يتعبدون ورجل منهم يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة إلى أن جاءهم يوما فأخبرهم أنهم قد ذكروا فبكوا وتعوذوا بالله من الفتنة فضرب الله تعالى على آذانهم وأمر الملك فسد عليهم الكهف وهو يظنهم أيقاظا وقد توفى الله ارواحهم وفاة النوم وكلبهم قد غشيه ما غشيهم ثم إن الرجلين مؤمنين يكتمان إيمانهما كتبا أسماءهم وأنسابهم وخبرهم في لوح من رصاص وجعلاه في تابوت من نحاس في البنيان وقالا لعل الله يطلع عليهم قوما مؤمنين فيعلمون خبرهم هذا قول ابن عباس وقال عبيد بن عمير فقدهم قومهم فطلبوهم فعمى الله عليهم أمرهم فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح فلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا في سنة كذا في مملكة فلان ووضعوا اللوح في خزانة الملك وقالوا ليكونن لهذا شأن

والثاني أن أحد الحواريين جاء الى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل له إن على بابها صنما لا يدخلها أحد الا سجد له فكره أن يدخلها فأتى حماما قريبا من المدينة فكان يعمل فيه بالأجر وعلقه فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم عن خبر السماء والأرض وخبر الآخرة فآمنوا به وصدقوه حتى جاء ابن الملك يوما بامرأة فدخل معها الحمام فأنكر عليه الحواري ذلك فسبه ودخل فمات وماتت المرأة في الحمام فأتى الملك فقيل له إن صاحب الحمام قتل ابنك فالتمس فهرب فقال من كان يصحبه فسمي له الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا على صاحب لهم في زرع وهو على مثل أمرهم فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل الى الكهف فدخلوه فقالوا نبيت هاهنا ثم نصبح ان شاء الله فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فناموا وخرج الملك وأصحابه يتبعونهم فوجدوهم قد دخلوا الكهف فكلما أراد رجل أن يدخل الكهف ارعب فقال قائل للملك أليس قلت إن قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف حتى يموتوا جوعا وعطشا ففعل هذا قول وهب بن منبه
والثالث أنهم كانوا ابناء عظماء المدينة وأشرافهم خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد فقال رجل منهم هو اسنهم اني لأجد في نفسي شيئا ما أظن أحدا يجده فقالوا ما تجد قال أجد في نفسي أن ربي رب السموات والأرض فقاموا جميعا فقالوا ربنا رب السموات والأرض فأجمعوا أن يدخلوا الكهف فدخلوا فلبثوا ما شاء الله هذا قول مجاهد وقال قتادة كانوا أبناء ملوك الروم فتفردوا بدينهم في الكهف فضرب الله على آذانهم

فصل
فأما سبب بعث أصحاب الكهف من نومهم فقال عكرمة جاءت أمة مسلمة وكان ملكهم مسلما فاختلفوا في الروح والجسد فقال قائل يبعث الروح والجسد وقال قائل يبعث الروح وحده والجسد تأكله الأرض فلا يكون شيئا فشق اختلافهم على الملك فانطلق فلبس المسوح وقعد على الرماد ودعا الله أن يبعث لهم آية تبين لهم فبعث الله اصحاب الكهف وقال وهب ابن منبه جاء راع قد أدركه المطر الى الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف وأدخلته غنمي من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتحه ورد الله اليهم ارواحهم حين اصبحوا من الغد وقال ابن السائب احتاج صاحب الأرض التي فيها الكهف أن يبني حظسرة لغنمه فهدم ذلك السد فبنى به فانفتح باب الكهف وقال ابن اسحاق ألقى الله في نفس رجل من أهل البلد أن يهدم ذلك البنيان فيبني به حظيرة لغنمه فاستأجر عاملين ينزعان تلك الحجارة فنزعاها وفتحا باب الكهف فجلسوا فرحين فسلم بعضهم على بعض لا يرون في وجوهم ولا أجسادهم شيئا يكرهونه إنما هم على هيئتين حيث رقدوا وهم يرون أن ملكهم أن ملكهم في طلبهم فصلوا وقالوا ليمليخا صاحب نفقتهم انطلق فاستمع ما نذكر به وابتغ لنا طعاما فوضع ثيابه واخذ الثياب التي كان يتنكر فيها وخرج فرأى الحجارة قد نزعت عن باب الكهف فعجب ثم مر مستخفيا متخوفا أن يراه احد فيذهب به الى الملك فلما رأى باب المدينة رآى عليه علامة تكون لأهل الإيمان وخيل إليه أنها ليست بالمدينة

التي يعرف ورأى ناسا لا يعرفهم فجعل يتعجب ويقول لعلي نائم فلما دخلها رأى قوما يحلفون باسم عيسى فقام مسندا ظهره إلى جدار وقال في نفسه والله ما أدري ما هذا عشية أمس لم يكن وجه الأرض من يذكر عيسى إلا قتل واليوم أسمعهم يذكرونه لعل هذه ليست المدينة التي أعرف والله ما أعرف مدينة قرب مدينتنا فقام كالحيران وأخرج ورقا فأعطاه رجلا وقال بعني طعاما فنظر الرجل إلى نقشه فعجب ثم ألقاه إلى آخر فجعلوا يتطارحونه بينهم ويتعجبون ويتشاورون وقالوا إن هذا قد اصاب كنزا ففرق منهم وظنهم قد عرفوه فقال أمسكوا طعامكم فلا حاجة بي إليه فقالوا له من أنت يا فتى والله لقد وجدت كنزا وأنت تريد أن تخفيه شاركنا فيه وإلا أتينا بك إلى السلطان فيقتلك فلم يدر ما يقول فطرحوا كساءه في عنقه وهو يبكي ويقول فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت فأتوا به إلى رجلين كانا يدبران أمر المدينة فقالا أين الكنز الذي وجدت قال ما وجدت كنزا ولكن هذه ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها ولكن والله ما أدري ما شأني ولا ما أقول لكم قال مجاهد وكان ورق أصحاب الكهف مثل أخفاف الإبل فقالوا من أنت وما اسم أبيك فأخبرهم فلم يجدوا من يعرفه فقال له أحدهما أتظن أنك تسخر منا وخزائن هذه البلدة بأيدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار إني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز فقال يمليخا أنبؤني عن شيء اسالكم عنه فان فعلتم صدقتكم قالوا سل قال ما فعل الملك دقيانوس قالوا لا نعرف اليوم على وجه الارض ملكا يسمى دقيانوس وإنما هذا ملك كان منذ زمان طويل وهلكت بعده قرون كثيرة فقال والله ما يصدقني أحد بما اقوله لقد كنا

فتية وأكرهنا الملك على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا فلما انتبهنا خرجت أشتري لأصحابي طعاما فإذا أنا كما ترون فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي فانطلقوا معه وسائر أهل المدينة وكان أصحابه قد ظنوا لإبطائه عليهم أنه قد أخذ فبينما هم يتخوفون ذلك إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل فظنوا أنهم رسل دقيانوس فقاموا إلى الصلاة وسلم بعضهم على بعض فسبق يمليخا إليهم وهو يبكي فبكوا معه وسألوه عن شأنه فأخبرهم خبره وقص عليهم النبأ كله فعرفوا أنهم كانوا نياما بأمر الله تعالى وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث ونظر الناس في المسطور الذي فيه أسماؤهم وقصتهم فعجبوا وأرسلوا إلى ملكهم فجاء واعتنق القوم وبكى فقالوا له نستودعك الله ونقرأ عليك السلام حفظك وحفظ ملكك فبينا الملك قائم رجعوا إلى مضاجعهم وتوفى الله عز و جل أنفسهم فامر الملك أن يجعل لكل واحد منهم تابوت من ذهب فلما أمسوا رآهم في المنام فقالوا إنا لم نخلق من ذهب وقضة ولكن خلقنا من تراب فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله عز و جل من وحجبهم الله عز و جل حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم وأمر الملك فجعل على باب الكهف مسجد يصلى فيه وجعل لهم عيدا عظيما يؤتى كل سنة وقيل إنه لما جاء يمليخا ومعه الناس قال دعوني أدخل إلى أصحابي فأبشرهم فانهم إن رأوكم معي أرعبتموهم فدخل فبشرهم وقبض الله روحه وأرواحهم فدخل الناس فاذا أجساد لا ينكرون منها شيئا غير أنها لا أرواح فيها فقال الملك هذه آية بعثها الله لكم

قوله تعالى فضربنا على آذانهم قال الزجاج المعنى أنمناهم ومنعناهم السمع لأن النائم إذا سمع انتبه وعددا منصول على ضربين
أحدهما علىالمصدر المعنى تعد عددا
والثاني أن يكون نعتا للسنين المعنى سنين ذات عدد والفائدة في ذكر العدد في الشيء المعدود توكيد كثرة الشيء لأنه اذا قل فهم مقداره وإذا كثر احتيج الى أن يعد العدد الكثير ثم بعثناهم من نومهم يقال لكل من خرج من الموت الى الحياة أو من النوم إلى الانتباه مبعوث لانه قد زال عنه ما كان يحبسه عن التصرف والانبعاث وقيل معنى سنين عددا أنه لم يكن فيها شهور ولا أيام إنما هي كاملة ذكره الماوردي
قوله تعالى لنعلم أي الحزبين قال المفسرون أي لذى وقال بعضهم المعنى لتعلموا أنتم وقرأ أبو الجوزاء وأبو عمران والنخعي ليعلم بضم الياء على ما لم يسم فاعله أي الحزبين ويعني بالحزبين المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف أحصى لما لبثوا أي لنعلم أهؤلاء أحصى للأمد أو هؤلاء فكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بينهم فبعثهم الله ليبين ذلك ويظهر قال قتادة لم يكن للفريقين علم بلبثهم لا لمؤمنيهم ولا لكافريهم قال مقاتل لما بعثوا زال الشك وعرفت حقيقة اللبث وقال القاضي أبو يعلى معنى الكلام بعثناهم ليظهر المعلوم في اختلاف الحزبين في مدة لبثهم لما في ذلك من العبرة
نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا

شططا هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه الهة لو لا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا
قوله تعالى نحن نقص عليك نبأهم أي خبر الفتية بالحق أي بالصدق
قوله تعالى وزدناهم هدى أي ثبتناهم على الإيمان وربطنا على قلوبهم أي ألهمناها الصبر إذ قاموا بين يدي ملكهم دقيانوس فقالوا ربنا رب السموات والأرض وذلك أنه كان يدعو الناس إلى عبادة الأصنام فعصم الله هؤلاء حتى عصوا ملكهم وقال الحسن قاموا في قومهم فدعوهم الى التوحيد وقيل هذا قولهم بينهم لما اجتمعوا خارج المدينة على ما ذكرنا في أول القصة فأما الشطط فهو الجور قال الزجاج يقال شط الرجل وأشط إذا جار ثم قال الفتية هؤلاء قومنا يعنون الذين كانوا في زمن دقيانوس اتخذوا من دونه آلهة أي عبدوا الأصنام لولا أي هلا يأتون عليهم أي على عبادة الأصنام بسلطان بين أي بحجة وإنما قال عليهم والأصنام مؤنثة لأن الكفار نحلوها العقل والتمييز فجرت مجرى المذكرين من الناس
قوله تعالى فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا فزعم أن له شريكا
وإذ اعتزلوهم يعبدون إلا الله فأوا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا وترى الشمس إذا طلعت تزوار عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك

من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا
قوله تعالى وإذ اعزلتموهم قال ابن عباس هذا قول يمليخا وهو رئيس اصحاب الكهف قال لهم وإذ اعتزلتموهم أي فارقتموهم يريد عبدة الأصنام وما يعبدون إلا الله فيه قولان
أحدهما واعتزلتم ما يعبدون إلا الله فان القوم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه آلهة فاعتزل الفتية عبادة الآلهة ولم يعتزلوا عبادة الله هذا قول عطاء الخراساني والفراء
والثاني وما يعبدون غير الله قال قتادة هي في مصحف عبد الله وما يعبدون من دون الله وهذا تفسيرها
قوله تعالى فأووا إلى الكهف أي اجعلوه مأواكم ينشر لكم ربكم من رحمته أي يبسط عليكم من رزقه ويهيئ لكم من أمركم مرفقا قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي مرفقا بكسر الميم وفتح الفاء وقرأ نافع وابن عامر مرفقا بفتح الميم وكسرالفاء قال الفراء أهل الحجاز يقولون مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء في كل مرفق ارتفقت به ويكسرون مرفق الإنسان والعرب قد يكسرون الميم منهما جميعا قال ابن الأنباري معنى الآية ويهيئ لكم بدلا من أمركم الصعب مرفقا قال الشاعر ... فليت لنا من ماء زمزم شربة ... مبردة باتت على طهيان

معناه فليت لنا بدلا من ماء زمزم قال ابن عباس ويهيئ لكم يسهل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه ويأتكم باليسر والرفق واللطف
قوله تعالى وترى الشمس إذا طلعت المعنى لو رأيتها لرايت ما وصفنا تزاور قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو تزاور بتشديد الزاي وقرأ عاصم وحمزة والكسائي تزاور خفيفة وقرأ ابن عامر تزور مثل تحمر وقرأ أبي بن كعب وأبو مجلز وابو رجاء والجحدري تزوار باسكان الزاي وبألف ممدودة بعد الواو من غير همزة مشددة الراء وقرأ ابن مسعدو وأبو المتوكل وابن السميفع تزوئر بهمزة قبل الراء مثل تزوعر وقرأ ابو الجوزاء وأبو السماك تزور بفتح التاء والزاي وتشديد الواو المفتوحة خفيفة الراء مثل تكور أي تميل وتعدل قال الزجاج أصل تتزاور فأدغمت التاء في الزاي وتقرضهم أي تعدل عنهم وتتركهم وقال ذو الرمة ... إلى طغن يقرضن أجواز مشرف ... شمالا وعن أيمانهن الفوراس ...
يقرضن يتركن واصل القرض القطع والتفرقة بين الأشياء ومنه قولك أقرضني درهما أي اقطع لي من مالك درهما قال المفسرون كان كهفهم بازاء بنات نعش في أرض الروم فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرها وتغير ألوانهم ثم أخبر أنهم كانوا في متسع من الكهف ينالهم فيه برد الريح ونسيم الهواء فقال وهم في فجوة منه قال ابو عبيدة أي في متسع والجميع فجوات وفجاء بكسر الفاء وقال الزجاج إنما

صرف الشمس عنهم آية من الآيات ولم يرض قول من قال كان كهفهم بازاء بنت نعش
قوله تعالى ذلك من آيات الله يشير الى ماصنعه بهم من اللطف في هدايتهم وصرف أذى الشمس عنهم والرعب الذي ألقى علهم حتى لم يقدر الملك الظالم ولا غيره على أذاهم من آيات الله أي من دلائله على قدرته ولطفه من يهد الله فهو المهتد هذا بيان أنه هو الذي تولى هداية القوم ولولا ذلك لم يهتدوا
وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذارعيه بالوصيد لو اطعلت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا
قوله تعالى وتحسبهم أيقاظا أي لو رأيتهم لحسبتهم أيقاظا قال الزجاج الأيقاظ المنتبهون واحدهم يقط ويقظان والجميع أيقاظ والرقود النيام قال الفراء واحد الأيقاظ يقظ ويقظ قال ابن السائب وإنما يحسبون أيقاظا لأن أعينهم مفتحة وهم نيام وقيل لتقلبهم يمينا وشمالا وذكر بعض أهل العلم أن وجه الحكمة في فتح أعينهم أنه لو دام طبقها لذابت
قوله تعالى ونقلبهم وقرأ أبو رجاء وتقلبهم بتاء مفتوحة وسكون القاف وتخفيف اللام المكسورة وقرأ ابو الجوزاء وعكرمة ونقلبهم مثلها إلا أنه بالنون ذات اليمين أي على ايمانهم وعلى شمائلهم قال ابن عباس كانوا يقلبون في كل عام مرتين ستة أشهر على هذا الجنب وستة أشهر على هذا الجنب لئلا تأكل الأرض لحومهم وقال مجاهد كانوا ثلاثمائة عام على شق واحد ثم قلبوا تسع سنين

قوله تعالى وكلبهم باسط ذارعيه بالوصيد أخبر أن الكلب كان على مثل حالهم في النوم وهو في راي العين منتبه وفي الوصيد أربعة أقوال
أحدها أنه الفناء فناء الكهف رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وقتادة والفراء قال الفراء يقال الوصيد والأصيد لغتان مثل الإكفاف والوكاف وأرخت الكتاب وورخت ووكدت الأمر وأكدت وأهل الحجاز يقولون الوصيد وأهل نجد يقولون الأصيد وهو الحظيرة والفناء
والثاني أنه الباب رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال السدي وقال ابن قتيبة فيكون المعنى وكلبهم باسط ذارعيه بالباب قال الشاعر ... بأرض فضاء لا يسد وصيدها ... على ومعروفي بها غير منكر ...
والثالث أنه الصعيد وهو التراب رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد في رواية عنهما
والرابع أنه عتبة الباب قاله عطاء قال ابن قتيبة وهذا أعجب إلي لأنهم يقولون أوصد بابك أي أغلقه ومنه قوله إنها عليهم مؤصدة الهمزة 8 أي مطبقة مغلقة وأصله أن تلصق الباب بالعتبة إذا أغلقته ومما يوضح هذا أنك إذا جعلت الكلب بالفناء كان خارجا من الكهف وإن جعلته بعتبة الباب أمكن أن يكون داخل الكهف والكهف وإن لم يكن له باب وعتبة فانما أراد أن الكلب موضع العتبة من البيت فاستعير
قوله تعالى لو اطلعت عليهم وقرأ الأعمش وأبو حصين لو أطلعت

بضم الواو لوليت منهم فرارا رهبة لهم ولملئات قرأ عاصم وابن عامر وابو عمرو وحمزة والكسائي ولملئت خفيفة مهموزة وقرأ ابن كثير ونافع ولملئت مشددة مهموزة رعبا أي فزعا وخوفا وذلك أن الله تعالى منعهم بالرعب لئلا يدخل اليهم أحد وقيل انهم طالت شعورهم وأظفارهم جدا فلذلك كان الرائي لهم لو رآهم هرب مرعوبا حكاه الزجاج
وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها ازكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تلفحوا إذا أبدا
قوله تعالى وكذلك بعثناهم أي وكما فعلنا بهم ما ذكرناه بعثناهم من تلك النومة ليتساءلوا أي ليكون بينهم تساؤل وتنازع واختلاف في مدة لبثهم فيفيد تساؤلهم اعتبار المعتبرين بحالهم قال قائل منهم كم لبثتم أي كم مر علينا منذ دخلنا هذا الكهف قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم وذلك أنهم دخلوا غدوة وبعثهم الله في آخر النهار فلذلك قالوا يوما فلما رأوا الشمس قالوا أبو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم قال ابن عباس القائل لهذا يمليخا رئيسهم رد علم ذلك الى الله تعالى وقال في رواية أخرى انما قاله مكسلمينا وهو أكبرهم قال أبو سليمان وهذا يوجب ان تكون نفوسهم قد حدثتهم أنهم قد لبثوا أكثر مما ذكروا وقيل إنما قالوا ذلك لأنهم رأوا أظفارهم وأشعارهم قد طالت جدا
قوله تعالى فابعثوا أحدكم قال ابن الأنباري إنما قال أحدكم

ولم يقل واحد كم لئلا يلتبس البعض بالممدوح المعظم فان العرب تقول رأيت أحد القوم ولا يقولون رأيت واحد القوم إلا إذا أرادوا المعظم فأراد بأحدهم بعضهم ولم يرد شريفهم
قوله تعالى بورقكم قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بورقكم الراء مكسورة خفيفة وقرا ابو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم ساكنة الراء وعن أبي عمرو بورقكم مدغمة يشمها شيئا من التثقيل قال الزجاج يقولون الورق وبعض العرب يكسرون الواو فيقولون الورق قال ابن قتيبة الورق الفضة دراهم كانت او غير دراهم يدلك على ذلك حديث عرفجة انه اتخذ أنفا من ورق
قوله تعالى إلى المدينة يعنون التي خرجوا منها واسمها دقسوس ويقال هي اليوم طرسوس
قوله تعالى فلينظر ايها قال الزجاج المعنى أي أهلها أزكى طعاما وللمفسرين في معناه ستة أقوال
أحدها أحل ذبيحة قاله ابن عباس وعطاء وذلك أن عامة أهل بلدهم كانوا كفارا فكانوا يذبحون للطواغيت وكان فيهم قوم يخفون إيمانهم والثاني أحل طعاما قاله سعيد بن جبير قال الضحاك وكانت أكثر أموالهم غصوبا وقال مجاهد قالوا لصاحبهم لا تبتع طعاما فيه ظلم ولا غصب والثالث أكثر قاله عكرمة والرابع خير أي أجود قاله قتادة

والخامس أطيب قاله ابن السائب ومقاتل والسادس ارخص قاله يمان بن رياب قال ابن قتيبة واصل الزكاء النماء والزيادة
قوله تعالى فلياتكم برزق منه أي بما تأكلونه وليتلطف أي ليدقق النظر فيه وليحتل لئلا يطلع عليه ولا يشعرن بكم أي ولا يخبرن أحدا بمكانكم إنهم إن يظهروا أي يطلعوا ويشرفوا عليكم يرجموكم وفيه ثلاثة أقوال
أحدها يقتلوكم قاله ابن عباس وقال الزجاج يقتلوكم بالرجم والثاني يرجموكم بأيديهم استنكارا لكم قاله الحسن والثالث بألسنتهم شتما لكم قاله مجاهد وابن جريج
قوله تعالى أو يعيدوكم في ملتهم أي يردوكم في دينهم ولن تفلحوا إذا ابدا أي إن رجعتم في دينهم لم تسعدوا في الدنيا ولا في الآخرة
وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
قوله تعالى وكذلك أعثرنا عليهم أي وكما أنمناهم وبعثناهم أطعلنا وأظهرنا عليهم قال ابن قتيبة وأصل هذا أن من عثر بشيء وهو غافل نظر اليه حتى يعرفه فاستعير العثار مكان التبين والظهور ومنه قول الناس ما عثرت على فلان بسوء قط أي ما ظهرت على ذلك منه
قوله تعالى ليعلموا في المشار اليهم بهذا العلم قولان

أحدهما أنهم اهل بلدهم حين اختصموا في البعث فبعث الله أهل الكهف ليعلموا أن وعد الله بالبعث والجزاء حق وأن القيامة لا شك فيها هذا قول الاكثرين
والثاني أنهم أهل الكهف بعثناهم ليروا بعد علمهم أن وعد الله حق ذكره الماوردي
قوله تعالى إذ يتنازعون يعني أهل ذلك الزمان قال ابن الأنباري المعنى إذ كانوا يتنازعون ويجوز ان يكون المعنى إذ تنازعوا
وفي ما تنازعوا فيه خمسة أقوال
أحدها أنهم تنازعوا في البنيان والمسجد فقال المسلمون نبني عليهم مسجدا لأنهم على ديننا وقال المشركون نبني عليهم بنيانا لأنهم من أهل سنتنا قاله ابن عباس والثني أنهم تنازعوا في البعث فقال المسلمون تبعث الأجساد والأرواح وقال بعضهم تبث الأرواح دون الأجساد فأراهم الله تعالى بعث الأرواح والأجساد ببعثه أهل الكهف قاله عكرمة والثالث أنهم تنازعوا ما يصنعون بالفتية قاله مقاتل والرابع أنهم تنازعوا في قدر مكثهم والخامس تنازعوا في عددهم ذكرهما الثعلبي
قوله تعالى ابنوا عليهم بنيانا أي استروهم من الناس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان وفي القائلين لهذا قولان
أحدهما أنهم مشركو ذلك الزمان وقد ذكرناه عن ابن عباس
والثاني أنهم الذين أسلموا حين رأوا أهل الكهف قاله ابن السائب
قوله تعالى قال الذين غلبوا على أمرهم قال ابن قتيبة يعني المطاعين

والرؤساء قال المفسرون وهم الملك وأصحابه المؤمنون أتخذوا عليهم مسجدا قال سعيد بن جبير بني عليهم الملك بيعه
سيقولون ثلثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ولا تقولون لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا
قوله تعالى سيقولون ثلاثة قال الزجاج ثلاثة مرفوع بخبر الابتداء المعنى سيقول الذين تنازعوا في أمرهم هم ثلاثة وفي هؤلاء القائلين قولان
أحدهما أنهم نصارى نجران ناظروا رسول الله صلى الله عليه و سلم في عدة أهل الكهف فقالت الملكية هم ثلاثة رابعهم كلبهم وقالت اليعقوبية هم خمسة سادسهم كلبهم وقالت النسطورية هم سبعة وثامنهم كلهم فنزلت هذه الآية رواه الضحاك عن ابن عباس
والثاني أنهم أهل مدينتهم قبل ظهورهم عليهم ذكره الماوردي
قوله تعالى رجما بالغيب أي ظنا غير يقين قال زهير ... وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم ...
فأما دخول الواو في قوله وثامنهم كلبهم ولم تدخل فيما قبل هذا ففيه أربعة أقوال

أحدها أن دخولها وخروجها واحد قاله الزجاج
والثاني أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين فأعلم بذكرها هاهنا أنها مرادة فيما قبل وإنما حذفت تخفيفا ذكره أبو نصر في شرح اللمع
والثالث أن دخولها يدل على انقطاع القصة وان الكلام قد تم ذكره الزجاج أيضا وهو قول مقاتل بن سليمان فان الواو تدل على تمام الكلام قبلها واستئناف ما بعدها قال الثعلبي فهذه واو الحكم والتحقيق كأن الله تعالى حكى اختلافهم فتم الكلام عند قوله ويقولون سبعة ثم حكم أن ثامنهم كلبهم وجاء في بعض التفسير ان المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى هم سبعة فحقق الله قول المسلمين
والرابع أن العرب تعطف بالواو على السبعة فيقولون ستة سبعة وثمانية لأن العقد عندهم سبعة كقوله التائبون العابدون إلى أن قال في الصفة الثامنة والناهون عن المنكر التوبة 112 وقوله في صفة الجنة وفتحت أبوابها وفي صفة النار فتحت أبوابها الزمر 71 73 لأن أبواب النار سبعة وابواب الجنة ثمانية ذكر هذا المعنى أبو اسحاق الثعلبي
وقد اختلف العلماء في عددهم على قولين
احدهما أنهم كانوا سبعة قاله ابن عباس
والثاني ثمانية قاله ابن جريج وابن اسحاق وقال ابن الأنباري وقيل معنى قوله وثامنهم كلبهم صاحب كلبهم كما يقال السخاء حاتم والشعر زهير أي السخاء سخاء حاتم والشعر شعر زهير وأما أسماؤهم فقال هشيم

مكسلمينا ويمليخا وطرينوس وسدينوس وسرينوس ونواسس ويرانوس وفي التفسير خلاف في أسمائهم فلم أطل به
واختلفوا في كلبهم لمن كان على ثلاثة أقوال
أحدها أنه كان لراع مروا به فتبعهم الراعي والكلب قاله ابن عباس
والثاني انه كان لهم يتصيدون عليه قاله عبيد بن عمير
والثالث أنهم مروا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك به مرارا فقال لهم الكلب ما تريدون مني لا تخشوا جانبي انا أحب أحباء الله فناموا حتى أحرسكم قاله كعب الأحبار
وفي اسم كلبهم أربعة أقوال
أحدها قطمير قاله أبو صالح عن ابن عباس والثاني اسمه الرقيم وقد ذكرناه عن سعيد بن جبير والثالث قطمور قاله عبد الله بن كثير والرابع حمران قاله شعيب الجبائي وفي صفته ثلاثة أقوال
أحدها أحمر حكاه الثوري والثاني أصفر حكاه ابن اسحاق والثالث أحمر الرأس أسود الظهر أبيض البطن أبلق الذنب ذكره ابن السائب
قوله تعالى ربي أعلم بعدتهم حرك الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأسكنها الباقون
قوله تعالى ما يعلمهم إلا قليل أي ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس قال عطاء يعني بالقليل أهل الكتاب قال ابن عباس أنا من ذلك القليل هم سعبة إن الله عدهم حتى أنتهى الى السبعة
قوله تعالى فلا تمار فيهم إلا مراء ظهرا قال ابن عباس وقتادة

لا تمار أحدا حسبك ما قصصت عليك من أمرهم وقال ابن زيد لا تمار في عدتهم إلا مراء ظاهرا أن تقول لهم ليس كما تقولون ليس كما تعلمون وقيل إلا مراء ظاهرا بحجة واضحة حكاه الماوردي والمراء في اللغة الجدال يقال مارى يماري مماراة ومراء أي جادل قال ابن الأنباري معنى الآية لا تجادل إلا جدال متيقن عالم بحقيقة الخبر إذ الله تعالى ألقى إليك مالا يشوبه باطل وتفسير المراء في اللغة استخراج غضب المجادل من قولهم مريت الشاة إذا استخرجت لبنها
قوله تعالى ولا تستفت فيهم أي في أصحاب الكهف منهم قال ابن عباس يعني من أهل الكتاب قال الفراء أتاه فريقان من النصارى نسطوري ويعقوبي فسألهم النبي صلى الله عليه و سلم عن عددهم فنهي عن ذلك
قوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله سبب نزولها أن قريشا سألوا النبي صلى الله عليه و سلم عن ذي القرنين وعن الروح وعن أصحاب الكهف فقال غدا أخبركم بذلك ولم يقل إن شاء الله فأبطأ عليه جبريل خسمة عشر يوما لتركه الاستثناء فشق ذلك عليه ثم نزلت هذه الآية قاله ابو صالح عن ابن عباس ومعنى الكلام ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن تقول إن شاء الله فحذف القول
قوله تعالى واذكر ربك إذا نسيت قال ابن الأنباري معناه واذكر ربك بعد تفضي النسيان كما تقول أذكر لعبدالله إذا صلى حاجتك أي بعد انقضاء الصلاة
وللمفسرين في معنى الآية ثلاثة أقوال

أحدها ان المعنى اذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت فقل إن شاء الله ولو كان بعد يوم أو شهر أو سنة قاله سعيد بن جبير والجمهور
والثاني أن معنى إذا نسيت إذا غضبت قاله عكرمة قال ابن الأنباري وليس ببعيد لأن الغضب ينتج النسيان
والثالث إذا نسيت الشيء فاذكر الله ليذكرك إياه حكاه الماوردي
فصل
وفائدة الاستثناء أن يخرج الحالف من الكذب إذا لم يفعل ما حلف عليه كقوله في قصة موسى ستجدني إن شاء الله صابرا الكهف 70 ولم يصبر فسلم من الكذب لوجود الاستثناء في حقه ولا تختلف الرواية عن أحمد أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق والعتاق وأنه إذا قال انت طالق ان شاء الله وانت حر إن شاء الله أن ذلك يقع وهو قول مالك وقال أبو حنيفة والشافعي لا يقع شيء من ذلك وأما اليمين بالله تعالى فان الاستثناء فيها يصح بخلاف الطلاق وكذلك الاستثناء في كل ما يكفر كالظهار والنذر لأن الطلاق والعتاق لفظه لفظ إيقاع وإذا علق به المشيئة علمنا وجودها لوجود لفظ الإيقاع من جهته بخلاف سائر الايمان لأنها ليست بموجبات للحكم وإنما تتعلق بأفعال مستقبلة
وقد اختلف في الوقت الذي يصح فيه الاستثناء على ثلاثة أقوال
أحدها انه لا يصح الاستثناء الا موصولا بالكلام وقد روي عن أحمد نحو هذا وبه قال أكثر الفقهاء

والثاني انه يصح ما دام في المجلس قاله الحسن وطاووس وعن أحمد نحوه
والثالث انه لو أستثنى بعد سنة جاز قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير وأبو العالية وقال ابن جرير الطبري الصواب للإنسان أن يستثني ولو بعد حنثه في يمينه فيقول إن شاء الله ليخرج بذلك مما ألزمه الله في هذه الآية فيسقط عنه الحرج فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال الا ان يكون الاستثناء موصولا بيمينه ومن قال له ثنياه ولو بعد سنة أراد سقوط الحرج الذي يلزمه بترك الاسثتناء دون الكفارة
قوله تعالى وقل عسى أن يهديني ربي قرأ نافع وأبو عمرو يهديني ربي بياء في الوصل دون الوقف وقرأ ابن كثير بياء في الحالين وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بغير ياء في الحالين
وفي معنى الكلام قولان
أحدهما عسى أن يعطيني ربي من الايات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب في الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف ففعل الله له ذلك وآتاه من علم غيوب المرسلين ما هو أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف هذا قول الزجاج
والثاني أن قريشا لما سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يخبرهم خبر أصحال الكهف قال غدا أخبركم كما شرحنا في سبب نزول الآية فقال الله تعالى له وقل عسى أن يهديني ربي أي عسى أن يعرفني جواب مسائلكم قبل الوقت الذي حددته لكم ويعجل لي من جهته الرشاد هذا قول ابن الأنباري

ولبثوا في كهفهم ثلث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السموات والأرض أبصر به وأسمع مالهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا
قوله تعالى ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر ثلاثمائة سنين منونا وقرأ حمزة والكسائي ثلاثمائمة سنين مضافا غير منون قال ابو علي العدد المضاف الى الآحاد قد جاء مضافا الى الجميع قال الشاعر ... وما زودوني غير سحق عمامة ... وخمسمئ منها قسي وزائف ...
وفي هذا الكلام قولان
أحدهما أنه حكاية عما قال الناس في حقهم وليس بمقدار لبثهم قاله ابن عباس واستدل عليه فقال لو كانوا لبثوا ذلك لما قال الله أعلم بما لبثوا وكذلك قال قتادة وهذا قول أهل الكتاب
والثاني أنه مقدار ما لبثوا قاله عبيد بن عمير ومجاهد والضحاك وابن زيد والمعنى لبثوا هذا القدر من يوم دخلوه إلى أن بعثهم الله وأطلع الخلق عليهم
قوله تعالى سنين قال الفراء وأبو عبيدة والكسائي والزجاج التقدير سنين ثلاثمائة وقال ابن قتيبة المعنى أنها لم تكن شهورا ولا أياما وإنما كانت سنين وقال أبو علي الفارسي سنين بدل من قوله ثلاثمائة قال الضحاك نزلت ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة فقالوا أياما او شهورا أو سنين فنزلت سنين فلذلك قال سنين ولم يقل سنة

قوله تعالى وازدادوا تسعا يعني تسع سنين فاستغنى عن ذكر السنين بما تقدم من ذكرها ثم أعلم أنه أعلم بقدر مدة لبثهم من أهل الكتاب المختلفين فيها فقال قل الله أعلم بما لبثوا قال ابن السائب قالت نصارى نجران أما الثلاثمائة فقد عرفناها وأما التسع فلا علم لنا بها فنزل قوله تعالى قل الله أعلم بما لبثوا وقيل إن أهل الكتاب قالوا إن للفتية منذ دخلوا الكهف إلى يومنا هذا ثلاثمائة وتسع سنين فرد الله تعالى عليهم ذلك وقال قل الله أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم الى يومكم هذا لا يعلم ذلك غير الله وقيل إنما زاد التسع لأنه تفاوت ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية حكاه الماوردي
قوله تعالى أبصر به واسمع فيه قولان
أحدهما أنه على مذهب التعجب فالمعنى ما أسمع الله به وأبصر أي هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم هذا قول الزجاج وذكر انه اجماع العلماء
والثاني أنه في معنى الأمر فالمعنى أبصر بدين الله واسمع أي بصر بهدى الله وسمع فترجع الهاء اما على الهدى واما على الله عز و جل ذكره ابن الأنباري
قوله تعالى ما لهم من دونه أي ليس لأهل السموات والارض من دون الله من ناصر ولا يشرك في حكمه أحدا ولا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم به وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه فيكون شريكا لله عز و جل في حكمه وقرأن ابن عامر ولا تشرك جزما بالتاء والمعنى لا تشرك أيها الإنسان

واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحيوة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هوايه وكان امره فرطا
قوله تعالى واتل ما اوحي إليكم في هذه التلاوة قولان
أحدهما أنها بمعنى القراءة والثاني بمعنى الاتباع فيكون المعنى على الاول اقرأ القرآن وعلى الثاني اتبعه واعمل به وقد شرحنا في الانعام 115 معنى لا مبدل لكلماته
قوله تعالى ولن تجد من دونه ملتحدا قال مجاهد والفراء ملجأ وقال الزجاج معدلا عن أمره ونهيه وقال غيرهم موضعا تميل إليه في الالتجاء
قوله تعالى واصبر نفسك سبب نزولها أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا يا رسول الله لو أنك جلست في صدر المجلس ونحيت هؤلاء عنا يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف جلسا اليك واخذنا عنك فنزلت هذه الآية الى قوله إنا اعتدنا للظالمين نارا فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات هذا قول سلمان الفارسي ومعنى قوله

واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم أي احبسها معهم على أداء الصلوات بالغداة والعشي وقد فسرنا هذه الآية في الأنعام 52 إلى قوله تعالى ولا تعد عيناك عنهم أي لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الغنى والشرف وكان عليه السلام حريصا على إيمان الرؤساء ليؤمن أتباعهم ولم يكن مريدا لزينة الدنيا قط فأمر أن يجعل إقباله على فقراء المؤمنين
قوله تعالى ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا سبب نزولها أن أمية بن خلف الجمحي دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الى طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فنزلت هذه الآية رواه الضحاك عن ابن عباس وفي رواية أخرى عنه أنه قال هو عيينه وأشباهه ومعنى اغفلنا قلبه جعلناه غافلا وقرأ أبو مجلز من أغفلنا بفتح اللام ورفع باء القلب عن ذكرنا عن التوحيد والقرآن والإسلام واتبع هواه في الشرك وكان أمره فرطا فيه أربعة أقوال
أحدها أنه أفرط في قوله لأنه قال إن رؤوس مضر وإن نسلم يسلم الناس بعدنا قاله أبو صالح عن ابن عباس والثاني ضياعا قاله مجاهد وقال أبو عبيدة سرفا وتضييعا والثالث ندما حكاه ابن قتيبة عن أبي عبيدة والرابع كان أمره التفريط والتفريط تقديم العجز قاله الزجاج
وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إن أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا

قوله تعالى وقل الحق من ربكم قال الزجاج المعنى وقل الذي أتيتكم به الحق من ربكم
قوله تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فيه ثلاثة أقوال
أحدها فمن شاء الله فليؤمن روي عن ابن عباس
والثاني أنه وعيد وإنذار وليس بأمر قاله الزجاج
والثالث أن معناه لا تنفعون الله بايمانكم ولا تضرونه بكفركم قاله الماوردي وقال بعضهم هذا اظهار للغنى لا إطلاق في الكفر
قوله تعالى إنا أعتدنا أي هيأنا وأعددنا وقد شرحناه في قوله وأعتدت لهن متكأ يوسف 31 فأما الظالمون فقال المفسرون هم الكافرون وأما السرادق فقال الزجاج السرادق كل ما أحاط بشيء نحو الشقة في المضرب او الحائط المشتمل على الشيء وقال ابن قتيبة السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال السرادق فارسي معرب وأصله بالفارسية سرادار وهو الدهليز قال الفرزدق ... تمنيتهم حتى إذا ما لقيتهم ... تركت لهم قبل الضراب السرادقا ...
وفي المراد بهذا السرادق قولان
احدهما أنه سرادق من نار قاله ابن عباس روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال لسرادق النار أربعة جدر كثف كل جدار منها مسيرة أربعين سنة وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس قال

السرادق لسان من النار يخرج من النار فيحيط بهم حتى يفرغ من حسابهم
والثاني أنه دخان يحيط بالكفار يوم القيامة وهو الظل ذو ثلاث شعب الذي ذكره الله تعالى في المرسلات 30 قاله ابن قتيبة
قوله تعالى وإن يستغيثوا أي مما هم فيه من العذاب وشدة العطش يغاثوا بماء كالمهل وفيه سبعة أقوال
أحدها أنه ماء غليظ كدردي الزيت رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني أنه كل شيء أذيب حتى أنماع قاله ابن مسعود وقال أبو عبيدة والزجاج 4كل شيء أذبته من نحاس أو رصاص او نحو ذلك فهول مهل
والثالث قيح ودم أسود كعكر الزيت قاله مجاهد
والرابع أنه الفضة والرصاص يذابان روي عن مجاهد أيضا
والخامس أنه الذي انتهى حره قاله سعيد بن جبير
والسادس أنه الصديد ذكره ابن الأنباري قال مغيب بن سمي هذا الماء هو ما يسيل من عرق أهل الموقف في الآخرة وبكائهم وما يجري منهم من دم وقيح يسيل ذلك إلى واد في جهنم فتطبخه جهنم فيكون أول ما يغاث به أهل النار
والسابع أنه الرماد الذي ينفض عن الخبزة إذا خرجت من التنور حكاه ابن الأنباري

قوله تعالى يشوي الوجوه قال المفسرون إذا قربه اليه سقطت فروة وجهه فيه ثم ذمه فقال بئس الشراب وساءت النار مرتفقا وفيه خمسة أقوال
أحدها منزلا قاله ابن عباس والثاني مجتمعا قاله مجاهد والثالث متكأ قاله ابو عبيدة وأنشد لابي ذؤيب ... إني أرقت فبت الليل مرتفقا ... كأن عيني فيها الصاب مذبوح ...
وذبحه انفجاره قال الزجاج مرتفقا منصوب على التمييز ومعنى مرتفقا متكأ على المرفق والرابع ساءت مجلسا قاله ابن قتيبة والخامس ساءت مطلبا للرفق لأن من طلب رفقا من جهتها عدمه ذكره ابن الأنباري ومعاني هذه الأقوال تتقارب وأصل المرفق في اللغة ما يرتفق به
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاا أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس واستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا
قوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال الزجاج خبر إن هاهنا على ثلاثة أوجه

أحدها أن يكون على إضمار إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم ولم يحتج إلى ذكر منهم لأن الله تعالى قد أعلمنا أنه محبط عمل غير المؤمنين
والثاني أن يكون خبر إن أولئك لهم جنات عدن فيكون قوله إنا لا نضيع قد فصل به بين الأسم وخبره لأنه يحتوي على معنى الكلام الأول لأن من أحسن عملا بمنزلة الذين آمنوا
والثالث أن يكون الخبر إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا بمعنى إنا لا نضيع أجرهم
قال المفسرون ومعنى لا نضيع أجر من أحسن عملا أي لا نترك أعماله تذهب ضياعا بل نجازيه عليها بالثواب
فأما الأساور فقال الفراء في الواحد منها ثلاث لغات إسوار وسوار وسوار فمن قال إسوار جمعه أساور ومن قال سوار أو سوار جمعه أسورة وقد يجوز أن يكون واحد أساورة وأساور وقال الزجاج الأساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار يقال سوار اليد بالكسر وقد حكي سوار قال المفسرون لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور في اليد والتيجان على الرؤوس جعل الله ذلك لأهل الجنة قال سعيد بن جبير يحلى كل واحد منهم بثلاثة من الأساور واحد من فضة وواحد من ذهب وواحد من لؤلؤ ويواقيت
فأما السندس والإستبرق فقال ابن قتيبة السندس رقيق الديباج والإستبرق ثخينه وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال السندس رقيق الديباج لم يختلف أهل اللغة في أنه معرب قال الراجز ... وليلة من الليالي حندس ... لون حواشيها كلون السندس

والاستبرق غليظ الديباج فارسي معرب وأصله استفره وقال ابن دريد استروه ونقل من العجمية الى العربية فلوا حقر استبرق أو كسر لكان في التحقير أبيرق وفي التكسير أبارق بحذف السين والتاء جميعا
قوله تعالى متكئين فيها الاتكاء التحامل على الشيء قال ابو عبيدة والأرائك الفرش في الحجال ولا تكون الأريكة إلا بحجلة وسرير وقال ابن قتيبة الأرائك السرر في الحجال واحدها أريكة وقال ثعلب لا تكون الأريكة إلا سريرا في قبة عليه شوراه ومتاعه قال ابن قتيبة الشوار مفتوح الشين وهو متاع البيت وقال الزجاج الأرائك الفرش في الحجال قال وقيل إنها الفرش وقيل الأسرة وهي على الحقيقة الفرش كانت في حجال لهم
واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا
قوله تعالى واضرب لهم مثلا رجلين روى عطاء عن ابن عباس قال هما ابنا ملك كان في بني اسرائيل توفي وتركهما فاتخذ أحدهما الجنان والقصور وكان الآخر زاهدا في الدنيا فكان اذا عمل اخوه شيئا من زينة

الدنيا اخذ مثل ذلك فقدمه لآخرته حتى نفد ماله فضربهما الله عز و جل مثلا للمؤمن والكافر الذي ابطرته النعمة وروى أبوصالح عن ابن عباس ان المسلم لما احتاج تعرض لأخيه الكافر فقال الكافر اين ما ورثت عن ابيك فقال انفقته في سبيل الله فقال الكافر لكني ابتعت به جنانا وغنما وبقرا والله لاأعطيتك شيئا أبدا حتى تتبع ديني ثم أخذ بيد المسلم فأدخله جنانه يطوف به فيها ويرغبه في دينه وقال مقاتل اسم المؤمن يمليخا واسم الكافر قرطس وقيل قطرس وقيل هذا المثل ضرب لعيينة بن حصن واصحابه ولسلمان واصحابه
قوله تعالى وحففناهما بنخل الحف الاحاطة بالشيء ومنه قوله حافين من حول العرش الزمر 75 والمعنى جعلنا النخل مطيفا بها وقوله وجعلنا بينهما زرعا إعلام أن عمارتهما كاملة
قوله تعالى كلتا الجنتين آتت أكلها قال الفراء لم يقل آتتا لأن كلتا ثنتان لا تفرد واحدتهما وأصله كل كما تقول للثلاثة كل فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كان للجمع وجاز توحيده على مذهب كل وتأنيثه جائز للتأنيث الذي ظهر في كلتا وكذلك فافعل ب كلا وكلتا وكل إذا اضفتهن الى معرفة وجاء الفعل بعدهن فوحد واجمع فمن التوحيد قوله تعالى وكلهم آتيه يوم القيامة فردا مريم 96 ومن الجمع وكل أتوه داخرين النمل 87 والعرب قد تفعل أيضا في أي فيؤنثون ويذكرون قال الله تعالى وما تدري نفس بأي أرض تموت لقمان 34 ويجوز في الكام بأيت أرض وكذلك

في أي صورة ما شاء ركبك الانفطار 8 ويجوز في الكلام في أيت قال الشاعر ... باي بلاء أم بأية نعمة ... تقدم قبلي مسلم والمهلب ...
قال ابن الأنباري كلتا وإن كان واقعا في المعنى على اثنتين فان لفظه لفظ واحدة مؤنثة فغلب اللفظ ولم يستعمل المعنى ثقة بمعرفة المخاطب به ومن العرب من يؤثر المعنى على اللفظ فيقول كلتا الجنتين آتتا أكلها ويقول أخرون كلتا الجنتين آتى أكله لأن كلتا تفيد معنى كل قال الشاعر
... وكلتاهما قد خط لي في صحيفتي ... فلا الموت أهواه ولا العيش أروح ...
يعني وكلهما قد خط لي وقد قالت العرب كلكم ذاهب وكلكم ذاهبون فوحدوا للفظ كل وجمعوا لتأويلها وقال الزجاج لم يقل آتتا لأن لفظ كلتا لفظ واحدة والمعنى كل واحدة منهما آتت أكلها ولم تظلم أي لم تنقص منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا فأعلمنا أن شربهما كان من ماء نهر وهو من أغزر الشرب وقال الفراء إنما قال فجرنا بالتشديد وهو نهر واحد لأن النهر يمتد فكان التفجر فيه كله قرأ ابو رزين وأبو مجلز وأبو العالية وابن يعمر وابن أبي عبلة وفجرنا بالتخفيف وقرأ أبو مجلز وأبو المتوكل خللهما وقرأ ابو العالية وأبو عمران نهرا بسكون الهاء
قوله تعالى وكان له يعني للأخ الكافر ثمر قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي وكان له ثمر وأحيط بثمره بضمتين وقرأ عاصم وكان لهم ثمر وأحيط بثمره بفتح التاء والميم فيهما

وقرأ ابو عمرو ثمر و بثمره بضمة واحدة وسكون الميم قال الفراء الثمر بفتح التاء والميم المأكول وبضمها المال وقال ابن الانباري الثمر بالفتح الجمع الاول والثمر بالضم جمع الثمر يقال ثمر وثمر كما يقال أسد واسد ويصلح أن يكون الثمر جمع الثمار كما يقال حمار وحمر وكتاب وكتب فمن ضم قال الثمر أعم لأنها تحتمل الثمار المأكولة والأموال المجموعة قال ابو علي الفارسي وقراءة أبي عمرو ثمر يجوز أن تكون جمع ثمار ككتاب وكتب فتخفف فيقال كتب ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة كبدنة وبدن وخشبة وخشب ويجوز أن يكون ثمر واحدا كعنق وطنب
وقد ذكر المفسرون في قراءة من ضم ثلاثة أقوال
أحدها أنه المال الكثير من صنوف الأموال قاله ابن عباس
والثاني أنه الذهب والفضة قاله مجاهد
والثالث أنه جمع ثمرة قال الزجاج يقال ثمرة وثمار وثمر
فان قيل ما الفائدة في ذكر الثمر بعد ذكر الجنتين وقد علم ان صاحب الجنة لا يخلو من ثمر فعنه ثلاثة اجوبة
أحدها أنه لم يكن أصل الأرض ملكا له وإنما كانت له الثمار قاله ابن عباس
والثاني أن ذكر الثمر دليل على كثرة ما يملك من الثمار في الجنتين وغيرهما ذكره ابب الأنباري
والثالث إنا قد ذكرنا أن المراد بالمثر ألاموال من الأنواع وذكرنا

أنها الذهب والفضة وذلك يخالف الثمر المأكول قال ابو علي الفارسي من قال هو الذهب والورق فانما قيل لذلك ثمر على التفاؤول لأن الثمر نماء في ذي الثمر وكونه هاهنا بالجنى أشبه من الذهب والفضة ويقوي ذلك وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها والإنفاق من الورق لا من الشجر
قوله تعالى فقال يعني الكافر لصاحبه المؤمن وهو يحاوره أي يراجعه الكلام ويجاوبه
وفيما تحوارا فيه قولان
أحدهما أنه الايمان والكفر
والثاني طلب الدنيا وطلب الآخرة فأما النفر فهم الجماعة ومثلهم القوم والرهط ولا واحد لهذه الألفاظ من لفظها وقال ابن فارس اللغوي النفر عدة رجال من ثلاثة إلى العشرة
وفيمن أراد بنفره ثلاثة أقوال
أحدها عبيده قاله ابن عباس والثاني ولده قاله مقاتل والثالث عشيرته ورهطه قاله ابو سليمان
قوله تعالى ودخل جنته يعني الكافر وهو ظالم لنفسه بالكفر وكان قد أخذ بيد أخيه فأدخله معه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا أنكر فناء الدنيا وفناء جنته وأنكر البعث والجزاء بقوله وما أظن الساعة قائمة وهذا شك منه في البعث ثم قال ولئن رددت الى ربي أي كما تزعم أنت قال ابن عباس يقول ان كان البعث حقا لأجدن خيرا منها قرأ ابو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي خيرا منها وكذلك هي في مصاحف أهل البصرة والكوفة وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر خيرا منهما بزيادة

ميم على التثنية وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والمدينة والشام قال أبو علي الإفراد أولى لأنه أقرب الى الجنة المفردة في قوله ودخل جنته والتثنية لا تمتنع لتقدم ذكر الجنتين
قوله تعالى منقلبا أي كما أعطاني هذا في الدنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منه
قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفه ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا
قوله تعالى قال له صاحبه يعني المؤمن وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب يعني خلق أباك آدم ثم من نطفة يعني ما أنشى هو منه فلما شك في البعث كان كافرا
قوله تعالى لكنا هو الله ربي قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وقالون عن نافع لكن هو الله ربي باسقاط الألف في الوصل واثباتها في الوقف وقرأ نافع في رواية المستيي باثبات الألف وصلا ووقفا وأثبت الألف ابن عامر في الحالين وقرأ أبو رجاء لكن باسكان النون خفيفة من غير ألف في الحالين وقرأ ابن يعمر لكن بتشديد النون من غير ألف في الحالين وقرأ الحسن لكن أنا هو الله ربي

باسكان نون لكن واثبات أنا قال الفراء فيها ثلاث لغات لكنا ولكن ولكنه بالهاء أنشدني أبو ثروان ... وترمينني بالطرف أي أنت مذنب ... وتقلينني لكن إياك لا أقلي ...
وقال أبو عبيدة مجازه لكن أنا هو الله ربي ثم حذفت الألف الأولى وأدغمت احدى النونين في الأخرى فشددت قال الزجاج وهذه الألف تحذف في الوصل وتثبت في الوقف فأما من أثبتها في الوصل كما تثبت في الوقف فهو على لغة من يقول أنا قمت فأثبت الألف قال الشاعر ... أنا سيف العشيرة فأعرفوني ... حميدا قد تذريت السناما ...
وهذه القراءة جيدة لأن الهمزة قد حذفت من أنا فصار إثبات الألف عوضا من الهمزة
قوله تعالى ولولا إذ دخلت جنتك أي وهلا ومعنى الكلام التوبيج قال الفراء ما شاء الله في موضع رفع إن شئت رفعته باضمار هو يريد هو ما شاء الله وإن شئت أضمرت فيه ما شاء الله كان وجاز طرح جواب الجزاء كما جاز في قوله فان استطعت ان تبتغي نفقا في الأرض الانعام 35 ليس له جواب لأنه معروف قال الزجاج وقوله لا قوة الا بالله الاختيار النصب بغير تنوين على النفي كقوله لا ريب فيها الكهف 21 ويجوز لا قوة إلا بالله على الرفع بالابتداء والخبر بالله المعنى لا يقوى أحد في بدنه ولا في ملك يده إلا بالله تعالى ولا يكون له إلا ما شاء الله

قوله تعالى إن ترن قرأ ابن كثير إن ترني أنا ويؤتيني خيرا بياء في الوصل والوقف وقرأ نافع وأبو عمرو بياء في الوصل وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بحذف الياء فيهما وصلا ووقفا أنا أقل وقرأ ابن أبي عبلة أنا أقل برفع اللام قال الفراء أنا هاهنا عماد إن نصبت أقل واسم إذا رفعت أقل والقراءة بهما جائز
قوله تعالى فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك أي في الآخرة ويرسل عليها حسبانا وفيه أربعة أقوال
أحدها أنه العذاب رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال قتادة والضحاك وقال ابو صالح عن ابن عباس نارا من السماء
والثاني قضاء من الله يقضيه قاله ابن زيد
والثالث مرامي من السماء واحدها حسبانة قاله ابو عبيدة وابن قتيبة قال النضر بن شميل الحسبان سهام يرمي بها الرجل في جوف قصبة تنزع في القوس ثم يرمي بعشرين منها دفعة فعلى هذا القول يكون المعنى ويرسل عليها مرامي من عذابه إما حجارة أو بردا أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب
والرابع أن الحسبان الحساب كقوله الشمس والقمر بحسبان الرحمن 5 أي بحساب فيكون المعنى ويرسل عيها عذاب حساب ما كسبت يداه هذه قول الزجاج
قوله تعالى فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا قال ابن قتيبة الصعيد الأملس المستوى والزلق الذي تزل عنه الأقدام والغور الغائر

فجعل المصدر صفة يقال ماء غور ومياه غور ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث كما يقال رجل نوم ورجل صوم ورجل فطر ورجال نوم ونساء نوم ونساء صوم ويقال للنساء إذا نحن نوح والمعنى يذهب ماؤها غائرا في الأرض أي ذاهبا فيها فلن تسطيع له طلبا فلا يبقى له أثر تطلبه به ولا تناله الأيدي ولا الأرشية وقال ابن الأنباري غورا إذا غور فسقط المضاف وخلفه المضاف اليه والمراد بالطلب هاهنا الوصول فقام الطلب مقامه لأنه سببه وقرأ ابو الجوزاء وأبو المتوكل غؤورا برفع الغين والواو الأولى جميعا وواو بعدها
وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا
قوله تعالى وأحيط بثمره أي أحاط الله العذاب بثمره وقد سبق معنى الثمر فأصبح يقلب كفيه أي يضرب يد على يد وهذا فعل النادم على ما أنفق فيها أي في جنته وفي هاهنا بمعنى على وهي خاوية أي خالية ساقطة على عروشها والعروش السقوف والمعنى أن حيطانها قائمة والسقوف قد تهدمت فصارت في قرارها فصارت الحيطان كأنها على السقوف ويقول ياليتني لم أشرك بربي أحدا فأخبر الله تعالى أنه لما سلبه ما انعم به عليه وحقق ما أنذره به أخوه في الدنيا ندم على شركة حين لا تنفعه الندامة وقيل إنما يقول هذا في القيامة ولم تكن له فئة قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وعاصم ولم تكن بالتاء وقرأ حمزة

والكسائي وخلف ولم يكن بالياء والفئة الجماعة ينصرونه أي يمنعونه من عذاب الله
قوله تعالى هنالك الولاية قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم الولاية بفتح الواو ولله الحق خفضا وقرأ حمزة الولاية بكسر الواو ولله الحق بكسر القاف أيضا وقرأ ابو عمرو بفتح الواو ورفع الحق ووافقه الكسائي في رفع القاف لكنه كسر الولاية قال الزجاج معنى الولاية في مثل تلك الحال تبيين نصرة ولي الله وقال غيره هذا الكلام عائد الى ما قبل قصة الرجلين فأما من فتح واو الولاية فأنه أراد الموالاة والنصرة ومن كسر أراد السلطان والملك على ما شرحناه في آخر الأنفال 72 فعلى قراءة الفتح في معنى الكلام قولان
احدهما أنهم يتولون الله تعالى في القيامة ويؤمنون به ويتبرؤون مما كانوا يعبدون قاله ابن قتيبة
والثاني هنالك يتولى الله أمر الخلائق فينصر المؤمنين ويخذل الكافرين وعلى قراءة الكسر يكون المعنى هنالك السلطان لله قال أبو علي من كسر قاف الحق جعله من وصف الله عز و جل ومن رفعه جعله صفة للولاية
فإن قيل لم نعتت الولاية وهي مؤنثة بالحق وهو مصدر فعنه جوابان ذكرهما ابن الانباري
أحدهما أن تأنيثها ليس حقيقيا فحملت على معنى النصر والتقدير هنالك النصر لله الحق كما حملت الصيحة على معنى الصياح في قوله وأخذ الذين ظلموا الصيحة هود 67
والثاني أن الحق مصدر يستوي في لفظه المذكر والمؤنث والاثنان

والجمع فيقال قولك حق وكلمتك حق وأقوالكم حق ويجوز ارتفاع الحق على المدح للولاية وعلى المدح لله تعالى باضمار هو
قوله تعالى هو خير ثوابا أي هو أفضل ثوابا ممن يرجى ثوابه وهذا على تقدير أنه لو كان غيره يثيب لكان ثوابه أفضل
قوله تعالى وخير عقبا قرا ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي عقبا مضمومة القاف وقرأ عاصم وحمزة عقبا ساكنة القاف قال ابو علي ما كان على فعل جاز تخفيفه كالعنق والطنب قال أبو عبيدة العقب والعقب والعقبى والعاقبة بمعنى وهي الآخرة والمعنى عاقبة طاعة الله خير من عاقبة طاعة غيره
واضرب لهم مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا
قوله تعالى واضرب لهم مثل الحياة الدنيا أي في سرعة نفادها وذهابها وقيل في تصرف احوالها إذ مع كل فرحة ترحة وهذا مفسر في سورة يونس 24 إلى قوله فأصبح هشيما قال الفراء الهشيم كل شيء كان رطبا فيبس وقال الزجاج الهشيم النبات الجاف وقال ابن قتيبة الهشيم من النبت المتفتت وأصله من هشمت الشيء إذا كسرته ومنه سمي الرجل هاشما وتذروه الرياح تنسفه وقرأ أبي وابن عباس وابن أبي عبلة تذريه برفع التاء وكسر الراء بعدها ياء ساكنة وهاء مكسورة وقرأ ابن مسعود كذلك إلا أنه فتح التاء والمقتدر مفتعل من قدرت قال المفسرون وكان الله على كل شيء من الإنشاء والإفناء مقتدرا

المال والبنون زينة الحيوة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا
قوله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا هذا رد على المشركين الذين كانوا يفتخرون بالأموال والأولاد فأخبر الله تعالى أن ذلك مما يتزين به في الدنيا لا مما ينفع في الآخرة
قوله تعالى والباقيات الصالحات فيها خمسة اقوال
أحدها أنها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر روى ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه وعن العدو أن تجاهدوه فلا تعجزوا عن قول سبحان الله والحمد الله ولا إلا الله والله اكبر فقولوها فانهن الباقيات الصالحات وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء وبه قال مجاهد وعطاء وعكرمة والضحاك وسئل عثمان ابن عفان رضي الله عنه عن الباقيات الصالحات فقال هذه الكلمات وزاد فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب القزطي مثله سواء
والثاني أنها لا إله إلا الله والله اكبر والحمد لله ولا قوة الا بالله رواه علي بن أبي طالب عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثالث أنها الصلوات الخمس رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال ابن مسعود ومسروق وابراهيم

والرابع الكلام الطيب رواه العوفي عن ابن عباس
والخامس هي جميع أعمال الحسنات وراه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال قتادة وابن زيد
قوله تعالى خير عند ربك ثوابا أي أفضل جزاء وخير أملا أي خير مما تؤملون لأن آمالكم كواذب وهذا أمل لا يكذب
ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياوليتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا وإذا قلنا للملئكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ما اشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا
قوله تعالى ويوم تسير الجبال قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويوم تسير بالتاء الجبال رفعا وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي نسير بالنون الجبال نصبا وقرأن ابن محيصن ويوم تسير بفتح التاء وكسر السين وتكسين الياء الجبال بالرفع قال الزجاج ويوم منصوب على معنى اذكر ويجوز أن يكون منصوبا على والباقيات الصالحات

خير يوم تسير الجبال قال ابن عباس تسير الجبال عن وجه الارض كما يسير السحاب في الدنيا ثم تكسر فتكون في الأرض كما خرجت منها
قوله تعالى وترى الأرض بارزة وقرأ عمرو بن العاص وابن السميفع وأبو العالية وترى الأرض بارزة برفع التاء والضاد وقرأ ابو رجاء العطاردي كذلك إلا أنه فتح ضاد الأرض
وفي معنى بارزة قولان أحدهما ظاهرة فليس عليها شيء من جبل او شجر او بناء قاله الأكثرون والثاني بارزا أهلها من بطنها قاله الفراء
قوله تعالى وحشرناهم يعني المؤمنين والكافرين فلم نغادر قال ابن قتيبة أي فلم نخلف يقال غادرت كذا إذا خلفته ومنه سمي الغدير لأنه ماء تخلفه السيول وروى أبان فلم نغادر بالتاء
قوله تعالى وعرضوا على ربك صفا إن قيل هذا أمر مستقبل فكيف عبر عنه بالماضي فالجواب أن ما قد علم الله وقوعه يجري مجرى المعاين كقوله ونادى اصحاب الجنة الاعرف 43
وفي معنى قوله صفا أربعة أقوال
أحدها أنه بمعنى جميعا كقوله ثم أئتوا صفا طه 64 قاله مقاتل
والثاني أن المعنى وعرضوا على ربك مصفوفين هذا مذهب البصريين
والثالث أن المعنى وعرضوا على ربك صفوفا فناب الواحد عن الجميع كقوله ثم نخرجكم طفلا الحج 5
والرابع أنه لم يغب عن الله منهم أحد فكانوا كالصف الذي تسهل الإحاطة بجملته ذكر هذه الاقوال ابن الانباري وقد قيل إن كل أمة وزمرة صف

قوله تعالى لقد جئتمونا فيه اضمار فيقال لهم
وفي المخاطبين بهذا قولان احدهما أنهم الكل والثاني الكفار فيكون اللفظ عاما والمعنى خاصا وقوله كما خلقناكم أول مرة مفسر في الأنعام 94 وقوله بل زعمتم خطاب الكفار خاصة والمعنى زعمتم في الدنيا أن لن نجعل لكم موعدا للبعث والجزاء
قوله تعالى ووضع الكتاب فيه ثلاثة أقوال
أحدها انه الكتاب الذي سطر فيه ما تعمل الخلائق قبل وجودهم قاله ابن عباس والثاني انه الحساب قاله ابن السائب والثالث كتاب الأعمال قاله مقاتل وقال ابن جرير وضع كتاب أعمال العباد في أيديهم فعلى هذا الكتاب اسم جنس
قوله تعالى فترى المجرمين قال مجاهد هم الكافرون وذكر بعض أهل العلم أن كل مجرم ذكر في القرآن فالمراد به الكافر
قوله تعالى مشفقين أي خائفين مما فيه من الأعمال السيئة ويقولون ياويلتنا هذا قول كل واقع في هلكة وقد شرحنا هذا المعنى في قوله ياحسرتنا الانعام 31
قوله تعالى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها هذا على ظاهره في صغير الأمور وكبيرها وقد روى عكرمة عن ابن عباس قال الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة وقد يتوهم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها وليس كذلك إذ ليس الضحك والتبسم مجردهما من الذنوب وإنما المراد أن التبسم من صغار الأفعال والضحك فعل كبير وقد روى الضحاك عن ابن عباس قال الضغيرة التبسم والاستهزاء بالمؤمنين والكبيرة القهقهة

بذلك فعلى هذا يكون ذنبا من الذنوب لمقصود فاعله لا لنفسه ومعنى أحصاها عدها وأثبتها والمعنى وجدت محصاة ووجدوا ما عملوا حاضرا أي مكتوبا مثبتا في الكتاب وقيل رأوا جزاءه حاضرا وقال أبو سليمان الصحيح عند المحققين ان صغائر المؤمنين الذين وعدوا العفو عنها اذا اجتنبوا الكبائر إنما يعفى عنها في الآخرة بعد أن يراها صاحبها
قوله تعالى ولا يظلم ربك أحدا قال ابو سليمان لا تنقص حسنات المؤمن ولا يزاد في سيئات الكافر وقيل إن كان للكافر فعل خير كعتق رقبة وصدقة خفف عنه به من عذابه وان ظلمة مسلم أخذ الله من المسلم فصار الحق لله
ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه و سلم أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء قصة إبليس وما أورثه الكبر فقال وإذ قلنا أي اذكر ذلك
وفي قوله كان من الجن قولان
أحدهما انه من الجن حقيقة لهذا النص واحتج قائلوا هذا بأن له ذرية وليس للملائكة ذرية وانه كفر والملائكة رسل الله فهم معصومون من الكفر
والثاني أنه كان من الملائكة وإنما قيل من الجن لأنه كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن قاله ابن عباس وقد شرحنا هذا في البقرة 34
قوله تعالى ففسق عن أمر ربه فيه ثلاثة أقوال
أحدها خرج عن طاعة ربه تقول العرب فسقت الرطبة من قشرها إذا خرجت منه قاله الفراء وابن قتيبة

والثاني أتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب فسقه عن أمر ربه قال الزجاج وهذا مذهب الخليل وسيبويه وهو الحق عندنا
والثالث ففسق عن رد أمر ربه حكاه الزجاج عن قطرب
قوله تعالى أفتخذونه وذريته اولياء من دوني أي توالونهم بالاستجابة لهم قال الحسن وقتادة ذريته أولاده وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم قال مجاهد ذريته الشياطين ومن ذريته زلنبور صاحب راية ابليس بكل سوق وثبر وهو صاحب المصائب والأعور صاحب الرياء ومسوط صاحب الأخبار يأتي بها فيطرحها على أفواه الناس فلا يوجد لها اصل وداسم صاحب الإنسان إذا دخل بيته ولم يسلم ولم يذكر اسم الله فهو يأكل معه إذا أكل قال بعض أهل العلم إذا كانت خطئية الانسان في كبر فلا ترجه وإن كانت في شهوة فارجه فان معصية إبليس كانت بالكبر ومعصية آدم بالشهوة
قوله تعالى بئس للظالمين بدلا فيه ثلاثة أقوال
أحداها بئس الاتخاذ للظالمين بدلا والثاني بئس الشيطان والثالث بئس الشيطان والذرية ذكرهن ابن الانباري
قوله تعالى ما اشهدتهم خلق السموات والأرض وقرأ ابو جعفر وشيبة ما أشهدناهم بالنون والالف
وفي المشار إليهم اربعة اقوال
أحدها ابليس وذريته والثاني الملائكة والثالث جميع الكفار والرابع جميع الخلق والمعنى أني لم أشاورهم في خلقهن وفي هذا بيان للغناء عن الأعوان وإظهار كمال القدرة

قوله تعالى ولا خلق أنفسهم أي ما أشهدت بعضهم خلق بعض ولا استعنت ببعضهم على إيجاد بعض
قوله تعالى وما كنت متخذ المضلين يعني الشياطين عضدا أي أنصارا وأعوانا والعضد يستعمل كثيرا في معنى العون لأنه قوام اليد قال الزجاج والاعتضاد التقوي وطلب المعونة يقال اعتضدت بفلان أي استعنت به
وفي ما نفى اتخاذهم عضدا فيه قولان
أحدهما أنه الولايات والمعنى ما كنت لأولي المضلين قاله مجاهد والثاني أنه خلق السموات والأرض قاله مقاتل وقرأ الحسن والجحدري وأبو جعفر وما كنت بفتح التاء
ويوم يقول نادوا شركاءي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ورأ المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا
قوله تعالى ويوم يقول وقرأ حمزة نقول بالنون يعني يوم القيامة نادوا شركائي أضاف الشركاء اليه على زعمهم والمراد نادوهم لدفع العذاب عنكم أو الشفاعة لكم الذين زعمتم أي زعمتموهم شركاء فدعوهم فلم يستجيبوا لهم أي لم يجيبوهم وجعلنا بينهم في المشار إليهم قولان
أحدهما انهم المشركون والشركاء والثاني أهل الهدى وأهل الضلالة
وفي معنى موبقا ستة أقوال
أحدها مهلكا قاله ابن عباس وقتادة والضحاك وقال ابن قتيبة

مهلكا بينهم وبين آلهتهم في جهنم ومنه يقال أوبقته ذنوبه أي أهلكته قال الزجاج المعنى جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم أي يهلكهم فالموبق المهلك يقال وبق ييبق ويابق وبقا ووبق يبق وبوقا فهو وابق وقال الفراء جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا أي مهلكا لهم في الآخرة فالبين على هذا القول بمعنى التواصل كقوله تعالى لقد تقطع بينكم الأنعام 94 على قراءة من ضمن النون
والثاني أن الموبق واد عميق يفرق به بين أهل الضلالة وأهل الهدى قاله عبدالله بن عمرو
والثالث أنه واد في جهنم قاله انس بن مالك ومجاهد
والرابع ان معنى الموبق العدواة قاله الحسن
والخامس أنه المحبس قاله الربيع بن أنس
والسادس أنه الموعد قاله ابو عبيدة
قال ابن الأنباري إن قيل لم قال موبقا ولم يقل موبقا بضم الميم إذ كان معناه عذابا موبقا
فالجواب أنه اسم موضوع لمحبس في النار والأسماء لا تؤخذ بالقياس فيعلم أن موبقا مفعل من أوبقه الله إذا أهلكه فتفتح الميم كما تنفتح في موعد ومولد ومحتد إذا سميت الشخوص بهن
قوله تعالى ورأى المجرمون النار أي عاينوها وهي تتغيظ حنقا عليهم والمراد بالمجرمين الكفار فظنوا أي ايقنوا أنهم مواقعوها أي

داخلوها ومعنى المواقعة ملابسة الشيء بشدة ولم يجدوا عنها مصرفا أي معدلا والمصرف الموضع الذي يصرف اليه وذلك أنها احاطت بهم من كل جانب فلم يقدروا على الهرب
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا
قوله تعالى ولقد صرفنا في هذا القرآن قد فسرناه في بني اسرائيل 41
قوله تعالى وكان الإنسان أكثر شيء جدلا فيمن نزلت قولان
أحدهما انه النضر بن الحارث وكان جداله في القرآن قاله ابن عباس
والثاني أبي بن خلف وكان جداله في البعث حين أتى بعظم قد رم فقال أيقدر الله على إعادة هذا قاله ابن السائب قال الزجاج كل ما يعقل من الملائكة والجن يجادل والإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا
قوله تعالى وما منع الناس أن يؤمنوا قال المفسرون يعني أهل مكة إذ جاءهم الهدى وهو محمد صلى الله عليه و سلم والقرآن والإسلام إلا أن تأتيهم سنة الأولين وهو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها ما منعهم من الإيمان إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين قاله الزجاج
والثاني وما منع الشيطان الناس أن يؤمنوا إلا لأن تأتيهم سنة الأولين أي منعهم رشدهم لكي يقع العذاب بهم ذكره ابن الأنباري

والثالث ما منعهم إلا أني قد قدرت عليهم العذاب وهذه الآية فيمن قتل ببدر وأحد من المشركين قاله الواحدي
قوله تعالى أو يأتيهم العذاب ذكر ابن الأنباري في أو هاهنا ثلاثة أقوال
أحدها انها بمعنى الواو
والثاني أنها لوقوع احد الشيئين إذ لا فائدة في بيانه
والثالث أنها دخلت للتبعيض أي أن بعضهم يقع به هذا وهذه الأقوال الثلاثة قد أسلفنا بيانها في قوله عز و جل أو كصيب من السماء البقرة 19
قوله تعالى قبلا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر قبلا بكسر القاف وفتح الباء وقرأ عاصم وحمزة والكسائي قبلا بضم القاف والباء وقد بينا علة القراءتين في الأنعام 111 وقرأ أبي ابن كعب قبلا بفتح القاف من غير ياء قال ابن قتيبة أراد استئنافا
فان قيل إذا كان المراد بسنة الأولين العذاب فما فائدة التكرار بقوله أو يأتيهم العذاب
فالجواب أن سنة الأولين أفادت عذابا مبهما يمكن أن يتراخى وقته وتختلف أنواعه وإتيان العذاب قبلا أفاد القتل يوم بدر قال مقاتل سنة الأولين عذاب الأمم السالفة أو يأتيهم العذاب قبلا أي عيانا قتلا بالسيف يوم بدر
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي

وما أنذروا هزوا ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرأ وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا
قوله تعالى ويجادل الذين كفرا بالباطل قال ابن عباس يريد المستهزئين والمقتسمين وأتباعهم وجدالهم بالباطل أنهم الزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم ليدحضوا به الحق أي ليبطلوا ما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم وقيل جدالهم قولهم أإذا كنا عظاما ورفاتا الاسراء 49 أإذا ضللنا في الأرض السجدة 10 ونحو ذلك ليبطلوا به ما جاء في القرآن من ذكر البعث والجزاء قال ابو عبيدة ومعنى ليدحضوا ليزيلوا ويذهبوا يقال مكان دحض أي مزل لا يثبت فيه قدم ولا حافر
قوله تعالى واتخذوا آياتي يعني القرآن وما أنذروا أي خوفوا به من النار والقيامة هزوا أي مهزوءا به
قوله تعالى ومن أظلم قد شرحنا هذه الكلمة في البقرة 114 وذكر بمعنى وعظ وآيات ربه القرآن وأعراضه عنها تهاونه بها ونسي ما قدمت يداه أي ما سلف من ذنوبه وقد شرحنا ما بعد هذا في الأنعام 21 إلى قوله وإن تدعهم إلى الهدى وهو الإيمان والقرآن فلن يهتدوا هذا اخبار عن علمه فيهم
قوله تعالى وربك الغفور ذو الرحمة إذ لم يعاجلهم بالعقوبة بل لهم

موعد للبعث والجزاء لن يجدوا من دونه موئلا قال الفراء الموئل المنجى وهو الملجأ في المعنى لأن المنجي ملجأ والعرب تقول إنه ليوائل إلى موضعه أي يذهب الى موضعه قال الشاعر ... لاواءلت نفسك خليتها ... للعامريين ولم تكلم ...
أي ما ينجو وقال ابن قتيبة الموئل الملجأ يقال وآل فلان إلى كذا إذا لجأ
فان قيل ظاهر هذه الاية يقتضي أن تأخير العذاب عن الكفار برحمة الله ومعلوم أنه لا نصيب لهم في رحمته
فعنه جوابان أحدهما أن الرحمة هاهنا بمعنى النعمة ونعمة الله لا يخلو منها مؤمن ولا كافر فأما الرحمة التي هي الغفران والرضى فليس للكافر فيها نصيب والثاني أن رحمة اله محظورة على الكفار يوم القيامة فأما في الدنيا فانهم ينالون منها العافية والرزق
قوله تعالى وتلك القرى يريد التي قصصنا عليكم ذكرها والمراد أهلها ولذلك قال أهلكناهم والمراد قوم هود وصالح ولوط وشعيب قال الفراء قوله لما ظلموا معناه بعدما ظلموا

قوله تعالى وجعلنا لمهلكهم قرأ الأكثرون بضم الميم وفتح اللام قال الزجاج وفيه وجهان
أحدهما أن يكون مصدرا فيكون المعنى وجعلنا لإهلاكهم
والثاني أن يكون وقتا فالمعنى لوقت هلاكهم
وقرأ ابو بكر عن عاصم بفتح الميم واللام وهو مصدر مثل الهلاك وقرأ حفص عن عاصم بفتح الميم وكسر اللام ومعناه لوقت اهلاكهم
وإذ قال موسى لفته لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو امضي حقبا فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا فلما جاوزا قال لفته آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن اذكره واتخذ سبيكه في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما
قوله تعالى وإذ قال موسى لفتاه الآية سبب خروج موسى عليه السلام في هذا السفر ما روى ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن موسى قام خطيبا في بني اسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عز و جل عليه اذ لم يرد العلم اليه فأوحى الله اليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فانطلق

معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤؤسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتىإذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة إلى قوله عجبا قال فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا فقال موسى ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا قال رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا الى الصخرة فاذا هو مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر وأنى بأرضك السلام من أنت قال أنا موسى قال موسى بني اسرائيل قال نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علمنيه وأنت على علم من علم الله علمكه لا أعلمه فقال موسى ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك امرا فقال له الخضر فان اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا يمشيان عل الساحل فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ الا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى قوم قد حملونا بغير نول عمدت

إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها إلى قوله عسرا قال وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت الأولى من موسى نسيانا وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل مانقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه فاقتلعه فقتله فقال له موسى أقتلت نفسا زاكية الى قوله يريد أن ينقض فقال الخضر بيده هكذا فاقامه فقال موسى قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت عليه اجرا قال هذا فراق بيني وبينك الآية هذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وقد ذكرنا إسناده في كتاب الحدائق فآثرنا الاختصار هاهنا
فأما التفسير فقوله تعالى وإذ قال موسى المعنى واذكر ذلك وفي موسى قولان
أحدهما أنه موسى بن عمران قاله الأكثرون ويدل عليه ما روي في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى بني اسرائيل هو موسى صاحب الخضر قال

كذب عدو الله أخبرني ابي بن كعب فذكر الحديث الذي قدمناه آنفا
والثاني أنه موسى بن ميشا قاله ابن اسحاق وليس بشيء للحديث الصحيح الذي ذكرناه فأما فتاه فهو يوشع بن نون من غير خلاف وإنما سمي فتاه لأنه كان يلازمه وياخذ عنه العلم ويخدمه
ومعنى لا أبرح لا أزال وليس المراد به لا أزول لأنه إذا لم يزل لم يقطع أرضا فهو مثل قولك ما برحت أناظر عبدالله أي ما زلت قال الشاعر ... إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة ... وتحمل أخرى أفرحتك الوادائع ...
أي أثقلتك والمعنى لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين أي ملتقاهما وهو الموضع الذي وعده الله بلقاء الخضر فيه قال قتادة بحر فارس وبحر الروم فبحر الروم نحو المغرب وبحر فارس نحو المشرق
وفي اسم البلد الذي بمجمع البحرين قولان
أحدهما إفريقية قاله أبي بن كعب وقرأ ابو رزين والحسن وابو مجلز وقتادة والجحدري وابن يعمر حقبا باسكان الكاف قال ابن قتيبة الحقب الدهر والحقب السنون واحدتها حقبة ويقال حقب وحقب كما يقال قفل وقفل وهزؤ وهزؤ وكفؤ وكفؤ وأكل

وأكل وسحت وسحت ورعب ورعب ونكر ونكر وأذن وأذن وسحق وسحق وبعد وبعد وشغل وشغل وثلث وثلث وعذر وعذر ونذر ونذر وعمر وعمر
وللمفسرين في المراد بالحقب هاهنا ثمانية أقوال
أحدها أنه الدهر قاله ابن عباس والثاني ثمانون سنة قاله عبدالله ابن عمرو وابو هريرة والثالث سبعون ألف سنة قاله الحسن والرابع سبعون سنة قاله مجاهد والخامس سبعة عشر ألف سنة قاله مقاتل بن حيان والسادس أنه ثمانون ألف سنة كل يوم ألف سنة من عدد الدنيا والسابع أنه سنة بلغة قيس ذكرهما الفراء والثامن الحقب عند العرب وقت غير محدود قاله ابو عبيدة ومعنى كلام لأ ازال اسير ولو احتجت أن اسير حقبا
قوله تعالى فلما بلغا يعني موسى وفتاه مجمع بينهما يعني البحرين نسيا حوتهما وكانا قد تزودا حوتا مالحا في زبيل فكانا يصيبان منه عند الغداء والعشاء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل فأصاب الحوت بلل البحر وقيل توضأ يوشع من عين الحياة فانتضنح على الحوت الماء فعاش فتحرك في المكتل فانسرب في البحر وقد كان قيل لموسى تزود حوتا مالحا فاذا فقدته وجدت الرجل وكان موسى حين ذهب الحوت في البحر قد مضى لحاجة فعزم فتاه أن يخبره بما جرى فنسي وإنما قيل نسيا حوتهما توسعا في الكلام لأنهما جميعا تزوداه كما يقال نسي القوم زادهم وإنما نسيه أحدهم قال الفراء ومثله قوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الرحمن 22 وإنما يخرج ذلك من الملح لا من العذب وقيل نسي يوشع

أن يحمل الحوت ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء فلذلك اضيف النسيان إليهما
قوله تعالى فاتخذ سبيله في البحر سربا أي مسلكا ومذهبا قال ابن عباس جعل الحوت لا يمس شيئا من البحر الا يبس حتى يكون صخرة وقال قتادة جعل لا يسلك طريقا إلا صار الماء جامدا وقد ذكرنا في حديث أبي بن كعب أن الماء صار مثل الطاق على الحوت
قوله تعالى فلما جاوزا ذلك المكان الذي ذهب فيه الحوت أصابهما ما يصيب المسافر من النصب فدعا موسى بالطعام فقال آتنا غداءنا وهو الطعام الذي يؤكل بالغداة والنصب الإعياء وهذا يدل على إباحة إظهار مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من الأذى والتعب ولا يكون ذلك شكوى قال يوشع لموسى أرأيت إذ أوينا الى الصخرة أي حين نزلنا هناك فاني نسيت الحوت فيه قولان
أحدهما نسيت أن أخبرك خبر الحوت والثاني نسيت حمل الحوت
قوله تعالى وما أنسانيه قرأ الكسائي أنسانيه باماله السين مع كسر الهاء وقرأ ابن كثير أنسانيهي باثبات ياء في الوصل بعد الهاء وروى حفص عن عاصم أنسانيه إلا بضم الهاء في الوصل
قوله تعالى واتخذ سبيله في البحر عجبا الهاء في السبيل ترجع الى الحوت وفي المتخذ قولان
أحدهما أنه الحوت ثم في المخبر عنه قولان
أحدهما أنه الله عز و جل ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال أحدها فاتخذ سبيله في البحر يرى عجبا ويحدث عجبا والثاني أنه لما قال الله تعالى

واتخذ سبيله في البحر قال اعجبوا لذلك عجبا وتنبهوا لهذه الآية والثالث أن إخبار الله تعالى انقطع عند قوله في البحر فقال موسى عجبا لما شوهد من الحوت ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري
والثاني ان المخبر عن الحوت يوشع وصف لموسى ما فعل الحوت
والقول الثاني أن المتخذ موسى اتخذ سبيل الحوت في البحر عجبا فدخل في المكان الذي مر فيه الحوت فرأى الخضر وروى عطية عن ابن عباس قال رجع موسى الى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى حتى انتهى به الى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر
قوله تعالى قال يعني موسى ذلك ما كنا نبغي أي ذلك الذي نطلب من العلامة الدالة على مطلوبنا قرأ ابن كثير نبغي بياء في الوصل والوقف وقرأ نافع وأبو عمرو والكسائي بياء في الوصل وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بحذف الياء في الحالين
قوله تعالى فارتدا على آثارهما قال الزجاج أي رجعا في الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر والقصص اتباع الأثر
قوله تعالى فوجدا عبدا من عبادنا يعني الخضر
وفي اسمه أربعة أقوال
أحدها اليسع قاله وهب ومقاتل والثاني الخضر بن عاميا والثالث أرميا بن حلفيا ذكرهما ابن المنادي والرابع بليا بن ملكان ذكره علي بن احمد النيسابوري
فأما تسميته بالخضر ففيه قولان

أحدهما أنه جلس في فروة بيضاء فاخضرت رواه ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم والفروة الأرض اليابسة
والثاني أنه كان إذا جلس اخضر ما حوله قاله عكرمة وقال مجاهد كان إذا صلى أخضر ما حوله وهل كان الخضر نبيا أم لا فيه قولان ذكرهما ابو بكر بن الأنباري وقال كثير من الناس يذهب الى أنه كان نبيا وبعضهم يقول كان عبدا صالحا واختلف العلماء هل هو باق الى يومنا هذا على قولين حكاهما الماوردي وكان الحسن يذهب الى أنه مات وكذلك كان ابن المنادي من أصحابنا يقول ويقبح قول من يرى بقاءه ويقول لا يثبت حديث في بقائه وروى أبو بكر النقاش أن محمد بن اسماعيل البخاري سئل عن الخضر وإلياس هل هما في الأحياء فقال كيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد
قوله تعالى آتينا رحمة من عندنا في هذه الرحمة ثلاثة أقوال

أحدها أنها النبوة قاله مقاتل والثاني الرقة والحنو على من يستحقه ذكره ابن الأنباري والثالث النعمة قاله ابو سليمان الدمشقي
قوله تعالى وعلمناه من لدنا أي من عندنا علما قال ابن عباس أعطاه علما من علم الغيب
قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرأ وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا
قوله تعالى أن تعلمني قرأ ابن كثير تعلمني مما باثبات الياء في الوصل والوقف وقرأ نافع وأبو عمرو بياء في الوصل وقرأ ابن عامر وعاصم بحذف الياء في الحالين
قوله تعالى مما علمت رشدا قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والسكائي رشدا بضم الراء واسكان الشين خفيفة وقرأ ابو عمرو رشدا بفتح الراء والشين وعن ابن عامر بضمهما والرشد والرشد لغتان كالنخل والنخل والعجم والعجم والعرب والعرب والمعنى أن تعلمني علما ذا رشد وهذه القصة قد حرضت على الرحلة في طلب العلم واتباع المفضول للفاضل طلبا للفضل وحثت على الأدب والتواضع للمصحوب
قوله تعالى إنك لن تستطيع معي صبرا قال ابن عباس لن تصبر على صنعي لأني علمت من غيب علم ربي
وفي هذا الصبر وجهان
أحدهما على الإنكار والثاني عن السؤال

قوله تعالى وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا الخبر علمك بالشيء والمعنى كيف تصبر على أمر ظاهره منكر وأنت لا تعلم باطنه
قوله تعالى ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال ابن الأنباري نفي العصيان منسوق على الصبر والمعنى ستجدني صابرا ولا أعصي إن شاء الله
قال فان ابتعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفهوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل مالم تستطيع عليه صبرا
قوله تعالى فلا تسألني قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي فلا تسألني ساكنة اللام وقرأ نافع فلا تسألني مفتوحة اللام مشددة النون وقرأ ابن عامر في رواية الداجوني فلا تسألن عن

شيء بتحريك اللام من غير ياء والنون مكسورة والمعنى لا تسألني عن شيء مما أفعله حتى أحدث لك منه ذكرا أي حتى أكون أنا الذي أبينه لك لأن علمه قد غاب عنك
قوله تعالى خرقها أي شقها قال المفسرون قلع منها لوحا وقيل لوحين مما يلي الماء فحشاها موسى بثوبه وأنكر عليه ما فعل بقوله أخرقتها لتغرق أهلها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر لتغرق بالتاء أهلها بالنصب وقرأ حمزة والكسائي ليغرق بالياء أهلها برفع اللام لقد جئت شيئا إمرا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها منكرا قاله مجاهد وقال الزجاج عظيما من المنكر والثاني عجبا قاله قتادة وابن قتيبة والثالث داهية قاله ابو عبيدة
قوله تعالى لا تؤاخذني بما نسيت في هذا النسيان ثلاثة أقوال
أحدها أنه على حقيقته وأنه نسي روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن الأولى كانت نسيانا من موسى
والثاني أنه لم ينس ولكنه من معاريض الكلام قاله ابي بن كعب وابن عباس
والثالث أنه بمعنى الترك فالمعنى لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه ذكره ابن الأنباري
قوله تعالى ولا ترهقني قال الفراء لا تعجلني وقال ابو عبيدة وابن قتيبة والزجاج لا تغشني قال ابو زيد يقال أرهقته عسرا إذا كلفته ذلك قال الزجاج والمعنى عاملني باليسر لا بالعسر

قوله تعالى فانطلقا يعني موسى والخضر قال الماوردي يحتمل أن يوشع تأخر عنهما لأن الإخبار عن اثنين ويحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تبع لموسى فاقتصر على حكم المتبوع
قوله تعالى حتى إذا لقيا غلاما اختلفوا في هذا الغلام هل كان بالغا ام لا على قولين
أحدهما أنه لم يكن بالغا قاله ابن عباس ومجاهد والأكثرون
والثاني أنه كان شابا قد قبض على لحيته حكاه الماوردي عن ابن عباس أيضا واحتج بأن غير البالغ لم يجر عليه قلم فلم يستحق القتل وقد يسمى الرجل غلاما قالت ليلى الأخيلية تمدح الحجاج
... شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز الفتاة سقاها ...
وفي صفة قتله له ثلاثة أقوال
أحدها أنه اقتلع رأسه وقد ذكرناه في حديث أبي والثاني كسر عنقه قاله ابن عباس والثالث أضجعة وذبحه بالسكين قاله سعيد بن جبير
قوله تعالى أقتلت نفسا زاكية قرأ الكوفيون وابن عامر زكية بغير ألف والياء مشددة وقر الباقون بالألف من غير تشديد قال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد وهما بمنزلة القاسية والقسية
وللمفسرين فيها ستة اقوال
أحدها أنها التائبة روي عن ابن عباس انه قال الزكية التائبة وبه قال الضحاك

والثاني أنها المسلمة روي عن ابن عباس أيضا
والثالث أنها الزكية التي لم تبلغ الخطايا قاله سعيد بن جبير
والرابع أنها الزكية النامية قاله قتادة وقال ابن الأنباري القويمة في تركيبها
والخامس أن الزكية المطهرة قاله ابو عبيدة
والسادس ان الزكية البريئة التي لم يظهر ما يوجب قتلها قاله الزجاج
وقد فرق بعضهم بين الزاكية والزكية فروي عن ابي عمرو بن العلاء أنه قال الزاكية التي لم تذنب قط والزكية التي أذنبت ثم تابت وروي عن أبي عبيدة أنه قال الزاكية في البدن والزكية في الدين
قوله تعالى بغير نفس أي بغير قتل نفس لقد جئت شيئا نكرا قرأ ابن كثير وابو عمرو وحمزة والكسائي نكرا خفيفة في كل القرآن إلا قوله الى شيء نكر القمر 6 وخفف ابن كثير أيضا الى شيء نكر وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم نكرا والى نكر مثقل والمخفف إنما هو من المثقل كالعنق والعنق النكر والنكر قال الزجاج والمعنى لقد أتيت شيئا نكرا ويجوز أن يكون معناه جئت بشيء نكر فلما حذف الباء أفضى الفعل فنصب نكرا ونكرا أقل منكرا من قوله إمرا لأن تغريق من في السفينة كان عنده أذكر من قتل نفس واحدة
قوله تعالى قال ألم أقل لك
إن قيل لم ذكر لك هاهنا واختزله من الموضع الذي قبله
إن
فالجواب أن اثباته للتوكيد واختزاله لوضوح المعنى وكلاهما معروف

عند الفصحاء تقول العرب قد قلت لك أتق الله وقد قلت لك يا فلان اتق الله وانشد ثعلب ... قد كنت حذرتك آل المصطلق ... وقلت يا هذا أطعني وانطلق ...
فقوله يا هذا توكيد لا يختل الكلام بسقوطه وسمعت الشيخ أبا محمد الخشاب يقول وقره في الأول فلم يواجهه بكاف الخطاب فلما خالف في الثاني واجهه بها
قوله تعالى إن سألتك عن شيء أي سؤال توبيخ وإنكار بعدها أي بعد هذه المسألة فلا تصاحبني وقرأ كذلك معاذ القارئ وأبونهيك وأبو المتوكل والأعرج إلا أنهم شددوا النون قال الزجاج ومعناه إن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك وقرأ أبي بن كعب وابن أبي عبلة ويعقوب لا تصحبني بفتح التاء من غير ألف وقرأ ابن مسعود وأبو العالية والأعمش كذلك إلا أنهم شددوا النون وقرأ ابو رجاء وأبو عثمان النهدي والنخعي والجحدري تصحبني بضم التاء وكسر الحاء وسكون الصاد والباء قال الزجاج فيهما وجهان
أحدهما لا تتابعني في شيء ألتمسه منك يقال قد أصحب المهر إذا انقاد
والثاني لا تصحبني علما من علمك
قد بلغت من لدني قرا ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي من لدني مثقل وقرأ نافع من لدني بضم الدال مع تخفيف النون وروى أبو بكر عن عاصم من لدني بفتح اللام مع تسكين الدال وفي رواية أخرى عن عاصم لدني بضم اللام وتسكين الدال قال الزجاج

وأجودها تشديد النون لأن أصل لدن الإسكان فاذا أضفتها إلى نفسك زدت نونا ليسلم سكون النون الأولى تقول من لدن زيد فتسكن النون ثم تضيف الى نفسك فتقول من لدني كما تقول عن زي وعني فأما إسكان دال لدني فانهم أسكنوها كما تقول في عضد عضد فيحذفون الضم قال ابن عباس يريد إنك قد أعذرت فيما بيني وبينك يعني أنك قد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبرا
قوله تعالى فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية فيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها أنطاكية قاله ابن عباس والثاني الأبلة قاله ابن سيرين والثالث باجروان قاله مقاتل
قوله تعالى استطعما أهلها أي سألاهم الضيافة فأبوا أن يضيفوهما روى المفضل عن عاصم يضيفوهما بضم الياء الأولى وكسر الضاد وتخفيف الياء الثانية وقرأ أبو الجوزاء كذلك إلا أنه فتح الياء الأولى وقرأ الباقون يضيفوها بفتح الضاد وتشديد الياء الثانية وكسرها قال أبو عبيدة ومعنى يضيفوهما ينزلوهما منزل الأضياف يقال ضفت أنا وأضافي الذي ينزلني وقال الزجاج يقال ضفت الرجل إذا نزلت عليه وأضفته إذا أنزلته وقريته وقال ابن قتيبة يقال ضيفت الرجل إذا أنزلته منزلة الأضياف ومنه هذه الآية وأضفته أنزلته وضفته نزلت عليه وروى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال كانوا أهل قرية لئاما
قوله تعالى فوجدا فيها جدارا أي حائطا قال ابن فارس وجمعه

جدر والجدر أصل الحائط ومنه حديث الزبير ثم دع الماء يرجع الى الجدر والجيدر القصير
قول تعالى يريد أن ينقض وقرأ أبي بن كعب وأبو رجاء ينقاض بألف ممدودة وضاد معجمة وقرأ ابن مسعود وأبو العالية وأبو عثمان النهدي ينقاص بألف ومدة وصاد غير معجمة وكله بلا تشديد قال الزجاج فمعنى ينقض يسقط بسرعة وينقاص غير معجمة ينشق طولا يقال انقاضت سنة إذا انشقت قال ابن مقسم انقاصت سنه وانقاضت بالصاد والضاد على معنى واحد
فان قيل كيف نسبت الإرادة الى ما لا يعقل
فالجواب أن هذا على وجه المجاز تشبيها بمن يقعل ويريد لأن هيأته في التهيؤ للوقوع قد ظهرت كما يظهر من أفعال المريدين القاصدين فوصف بالإرادة إذ كانت الصورتان واحدة وقد أضافت العرب الأفعال الى مالا يعقل تجوزا قال الله عز و جل ولما سكت عن موسى الغضب الأعراف 154 والغضب لا يسكت وإنما يسكت صاحبه وقال فاذا عزم الأمر محمد 21 وانشدوا من ذلك ... إن دهرا يلف شملي بجمل ... لزمان يهم بالإحسان ...
وقال أخر

يريد الرمح صدر أبي براء ... ويرغب عن دماء بني عقيل ...
وقال اخر ... ضحكوا والدهر عنهم ساكت ... ثم أبكاهم دما لما نطق ...
وقال اخر ... يشكو إلي جملي طول السرى ... صبرا جميلا فكلانا مبتلى ...
وهذا كثير في أشعارهم
قوله تعالى فأقامه أي سواه لأنه وجده مائلا
وفي كيفية ما فعل قولان أحدهما انه دفعه بيده فقام والثاني هدمه ثم قعد يبنيه روي القولان عن ابن عباس
قوله تعالى لو شئت لتخذت عليه اجرا قرأ ابن كثير وابو عمرو لتخذت بكسرالخاء غير أن ابا عمرو كان يدغم الذال ابن كثير يظهرها وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي لاتخذت وكلهم أدغموا إلا حفصا عن عاصم فانه لم يدغم مثل ابن كثير قال الزجاج يقال تخذ يتخذ في معنى اتخذ يتخذ وإنما قال له هذا لأنهم لم يضيفوهما
قوله تعالى قال يعني الخضر هذا يعني الإنكار علي فراق بيني وبينك أي هو المفرق بيننا قال الزجاج المعنى هذا فراق بيننا

أي فراق اتصالنا وكرر بين توكيدا ومثله في الكلام أخزى الله الكاذب مني ومنك وقرأ أبو رزين وابن السميفع وأبو العالية وابن أبي عبلة هذا فراق بالتنوين بني وبينك بنصب النون قال ابن عباس كان قول موسى في السفينة والغلام لربه وكان قوله في الجدار لنفسه لطلب شيء من الدنيا
أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا
قوله تعالى فكانت لمساكين في المراد بمسكنتهم قولان
أحدهما أنهم كانوا ضعفاء في أكسابهم والثاني في أبدانهم وقال كعب كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعلمون في البحر
قوله تعالى فأردت أن اعيبها أي اجعلها ذات عيب يعني بخرقها وكان وراءهم فيه قولان
أحدهما أمامهم قاله ابن عباس وقتادة وابو عبيدة وابن قتيبة وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود وكان أمامهم ملك
والثاني خلفهم قال الزجاج وهو أجود الوجهين فيجوز أن يكون رجوعهم في طريقهم كان عليه ولم يعلموا بخبره فأعلم الله تعالى الخضر خبره

قوله تعالى يأخذ كل سفينة غصبا أي كل سفينة صالحة وفي قراءة أبي بن كعب كل سفينة صحيحة قال الخضر إنما خرقتها لأن الملك إذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلها فانتفعوا بها
قوله تعالى وأما الغلام روعي عن ابن عباس أنه كان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وروى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا قال الربيع بن أنس كان الغلام على الطريق لا يمر به أحد إلا قتله أو غصبه فيدعو ذلك عليه وعلى أبويه وقال ابن السائب كان الغلام لصا فاذا جاء من يطلبه حلف أبواه أنه لم يفعل
قوله تعالى فخشينا في القائل لهذا قولان
أحدهما الله عز و جل ثم في معنى الخشية المضافة اليه قولان أحدهما أنها بمعنى العلم قال الفراء معناه فعلمنا وقال ابن عقيل المعنى فعلنا فعل الخاشي والثاني الكراهة قاله الأخفش والزجاج
والثاني أنه الخضر فتكون الخشية بمعنى الخوف للأمر المتوهم قاله ابن الأنباري وقد استدل بعضهم على أنه من كلام الخضر بقوله فأردنا أن يبدلهما ربهما قال الزجاج المعنى فأراد الله لأن لفظ الخبر عن الله تعالى هكذا أكثر من أن يحصى ومعنى يرهقهما يحملهما على الرهق وهو الجهل قال ابو عبيدة يرهقهما يغشيهما قال سعيد بن جبير خشينا

أن يمحلهما حبه على أن يدخلا في دينه وقال الزجاج فرحا به حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقي كان فيه هلاكهما فرضي امروء بقضاء الله فان قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب
قوله تعالى فأردنا أن يبدلهما ربهما قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم أن يبدلهما بالتخفيف وقرأ نافع وأبو عمرو بالتشديد
قوله تعالى خيرا منه زكاة فيه ثلاثة أقوال
أحدها دينا قاله ابن عباس والثاني عملا قاله مقاتل والثالث صلاحا قاله الفراء
قوله تعالى وأقرب رحما قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي رحما ساكنة الحاء وقرأ ابن عامر رحما مثقلة وعن أبي عمرو كالقراءتين وقرأ ابن عباس وابن جبير وابو رجاء رحما بفتح الراء وكسر الحاء
وفي معنى الكلام قولان
أحدهما أوصل للرحم وأبر للوالدين قاله ابن عباس وقتادة وقال الزجاج أقرب عطفا وأمس بالقرابة ومعنى الرحم والرحم في اللغة العطف والرحمة قال الشاعر ... وكيف بظلم جارية ... ومنها اللين والرحم ...
والثاني أقرب أن يرحما به قاله الفراء وفيما بدلا به قولان

أحدهما جارية قاله الأكثرون وروى عطاء عن ابن عباس قال أبدلهما به جارية ولدت سبعين نبيا
والثاني غلام مسلم قاله ابن جريج
قوله تعالى وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة يعني القرية المذكورة في قوله أتيا أهل قرية قال مقاتل واسمهما أصرم وصريم
قوله تعالى وكان تحته كنز لهما فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه كان ذهبا وفضة رواه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال الحسن وعكرمة وقتادة كان مالا
والثاني انه كان لوحا من ذهب فيه مكتوب عجبا لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب عجبا لمن ايقن بالنار كيف يضحك عجبا لمن يؤمن بالموت كيف يفرح عجبا لمن يوقن بالرزق كيف يتعب عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها أنا الله الذي لا إله إلا أنا محمد عبدي ورسولي وفي الشق الآخر أنا الله لا إلا إلا أنا وحدي لا شريك لي خلقت الخير والشر فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه رواه عطاء عن ابن عباس قال ابن الأنباري فسمي كنزا من جهة الذهب وجعل اسمه هو المغلب
والثالث كنز علم رواه العوفي عن ابن عباس وقال مجاهد صحف فيها علم وبه قال سعيد بن جبير والسدي قال ابن الأنباري فيكون المعنى على هذا القول كان تحته مثل الكنز لأنه يتعجل من نفعه أفضل مما

ينال من الأموال قال الزجاج والمعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد فمعناه المال المدفون المدخر فاذا لم يكن المال قيل عنده كنز علم وله كنز فهم والكنز هاهنا بالمال اشبه وجائز أن يكون الكنز كان مالا مكتوب فيه علم على ماروي فهو مال وعلم عظيم
قوله تعالى وكان أبوهما صالحا قال ابن عباس حفظا بصلاح أبيهما ولم يذكر منهما صلاحا وقال جعفر بن محمد عليه السلام كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء وقال مقاتل كان أبوهما ذا أمانة
قوله تعالى فأراد ربك قال ابن الأنباري لما كان قوله فأردت وأردنا كل واحد منهما يصلح أن يكون خبرا عن الله عز و جل وعن الخضر أتبعهما بما يحصر الإرادة عليه ويزيلها عن غيره ويكشف البغية من اللفظتين الأولين وإنما قال فأردت فأردنا فأراد ربك لأن العرب تؤثر اختلاف الكلام على اتفاقه مع تساوي المعاني لأنه أعذب على الألسن وأحسن موقعا في الأسماع فيقول الرجل قال لي فلان كذا وأنبأني بما كان وخبرني بما نال فأما الأشد فقد سبق ذكره في مواضع الأنعام 152 ويوسف 22 والاسراء 34 ولو أن الخضر لم يقم الحائط لنقض وأخذ ذلك الكنز قبل بلوغهما
قوله تعالى رحمة من ربك أي رحمهما الله بذلك وما فعلته عن أمري قال قتادة كان عبدا مأمورا
فأما قوله تسطع فان استطاع و اسطاع بمعنى واحد

ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا
قوله تعلى ويسألونك عن ذي القرنين قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى ويسألونك عن الروح الاسراء 85
واختلفوا في اسم ذي القرنين على اربعة أقوال
أحدها عبدالله قاله علي عليه السلام وروي عن ابن عباس أنه عبدالله ابن الضحاك والثاني الاسكندر قاله وهب والثالث عياش قاله محمد بن علي ابن الحسين والرابع الصعب بن جابر بن القلمس ذكره ابن أبي خيثمة
وفي علة تسميته بذي القرنين عشرة أقوال
أحدها أنه دعا قومه الى الله تعالى فضربوه على قرنه فهلك فغبر زمانا ثم بعثه الله فدعاهم الى الله فضربوه على قرنه الآخر فهلك فذانك قرناه قاله علي عليه السلام والثاني أنه سمي بذي القرنين لأنه سار الى مغرب الشمس وإلى مطلعها رواه أبو صالح عن ابن عباس والثالث لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس والرابع لأنه رأى في المنام كأنه امتد من السماء الى الأرض وأخذ بقرني الشمس فقص ذلك على قومه فسمي بذي القرنين الخامس لأنه

ملك الروم وفارس والسادس لأنه كان في رأسه شبه القرنين رويت هذه الأقوال الأربعة عن وهب بن منبه والسابع لأنه كانت له غديرتان من شعر قاله الحسن قال ابن الأنباري والعرب تسمي الضفيرتين من الشعر غديرتين وجميرتين وقرنين قال ومن قال سمي بذلك لأنه ملك فارس والروم قال لأنهما عاليان على جانبين من الأرض يقال لهما قرنان والثامن لأنه كان كريم الطرفين من اهل بيت ذوي شرف والتاسع لأنه انقرض في زمانه قرنان من الناس وهو حي والعاشر لأنه سلك الظلمة والنور ذكر هذه الأقوال الثلاثة أبو اسحاق الثعلبي
واختلفوا هل كان نبيا ام لا على قولين
أحدهما أنه كان نبيا قاله عبدالله بن عمرو والضحاك بن مزاحم
والثاني أنه كان عبدا صالحا ولم يكن نبيا ولا ملكا قاله علي عليه السلام وقال وهب كان ملكا ولم يوح اليه
وفي زمان كونه ثلاثة أقوال
أحدها أنه من القرون الأول من ولد يافث بن نوح قاله علي عليه السلام
والثاني أنه كان بعد ثمود قاله الحسن ويقال كان عمره ألفا وستمائة سنة
والثالث أنه كان في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم قاله وهب
قوله تعالى سأتلو عليكم منه ذكرا أي خبرا يتضمن ذكره إنا مكنا له في الارض أي سهلنا عليه السير فيها قال علي عليه السلام إنه أطاع الله فسخر له السحاب فحمله عليه ومد له في الأسباب وبسط له النور فكان

الليل والنهار عليه سواء وقال مجاهد ملك الأرض أربعة مؤمنان وكافران فالمؤمنان سليمان بن دواد وذو القرنين والكافران النمرود وبختنصر
قوله تعالى وآتيناه من كل شيء سببا قال ابن عباس علما يتسبب به الى ما يريد وقيل هو العلم بالطرق والمسالك
قوله تعالى فأتبع سببا قرا ابن كثير ونافع وابو عمرو فاتبع سببا ثم اتبع سببا ثم اتبع سببا مشددات التاء وقرأعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا مقطوعات قال ابن الأنباري من قرأ فاتبع سببا فمعناه قفا الأثر ومن قرأ فأتبع فمعناه لحق يقال اتبعني فلان أي تبعني كما يقال ألحقني فلان بمعنى لحقني وقال أبو علي أتبع تقديره أتبع سببا سببا فأتبع ما هو عليه سببا والسبب الطريق والسبب الطريق والمعنى تبع طريقا يؤديه الى مغرب الشمس وكان إذا ظهر على قوم أخذ منهم جيشا فسار بهم الى غيرهم
قوله تعالى وجدها تغرب في عين حمئة قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم حمئة وهي قرأة ابن عباس وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم حامية وهي قراءة عمرو وعلي وابن مسعود والزبير ومعاوية وأبي عبد الرحمن والحسن وعكرمة والنخعي وقتادة وأبي جعفر وشيبة وابن محيصن والأعمش كلهم لم يهمز قال الزجاج فمن قرأ حمئة أراد في عين ذات حمأة يقال حمأت البئر إذا أخرجت حمأتها وأحمأتها إذا ألقيت فيها الحمأة وحمئت فهي حمئة إذا صارت فيها الحمأة ومن قرأ حامية بغير همز أراد حارة وقد تكون حارة ذات حمأة وروى قتادة عن الحسن قال

وجدها تغرب في ماء يغلي كغليان القدور ووجد عندها قوما لباسهم جلود السباع وليس لهم طعام إلأا ما أحرقت الشمس من الدواب إذا غربت نحوها وما لفظت العين من الحيتان إذا وقعت فيها الشمس وقال ابن السائب وجد عندها قوما مؤمنين وكافرين يعني عند العين وربما توهم متوهم أن هذه الشمس على عظم قدرها تغوص بذاتها في عين ماء وليس كذلك فانها أكبر من الدنيا مرارا فكيف تسعها عين ماء وقيل إن الشمس بقدر الدنيا مائة وخمسين مرة وقيل بقدر الدنيا مائة وعشرين مرة والقمر بقدر الدنيا ثمانين مرة وإنما وجدها تغرب في العين كما يرى راكب البحر الذي لا يرى طرفه ان الشمس تغيب في الماء وذلك لأن ذا القرنين أنتهى الى آخر البنيان فوجد عينا حمئة ليس بعدها أحد
قوله تعالى قلنا ياذا القرنين فمن قال إنه نبي قال هذا القول وحي ومن قال ليس بنبي قال هذا إلهام
قوله تعالى إما أن تعذب قال المفسرون إما أن تقتلهم إن أبوا ما تدعوهم إليه وإما أن تأسرهم فتبصرهم الرشد قال أما من ظلم أي أشرك فسوف نعذبه بالقتل إذا لم يرجع عن الشرك وقال الحسن كان يطبخهم في القدور ثم يرد الى ربه بعد العذاب فيعذبه عذابا نكرا بالنار
قوله تعالى فله جزاء الحسنى قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم جزاء الحسنى برفع مضاف قال الفراء الحسنى الجنة وأضيف الجزاء اليها وهي الجزاء كقوله إنه لحق اليقين الحاقة 51 ودين القيمة البينة 5 ولدار الآخرة النحل 30 قال ابو علي الفارسي المعنى فله جزاء الخلال الحسنى لأن الإيمان والعمل الصالح خلال وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف ويعقوب جزاء

بالنصب والتنوين قال الزجاج وهو مصدر منصوب على الحال المعنى فله الحسنى مجزيا بها جزاء وقال ابن الأنباري وقد يكون الجزاء غير الحسنى إذا تأول الجزاء بأنه الثواب والحسنى الحسنة المكتسبة في الدنيا فيكون المعنى فله ثواب ما قدم من الحسنات
قوله تعالى وسنقول له من أمرنا يسرا أي نقول له قولا جميلا
ثم اتبع سببا إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا
قوله تعالى ثم اتبع سببا أي طريقا آخر يوصله الى المشرق قال قتادة مضى يفتح المدائن ويجمع الكنوز ويقتل الرجال إلا من آمن حتى أتى مطلع الشمس فاصاب قوما في أسراب عراة ليس لهم طعام إلا ما أحرقت الشمس إذا طلعت فاذا توسطت السماء خرجوا من أسرابهم في طلب معايشهم مما أحرقته الشمس وبلغنا أنهم كانوا في مكان لا يثبت عليه بنيان فيقال أنهم الزنج قال الحسن كانوا إذا غربت الشمس خرجوا يتراعون كما يتراعى الوحش وقرأ الحسن ومجاهد وأبو مجلز وأبو رجاء وابن محيصن مطلع الشمس بفتح اللام قال ابن الانباري ولا خلاف بين اهل العربية في أن المطلع والمطلع كلاهما يعنى بهما المكان الذي تطلع منه الشمس ويقولون ما كان على فعل يفعل فالمصدر واسم الموضع يأتيان على المفعل كقولهم المدخل للدخول والموضع الذي يدخل منه إلا أحد عشر حرفا جاءت مكسورة إذا أريد بها الموضع الذي يدخل منه إلا أحد عشر حرفا جاءت مكسورة إذا أريد بها المواضع وهي المطلع والمسكن والمنسك والمشرق والمغرب والمسجد والمنبت والمجزر والمفرق والمسقط

والمهبل الموضع الذي تضع فيه الناقة وخمسة من هؤلاء الأحد عشر حرفا سمع فيهن الكسر والفتح المطلع والمطلع والمنسك والمنسك والمجزر والمجزر والمسكن والمسكن والمنبت والمنبت فقرا الحسن على الأصل من احتمال المفعل الوجهين الموصوفين بفتح العين وكسرها وقراءة العامة على اختيار العرب وما كثر على ألسنتها وخصت الموضع بالكسر وآثرت المصدر بالفتح قال أبو عمرو المطلع بالكسر الموضع الذي تطلع فيه والمطلع بالتفح الطلوع قال ابن الأنباري هذا هو الأصل ثم إن العرب تتسع فتجعل الاسم نائبا عن المصدر فيقرؤون حتى مطلع الفجر القدر 5 بالكسر وهم يعنون الطلوع ويقرأ من قرأ مطلع الشمس بالفتح على أنه موضع بمنزلة المدخل الذي هو اسم للموضع الذي يدخل منه
قوله تعالى كذلك فيه أربعة أقوال
أحدها كما بلغ مغرب الشمس بلغ مطلعها
والثاني اتبع سببا كما اتبع سببا
والثالث كما وجد أولئك عند مغرب الشمس وحكم فيهم كذلك وجد هؤلاء عند مطلعها وحكم فيهم
والرابع أن المعنى كذلك أمرهم كما قصصنا عليك ثم استأنف فقال وقد أحطنا بما لديه بما عنده ومعه من الجيوش والعدد وحكى أبو سليمان الدمشقي بما لديه أي بما عند مطلع الشمس وقد سبق معنى الخبر الكهف 68
ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا قالوا ياذا القرنين إن

يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لكم خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجمل بينكم وبينهم ردما آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني افرغ عليه قطرا فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا قال هذا رحمة من ربي فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا
قوله تعالى ثم أتبع سببا أي طريقا ثالثا بين المشرق والمغرب حتى إذا بلغ بين السدين قال وهب بن منبه هما جبلان منيفان في السماء من ورائهما البحر من أمامهما البلدان وهما بمنقطع أرض الترك مما يلي بلاد أرمينية وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال الجبلان من قبل أرمينية وأذربيجان واختلف القراء في السدين فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم بفتح السين وقرأ نافع وابن عامر وابو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي بضمها
وهل المعنى واحد أم لا فيه قولان
أحدها أنه واحد قال ابن الاعرابي كل ما قابلك فسد ما وراءه فهو سد وسد نحو الضعف والضعف والفقر والفقر قال الكسائي وثعلب السد والسد لغتان بمعنى واحد وهذا مذهب الزجاج
والثاني أنهما يختلفان
وفي الفرق بينهما قولان
أحدهما أن ما هو من فعل الله تعالى فهو مضموم وما هو ما من فعل

الآدميين فهو مفتوح قاله ابن عباس وعكرمة وأبو عبيدة قال الفراء وعلى هذا رأيت المشيخة وأهل العلم من النحويين
والثاني أن السد بفتح السين الحاجز بين الشيئين والسد بضمها الغشاوة في العين قاله أبو عمرو بن العلاء
قوله تعالى وجد من دونهما يعني أمام السدين قوما لا يكادون يفقهون قولا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يفقهون قولا بفتح الياء أي لا يكادون يفهمونه قال ابن الأنباري قال اللغويون معناه أنهم يفهمون بعد إبطاء وهو كقوله وما كادوا يفعلون البقرة 71 قال المفسرون وإنما كانوا كذلك لأنهم لا يعرفون غير لغتهم وقرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء أراد يفهمون غيرهم وقيل كلهم ذا القرنين عنهم مترجمون ترجموا
قوله تعالى إن ياجوج وماجوج هما اسمان أعجميان وقد همزهما عاصم قال الليث الهمز لغة رديئة قال ابن عباس يأجوج رجل ومأجوج رجل وهما ابنا يافث بن نوح عليه السلام فيأجوج ومأجوج عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء وهم شبر وشبران وثلاثة اشبار وقال علي عليه السلام منهم من طوله شبر ومنهم من هو مفرط في الطول ولهم من الشعر ما يواريهم من الحر والبرد وقال الضحاك هم جيل من الترك وقال السدي الترك سرية من يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجة وروى شقيق عن حذيفة قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن يأجوج ومأجوج فقال يأجوج أمه ومأجوج أمه كل أمة أربعمائة ألف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر الى ألف ذكر بين يديه من صلبه كل قد

حمل السلاح قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز قلت يا رسول الله وما الأرز قال شجر بالشام طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرون ومائة ذراع وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحف بالآخرى ولا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية
قوله تعالى مفسدون في الأرض في هذا الفساد أربعة أقوال
أحدها أنهم كانوا يفعلون فعل قوم لوط قاله وهب بن منبه
والثاني أنهم كانوا يأكلون الناس قاله سعيد بن عبد العزيز
والثالث يخرجون الى الأرض الذين شكوا منهم أيام الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا الا أحتملوه الى ارضهم قاله ابن السائب
والرابع كانوا يقتلون الناس قاله مقاتل
قوله تعالى فهل نجعل لك خرجا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم خرجا بغير ألف وقرأ حمزة والكسائي خراجا بألف وهل بينهما فرق فيه قولان
أحدهما أنهما لغتان بمعنى واحد قاله أبو عبيدة والليث
والثاني أن الخرج ما تبرعت به والخراج ما لزمك أداؤه قاله ابو عمرو بن العلاء قال المفسرون المعنى هل نخرج اليك من اموالنا شيئا كالجعل لك

قوله تعالى ما مكني وقرأ ابن كثير مكنني بنونين وكذلك هي في مصاحف مكة قال الزجاج من قرأ مكني بالتشديد أدغم النون في النون لاجتماع النونين ومن قرأ مكنني أظهر النونين لأنهما من كلمتين الاولى من الفعل والثانية تدخل مع الاسم المضمر
وفي الذي أراد بتمكينه منه قولان
أحدهما أنه العلم بالله وطلب ثوابه
والثاني ما ملك من الدنيا والمعنى الذي أعطاني الله خير مما تبذلون لي
قوله تعالى فأعينوني بقوة فيها قولان
أحدهما أنها الرجال قاله مجاهد ومقاتل
والثاني الآلة قاله ابن السائب فأما الردم فهو الحاجز قال الزجاج والردم في اللغة أكبر من السد لأن الردم ما جعل بعضه على بعض يقال ثوب مردم إذا كان قد رقع رقعة فوق رقعة
قوله تعالى آتوني زبر الحديد قرأ الجمهور ردما آتوني أي أعطوني وروى ابو بكر عن عاصم ردم ايتوني بكسر التنوين أي جيئوني بها قال ابن عباس احملوها الي وقال مقاتل أعطوني وقال الفراء المعنى إيتوني بها فلما ألقيت الياء زيدت ألف فأما الزبر فهي القطع واحدتها زبرة والمعنى فأتوه بها فبناه حتى إذا ساوى ورى أبان إذا سوى بتشديد الواو من غير ألف قال الفراء ساوى وسوى سواء واختلف القراء في الصدفين فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر الصدفين بضم الصاد والدال وهي لغة حمير وروى أبو بكر والمفضل عن عاصم الصدفين بضم الصاد وتسكين الدال وقرأ نافع وحمزة والكسائي

وحفص عن عاصم وخلف بفتح الصاد والدال جمعيا وهي لغة تميم واختارها ثعلب وقرأ ابو مجلز وأبو رجاء وابن يعمر الصدفين بفتح الصاد ورفع الدال وقرأ أبو الجوزاء وأبو عمران والزهري والجحدري برفع الصاد وفتح الدال قال ابن الانباري ويقال صدف على مثال نغر وكل هذه لغات في الكلمة قال ابو عبيدة الصدفان جنبا الجبل قال الأزهري يقال لجانبي الجبل صدفان إذا تحاذيا لتصادفهما أي لتلاقيهما قال المفسرون حشا ما بين الجبلين بالحديد ونسج بين طبقات الحديد الحطب والفحم ووضع عليها المنافيخ ثم قال انفخوا فنفخوا حتى إذا جعله يعني الحديد وقيل الهاء ترجع الى ما بين الصدفين نارا أي كالنار لأن الحديد إذا أحمي بالفحم والمنافيخ صار كالنار قال آتوني قرا ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي آتوني ممدودة والمعنى أعطوني وقرا حمزة وأبو بكر عن عاصم إيتوني مقصورة والمعنى جيئوني به أفرغه عليه
وفي القطر أربعة أقوال
أحدها انه النحاس قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والفراء والزجاج والثاني أنه الحديد الذائب قاله ابو عبيدة والثالث الصفر المذاب قاله مقاتل والرابع الرصاص حكاه ابن الأنباري قال المفسرون أذاب القطر ثم صبه عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض حتى صار جبلا صلدا من حديد وقطر قال قتادة فهو كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء
قوله تعالى فما اسطاعوا أصله فما استطاعوا فلما كانت التاء والطاء من مخرج واحد أحبوا التخفيف فحذفوا قال ابن الأنباري إنما تقول العرب اسطاع تخفيفا كما قالوا سوف يقوم وسيقوم فأسقطوا الفاء

قوله تعالى أن يظهروه أي يعلوه يقال ظهر فلان فوق البيت إذا علاه والمعنى ما قدروا أن يعلوه لارتفاعه واملاسه وما استطاعوا له نقبا من أسفله لشدته وصلابته وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعدون اليه فيرونه كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم واراد الله عز و جل أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعودون إليه فيرونه كأشد ما كان حتى اذا بلغت مدتهم واراد الله عز و جل ان يبعثهم على الناس حفروا حتى اذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا ان شاء الله ويستثني فيعودون اليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس وذكر باقي الحديث وقد ذكرت هذا الحديث بطوله وأشباهه في كتاب الحدائق فكرهت التطويل هاهنا
قوله تعالى قال هذا رحمة من ربي لما فرغ ذو القرنين من بنيانه قال هذا وفيما أشار اليه قولان

أحدهما أنه الردم قاله مقاتل قال فالمعنى هذا نعمة من ربي على المسلمين لئلا يخرجوا اليهم
والثاني أنه التمكين الذي أدرك به عمل السد قاله الزجاج
قوله تعالى فاذا جاء وعد ربي فيه قولان
أحدهما القيامة والثاني وعده لخروج يأجوج ومأجوج
قوله تعالى جعله دكا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر دكا منونا غير مهموز ولا ممدود وقرأ عاصم وحمزة والكسائي دكاء ممدودة مهموزة بلا تنوين وقد شرحنا معنى الكلمة في الأعراف 143
قوله تعالى وكان وعد ربي حقا أي الثواب والعقاب
وتركنا بعضهم يؤمئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا
قوله تعالى وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض في المشار اليهم ثلاثة أقوال
أحدها أنهم يأجوج ومأجوج ثم في المراد ب يومئذ قولان احدهما أنه يوم انقضى أمر السد تركوا يموج بعضهم في بعض من ورائه مختلطين لكثرتهم وقيل ماجوا متعجبين من السد والثاني أنه يوم يخرجون من السد تركوا يموج بعضهم في بعض
والثاني أنهم الكفار
والثالث أنهم جميع الخلائق الجن والإنس يموجون حيارى فعلى هذين القولين المراد باليوم المكذور يوم القيامة

قوله تعالى ونفخ في الصور هذه نفخة البعث وقد شرحنا معنى الصور في الأنعام 73
قوله تعالى وعرضنا جهنم أي أظهرناها لهم حتى شاهدوها
قوله تعالى الذين كانت أعينهم يعني أعين قلوبهم في غطاء أي في غفلة عن ذكري أي عن توحيدي والإيمان بي وبكتابي وكانوا لا يستطيعون سمعا هذا لعداوتهم وعنادهم وكراهتهم ما ينذرون به كما تقول لمن يكره قولك ما تقدر أن تسمع كلامي
أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا
أحدها أنهم الشياطين قاله ابن عباس والثاني الأصنام قاله مقاتل والثالث الملائكة والمسيح وعزير وسائر المعبودات من دونه قاله أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى من دوني فتح هذه الياء نافع وأبو عمرو وجواب الاستفهام في هذه الآية محذوف وفي تقديره قولان
أحدهما أفحسبوا أن يتخذوهم أولياء كلا بل هم أعداء لهم يتبرؤون منهم والثاني أن يتخذوهم أولياء ولا أغضب ولا أعاقبهم وروى أبان عن عاصم وزيد عن يعقوب أفحسب بتسكين السين وضم الباء وهي قراءة علي عليه السلام وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وابن يعمر وابن محيصن ومعناها أفيكفيهم أن يتخذوهم أولياء

فأما النزل فقيه قولان
احدهما أنه ما يهيأ للضيف والعسكر قاله ابن قتيبة
والثاني أنه المنزل قاله الزجاج
قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفرو بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا وانخذوا آياتي ورسلي هزوا
قوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا فيهم قولان
أحدهما أنهم القسيسون والرهبان قاله علي عليه السلام والضحاك
والثاني اليهود والنصارى قاله سعد بن أبي وقاص
قوله تعالى أعمالا منصوب على التمييز لأنه لما قال بالأخسرين كان ذلك مبهما لايدل على ما خسروه فبين ذلك في أي نوع وقع
قوله تعالى الذين ضل سعيهم أي بطل عملهم واجتهادهم ف الدنيا وهم يظنون أنهم محسنون بأفعالهم فرؤساؤهم يعلمون الصحيح ويؤثرون الباطل لبقاء رئاستهم وأتباعهم مقلدون بغير دليل أولئك الذين كفروا بآيات ربهم جحدوا دلائل توحيده وكفروا بالبعث والجزاء وذلك أنهم بكفرهم برسول الله صلى الله عليه و سلم والقرآن صاروا كافرين بهذه الأشياء فحبطت أعمالهم أي بطل اجتهادهم لأنه خلا عن الإيمان فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وقرأ ابن مسعود والجحدري فلا يقيم بالياء

وفي معناه ثلاثة أقوال
أحدهما أنه إنما يثقل الميزان بالطاعة وانما توزن الحسنات والسيئات والكافر لا طاعة له
والثاني ان المعنى لا نقيم لهم قدرا قال ابن الأعرابي في تفسير هذه الآية يقال ما لفلان عندنا وزن أي قدر لخسته فالمعنى أنهم لا يعتد بهم ولا يكون لهم عند الله قدر ولا منزلة وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة اقرؤوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا
والثالث أنه قال فلا نقيم لهم لأن الوزن عليهم لا لهم ذكره ابن الأنباري
قوله تعالى ذلك جزاؤهم أي الأمر ذلك الذي ذكرت من بطلان عملهم وخسة قدرهم ثم ابتدأ فقال جزاؤهم جهنم وقيل المعنى ذلك التصغير لهم وجزاؤهم جهنم فأضمرت واو الحال
قوله تعالى بما كفروا أي بكفرهم واتخاذهم آياتي الي أنزلتها ورسلي هزوا أي مهزوءا به

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لايبغون عنها حولا
قوله تعالى كانت لهم جنات الفردوس قال ابن الأنباري كانت لهم في علم الله قبل أن يخلقوا وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال جنان الفردوس أربع ثنتان من ذهب حليتهما وآنيتهما وما فيهما وثنتان من فضة حليتهما وآنيتهما وما فيها وليس بين القوم وبين ان ينظروا الى ربهم الا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن وروى عبادة بن الصامت عن رسول الله ص - انه قال الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض الفردوس أعلاها ومنها تفجر أنهار الجنة فاذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس قال أبو أمامة الفردوس سره الجنة قال مجاهد الفردوس البستان بالرومية وقال كعب والضحاك جنات الفردوس جنات الأعناب قال الكلبي والفراء الفردوس البستان الذي فيه الكرم وقال المبرد الفردوس فيما سمعت من كلام العرب الشجر المتلف

والأغلب عليه العنب وقال ثعلب كل بستان يحوط عليه فهو فردوس قال عبدالله بن رواحة ... في جنات الفردوس ليس يخافو ... ن خروجا عنها ولا تحويلا ...
وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال قال الزجاج الفردوس أصله رومي أعرب وهو البستان كذلك جاء في الفسير وقد قيل الفردوس تعرفه العرب وتسمي الموضع الذي فيه كرم فردوسا وقال أهل اللغة الفردوس مذكر وإنما أنث في قوله تعالى يرثون الفردوس هم فيها خالدون المؤمنون 11 لأنه عني به الجنة وقال الزجاج وقيل الفردوس الأودية التي تنبت ضروبا من النبت وقيل هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية قال والفردوس أيضا بالسريانية كذا لفظه فردوس قال ولم نجده في أشعار العرب إلا في شعر حسان وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين لأنه عند أهل كل لغة كذلك وبيت حسان ... فان ثواب الله كل موحد جنان من الفردوس فيها يخلد ...
وقال ابن الكلبي باسناده الفردوس البستان بلغة الروم وقال الفراء وهو عربي أيضا والعرب تسمي البستان الذي فيه الكرم فردوسا وقال السدي الفردوس أصله بالنبطية فرداسا وقال عبدالله بن الحارث الفردوس الأعناب وقد شرحنا معنى قوله نزلا آنفا
قوله تعالى لا يبغون عنها حولا قال الزجاج لا يريدون عنها تحولا

يقال قد حال من مكانه حولا كما قالوا في المصادر صغر صغرا وعظم عظما وعادني حبها عودا قال وقد قيل أيضا إن الحول الحيلة فيكون المعنى لايحتالون منزلا غيرها
فان قيل قد علم أن الجنة كثيرة الخير فما وجه مدحها بأنهم لايبغون عنها حولا
فالجواب أن الإنسان قد يجد في الدار الأنيقة معنى لا يوافقه فيحب أن ينتقل إلى دار أخرى وقد يمل والجنة على خلاف ذلك قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا
قوله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي سببب نزولها أنه لما مزل قوله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا الاسراء 85 قالت اليهود كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس ومعنى الآية لو كان ماء البحر مدادا يكتب به قال مجاهد والمعنى لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب قال ابن الأنباري سمي المداد مدادا لإمداده الكاتب وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء وقرأ الحسن والأعمش مددا لكلمات ربي بغير ألف
قوله تعالى قبل أن تنفد كلمات ربي قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم تنفد بالتاء وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ينفد بالياء قال ابو علي التأنيث أحسن لأن المسند اليه الفعل مؤنث والتذكير حسن لأن التأنيث ليس بحقيقي وإنما لم تنفد كلمات الله لأن كلامه صفة من صفات

ذاته ولا يتطرق على صفاته النفاد ولو جئنا بمثله أي بمثل البحر مددا أي زيادة والمدد كل شيء زاد في شيء
فان قيل لم قال في أول الآية مدادا وفي آخرها مددا وكلاهما بمعنى واحد واشتقاقهما غير مختلف
فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال لما كان الثاني آخر آية وأواخر الايات هاهنا أتت على الفعل والفعل كقوله نزلا هزوا حولا كان قوله مددا أشبه بهؤلاء الألفاظ من المداد واتفاق المقاطع عند أواخر الآي وانقضاء الأبيات وتمام السجع والنثر أخف على الألسن وأحلى موقعا في الأسماع فاختلفت اللفظتان لهذه العلة وقد قرا ابن عباس وسعيد ابن جبير ومجاهد وأبو رجاء وقتادة وابن محيصن ولو جئنا بمثله مدادا فحملوها على الأولى ولم ينظروا الى المقاطع وقراءة الأولين أبين حجة وأوضح منهاجا
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي انما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا
قوله تعالى قل إنما أنا بشر مثلكم قال ابن عباس علم الله تعالى رسوله التواضع لئلا يزهى على خلقه فأمره أن يقر على نفسه بأنه آدمي كغيره إلا أنه أكرم بالوحي
قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه سبب نزولها أن جندب بن زهير الغامدي قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم إني أعمل العمل لله تعالى فاذا طلع عليه

سرني فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب ولا يقبل ماروئي فيه فنزلت فيه هذه الآية قاله ابن عباس وقال طاووس جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يرى مكاني فنزلت هذه الآية وقال مجاهد جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إني أتصدق وأصل الرحم ولا اصنع ذلك إلا لله تعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية
وفي قوله فمن كان يرجو قولان أحدهما يخاف قاله ابن قتيبة والثاني يأمل وهو اختيار الزجاج وقال ابن الأنباري المعنى فمن كان يرجو لقاء ثواب ربه قال المفسرون وذلك يوم البعث والجزاء فليعمل عملا صالحا لا يرائي به ولا يشرك بعبادة ربه أحداص قال سعيد ابن جبير لا يرائي قال معاوية بن أبي سفيان هذه آخر آية نزلت من القرآن

سورة مريم
وهي مكية باجماعهم من غير خلاف علمناه وقال مقاتل هي مكية غير سجدتها فانها مدنية وقال هبة الله المفسر هي مكية غير آيتين منها قوله فخلف من بعدهم خلف والتي تليها مريم 60
بسم الله الرحمن الرحيم
كهيعص ذكر رحمت ربك عبده زكريا إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا
قوله تعالى كهيعص قرأ ابن كثير كهيعص ذكر بفتح الهاء والياء وتبيين الدال التي في هجاء صاد وقرأ ابو عمرو كهيعص بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال وكان نافع بالهاء يلفظ والياء بين الكسر والفتح ولا يدغم الدال التي في هجاء صاد في الذال من ذكر وقرأ ابو بكر عن عاصم والكسائي بكسر الهاء والياء إلا أن الكسائي لا يبين الدال وعاصم

يبينها وقرأ ابن عامر وحمزة بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان وقرأ أبي بن كعب كهيعص برفع الهاء وفتح الياء وقد ذكرنا في أول البقرة ما يشتمل على بيان هذا الجنس وقد خص المفسرون هذه الحروف المذكورة هاهنا بأربعة أقوال
أحدها أنها حروف من أسماء الله تعالى قاله الأكثرون ثم أختلف هؤلاء في الكاف من أي اسم هو على أربعة أقوال أحدها أنه من اسم الله الكبير والثاني من الكريم والثالث من الكافي روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس والرابع أنه من الملك قاله محمد بن كعب فأما الهاء فكلهم قالوا هي من اسمه الهادي إلا القرظي فانه قال من اسمه الله وأما الياء ففيها ثلاثة أقوال أحدها أنها من حكيم والثاني من رحيم والثالث من أمين روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس فأما العين ففيها أربعة أقوال أحدها أنها من حكيم والثاني من رحيم والثالث من أمين روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس فأما العين ففيها أربعة أقوال أحدها أنها من عليم والثاني من عالم والثالث من عزيز رواها أيضا سعيد بن جبير عن ابن عباس والرابع أنها من عدل قاله الضحاك وأما الصاد ففيها ثلاثة أقوال أحدها أنها من صادق والثاني من صدوق رواهما سعيد بن جبير أيضا عن ابن عباس والثالث من الصمد قاله محمد بن كعب
والقول الثاني ان كهيعص قسم أقسم الله به وهو من أسمائه رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وروي عن علي عليه السلام أنه قال هو اسم من اسماء الله تعالى وروي عنه أنه كان يقول يا كهيعص اغفر لي قال الزجاج والقسم بهذا والدعاء لا يدل على أنه اسم واحد لأن الداعي إذا علم أن الدعاء بهذه الحروف يدل على صفات الله فدعا بها فكأنه قال يا كافي

يا هادي يا عالم يا صادق وإذا أقسم بها فكأنه قال والكافي الهادي العالم الصادق واسكنت هذه الحروف لأنها حروف تهج النية فيها الوقف
والثالث أنه اسم للسورة قاله الحسن ومجاهد
والرابع اسم من اسماء القرآن قاله قتادة
فان قيل لم قالوا هايا ولم يقولوا في الكاف كا وفي العين عا وفي الصاد صا لتتفق المباني كما اتفقت العلل
فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال حروف المعجم التسعة والعشرون تجري مجرى الرسالة والخطبة فيستقبحون فيها اتفاق الألفاظ واستواء الأوزان كما يستقبحون ذلك في خطبهم ورسائلهم فيغيرون بعض الكلم ليختلف الوزن وتتغير المباني فيكون ذلك أعذب على الألسن وأحلى في الاسماع
قوله تعالى ذكر رحمة ربك قال الزجاج الذكر مرفوع بالمضمر المعنى هذا الذي نتلو عليك ذكر رحمة ربك عبده قال الفراء وفي الكلام تقديم وتأخير المعنى ذكر ربك عبده بالرحمة وزكريا في موضع نصب
قوله تعالى إذ نادى ربه النداء هاهنا بمعنى الدعاء
وفي علة إخفائه لذلك ثلاثة أقوال
أحدها ليبعد عن الرياء قاله ابن جريج
والثاني لئلا يقول الناس انظروا الى هذا الشيخ يسأل الولد على الكبر قاله مقاتل
والثالث لئلا يعاديه بنو عمه ويظنوا أنه كره أن يلوا مكانه بعده ذكره

أبو سليمان الدمشقي وهذه القصة تدل على أن المستحب إسرار الدعاء ومنه الحديث إنكم لا تدعون أصم
قوله تعالى قال رب إني وهن العظم مني وقرأ معاذ القارئ والضحاك وهن بضم الهاء أي ضعف قال الفراء وغيره وهن العظم ووهن بفتح الهاء وكسرها والمستقبل على الحالين كليهما يهن وأراد أن قوة عظامه قد ذهبت لكبره وإنما خص العظم لأنه الأصل في التركيب وقال قتادة شكا ذهاب أضراسه
قوله تعالى واشتعل الراس شيبا يعني انتشر الشيب فيه كما ينتشر شعاع النار في الحطب وهذا من أحسن الاستعارات ولم أكن بدعائك أي بدعائي إياك رب شقيا أي لم أكن أتعب بالدعاء ثم أخيب لأنك قد عودتني الإجابة يقال شقي فلان بكذا إذا تعب بسببه ولم ينل مراده
قوله تعالى وإني خفت الموالي يعني الذين يلونه في النسب وهم بنو العم والعصبة من ورائي أي من بعد موتي
وفي ما خافهم عليه قولان
أحدهما أنه خاف أن يرثوه قاله ابن عباس

فان اعترض عليه معترض فقال كيف يجوز لنبي أن ينفس على قراباته بالحقوق المفروضة لهم بعد موته
فعنه جوابان أحدهما أنه لما كان نبيا والنبي لا يورث خاف أن يرثوا ماله فيأخذوا مالا يجوز لهم والثاني أنه غلب عليه طبع البشر فأحب أن يتولى ماله ولده ذكرهما ابن الأنباري
قلت وبيان هذا أنه لا بد أن يتولى ماله و إن ولم يكن ميراثا فأحب أن يتولاه ولده
والقول الثاني أنه خاف تضييعهم للدين ونبذهم إياه ذكره جماعة من المفسرين
وقرأ عثمان وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمرو وابن جبير ومجاهد وابن أبي شريح عن الكسائي خفت بفتح الخاء وتشديد الفاء على معنى قلت فعلى هذا يكون إنما خاف على علمه ونبوته ألا يورثا فيموت العلم وأسكن ابن شهاب الزهري ياء الموالي
قوله تعالى من ورائي أسكن الجمهور أسكن الجهور هذه الياء وفتحها ابن كثير في رواية قنبل وروى عنه شبل وراي مثل عصاي
قوله تعالى فهب لي من لدنك أي من عندك وليا أي ولدا صالحا يتولاني
قوله تعالى يرثني ويرث من آل يعقوب قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة يرثني ويرث برفعهما وقرا ابو عمرو والكسائي يرثني ويرث بالجزم فيهما قال أبو عبيدة من قرأ بالرفع

فهو على الصفة للولي فالمعنى هب لي وليا وارثا ومن جزم فعلى الشرط والجزاء كقولك ان وهبته إن وهبته لي ورثني
وفي المراد بهذا الميرث أربعة اقوال
أحدها يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال ابو صالح
والثاني يرثي العلم ويرث من آل يعقوب الملك فأجابه الله تعالى إلى وراثة العلم دون الملك وهذا مروي عن ابن عباس أيضا
والثالث يرثني نبوتي وعلمي ويرث من آل يعقوب النبوة أيضا قاله الحسن
والرابع يرثني النبوة ويرث من آل يعقوب الأخلاق قاله عطاء قال مجاهد كان زكريا من ذرية يعقوب وزعم الكلبي أن آل يعقوب كانوا أخواله وأنه ليس بيعقوب أبي يوسف وقال مقاتل هو يعقوب بن ماثان وكان يعقوب هذا وعمران أبو مريم أخوين
والصحيح أنه لم يرد ميراث المال لوجوه
أحدها أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال نحن معاشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة

والثاني أنه لا يجوز أن يتاسف نبي الله على مصير ماله بعد موته إذا وصل إلى ورائه المستحق له شرعا
والثالث أنه لم يكن ذا مال وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن زكريا كان نجارا
قوله تعالى واجعله رب رضيا قال اللغويون أي مرضيا فصرف عن مفعول إلى فعيل كما قالوا مقتول وقتيل
يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امراتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلث ليال سويا فخرج علي قومه من المحراب فأوحى اليهم ان سبحوا بكرة وعشيا
قوله تعالى يا زكريا إنا نبشرك في الكلام إضمار تقديره فاستجاب الله له فقال يا زكريا إنا نبشرك وقرأ حمزة نبشرك بالتخفيف وقد شرحنا هذا في آل عمران 39
قوله تعالى لم نجعل له من قبل سميا فيه ثلاثة أقوال
أحدها لم يسم يحيى قبله رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال عكرمة وقتادة وابن زيد والأكثرون
فان اعترض معترض فقال ما وجه المدحة باسم لم يسم به احد قبله

ونرى كثيرا من الأسماء لم يسبق اليها فالجواب أن وجه الفضيلة أن الله تعالى تولى تسميته ولم يكل ذلك إلى أبويه فسماه باسم لم يسبق اليه
والثاني لم تلد العواقر مثله ولدا رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس فعلى هذا يكون المعمنى لم نجعل له نظيرا
والثالث لم نجعل له من قبل مثلا وشبها قاله مجاهد فعلى هذا يكون عدم الشبه من حيث أنه لم يعيص ولم يهم بمعصية وما بعد هذا مفسر في آل عمران 39 إلى قوله وكانت امرأتي عاقرا
وفي معنى كانت قولان
أحدهما انه توكيد للكلام فالمعنى وهي عاقر كقوله كنتم خير أمة آل عمران 110 أي أنتم
والثاني أنها كانت منذ كانت عاقرا لم يحدث ذلك بها ذكرهما ابن الأنباري واختار الأول
قوله تعالى وقد بلغت من الكبر عتيا قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر وابو بكر عن عاصم عتيا وبكيا مريم 58 وصليا مريم 70 بضم أوائلها وقرأ حمزة والكسائي بكسر أوائلها وافقهما حفص عن عاصم إلا في قوله بكيا فانه ضم أوله وقرأ ابن عباس ومجاهد عسيا بالسين قال مجاهد عتيا هو قحول العظم وقال ابن قتيبة أي يبسا يقال عتا وعسا بمعنى واحد قال الزجاج كل شيء انتهى فقد عتا يعتوعتيا وعتوا وعسوا وعسيا
قوله تعالى قال كذلك أي الأمر كما قيل لك من هبة الولد على الكبر قال ربك هو علي هين أي خلق يحيى علي سهل

وقرأ معاذ القارئ وعاصم الجحدري هين باسكان الياء وقد خلقتك من قبل أي أوجدتك قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر خلقتك وقرأ حمزة والكسائي خلقناك بالنون والألف ولم تك شيئا المعنى فخلق الولد كخلقك وما بعد هذا مفسر في آل عمران 39 الى قوله ثلاث ليال سويا قال الزجاج سويا منصوب على الحال والمعنى تمنع عن الكلام وأنت سوي قال ابن قتيبة أي سليما غير أخرس
قوله تعالى فخرج على قومه وهذا في صبيحة الليلة التي حملت فيها أمرأته من المحراب أي من مصلاه وقد ذكرناه في آل عمران 39
قوله تعالى فأوحى إليهم فيه قولان
أحدهما أنه كتب اليهم في كتاب قاله ابن عباس
والثاني أومأ برأسه ويديه قاله مجاهد
قوله تعالى أن سبحوا أي صلوا بكرة وعشيا قد شرحناه في آل عمران 39 والمعنى أنه كان يخرج الى قومه فيأمرهم بالصلاة بكرة وعشيا فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة إشارة
يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا وحنانا من لدنا وزكوة وكان تقيا وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا
قوله تعالى يا يحيى قال الزجاج المعنى فوهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى خذ الكتاب يعني التوراة وكان مأمورا بالتمسك بها وقال ابن الأنباري

المعنى اقبل كتب الله كلها ايمانا بها واستعمالا لأحكامها وقد شرحنا في البقرة 63 معنى قوله بقوة
قوله تعالى وآتيناه الحكم فيه أربعة أقوال
أحدها أنه الفهم قاله مجاهد والثاني اللب قاله الحسن وعكرمة والثالث العلم قاله ابن السائب والرابع حفظ التوراة وعلمها قاله ابو سليمان الدمشقي وقد زدنا هذا شرحا في سورة يوسف 23 وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا
فأما قوله صبيا ففي سنه يوم أوتي الحكم قولان
أحدهما أنه سبع سنين رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثاني ثلاث سنين قاله قتادة ومقاتل
قوله تعالى وحنانا من لدنا قال الزجاج أي وآتيناه حنانا وقال ابن الأنباري المعنى وجعلناه حنانا لأهل زمانه
وفي الحنان ستة أقوال
احدها أنه الرحمة رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس وبه قال الحسن وعكرمة وقتادة والضحاك والفراء وأبو عبيدة وأنشد ... تحنن علي هداك المليك ... فان لكل مقام مقالا

قال وعامة ما يستعمل في المنطق على لفظ الاثنين قال طرفة ... أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض ...
قال ابن قتيبة ومنه يقال تحنن علي وأصله من حنين الناقة على ولدها وقال ابن الأنباري لم يختلف اللغويون أن الحنان الرحمة والمعنى فعلنا ذلك رحمة لأبويه وتزكية له والثاني أنه التعطف من ربه عليه قاله مجاهد والثالث أنه اللين قاله سعيد بن جبير والرابع البركة وروي عن ابن جبير أيضا والخامس المحبة قاله عكرمة وابن زيد والسادس التعظيم قاله عطاء بن أبي رباح
وفي قوله وزكاة أربعة أقوال
أحدها أنها العمل الصالح قاله الضحاك وقتادة
والثاني أن معنى الزكاة الصدقة فالتقدير إن الله تعالى جعله صدقة تصدق بها على أبويه قاله اب السائب
والثالث أن الزكاة التطهير قاله الزجاج
والرابع أن الزكاة الزيادة فالمعنى وآتيناه زيادة في الخير على ما وصف وذكر قاله ابن الأنباري
قوله تعالى وكان تقيا قال ابن عباس جعلته يتقيني لا يعدل بي غيري
قوله تعالى وبرا بوالديه أي وجعلناه برا بوالديه والبر بمعنى

البار والمعنى لطيفا بهما محسنا اليهما والعصي بمعنى العاصي وقد شرحنا معنى الجبار في هود 59
قوله تعالى وسلام عليه فيه قولان
أحدهما أنه السلام المعروف من الله تعالى قال عطاء سلام عليه مني في هذه الأيام وهذا اختيار أبي سليمان
والثاني أنه بمعنى السلامة قاله ابن السائب
فان قيل كيف خص التسليم عليه بالأيام وقد يجوز ان يولد ليلا ويموت ليلا
فالجواب أن المراد باليوم الحين والوقت على ما بينا في قوله اليوم أكملت لكم دينكم المائدة
قال ابن عباس وسلام عليه حين ولد وقال الحسن البصري التقى يحيى وعيسى فقال يحيى لعيسى انت خير مني فقال عيسى ليحيى بل أنت خير مني سلم الله عليك وانا سلمت على نفسي وقال سعيد بن جبير مثله إلا أنه قال اثنى الله عليك وأنا أثنيت على نفسي وقال سفيان بن عيينه أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر لم يره فخص الله تعالى يحيى فيها بالكرامة والسلامة في المواطن الثلاثة
واذكر في الكتاب مريم إذ نتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى

يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا
قوله تعالى واذكر في الكتاب يعني القرآن مريم إذ انتبذت قال أبو عبيدة تنحت واعتزلت مكانا شرقيا مما يلي المشرق وهو عند العرب خير من الغربي
قوله تعالى فاتخذت من دونهم يعني أهلها حجابا أي سترا وحاجزا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها ضربت شترا قاله ابو صالح عن ابن عباس
والثاني ان الشمس أظلتها فلم يرها أحد منهم وذلك مما سترها الله به وروي هذا المعنى عن ابن عباس ايضا
والثالث أنها اتخذت حجابا من الجدران قاله السدي عن أشياخه
وفي سبب انفرادها عنهم قولان
أحدهما أنها انفردت لتطهر من الحيض وتمتشط قاله ابن عباس
والثاني لتفلي رأسها قاله عطاء
قوله تعالى فأرسلنا اليها روحنا وهو جبريل في قول الجمهور وقال ابن الأنباري صاحب روحنا وهو جبريل والروح بمعنى الروح والفرح ثم تضم الراء لتحقيق مذهب الاسم وابطال طريق المصدر ويجوز أن يراد بالروح هاهنا الوحي وجبريل صاحب الوحي
وفي وقت مجيئه اليها ثلاثة أقوال

أحدها وهي تغتسل والثاني بعد فراغها ولبسها الثياب والثالث بعد دخولها بيتها وقد قيل المراد بالروح هاهنا الروح الذي خلق منه عيسى حكاه الزجاج والماوردي وهو مضمون كلام أبي بن كعب فيما سنذكره عند قوله فحملته قال ابن الأنباري وفيه بعد لقوله فتمثل لها بشرا سويا والمعنى تصور لها في صورة البشر التام الخلقة وقال ابن عباس جاءها في صورة شاب أبيض الوجه جعد قطط حين طر شاربه وقرأ ابو نهيك فأرسلنا اليها روحنا بفتح الراء من الروح
قوله تعالى قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا المعنى إن كنت تتقي الله فستنتهي بتعوذي منك هذا هو القول عند المحققين وحكي عن ابن عباس أنه كان في زمانها رجل اسمه تقي وكان فاجرا فظنته إياه ذكره ابن الأنباري والماوردي وفي قراءة علي عليه السلام وابن مسعود وابي رجاء إلا أن تكون تقيا
قوله تعالى قال إنما أنا رسول ربك أي فلا تخافي ليهب لك قرا ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي لأهب لك بالهمز وقرأ ابو عمرو وورش عن نافع ليهب لك بغير همز قال الزجاج من قرأ ليهب فالمعنى أرسلني ليهب ومن قرأ لأهب فالمعنى أرسلت اليك لأهب لك وقال ابن الأنباري المعنى أرسلني يقول لك أرسلت رسولي إليك لأهب لك
قوله تعالى غلاما زكيا أي طاهرا من الذنوب والبغي الفاجرة الزانية قال ابن الانباري وإنما لم يقل بغية لأنه وصف يغلب على النساء فقلما تقول العرب رجل بغي فيجري مجرى حائض وعاقر وقال غيره

إنما لم يقل بغية لأنه مصروف عن وجهه فهو فعيل بمعنى فاعل ومعنى الآية ليس لي زوج ولست بزانية وإنما يكون الولد من هاتين الجهتين قال كذلك قال ربك قد شرحناه في قصة زكريا والمعنى أنه يسير علي أن أهب لك غلاما من غير أب ولنجعله آية للناس أي دلالة على قدرتنا كونه من غير أب قال ابن الأنباري إنما دخلت الواو في قوله ولنجعله لأنها عاطفة لما بعدها على كلام مضمر محذوف تقديره قال ربك خلقه علي هين لننفعك به ولنجعله عبرة
قوله تعالى ورحمة منا أي لمن تبعه وآمن به وكان أمرا مقضيا أي وكان خلقه أمرا محكوما به مفروغا عنه سابقا في علم الله تعالى كونه
فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجاءها المخاض الى جذع النخلة قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فنادها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينان فاما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم انسيا
قوله تعالى فحملته يعني عيسى
وفي كيفية حملها له قولان
أحدهما أن جبريل نفخ في جيب درعها فاستمر بها حملها رواه سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال السدي نفخ في جيب درعها وكان مشقوقا من قدامها فدخلت النفخة في صدرها فحملت من وقتها
والثاني الذي خاطبها هو الذي حملته ودخل من فيها قاله ابي بن كعب

وفي مقدار حملها سبعة أقوال
أحدها انها حين حملت وضعت قاله ابن عباس والمعنى أنه ما طال حملها وليس المراد أنها وضعته في الحال لأن الله تعالى يقول فحملته فانتبذت به وهذا يدل على أن بين الحمل والوضع وقتا يحتمل الانتباذ به
والثاني أنها حملته تسع ساعات ووضعت من يومها قاله الحسن
والثالث تسعة أشهر قاله سعيد بن جير وابن السائب
والرابع ثلاث ساعات حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة قاله مقاتل بن سليمان
والخامس ثمانية أشهر فعاش ولم يعش مولود قط لثمانية أشهر فكان في هذا آية حكاه الزجاج
والسادس في ستة اشهر حكاه الماوردي
والسابع في ساعة واحدة حكاه الثعلبي
قوله تعالى فانتبذت به يعني بالحمل مكانا قصيا أي بعيدا وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة قاصيا قال ابن اسحاق مشت ستة أميال قال الفراء القصي والقاصي بمعنى واحد وقال غير الفراء القصي والقاصي بمنزلة الشهيد والشاهد وإنما بعدت فرارا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج
قوله تعالى فأجاءها المخاض وقرأ عكرمة وابراهيم النخعي وعاصم الجحدري المخاص بكسر الميم قال الفراء المعنى فجاء بها المخاص فلما القيت الباء جعلت في الفعل ألفا ومثله آتنا غداءنا الكهف 63 أي

بغدائنا ومثله آتوني زبر الحديد الكهف 96 أي بزبر الحديد قال ابو عبيدة أفعلها من جاءت هي وأجاءها غيرها وقال ابن قتيبة المعنى جاء بها وألجأها وهو من حيث يقال جاءت بي الحاجة اليك وأجاءتني الحاجة اليك والمخاض الحمل وقال غيره المخاض وجع الولادة الى جذع النخلة وهو ساق النخلة وكانت نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا سعف قالت يا ليتني مت قبل هذا اليوم أو هذا الأمر وقرأ نافع وحمزة والكسائي وخلف وحفص مت بكسر الميم
وفي سبب قولها هذا قولان
أحدهما أنها قالته حياء من الناس والثاني لئلا يأثموا بقذفها
قوله تعالى وكنت نسيا منسيا قرا ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم بكسر النون وقرأ حمزة وحفص عن عاصم نسيا بفتح النون قال الفراء وأصحاب عبدالله يقرؤون نسيا بفتح النون وسائرالعرب بكسرها وهما لغتان مثل الجسر والجسر والوتر والوتر والفتح أحب الي قال ابو علي الفارسي الكسر على اللغتين وقال ابن الأنباري من كسر النون قال النسي اسم لما ينسى بمنزلة البغض اسم لما يبغض والسب اسم لما يسب والنسي بفتح النون اسم لما ينسى أيضا على أنه مصدر ناب عن الاسم كما يقال الرجل دنف ودنف فالمكسور هو الوصف الصحيح والمفتوح مصدر سد مسد الوصف ويمكن أن يكون النسي والنسي اسمين لمعنى كما يقال الرطل والرطل
وللمفسرين في قوله تعالى نسيا منسيا خمسة أقوال

أحدها يا ليتني لما أكن شيئا قاله الضحاك عن ابن عباس وبه قال عطاء وابن زيد
والثاني وكنت نسيا منسيا أي دم حيضة ملقاة قاله مجهد وسعيد ابن جبير وعكرمة قال الفراء النسي ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها وقال ابن الأنباري هي خرق الحيض تلقيها المرأة فلا تطلبها ولا تذكرها
والثالث أنه من السقط قاله ابو العالية والربيع
والرابع أن المعنى يا ليتني لا يدري من أنا قاله قتادة
والخامس أنه الشيء التافه يرتحل عنه القوم فيهون عليهم فلا يرجعون اليه قاله ابن السائب وقال ابو عبيدة النسي والمنسي ما ينسى من إدارة وعصا يعني أنه ينسى في المنزل فلا يرجع اليه لاحتقار صاحبه اياه وقال الكسائي معنى الآية ليتني كنت ما إذا ذكر لم يطلب
قوله تعالى فناداها من تحتها قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وابو بكر عن عاصم من تحتها بفتح الميم والتاء قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم من تحتها بكسر الميم والتاء فمن قرأ بكسر الميم ففيه وجهان أحدهما ناداها الملك من تحت النخلة وقيل كانت على نشز فناداها الملك أسفل منها والثاني ناداها عيسى لما خرج من بطنها قال ابن عباس كل مارفعت اليه طرفك فهو فوقك وكل ما خفضت اليه طرفك فهو تحتك ومن قأ بفتح الميم ففيه الوجهان المذكوران وكان الفراء يقول ما خاطبها الا الملك على القراءتين جميعا
قوله تعالى قد جعل ربك تحتك سريا فيه قولان

أحدهما أنه النهر الصغير قاله جمهور المفسرين واللغويون قال ابو صالح وابن جريج هو الجدول بالسريانية
والثاني انه عيسى كان سريا من الرجال قاله الحسن وعكرمة وابن زيد قال ابن الانباري وقد رجع الحسن عن هذا القول الى القول الأول ولو كان وصفا لعيسى كان غلاما سريا أو سويا من الغلمان وقلما تقول العرب رأيت عندك نبيلا حتى يقولوا رجلا نبيلا
فان قيل كيف ناسب تسليتها أن قيل لا تحزني فهذا نهر يجري
فالجواب من وجهين احدهما انها حزت لجدب مكانها الذي ولدت فيه وعدم الطعام والشراب والماء الذي تتطهر به فقيل لا تحزني قد أجرينا لك نهرا وأطلعنا لك رطبا قاله ابو صالح عن ابن عباس
والثاني أنها حزنت لما جرى عليها من ولادة ولد عن غير زوج فأجرى الله تعالى لها نهرا فجاءها من الاردن واخرج لها الرطب من الشجرة اليابسة فكان ذلك آية تدل على قدرة الله تعالى في إيجاد عيسى قاله مقاتل
قوله تعالى وهزي اليك الهز التحريك
والباء في قوله تعالى بجذع النخلة فيها قولان
أحدهما انها زائدة مؤكدة كقوله تعالى فليمدد بسبب الى السماء الحج 15 قال الفراء معناه فليمدد سببا والعرب تقول هزه وهز به وخذ الخطام وخذ بالخطام وتعلق زيدا وتعلق به وقال ابو عبيدة هي مؤكدة كقول الشاعر ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

والثاني أنها دخلت على الجذع لتلصقه بالهز فهي مفيدة للالصاق قاله ابن الأنباري
قوله تعالى تساقط قرا ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر والسكائي وابو بكر عن عاصم تساقط بالتاء مشددة السين وقرأ حمزة وعبد الوارث تساقط بالتاء مفتوحة مخففة السين وقرأ حفص عن عاصم تساقط بضم التاء وكسر القاف مخففة السين وقرأ يعقوب وابو زيد عن المفضل يساقط بالياء مفتوجة وتشديد السين وفتح القاف فهذه القراآت المشاهير وقرأ ابي بن كعب وأبو حيوة تسقط بفتح التاء وسكون السين ورفع القاف وقرأ عبدالله بن عمرو وعائشة والحسن يسقاط بألف وتخفيف السين ورفع الياء وكسر القاف وقرأ الضحاك عمرو بن دينار يسقط برفع الياء وكسر القاف مع سكون السين وعدم الألف وقرأ عاصم الجحدري وأبو عمران الجوني مثله إلا أنه بالتاء وقرا معاذ القارىء وابن يعمر مثله إلا أنه بالنون وقرأ ابو زرين العقيلي وابن ابي عبلة يسقط بالياء مفتوحة مع سكون السين ورفع القاف وقرأ ابو السماك العدوي وابن حزام تتساقط بتاءين مفتوحين وبألف وقال الزجاج من قرأ يساقط فالمعنى يتساقط فأدغمت التاء في السين ومن قرأ تساقط بالتاء والتخفيف فانه حذف من تتساقط اجتماع يؤنث ومن قرأ تساقط بالتاء والتخفيف فانه حذف من تتساقط اجتماع التاءين ومن قرأ تساقط بالتاء والخفيف فانه حذف من تتساقط اجتماع التاءين ومن قرأ يساقط ذهب إلى معنى يساقط الجذع عليك ومن قرأ نساقط بالنون فالمعنى نحن نساقط عليك فنجعله لك آية والنحويون يقولون

إن رطبا منصوب على التمييز إذا قلت يساقط او يتساقط المعنى يتساقط الجزع رطبا وإذا قلت تساقط بالتاء فالمعنى تتساقط النخلة رطبا
قوله تعالى جنيا قال الفراء الجني المجتنى وقال ابن الأنباري هو الطري والأصل مجنو صرف من مفعول الى فعيل كما يقال قديد وطبيخ وقال غيره هو الطري بغباره ولم يكن لتلك النخلة راس فأنبته الله تعالى فلما وضعت يدها عليها سقط الرطب رطبا وكان السلف يستحبون للنفساء الرطب من أجل مريم عليها السلام
قوله تعالى فكلي أي من الرطب واشربي من النهر وقري عينا بولادة عيسى عليه السلام قال الزجاج يقال قررت به عينا أقر بفتح القاف في المستقبل وقررت في المكان أقر بكسر القاف وعينا منصوب على التمييز وروى ابن الأنباري عن الأصمعي أنه قال معنى وقري عينا ولتبرد دمعتك لأن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارة واشتقاق قري من القرور وهو الماء البارد وقال لنا أحمد بن يحيى تفسير قري عينا بلغت غاية أملك حتى تقر عينك من الاستشراف إلى غيره واحتج بقول عمرو بن كلثوم ... بيوم كريهة ضربا وطعنا ... أقر به مواليك العيونا ...
أي ظفروا وبلغوا منتهى أمنيتهم فقرت عينهم من تطلع الى غيره
قوله تعالى فاما ترين وقرأ ابن عباس وأبو مجلز وابن السميفع والضحاك وأبو العالية وعاصم الجحدري ترئن بهمزة مكسورة من غير ياء أي إن رأيت من البشر أحدا فقولي وفيه إضمار تقديره فسألك عن أمر ولدك فقولي إني نذرت للرحمن صوما فيه قولان

أحدهما صمتا قاله ابن عباس وأنس بن مالك والضحاك وكذلك قرأ أبي بن كعب وأنس بن مالك وأبو رزين العقيلي صمتا مكان قوله صوما وقرأ ابن عباس صياما
والثاني صوما عن الطعام والشراب والكلام قاله قتادة وقال ابن زيد كان المجتهد من بني اسرائيل يصوم عن الكلام كما يصوم عن الطعام الا من ذكر الله عز و جل قال السدي فأذن لها أن تتكلم بهذا القدر ثم تسكت قال ابن مسعود أمرت بالصمت لأنها لم تكن لها حجة عند الناس فأمرت بالكف عن الكلام ليكفيها الكلام ولدها مما يبرئ بها ساحتها فأمرت بالكف عن الكلام ليكفيها الكلام ولدها مما يبرئ به ساحتها وقيل كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس قال ابن الأنباري الصوم في لغة العرب على أربعة معان يقال يوم لترك الطعام والشراب وصوم للصمت صوم لضرب من الشجر وصوم لذرق النعام
واختلف العلماء في مقدار سن مريم يوم ولادتها على ثلاثة أقوال
أحدها أنها ولدت وهي بنت خمس عشرة سنة قاله وهب بن منبه
والثاني بنت اثنتي عشرة سنة قاله زيد بن أسلم
والثالث بنت ثلاث عشرة سنة قاله مقاتل
فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هرون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبدالله آتني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني

مباركا أين ما كنت وأوصني بالصلوة والزكوة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا
قوله تعالى فأتت به قومها تحمله قال ابن عباس في رواية أبي صالح أتتهم به بعد أربعين يوما حين طهرت من نفاسها وقال في رواية الضحاك انطلق قومها يطلبونها فلما رأتهم حملت عيسى فتلقتهم به فذلك قوله تعالى فأتت به قومها تحمله
فان قيل أتت به يغني عن تحمله فلا فائدة للتكرير
فالجواب أنه لما ظهرت منه آيات جاز أن يتوهم السامع فأتت به أن يكون ساعيا على قدميه فيكون سعية آية كنطقه فقطع ذلك التوهم وأعلم أنه كسائر الأطفال وهذا مثل قول العرب نظرت إلى فلان بعيني فنفوا بذلك نظر العطف والرحمة وأثبتوا أنه نظر عين وقال ابن السائب لم دخلت على قومها بكوا وكانوا قوما صالحين وقالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها شيئا عظيما قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة قال الفراء الفري العظيم والعرب تقول تركته يفري الفري إذا عمل فأجاد العمل ففضل الناس قيل هذا فيه قال النبي صلى الله عليه و سلم فما رأيت عبقريا يفري فري عمر
والثاني عجبا فائقا قاله أبو عبيدة
والثالث شيئا مصنوعا ومنه يقال فريت الكذب وافتريته قاله اليزيدي

قوله تعالى يا أخت هارون في المراد بهارون هذا خمسة أقوال
أحدها أنه أخ لها من أمها وكان من أمثل فتى في بني اسرائيل قاله أبو صالح عن ابن عباس و قال الضحاك كان من ابيها وامها
والثاني انها كانت من بني هارون قاله الضحاك عن ابن عباس وقال السدي كانت من بني هارون أخي موسىعليهما السلام فنسبت اليه لأنها من ولده
والثالث أنه رجل صالح كان في بني اسرائيل فشبهوها به في الصلاح وهذا مروي عن ابن عباس أيضا وقتادة ويدل عليه ما روى المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم الى أهل نجران فقالوا ألستم تقرؤون يا أخت هارون وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى فلم أدر ما أجيبهم فرجعت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمعون بأنبيائهم والصالحين قبلهم
والرابع أن قوم هارون كان فيهم فساق وزناه فنسبوها اليهم قاله سعيد بن جبير
والخامس أنه رجل من فساق بني اسرائيل شبهوها به قاله وهب بن منبه

فعلى هذا يخرج في معنى الأخت قولان
أحدهما أنها الأخت حقيقة والثاني المشابهة لا المناسبة كقوله تعالى وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها الزخرف 48
قوله تعالى ما كان أبوك يعنون عمران امرأ سوء أي زانيا وما كانت أمك حنة بغيا أي زانية فمن أين لك هذا الولد
قوله تعالى فأشارت أي أومأت إليه أي إلى عيسى فتكلم وقيل المعنى أشارت إليه أن كلموه وكان عيسى قد كلمها حين أتت قومها وقال يا أماه أبشري فاني عبدالله ومسيحه فلما أشارت أن كلموه تعجبوا من ذلك وقالوا كيف نكلم من كان وفيها أربعة أقوال
أحدها أنها زائدة فالمعنى كيف نكلم صبيا في المهد
والثاني أنها في معنى وقع وحدث
والثالث أنها في معنى الشرط والجزاء فالمعنى من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه حكاها الزجاج واختار الأخير منها قال ابن الأنباري وهذا كما تقول كيف أعظ من كان لا يقبل موعظتي أي من يكن لا يقبل والماضي يكون بمعنى المستقبل في الجزاء
والرابع أن كان بمعنى صار قاله قطرب
وفي المراد بالمهد قولان أحدهما حجرها قاله نوف وقتادة والكلبي والثاني سرير الصبي المعروف حكاه الكلبي أيضا
قاله السدي فلما سمع عيسى كلامهم لم يزد على أن ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه فقال إني عبدالله قال المفسرون إنما قدم ذكر العبودية ليبطل قول من ادعى فيه الربوبية

وفي قوله آتاني الكتاب أسكن هذه الياء حمزة وفي معنى الآية قولان
أحدهما أنه آتاه الكتاب وهو في بطن أمه قاله أبو صالح عن ابن عباس وقيل علم التوراة والإنجيل وهو في بطن امه
والثاني قضى أن يؤيتني الكتاب قاله عكرمة
وفي الكتاب قولان أحدهما أنه التوراة والثاني الأنجيل
قوله تعالى وجعلني نبيا هذا وما بعده اخبار عما قضى الله له وحكم له به ومنحه إياه مما سيظهر ويكون قيل المعنى يؤتيني الكتاب ويجعلني نبيا إذا بلغت فحل الماضي محل المستقبل كقوله تعالى وإذ قال الله يا عيسى المائدة 116 وفي وقت تكليمه لهم قولان
أحدهما أنه كلمهم بعد أربعين يوما والثاني في يومه وهو مبني على ما ذكرنا من الزمان الذي غابت عنهم فيه مريم
قوله تعالى وجعلني مباركا أينما كنت روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذه الآية قال نفاعا حيثما توجهت وقال مجاهد معلما للخير
وفي المراد بالزكاة قولان
أحدهما زكاة الأموال قاله ابن السائب والثاني الطهارة قاله الزجاج

قوله تعالى وبرا بوالدتي قال ابن عباس لما قال هذا ولم يقل بوالدي علموا أنه ولد من غير بشر
قوله تعالى ولم يجعلني جبارا أي متعظما شقيا عاصيا لربه والسلام علي يوم ولدت قال المفسرون السلامة علي من الله يوم ولدت حتى لم يضرني شيطان وقد سبق تفسير الآية مريم 15
فان قيل لم ذكر هاهنا السلام بألف ولام وذكره في قصة يحيى بلا ألف ولام فعنه جوابان
أحدهما أنه لما جرى ذكر السلام قبل هذا الموضع بغير ألف ولام كان الأحسن أن يرد ثانية بألف ولام هذا قول الزجاج
وقد اعترض على هذا القول فقيل كيف يجوز أن يعطف هذا وهو قول عيسى على الأول وهو قول الله عز و جل
وقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال عيسى إنما يتعلم من ربه فيجوز أن يكون سمع قول الله في يحيى فبنى عليه وألصقه بنفسه ويجوز أن يكون الله عز و جل عرف السلام الثاني لأنه أتى بعد سلام قد ذكره وأجراه عليه غير قاصد به اتباع اللفظ المحكي لأن المتكلم له أن يغير بعض الكلام الذي يحكيه فيقول قال عبدالله أنا رجل منصف يريد قال لي عبد الله أنت رجل منصف
والجواب الثاني أن سلاما والسلام لغتان بمعنى واحد ذكره ابن الأنباري

ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
قوله تعالى ذلك عيسى بن مريم قال الزجاج أي ذلك الذي قال إني عبدالله هو ابن مريم لا ما تقول النصارى إنه ابن الله وإنه إله
قوله تعالى قول الحق قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي قول الحق برفع اللام وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب بنصب اللام قال الزجاج من رفع قول الحق فالمعنى هو قول الحق يعني هذا الكلام ومن نصب فالمعنى أقول قول الحق وذكر ابن الأنباري في الآية وجهين
أحدهما أنه لما وصف بالكلمة جاز أن ينعت بالقول
والثاني أن في الكلام إضمارا تقديره ذلك نبأ عيسى ذلك النبأ قول الحق
قوله تعالى الذي فيه يمترون أي يشكون قال قتاة امترت اليهود فيه والنصارى فزعم اليهود أنه ساحر وزعم النصارى أنه ابن الله وثالث ثلاثة قرأ أبو مجلز ومعاذ القارئ وابن يعمر وأبو رجاء تمترون بالتاء
قوله تعالى ما كان لله أن يتخذ من ولد قال الزجاج المعنى أن يتخذ ولدا ومن مؤكدة تدل على نفي الواحد والجماعة لأن للقائل أن يقول ما اتخذت فرسا يريد أتخذت أكثر من ذلك وله أن يقول

ما اتخذت فرسين ولا أكثر يريد اتخذت فرسا واحدا فاذا قال ما اتخذت من فرس فقد دل على نفي الواحد والجميع
قوله تعالى كن فيكون وقرأ أبو عمران الجوني وابن أبي عبلة فيكون بالنصب وقد ذكرنا وجهه في البقرة 117
قوله تعالى وإن الله ربي وربكم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأن الله بنصب الألف وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وإن الله بكسر الألف وهذا من قول عيسى فمن فتح عطفه على قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة وبأن الله ربي ومن كسر ففيه وجهان
أحدهما أن يكون معطوفا على قوله إني عبدالله
والثاني أن يكون مستأنفا
فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أسمع بهم وأبصر بوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون
قوله تعالى فاختلف الأحزاب من بينهم قال المفسرون من زائدة والمعنى اختلفوا بينهم وقال ابن الأنباري لما تمسك المؤمنون بالحق كان اختلاف الأحزاب بين المؤمنين مقصورا عليهم
وفي الأحزاب قولان
أحدهما أنهم اليهود والنصارى فكانت اليهود تقول إنه لغير رشدة والنصارى تدعي فيه ما لا يليق به

والثاني أنهم فرق النصارى قال بعضهم هو الله وقال بعضهم ابن الله وقال بعضهم ثالث ثلاثة
قوله تعالى فويل للذين كفروا بقولهم في المسيح من مشهد يوم عظيم أي من حضورهم ذلك اليوم للجزاء
قوله تعالى أسمع بهم وأبصر فيه قولان
أحدهما أن لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر فالمعنى ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة سمعوا وأبصروا حين لم ينفعهم ذلك لأنهم شاهدوا من أمر الله ما لا يحتاجون معه الى نظر وفكر فعلموا الهدى وأطاعوا هذا قول الأكثرين
والثاني أسمع بحديثهم اليوم وأبصر كيف يصنع بهم يوم يأتوننا قاله أبو العالية
قوله تعالى لكن الظالمون يعني المشركين والكفار اليوم يعني في الدنيا في ضلال مبين
قوله تعالى وانذرهم أي خوف كفار مكة يوم الحسرة يعني يوم القيامة يتحسر المسيء إذ لم يحسن والمقصر إذ لم يزدد من الخير
وموجبات الحسرة يوم القيامة كثيرة فمن ذلك ما روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار قيل يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون وقيل يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيجاء بالموت كأنه كبش أملح فيقال لهم هل تعرفون هذا

فيقولون هذا الموت فيذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون
قال المفسرون فهذه هي الحسرة إذا ذبح الموت فلو مات أحد فرحا مات أهل الجنة ولو مات أحد حزنا مات اهل النار
ومن موجبات الحسرة ما روى عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يؤتى يوم القيامة بناس الى الجنة حتى اذا دنوا منها واستنشقوا ريحها ونظروا الى قصورها نودوا أن أصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة ما رجع الأولون بمثلها فيقولون يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا كان أهون علينا قال ذلك أردت بكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراؤون الناس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلوني تركتم للناس ولم تتركوا لي فاليوم أذيقكم العذاب مع ما حرمتكم من الثواب
ومن موجبات الحسرة ما روي عن ابن مسعود قال ليس من نفس يوم القيامة الا وهي تنظر الى بيت في الجنة وبيت في النار ثم يقال يعني لهؤلاء لو عملتم ولأهل الجنة لولا أن من الله عليكم

ومن موجبات الحسرة قطع الرجاء عند اطباق النار على أهلها
قوله تعالى إذ قضي الأمر قال ابن الأنباري قضي في اللغة بمعنى أتقن وأحكم وإنما سمي الحاكم قاضيا لإتقانه وإحكامه ما ينفذ وفي الآية اختصار والمعنى إذ قضي الأمر الذي فيه هلاكهم
وللمفسرين في الأمر قولان
أحدهما انه ذبح الموت قاله ابن جريج والسدي والثاني أن المعنى قضي العذاب لهم قاله مقاتل
قوله تعالى وهم في غفلة أي هم في الدنيا في غفلة عما يصنع بهم ذلك اليوم وهم لا يؤمنون بما يكون في الآخرة
قوله تعالى إنا نحن نرث الارض أي نميت سكانها فنرثها ومن عليها وإلينا يرجعون بعد الموت
فان قيل ما الفائدة في نحن وقد كفت عنها إنا
فالجواب أنه لما جاز في قول المعظم إنا نفعل أن يوهم أن أتباعه قعلوا أبانت نحن بأن الفعل مضاف اليه حقيقة
فان قيل فلم قال ومن عليها وهو يرث الآدميين وغيرهم
فالجواب أن من تختص أهل التمييز وغير المميزين يدخلون في معنى الأرض ويجرون مجراها ذكر الجوابين عن السؤالين ابن الأنباري
واذكر في الكتاب ابراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا

يا أبت إني قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك وأهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا
قوله تعالى واذكر في الكتاب ابراهيم أي اذكر لقومك قصته وقد سبق معنى الصديق في النساء 69
قوله تعالى ولا يغني عنك شيئا أي لا يدفع عنك ضرا
قوله تعالى إني قد جاءني من العلم بالله والمعرفة مالم يأتك
قوله تعالى لا تعبد الشيطان أي لا تطعه فيما يأمر به من الكفر والمعاصي وقد شرحنا معنى كان آنفا وعصيا اي عاصيا فهو فعيل بمعنى فاعل
قوله تعالى إني أخاف ان يمسك عذاب من الرحمن قال مقاتل في الآخرة وقال غيره في الدنيا فتكون للشيطان وليا أي قرينا في عذاب الله فجرت المقارنة مجرى الموالاة وقيل إنما طمع ابراهيم في إيمان ابيه لأنه

حين خرج من النار قال له نعم الإله إلهك يا إبراهيم فحينئذ أقبل يعظه فأجابه أبوه أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم أي أتارك عبادتها انت لئن لم تنته عن عيبها وشتمها لأرجمنك وفيه قولان
أحدهما بالشتم والقول قاله ابن عباس ومجاهد
والثاني بالحجارة حتى تتباعد عني قاله الحسن
قوله تعالى واهجرني مليا فيه قولان
أحدهما اهجرني طويلا رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس وبه قال الحسن والفراء والأكثرون قال ابن قتيبة اهجرني حينا طويلا ومنه يقال تمليت حبيبك
والثاني أجتنبني سالما قبل أن تصيبك عقوبتي رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال قتادة والضحاك فعلى هذا يكون من قولهم فلام ملي بكذا وكذا إذا كان مضطلعا به فالمعنى اهجرني وعرضك وافر وأنت سليم من أذاي قاله ابن جرير
قوله تعالى قال سلام عليك أي سلمت من أن أصيبك بمكروه وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره سأستغفر لك ربي فيه قولان
أحدهما أن المعنى سأسأل الله لك توبة تنال بها مغفرته
والثاني أنه وعده الاستغفار وهو لا يعلم أن ذلك محظور في حق المصرين على الكفر ذكرهما ابن الأنباري
قوله تعالى إنه كان بي حفيا فيه ثلاثة أقوال

أحدها لطيفا رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال ابن زيد والزجاج
والثاني رحيما رواه الضحاك عن ابن عباس
والثالث بارا عودني منه الإجابة إذا دعوته قاله ابن قتيبة
قوله تعالى وأعتزلكم أي وأتنحى عنكم وأعتزل ما تدعون من دون الله يعني الأصنام
وفي معنى تدعون قولان
أحدهما تعبدون
والثاني أن المعنى وما تدعونه ربا وأدعو ربي أي وأعبده عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا أي أرجو أن لا أشقى بعبادته كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام لأنها لا تنفعهم ولا تجيب دعاءهم فلما اعتزلهم قال المفسرون هاجر عنهم الى ارض الشام فوهب الله له اسحاق ويعقوب فآنس الله وحشته عن فراق قومه بأولاد كرام قال أبو سليمان وإنما وهب له اسحاق ويعقوب بعد اسماعيل
قوله تعالى وكلا أي وكلا من هذين وقال مقاتل وكلا يعني ابراهيم واسحاق ويعقوب جعلناه نبيا
قوله تعالى ووهبنا لهم من رحمتنا قال المفسرون المال والولد والعلم والعمل وجعلنا لهم لسان صدق عليا قال ابن قتيبة أي ذكرا حسنا في الناس مرتفعا فجميع أهل الأديان يتولون إبراهيم وذريته ويثنون عليهم فوضع اللسان مكان القول لأن القول يكون باللسان

واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا
قوله تعالى إنه كان مخلصا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والمفضل عن عاصم مخلصا بكسر اللام وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بفتح اللام قال الزجاج المخلص بكسر اللام الذي وحد الله وجعل نفسه خالصة في طاعة الله غير دنسه والمخلص بفتح اللام الذي أخلصه الله وجعله مختارا خالصا من الدنس
قوله تعالى وكان رسولا قال ابن الأنباري إنما أعاد كان لتفخيم شأن النبي المذكور
قوله تعالى وناديناه من جانب الطور أي من ناحية الطور وهو جبل بين مصر ومدين اسمه زبير قال ابن الأنباري إنما خاطب الله العرب بما يستعملون في لغتهم ومن كلامهم عن يمين القبلة وشمالها يعنون مما يلي يمين المستقبل لها وشماله فنقلوا الوصف الى ذلك اتساعا عند انكشاف المعنى لأن الوادي لا يد له فيكون له يمين وقال المفسرون جاء النداء عن يمين موسى فلهذا قال الأيمن ولم يرد به يمين الجبل
قوله تعالى وقربناه نجيا قال ابن الأنباري معناه مناجيا فعبر

فعيل عن مفاعل كما قالوا فلان خليطي وعشيري يعنون مخالطي ومعاشري وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله وقربناه قال حتى سمع صريف القلم حين كتب له في الألواح
قوله تعالى ووهبنا له من رحمتنا أي من نعمتنا عليه إذ أجبنا دعاءه حين سأل أن نجعل معه أخاه وزيرا له
واذكر في الكتاب إسمعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلوة والزكوة وكان عند ربه مرضيا واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا
قوله تعالى إنه كان صادق الوعد هذا عام فيما بينه وبين الله وفيما بينه وبين الناس وقال مجاهد لم يعد ربه بوعد قط الا وفي له به
فان قيل كيف خص بصدق الوعد اسماعيل وليس في الأنبياء من ليس كذلك
فالجواب أن إسماعيل عانى في الوفاء بالوعد ما لم يعانه غيره من الأنبياء فأثني عليه بذلك وذكر المفسرون أنه كان بينه وبين رجل ميعاد فأقام ينتظره مدة فيها لهم ثلاثة أقوال
أحدها انه أقام حولا قاله ابن عباس والثاني اثنين وعشرين يوما قاله الرقاشي والثالث ثلاثة أيام قاله مقاتل
قوله تعالى وكان رسولا الى قومه وهم جرهم وكان يأمر أهله قال مقاتل يعني قومه وقال الزجاج أهله جميع أمته فأما الصلاة والزكاة فهما العبادتان المعروفتان

قوله تعالى ورفعناه مكانا عليا فيه أربعة أقوال
أحدها أنه في السماء الرابعة روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث المعراج أنه رأى إدريس في السماء الرابعة وبهذا قال أبو سعيد الخدري ومجاهد وأبو العالية
والثاني انه في السماء السادسة رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال الضحاك
والثالث أنه في الجنة قاله زيد بن أسلم وهذا يرجع إلى الأول لأنه قد روي أن الجنة في السماء الرابعة
والرابع أنه في السماء السابعة حكاه أبو سليمان الدمشقي
وفي سبب صعوده الى السماء ثلاثة أقوال
أحدها أنه كان يصعد له من العمل مثل ما يصعد لجميع بني آدم فأحبه ملك الموت فاستأذن الله في خلته فأذن له فهبط اليه في صورة آدمي

وكان يصحبه فلما عرفه قال إني أسألك حاجة قال ما هي قال تذيقني الموت فلعلي أعلم ما شدته فأكون له أشد استعدادا فأوحى الله إليه أن اقبض روحة ساعة ثم أرسله ففعل ثم قال كيف رأيت قال كان أشد مما بلغني عنه وإني أحب أن تريني النار قال فحمله فأراه إياها قال إني أحب أن تريني الجنة فأراه إياها فلما دخلها طاف فيها قال له ملك الموت اخرج فقال والله لا أخرج حتى يكون الله تعالى يخرجني فبعث الله ملكا فحكم بينهما فقال ما تقول يا ملك الموت فقص عليه ما جرى فقال ما تقول يا إدريس قال إن الله تعالى قال كل نفس ذائقة الموت آل عمران 185 وقد ذقته وقال وإن منكم إلا واردها مريم 71 وقد وردتها وقال لأهل الجنة وما هم منها بمخرجين الحجر 48 فوالله لا أخرج حتى يكون الله يخرجني فسمع هاتفا من فوقه يقول باذني دخل وبأمري فعل فخل سبيله هذا معنى ما رواه زيد بن أسلم مرفوعا الى النبي صلى الله عليه و سلم
فان سأل سائل فقال من أين لإدريس هذه الآيات وهي في كتابنا فقد ذكر ابن الأنباري عن بعض العلماء قال كان الله تعالى قد أعلم إدريس بما ذكر في القرآن من وجوب الورود وامتناع الخروج من الجنة وغير ذلك فقال ما قاله بعلم
والثاني أن ملكا من الملائكة استأذن ربه أن يهبط إلى إدريس فأذن له فلما عرفه إدريس قال هل بينك وبين ملك الموت قرابة قال ذاك اخي من الملائكة قال هل تستطيع أن تنفعني عند ملك الموت قال سأكلمه فيك

فيرفق بك اركب ببن جناحي فركب إدريس فصعد به الى السماء فلقي ملك الموت فقال إن لي إليك حاجة قال أعلم ما حاجتك تكلمني في إدريس وقد محي اسمه من الصحيفة ولم يبق من أجله الا نصف طرفة عين فمات إدريس بين جناحي الملك رواه عكرمة عن ابن عباس وقال أبو صالح عن ابن عباس فقبض ملك الموت روح ادريس في السماء السادسة
والثالث أن ادريس مشى يوما في الشمس فأصباه وهجها فقال اللهم خفف ثقلها عمن يحملها يعني به الملك الموكل بالشمس فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها مالا يعرف فسأل الله عز و جل عن ذلك فقال إن عبدي إدريس سألني أن اخفف عنك حملها وحرها فأجبته فقال يا رب أجمع بيني وبينه وأجعل بيننا خلة فأذن له فأتاه فكان مما قال له إدريس اشفع لي الى ملك الموت ليؤخر أجلي فقال إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها ولكن أكلمه فيك فما كان مستطيعا أن يفعل بأحد من بني آدم فعل بك ثم حمله الملك على جناحه فرفعه الى السماء فوضعه عند مطلع الشمس ثم أتى ملك الموت فقال إن لي إليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله قال ليس ذاك إلي ولكن إن أحببت أعلمته متى يموت فنظر في ديوانه فقال إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا ولا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس فقال إني أتيتك وتركته هناك قال انطلق فما أراك تجده إلا ميتا فوالله ما بقي من أجله شيء فرجع الملك فرآه ميتا وهذا المعنى مروي عن الله عباس وكعب في آخرين فهذا القول والذي قبله يدلان على أنه ميت والقول الأول يدل على انه حي

أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح من ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا وما نتنزل الا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا
قوله تعالى أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين يعني الذين ذكرهم من الأنبياء في هذه السورة من ذرية آدم يعني إدريس وممن حملنا مع نوح يعني ابراهيم لأنه من ولد سام بن نوح ومن ذرية إبراهيم يريد اسماعيل واسحاق ويعقوب واسرائيل يعني ومن ذرية اسرائيل وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى
قوله تعالى وممن هدينا أي هؤلاء كانوا ممن أرشدنا واجتبينا أى واصطفينا
قوله تعالى خروا سجدا قال الزجاج سجدا حال مقدرة المعنى خروا مقدرين السجود لأن الإنسان في حال خروره لا يكون ساجدا

ف سجدا منصوب على الحال وهو جمع ساجد وبكيا معطوف عليه وهو جمع باك فقد بين الله تعالى أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات الله سجدوا وبكوا من خشية الله
قوله تعالى فخلف من بعدهم خلف قد شرحناه في الأعراف 169 وفي المراد بهذا الخلف ثلاثة أقوال
أحدها أنهم اليهود رواه الضحاك عن ابن عباس والثاني اليهود والنصارى قاله السدي والثالث أنهم من هذه الأمة يأتون عند ذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه و سلم يتبارون بالزنا ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زناة قاله مجاهد وقتادة
قوله تعالى أضاعوا الصلاة وقرأ ابن مسعود وأبو رزين العقيلي والحسن البصري الصلوات على الجمع
وفي المراد باضاعتهم إياها قولان
أحدهما أنهم أخروها عن وقتها قاله ابن مسعود والنخعي وعمر بن عبد العزيز والقاسم بن مخيمرة
والثاني تركوها قاله الفرظشي واختاره الزجاج
قوله تعالى واتبعوا الشهوات قال أبو سليمان الدمشقى وذلك مثل استماع الغناء وشرب الخمر والزنا واللهو وما شاكل ذلك مما يقطع عن أداء فرائض الله عز و جل
قوله تعالى فسوف يلقون غيا ليس معنى هذا اللقاء مجرد الرؤية وإنما المراد به الاجتماع والملابسة مع الرؤية

وفي المراد بهذا الغي ستة اقوال
أحدها أنه واد في جهنم روراه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه قال كعب والثاني أنه نهر في جهنم قاله ابن مسعود والثالث أنه الخسران رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس والرابع أنه العذاب قاله مجاهد والخامس أنه الشر قاله ابن زيد وابن السائب والسادس أن المعنى فسوف يلقون مجازاة الغي كقوله يلق أثاما الفرقان 68 أي مجازاة الآثام قاله الزجاج
قوله تعالى إلا من تاب وآمن فيه قولان
أحدهما تاب من الشرك وآمن بمحمد صلى الله عليه و سلم قاله مقاتل
والثاني تاب من التقصير في الصلاة وآمن من اليهود والنصارى
قوله تعالى جنات عدن وقرأ أبو رزين العقيلي والضحاك وابن يعمر وابن أبي عبلة جنات برفع التاء وقرأ الحسن البصري والشعبي وابن السميفع جنة عدن على التوحيد مع رفع التاء وقرأ أبو مجلز وأبو المتوكل الناجي جنة عدن على التوحيد مع نصب التاء وقوله التي وعد الرحمن عبادة بالغيب أي وعدهم بها ولم يروها فهي غائبة عنهم
قوله تعالى إنه كان وعده مأتيا فيه قولان
أحدهما آتيا قال ابن قتيبة وهو مفعول في معنى فاعل وهو قليل أن يأتي الفاعل على لفظ المفعول به وقال الفراء إنما لم يقل آتيا لأن

كل ما أتاك فأنت تأتيه ألا ترى أنك تقول أتيت على خمسين سنة وأتت على خمسون سنة
والثاني مبلوغا اليه قاله ابن الأنباري وقال ابن جريج وعده هاهنا موعوده وهو الجنة ومأتيا يأتيه أولياؤه
قوله تعالى لا يسمعون فيها لغوا فيه قولان
أحدهما أنه التخالف عند شرب الخمر قاله مقاتل
والثاني ما يلغى من الكلام ويؤثم فيه قاله الزجاج وقال ابن الأنباري اللغو في العربية الفاسد المطرح
قوله تعالى إلا سلاما قال أبو عبيدة السلام ليس من اللغو والعرب تستثني الشيء بعد الشيء وليس منه وذلك أنها تضمر فيه فالمعنى إلا أنها يسمعون فيها سلاما وقال ابن الأنباري استثنى السلام من غير جنسه وفي ذلك توكيد للمعنى المقصود لأنهم إذا لم يسمعوا من اللغوا إلا السلام فليس يسمعون لغوا البتة وكذلك قوله فانهم عدو لي إلا رب العالمين الشعراء 77 إذا لم يخرج من عداوتهم لي غير رب العالمين فكلهم عدو
وفي معنى هذا السلام قولان
أحدهما أنه تسليم الملائكة عليهم قاله مقاتل
والثاني أنهم لا يسمعون الا ما يسلمهم ولا يسمعون ما يؤثمهم قاله الزجاج
قوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا قال المفسرون ليس في الجنة بكرة ولا عشية ولكنهم يؤتون برزقهم على مقدار ما كانوا يعرفون في الغداة والعشي قال الحسن كانت العرب لا تعرف شيئا من العيش أفضل من الغداء والعشاء فذكر الله لهم ذلك وقال قتادة كانت العرب إذا أصاب أحدهم

الغداء والعشاء أعجب به فأخبر الله أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشيا على قدر ذلك الوقت وليس ثم ليل ولا نهار وانما هو ضوء ونور وروى الوليد ابن مسلم قال سألت زهير بن محمد عن قوله تعالى بكرة وعشيا فقال ليس في الجنة ليل ولا نهار هم في نور أبدا ولهم مقدار الليل والنهار يعرفون مقدار الليل بارخاء الحجب وإغلاق الأبواب ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب
قوله تعالى تلك الجنة الإشارة إلى قوله فأولئك يدخلون الجنة
قوله تعالى نورث وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن والشعبي وقتادة وابن أبي عبلة بفتح الواو وتشديد الراء قال المفسرون ومعنى نورث نعطي المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا للمؤمنين ويجوز أن يكون معنى نورث نعطي فيكون كالميراث لهم من جهة أنها تمليك متسأنف وقد شرحنا هذا في الأعراف 43
قوله تعالى وما نتنزل إلا بأمر ربك وقرأ ابن السميفع وابن يعمر وما يتنزل بياء مفتوحة
وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال
أحدها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت هذه الآية رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس

والثاني أن الملك أبطأ على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتاه فقال لعلي أبطأت قال قد فعلت قال وما لي لا أفعل وأنتم لا تتسوكون ولا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم فنزلت الآية قاله مجاهد قال ابن الأنباري البراجم عند العرب الفصوص التي في فصول ظهور الأصابع تبدو إذا جمعت وتغمض إذا بسطت والرواجب ما بين البراجم بين كل برجمتين راجبة
والثالث أن جبريل احتبس عن النبي صلى الله عليه و سلم حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فلم يدر ما يجيبهم ورجا ان يأتيه جبريل بجواب فأبطأ عليه فشق على رسول الله صلى الله عليه و سلم مشقة شديدة فلما نزل جبريل قال له أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت اليك فقال جبريل إني كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فنزلت هذه الآية قاله عكرمة وقتادة والضحاك
وفي سبب احتباس جبريل عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قولان
أحدهما لامتناع أصحابه من كمال النظافة كما ذكرنا في حديث مجاهد
والثاني لأنهم سألوه عن قصة أصحاب الكهف فقال غدا أخبركم ولم يقل إن شاء الله وقد سبق هذا في سورة الكهف 24
وفي مقدار احتباسه عنه خمسة اقوال
أحدها خمسة عشر يوما وقد ذكرناه في الكهف عن ابن عباس والثاني أربعون يوما قاله عكرمة ومقاتل والثالث اثنتا عشرة ليلة قاله مجاهد والرابع ثلاثة ايام حكاه مقاتل والخامس خمسة وعشرون يوما

حكاه الثعلبي وقيل إن سورة الضحى نزلت في هذا السبب والمفسرون على أن قوله وما نتنزل الا بأمر ربك قول جبريل وحكى الماوردي أنه قول أهل الجنة إذا دخلوها فالمعنى ما ننزل هذ الجنان الا بأمر الله وقيل ما ننزل موضعا من الجنة إلا بأمر الله
وفي قوله ما بين أيدينا وما خلفنا قولان
أحدهما ما بين أيدينا الآخرة وما خلفنا الدنيا رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير وقتادة ومقاتل
والثاني ما بين أيدينا ما مضى من الدنيا وما خلفنا من الآخرة فهو عكس الاول قاله مجهد وقال الأخفش ما بين أيدينا قبل ان نخلق وما خلفتا بعد الفناء
وفي قوله تعالى وما بين ذلك ثلاثة اقوال
أحدها ما بين الدنيا والآخرة قاله سعيد بن جبير
والثاني ما بين النفختين قاله مجاهد وعكرمة وأبو العالية
والثالث حين كوننا قاله الأخفش قال ابن الأنباري وإنما وحد ذلك والإشارة الى شيئين أحدهما ما بين أيدينا والثاني ما خلفتا لأن العرب توقع ذلك على الاثنين والجمع
قوله تعالى وما كان ربك نسيا النسي بمعنى الناسي
وفي معنى الكلام قولان
أحدهما ما كان تاركا لك منذ أبطأ الوحي عنك قاله ابن عباس قال مقاتل ما نسيك عند انقطاع الوحي عنك

والثاني أنه عالم بما كان ويكون لا ينسى شيئا قاله الزجاج
قوله تعالى فاعبده أي وحده لأن عبادته بالشرك ليست عبادة واصطبر لعبادته أي اصبر على توحيده وقيل على أمره ونهيه
قوله تعالى هل تعلم له سميا روى هارون عن أبي عمرو أنه كان يدغم هل تعلم ووجهه أن سيبويه يجيز إدغام اللام في التاء والثاء والدال والزاي والسين والصاد والطاء لأن آخر مخرج من اللام وقريب من مخارجهن قال أبو عبيدة إذا كان بعد هل تاء ففيه لغتان بعضهم يبين لام هل وبعضهم يدغمها
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها مثلا وشبها رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة
والثاني هل تعلم أحدا يسمى الله غيره رواه عطاء عن ابن عباس
والثالث هل تعلم أحدا يستحق أن يقال له خالق وقادر الا هو قاله الزجاج
ويقول الإنسان إذا مامت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة ايهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا
قوله تعالى ويقول الإنسان سبب نزولها ان ابي بن خلف أخذ عظما

باليا فجعل يفته بيده ويذريه في الريح ويقول زعم لكم محمد أن الله يبعثنا بعد أن نكون مثل هذا العظم البالي فنزلت هذه الآية رواه أبو صالح عن ابن عباس وروى عطاء عن ابن عباس أنه الوليد بن المغيرة
قوله تعالى لسوف أخرج حيا إن قيل ظاهره ظاهر سؤال فأين جوابه فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري
أحدها أن ظاهر الكلام استفهام ومعناه معنى جحد وإنكار تلخيصه لست مبعوثا بعد الموت
والثني أنه لما استفهم بهذا الكلام عن البعث أجابه الله عز و جل بقوله أولا يذكر الإنسان فهو مشتمل على معنى نعم وأنت مبعوث
والثالث أن جواب سؤال هذا الكافر في يس 78 عند قوله تعالى وضرب لنا مثلا ولا ينكر بعد الجواب لأن القرآن كله بمنزلة الرسالة الواحدة والسورتان مكيتان
قوله تعالى أولا يذكر الإنسان قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بفتح الذال مشددة الكاف وقرأ نافع وعاصم وابن عامر يذكر ساكنة الذال خفيفة وقرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل الناجي أولا يتذكر الإنسان بياء وتاء وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن يذكر بياء من غير تاء ساكنة الذال مخففة مرفوعة الكاف والمعنى أولا يتذكر هذا الجاحد أول خلقه فيستدل بالابتداء على الإعادة فوربك لنحشرنهم يعني المكذبين بالبعث والشياطين أي مع الشياطين وذلك أن كل كافر يحشر مع شيطانه في سلسلة ثم لنحصرنهم

حول جهنم قال مقاتل أي في جهنم وذلك أن حول الشيء يجوز أن يكون داخله تقول جلس القوم حول البيت إذا جلسوا داخله مطيفين به وقيل يجثون حولها قبل أن يدخلوها
فأما قوله جثيا فقال الزجاج هو جمع جاث مثل قاعد وقعود وهو منصوب على الحال والاصل ضم الجيم وجاء كسرها اتباعا لكسرة الثاء
وللمفسرين في معناه خمسة أقوال
أحدها قعودا رواه العوفي عن ابن عباس والثاني جماعات جماعات روي عن ابن عباس أيضا فعلى هذا هو جمع جثوة وهي المجموع من التراب والحجارة والثالث جثيا على الركب قاله الحسن ومجاهد والزجاج والرابع قياما قاله أبو مالك والخامس قياما على ركبهم قاله السدي وذلك لضيق المكان بهم
قوله تعالى لننزعن من كل شيعة أي لنأخذن من كل فرقة وأمة وأهل دين أيهم أشد على الرحمن عتيا أي أعظمهم له معصية والمعنى أنه يبدأ بتعذيب الأعتى فالأع وبالأكابر جرما والرؤوس القادة في الشر قال الزجاج وفي رفع أيهم ثلاثة أقوال
أحدها أنه على الاستئناف ولم تعمل لننزعن شيئا هذا قول يونس
والثاني أنه على معنى الذي يقال لهم أيهم أشد على الرحمن عتيا قاله الخليل واختاره الزجاج وقال التأويل لننزعن الذي من أجل عتوة يقال أي هؤلاء أشد عتيا وأنشد

ولقد أبيت عن الفتاة بمنزل ... فأبيت لاحرج ولا محروم ...
المعنى أبيت بمنزلة الذي يقال له لا هو حرج ولا محروم
والثالث أن أيهم مبنية على الضم لأنه خالفت أخواتها فالمعنى أيهم هو أفضل وبيان خلافها لأخواتها أنك تقول اضرب أيهم أفضل ولا يحسن اضرب من أفضل حتى تقول من هو أفضل ولا يحسن كل ما أطيب حتى تقول ما هو أطيب ولا خذ ما أفضل حتى تقول الذي هو أفضل فلما خالفت ما و من و الذي بنيت على الضم قاله سيبويه
قوله تعالى هم أولى بها صليا يعني أن الأولى بها صليا الذين هم أشد عتيا فيبتدأ بهم قبل أتباعهم وصليا منصوب على التفسير يقال صلي النار يصلاها إذا دخلها وقاسى حرها
قوله تعالى وإن منكم إلا واردها في الكلام إضمار تقديره وما منكم أحد إلا وهو واردها
وفيمن عني بهذا الخطاب قولان
أحدهما أنه عام في حق المؤمن والكافر هذا قول الأكثرين وروي عن ابن عباس أنه قال هذه الآية للكفار وأكثر الروايات عنه كالقول الأول قال ابن الأنباري ووجه هذا أنه لما قال لنحضرنهم وقال أيهم أشد

على الرحمن عتيا كان التقدير وإن منهم فأبدلت الكاف من الهاء كما فعل في قوله إن هذا كان لكم جزاء الانسان 22 المعنى كان لهم لأنه مردود على قوله وسقاهم ربهم الانسان 21 وقال الشاعر ... شطت مزار العاشقين فأصبحت ... عسرا علي طلابك ابنة مخرم ...
أراد طلابها وفي هذا الورود خمسة أقوال
أحدها أنه الدخول روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على ابراهيم حتى إن للنار أو قال لجهنم ضجيجا من بردهم وروي عن ابن عباس أنه سأله نافع بن الأزرق عن هذه الآية فقال له أما أنا وأنت فسندخلها فانظر أيخرجنا الله عز و جل منها أم لا فاحتج بقوله تعالى فأوردهم النار هود 98 وبقوله تعالى أنتم لها واردون الانبياء 98 وكان عبد الله بن رواحة يبكي ويقول أنبئت أني وارد ولم أنبأ أني صادر وحكى الحسن البصري أن رجلا قال لأخيه يا أخي هل أتاك أنك وارد النار قال نعم قال فهل أتاك أنك خارج منها قال لا قال ففيم الضحك وقال خالد بن معدان إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا ألم يعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم بلى ولكن مررتم بها وهي خامدة
وممن ذهب الى انه الدخول الحسن في رواية وأبو مالك

وقد اعترض على أرباب هذا القول بأشياء فقال الزجاج العرب تقول وردت بلد كذا ووردت ماء كذا إذا أشرفوا عليه وإن لم يدخلوا ومنه قوله تعالى ولما ورد ماء مدين القصص 33 والحجة القاطعة في هذا القول قوله تعالى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها الأنبياء 101102 وقال زهير ... فلما وردن الماء زرقا جمامة ... وضعن عصي الحاضر المتخيم ...
أي لما بلغن الماء قمن عليه
قلت وقد أجاب بعضهم عن هذه الحجج فقال أما الآية الأولى فان موسى لما أقام حتى استقى الماء وسقى الغنم كان بلبثه ومباشرته كأنه دخل وأما الآية الأخرى فانها تضمنت الأخبار عن أهل الجنة حين كونهم فيها وحينئذ لا يسمعون حسيسها وقد روينا آنفا عن خالد بن معدان أنهم يمرون بها ولا يعلمون
والثاني أن الورود الممر عليها قاله عبد الله بن مسعود وقتادة وقال ابن مسعود يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرحل ثم كمشية
والثالث أو ورودها حضورها قاله عبيد بن عمير
والرابع أو ورود المسلمين المرور على الجسر وورود المشركين دخولها قاله ابن زيد

والخامس أن ورود المؤمن إليها ما يصيبه من الحمى في الدنيا روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال الحمى حظ كل مؤمن من النار ثم قرأ وإن منكم إلا واردها فعلى هذا من حم من المسلمين فقد وردها
قوله تعالى كان على ربك يعني الورود حتما والحتم ايجاب القضاء والقطع بالأمر والمقضي الذي قضاه الله تعالى والمعنى إنه حتم ذلك وقضاه على الخلق
قوله تعالى ثم ننجي الذين اتقوا وقرأ ابن عباس وأبو مجلز وابن يعمر وابن أبي ليلى وعاصم الجحدري ثم بفتح الثاء وقرأ الكسائي ويعقوب ننجي مخففة وقرأت عائشة وأبو بحرية وأبو الجوزاء الربعي ثم ينجي بياء مرفوعة قبل النون خفيفة الجيم مكسورة وقرأ أبي بن كعب وأبو مجلز وابن السميفع وأبو رجاء ننحي بحاء غير معجمة مشددة وهذه الآية يحتج بها القائلون بدخول جميع الخلق لأن النجاة تخليص الواقع في الشيء ويؤكده قوله تعالى ونذر الظالمين فيها ولم يقل وندخلهم وإنما يقال نذر ونترك لمن قد حصل في مكانه ومن قال إن الورود للكفار خاصة قال معنى هذا الكلام نخرج المتقين من جملة من يدخل النار والمراد بالمتقين الذين اتقوا الشرك وبالظالمين الكفار وقد سبق معنى قوله تعالى جثيا مريم 68
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا
قوله تعالى وإذا تتلى عليهم يعني المشركين آياتنا يعني القرآن

قال الذين كفرا يعني المشركي قريش للذين آمنوا أي لفقراء المؤمنين أي الفريقين خير مقاما قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر وحفص عن عاصم مقاما بفتح الميم وقرأ ابن كثير بضم الميم قال أبو علي الفارسي المقام اسم المثوى إن فتحت الميم أو ضمت
قوله تعالى وأحسن نديا والندي والنادي مجلس القوم ومجتمعهم وقال الفراء الندي والنادي لغتان ومعنى الكلام أنحن خير أم أنتم فافتخروا عليهم بالمساكن والمجالس فأجابهم الله تعالى فقال وكم أهلكنا قبلهم من قرن وقد بينا معنى القرن في الأنعام 6 وشرحنا الاثاث في النحل 80
فأما قوله تعالى ورئيا فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي ورئيا بهمزة بين الراء والياء في وزن رعيا قال الزجاج ومعناها منظرا من رأيت
وقرأ نافع وابن عامر ريا بياء مشددة من غير همز قال الزجاج لها تفسيران أحدهما أنها بمعنى الأولى والثاني أنها من الري فالمعنى منظرهم مرتو من النعمة كأن النعيم بين فيهم
وقرأ ابن عباس وأبو المتوكل وأبو الجوزاء وابن أبي سريج عن الكسائي زيا بالزاي المعجمة مع تشديد الياء من غير همز قال الزجاج ومعناها حسن هيئتهم
قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ويزيد الله الذين أمتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا

قوله تعالى قل من كان في الضلالة أي في الكفر والعمى عن التوحيد فليمدد له الرحمن قال الزجاج وهذا لفظ أمر ومعناه الخبر والمعنى أن الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها قال ابن الأنباري خاطب الله العرب بلسانها وهي تقصد التوكيد للخبر بذكر الأمر يقول أحدهم إن زارنا عبد الله فلنكرمه يقصد التوكيد وينبه على أني ألزم نفسي إكرامه ويجوز أن تكون اللام لام الدعاء على معنى قل يا محمد من كان في الضلالة فاللهم مد له في النعم مدا قال المفسرون ومعنى مد الله تعالى له إمهاله في الغي حتى إذا رأوا يعني الذين مدهم في الضلالة وإنما اخبر عن الجماعة لأن لفظ من يصلح للجماعة ثم ذكر ما يوعدون فقال إما العذاب يعني القتل والأسر وإما الساعة يعني القيامة وما وعدوا فيها من الخلود في النار فسيعلمون من هو شر مكانا في الآخرة أهم أم المؤمنون لأن مكان هؤلاء الجنة ومكان هؤلاء النار ويعلمون بالنصر والقتل من أضعف جندا جندهم أم جند رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذا رد عليهم في قولهم أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا
قوله تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى فيه خمسة أقوال
أحدها ويزيد الله الذين أمتدوا بالتوحيد إيمانا والثاني يزبدهم بصيرة في دينهم والثالث يزيدهم بزيادة الوحي إيمانا فكلما نزلت سورة زاد إيمانهم والرابع يزيدهم إيمانا بالناسخ والمنسوخ والخامس يزيد الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالناسخ قال الزجاج المعنى إن الله تعالى يجعل جزاءهم أن يزيدهم يقينا كما جعل جزاء الكافر أن يمده في ضلالته
قوله تعالى والباقيات الصالحات قد ذكرناها في سورة الكهف 46

قوله تعالى وخير مردا المرد هاهنا مصدر مثل الرد والمعنى وخير ردا للثواب على عامليها فليست كأعمال الكفار التي خسروها فبطلت
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرثه ما يقول ويأتينا فردا
قوله تعالى أفرأيت الذي كفر بآياتنا في سبب نزولها قولان
أحدهما ما روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث مسروق عن خباب بن الأرت قال كنت رجلا قينا أي حدادا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته الأصح أنقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت لا والله لا أكفر بمحمد ص - حتى تموت ثم تبعث قال فاني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك فنزلت فيه هذه الآية إلى قوله تعالى فردا
والثاني أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وهذا مروي عن الحسن والمفسرون على الأول
قوله تعالى لأوتين مالا وولدا قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر بفتح الواو وقرأ حمزة والكسائي بضم الواو وقال الفراء وهما لغتان كالعدم والعدم وليس يجمع وقيس تجعل الولد جمعا والولد بفتح الواو واحدا
وأين زعم هذا الكافر أن يؤتى المال والولد فيه قولان أحدهما أنه أراد في الجنة على زعمكم والثاني في الدنيا قال ابن الأنباري وتقدير الآية أرأيته مصيبا

قوله تعالى أطلع الغيب قال ابن عباس في رواية أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا وقال في رواية أخرى أنظر في اللوح المحفوظ
قوله تعالى أم أتخذ عند الرحمن عهدا فيه ثلاثة أقوال
أحدها أم قال لا إله إلا الله فأرحمه بها قاله ابن عباس والثاني أم قدم عملا صالحا فهو يرجوه قاله قتادة والثالث أم عهد اليه أنه يدخله الجنة قاله ابن السائب
قوله تعالى كلا أي ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتى المال والولد ويجوز أن يكون معنى كلا أي إنه لم يطلع الغيب ولم يتخذ عند الله عهدا سنكتب ما يقول أي سنأمر الحفظة باثبات قوله عليه لنجازيه به ونمد له من العذاب مدا أي نجعل بعض العذاب على إثر بعض وقرأ أبو العالية الرياحي وأبو رجاء العطاردي سيكتب ويرثه بياء مفتوحة
قوله تعالى ونرثه ما يقول فيه قولان
أحدهما نرثه ما يقول انه له في الجنة فنجعله لغيره من المسلمين قاله أبو صالح عن ابن عباس واختاره الفراء
والثاني نرث ما عنده من المال والولد باهلاكنا إياه وإبطال ملكه وهو مروي عن ابن عباس ايضا وبه قال قتادة قال الزجاج المعنى سنسلبه المال والولد ونجعله لغيره
قوله تعالى ويأتينا فردا أي بلا مال ولا ولد
واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا الم تر أنا أرسلنا

الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا
قوله تعالى واتخذوا من دون الله آلهة يعني المشركين عابدي الأصنام ليكونوا لهم عزا قال الفراء ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة
قوله تعالى كلا أي ليس الأمر كما قدروا سيكفرون يعني الأصنام بجحد عبادة المشركين كقوله تعالى ما كانوا إيانا يعبدون القصص 63 لأنها كانت جمادا لا تعقل العبادة ويكونون يعني الاصنام عليهم يعني المشركين ضدا أي أعوانا عليهم في القيامة يكذبونهم ويلعنونهم
قوله تعالى ألم تر أنا أرسلنا الشياطين قال الزجاج في معنى هذا الإرسال وجهان
أحدهما خلينا بين الشياطين وبين الكافرين فلم نعصمهم من القبول منهم
والثاني وهو المختار سلطانهم عليهم وقيضناهم لهم بكفرهم تؤزهم أزا أي تزعجهم ازعاجا حتى يركبوا المعاصي وقال الفراء تزعجهم الى المعاصي وتغريهم بها قال ابن فارس يقال أزه على كذا إذا أغراه به وأزت القدر غلت
قوله تعالى فلا تعجل عليهم أي لا تعجل بطلب عذابهم وزعم بعضهم أن هذا منسوخ آية بآية السيف وليس بصحيح إنما نعد لهم عدا في هذا المعدود ثلاثة أقوال
أحدها أنه أنفاسم رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال طاووس ومقاتل

والثاني الأيام والليالي والشهور والسنون والساعات رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثالث أنها أعمالهم قاله قطرب
يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين الى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا
قوله تعالى يوم نحشر المتقين قال بعضهم هذا متعلق بقوله ويكونون عليهم ضدا يوم نحشر المتقين وقال بعضهم تقديره اذكر لهم يوم نحشر المتقين وهم الذين اتقوا الله بطاعته واجتناب معصيته وقرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني يوم يحشر بياء مفتوحة ورفع الشين ويسوق بياء مفتوحة ورفع السين وقرأ ابي بن كعب والحسن البصري ومعاذ القارىء وأبو المتوكل الناجي يوم يحشر بياء مرفوعة وفتح الشين المتقون رفعا ويساق بألف وياء مرفوعة المجرمون بالواو على الرفع والوفد جمع وافد مثل ركب وراكب وصحب وصاحب قال ابن عباس وعكرمة والفراء الوفد الركبان قال ابن الأنباري الركبان عند العرب ركاب الإبل
وفي زمان هذا الحشر قولان
أحدهما أنه من قبورهم الى الرحمن قاله علي بن أبي طالب
والثاني أنه بعد الحساب قاله أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى ونسوق المجرمين يعني الكافرين الى جهنم وردا قال

ابن عباس وأبو هريرة والحسن عطاشا قال ابو عبيدة الورد مصدر الورود وقال ابن قتيبة الورد جماعة يردون الماء يعني أنهم عطاش لأنه لا يرد الماء الا العطشان وقال ابن الأنباري معنى قوله وردا واردين
قوله تعالى لا يملكون الشفاعة أي لا يشفعون ولا يشفع لهم
قوله تعالى إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا قال الزجاج جائز أن يكون من في مومضع رفع على البدل من الواو والنون فيكون المعنى لا يملك الشفاعة الا من اتخذ عن الرحمن عهدا وجائز أن يكون في موضع نصب على استثناء ليس من الأول فالمعنى لا يملك الشفاعة المجرمون ثم قال إلا على معنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا فانه يملك الشفاعة والعهد هاهنا توحيد الله والإيمان به وقال ابن الأنباري تفسير العهد في اللغة تقدمة أمر يعلم ويحفظ من قولك عهدت فلانا في المكان أي عرفته وشهدته
وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصهم وعدهم عدا وكلهم آتية يوم القيمة فردا
قوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا يعني اليهود والنصارى ومن زعم من المشركين أن الملائكة بنات الله لقد جئتم شيئا إدا أي شيئا عظيما من الكفر قال أبو عبيدة الإد والنكر الأمر المتناهي العظم
قوله تعالى تكاد السموات والأرض يتفطرن قرا ابن كثير وأبو عمرو

وابن عامر وحمزة وابو بكر عن عاصم تكاد بالتاء وقرأ نافع والكسائي يكاد بالياء وقرءا جميعا يتفطرن بالياء والتاء مشددة الطاء وافقهما ابن كثير وحفص عن عاصم في يتفطرن وقرأ ابو عمرو وابو بكر عن عاصم ينفطرن بالنون وقرأ حمزة وابن عامر في مريم مثل ابي عمرو وفي عسق 5 مثل أبن كثير ومعنى يتفطرن منه يقاربن الانشقاق من قولكم قال ابن قتيبة وقوله تعالى هدا أي سقوطا
قوله تعالى أن دعوا قال الفراء من أن دعوا ولأن دعوا وقال ابو عبيدة معناه ان جعلوا وليس هو من دعاء الصوت وأنشد ... ألا رب من تدعو نصيحا وإن تغب ... تجده بغيب غير منتصح الصدر ...
قوله تعالى وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا أي ما يصلح له ولا يليق به اتخاذ الولد لأن الولد يقتضي مجانسة وكل متخذ ولدا يتخذه من جنسه والله تعالى منزه عن أن يجانس شيئا أو يجانسه فمحال في حقه اتخاذ الولد إن كل أي ما كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن يوم القيامة عبدا ذليلا خاضعا والمعنى أن عيسى وعزيرا والملائكة عبيد له قال القاضي ابو يعلى وفي هذا دلالة على أن الوالد إذا اشترى ولده لم يبق ملكه عليه وإنما يعتق بنفس الشراء لأن الله تعالى نفى البنوة لأجل العبودية فدل على أنه لا يجتمع بنوة ورق
قوله تعالى لقد أحصاهم أي علم عددهم وعدهم عدا فلا يخفى

عليه مبلغ جميعهم من كثرتهم وكلهم آتية يوم القيامة فردا بلا مال ولا نصير يمنعه
فان قيل لاية علة وحد في الرحمن و آتية وجمع في العائد في أحصاهم وعدهم
فالجواب أن لكل لفظ توحيد وتأويل جمع فالتوحيد محمول على اللفظ والجمع مصروف الى التأويل
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا فانما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا
قوله تعالى سيجعل لهم الرحمن ودا قال ابن عباس نزلت في علي عليه السلام وقال معناه يحببهم ويجبهم الى المؤمنين قال قتادة يجعل لهم ودا في قلوب المؤمنين ومن هذا حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا أحب الله عبدا قال يا جبريل إني أحب فلانا فأحبوه فينادي جبريل في السموات إن الله يحب فلانا فأحبوه فيلقى حبه على أهل الأرض فيحب وذكر في البغض مثل ذلك وقال هرم بن حيان ما اقبل عبد بقلبه الى

الله عز و جل إلا أقبل الله عز و جل بقلوب أهل الإيمان اليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم
قوله تعالى فانما يسرناه بلسانك يعني القرآن قال ابن قتيبة أي سهلناه وأنزلناه بلغتك واللد جمع ألد وهو الخصم الجدل
قوله تعالى وكم أهلكنا قبلهم هذا تخويف لكفار مكة هل تحس منهم من أحد قال الزجاج أي هل ترى يقال هل أحسست صاحبك أي هل رأيته والركز الصوت الخفي وقال ابن قتيبة الصوت الذي لا يفهم وقال ابو صالح حركة والله تعالى أعلم

سورة طه
بسم الله الرحمن الرحيم
طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فانه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى
وهي مكية كلها باجماعهم وفي سبب نزول طه ثلاث أقوال
أحدها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرواح بين قدمية يقوم على رجل حتى نزلت هذه الآية قاله علي عليه السلام
والثاني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما نزل عليه القرآن صلى هو وأصحابه فأطال القيام فقالت قريش ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى فنزلت هذه الآية قاله الضحاك

والثالث أن أبا جهل والنضر بن الحارث والمطعم بن عدي قالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم إنك لتشقى بترك ديننا فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
وفي طه قراءات قرأ ابن كثير وأبن عامر طه بفتح الطاء والهاء وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بكسر الطاء والهاء وقرأ نافع طه بين الفتح والكسر وهو إلى الفتح أقرب كذلك قال خلف عن المسيبي وقرأ ابو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء وروى عنه عباس مثل حمزة وقرأ ابن مسعود وأبو رزين العقيلي وسعيد بن المسيب وابو العالية بكسر الطاء وفتح الهاء وقرأ الحسن طه بفتح الطاء وسكون الهاء وقرأ الضحاك ومورق طه بكسر الطاء وسكون الهاء
واختلفوا في معناها على أربعة أقوال
أحدها أن معناها يا رجل رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعكرمة واختلف هؤلاء باي لغة هي على أربعة أقوال أحدها بالنبطية رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير في رواية والضحاك والثاني بلسان عك رواه أبو صالح عن ابن عباس والثالث بالسريانية قاله عكرمة في رواية وسعيد بن جبير في رواية وقتادة والرابع بالحبشية قاله عكرمة في رواية قال ابن الأنباري ولغة قريش وافقت هذه اللغة في المعنى
والثاني أنها حروف من أسماء ثم فيها قولان أحدهما أنها من اسماء الله تعالى ثم فيها قولان أحدهما أن الطاء من اللطيف والهاء من الهادي قاله ابن مسعود وأبو العالية والثاني أن الطاء افتتاح اسمه طاهر وطيب

والهاء افتتاح اسمه هادي قاله سعيد بن جبير والقول الثاني أنها من غير اسماء الله تعالى ثم فيه ثلاثة أقوال أحدها أن الطاء من طابة وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم و الهاء من مكة حكاه أبو سليمان الدمشقي و الثاني أن الطاء طرب أهل الجنة والهاء هو أن اهل النار والثالث ان الطاء في حساب الجمل تسعة والهاء خمسة فتكون اربعة عشر فالمعنى يا أيها البدر ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى حكى القولين الثعلبي
والثالث أنه قسم أقسم الله به وهو من اسمائه رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقد شرحناه معنى كونه اسما في فاتحة مريم وقال القرظي أقسم الله بطوله وهدايته وهذا القول قريب المعنى من الذي قبله
والرابع أن معناه طأ الأرض بقدميك قاله مقاتل بن حيان ومعنى قوله لتشقى لتتعب وتبلغ من الجهد ما قد بلغت وذلك أنه اجتهد في العبادة وبالغ حتى إنه كان يرواح بين قدميه لطول القيام فأمر بالتخفيف
قوله تعالى إلا تذكرة قال الأخفش هو بدل من قوله لتشقى ما أنزلناه إلا تذكرة أي عظة
قوله تعالى تنزيلا قال الزجاج المعنى أنزلناه تنزيلا والعلى جمع العليا تقول سماء عليا وسماوات على مثل الكبرى و الكبر فأما الثرى فهو التراب الندي والمفسرون يقولون أراد الثرى الذي تحت الأرض السابعة
قوله تعالى وإن تجهر بالقول أي ترفع صوتك فانه يعلم السر والمعنى لا تجهد نفسك برفع الصوت فان اللع يعلم السر

وفي المراد ب السر وأخفى خمسة أقوال
أحدها أن السر ما أسره الإنسان في نفسه وأخفى ما لم يكن بعد وسيكون رواه جماعة عن ابن عباس وبه قال الضحاك
والثاني أن السر ما حدثت به نفسك واخفى ما لم تلفظ به قاله سعيد بن جبير
والثالث أن السر العمل الذي يسره الإنسان من الناس وأخفى منه الوسوسة قاله مجاهد
والرابع أن معنى الكلام يعلم إسرار عباده وقد أخفى سره عنهم فلا يعلم قاله زيد بن أسلم وابنه
والخامس يعلم ما أسره الإنسان الى غيره وما أخفاه في نفسه قاله الفراء
قوله تعالى له الأسماء الحسنى قد شرحناه في الأعراف 180
وهل أتك حديث موسى إذ رآ نارا فقال لأهله أمكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتها نودي ياموسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلوة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى
قوله تعالى وهل أتاك حديث موسى هذا استفهام تقرير ومعناه قد أتاك قال ابن الأنباري وهذا معروف عند اللغويين أن تأتي هل

معبرة عن قد فقد قال رسول الله ص - وهو أفصح العرب اللهم هل بلغت يريد قد بلغت
قال وهب بن منبه استأذن موسى شعيبا عليهما السلام في الرجوع الى والدته فإذن له فخرج بأهله فولد له في الطريق في ليلة شاتية فقدح فلم يور الزناد فبينا هو في مزاولة ذلك ابصرا نارا من بعيد عن يسار الطريق وقد ذكرنا هذا الحديث بطولة في كتاب الحدائق فكرهنا اطالة التفسير بالقصص لأن غرضنا الاقتصار على التفسير ليسهل حفظه قال المفسرون رأى نورا ولكن اخبر بما كان في ظن موسى فقال لأهله يعنى امرأته امكثوا اي اقيموا مكانكم وقرأ حمزة لأهله امكثوا بضم الهاء ها هنا وفي اني آنست نارا قال الفراء اني وجدت يقال هل آنست احدا اي وجدت وقال ابن قتيبة آنست بمعنى أبصرت فأما القبس فقال الزجاج هو ما أخذته من النار في رأس عود أو في رأس فتيلة
قوله تعالى او اجد على النار هدى قال الفراء اراد هاديا فذكره بلفظ المصدر قال ابن الأنبارى يجوز ان تكون على ها هنا بمعنى عند

وبمعنى مع وبمعنى الباء وذكر أهل التفسير أنه كان قد ضل الطريق فعلم أن النار لا تخلوا من موقد وحكى الزجاج أنه ضل عن الماء فرجا أن يجد من يهديه الطريق او يدله على الماء
قوله تعالى فلما أتاها يعني النار نودي يا موسى إني أنا ربك إنما كرر الكناية لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإزالة الشبهة ومثله إني انا النذير المبين الحجر 89 قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر أني بفتح الألف والياء وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي إني بكسر والألف إلا أن نافعا فتح الياء قال الزجاج من قرأ أني انا بالفتح فالمعنى نودي بأني أنا ربك ومن قرا بالكسر فالمعنى نودي يا موسى فقال الله إني أنا ربك
قوله تعالى فاخلع نعليك في سبب أمره بخلعهما قولان
أحدهما انهما كانا من جلد حمار ميت رواه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعكرمة
والثاني أنهما كانا من جلد بقرة ذكيت ولكنه أمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض المقدسة فتناله بركتها قاله الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة
قوله تعاى إنك بالواد المقدس فيه قولان قد ذكرناهما في المائدة 21 عند قوله الارض المقدسة

قوله تعالى طوى قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو طوى وأنا غير مجراه وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي طوى مجراة وكلهم ضم الطاء وقرأ الحسن وأبو حيوة طوى بكسر الطاء مع التنوين وقرأ علي بن نصر عن أبي عمرو طوى بكسر الطاء من غير تنوين قال الزجاج في طوى اربعة أوجه طوى بضم أوله من غير تنوين وبتنوين فمن نونه فهو اسم للوادي وهو مذكر سمي بمذكر على فعل نحو حطم وصرد ومن لم ينونه ترك صرفه من جهتين
احداهما أن يكون معدولا عن طاو فيصير مثل عمر المعدول عن عامر فلا ينصرف كما لا ينصرف عمر
والجهة الثانية أن يكون اسما للبقعة كقوله في البقعة المباركة القصص 30 وإذا كسر ونون فهو مثل معى والمعنى المقدس مرة بعد مرة كما قال عدي بن زيد ... أعاذل إن اللوم في غير كنهه ... علي طوى من غيك المتردد ...
أي اللوم المكرر علي ومن لم ينون جعله اسما للبقعة
وللمفسرين في معنى طوى ثلاثة أقوال
أحدها أنه اسم الوادي رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثاني أن معنى طوى طأ الوادي رواه عكرمة عن ابن عباس وعن مجاهد كالقولين

والثالث أنه قدس قاله الحسن وقتادة
قوله تعالى وأنا اخترتك أي اصطفيتك وقرأ حمزة والمفضل وأنا بالنون المشددة اخترناك بألف فاستمع لما يوحى أي للذي يوحى قال ابن الأنباري الاستماع هاهنا محمول على الإنصات المعنى فأنصت لوحيي والوحي هاهنا قوله إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني أي وحدني واقم الصلاة لذكري فيه قولان
أحدهما أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة سواء كنت في وقتها أو لم تكن هذا قول الأكثرين وروى أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها غير ذلك وقرأ أقم الصلاة لذكري
والثاني أقم الصلاة لتذكرني فيها قاله مجاهد وقيل إن الكلام مردود على قوله فاستمع فيكون المعنى فاستمع لما يوحى واستمع لذكري وقرأ ابن مسعود وابي بن كعب وابن السميفع وأقم الصلاة للذكرى بلامين وتشديد الذال
قوله تعالى أكاد أخفيها أكثر القراء على ضم الألف
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها أكاد أخفيها من نفسي قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد في آخرين وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب ومحمد بن علي أكاد أخفيها من نفسي

قال الفراء المعنى فكيف أظهركم عليها قال المبرد وهذا على عادة العرب فانهم يقولون إذا بالغوا في كتمان الشيء كتمته حتى من نفسي أي لم أطلع عليه أحدا
والثاني أن الكلام تم عند قوله أكاد وبعده مضمر تقديره أكاد آتي بها والابتداء أخفيها قال ضابئ البرجمي ... هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله ...
أراد كدت أفعل
والثالث أن معنى أكاد أريد قال الشاعر ... كادت كدت وتلك خير إرادة ... لو عاد من لهو الصبابة ما مضى ...
معناه أرادت وأردت ذكرهما ابن الأنباري
فان قيل فما فائدة هذا الأخفاء الشديد
فالجواب أنه للتحذير والتخويف ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوه كان أشد حذرا وقرأ سعيد بن جبير وعروة بن الزبير وأبو رجاء العطاردي وحميد بن قيس أخفيها بفتح الألف قال الزجاج ومعناه أكاد اظهرها قال امرؤ القيس ... فان تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد

أي إن تدفنوا الداء لا نظهره قال وهذه القراءة أبين في المعنى لأن معنى أكاد أظهرها قد أخفيتها وكدت أظهرها لتجزى كل نفس بما تسعى أي بما تعمل ولتجزى متعلق بقوله إن الساعة آتية لتجزى ويجوز أن يكون على أقم الصلاة لذكري لتجزى
قوله تعالى فلا يصدنك عنها أي عن الإيمان بها من لا يؤمن بها أي من لا يؤمن بكونها والخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم خطاب لجميع أمته واتبع هواه أي مراده وخالف أمر الله عز و جل فتردى أي فتهلك قال الزجاج يقال ردي يردى إذا هلك
وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكؤا عليها واهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى قال ألقها يا موسى فألقها فاذا هي حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى واضمم يدك الى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنريك من آياتنا الكبرى
قوله تعالى وما تلك بيمينك قال الزجاج تلك اسم مبهم يجري مجرى التي والمعنى ما التي بيمينك
قوله تعالى أتوكأ عليه التوكؤ التحامل على الشيء وأهش بها قال الفراء أضرب بها الشجر اليابس ليسقط ورقه فترعاه غنمي قال الزجاج واشتقاقه من أني احيل الشيء إلى الهشاشه والإمكان والمآرب الحاجات واحدها مأربه ومأربه وروى قتيبة وورش مآرب بامالة الهمزة

فان قيل ما الفائدة في سؤال الله تعالى له وما تلك بيمينك وهو يعلم فعنه جوابان
أحدهما أن لفظه لفظ الاستفهام ومجراه مجرى السؤال ليجيب المخاطب بالإقرار به فتثبت عليه الحجة باعترافه فلا يمكنه الجحد ومثله في الكلام أن تقول لمن تخاطبه وعندك ماء ما هذا فيقول ماء فتضع عليه شيئا من الصبغ فان قال لم يزل هكذا قلت له ألست قد اعترفت بأنه ماء فتثبت عليه الحجة هذا قول الزجاج فعلى هذا تكون الفائدة أنه قرر موسى أنها عصا لما أراد أن يريه من قدرته في انقلابها حية فوقع المعجز بها بعد التثبت في أمرها
والثاني أنه لما أطلع الله تعالى على ما في قلب موسى من الهيبة والإجلال حين التكليم أراد أن يؤانسه ويخفف عنه ثقل ما كان فيه من الخوف فأجرى هذا الكلام للاستئناس حكاه ابو سليمان الدمشقي
فان قيل قد كان يكفي في الجواب أن يقول هي عصاي فما الفائدة في قوله أتوكأ عليها إلى آخر الكلام وإنما يشرح هذا لمن لا يعلم فوائدها فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها أنه أجاب بقوله هي عصاي فقيل له ما تصنع بها فذكر باقي الكلام جوابا عن سؤال ثان قاله ابن عباس ووهب
والثاني أنه انما أظهر فوائدها وبين حاجته اليها خوفا من أن يأمره بالقائها كالنعلين قاله سعيد بن جبير
والثالث أنه بين منافعها لئلا يكون عابثا بحملها قاله الماوردي
فان قيل فلم اقتصر على ذكر بعض منافعها ولم يطل الشرح فعنه ثلاثة أجوبة

أحدها أنه كره أن يشتغل عن كلام الله بتعداد منافعها
والثاني استغنى بعلم الله فيها عن كثرة التعداد
والثالث أنه اقتصر على اللازم دون العارض
وقيل كانت تضيء له بالليل وتدفع عنه الهوام وتثمر له إذا اشتهى الثمار وفي جنسها قولان
أحدهما أنها كات من آس الجنة قاله ابن عباس والثاني أنها كانت من عوسج
فان قيل المآرب جمع فكيف قال أخرى ولم يقل اخر فالجواب أن المآرب في معنى جماعة فكأنه قال جماعة من الحاجات أخرى قاله الزجاج
قوله تعالى قال ألقها يا موسى قال المفسرون ألقاها ظنا منه أنه قد أمر برفضها فسمع حسا فالتفت فاذا هي كأعظم ثعبان تمر بالصخرة العظيمة فتبتلعها فهرب منها
وفي وجه الفائدة في إظهار هذه الآية ليلة المخطابة قولان
أحدهما لئلا يخاف منها إذا ألقاها بين يدي فرعون
والثاني ليريه أن الذي أبعثك اليه دون ما أريتك فكما ذللت لك الأعظم وهو الحية أذلل لك الأدنى

ثم إن الله تعالى أمره باخذها وهي على حالها حية فوضع يده عليها فعادت عصا فذلك قوله سنعيدها سيرتها الأولى قال الفراء طريقتها يقول تردها عصى كما كانت قال الزجاج وسيرتها منصوبة على اسقاط الخافض وافضاء الفعل اليها المعنى سنعيدها الى سيرتها
فان قيل إنما كانت العصا واحدة وكان القاؤها مرة فما وجه اختلاف الأخبار عنها فانه يقول في الأعراف 107 فاذا هي ثعبان مبين وهاهنا حية وفي مكان آخر كأنها جان النمل 10 الأصح والجان ليست بالعظيمة والثعبان أعظم الحيات
فالجواب أن صفتها بالجان عبارة عن ابتداء حالها وبالثعبان اخبار عن انتهاء حالها والحية اسم يقع على الصغير والكبير والذكر والأنثى وقال الزجاج خلقها خلق الثعبان العظيم واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته
قوله تعالى واضنم يدك الى جناحك قال الفراء الجناح من اسفل العضد الى الابط
وقال ابو عبيدة الجناح ناحية الجنب وانشد ... أضمه للصدر والجناح ...
قوله تعالى تخرج بيضاء من غير سوء أي من غير برص آية أخرى أي دلالة على صدقك سوى العصا قال الزجاج ونصب آية عل معنى آتيناك آية أو نؤتيك آية
قوله تعالى لنريك من آياتنا الكبرى

إن قيل لم لم يقل الكبر فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها انه كقوله مآرب اخرى وقد شرحناه هذا قول الفراء
والثاني أن فيه إضمارا تقديره لنريك من آياتنا الآية الكبرى وقال أبو عبيدة فيه تقديم وتأخير تقديره لنريك الكبرى من آياتنا
والثالث إنما كان ذلك لوفاق رأس الآي حكى القولين الثعلبي
إذهب الى فرعون إنه طغى قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من اهلي هرون أخي أشدد به أزري واشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا
قوله تعالى إنه طغى أي جاوز الحد في العصيان قوله تعالى اشرح لي صدري قال المفسرون ضاق موسى صدر بما كلف من مقاومة فرعون وجنوده فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه للحق حتى لا يخاف فرعون وجنوده ومعنى قوله يسر لي أمري سهل علي ما بعثتني له واحلل عقدة من لساني قال ابن قتيبة فيه رته قال المفسرون كان فرعون قد وضع موسى في حجره وهو صغير فجر لحية فرعون بيده فهم بقتله فقالت له آسية إنه لا يعقل وسأريك بيان ذلك قدم إليه جمرتين ولؤلؤتين فان اجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقل فأخذ موسى جمرة فوضعها في فيه فأحرقت لسانه وصار فيه عقدة فسأل حلها ليفهموا كلامه

وأما الوزير فقال ابن قتيبة أصل الوزارة من الوزر وهو الحمل كان الوزير قد حمل عن السلطان الثقل وقال الزجاج اشتقاقه من الوزر والوزر الجبل الذي يعتصم به لينجى من الهلكة وكذلك وزير الخليفة معناه الذي يعتمد عليه في أموره ويلتجىءالى رأيه ونصب هارون من جهتين إحداهما أن تكون أجعل تتعدى الى مفعولين فيكون المعنى اجعل هارون اخي وزيري فينتصب وزيرا على أنه مفعول ثان ويجوز أن يكون هارون بدلا من قوله وزيرا فيكون المعنى اجعل لي وزيرا من أهلي ثم أبدل هارون من وزير والاول أجود قال الماوردي وإنما سأل الله تعالى أن يجعل له وزيرا لأنه لم يرد أن يكون مقصورا على الوزراة حتى يكون شريكا في النبوة ولولا ذلك لجاز ان يستوزر من غير مسألة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح ياء أخي
قوله تعالى أشدد به أزري قال الفراء هذا دعاء من موسى والمعنى اشدد به يا رب ازري واشركه يا رب في أمري وقرأ ابن عامر أشدد بالألف مقطوعة مفتوحة وأشركة بضم الألف وكذلك يبتدئ بالألفين قال ابو علي هذه القراءة على الجواب والمجازاة والوجه الدعاء دون الإخبار لأن ما قبله دعاء ولان الاشراك في النبوة لا يكون إلا من الله عز و جل قال ابن قتيبة والأزر الظهر يقال آزرت فلانا على الأمر أي قويته عليه وكنت له فيه ظهرا
قوله تعالى واشركه في أمري أي في النبوة معي كي نسبحك أي نصلي لك ونذكرك بألسنتنا حامدين لك على ما أوليتنا من نعمك إنك كنت بنا نصيرا أي عالما إذ خصصتنا بهذه النعم

قال قد أوتيت سوءلك يا موسى ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقدفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك الى أمك كي تقر عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي إذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري قوله تعالى قال قد أوتيت سؤلك قال ابن قتيبة أي طلبتك وهو فعل من سألت أي أعطيت ما سألت
قوله تعالى ولقد مننا عليك أي أنعمنا عليك مرة أخرى قبل هذه المرة ثم بين متى كانت بقوله إذ أوحينا الى أمك ما يوحى أي ألهمناها ما يلهم مما كان سببا لنجاتك ثم فسر ذلك بقوله أن اقذفيه في التابوت وقذف الشيء الرمي به
فان قيل ما فائدة قوله ما يوحى وقد علم ذلك فقد ذكر عنه ابن الأنباري جوابين
أحدهما أن المعنى أوحينا اليها الشيء الذي يجوز أن يوحى اليها اذ ليس كل الامور يصلح وحيه اليها لأنها ليست بنبي وذلك أنها ألهمت
والثاني أن ما يوحى أفاد توكيدا كقوله فغشاها ما غشى النجم 54

قوله تعالى فليلقه اليم قال ابن الأنباري ظاهر هذا الأمر ومعناه معنى الخبر تأويله يلقيه اليم ويجوز أن يكون البحر مأمورا بآلة ركبها الله تعالى فيه فسمع وعقل كما فعل ذلك بالحجارة والأشجار فأما الساحل فهو شط البحر يأخذه عدو لي وعدو له يعني فرعون قال المفسرون اتخذت أمه تابوتا وجعلت فيه قطنا محلوجا ووضعت فيه موسى وأحكمت بالقار شقوق التابوت ثم ألقته في النيل وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذا بالتابوت فأمر الغلمان والجواري بأخذه فلما فتحوه رأوا صبيا من أصبح الناس وجها فلما رآه فرعون أحبه حبا شديدا فذلك قوله وألقيت عليك محبة مني قال أبو عبيدة ومعنى ألقيت عليك أي جعلت لك محبة مني قال ابن عباس أحبه وحببه الى خلقه فلا يلقاه أحد إلا أحبه من مؤمن وكافر وقال قتادة كانت في عينيه ملاحة فما رآه أحد إلا حبه
قوله تعالى ولتصنع على عيني وقرأ ابو جعفر ولتصنع بسكون اللام والعين والإدغام قال قتادة لتغذى على محبتي وإرادتي قال أبو عبيدة على ما أريد وأحب قال ابن الأنباري هو من قول العرب غذي فلان على عيني أي على المحبة مني وقال غيره لتربى وتغذى بمرأى مني يقال صنع الرجل جاريته إذا رباها وصنع فرسه إذا داوم على علفه ومراعاته والمعنى ولتصنع على عليني قدرنا مشي أختك وقولها هل أدلكم على من يكفله لأن هذا كان من أسباب تربيته على ما أراد الله عز و جل فأما أخته فقال مقاتل اسمها مريم قال الفراء وإنما اقتصر على ذكر المشي

ولم يذكر أنها مشت حتى دخلت على آل فرعون فدلتهم على الظئر لأن العرب تجتزىء بحذف كثير من الكلام وبقليله إذا كان المعنى معروفا ومثله قوله أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يوسف 45 ولم يقل فأرسل حتى دخل على يوسف
قال المفسرون سبب مشي أخته أن أمه قالت لها قصيه فاتبعت موسى على أثر الماء فلما التقطه آل فرعون جعل لا يقبل ثدي امرأة فقالت لهم أخته هل أدلكم على من يكفله أي يرضعه ويضمه اليه فقيل لها ومن هي فقالت أمي قالوا وهل لها لبن قال لبن أخي هارون وكان هارون أسن من موسى بثلاث سنين فأرسلوها فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله فرجعناك الى أمك أي رددناك اليها كي تقر عينها بك وبرؤيتك وقتلت نفسا يعني القبطي الذي وكزه فقضى عليه وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى فنجيناك من الغم وكان مغموما مخافة أن يقتل به فنجاه الله بأن هرب الى مدين وفتناك فتونا فيه ثلاث أقوال
أحدها اختبرناك اختبارا رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس
والثاني أخلصناك اخلاصا رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال مجاهد
والثالث ابتليناك ابتلاء رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال قتادة وقال الفراء ابتليناك بغم القتيل ابتلاء وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الفتون وقوعه في محنة بعد محنة خلصه الله منها أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ثم إلقاؤه في البحر ثم منعه الرضاع الا من ثدي أمه ثم جره لحية فرعون حتى هم بقتله ثم تناوله الجمرة بدل

الدرة ثم قتله القبطي ثم خروجه الى مدين خائفا وكان ابن عباس يقص هذه القصص على سعيد بن جبير ويقول له عند كل ثلاثة وهذا من الفتون يا ابن جبير فعلى هذا يكون فتناك خلصناك من تلك المحن كما يفتن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث والفتون مصدر
قوله تعالى فلبثت سنين تقدير الكلام فخرجت إلى أهل مدين ومدين بلد شعيب وكان على ثمان مراحل من مصر فهرب اليه موسى وقيل مدين اسم رجل وقد سبق هذا الأعراف 86
وفي قدر لبثه هناك قولان
أحدهما عشر سنين قاله ابن عباس ومقاتل
والثاني ثمان وعشرون سنة عشر منهن مهر امرأته وثمان عشرة أقام حتى ولد له قاله وهب
قوله تعالى ثم جئت على قدر أي جئت لميقات قدرته لمجيئك قبل خلقك وكان ذلك على رأس أربعين سنة وهو الوقت الذي يوحى فيه الى الأنبياء هذا قول الأكثرين وقال الفراء على قدر أي على ما أراد الله به من تكليمه
قوله تعالى واصطنعتك لنفسي أي اصطفيتك واختصصتك والاصطناع اتخاذ الصنيعة وهو الخير تسديه الى إنسان وقال ابن عباس اصطفيتك لرسالتي ووحيي اذهب أنت وأخوك بآياتي وفيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها العصا واليد وقد يذكر الاثنان بلفظ الجمع
والثاني العصا واليد وحل العقدة التي ما زال فرعون وقومه يعرفونها ذكره ابن الأنباري

والثالث الآيات التسع والأول أصح
قوله تعالى ولا تنيا قال ابن قتيبة لا تضعفا ولا تفترا يقال ونى يني في الأمر وفيه لغة أخرى وني يونى
وفي المراد بالذكر هاهنا قولان
أحدهما أنه الرسالة الى فرعون والثاني أنه القيام بالفرائض والتسبيح والتهليل
إذهبا الى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فاتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي الينا أن العذاب على من كذب وتولى
قوله تعالى اذهبا الى فرعون فائدة تكرار الأمر بالذهاب التوكيد وقد فسرناه قوله إنه طغى طه 24
قوله تعالة فقولا له قولا لينا وقرأ أبو عمران الجوني وعاصم الجحدري لينا باسكان الياء أي لطفيا رفيقا
وللمفسرين فيه خمسة أقوال
أحدها قولا له قل لا اله إلا الله وحده لا شريك له رواه خالد ابن معدان عن معاذ والضحاك عن ابن عباس
والثاني انه قوله هل لك إلى أن تزكى وأهديك الى ربك فتخشى النازعات 1819 قاله ابو صالح عن ابن عباس وبه قال مقاتل

والثالث كنياه رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال السدي فأما اسمه فقد ذكرناه في البقرة 49 وفي كنيته أربعة أقوال أحدها أبو مرة رواه عكرمة عن ابن عباس والثاني أبو مصعب ذكره أبو سليمان الدمشقي والثالث أبو العباس والرابع أبو الوليد حكاهما الثعلبي
والقول الرابع قولا له إن لك ربا وإن لك معادا وإن بين يديك جنة ونارا قاله الحسن
والخامس أن القول اللين أن موسى أتاه فقال له تؤمن بما جئت به وتعبد رب العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم وتكون ملكا لا ينزع منك حتى تموت فاذا مت دخلت الجنة فأعجبه ذلك فلما جاء هامان أخبره بما قال موسى فقال قد كنت أرى أن لك رأيا أنت رب أردت أن تكون مربوبا فقلبه عن رأيه قاله السدي وحكي عن يحيى بن معاذ أنه قرأ هذه الآية فقال إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا إله فكيف رفقك بمن يقول أنت إله
قوله تعالة لعله يتذكر أو يخشى قال الزجاج لعل في اللغة ترج وطمع تقول لعلي أصير إلى خير فخاطب الله عز و جل العباد بما يعقلون والمعنى عند سيبويه اذهبا على رجائكما وطمعكما والعلم من الله تعالى من وراء ما يكون وقدعلم أنه لا يتذكر ولا يخشى إلا أن الحجة إنما تجب عليه بالآية والبرهان وإنما تبعث الرسل وهي لا تعلم الغيب ولا تدري ايقبل منها أم لا وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم ومعنى لعل متصور في أنفسهم وعلى تصور ذلك تقوم الحجة قال ابن الأنباري ومذهب الفراء في هذا كي يتذكر وروى خالد بن معدان عن معاذ قال والله ما كان فرعون ليخرج من الدنيا حتى

يتذكر أو يخشى لهذه الآية وإنه تذكر وخشي لما أدركه الغرق وقال كعب والذي يحلف به كعب إنه لمكتوب في التوراة فقولا له قولا لينا وسأقسي قلبه فلا يؤمن قال المفسرون كان هارون يؤمئذ غائبا بمصر فأوحى الله تعالى إلى هارون أن يتلقى موسى فتلقاه على مرحلة فقال له موسى إن الله تعالى أمرني أن آتي فرعون فسألته أن يجعلك معي فعلى هذا يحتمل أن يكونا حين التقيا قالا ربنا إننا نخاف قال ابن الأنباري ويجوز أن يكون القائل لذلك موسى وحده واخبر الله عنه بالتثنية لما ضم اليه هارون فان العرب قد توقع التثنية على الواحد فتقول يا زيد قوما يا حرسي اضربا عنقه
قوله تعالى أن يفرط علينا وقرأ عبد الله بن عمرو وابن السميفع وابن يعمر وأبو العالية أن يفرط برفع الياء وكسر الراء وقرأ عكرمة وإبراهيم النخعي أن يفرط بفتح الياء والراء وقرأ أبو رجاء العطاردي وابن محيصن أن يفرط برفع الياء وفتح الراء قال الزجاج المعنى أن يبادر بعقوبتنا يقال قد فرط منه أمر أي قد بدر وقد أفرط في الشيء إذا اشتط فيه وفرط في الشيء إذا قصر ومعناه كله التقدم في الشيء لأن الفرط في اللغة المتقدم ومنه قوله عليه الصلاة و السلام أنا فرطكم على الحوض

قوله تعالى أو أن يطغى فيه قولان
أحدهما يستعصي قاله مقاتل والثاني يجاوز الحد في الإساءة الينا قال ابن زيد نخاف أن يعجل علينا قبل أن نبلغه كلامك وأمرك
قوله تعالى إنني معكما أي بالنصرة والعون أسمع أقوالكم وأرى أفعالكم قال الكلبي أسمع جوابه لكما وأرى ما يفعل بكما
قوله تعالى فارسل معنا بني اسرائيل أي خل عنهم ولا تعذبهم وكان يستعملهم في الأعمال الشاقة قد جئناك بآية من ربك قال ابن عباس هي العصا قال مقاتل أظهر اليد في مقام والعصا في مقام
قوله تعالى والسلام على من اتبع الهدى قال مقاتل على من آمن بالله قال الزجاج وليس يعني به التحية وإنما معناه أن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله وسخطه والدليل على أنه ليس بسلام أنه ليس بابتداء لقاء وخطاب
قوله تعالى على من كذب أي بما جئنا به وأعرض عنه
قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى قال فما بال القرون الأولى قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهي منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى

قوله تعالى قال فمن ربكما في الكلام محذوف معناه معلوم وتقديره فأتياه فأديا الرسالة قال الزجاج و إنما لم يقل فأتياه لأن في الكلام دليلا على ذلك لأن قوله فمن ربكما يدل على أنهما أتياه وقالا له
قوله تعالى أعطي كل شيء خلقه فيه ثلاثة أقوال
أحدها أعطى كل شيء صورته فخلق كل جنس من الحيوان على غير صورة جنسه فصوره أبن آدم لا كصورة البهائم وصورة البعير لا كصورة الفرس روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير
والثاني أعطى كل ذكر زوجه رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال السدي فيكون المعنى أعطى كل حيوان ما يشاكله
والثالث أعطى كل شيء ما يصلحه قاله قتادة
وفي قوله ثم هدى ثلاثة أقوال
أحدها هدى كيف يأتي الذكر الأنثى رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال ابن جبير
والثاني هدى للمنكح والمطعم والمسكن رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثالث هدى كل شيء إلى معيشته قاله مجاهد وقرأ عمر بن الخطاب وابن عباس والأعمش وابن السميفع ونصير عن الكسائي أعطى كل شيء خلقه بفتح اللام
فان قيل ما وجه الاحتجاج على فرعون من هذا
فالجواب أنه قد ثبت وجود خلق وهداية فلا بد من خالق وهاد
قوله تعالى قال فما بال القرون الأولى اختلفوا فيما سأل عنه من حال القرون الأولى على ثلاثة أقوال

أحدها أنه سأله عن أخبارها وأحاديثها ولم يكن له بذلك علم إذ التوراة إنما نزلت عليه بعد هلاك فرعون فقال علمها عند ربي هذا مذهب مقاتل وقال غيره أراد إني رسول وأخبار الأمم علم غيب فلا علم لي بالغيب
والثاني أن مراده من السؤال عنها لم عبدت الأصنام ولم لم يعبد الله إن كان الحق ما وصفت
والثالث أن مراده ما لها لا تبعث ولا تحاسب ولا تجازى فقال علمها عند الله أي علم أعمالها وقيل الهاء في علمها كناية عن القيامة لأنه سأله عن بعث الأمم فأجابه بذلك
وقوله في كتاب أراد اللوح المحفوظ
قوله تعالى لا يضل ربي ولا ينسى وقرأ عبد الله بن عمرو وعاصم الجحدري وقتادة وابن محيصن لا يضل بضم الياء وكسر الضاد أي لا يضيعه وقرأ أبو المتوكل وابن السميفع لا يضل بضم الياء وفتح الضاد وفي هذه الآية توكيد للجزاء على الأعمال والمعنى لا يخطئ ربي ولا ينسى ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم وقيل أراد لم يجعل ذلك في كتاب لأنه يضل وينسى
قوله تعالى الذي جعل لكم الأرض مهادا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر مهادا وقرأ عاصم وحمزة والكسائي مهدا بغير ألف والمهاد الفراش و المهد الفرش وسلك لكم أي أدخل لأجلكم في الأرض طرقا تسلكونها وأنزل من السماء ماء يعني المطر

وهذا آخر الإخبار عن موسى ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله فأخرجنا به يعني بالماء أزواجا من نبات شتى أي أصنافا مختلفة في الألوان والطعوم كل صنف منها زوج وشتى لا واحد له من لفظه كلوا أي مما أخرجنا لكم من الثمار وارعوا أنعامكم يقال رعى الماشية يرعاها إذا سرحها في المرعى ومعنى هذا الأمر التذكير بالنعم إن في ذلك لآيات أي لعبرا في اختلاف الألوان والطعوم لأولي النهى قال الفراء لذوي العقول يقال للرجل إنه لذو نهية إذا كان ذا عقل قال الزجاج واحد النهى نهية يقال فلان ذو نهية أي ذو عقل ينتهي به عن المقابح ويدخل به في المحاسن قال وقال بعض أهل اللغة ذو النهية الذي ينتهى الى رأيه وعقله وهذا حسن أيضا
قوله تعالى منها خلقناكم يعني الأرض المذكورة في قوله جعل لكم الأرض مهادا والإشارة بقوله خلقناكم إلى آدم والبشر كلهم منه وفيها نعيدكم بعد الموت ومنها نخرجكم تارة أي مرة أخرى بعد البعث يعني كما أخرجناكم منها أولا عند خلق آدم من الأرض
ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان

لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى
قوله تعالى ولقد أريناه يعني فرعون آياتنا كلها يعني التسع الآيات ولم ير كل آية الله لأنها لا تحصى فكذب أي نسب الآيات الى الكذب وقال هذا سحر وأبى أن يؤمن قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا يعني مصر بسحرك أي تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك فتملكها وتخرجنا منها فلنأتينك بسحر مثله أي فلنقابلن ما جئت به من السحر بمثله فاجعل بيننا وبينك موعدا أي اضرب بيننا وبينك اجلا وميقاتا لا نخلفه أي لا نجاوزه نحن ولا أنت مكانا وقيل المعنى أجعل بيننا وبينك موعدا مكانا نتواعد لحضورنا ذلك المكان ولا يقع منا خلاف في حضوره سوى قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو والكسائي بكسر السين وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وخلف ويعقوب سوى بضمها وقرأ أبي بن كعب وابو المتوكل وابن أبي عبلة مكانا سواء بالمد والهمز والنصب والتنوين وفتح السين وقرأ ابن مسعود مثله إلا أنه كسر السين قال أبو عبيدة هو اسم للمكان النصف فيما بين الفريقين والمعنى مكانا تستوي مسافته على الفريقين فتكون مسافة كل فريق اليه كمسافة الفريق الآخر قال موعدكم يوم الزينة قرأ الجمهور برفع الميم وقرأ الحسن ومجاهد وقتادة وابن أبي عبلة وهبيرة عن حفص بنصب الميم وفي هذا اليوم أربعة أقوال
أحدها يوم عيد لهم رواه أبو صالح عن ابن عباس والسدي عن أشياخه وبه قال مجاهد وقتادة وابن زيد

والثاني يوم عاشوراء رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثالث يوم النيروز ووافق ذلك يوم السبت أقول يوم من السنة رواه الضحاك عن ابن عباس
والرابع يوم سوق لهم قاله سعيد بن جبير
وأما رفع اليوم فقال البصريون التقدير وقت موعدكم يوم الزينة فناب الموعد عن الوقت وارتفع به ما كان يرتفع بالوقت إذا ظهر فأما نصبه فقال الزجاج المعنى موعدكم يقع يوم الزينة وان يحشر الناس موضع أن رفع المعنى موعدكم حشر الناس ضحى أي إذا رأيتم الناس قد حشروا ضحى ويجوز أن تكون أن في موضع خفض عطفا على الزينة المعنى موعدكم يوم الزينة ويوم حشر الناس ضحى وقرأ ابن مسعود وابن يعمر وعاصم الجحدري وأن تحشر بتاء مفتوحة ورفع الشين ونصب الناس وعن ابن مسعود والنخعي وان يحشر بالياء المفتوحة ورفع الشين ونصب الناس
قال المفسرون أراد بالناس أهل مصر وبالضحى ضحى اليوم وإنما علقه بالضحى ليتكامل ضوء الشمس واجتماع الناس فيكون أبلغ في الحجة وأبعد من الريبة
فتولى فرعون فيه قولان
أحدهما أن المعنى تولى عن الحق الذي أمر به
والثاني أنه انصرف إلى منزله لاستعداد ما يلقى به موسى فجمع كيده أي مكره وحيلته ثم أتى أي حضر الموعد قال لهم موسى أي للسحرة وقد ذكرنا عددهم في الأعراف 114

قوله تعالى ويلكم قال الزجاج هو منصوب على ألزمكم الله ويلا ويجوز أن يكون على النداء كقوله تعالى يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا يس 52
قوله تعالى لا تفتروا على الله كذبا قال ابن عباس لا تشركوا معه احدا
قوله تعالى فيسحتكم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وابو بكر عن عاصم فيسحتكم بفتح الياء من سحت وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم فيسحتكم بضم الياء من أسحت قال الفراء ويسحت أكثر وهو الاستئصال والعرب تقول سحته الله وأسحته قال الفرزدقز ... وعض زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلف ...
هكذا أنشد البيت الفراء والزجاج ورواه أبو عبيدة الا مسحت او مجلف بالرفع

قوله تعالى فتنازعوا أمرهم بينهم يعني السحرة تناظروا فيما بينهم في أمر موسى وتشاوروا وأسروا النجوى أي أخفوا كلامهم من فرعون وقومه وقيل من موسى وهارون وقيل أسروا هاهنا بمعنى أظهروا
وفي ذلك الكلام الذي جرى بينهم ثلاثة أقوال
أحدها أنهم قالوا إن كان هذا ساحرا فانا سنغلبه وإن يكن من السماء كما زعمتم فله أمره قاله قتادة
والثاني أنهم لما سمعوا كلام موسى قالوا ما هذا بقول ساحر ولكن هذا كلام الرب الأعلى فعرفوا الحق ثم نظروا الى فرعون وسلطانه والى موسى وعصاه فنكسوا على رؤوسهم وقالو إن هذان لساحران قاله الضحاك ومقاتل
والثالث أنه قالوا إن هذان لساحران الآيات قاله السدي
واختلف القراء في قوله تعالى إن هذان لساحران فقرأ ابو عمرو ابن العلاء إن هذين على إعمال إن وقال إني لأستحيي من الله أن أقرأ إن هذان وقرأ ابن كثير إن خفيفه هذان بتشديد النون وقرأ عاصم في رواية حفص إن خفيفة هذان خفيفه أيضا وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي إن بالتشديد هاذان بألف ونون خفيفة فأما قراءة ابي عمرو فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روي عن عثمان وعائشة أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى والمقيمين الصلاة في سورة النساء 162 وأما قراءة عاصم فمعناها ما هذان الا ساحران

كقوله تعالى وإن نظنك لمن الكاذبين الشعراء 186 أي ما نظنك إلا من الكاذبين وأنشدوا في ذلك ... ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما ... حلت عليه عقوبة المتعمد ...
أي ما قتلت إلا مسلما قال الزجاج ويشهد لهذه القراءة ما روي عن أبي ابن كعب أنه قرأ ما هذان الا ساحران وروي عنه إن هذان إلا ساحران ورويت عن الخليل إن هذان بالتخفيف والإجماع على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل فأما قراءة الأكثرين بتشديد إن وإثبات الألف في قوله هاذان فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال هي لغة بلحارث بن كعب وقال ابن الأنباري هي لغة لبني الحارث بن كعب وافقتها لغة قريش قال الزجاج وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو راس من رؤوس الرواة أنها لغة لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد يقولون أتاني الزيدان ورايت الزيدان ومررت بالزيدان وأنشدوا ... فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ... مساغا لناباه الشجاع لصمما ...
ويقول هؤلاء ضربته بين أدناه وقال النحويون القدماء هاهنا هاء مضمرة

المعنى إنه هذان لساحران وقالوا أيضا إن معنى أن نعم هذان لساحران وينشدون ... ويقلن شيب قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه ...
قال الزجاج والذي عندي وكنت عرضته على عالمنا محمد بن يزيد وعلى أسماعيل ابن اسحاق بن حماد بن زيد فقبلاه وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا وهو أن إن قد وقعت موقع نعم والمعنى نعم هذان لهما الساحران ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة واستحسن هذه القراءة لأنها مذهب أكثر القراء وبها يقرأ واستحسن قراءة عاصم والخليل لأنهما إمامان ولأنهما وافقا أبي بن كعب في المعنى ولا أجيز قراءة أبي عمرو لخلاف المصحف وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال الف هذان هي ألف هذا والنون فرقت بين الواحد والتثنية كما فرقت نون الذين بين الواحد والجمع
قوله تعالى ويذهبا بطريقتكم وقرأ أبان عن عاصم ويذهبا بضم الياء وكسر الهاء وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو وأبو رجاء العطاردي ويذهبا بالطريقة بألف ولام مع حذف الكاف والميم وفي الطريقة قولان
أحدهما بدينكم المستقيم رواه الضحاك عن ابن عباس وقال ابو عبيدة بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه يقال فلا حسن الطريقة

والثاني بأمثلكم رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وقال مجاهد بأولي العقل والاشراف والأسنان وقال الشعبي يصرفان وجوه الناس اليهما قال الفراء الطريقة الرجال الاشراف تقول العرب للقوم الأشراف هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم
فأما المثلى فقال ابو عبيدة هي تأنيث الأمثل تقول في الإناث خذ المثلى منهما وفي الذكور خذ الأمثل وقال الزجاج ومعنى المثلى والأمثل ذو الفضل الذي به يستحق أن يقال هذا أمثل قومه قال والذي عندي أن في الكلام محذوفا والمعنى يذهبا بأهل طريقتكم المثلى وقول العرب هذا طريقة قومه أي صاحب طريقتهم
قوله تعالى فأجمعوا كيدكم قرأ الأكثرون فأجمعوا بقطع الألف من أجمعت والمعنى يكون عزمكم مجمعا عليه لا تختلفوا فيختل أمركم قال الفراء والإجماع الإحكام والعزيمة على الشيء تقول أجمعت على الخروج وأجمعت الخروج تريد أزمعت قال الشاعر ... يا ليت شعري والمنى لا تنفع ... هل أغدون يوما وأمري مجمع ...
يريد قد أحكم وعزم عليه وقرأ أبو عمرو فاجمعوا بفتح الميم من جمعت يريد لا تدعوا من كيدكم شيئا الا جئتم به فأما كيدهم فالمراد به سحرهم ومكرهم
قوله تعالى ثم ائتوا صفا أي مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم وأشد لهيبتكم قال أبو عبيدة صفا أي صفوفا وقال ابن قتيبة صفا بمعنى جمعا قال الحسن كانوا خمسة وعشرين صفا كل الف ساحر صف

قوله تعالى وقد أفلح من استعلى قال ابن عباس فاز من غلب
قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هرون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وارجلكم من خلاف ولاصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحيوة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى
قوله تعالى بل ألقوا قال ابن الأنباري دخلت بل لمعنى جحد في الأية الأولى لأن الآية الأولى إذا تؤملت وجدت مشتملة على إما أن تلقي وإما أن لا تلقي
قوله تعالى وعصيهم قرأ الحسن وأبو رجاء العطاردي وأبو عمران الجوني وابو الجوزاء وعصيم برفع العين
قوله تعالى يخيل اليه وقرأ ابو رزين العقيلي وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والزهري وابن أبي عبلة تخيل بالتاء اليه أي

الى موسى يقال خيل اليه اذا شبه له وقد استدل قوم بهذه الآية على أن السحر ليس بشيء وقال إنما خيل الى موسى فالجواب أنا لا ننكر أن يكون ما رآه موسى تخييلا وليس بحقيقة فانه من الجائز أن يكونو تركوا الزئبق في سلوخ الحيات حتى جرت وليس ذلك بحيات فأما السحر فانه يؤثر وهو أنواع وقد سحر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أثر فيه

ولعن العاضهة وهي الساحرة
قوله تعالى فأوجس في نفسه خيفة موسى قال ابن قتيبة أضمر في نفسه خوفا وقال الزجاج أصلها خوفه ولكن الواو قلبت ياء لانكسار ما قبلها
وفي خوفه قولان
أحدهما أنه خوف الطبع البشري

والثاني أنه لما رأى سحرهم من جنس ما أراهم في العصى خاف أن يلتبس على الناس أمره ولا يؤمنوا فقيل له لا تخف إنك أنت الأعلى عليهم بالظفر والغلبة وهذا أصح من الأول
قوله تعالى وألق ما في يمينك يعني العصا تلقف وقرأ ابن عامر تلقف ما برفع الفاء وتشديد القاف وروى حفص عن عاصم تلقف خفيفة وكان ابن كثير يشدد التاء من تلقف يريد تتلقف وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بن جبير وأبو رجاء تلقم بالميم وقد شرحناها في الأعراف 117 إنما صنعوا كيد ساحر قرأ حمزة والكسائي وخلف كيد السحر وقرأ الباقون كيد ساحر بألف والمعنى إن الذي صنوا يد ساحر أي عمل ساحر وقرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني إنما صنعوا كيد بنصب الدال ولا يفلح الساحر قال ابن عباس لا يسعد حيثما كان وقيل لا يفوز وروى جندب بن عبدالله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا أخذتم الساحر فاقتلوه ثم قرأ ولا يفلح الساحر حيث أتى قال لا يأمن حيث وجد
قوله تعالى قال آمنتم له قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وورش عن نافع آمنتم له على لفظ الخبر وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر آمنتم له بهمزة ممدودة وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم أآمنتم له بهمزتين الثانية ممدودة

قوله تعالى إنه لكبيركم قال ابن عباس يريد معلمكم قال الكسائي الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه قال جئت من عند كبيري
قوله تعالى ولأصلبنكم في جذوع النخل في بمعنى على ومثله أم لهم سلم يستمعون فيه الطور 38 ولتعلمن أيها السحرة اينا أشد عذابا لكم وأبقى أي أدوم أنا على إيمانكم أو رب موسى على تركهم الايمان به قالوا لن نؤثرك أي لن نختارك على ما جاءنا من البينات يعنون اليد والعصى
فان قيل لم نسبوا الآيات إلى أنفسهم بقولهم جاءنا وإنما جاءت عامة لهم ولغيرهم
فالجواب أنهم لما كانوا بأبواب السحر ومذاهب الاحتيال أعرف من غيرهم وقد علموا أن ما جاء به موسى ليس بسحر كان ذلك في حق غيرهم أبين وأوضح وكانوا هم لمعرفته أخص
وفي قوله تعالى والذي فطرنا وجهان ذكرهما الفراء والزجاج
أحدهما أن المعنى لن نؤثرك على ماجاءنا من البينات وعلى الذي فطرنا
والثاني أنه قسم تقديره وحق الذي فطرنا
قوله تعالى فاقض ما أنت قاض أي فاصنع ما أنت صانع واصل القضاء عمل باحكام إنما تقضي هذه الحياة الدنيا قال الفراء إنما حرف واحد فلهذا نصب الحياة الدنيا ولو قرأ قارىء برفع الحياة لجاز على أن يجعل ما في مذهب الذي كقولك إن الذي تقضي هذه الحياة الدنيا وقرأ ابن أبي عبلة وأبو المتوكل إنما تقضى بضم التاء على مالم يسم فاعله الحياة برفع التاء قال المفسرون والمعنى إنما سلطانك وملكك في هذه الدنيا لا في الآخرة

قوله تعالى ليغفر لنا يعنون الشرك وما أكرهتنا عليه أي والذي أكرهتنا عليه أي ويغفر لنا إكراهك إيانا على السحر
فان قيل كيف قالوا أكرهتنا وقد قالوا أإن لنا لأجرا وفي هذا دليل على أنهم فعلوا السحر غير مكرهين فعنه أربعة أجوبة
أحدها أن فرعون كان يكره الناس على تعلم السحر قال ابن عباس قال ابن الأنباري كان يطالب بعض أهل مملكته بأن يعلموا أولادهم السحر وهم لذلك كارهون وذلك لشغفه بالسحر ولما خامر قلبه من خوف موسى فالإكراه على السحر هو الإكراه على تعلمه في أول الأمر
والثاني أن السحرة لما شاهدوا موسى بعد قولهم أئن لنا لأجرا ورأوا ذكره الله تعالى وسلوكه منهاج المتقين جزعوا من ملاقاته بالسحر وحذروا أن يظهر عليهم فيطلع على الضعف صناعتهم فتفسد معيشتهم فلم يقنع فرعون منهم الا بمعارضة موسى فكان هذا هو الإكراه على السحر
والثالث أنهم خافوا أن يغلبوا في ذلك الجمع فيقدح ذلك في صنعتهم عند الملوك والسوق وأكرههم فرعون على فعل السحر
والرابع أن فرعون أكرههم على مفارقة أوطانهم وكان سبب ذلك السحر ذكره هذه الأقوال ابن الأنباري
قوله تعالى والله خير أي خير منك ثوابا إذا أطبع وأبقى عقابا إذا عصي وهذا جواب قوله ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى وهذا آخر الإخبار عن السحرة
إنه من يأت ربه مجرما فان له جهنم لا يموت فيها

ولا يحيى ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيه وذلك جزاؤا من تزكى
قوله تعالى إنه من يأت ربه مجرما يعني مشركا فان له جهنم لا يموت فيها فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه
أنشد ابن الأنباري في مثل هذا المعنى قوله ... ألا من لنفس لا تموت فينقضي ... شقاها ولا تحيا حياة لها طعم ...
قوله تعالى قد عمل الصالحات قال ابن عباس قد أدى الفرائض فأولئك لهم الدرجات العلى يعني درجات الجنة وبعضها أعلى من بعض والعلى جمع العليا وهو تأنيث الأعلى قال ابن الأنباري وإنما قال فأولئك لأن من تقع بلفظ التوحيد على تأويل الجمع فاذا غلب لفظها وحد الراجع اليها وإذا بين تأويلها جمع المصروف اليها
قوله تعالى وذلك يعني الثواب جزاء من تزكى أي تطهر من الكفر والمعاصي
ولقد أوحينا الى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى يا بني اسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم

غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى
قوله تعالى أن اسر بعبادي أي سر بهم ليلا من أرض مصر فاضرب لهم طريقا أي اجعل لهم طريقا في البحر يبسا قرأ أبو المتوكل والحسن والنخعي يبسا باسكان الياء وقرأ الشعبي وأبو رجاء وابن السميفع يابسا بألف قال أبو عبيدة اليبس متحرك الحروف بمعنى اليابس يقال شاة يبس أي يابسة ليس لها لبن وقال ابن قتيبة يقال لليابس يبس ويبس
قوله تعالى لا تخاف قرأ الأكثرون بألف وقرأ أبان وحمزة عن عاصم لا تخف قال الزجاج من قرأ لا تخاف فالمعنى لست تخاف ومن قرأ لا تخف فهو نهي عن الخوف قال الفراء قرأ حمزة لا تخف بالجزم ورفع ولا تخشى على الاستئناف كقوله تعالى يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون آل عمران 111 استأنف ب ثم فهذا مثله ولو نوى حمزة بقوله ولا تخش الجزم وإن كانت فيه الياء كان صوابا قال ابن قتيبة ومعنى دركا لحاقا قال المفسرون قال أصحاب موسى هذا فرعون قد أدركنا وهذا البحر بين أيدينا فأنزل الله على موسى لا تخاف دركا أي من فرعون ولا تخشى غرقا في البحر
قوله تعالى فأتبعهم فرعون قال ابن قتيبة لحقهم وروى هارون عن أبي عمرو فاتبعهم بالتشديد وقال الزجاج تبع الرجل الشيء وأتبعه بمعنى واحد ومن قرأ بالتشديد ففيه دليل على أنه اتبعهم ومعه الجنود ومن قرأ فاتبعهم فمعناه ألحق جنوده بهم وجائز أن يكون معهم على هذا اللفظ

وجائز أن لا يكون إلا انه قد كان معهم فغشيهم من اليم ما غشيهم أي فغشيهم من ماء البحر ما غرقهم وقال ابن الأنباري ويعني بقوله ما غشيهم البعض الذي غشيهم لأنه لم يغشهم كل مائه وقرأ ابن مسعود وعكرمة وابو رجاء والأعمش فغشاهم من اليم ما غشاهم بألف فيهما مع تشديد الشين وحذف الياء
قوله تعالى واضل فرعون قومه أي دعاهم الى عبادته وما هدى أي ما أرشدهم حين أوردهم موارد الهلكة وهذا تكذيب له في قوله وما أهديكم الا سبيل الرشاد غافر 29
قوله تعالى وواعدناكم جانب الطور الأيمن لأخذ التوارة وقد ذكرناه في مريم 52 معنى الأيمن وذكرناه في البقرة 57 المن والسلوى
قوله تعالى كلوا أي وقلنا لهم كلوا
قوله تعالى ولا تطغوا فيه ثلاثة أقوال
أحدهما لا تبطروا في نعمي فتظلموا والثاني لا تجحدوا نعمي فتكونوا طاغين والثالث لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليلة
قوله تعالى فيحل عليكم غضبي أي فتحب لكم عقوبتي والجمهور قرؤوا فيحل بكسر الحاء ومن يحلل بكسر اللام وقرأ الكسائي فيحل بضم الحاء ومن يحلل بضم اللام قال الفراء والكسر أحب الي لأن الضم من الحلول ومعناه الوقوع ويحل بالكسر يجب وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع
قوله تعالى فقد هوى أي هلك
قوله تعالى وإني لغفار الغفار الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد أخرى فكلما تكررت ذنوبهم تكررت مغفرته وأصل الغفر الستر وبه سمي زئبر الثوب

غفرا لأنه يستر سداه فالغفار الستار لذنوب عبادة المسبل عليهم ثوب عطفه
قوله تعالى لمن تاب قال ابن عباس لمن تاب من الشرك وآمن أي وحد الله وصدقه وعمل صالحا أدى الفرائض
وفي قوله تعالى ثم اهتدى ثمانية أقوال
أحدها علم أن لعمله هذا ثوابا رواه ابو صالح عن ابن عباس والثاني لم شكك رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس والثالث علم أن ذلك توفيق من الله له رواه عطاء عن ابن عباس والرابع لزم السنة والجماعة قاله سعيد ابن جبير والخامس استقام قاله الضحاك والسادس لزم الإسلام حتى يموت عليه قاله قتادة والسابع اهتدى كيف يعمل قاله زيد بن أسلم والثامن اهتدى إلى ولاية بيت النبي صلى الله عليه و سلم قاله ثابت البناني
وما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثري وعجلت اليك رب لترضى قال فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري فرجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال يا قوم الم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فاخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا
قوله تعالى وما أعجلك عن قومك يا موسى قال المفسرون لما نجى الله تعالى بني اسرائيل وأغرق فرعون قالوا يا موسى لو أتيتنا بكتاب من

عند الله فيه الحلال والحرام والفرائض فأوحى الله اليه يعده أنه ينزل عليه ذلك في الموضع الذي كلمه فيه فاختار سبعين فذهبوا معه الى الطور لأخذ التوارة فعجل موسى من بينم شوقا الى ربه وأمرهم بلحاقه فقال الله تعالى له ما الذي حملك على العجلة عن قومك قال هم أولاء أي هؤلاء على أثري وقرأ ابو رزين العقيلي وعاصم الجحدري على إثري بكسر الهمزة وسكون الثاء وقرأ عكرمة وأبو المتوكل وابن يعمر برفع الهمزة وسكون الثاء وقرأ ابو رجاء وابو العالية بفتح الهمزة وسكون الثاء والمعنى هم بالقرب مني يأتون بعدي وعجلت اليك رب لترضى أي لتزداد رضى قال فانا قد فتنا قومك قال الزجاج ألقيناهم في فتنة ومحنة واختبرناهم
قوله تعالى من بعدك أي من بعد انطلاقك من بينهم وأضلهم السامري أي كان سببا لإضلالهم وقرأ معاذ القارىء وأبو المتوكل وعاصم الجحدري وابن السميفع واضلهم برفع اللام وقد شرحناه في البقرة 52 سبب اتخاذ السامري العجل وشرحنا في الأعراف 150 معنى قوله تعالى غضبان أسفا
قوله تعالى ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أي صدقا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها إعطاء التوراة والثاني قوله لئن أقمتم الصلاة إلى قوله لأكفرن عنكم سيآتكم الآية المائدة 13 وقوله وإني لغفار لمن تاب طه 82 والثالث النصر والظفر
قوله تعالى أفطال عليكم العهد أي مدة مفارقتي إياكم أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم أن تصنعوا صنيعا يكون سبب لغضب ربكم فأخلفتم موعدي أي عهدي وكانوا قد عاهدوه أنه إن فكهم الله م ملكة آل فرعون أن يعبدوا

الله ولا يشركوا به ويقيموا الصلاة وينصروا الله ورسله قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر الميم وقرأ نافع وعاصم بفتح الميم وقرا حمزة والكسائي بضم الميم قال أبو علي وهذه لغات وقال الزجاج الملك بالضم السلطان والقدرة والملك بالكسر ما حوته اليد والملك بالفتح المصدر يقال ملكت الشيء أملكه ملكا
وللمفسرين في معنى الكلام أربعة أقوال
أحدها ما كنا نملك الذي اتخذ منه العجل ولكنها كانت زينة آل فرعون فقذفناها قاله ابن عباس
والثاني بطاقتنا قاله قتادة والسدي
والثالث لم نملك أنفسنا عند الوقوع في البلية قاله ابن زيد
والرابع لم يملك مؤمنونا سفهاءنا ذكره الماوردي
فيخرج فيمن قال هذا لموسى قولان أحدهما أنهم الذين لم يعبدوا العجل والثاني عابدوه
قوله تعالى ولكنا حملنا أوزارا قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم حملنا بضم الحاء وتشديد الميم وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم حملنا خفيفة والأوزار الاثقال والمراد بها حلي آل فرعون الذي كانوا استعاروه منهم قبل خروجهم من مصر فمن قرأ حملنا بالتشديد فالمعنى حملناها موسى أمرنا باستعارتها من آل فرعون فقذفناها أي طرحناها في الحفيرة وقد ذكرنا سسب قذفهم إياها في سورة البقرة 52
قوله تعالى فكذلك ألقى السامري فيه قولان

أحدهما أنه ألقى حليا كما ألقوا
والثاني ألقى ما كان معه من تراب حافر فرس جبريل وقد سبق شرح القصة في البقرة 52 وذكرناه في الأعراف 148 معنى قوله تعالى عجلا جسدا له خوار
قوله تعالى فقالوا هذ إلهكم هذا قول السامري ومن وافقه من الذين افتتنوا
قوله تعالى فنسي في المشار اليه بالنسيان قولان
أحدهما أنه موسى ثم في المعنى ثلاثة أقوال أحدها هذا آلهكم وآله موسى فنسي موسى أن يخبركم أن هذا آلهه رواه عكرمة عن ابن عباس والثاني فنسي موسى الطريق الى ربه روي عن ابن عباس ايضا والثالث فنسي موسى الهه عندكم وخالفه في طريق اخر قاله قتادة
والثاني أنه السامري والمعنى فنسي السامري إيمانه وإسلامه قاله ابن عباس وقال مكحول فنسي أي فترك السامري ما كان عليه من الدين وقيل فنسي أن العجل لا يرجع اليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا فعلى هذا القول يكون قوله تعالى فنسي من إخبار الله عز و جل عن السامري وعلى ما قبله فيمن قاله قولان
أحدهما أنه السامري والثاني بنو اسرائيل
قوله تعالى أفلا يرون ألا يرجع قال الزجاج المعنى أفلا يرون أنه لا يرجع اليهم قولا
ولقد قال لهم هرون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا أمري قالوا لن نبرح

عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى قال يا فرون ما منعك اذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال يا بنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي
قوله تعالى ولقد قال لهم هارون من قبل أي من قبل أن يأتي موسى يا قوم إنما فتنتم به أي ابتليتم وإن ربكم الرحمن لا العجل قالوا لن نبرح عليه عاكفين أي لن نزال مقيمين على عبادة العجل حتى يرجع الينا موسى فلما رجع موسى قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا بعبادة العجل ألا تتبعني قرأ ابن كثير وأبو عمرو ألا تتبعني بياء في الوصل ساكنة ويقف ابن كثير بالياء وأبو عمرو بغير ياء وروى اسماعيل بن جعفر عن نافع ألا تتبعني أفعصيت بياء منصوبة وروى قالون عن نافع مثل أبي عمرو سواء وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في الوصل والوقف والمعنى ما منعك من اتباعي ولا كلمة زائدة
وفي المعنى ثلاثة أقوال
أحدها تسير ورائي بمن معك من المؤمنين وتفارقهم رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثاني أن تناجزهم القتال رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثالث في الإنكار عليهم قاله مقاتل
قوله تعالى أفعصيت أمري وهو قوله في وصيته إياه أخلفني في قومي وأصلح قال المفسرون ثم أخذ برأس اخيه ولحيته غضبا منه عليه وهذا وإن لم

بذكر هاهنا فقد ذكر في الأعراف 150 فاكتفي بذلك وقد شرحناه هناك معنى يا ابن ام واختلاف القراء فيها
قوله تعالى ولا برأسي أي بشعر رأسي وهذا الغضب كان لله عز و جل لا لنفسه لأنه وقع في نفسه أن هارون عصى الله بترك اتباع موسى
قوله تعالى إني خشيت أي إن فارقتهم واتبعتك أن تقول فرقت بين بني اسرائيل وفيه قولان
أحدهما باتباعي اياك ومن معي من المؤمنين والثاني بقتالي لبعضهم ببعض
وفي قوله تعالى ولم ترقب قولي قولان
أحدهما لم ترقب قولي لك أخلفني في قومي واصلح
والثاني لم تنتظر امري فيهم
قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بمالم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فان لك في الحيوة ان تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر الى الهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما الهكم الله الذي لا إله الا هو وسع كل شي علما
قوله تعالى فما خطب يا سامري أي ما أمرك وشأنك الذي دعاك الى ما صنعت قال ابن الأنباري وبعض اللغويين يقول الخطب مشتق من الخطاب المعنى ما أمرك الذي تخاطب فيه
واختلفوا في اسم السامري على قولين
احدهما موسى ايضا قاله وهب بن منبه وقال كان ابن عم موسى بن عمران

والثاني ميخا قاله ابن السائب
وهل كان من بني اسرائيل أم لا فيه قولان
أحدهما لم يكن منهم قاله ابن عباس
والثاني كان من عظمائهم وكان من قبيلة تسمى سامرة قاله قتادة وفي بلده قولان
أحدهما كرمان قاله سعيد بن جبير والثاني باجرما قاله وهب
قوله تعالى بصرت بما لم يبصروا به وقرأ حمزة والكسائي تبصروا بالتاء فعلى قراءة الجمهور أشار الى بني اسرائيل وعلىهذه القراءة خاطب الجميع قال ابو عبيدة علمت ما لم تعلموا قال وقوم يقولون بصرت وأبصرت سواء بمنزلة اسرعت وسرعت وقال الزجاج يقال بصر الرجل يبصر إذا صار عليما بالشيء وأبصر يبصر إذا نظر قال المفسرون فقال له موسى وما ذاك قال رأيت جبريل على فرس فألقي في نفسي أن اقبض من أثرها فقبضت قبضة وقر أبي بن كعب والحسن ومعاذ القارئ قبصة بالصاد وقال الفراء والقبضة بالكف كلها والقبصة بالصاد بأطراف الاصابع قال ابن قتيبه ومثل هذا الخضم بالفم كله والقضم بأطراف الاسنان والنضخ أكثر من النضح والرجز العذاب والرجس النتن والهلاس في البدن والسلاس في العقل والغلط في الكلام والغلت في الحساب والخصر الذي يجد البرد والخرص الذي يجد البرد والجوع والنار الخامدة التي قد سكن لهبها ولم يطفا جمرها والهامدة التي طفئت فذهبت البتة والشكد العطاء ابتداء فان كان جزاء فهو شكم والمائج الذي يدخل البئر فيملأ الدلو والماتح الذي ينزعها
قوله تعالى فنبذتها أي فقذفتها في العجل وقرأ ابو عمرو وحمزة

والكسائي وخلف فنبذتها بالإدعام وكذلك أي وكما حدثتك سولت لي نفسي أي زينت لي قال موسى اذهب أي من بيننا فان لك في الحياة أي ما دمت حيا أن تقول لا مساس أي لا أمس ولا امس فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع لا يمس أحدا ولا يمسه احد عاقبه الله بذلك وألهمه أن يقول لا مساس وكان إذا لقي أحدا يقول لا مساس أي لا تقربني ولا تمسني وصار ذلك عقوبة لولده حتى إن بقاياهم اليوم فيما ذكر أهل التفسير بأرض الشام يقولون ذلك وحكي أنه إن مس واحد من غيرهم واحدا منهم أخذتهما الحمى في الحال
قوله تعالى وإن لك موعدا أي لعذابك يوم القيامة لن تخلفه أي لن يتأخر عنك ومن كسر لام تخلف أراد لن تغيب عنه
قوله تعالى وانظر الى إلهك يعني العجل الذي ظلت قال ابن عباس معناه أقمت عليه وقال الفراء معنى ظلت فعلته نهارا وقرأ أبي بن كعب وابو الجوزاء وابن يعمر ظلت برفع الظاء وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء والأعمش وابن أبي عبلة ظلت بكسر الظاء وقال الزجاج ظلت وظلت بفتح الظاء وكسرها فمن فتح فالأصل فيه ظللت ولكن اللام حذفت لثقل التضعيف والكسر وبقيت الظاء على فتحها ومن قرأ ظلت بالكسر حول كسرة اللام على الظاء ومعنى عاكفا مقيما لنحرقنه قرأ الجمهور لنحرقنه بضم النون وفت الحاء وتشديد الراء وقرأ علي بن أبي طالب وأبو رزين وابن معمر لنحرقنه بفتح النون وسكون الحاء ورفع الراء مخففة وقرأ ابو هريرة والحسن وقتادة لنحرقنه برفع النون وإسكان الحاء وكسر الراء

مخففة قال الزجاج إذا شدد فالمعنى نحرقه مره بعد مرة وتأويل لنحرقنه لنبردنه يقال حرقت أحرق وأحرق إذا بردت الشيء والنسف التذرية وجاء في التفسير أن موسى أخذ العجل فذبحه فسال منه دم لأنه كان قد صار لحما ودما ثم أحرقه بالنار ثم أحرقه بالنار ثم ذراه في البحر ثم أخبرهم موسى عن إلههم فقال إنما إلهكم الله الذي لااله إلا هو أي هو الذي يستحق العبادة لاالعجل وسع كل شيء علما أي وسع علمه كل شيء
كذلك نقص عليك من أنباء ماقد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما
قوله تعالى كذلك نقص عليك أي كما قصصنا عليك يا محمد من نبأ موسى وقومه نقص عليك من أنباء ما قد سبق أي من أخبار من مضى والذكر هاهنا القرآن من أعرض عنه فلم يؤمن ولم يعمل بما فيه فانه يحمل يوم القيامة وقرأ عكرمة وأبو المتوكل وعاصم الجحدري يحمل برفع الياء وفتح الحاء وتشديد الميم وزرا أي إثما خالدين فيه أي في عذاب ذلك الوزر وساء لهم قال الزجاج المعنى وساء الوزر لهم يوم القيامة حملا وحملا منصوب على التمييز
قوله تعالى يوم ينفخ في الصور قرأ أبو عمرو ننفخ بالنون وقرأ الباقون من السبعة ينفخ بالياء على ما لم يسم فاعله وقرأ أبو عمران الجوني

يوم ينفخ بياء مفتوحة ورفع الفاء وقد سبق بيانه ونحشر المجرمين وقرأ أبي بن كعب وأبو الجوزاء وطلحة بن مصرف ويحشر بياء مفتوحة ورفع الشين وقرأ ابن مسعود والحسن وأبو عمران ويحشر بياء مرفوعة وفتح الشين المجرمون بالواو قال المفسرون والمراد بالمجرمين المشركون يومئذ زرقا وفيه قولان
أحدهما عميا رواه أبو صالح عن ابن عباس وقال ابن قتيبة بيض العيون من العمى قد ذهب السواد والناظر
والثاني زرق العيون من شدة العطش قاله الزهري والمراد أنه يشوه خلقهم بسواد الوجوه وزرق العيون
قوله تعالى يتخافتون بينهم أي يسار بعضهم بعضا إن لبثتم أي ما لبثتم إلا عشر ليال وهذا على طريق التقليل لاعلى وجه التحديد
وفي مرادهم بمكان هذا اللبث قولان
أحدهما القبور ثم فيه قولان أحدهما أنهم عنوا طول ما لبثوا فيها روى أبو صالح عن ابن عباس إن لبثتم بعد الموت إلا عشرا والثاني ما بين النفختين وهو أربعون سنة فانه يخفف عنهم العذاب حينئذ فيستقلون مدة لبثهم لهول ما يعاينون حكاه علي بن أحمد النيسابوري
والقول الثاني أنهم عنوا لبثهم في الدنيا قاله الحسن وقتادة
قوله تعالى إذ يقول أمثلهم طريقة أي أعقلهم وأعدلهم قولا إن لبثتم إلا يوما فنسي القوم مقدار لبثهم لهول ما عاينوا

ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا صفصفا لاترى فيها عوجا ولا أمتا يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا يومئذ لاتنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقران من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما قوله تعالى ويسألونك عن الجبال سبب نزولها أن رجالا من ثقيف أتوا رسول الله ص - فقالوا يا محمد كيف تكون الجبال يوم القيامة فنزلت هذه الآية رواه أبو صالح عن ابن عباس
قوله تعالى فقل ينسفها ربي نسفا قال المفسرون النسف التذرية والمعنى يصيرها رمالا تسيل سيلا ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح فتستأصلها فيذرها أي يدع أماكنها من الأرض إذا نسفها قاعا قال ابن قتيبة القاع من الأرض المستوي الذي يعلوه الماء والصفصف المستوي أيضا يريد أنه لا نبت فيها
قوله تعالى لا ترى فيها عوجا ولا أمتا في ذلك ثلاثة أقوال

أحدها ان المراد بالعوج الأودية وبالأمت الروابي رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وكذلك قال مجاهد العوج الانخفاض والأمت الارتفاع وهذا مذهب الحسن وقال ابن قتيبة الأمت النبك
والثاني أن العوج الميل والأمت الأثر مثل الشراك رواه العوفي عن ابن عباس
والثالث أن العوج الصدع والأمت الأكمة
قوله تعالى يومئذ يتبعون الداعي قال الفراء أي يتبعون صوت الداعي للحشر لا عوج لهم عن دعائه لا يقدرون أن لا يتبعوا
قوله تعالى وخشعت الأصوات أي سكنت وخفيت فلا تسمع إلا همسا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها وطء الأقدام رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وعكرمه ومجاهد في رواية واختاره الفراء والزجاج
والثاني تحريك الشفاه بغير نطق رواه سعيد بن جيير عن ابن عباس
والثالث الكلام الخفي روى عن مجاهد وقال أبو عبيدة الصوت الخفي
قوله تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة يعني لا تنفع أحدا إلا من أذن له الرحمن أي إلا شفاعة من أذن له الرحمن أي أذن أن يشفع له ورضي له قولا أي ورضي للمشفوع فيه قولا وهو الذي كان في الدنيا من أهل لا إله إلا الله يعلم ما بين أيديهم الكناية راجعة إلى الذين يتبعون الداعي وقد شرحنا هذه الآية في سورة البقرة 255
وفي هاء به قولان
أحدهما أنها ترجع إلى الله تعالى قاله مقاتل والثاني إلى ما بين أيديهم وما خلفهم قاله ابن السائب

قوله تعالى وعنت الوجوه قال الزجاج عنت في اللغة خضعت يقال عنا يعنو إذا خضع ومنه قيل أخذت البلاد عنوة إذا أخذت غلبة وأخذت بخضوع من اهلها والمفسرون على أن هذا في يوم القيامة إلا ما روي عن طلق بن حبيب هو وضع الجبهة والأنف والكفين والركبتين وأطراف القدمين على الأرض للسجود وقد شرحنا في آيةالكرسي معنى الحي القيوم البقرة 255
قوله تعالى وقد خاب من حمل ظلما قال ابن عباس خسر من أشرك بالله
قوله تعالى ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن من هاهنا للجنس وإنما شرط الإيمان لأن غير المؤمن لا يقبل عمله ولا يكون صالحا فلا يخاف أي فهو لا يخاف وقرأ ابن كثير فلا يخف على النهي
قوله تعالى ظلما ولا هضما فيه أربعة أقوال
أحدها لا يخاف أن يظلم فيزاد في سيئاته ولا أن يهضم من حسناته رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثاني لا يخاف أن يظلم فيزاد من ذنب غيره ولا أن يهضم من الأصح حسناته قاله قتادة
والثالث أن لا يخاف أن يؤاخذ بما لم يعمل ولا ينتقص من عمله الصالح قاله الضحاك
والرابع لا يخاف أن لا يجزى بعمله ولا أن ينقص من حقه قاله ابن زيد قال اللغويون الهضم النقص تقول العرب هضمت لك من حقي أي حططت ومنه فلان هضيم الكشحين أي ضامر الجنبين

ويقال هذا شيء يهضم الطعام أي ينقص ثقله وفرق بعض المفسرين بين الظلم والهضم فقال الظلم منع الحق كله والهضم منع البعض وإن كان ظلما أيضا
قوله تعالى وكذلك أنزلناه أي وكما بينا في هذه السورة أنزلناه أي أنزلناه هذا الكتاب قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد أي بينا فيه ضروب الوعيد قال قتادة يعني وقائعه في الأمم المكذبة
قوله تعالى لعلهم يتقون أي ليكون سببا لاتقائهم الشرك بالاتعاظ بمن قبلهم أو يحدث لهم أي يجدد لهم القرآن وقيل الوعيد ذكرا أي اعتبارا فيتذكروا به عقاب الأمم فيعتبروا وقرأ ابن مسعود وعاصم الجحدري أو نحدث بنون مرفوعة
قوله تعالى فتعالى الله أي جل عن إلحاد الملحدين وقول المشركين في صفاته الملك الذي بيده كل شيء الحق وقد ذكرناه في يونس 32
قوله تعالى ولا تعجل بالقرآن في سبب نزولها قولان
أحدهما أن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه و سلم بالسورة الآي فيتلوها عليه فلا يفرغ جبريل من آخرها حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم بأولها مخافة أن ينساها فنزلت هذه الآية رواه ابو صالح عن ابن عباس
والثاني أن رجلا لطم امرأته فجاءت الى رسول الله صلى الله عليه و سلم تطلب القصاص فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم بينهما القصاص فنزلت هذه الآية فوقف

رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزل قوله تعالى الرجال قوامون على النساء النساء 34 قاله الحسن البصري
قوله تعالى من قبل أن يقضى اليك وحيه وقرأ ابن مسعود والحسن ويعقوب نقضي بالنون وكسر الضاد وفتح الياء وحيه بنصب الياء
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها لا تعجل بتلاوته قبل ان يفرغ جبريل من تلاوته تخاف نسيانه هذا على القول الأول
والثاني لا تقرئ أصحابك حتى نبين لك معاينة قاله مجاهد وقتادة
والثالث لا تسأل إنزاله قبل أن يأتيك الوحي ذكره الماوردي
قوله تعالى وقل رب زدني علما فيه ثلاثة أقوال

أحدها زدني قرآنا قاله مقاتل والثاني فهما والثالث حفظا ذكرهما الثعلبي
ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لت تظمؤا فيها ولا تضحى فوسوس اليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهم سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتبه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فاما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك آتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى
قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم أي أمرناه وأوصيناه أن لا يأكل من الشجرة من قبل أي من قبل هؤلاء الذين نقضوا عهدي وتركوا

الإيمان في وهم الذين ذكرهم في قوله لعلهم يتقون والمعنى أنهم إن نقضوا العهد فان آدم قد عهدنا اليه فنسي
وفي هذا النسيان قولان
أحدهما أنه الترك قاله ابن عباس ومجاهد والمعنى ترك ما أمر به
والثاني أنه من النسيان الذي يخالف الذكر حكاه الماوردي
وقرأ معاذ القارئ وعاصم الجحدري وابن السميفع فنسي برفع النون وتشديد السين
قوله تعالى ولم نجد له عزما العزم في اللغة توطين النفس على الفعل وفي المعنى أربعة اقوال
أحدها لم نجد له حفظا رواه العوفي عن ابن عباس والمعنى لم يحفظ ما أمر به
والثاني صبرا قاله قتادة ومقاتل والمعنى لم يصبر عما نهي عنه
والثالث حزما قاله ابن السائب قال ابن الأنباري وهذا لا يخرج آدم من أولي العزم وإنما لم يكن له عزم في الأكل فحسب
والرابع عزما في العود الى الذنب ذكره الماوردي وما بعد هذا قد تقدم تفسيره البقرة 34 الى قوله تعالى فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى قال المفسرون المراد به نصب الدنيا وتعبها من تكلف الحرث والزرع والعجن والخبز وغير ذلك قال سعيد بن جبير أهبط الى آدم ثور أحمر فكان يعتمل عليه ويمسح العرق عن جبينه فذلك شقاؤه قال العلماء والمعنى فتشقيا وإنما لم يقل فتشقيا لوجهين

أحدهما أن آدم هو المخاطب فاكتفى به مثله عن اليمين وعن الشمال قعيد ق17 قاله الفراء
والثاني أنه لما كان آدم هو الكاسب كان التعب في حقه أكثر ذكره الماوردي
قوله تعالى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى قرأ ابي بن كعب لا تجاع ولا تعرى بالتاء المضمومة والألف وأنك لا تظمأ قر أابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأنك مفتوحة الألف وقرأ نافع وابو بكر عن عاصم وإنك بكسر الألف قال ابو علي من فتح حمله على أن لك أن لا تجوع وأن لك أن لا تظمأ ومن كسر استأنف
قوله تعالى لا تظمأ فيها أي لا تعطش يقال ظمئ الرجل ظمأ فهو ظمآن أي عطشان ومعنى لا تضحى لا تبرز للشمس فيصيبك حرها لأنه ليس في الجنة شمس
قوله تعالى هل أدلك عل شجرة الخلد أي على شجرة من أكل منها لم يمت وملك لا يبلى جديده ولا يفنى وما بعد هذا مفسر في الأعرف 22
وفي قوله تعالى فغوى قولان
أحدهما ضل طريق الخلود حيث أراده من قبل المعصية
والثاني فسد عليه عيشه لأن معنى الغي الفساد قال ابن الأنباري وقد غلط بعض المفسرين فقال معنى غوى أكثر مما أكل من الشجرة حتى بشم كما يقال غوى الفصيل إذا أكثر من لبن أمه فبشم فكاد يهلك وهذا خطأ من وجهين

أحدهما أنه لا يقال من البشم غوى يغوي وإنما يقال غوي يغوى
والثاني أن قوله تعالى فلما ذاقا الشجرة الأعراف 22 يدل على أنهما لم يكثرا ولم تتأخر عنهما العقوبة حتى يصلا الى الإكثار قال ابن قتيبة فنحن نقول في حق آدم عصى وغوى كما قال الله عز و جل ولا نقول آدم عاص وغاو كما تقول لرجل قطع ثوبه وخاطه قد قطعه وخاطه ولا تقول هذا خياط حتى يكون معاودا لذلك الفعل معروفا به
قوله تعالى ثم اجتباه ربه قد بينا الاجتباء في الأنعام 87 فتاب عليه وهدى أي هداه للتوبة قال اهبطا في المشار اليهما قولان
أحدهما آدم وإبليس قاله مقاتل
والثاني آدم وحواء قاله ابو سليمان الدمشقي ومعنى قوله تعالى بعضكم لبعض عدو آدم وذريته وإبليس وذريته والحية أيضا وقد شرحنا هذا في البقرة 36
قوله تعالى فمن اتبع هداي أي رسولي وكتابي فلا يضل ولا يشقى قال ابن عباس من قرأ القرآن واتبع ما فيه هداه الله من الضلالة ووقاه سوء الحساب ولقد ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية
قوله تعالى ومن أعرض عن ذكري قال عطاء عن موعظتي وقال ابن السائب عن القرآن ولم يؤمن به ولم يتبعه
قوله تعالى فان له معيشة ضنكا قال ابو عبيدة معناه معيشة ضيقة والضنك يوصف به الأنثى والذكر بغير هاء وكل عيش أو مكان أو منزل ضيق فهو ضنك وأنشد

وإن نزلوا بضنك فانزل
وقال الزجاج الضنك أصله في اللغة الضيق والشدة
وللمفسرين في المراد بهذه المعيشة خمسة أقوال
أحدها أنها عذاب القبر روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أتدرون ما المعيشة الضنك قالوا الله ورسوله أعلم قال عذاب الكافر في قبره والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنينا ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه الى يوم القيامة وممن ذهب الى أنه عذاب القبر ابن مسعود وأبو سعيد الخدري والسدي
والثاني أنه ضغطة القبر حتى تختلف أضلاعه فيه رواه عطاء عن ابن عباس
والثالث شدة عيشه في النار رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال الحسن وقتادة وابن زيد قال ابن السائب وتلك المعيشة من الضريع والزقوم
والرابع أن المعيشة الضنك كسب الحرام روى الضحاك عن ابن عباس قال المعيشة الضنك أن تضيق عليه أبواب الخير فلا يهتدى لشيء منها وله

معيشة حرام يركض فيها قال الضحاك فهذه المعيشة هي الكسب الخبيث وبه قال عكرمة
والخامس أن المعيشة الضنك المال الذي لا يتقي الله صاحبه فيه رواه العوفي عن ابن عباس
فخرج في مكان المعيشة ثلاثة أقوال
أحدها القبر والثاني الدنيا والثالث جهنم
وفي قوله تعالى ونحشره يوم القيامة أعمى قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم أعمى حشترتني أعمى بفتح الميمين وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بكسرهما وقرأ نافع بين الكسر والفتح ثم في هذا العمى للمفسرين قولان
أحدهما أعمى البصر روى أبو صالح عن ابن عباس قال إذا أخرج من القبر خرج بصيرا فاذا سيق الى المحشر عمي
والثاني أعمى عن الحجة قاله مجاهد وأبو صالح قال الزجاج معناه فلا حجة له يهتدي بها لأنه ليس للناس على الله حجة بعد الرسل
قوله تعالى كذلك أي الأمر كذلك كما ترى أتتك آياتنا فنسيتها أي فتركتها ولم تؤمن بها وكما تركتها في الدنيا تترك اليوم في النار وكذلك أي وكما ذكرناه نجزي من أسرف أي اشرك ولعذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ومن عذاب القبر وابقى لأنه يدوم
أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهي ولولا كلمة

سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آنائي الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى
قوله تعالى أفلم يهد لهم أي أفلم يتبين لكفار مكة إذا نظروا آثار من أهلكنا من الأمم وكانت قريش تتجر وترى مساكن عاد وثمود وفيها علامات الهلاك فذلك قوله تعالى يمشون في مساكنهم وروى زيد عن يعقوب أفلم نهد بالنون
قوله تعالى ولولا كلمة سبقت من ربك في تأخير العذاب عن هؤلاءالكفار الى يوم القيامة وقيل إلى يوم بدر وقيل إلى انقضاء أجالهم لكان لزاما أي لكان العذاب لزاما أي لازما لهم واللزام مصدر وصف به العذاب قال الفراء وابن قتيبة في هذه الآية تقديم وتأخير والمعنى ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاما
قوله تعالى فاصبر على ما يقولون أمر الله تعالى نبيه بالصبر على ما يسمع من أذاهم إلى أن يحكم الله فيهم ثم حكم فيهم بالقتل ونسخ بآية السيف إطلاق الصبر
قوله تعالى وسبح بحمد ربك أي صل له بالحمد له والثناء عليه قبل طلوع الشمس يريد الفجر وقبل غروبها يعني العصر ومن آناء الليل الآناء الساعات وقد بيناها في آل عمران 113 فسبح أي فصل
وفي المراد بهذه الصلاة أربعة أقوال
أحدها المغرب والعشاء رواه ابو صالح عن ابن عباس وبه قال قتادة
والثاني جوف الليل رواه العوفي عن ابن عباس

والثالث العشاء قاله مجاهد وابن زيد
والرابع أول الليل وأوسطه وأخره قاله الحسن
قوله تعالى وأطراف النهار المعنى وسبح أطراف النهار قال الفراء إنما هم طرفان فخرجا مخرج الجمع كقوله تعالى إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما الترحيم 4
وللمفسرين في المراد بهذه الصلاة ثلاثة أقوال
أحدها أنها الظهر قاله قتادة فعلى هذا إنما قيل لصلاة الظهر أطراف النهار لأن وقتها عند الزوال فهو طرف النصف الأول وطرف النصف الثاني
والثاني انها صلاة المغرب وصلاة الصبح قاله ابن زيد وهذا على ان الفجر في ابتداء الطرف الأول والمغرب في انتهاء الطرف الثاني
والثالث أنها الفجر والظهر والعصر فعلى هذا يكون الفحر من الطرف الأول والظهر والعصر من الطرف الثاني حكاه الفراء
قوله تعالى لعلك ترضى قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم ترضى بفتح التاء وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم بضمها فمن فتح فالمعنى لعلك ترضى ثواب الله الذي يعطيك ومن ضمها ففيه وجهان
أحدهما لعلك ترضى بما تعطى والثاني لعل الله أن يرضاك
ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى وامر أهلك بالصلوة واصطبر عليها لانسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى

قوله تعالى ولا تمدن عينيك سبب نزولها ما روى أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نزل ضيف برسول الله صلى الله عليه و سلم فدعاني فأرسلني الى رجل من اليهود يبيع طعاما فقال قل له إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بعني كذا وكذا من الدقيق أو اسلفني الى هلال رجب فأتيته فقلت له ذلك فقال اليهودي والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته فقال والله لو باعني أو أسلفني لقضيته وإني لأمين في السماء أمين في الأرض اذهب بدرعي الحديد اليه فنزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا قال أبي بن كعب من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على الدنيا وقد مضى تفسير هذه الآية في آخر الحجر 88
قوله تعالى زهرة الحياة الدنيا وقرأ ابن مسعود والحسن والزهري ويعقوب زهرة بفتح الهاء قال الزجاج وهو منصوب بمعنى متعنا لأن معنى متعنا جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة لنفتنهم فيه أي لنجعل ذلك فتنة لهم وقال ابن قتيبة لنختبرهم قال المفسرون زهرة الدنيا بهجتها وغضارتها وما يروق الناظر منها عند رؤيته وهو من زهرة النبات وحسنه
قوله تعالى ورزق ربك خير وأبقى فيه قولان
أحدهما أنه ثوابه في الآخرة والثاني القناعة
قوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة قال المفسرون المراد بأهله قومه ومن كان على دينه ويدخل في هذا اهل بيته
قوله تعالى واصطبر عليها أي واصبر على الصلاة لا نسألك رزقا

أي لا نكلفك رزقا لنفسك ولا لخلقنا إنما نأمرك بالعبادة ورزقك علينا والعاقبة للتقوى أي وحسن العاقبة لأهل التقوى وكان بكر بن عبد الله المزني إذا أصاب أهله خصاصة قال قوموا فصلوا ثم يقول بهذا أمر الله تعالى ورسوله ويتلو هذه الآية
وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينه ما في الصحف الأولى ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى
قوله تعالى وقالوا يعني المشركين لولا أي هلا يأتينا محمد بآية من ربه أي كآيات الأنبياء نحو الناقة والعصا أو لم يأتهم قرأ نافع وابو عمرو وحفص عن عاصم تأتهم بالتاء وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم يأتهم بالياء
قوله تعالى بينه ما في الصحف الأولى أي أولم يأتهم في القرآن بيان وما في الكتب من أخبار الأمم التي أهلكناها لما سألوا الآيات ثم كفروا بها فما يؤمنهم أن تكون حالهم في سؤال الآيات كحال أولئك ولو انا أهلكناهم يعني مشركي مكة بعذاب من قبله في الهاء قولان
احدهما أنها ترجع الى الكتاب قاله مقاتل والثاني الى الرسول قاله الفراء
قوله تعالى لقالوا يوم القيامة ربنا لولا أي هلا ارسلت الينا رسولا يدعونا الى طاعتك فنتبع آياتك أي نعمل بمقتضاها من قبل أن نذل

بالعذاب ونخزى في جهنم وقرأ ابن عباس وابن السميفع وأبو حاتم عن يعقوب نذل ونخزى برفع النون فيهما وفتح الذال قل لهم يا محمد كل منا ومنكم متربص أي نحن نتربص بكم العذاب في الدنيا وأنتم تتربصون بنا الدوائر فتربصوا أي فانتظروا فستعلمون إذا جاء امرالله من اصحاب الصراط السوي أي الدين المستقيم ومن اهتدى من الضلالة أنحن أم أنتم وقيل هذه منسوخة بآية السيف وليس بشيء

سورة الأنبياء
بسم الله الرحمن الرحيم
اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وانتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي اليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين لقد أنزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون
وهي مكية باجماعهم من غير خلاف نعلمه
قوله عز و جل اقترب افتعل من القرب يقال قرب الشيء

واقترب وهذه الآية نزلت في كفار مكة وقال الزجاج اقترب للناس وقت حسابهم وقيل اللام في قوله للناس بمعنى من والمراد بالحساب محاسبة الله لهم على أعمالهم
وفي معنى قربه قولان
أحدهما أنه آت وكل آت قريب
والثاني لأن الزمان لكثرة ما مضى وقله ما بقي قريب
قوله تعالى وهم في غفلة أي عما يفعل الله بهم ذلك اليوم معرضون عن التأهب له وقيل اقترب للناس عام والغفلة والإعراض خاص في الكفار بدلالة قوله تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث وفي هذا الذكر ثلاثة أقوال
أحدهما أنه القرآن قاله ابن عباس فعلى هذا تكون الإشارة بقوله محدث إلى إنزاله له لأنه أنزل شيئا بعد شيء
والثاني أنه ذكر من الأذكار وليس بالقرآن حكاه ابو سليمان الدمشقي وقال النقاش هو ذكر من رسول الله وليس بالقرآن
والثالث أنه رسول الله بدليل قوله في سياق الآية هل هذا الا بشر مثلكم قاله الحسن بن الفضل
قوله تعالى إلا استمعوه وهم يلعبون قال ابن عباس يستمعون القرآن مستهزئين
قوله تعالى لاهية قلوبهم أي غافلة عما يراد بهم قال الزجاج المعنى إلا استمعوه لاعبين لاهية قلوبهم ويجوز أن يكون منصوبا بقوله

يلعبون وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير وابن أبي عبلة لاهية بالرفع
قوله تعالى وأسروا النجوى أي تناجوا فيما بينهم يعني المشركين ثم بين من هم فقال الذين ظلموا أي اشركوا بالله والذين في موضع رفع على البدل من الضمير في وأسروا ثم بين سرهم الذي تناجوا به فقال هل هذا إلا بشر مثلكم أي آدمي فليس بملك وهذا إنكار لنبوته وبعضهم يقول اسروا هاهنا بمعنى أظهروا لأنه من الأضداد
قوله تعالى أفتأتون السحر أي أفتقبلون السحر وأنت تعلمون أنه سحر يعنون أنه متابعة محمد صلى الله عليه و سلم متابعة السحر قل ربي قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر وابو بكر عن عاصم قل ربي وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم قال ربي وكذلك هي في مصاحف الكوفيين وهذا على الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يعلم القول أي لا يخفى عليه شيء يقال في السماء والأرض فهو عالم بما أسررتم بل قالوا قال الفراء رد ب بل على معنى تكذيبهم وإن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم لأن معناه الأخبار عن الجاحدين وأعلم أن المشركين كانوا قد تحيروا في أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فاختلفت أقوالهم فيه فبعضهم يقول هذا الذي يأتي به سحر وبعضهم يقول أضغاث أحلام وهي الأشياء المختلطة ترى في المنام وقد شرحناها في يوسف 44 وبعضهم يقول افتراه أي اختلقه وبعضهم يقول هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا فاقترحوا الآيات التي لا أمهال بعدها
قوله تعالى ما آمنت قبلهم يعني مشركي مكة من قرية وصف القرية والمراد أهلها والمعنى أن الأمم التي أهلكت بتكذيب الآيات لم يؤمنوا

بالآيات لما أتتهم فكيف يؤمن هؤلاء وهذه إشارة إلى أن الآية لا تكون سببا للإيمان إلا أن يشاء الله
قوله تعالى وما أرسلنا قبلك الا رجالا هذا جواب قولهم هل هذا الا بشر مثلكم
قوله تعالى نوحي اليهم قرأ الاكثرون يوحى بالياء وروى حفص عن عاصم نوحي بالنون وقد شرحناه هذه الآية في النحل 43
قوله تعالى وما جعلناهم يعني الرسل جسدا قال الفراء لم يقل اجسادا لأنه اسم الجنس قال مجاهد وما جعلناهم جسدا ليس فيهم روح قال ابن قتيبة ما جعلنا الانبياء قبله أجسادا لا تأكل الطعام لا تموت فنجعله كذلك قال المبرد وثعلب جميعا العرب إذا جاءت بين الكلام بجحدين كان الكلام إخبارا فمعنى الآية إنما جعلناهم جسدا ليأكلوا الطعام قال قتادة المعنى وما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام
قوله تعالى ثم صدقناهم الوعد يعني الأنبياء أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بانجائهم وإهلاك مكذبيهم فأنجيناهم ومن نشاء وهم الذين صدقوهم وأهلكنا المسرفين يعني أهل الشرك وهذا تخويف لأهل مكة ثم ذكر منته عليهم بالقرآن فقال لقد أنزلناه اليكم كتابا فيه ذكركم وفيه ثلاثة أقوال
احدها فيه شرفكم قاله ابو صالح عن ابن عباس
والثاني فيه دينكم قاله الحسن يعني فيه ما تحتاجون اليه من امر دينكم
والثالث فيه تذكرة لكم لما تلقونه من رجعة أو عذاب قاله الزجاج
قوله تعالى أفلا تعقلون ما فضلتكم به على غيركم

وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا الى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعولهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين
ثم خوفهم فقال وكما قصمنا قال المفسرون واللغويون معناه وكم أهلكنا وأصل القصم الكسر وقوله كانت ظالمة أي كافرة والمراد أهلها فلما أحسوا بأسنا أي رأوا عذابنا بحاسة البصر إذا هم منها يركضون أي يعدون وأصل الركض تحريك الرجلين يقال ركضت الفرس إذا أعديته بتحريك رجليك فعدا
قوله تعالى لا تركضوا قال المفسرون هذا قول الملائكة لهم وارجعوا الى ما أترفتم فيه أي الى نعمكم التي اترفتكم وهذا توبيخ لهم
وفي قوهل لعلكم تسألون قولان
أحدهما تسألون من دنياكم شيئا استهزاء بهم قاله قتادة
والثاني تسألون عن قتل نبيكم قاله ابن السائب فلما أيقنوا بالعذاب قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين بكفرنا وقيل بتكذيب نبينا فما زالت تلك دعواهم أي ما زالت تلك الكلمة التي هي يا ويلنا إنا كنا ظالمين قولهم يرددونها حتى جعلناهم حصيدا بالعذاب وقيل بالسيوف خامدين أي ميتين كخمود النار إذا طفئت
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقدف

بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يتسحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون
قوله تعالى وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين أي لم نخلق ذلك عبثا إنا خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيتنا ليعتبر الناس بخلقه فيعلموا أن العبادة لا تصلح إلا لخالقه لنجازي أولياءنا ونعذب أعداءنا
قوله تعالى لو أردنا أن نتخذ لهوا في سبب نزولها قولان
أحدها أن المشركين لما قالوا الملائكة بنات الله والآلهة بناته نزلت هذه الآية قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أن نصارى نجران قالوا إن عيسى ابن الله فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
وفي المراد باللهو ثلاثة أقوال
أحدهما الولد رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال السدي قال الزجاج المعنى لو أردنا أن نتخذ ولدا ذا لهو نلهى به
والثاني المرأة رواه عطاء عن ابن عباس وبه قال الحسن وقتادة

والثالث اللعب رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
قوله تعالى لاتخذناه من لدنا قال ابن جريج لا تخذنا نساء او ولدا من اهل السماء لا من اهل الأرض قال ابن قتيبة وأصل اللهو الجماع فكني عنه باللهو كما كني عنه بالسر والمعنى لو فعلنا ذلك لاتخذناه من عندنا لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره
وفي قوله إن كنا فاعلين قولان
أحدهما أن إن بمعنى ما قاله ابن عباس والحسن وقتادة
والثاني أنها بمعنى الشرط قال الزجاج والمعنى إن كنا نفعل ذلك ولسنا ممن يفعله قال والقول الأول قول المفسرين والثاني قول النحويين وهم يستجيدون القول الأول أيضا لأن إن تكون في موضع النفي إلا أن أكثر ما تأتي مع اللام تقول إن كنت لصالحا معناه ما كنت إلا صالحا
قوله تعالى بل أي دع ذاك الذي قالوا فانه باطل نقذف بالحق أي نسلط الحق وهو القرآن على الباطل وهو كذبهم فيدمغه قال ابن قتيبة أي يكسره واصل هذا إصابة الدماع بالضرب وهو مقتل فاذا هو زاهق أي زائل ذاهب قال المفسرون والمعنى إنا نبطل كذبهم بما نثبين من الحق حتى يضمحل ولكم الويل مما تصفون أي من وصفكم الله بما لا يجوز وله من في السموات والأرض يعني هم عبيده وملكه ومن عنده يعني الملائكة
وفي قوله ولا يستحسرون ثلاثة أقوال
أحدها لا يرجعون رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس

والثاني لا ينقطعون قاله مجاهد وقال ابن قتيبة لا يعيون والحسر المنقطع الواقف إعياء وكلالا
والثالث لا يملون قاله ابن يزيد
قوله تعالى لا يفترون قال قتادة لا يسأمون وسئل كعب أما يشلغهم شأن أما تشغلهم حاجة فقال للسائل يا ابن أخي جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس ألست تأكل وتشرب وتقوم وتجلس وتجيء وتذهب وتتكلم وأنت تتنفس فكذلك جعل هلم التسبيح ثم إن الله تعالى عاد الى توبيخ المشركين فقال أم اتخذوا آلهة من الأرض لأن أصنامهم من الأرض هي سواء كانت من ذهب أو فضة أو خشب أو حجارة هم يعني الآلهة ينشرون أي يحيون الموتى وقرا الحسن ينشرون بفتح الياء وضم الشين وهذا استفهام بمعنى الجحد والمعنى ما اتخذوا آلهة تنشر ميتا لو كان فيهما يعني السماء والارض آلهة يعني معبودين إلا الله قال الفراء سوى الله وقال الزجاج غير الله
قوله تعالى لفسدتا أي لخربتا وبطلتا وهلك من فيهما لوجود التمانع بين الآلهة فلا يجري أمر العالم على النظام لأن كل أمر صدر عن اثنين فصاعدا لم يسلم من الخلاف
قوله تعالى لا يسأل عما يفعل أي عما يحكم في عباده من هدي وإضلال وإعزاز وإذلال لأنه المالك للخلق والخلق يسألون عن أعمالهم لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم ولما أبطل عز و جل أن يكون إله سواه من حيث العقل بقوله لفسدتا أبطل ذلك من حيث الأمر فقال أم اتخذوا من دونه آلهة وهذا استفهام إنكار وتوبيخ قل

هاتوا برهانكم على ما تقولون هذا ذكر من معي يعني القرآن خبر من معي على ديني ممن يتبغني الى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية وذكر من قبلي يعني الكتب المنزلة والمعنى هذا القرآن وهذه الكتب التي أنزلت قبله فانظروا هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إله سواه فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود غيره من حيث الأمر به قال الزجاج قيل لهم هاتوا برهانكم بأن رسولا من الرسل أخبر أمته بأن لهم إلها غير الله
قوله تعالى بل أكثرهم يعني كفار مكة لا يعلمون الحق وفيه قولان
أحدهما انه القرآن قاله ابن عباس والثاني التوحيد قاله مقاتل فهم معرضون عن التفكر والتأمل وما يجب عليهم من الإيمان
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي اليه أنه لا إله إلا انا فاعبدون وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين
قوله تعالى من رسول الا بوحي قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم الا نوحي بالنون والباقون بالياء
قوله تعالى وقالوا اتخذ الرحمن ولدا في القائلين لهذا قولان
أحدهما أنهم مشركوا قريش قاله ابن عباس وقال ابن اسحاق القائل لهذا النضر بن الحارث
والثاني أنهم اليهود قالوا إن الله صاهر الجن فكانت منهم الملائكة قاله

قتادة فعلى القولين المراد بالولد الملائكة وكذلك المراد بقوله بل عباد مكرمون والمعنى بل عباد أكرمهم الله واصطفاهم لا يسبقونه بالقول أي لا يتكلمون إلا بما يأمرهم به وقال ابن قتيبة لا يقولون حتى يقول ثم يقولون عنه ولا يعملون حتى يأمرهم
قوله تعالى يعلم ما بين أيديهم أي ما قدموا من الأعمال وما خلفهم ما هم عاملون ولا يشفعون يوم القيامة وقيل لا يستغفرون في الدنيا إلا لمن ارتضى أي لمن رضي عنه وهم من خشيته أي من خشيتهم منه فأضيف المصدر الى المفعول مشفقون أي خائفون وقال الحسن يرتعدون ومن يقل منهم أي من الملائكة قال الضحاك في آخرين هذه خاصة لإبليس لم يدع أحد من الملائكة إلى عبادة نفسه سواه قال ابو سليمان الدمشقي وهذا قول من قال إنه من الملائكة فان ابليس قال ذلك للملائكة الذين هبطوا معه الى الأرض ومن قال إنه ليس من الملائكة قال هذا على وجه التهديد وما قال أحد من الملائكة ذلك
أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون

قوله تعالى أولم ير الذين كفروا أي أولم يعلموا وقرأ ابن كثير ألم ير الذين كفروا بغير واو بين الألف واللام وكذلك هي في مصاحف أهل مكة أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما قال ابو عبيدة السموات جمع والأرض واحدة فخرجت صفة لفظ الجمع على لفظ صفة الواحد والعرب تفعل هذا إذا أشركوا بين جمع وبين واحد والرتق مصدر يوصف به الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث سواء ومعنى الرتق الذي ليس فيه ثقب قال الزجاج المعنى كانتا ذواتي رتق فجعلهما ذوات فتق وإنما لم يقل رتقين لأن الرتق مصدر
وللمفسرين في المراد به ثلاثة أقوال
أحدها أن السموات كانت رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات رواه عبد الله بن دينار عن ابن عباس وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد في رواية والضحاك في آخرين
والثاني أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففتقهما الله تعالى رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة
والثالث أنه فتق من الأرض ست أرضين فصارت سبعا ومن السماء ست سموات فصارت سبعا رواه السدي عن أشياخه وابن أبي نجيح عن مجاهد
قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي وقرا معاذ القارىء وابن أبي عبلة وحميد بن قيس كل شيء حيا بالنصب
وفي هذا الماء قولان
أحدهما أنه الماء المعروف والمعنى جعلنا الماء سببا لحياة كل حي قاله الأكثرون والثاني أنه النطفة قاله ابو العالية

قوله تعالى وجعلنا في الأرض رواسي قد فسرناه في النحل 15
قوله تعالى وجعلنا فيها أي في الرواسي فجاجا قال ابو عبيدة هي المسالك قال الزجاج الفجاج جمع فج وهو كل منخرق بين جبلين ومعنى سبلا طرقا قال ابن عباس جعلنا من الجبال طرقا كي تهتدوا الى مقاصدكم في الأسفار قال المفسرون وقوله سبلا تفسير للفجاج وبيان أن تلك الفجاج نافذة مسلوكة فقد يكون الفج غير نافذ وجعلنا السماء سقفا أي هي الأرض كالسقف
وفي معنى محفوظا قولان
أحدهما بالنجوم من الشياطين قاله ابو صالح عن ابن عباس
والثاني محفوظا من الوقوع إلا باذن الله قاله الزجاج
قوله تعالى وهم يعني كفار مكة عن آياتها أي شمسها وقمرها ونجومها قال الفراء وقرا مجاهد عن آيتها فوحده فجعل السماء بما فيها آية وكل صواب
قوله تعالى كل يعني الطوالع في فلك قال ابن قتيبة الفلك مدار النجوم الذي يضمها وسماه فلكا لاستدارته ومنه قيل فلكه المغزل وقد فلك ثدي المرأة قال أبو سليمان وقيل إن الفلك كهيئة الساقية من ماء مستديرة دون السماء وتحت الأرض فالأرض وسطها والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار يجرون في الفلك وليس الفلك يديرها ومعنى يسبحون يجرون قال الفراء لما كانت السباحة من أفعال الآدميين ذكرت بالنون كقوله رأيتهم لي ساجدين يوسف 40 لأن السجود من أفعال الآدميين

وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفائن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون
قوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد سبب نزولها أن ناسا قالوا إن محمدا لا يموت فنزلت هذه الآية قاله مقاتل ومعنى الآية ما خلدنا قبلك أحدا من بني آدم والخلد البقاء الدائم أفان مت فهم الخالدون يعني مشركي مكة لأنهم قالوا نتربص به ريب المنون الطور 30
قوله تعالى ونبلوكم بالشر والخير قال ابن زيد نختبركم بما تحبون لننظر كيف شكركم وبما تكرهون لننظر كيف صبركم
قوله تعالى وإلينا يرجعون قرأ ابن عامر ترجعون بتاء مفتوحة وروى ابن عباس عن ابي عمرو يرجعون بياء مضمومة وقرأ الباقون بتاء مضمومة
قوله تعالى وإذا رآك الذين كفروا قال ابن عباس يعني المستهزئين وقال السدي نزلت في أبي جهل مر به رسول الله فضحك وقال هذا نبي نبي عبد مناف وإن بمعنى ما ومعنى هزوا مهزوءا به أهذا الذي يذكر آلهتكم أي يعيب أصنامكم وفيه أضمار يقولون وهم بذكر الرحمن هم كافرون وذلك أنهم قالوا ما نعرف الرحمن فكفروا بالرحمن
خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين لو يعلم الذين

كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن
قوله تعالى خلق الإنسان من عجل وقرأ أبو رزين العقيلي ومجاهد والضحاك خلق الإنسان بفتح الخاء واللام ونصب النون وهذه الآية نزلت حين استعجلت قريش بالعذاب
وفي المراد بالإنسان هاهنا ثلاثة أقوال
أحدها النضر بن الحارث وهوالذي قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية الانفال 32 رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني آدم عليه السلام قاله سعيد بن جبير والسدي في آخرين
والثالث أنه اسم جنس قاله علي بن أحمد النيسابوري فعلى هذا يدخل النضر بن الحارث وغيره في هذا وإن كانت الآية نزلت فيه
فأما من قال أريد به آدم ففي معنى الكلام قولان
أحدهما أنه خلق عجولا قاله الأكثرون فعلى هذا يقول لما طبع آدم على هذا المعنى وجد في أولاده وأورثهم العجل
والثاني خلق بعجل استعجل بخلقه قبل غروب الشمس من يوم الجمعة وهو آخر الأيام الستة قاله مجاهد
فأما من قال هو اسم جنس ففي معنى الكلام قولان
أحدهما خلق عجولا قال الزجاج خوطبت العرب بما تعقل

والعرب تقول للذي يكثر منه اللعب إنما خلقت من لعب يريدون المبالغة في وصفه بذلك
والثاني أن في الكلام تقديما وتأخيرا والمعنى خلقت العجلة في الإنسان قاله ابن قتيبة
قوله تعالى سأريكم آياتي فيه قولان
أحدهما ما أصاب الأمم المتقدمة والمعنى إنكم تسافرون فترون آثار الهلاك في الماضين قاله ابن السائب
والثاني أنها القتل ببدر قاله مقاتل
قوله تعالى فلا تستعجلون اثبت الياء في الحالين يعقوب
قوله تعالى ويقولون متى هذا الوعد يعنون القيامة لم يعلم الذين كفروا جوابه محذوف والمعنى لو علموا صدق الوعد ما استعجلوا حين لا يكفون أي لا يدفعون عن وجوههم النار إذا دخلوا ولا عن ظهورهم لإحاطتها بهم ولا هم ينصرون أي يمنعون مما نزل بهم بل تأتيهم يعني الساعة بغتة فجأة فتبهتهم تحيرهم وقد شرحنا هذا عند قوله فبهت الذي كفر البقرة 258 فلا يستطيعون ردها أي صرفها عنهم ولا هم يمهلون لتوبة أو معذرة ثم عزى نبيه فقال ولقد استهزىء برسل من قبلك أي كما فعل بك قومك فحاق أي نزل بالذين سخروا منهم أي من الرسل ما كانوا به يستهزؤون يعني العذاب الذي كانوا استهزؤوا به
قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون بل متعنا

هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون
قوله تعالى قل من يكلؤكم المعنى قل لهؤلاء المستعجلين بالعذاب من يحفظكم من بأس الرحمن إن أراد إنزاله بكم وهذا استفهام إنكار أي لا أحد يفعل ذلك بل هم عن ذكر ربهم أي عن كلامه ومواعظه معرضون لا يتفكرون ولا يعتبرون أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا فيه تقديم وتأخير وتقديره أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم وهاهنا تم الكلام ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال لا يستطيعون نصر أنفسهم والمعنى من لا يقدر عل نصر نفسه عما يراد به فكيف ينصر غيره
قوله تعالى ولا هم في المشار اليهم قولان
أحدهما أنهم الكفار وهو قول ابن عباس والثاني أنهم الأصنام قاله قتادة
وفي معنى يصحبون أربعة أقوال
أحدها يجارون رواه العوفي عن ابن عباس قال ابن قتيبة والمعنى لا يجيرهم منا احد لأن المجير صاحب لجاره والثاني يمنعون رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس والثالث ينصرون قاله مجاهد والرابع لا يصحبون بخير قاله قتادة
ثم بين اغترارهم بالإمهال فقال بل متعنا هؤلاء وآباءهم يعني أهل مكة حتى طال عليهم العمر فاغتروا بذلك أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها

من أطرافها قد شرحناه في الرعد 41 أفهم الغالبون أي مع هذه الحال وهو نقص الأرض والمعنى ليسوا بغالبين ولكنهم المغلوبون قل إنما أنذركم أي أخوفكم بالوحي أي بالقرآن والمعنى إنني ما جئت به من تلقاء نفسي إنما أمرت فبلغت ولا يسمع الصم الدعاء وقرأ ابن عامر ولا تسمع بالتاء مضمومة الصم نصبا وقرأ ابن يعمر والحسن ولا يسمع بضم الياء وفتح الميم الصم بضم الميم شبه الكفار بالصم الذين لا يسمعون نداء مناديهم ووجه التشبيه أن هؤلاء لم ينتفعوا بما سمعوا كالصم لا يفيدهم صوت مناديهم ولئن مستهم أي أصابتهم نفحة قال ابن عباس طرف وقال الزجاج المراد أدنى شيء من العذاب ليقولن ياويلنا والويل ينادي به كل من وقع في هلكة
ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن ياويلنا إنا كنا ظالمين ونضع الموازين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين
قوله تعالى ونضع الموازين القسط قال الزجاج المعنى ونضع الموازين ذوات القسط والقسط العدل وهو مصدر يوصف به يقال ميزان قسط وميزانان قسط وموازين قسط قال الفراء القسط من صفة الموازين وإن كان موحدا كما تقول أنت عدل وأنتم رضى وقوله ليوم القيامة وفي يوم القيامة سواء وقد ذكرنا الكلام في الميزان في أول الأعراف 8
فان قيل إذا كان الميزان واحدا فما المعنى بذكر الموازين

فالجواب أنه لما كانت أعمال الخلائق توزن وزنة بعد وزنة سميت موازين
قوله تعالى فلا تظلم نفس شيئا أي لا ينقص محسن من إحسانه ولا يزاد مسيء على إساءته وإن كان مثقال حبة أي وزن حبة وقرأ نافع مثقال برفع اللام قال الزجاج ونصب مثقال على معنى وإن كان العمل مثقال حبة وقال ابو علي الفارسي وإن كان الظلامة مثقال حبة لقوله تعالى فلا تظلم نفس شيئا قال ومن رفع أسند الفعل الى المثقال كما اسند في قوله تعالى وإن كان ذو عسرة البقرة 280
قوله تعالى أتينا بها أي جئنا بها وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد آتينا ممدودة أي جازينا بها
قوله تعالى وكفى بنا حاسبين قال الزجاج هو منصوب على وجهين احدهما التمييز والثاني الحال
ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون
قوله تعالى ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه التوارة التي فرق بها الحلال والحرام قاله مجاهد وقتادة
والثاني البرهان الذي فرق به بين حق موسى وباطل فرعون قاله ابن زيد
والثالث النصر والنجاة لموسى وإهلاك فرعون قاله ابن السائب
قوله تعالى وضياء روى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يرى الواو زائدة قال الزجاج وكذلك قال بعض النحويين أن المعنى الفرقان ضياء وعند

البصريين أن الواو لا تزاد ولا تأتي إلا بمعنى العطف فهي هاهنا مثل قوله تعالى فيها هدى ونور المائدة 44 قال المفسرون والمعنى أنهم استضاؤوا بالتوراة حتى اهتدوا بها في دينهم ومعنى قوله تعالى وذكرا للمتقين أنهم يذكرونه ويعملون بما فيه الذين يخشون ربهم بالغيب فيه أربعة أقوال
أحدها يخافونه ولم يروه قاله الجمهور والثاني يخشون عذابه ولم يروه قاله مقاتل والثالث يخافونه من حيث لا يراهم أحد قاله الزجاج والرابع يخافونه إذا غابوا عن أعين الناس كخوفهم إذا كانوا بين الناس قاله ابو سليمان الدمشقي ثم عاد إلى ذكر القرآن فقال وهذا يعني القرآن ذكر لمن تذكر به وعظه لمن اتعظ مبارك أي كثير الخير أفأنتم يا أهل مكة له منكرون أي جاحدون وهذا استفهام توبيخ
ولقد آتينا ابرهيم رشده من قبل وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم اليه يرجعون
قوله تعالى ولقد آتينا ابراهيم رشده أي هداه من قبل وفيه ثلاثة أقوال
أحدها من قبل بلوغه قاله ابو صالح عن ابن عباس
والثاني آتيناه ذلك في العلم السابق قاله الضحاك عن ابن عباس

والثالث من قبل موسى وهارون قال الضحاك وقد أشرنا الى قصة ابراهيم في الأنعام 75
قوله تعالى وكنا به عالمين أي علمنا أنه موضع لإيتاء الرشد ثم بين متى آتاه فقال إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل يعني الاصنام والتمثال اسم للشيء المصنوع مشبها بخلق من خلق الله تعالى وأصله من مثلث الشيء بالشيء إذا شبهته به وقوله التي أنتم لها أي على عبادتها عاكفون أي مقيمون فأجابوه أنهم رأوا آباءهم يعبدونها فاقتدوا بهم فأجابهم بأنهم فيما فعلوا وآباءهم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين يعنون أجاد انت أم لاعب
قوله تعالى لأكيدن أصنامكم الكيد احتيال الكائد في ضر المكيد والمفسرون يقولون لأكيدنها بالكسر بعد أن تولوا أي تذهبوا عنها وكان لهم عيد في كل سنة يخرجون اليه ولا يخلفون بالمدينة أحدا فقالوا لإبراهيم لو خرجت معنا الى عيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم فلما كان ببعض الطريق قال إني سقيم وألقى نفسه وقال سرا منهم وتالله لأكيدن أصنامكم فسمعه رجل منهم فأفشاه عليه فرجع إلى بيت الأصنام وكانت فيما ذكره مقاتل بن سليمان اثنين وسبعين صنما من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب فكسرها ثم وضع الفأس في عنق الصنم الكبير فذلك قوله فجعلهم جذاذا قرأ الأكثرون جذاذا بضم الجيم وقرأ أبو بكر الصديق وابن مسعود وأبو رزين وقتادة وابن محيصن والأعمش والكسائي جذاذا بكسر الجيم وقرأ أبو رجاء العطاردي وأيوب السختياني وعاصم الجحدري جذاذا بفتح الجيم وقرأ الضحاك وابن يعمر جذذا

بفتح الجيم من غير الف وقرأ معاذ القارىء وأبو حيوة وابن وثاب جذذا بضم الجيم من غير ألف قال أبو عبيدة أي مستأصلين قال جرير ... بني المهلب جذ الله دابرهم ... أمسوا رمادا فلا اصل ولا طرف ...
أي لم يبق منهم شيء ولفظ جذاذ يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر والمؤنث وقال ابن قتيبة جذاذا أي فتاتا وكل شيء كسرته فقد جذذته ومنه قيل للسويق الجذيذ وقرأ الكسائي جذاذا بكسر الجيم على أنه جمع جذيذ مثل ثقيل وثقال وخفيف وخفاف والجذيذ بمعنى المجذوذ وهو المكسور إلا كبيرا لهم أي كسر الأصنام إلا أكبرها قال الزجاج جائز أن يكون أكبرها في ذاته وجائز أن يكون أكبرها عندهم في تعظيمهم إياه لعلهم إليه يرجعون في هاء الكناية قولان
أحدهما أنها ترجع الى الصنم ثم فيه قولان أحدهما لعلهم يرجعون اليه فيشاهدونه هذا قول مقاتل والثاني لعلهم يرجعون اليه بالتهمة حكاه ابو سليمان الدمشقي
والثاني أنها ترجع الى ابراهيم والمعنى لعلهم يرجعون الى دين ابراهيم بوجوب الحجة عليهم قاله الزجاج
قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالو ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبرهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم إن كانوا ينطقون

فلما رجعوا من عيدهم ونظروا الى آلهتهم قالو من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين أي قد فعل ما لم يكن له فعله فقال الذي سمع ابراهيم يقول لأكيدن أصنامكم سمعنا فتى يذكرهم قال الفراء أي يعيبهم نقول للجرل لئن ذكرتني لتندمن تريد بسوء
قوله تعالى فأتوا به على أعين الناس أي بمرأى منهم لا تأتوا به خفية قال أبو عبيدة تقول العرب إذا أظهر الأمر وشهر كن ذلك على أعين الناس
قوله تعالى لعلهم يشهدون فيه ثلاثة أقوال
أحدها يشهدون أنه قال لآلهتنا ما قال رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال الحسن وقتادة
والثاني يشهدون أنه فعل ذلك قاله السدي
والثالث يشهدون عقابه وما يصنع به قاله محمد بن اسحاق
قال المفسرون فانطلقوا به الى نمرود فقال له أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا غضب أن تعبد معه الصغار فكسرها فاسألوهم إن كانوا ينطقون من فعله بهم وهذا إلزام للحجة عليهم بأنهم جماد لا يقدرون على النطق
واختلف العلماء في وجه هذا القول من ابراهيم عليه السلام على قولين
أحدهما أنه وإن كان في صورة الكذب إلا أن المراد به التنبيه على أن من لا قدرة له لا يصلح أن يكون إلها ومثله قول الملكين لدواد إن هذا أخي ولم يكن أخاه له تسع وتسعون نعجة ص23 ولم يكن له شيء

فجرى هذا مجرى التنبيه لداود على ما فعل وأنه هو المراد بالفعل والمثل المضروب ومثل هذا لا تسميه العرب كذبا
والثاني أنه من معاريض الكلام فروي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله تعالى بل فعله ويقول معناه فعله من فعله ثم يبتدىء كبيرهم هذا قال الفراء وقرأ بعضهم بل فعله بتشديد اللام يريد فعله كبيرهم هذا قال الفراء وقرأ بعضهم بل فعلته بتشديد اللام يريد فلعله كبيرهم هذا وقال ابن قتيبة هذا من المعاريض ومعناه إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم وكذلك قوله إني سقيم الصافات 89 أي سأسقم ومثله إنك ميت الزمر 30 أي ستموت وقوله لا تؤاخذني بما نسيت الكهف 74 قال ابن عباس لم ينس ولكنه من معاريض الكلام والمعنى لا تؤاخذني بنسياني ومن هذا قصة الخصمين إذ تسوروا المحراب ص21 مثله وإنا أو إياكم لعلى هدى سبأ 24 والعرب تستعمل التعريض في كلامها كثيرا فتبلغ إرادتها بوجه هو ألطف من الكشف واحسن من التصريح وروي أن قوما من الأعراب خرجوا يمتارون فلما صدروا خالف رجل في بعض الليل إلى عكم صاحبه فأخذ منه برا وجعله في عكمه فلما أراد الرحلة وقاما يتعاكمان رأى عكمه يشول وعكم صاحبه يثقل فأنشأ يقول ... عكم تغشى بعض أعكام القوم ... لم أر عكما سارقا قبل اليوم ...
فخون صاحبه بوجه هو ألطف من التصريح قال ابن الأنباري كلام ابراهيم كان صدقا عند البحث ومعنى قول النبي صلى الله عليه و سلم كذب إبراهيم ثلاثة كذبات

قال قولا يشبه الكذب في الظاهر وليس بكذب قال المصنف وقد ذهب جماعة من العلماء إلى هذا الوجه وأنه من المعاريض والمعاريض لا تذم خصوصا إذا احتيج اليها روى عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يسرني أن

لي بما أعلم من معاريض القول مثل أهلي ومالي وقال النخعي لهم كلام يتكلمون به إذا خشوا من شيء يدرؤون به عن أنفسهم وقال ابن سيرين الكلام أوسع من أن يكذب ظريف وقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعجوز إن الجنة لا تدخلها العجائز أراد قوله تعالى إنا أنشأناهن إنشاء الواقعة 35 وروي عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان يمازح بلالا فيقول ما أخت خالك منك وقال لامرأة من زوجك فسمته له فقال الذي في عينيه بياض وقال لرجل إنا حاملوك على ولد ناقة وقال له العباس ما ترجو لأبي طالب فقال كل خير أرجوه من ربي وكان ابو بكر حين خرج من الغار مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سأله أحد من هذا بين يديك يقول هاد يهديني وكانت امرأة ابن رواحة قد رأته مع جارية له فقالت له وعلى فراشي أيضا فجحد فقالت له فاقرأ القرآن فقال ... وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا انشق مشهور من الصبح طالع ... يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع

فقالت آمنت بالله وكذبت بصري فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فضحك وأعجبه ما صنع وعرض شريح ناقة ليبيعها فقال له المشتري كيف لبناه قال احلب في أي اناء شئت قال كيف الوطاء قال افرش ونم قال كيف نجاؤها قال إذا رأتيها في الإبل عرفت مكانها علق سوطك وسر قال كيف قونها قال احمل على الحائط ما شئت فاستصراها فلم ير شيئا مما وصف فرجع اليه فقال لما أر فيها شيئا مما وصفتها به قال ما كذبتك قال أقلني قال نعم وخرج شريح من عند زياد وهو مريض فقيل له كيف وجدت الأمير قال تركته يأمر وينهى فقيل له ما معنى يأمر وينهى قال يأمر بالوصية وينهى عن النوح وأخذ محمد بن يوسف حجرا المدري فقال العن عليا فقال إن الأمير أمرني أن ألعن عليا محمد بن يوسف فالعنوه لعنه الله وأمر بعض الأمراء صعصعة بن صوحان بلعن علي فقال لعن الله من لعن الله ولعن علي ثم قال إن هذا الأمير قد أبى إلا أن ألعن عليا فالعنوه لعنه الله وامتحنت الخوارج رجلا من الشيعة فجعل يقول أنا من علي ومن عثمان بريء وخطب رجل امرأة وتحته أخرى فقالوا لا نزوجك حتى تطلق امرأتك فقال اشهدوا أني قد طلقت ثلاثا فزوجوه فأقام مع المرأة الأولى فادعوا أنه قد طلق فقال أما تعلمون أنه كان تحتي فلانة فطلقتها ثم فلانة فطلقتها ثم فلانة فطلقتها قالو بلى قال فقد طلقت ثلاثا وحكي أن رجلا عثر به الطائف ليلة فقال له من أنت فقال ... أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوما فسوف تعود

ترى الناس أفوجا إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود ...
فظن الطائف أنه ابن بعض الأشراف بالبصرة فلما أصبح سأل عنه فاذا هو ابن باقلائي ومثل هذا كثير
فرجعوا الى انفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله مالا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون
قوله تعالى فرجعوا الى أنفسهم فيه قولان
أحدهما رجع بعضهم الى بعض والثاني رجع كل منهم الى نفسه متفكرا
قوله تعالى فقالوا إنكم أنتم الظالمون فه خمسة أقوال
أحدها حين عبدتم من لا يتكلم قاله ابن عباس
والثاني حين تتركون آلهتكم وحدها وتذهبون قاله وهب بن منبه
والثالث في عبادة هذه الأصاغر مع هذا الكبير روي عن وهب أيضا
والرابع لإبراهيم حين اتهمتموه والفأس في يد كبير الأصنام قاله ابن اسحاق ومقاتل
والخامس أنتم ظالمون لإبراهيم حين سألتموه وهذه أصنامكم حاضرة فاسألوها ذكره ابن جرير
قوله تعالى ثم نكسوا على رؤوسهم وقرأ أبو رزين العقيلي وابن أبي عبلة وأبو حيوة نكسوا برفع النون وكسر الكاف مشددة وقرأ سعيد ابن جبير وابن يعمر وعاصم الجحدري نكسوا بفتح النون والكاف

مخففة قال ابو عبيدة نكسوا قلبوا تقول نكست فلانا على راسه إذا قهرته وعلوته
ثم في المراد بهذا الانقلاب ثلاثة أقوال
أحدها أدركتهم حيرة فقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قاله مقتادة
والثاني رجعوا الى أول ما كانوا يعرفونها به من انها لا تنطق قاله ابن قتيبة
والثالث انقلبوا على ابراهيم يحتجون عليه بعد أن اقروا له ولاموا أنفسهم في تهمته قاله ابو سليمان الدمشقي وفي قوله لقع علمت إضمار قالوا وفي هذا إقرار منهم بعجز ما يعبدونه عن النطق فحينئذ توجهت لإبراهيم الحجة فقال موبخا لهم أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم أي لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئا ولا يضركم إذا لم تعبدوه وفي هذا حث لهم على عبادة من يملك النفع والضر أف لكم قال الزجاج معناه النتن لكم فلم الزمهم الحجة غضبوا فقالوا حرقوه وذكر في التفسير أن نمرود استشارهم بأي عذاب أعذبه فقال رجل حرقوه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ووهبنا له اسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا

صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا واوحينا اليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة وكانا لنا عابدين
قوله تعالى وانصروا آلهتكم أي بتحريقه لأنه يعيبها إن كنتم فاعلين أي ناصريها
الإشارة الى القصة
ذكر أهل التفسر أنهم حبسوا ابراهيم عليه السلام في بيت ثم بنوا له حيرا طول جداره ستون ذراعا الى سفح جبل منيف ونادى منادي الملك أيها الناس احتطبوا لابراهيم ولا يتخلفن عن ذلك صغير ولا كبير فمن تخلف ألقي في تلك النار ففعلوا ذلك أربعين ليلة حتى إن كانت المرأة لتقول إن ظفرت بكذا لأحتطبن لنار ابراهيم حتى إذا كان الحطب يساوي رأس الجدار سدوا أبواب الحير وقذفوا فيه النار فارتفع لهبها حتى إن كان الطائر ليمر بها فيحترق من شدة حرها ثم بنوا بنيانا شامخا وبنوا فوقه منجنيقا ثم رفعوا ابراهيم على رأس البنيان فرفع ابراهيم رأسه الى السماء فقال اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس في الأرض أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة ربنا ابراهيم يحرق فيك فائذن لنا في نصرته فقال أنا أعلم به وإن دعاكم فأغيثوه فقذفوه في النار وهو ابن ست عشرة سنة وقيل ست وعشرين فقال حسبي الله ونعم الوكيل فاستقبله جبريل فقال يا ابراهيم ألك حاجة قال أما اليك

فلا قال جبريل فسل ربك فقال حسبي من سؤالي علمه بحالي فقال الله عز و جل يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم فلم تبق نار على وجه الأرض يومئذ إلا طفئت وظنت أنها عنيت وزعم السدي أن جبريل هو الذي ناداها وقال ابن عباس لو لم يتبع بردها سلاما لمات ابراهيم من بدرها قال السدي فأخذت الملائكة بضبعي ابراهيم فأجلسوه على الأرض فاذا عين من ماء عذب وورد أحمر ونرجس قال كعب ووهب فما أحرقت النار من ابراهيم الا وثاقه وأقام في ذلك الموضع سبعة ايام وقال غيرهما أربعين أو خمسين يوما فنزل جبريل بقميص من الجنة وطنفسه من الجنة فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه وإن آزر أتى نمرود فقال أئذن لي أن اخرج عظام ابراهيم فأدفنها فانطلق نمرود ومعه الناس فأمر بالحائط فنقب فاذا ابراهيم في روضة تهتز وثيابه تندى وعليه القميص وتحته الطنفسة والملك الى جنبه فناداه نمرود يا ابراهيم إن إلهك الذي بلغت قدرته هذا لكبير هل تستطيع أن تخرج قال نعم فقام إبراهيم يمشي حتى خرج فقال من الذي رأيت معك قال ملك أرسله الى ربي ليؤنسني فقال نمرود إني مقرب

لإلهك قربانا لما رأيت من قدرته فقال إذن لا يقبل الله منك ما كنت على دينك فقال يا ابراهيم لا استطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبح له فذبح القربان وكف عن ابراهيم
قال المفسرون ومعنى كوني بردا أي ذات برد وسلاما أي سلامة وأرادوا به كيدا وهو التحريق بالنار فجعلناهم الأخسرين وهو أن الله تعالى سلط البعوص عليهم حتى أكل لحومهم وشرب دماءهم ودخلت واحدة في دماع نمرود حتى أهلكته والمعنى أنهم كادوه بسوء فانقلب السوء عليهم
قوله تعالى ونجيناه أي من نمرود وكيده ولوطا وهو ابن أخي ابراهيم وهو لوط بن هاران بن تارح وكان قد آمن به فهاجرا من أرض العراق الى الشام وكانت سارة مع ابراهيم في قول وهب وقال السدي إنما هي إبنة ملك حران لقيها ابراهيم فتزوجها على أن لا يغيرها وكانت قد طعنت على قومها في دينهم
فأما قوله تعالى الى الأرض التي باركنا فيها ففيها قولان
أحدهما أنها أرض الشام وهذا قول الأكثرين وبركتها أن الله عز و جل بعث أكثر الأنبياء منها وأكثر فيها الخصب والثمار والأنهار
والثاني أنها مكة رواه العوفي عن ابن عباس والاول اصح
قوله تعالى ووهبنا له يعني ابراهيم اسحاق ويعقوب نافلة وفي معنى النافلة قولان
أحدهما أنها بمعنى الزيادة والمراد بها يعقوب خاصة فكأنه سأل واحدا فأعطي اثنين وهذا مذهب ابن عباس وقتادة وابن زيد والفراء
والثاني أن النافلة بمعنى العطية والمراد بها اسحاق ويعقوب وهذا مذهب مجاهد وعطاء

قوله تعالى وكلا جعلناه صالحين يعني ابراهيم واسحاق ويعقوب قال ابو عبيدة كل يقع خبره على لفظ الواحد لأن لفظه لفظ الواحد ويقع خبره على لفظ الجميع لأن معناه معنى الجميع
قوله تعالى وجعلناهم أئمة أي رؤوسا يقتدى بهم في الخير يهدون بأمرنا أي يدعون الناس الى ديننا بأمرنا إياهم بذلك وأوحينا إليهم فعل الخيرات قال ابن عباس شرائع النبوة وقال مقاتل الأعمال الصالحة وإقام الصلاة قال الزجاج حذف الهاء من إقامة الصلاة قليل في اللغة تقول اقام إقامة والحذف جائز لأن الإضافة عوض من الهاء
ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وادخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين
قوله تعالى ولوطا آتيناه حكما قال الزجاج انتصب لوط بفعل مضمر لأن قبله فعلا فالمعنى وأوحينا إليهم وآتينا لوطا وذكر بعض النحويين أنه منصوب على واذكر لوطا وهذا جائز لأن ذكر ابراهيم قد جرى فحمل لوط على معنى واذكر
قال المفسرون لما هاجر لوط مع ابراهيم نزل ابراهيم أرض فلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة على مسيرة يوم وليلة أو نحو ذلك من ابراهيم فبعثه الله نبيا
فأما الحكم ففيه قولان
أحدهما أنه النبوة قاله ابن عباس
والثاني الفهم والعقل قاله مقاتل وقد ذكرنا فيه أقوالا في سورة

يوسف 22 وأما القرية هاهنا فهي سدوم والمراد أهلها والخبائث أفعالهم المنكرة فمنها اتيان الذكور وقطع السبيل الى غير ذلك مما قد ذكره الله عز و جل عنهم في مواضع هود 78 والحجر 69
قوله تعالى وأدخلناه في رحمتنا أي بانجائه من بينهم
ونوحا إذا نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين
قوله تعالى ونوحا المعنى واذكر نوحا وكذلك ما يأتيك من ذكر الأنبياء إذ نادى أي دعا على قومه من قبل أي من قبل ابراهيم ولوط فأما الكرب العظيم فقال ابن عباس هو الغرق وتكذيب قومه
قوله تعالى ونصرناه من القوم أي منعناه منهم أن يصلوا اليه بسوء وقيل من بمعنى على
وداود وسليمن إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمن وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ولسليمن الريح عاصفة تجري بأمره الى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين
قوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث وفيه قولان

أحدهما أنه كان عنبا قاله ابن مسعود ومسروق وشريح
والثاني كان زرعا قاله قتادة
إذ نفشت فيه غنم القوم قال ابن قتيبة أي رعت ليلا يقال نفشت الغنم بالليل وهي إبل نفش ونفاش نفاش والواحد نافش وسرحت وسربت بالنهار قال قتادة النفش بالليل والهمل بالنهار وقال ابن السكيت النفش أن تنتشر الغنم بالليل ترعى بلا راع
الإشارة الى القصة
ذكر اهل التفسير أن رجلين كانا على عهد داود عليه السلام أحدهما صاحب حرث والأخر صاحب غنم فتفلتت الغنم فوقعت في الحرث فلم تبق منه شيئا فاختصما الى داود فقال لصاحب الحرث لك رقاب الغنم فقال سليمان أو غير ذلك قال ما هو قال ينطلق اصحاب الحرث بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها ويقبل أصحاب الغنم على الكرم حتى إذا كان كليلة نفشت فيه الغنم دفع هؤلاء الى هؤلاء غنمهم ودفع هؤلاء الى هؤلاء كرمهم فقال داود قد اصبت القضاء ثم حكم بذلك فذلك قوله وكنا لحكمهم شاهدين وفي المشار اليهم قولان
أحدهما داود وسليمان فذكرهما بلفظ الجمع لأن الاثنين جمع هذا قول الفراء
والثاني أنهم داود وسليمان والخصوم قاله ابو سليمان الدمشقي وقر ابن مسعود وابن عباس وابن أبي عبلة وكنا لحكمهما على التثنية ومعنى

شاهدين أنه لم يغب عنا من أمرهم شيء ففهمناها سليمان يعني القضية والحكومة وإنما كنى عنها لأنه قد سبق ما يدل عليها من ذكر الحكم وكلا منهما آتينا حكما وقد سبق بيانه قال الحسن لولا هذه الآية لرأيت أن القضاة قد هلكوا ولكنه أثنى على سليمان لصوابه وعذر دواد باجتهاده
فصل
قال ابو سليمان الدمشقي كان قضاء داود وسليمان جميعا من طريق الاجتهاد ولم يكن نصا إذ لو كان نصا ما اخلتفا قال القاضي ابو يعلى وقد اختلف الناس في الغنم إذا نفشت ليلا في زرع رجل فأفسدته فمذهب أصحابنا أن عليه الضمان وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه لا ضمان عليه ليلا ونهارا إلا أن يكون صاحبها هو الذي أرسلها فظاهر الآية يدل على قول أصحابنا لأن داود حكم بالضمان وشرع من قبلنا شرع لنا مالم يثبت نسخه فان قيل فقد ثبت نسخ هذا الحكم لأن داود حكم بدفع الغنم الى صاحب الحرث وحكم سليمان له بأولادها وأصوافها ولا خلاف أنه لا يجب على من نفشت غنمه في حرث رجل شيء من ذلك قيل الآية تضمنت أحكاما منها وجوب الضمان وكيفيته فالنسخ حصل على كيفيته ولم يحصل على أصله فوجب التعلق به وقد روى حرام بن محيصه عن ابيه ان ناقة للبراء دخلت حائط رجل فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل

قوله تعالى وسخرنا مع داود الجبال يسبحن تقديره الكلام وسخرنا الجبال يسبحن مع داود قال ابو هريرة كان إذا سبح أجابته الجبال والطير بالتسبيح والذكر وقال غيره كان إذا وجد فترة أمر الجبال فسبحت حتى يشتاق هو فيسبح
قوله تعالى وكنا فاعلين أي لذلك قال الزجاج المعنى وكنا نقدر على ما نريده
قوله تعالى وعلمناه صنعة لبوس لكم في المراد باللبوس قولان
أحدهما الدروع وكانت قبل ذلك صفائح وكان داود أول من صنع هذه الحلق وسرد قاله قتادة
والثاني أن اللبوس السلاح كله من درع الى رمح قاله ابو عبيدة وقرأ ابو المتوكل وابن السميفع لبوس بضم اللام
قوله تعالى ليحصنكم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي ليحصنكم بالياء وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم لتحصنكم بالتاء وروى أبو بكر عن عاصم لنحصنكم بالنون خفيفة وقرأ ابو الدرداء وأبو عمران الجوني وابو حيوة لتحصنكم بتاء مرفوعة وفتح الهاء وتشديد الصاد وقرأ ابن مسعود وابو الجوزاء وحميد ابن قيس لتحصنكم بتاء مفتوحة مع فتح الحاء وتشديد الصاد مع ضمها وقرأ ابو رزين العقيلي وابو المتوكل ومجاهد لنحصنكم بنون مرفوعة وفتح الحاء وكسر الصاد مع تشديدها وقرأ معاذ القارئ وعكرمة وابن يعمر وعاصم الجحدري وابن السميفع ليحصنكم بياء مرفوعة وسكون الحاء وكسر الصاد مشددة النون

فمن قرأ بالياء ففيه أربعة أوجه قال ابو علي الفارسي أن يكون الفاعل اسم الله لتقدم معناه ويجوز أن يكون اللباس لأن اللبوس بمعنى اللباس من حيث كان ضربا منه ويجوز أن يكون داود ويجوز أن يكون التعليم وقد دل عليه علمناه
ومن قرأ بالتاء حمله على المعنى لأنه الدرع
ومن قرأ بالنون فلتقدم قوله وعلمناه
ومعنى لتحصنكم لتحرزكم وتمنعكم من بأسكم يعني الحرب
قوله تعالى ولسليمان الريح وقرأ ابو عبد الرحمن السلمي وأبو عمران الجوني وأبو حيوة الحضرمي الرياح بألف مع رفع الحاء وقرأ الحسن وابو المتوكل وابو الجوزاء بالألف ونصب الحاء والمعنى وسخرنا لسليمان الريح عاصفة أي شديدة الهبوب تجري بأمره يعني بأمر سليمان الى الأرض التي باركنا فيها وهي أرض الشام وقد مر بيان بركتها في هذه السورة الأنبياء 72 والمعنى أنها كانت تسير به الى حيث شاء ثم تعود به الى منزله بالشام
قوله تعالى وكنا بكل شيء عالمين علمنا أن ما نعطي سليمان يدعوه الى الخضوع لربه
قوله تعالى ومن الشياطين من يغوصون له قال ابو عبيدة من تقع على الواحد والاثنين والجمع من المذكر والمؤنث قال المفسرون كانوا يغوصون في البحر فيستخرجون الجواهر ويعملون عملا دون ذلك قال الزجاج معناه سوى ذلك وكنا لهم حافظين أن يفسدوا ما عملوا وقال غيره أن يخرجوا عن أمره
وايوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين

فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين واسمعيل وادريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين
قوله تعالى وأيوب إذ نادى ربه أي دعا ربه أني وقرأ أبو عمران الجوني إني بكسر الهمزة مسني الضر وقرأ حمزة مسني بتسكين الياء أي أصابني الجهد وأنت أرحم الراحمن أي أكثرهم رحمة وهذا تعريض منه بسؤال الرحمة إذ أثنى عليه بأنه الأرحم وسكت
الإشارة الى قصته
ذكر أهل التفسير أن أيوب عليه السلام كان أغنى أهل زماهنه وكان كير الإحسان فقال ابليس يا رب سلطني على ماله وولده وكان له ثلاثة عشر ولدا فان فعلت رأيته كيف يطيعني ويعصيك فقيل له قد سلطتك على ماله وولده فرجع ابليس فجمع شياطينه ومردته فبعث بعضهم الى دوابه ورعاته فاحتملوها حتى قذفوها في البحر وجاء ابليس في صورة قيمه فقال يا أيوب الا أراك تصلي وقد أقبلت ريح عاصف فاحتملت دوابك ورعاتها حتى قذفتها في البحر فلم يرد عليه شيئا حتى فرغ من صلاته ثم قال الحمد لله الذي رزقني ثم قبله مني فانصرف خائبا ثم أرسل بعض الشياطين الى جنانه وزروعه فأحرقوها وجاء فأخبره فقال مثل ذلك فأرسل بعض الشياطين فزلزلوا منازل أيوب وفيها ولده وخدمه وفأهلكوهم وجاء فأخبره فحمد الله وقال لإبليس وهو يظنه قيمه في ماله لو كان فيك خير لقبضك معهم فانصرف خائبا

فقيل له كيف رأيت عبدي أيوب قال يا رب سلطني على جسده فسوف ترى قيل له قد سلطتك على جسده فجاء فنفخ في إبهام قدميه فاشتعل فيه مثل النار ولم يكن في زمانه أكثر بكاء منه خوفا من الله تعالى فلما نزل به البلاء لم يبك مخافة الجزع وبقي لسانه للذكر وقلبه للمعرفة والشكر وكان يرى أمعاءه وعروقه وعظامه وكان مرضه أنه خرج في جميع جسده ثآليل كأليات الغنم ووقعت به حكة لا يملكها فحك بأظفاره حتى سقطت ثم بالمسوح ثم بالحجارة فأنتن جسمه وتقطع وأخرجه أهل القرية فجعلوا له عريشا على كناسه ورفضه الخلق سوى زوجته واسمها رحمة بنت إفراييم بن يوسف ين يعقوب فكانت تختلف اليه بما يصلحه وروى أبو بكر القرشي عن الليث ابن سعد قال كان ملك يظلم الناس فكلمه في ذلك جماعة من الأنبياء وسكت عنه أيوب لأجل خيل كانت له في سلطانه فأوحى الله اليه تركت كلامه من أجل خيلك لأطيلن بلاءك
واختلفوا في مدة لبثه في البلاء على أربعة أقوال
أحدها ثماني عشرة سنة رواه انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم
والثاني سبع سنين قاله ابن عباس وكعب ويحيى بن أبي كثير

والثالث سبع سنين وأشهر قاله الحسن
والرابع ثلاث سنين قاله وهب
وفي سبب سؤاله العافية ستة اقوال
أحدها أنه اشتهى إداما فلم تصبه امرأته حتى باعت قرنا من شعرها فلما علم ذلك قال مسني الضر رواه الضحاك عن ابن عباس
والثاني أن الله تعالى أنساه الدعاء مع كثرة ذكره الله فلما انتهى أجل البلاء يسر له الدعاء فاستجاب له رواه العوفي عن ابن عباس
والثالث أن نفرا من بني اسرائيل مروا به فقال بعضهم لبعض ما أصابه هذا الا بذنب عظيم فعند ذلك قال مسني الضر قاله نوف البكالي وقال عبد الله بن عبيد بن عمير كان له أخوان فأتياه يوما فوجدا ريحا فقالا لو كان الله علم منه خيرا ما بلغ به كل هذا فما سمع شيئا أشد عليه من ذلك فقال اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدقني فصدق وهما يسمعان ثم قال اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصا وأنا أعلم مكان عار فصدقني فصدق وهما يسمعان فخر ساجدا ثم قال اللهم لا ارفع رأسي حتى تكشف ما بي فكشف الله عز و جل ما به
والرابع أن ابليس جاء الى زوجته بسخلة فقال ليذبح أيوب هذه لي وقد برأ فجاءت فأخبرته فقال إن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة أمرتني أن أذبح لغير الله ثم طردها عنه فذهبت فلما رأى أنه لا طعام له ولا شراب ولا صديق خر ساجدا وقال مسني الضر قاله الحسن
والخامس ان الله تعالى أوحى اليه وهو في عنفوان شبابه إني مبتليك

قال يا رب وأين يكون قلبي قال عندي فصب عليه من البلاء ما سمعتم حتى إذا بلغ البلاء منتهاه أوحى اليه أني معافيك قال يا رب وأين يكون قلبي قال عندك قال مسني الضر قاله ابراهيم بن شيبان القرميسي فيما حدثنا به عنه
والسادس أن الوحي انقطع عنه اربعين يوما فخاف هجران ربه فقال مسني الضر ذكره الماوردي
فان قيل اين الصبر وهذا لفظ الشكوى
فالجواب أن الشكوى الى الله لا تنافي الصبر وإنما المذموم الشكوى الى الخلق ألم تسمع قول يعقوب إنما أشكو بثي وحزني الى الله يوسف 86 قال سفيان بن عيينه وكذلك من شكا الى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعا ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم لجبريل في مرضه أجدني مغموما وأجدني مكروبا وقوله بل أنا وارأساه
قوله تعالى وآتيناه أهله يعني أولاده ومثلهم معهم فيه أربعة أقوال
أحدها أن الله تعالى أحيا له أهله بأعيانهم وآتاه مثلهم معهم في الدنيا قاله ابن مسعود والحسن وقتادة وروى أبو صالح عن ابن عباس كانت

امرأته ولدت له سبعة بنين وسبع بنات فنشروا له وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات
والثاني أنهم كانوا قد غيبوا عنه ولم يموتوا فآتاه إياهم في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة رواه هشام عن الحسن
والثالث آتاه الله اجور أهله في الآخرة وآتاه مثلهم في الدنيا قاله نوف ومجاهد
والرابع آتاه اهله ومثلهم معهم في الآخرة حكاه الزجاج
قوله تعالى رحمة من عندنا أي فعلنا ذلك به رحمة من عندنا وذكرى أي عظة للعابدين قال محمد بن كعب من أصابه بلاء فليذكر ما أصاب أيوب فليقل إنه قد أصاب من هو خير مني
قوله تعالى وذا الكفل اختلفوا هل كان نبيا أم لا على قولين
أحدهما أنه لم يكن نبيا ولكنه كان عبدا صالحا قاله ابو موسى الأشعري ومجاهد ثم اختلف أرباب هذا القول في علة تسميته بذي الكفل على ثلاثة أقوال أحدها أن رجلا كان يصلي كل يوم مائة صلاة فتوفي فكفل بصلاته فسمي ذا الكفل قاله ابو موسى الأشعري والثاني أنه تكفل للنبي بقومه أن يكفيه أمرهم ويقيمه ويقضي بينهم بالعدل ففعل فسمي ذا الكفل قاله مجاهد والثالث أن ملكا قتل في يوم ثلاثمائمة نبي وفر منه مائة نبي فكفلهم ذو الكفل يطعمهم ويسقيهم حتى أفلتوا فسمي ذا الكفل قاله ابن السائب
والقول الثاني أنه كان نبيا قاله الحسن وعطاء قال عطاء

أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إني أريد قبض روحك فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل لك بأنه يصلي الليل لا يفتر ويصوم النهار لايفطر ويقضي بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك إليه ففعل ذلك فقام شاب فقال أنا أتكفل لك بهذا فتكفل به فوفى فشكر الله له ذلك ونبأه وسمي ذا الكفل وقد ذكر الثعلبي حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الكفل أنه كان رجلا لا ينزع عن ذنب وأنه خلا بامرأة ليفجر بها فبكت وقالت ما فعلت هذا قط فقام عنها تائبا ومات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله للكفل والحديث معروف وقد ذكرته في الحدائق فجعله الثعلبي أحد الوجوه في بيان ذي الكفل وهذا غلط لأن ذلك اسمه الكفل والمذكور في القرآن يقال له ذو الكفل ولأن الكفل مات في ليلته التي تاب فيها فلم يمض عليه زمان طويل يعالج فيه الصبر عن الخطايا وإذا قلنا إنه نبي فإن الأنبياء معصومون عن مثل هذا الحال وذكرت هذا لشيخنا أبي الفضل بن ناصر رحمه الله تعالى فوافقني وقال ليس هذا بذاك
قوله تعالى كل من الصابرين أي على طاعة الله وترك معصيته وأدخلناهم في رحمتنا في هذه الرحمة ثلاثة أقوال
أحدها أنها الجنة قاله ابن عباس والثاني النبوة قاله مقاتل والثالث النعمة والموالاة حكاها أبو سليمان الدمشقي
وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت

من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين
قوله تعالى وذا النون يعني يونس بن متى والنون السمكة أضيف إليها لابتلاعها إياه
قوله تعالى إذ ذهب مغاضبا قال ابن قتيبة المغاضبة مفاعلة وأكثر المفاعلة من اثنين كالمناظرة والمجادلة والمخاصمة وربما تكون من واحد كقولك سافرت وشارفت الأمر وهي هاهنا من هذا الباب وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وعاصم الجحدري وابن السميفع مغضبا باسكان الغين وفتح الضاد من غير ألف
واختلفوا في مغاضابته لمن كانت على قولين
أحدهما أنه غضب على قومه قاله أبن عباس والضحاك وفي غضبه عليهم ثلاثة أقوال أحدها أن الله تعالى أوحى إلى بني نبي يقال له شعيا أن ائت فلان الملك فقل له يبعث نبيا أمينا إلى بني إسرائيل وكان قد غزا بني إسرائيل ملك وسبا منهم الكثير فاراد النبي والملك أن يبعثا يونس إلى ذلك الملك ليكلمه حتى يرسلهم فقال يونس لشعيا هل أمرك اللهباخراجي قال لا قال فهل سماني لك قال لا قال فهاهنا غيري من الأنبياء فألحوا عليه فخرج مغاضبا للنبي والملك ولقومه هذا مروي عن ابن عباس وقد زدناه شرخا في يونس 98 والثاني أنه عانى من قومه أمرا صعبا من الأذى والتكذيب فخرج عنهم قبل أن يؤمنوا ضجرلا وما ظن أن هذا الفعل نوجب عليه ما جرى من العقوبة ذكره ابن الأنباري وقد روي عن وهب بن منبه قال لما حملت عليه أثقال النبوة ضاق بها ذرعا ولم يصبر

فقذفها من يده وخرج هاربا والثالث أنه لما أوعدهم العذاب فتابوا ورفع عنهم قيل له ارجع إليهم فقال كيف أرجع فيجدوني كاذبا فانصرف مغاضبا لقومه عاتبا على ربه وقد ذكرنا هذا في يونس 98
والثاني أنه خرج مغاضبا لربه قاله الحسن وسعيد بن جبير والشعبي وعروة وقال أبو بكر النقاش المعنى مغاضبا من أجل ربه وإنما غضب لأجل تمردهم وعصيانهم وقال ابن قتيبة كان مغيظا عليهم لطول ما عاناه من تكذيبهم مشتهيا أن ينزل بهم فعاقبه الله على كراهيته العفو عن قومه
قوله تعالى فظن أن لن نقدر عليه وقرأ يعقوب يفدر بضم الياء وتشديد الدال وفتحها وقرأ سعيد بن جبير وأبو الجوزاء وابن أبي ليلى يقدر بياء مرفوعة مع سكون القاف وتخفيف الدال وفتحها وقرأ أبو عمران الجوني يقدر بياء مفتوحة وسكون القاف وكسر الدال خفيفة وقرأ الزهري وابن يعمر وحميد بن قيس نقدر بنون مرفوعة وفتح القاف وكسر الدال وتشديدها ثم فيه ثلاثة أقوال
أحدها أن لن نقضي عليه بالعقوبة رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك قال الفراء معنى الآية فظن أن لن نقدر عليه ما قدرنا من العقوبة والعرب تقول قدر بمعنى قدر قال أبو صخر ... ولا عائدا ذاك الزمان الذي مضى ... تباركت ما تقدر يكن ولك الشكر ...
أراد ما تقدر وهذا مذهب الزجاج

والثاني فظن أن لن نضيق عليه قاله عطاء قال ابن قتيبة يقال فلان مقدر عليه ومقتر عليه ومنه قوله تعالى فقدر عليه رزقه الفجر 16 أي ضيق عليه فيه قال النقاش والمعنى فظن أن لن يضيق عليه الخروج فكأنه ظن أن الله قد وسع له إن شاء أن يقيم وإن شاء أن يخرج ولم يؤذن له في الخروج
والثالث أن المعنى فظن أنه يعجز ربه فلا يقدر عليه رواه عوف عن الحسن وقال ابن زيد وسليمان التيمي المعنى أفظن أن لن نقدر عليه فعلى هذا الوجه يكون استفهاما قد حذفت ألفه وهذا الوجه يدل على أنه من القدرة ولا يتصور إلا مع تقدير الاستفهام ولا أعلم له وجها إلا أن يكون اسفهام إنكار تقديره ما ظن عجزنا فأين يهرب منا
قوله تعالى فنادى في الظلمات فيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل قاله سعيد ابن جبير وقتادة والأكثرون
والثاني أن حوتا جاء فابتلع الحوت الذي هو في بطنه فنادى في ظلمة حوت ثم في ظلمة حوت ثم في ظلمة البحر قاله سالم ابن أبي الجعد
والثالث أنها ظلمة الماء وظلمة معى السمكة وظلمة بطنها قاله ابن السائب وقد روى سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه كلمة أخي يونس فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين قال الحسن وهذا اعتراف من يونس بذنبه وتوبة من خطيئته

قوله تعالى فاستجبنا له أي أجبناه ونجيناه من الغم أي من الظلمات وكذلك ننجي المؤمنين إذا دعونا وروى أبو بكر عن عاصم أنه قرأ نجي المؤمنين بنون واحدة مشددة الجيم قال الزجاج وهذا لحن لا وجه له وقال ابو علي الفارسي غلط الراوي عن عاصم ويدل على هذا اسكانه الياء من نجي ونصب المؤمنين ولو كان على ما لم يسم فاعله ما سكن الياء ولرفع المؤمنين
وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون
قوله تعالى لا تذرني فردا أي وحيدا بلا ولد وانت خير الوارثين أي أفضل من بقي حيا بعد ميت
قوله تعالى وأصلحنا له زوجه فيه ثلاثة أقوال
أحدها أصلحت للولد بعد أن كانت عقيما قاله ابن عباس وسعيد ابن جبير وقتادة
والثاني أنه كان في لسانها طول وهو البذاء فأصلحت قاله عطاء وقال السدي كانت سليطة فكف عنه لسانها

والثالث أنه كان خلقها سيئا قاله محمد بن كعب
قوله تعالى إنهم كانوا يسارعون في الخيرات أي يبادرون في طاعة الله وفي المشار اليهم قولان
أحدهما زكريا وامرأته ويحيى والثاني جميع الأنبياء المذكورون في هذه السورة
قوله تعالى ويدعوننا وقرأ ابن مسعود وابن محيصن ويدعونا بنون واحدة
قوله تعالى رغبا ورهبا أي رغبا فيما عندنا ورهبا منا وقرأ الأعمش رغبا ورهبا بضم الراءين وجزم الغين والهاء وهما لغتان مثل النحل والنحل والسقم والسقم وكانوا لنا خاشعين أي متواضعين
قوله تعالى والتي أحصنت فرجها فيه قولان
أحدهما أنه مخرج الولد والمعنى منعته مما لا يحل وإنما وصفت بالعفاف لأنها قذفت بالزنا
والثاني أنه جيب درعها ومعنى الفرج في اللغة كل فرجة بين شيئين وموضع جيب درع المرأة مشقوق فهو يسمى فرجا وهذا أبلغ في الثناء عليها لأنها إذا منعت جيب درعها فهي لنفسها أمنع
قوله تعالى فنفخنا فيها أي أمرنا جبريل فنفخ في درعها فأجرينا فيها روح عيسى كما تجري الريح بالنفخ واضاف الروح اليه اضافة الملك للتشريف والتخصيص وجعلناها وابنها اية قال الزجاج لما كان شأنهما واحدا كانت

الآية فيهما آية واحدة وهي ولادة من غير فحل وقرأ ابن مسعود وابن ابي عبلة آيتين على التثنية
قوله تعالى إن هذه أمتكم قال ابن عباس المراد بالامة هاهنا الدين وفي المشار اليهم قولان
أحدهما أنهم أمة محمد صلى الله عليه و سلم وهو معنى قول مقاتل
والثاني أنهم الأنبياء عليهم السلام قاله ابو سليمان الدمشقي ثم ذكر أهل الكتاب فذمهم بالاختلاف فقال تعالى وتقطعوا أمرهم بينهم أي اختلفوا في الدين فمن يعمل من الصالحات أي شيئا من الفرائض وأعمال البر فلا كفران لسعيه أي لا نجحد ما عمل قاله ابن قتيبة والمعنى أنه يقبل منه ويثاب عليه وإنا له كاتبون ذلك نأمر الحفظة أن يكتبوه لنجازيه به
وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فاذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون
قوله تعالى وحرام على قرية قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم وحرام بألف وقرأ حمزة والكسائي

وابو بكر عن عاصم وحرم بكسر الحاء من غير ألف وهما لغتان يقال حرم وحرام وقرأ معاذ القارئ وأبو المتوكل وأبو عمران الجوني حرم بفتح الحاء وسكون الراء من غير الف والميم مرفوعة منونة وقرأ سعيد بن جبير وحرم بفتح الحاء وسكون الراء وفتح الميم من غير تنوين ولا ألف وقرأ ابو الجوزاء وعكرمة والضحاك وحرم بفتح الحاء والميم وكسر الراء من غير تنوين ولا ألف وقرأ سعيد بن المسيب وأبو مجلز وابو رجاء وحرم بفتح الحاء وضم الراء ونصب الميم من غير ألف
وفي معنى قوله تعالى وحرام قولان
أحدهما واجب قاله ابن عباس وانشدوا في معناه ... فان حراما لا أرى الدهر باكيا ... على شجوه إلا بكيت على عمرو ...
أي واجب
والثاني أنه بمعنى العزم قاله سعيد بن جبير وقال عطاء حتم من الله والمراد بالقرية أهلها
ثم في معنى الآية أربعة أقوال
أحدها واجب على قرية أهلكناها أنهم لا يتوبون رواه عكرمة عن ابن عباس
والثاني واجب عليها أنها إذا أهلكت لا ترجع الى دنياها هذا قول قتادة وقد روي عن ابن عباس نحوه

والثالث أن لا زائدة والمعنى حرام على قرية مهلكة أنهم يرجعون الى الدنيا قاله ابن جريج وابن قتيبة في آخرين
والرابع أن الكلام متعلق بما قبله لأنه لما قال فلا كفران لسعيه أعلمنا أنه قد حرم قبول اعمال الكفار فمعنى الآية وحرام على قرية أهلكناها أن يتقبل منهم عمل لأنهم لا يتوبون هذا قول الزجاج
فان قيل كيف يصح أن يحرم على الإنسان ما ليس من فعله ورجوعهم بعد الموت ليس اليهم
فالجواب ان المعنى منعوا من ذلك كما يمنع الانسان من الحرام وإن قدر عليه فكان التشبيه بالتحريم للحالتين من حيث المنع
قوله تعالى حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وقرأ ابن عامر فتحت بالتشديد والمعنى فتح الردم عنهم وهم من كل حدب قال ابن قتيبة من كل نشر من الأرض وأكمة ينسلون من النسلان وهو مقاربة الخطو مع الإسراع كمشي الذئب إذا بادر والعسلان مثله وقال الزجاج

الحدب كل أكمه وينسلون يسرعون وقرأ أبو رجاء العطاردي وعاصم الجحدري ينسلون بضم السين
وفي قوله تعالى وهم قولان
أحدهما أنه إشارة الى يأجوج ومأجوج قاله الجمهور
والثاني الى جميع الناس فالمعنى وهم يحشرون الى الموقف قاله مجاهد والأول اصح
فان قيل أين جواب حتى ففيه قولان
أحدهما أنه قوله تعالى واقترب الوعد الحق والواو في قوله تعالى واقترب زائدة قاله الفراء ومثله حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها الزمر 73 وقوله تعالى فلما أسلما للجبين وناديناه الصافات 104 , 103 المعنى نادينا وقال عبد الله بن مسعود الساعة من الناس بعد يأجوج ومأجوج كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولدها ليلا أو نهارا
والثاني أنه قول محذوف في قوله يا ويلنا فالمعنى حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد قالو يا ويلنا قال الزجاج هذا قول البصريين فاما الوعد الحق فهو القيامة
قوله تعالى فاذا هي في هي أربعة اقوال
أحدها أن هي كناية عن الابصار والابصار تفسير لها كقول الشاعر ... لعمرو أبيها لا تقول ظعينتي ... ألا فرعني مالك بن أبي كعب ...
فذكر الظعينة وقد كنى عنها في لعمرو أبيها

والثاني أن هي ضمير فصل وعماد ويصح في موضعها هو ومثله قول إنه أنا الله النمل 9 وقوله فانها لا تعمى الأبصار الحج 46 وأنشدوا ... بثوب ودينار وشاه ودرهم ... فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس ...
ذكرهما الفراء
والثالث ان يكون تمام الكلام عند قوله هي على معنى فاذا هي بارزة واقفة يعني من قربها كأنها آتية حاضرة ثم ابتدأ فقال شاخصة ذكره الثعلبي
والرابع أن هي كناية عن القصة والمعنى القصة أن ابصارهم شاخصة في ذلك اليوم ذكره علي بن احمد النيسابوري قال المفسرون تشخص ابصار الكفار من هول يوم القيامة ويقولون يا ويلنا قد كنا أي في الدنيا في غفلة من هذا أي عن هذا بل كنا ظالمين أنفسنا بكفرنا ومعاصينا هم خاطب أهل مكة فقال إنكم وما تعبدون من دون الله يعني الاصنام حصب جهنم وقرأ علي بن ابي طالب وابو العالية وعمر بن عبد العزيز حطب بالطاء وقرأ ابن عباس وعائشة وابن السميفع حضب بالضاد المعجمة المفتوحة وقرأ عروة وعكرمة وابن يعمر وابن أبي عبلة حضب جهنم باسكان الضاد المعجمة وقرأ ابو المتوكل وأبو حيوة ومعاذ القارئ حضب بكسر الحاء مع تسكين الضاد المعجمة وقرأ ابو مجلز

وأبو رجاء وابن محيصن حصب بفتح الحاء وبصاد غير معجمة ساكنة قال الزجاج من قرأ حصب جهنم فمعناه كل ما يرمى به فيها ومن قرأ حطب فمعناه ما توقد به ومن قرأ بالضاد المعجمة فمعناه ما تهيج به النار وتذكى به قال ابن قتيبة الحصب ما ألقي فيها واصله من الحصباء وهو الحصى يقال حصبت فلانا إذا رميته حصبا بتسكين الصاد وما رميت به فهو حصب بفتح الصاد
قوله تعالى أنتم يعني العابدين والمعبودين لها واردون أي داخلون لو كان هؤلاء يعني الاصنام آلهة على الحقيقة ماوردوها فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه اشارة إلى الاصنام والمعنى لو كانوا آلهة ما دخلوا النار
والثاني أنه اشارة الى عابديها فالمعنى لو كانت الأصنام آلهة منعت عابديها دخول النار
والثالث أنه إشارة الى الآلهة وعابديها بدليل قوله تعالى وكل فيها خالدون يعني العابد والمعبود
قوله تعالى لهم فيه زفير قد شرحنا معنى الزفير في هود 106 وفي علة كونهم لا يسمعون ثلاثة أقوال
أحدها أنه يوضع في مسامعهم مسامير من نار ثم يقذفون في توابيت من نار مقفلة عليهم رواه أبو أمامة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث طويل وقال ابن مسعود إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار

ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخرى فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحدهم ان في النار أحدا يعذب غيره
والثاني أن السماع أنس والله لا يحب أن يؤنسهم قاله عون بن عمارة
والثالث إنما لم يسمعوا لشدة غليان جهنم قاله ابو سليمان الدمشقي
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقهم الملئكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين وما أرسلناك الا رحمة للعالمين
قوله تعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى سبب نزولها أنه لما نزلت إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم شق ذلك على قريش وقالوا شتم آلهتنا فجاء ابن الزبعري فقال ما لكم قالوا شتم آلهتنا قال وما قال فاخبروه فقال ادعوه لي فلما دعي رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أو لكل من عبد من دون الله قال لا بل لكل من عبد من دون الله فقال ابن الزبعري خصمت ورب هذه البنية ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وأن عزيرا عبد صالح

فهذه بنو مليح يعبدون الملائكة وهذه النصارى تعبد عيسى وهذه اليهود تعبد عزيرا فضج أهل مكة فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس وقال الحسين ابن الفضل إنما أراد بقوله وما تعبدون الأصنام دون غيرها لأنه لو أراد الملائكة والناس لقال ومن وقيل إن بمعنى إلا فتقديره إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى وهي قراءة ابن مسعود وأبي نهيك فانهما قرءا الا الذين وروي عن علي بن أبي طالب أنه قرأ هذه الآية فقال أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن
وفي المراد بالحسنى قولان أحدهما الجنة قاله ابن عباس وعكرمة والثاني السعادة قاله ابن زيد
قوله تعالى اولئك عنها أي عن جهنم وقد تقدم ذكرها مبعدون و البعد طول المسافة والحسيس الصوت تسمعه من الشيء إذا مر قريبا منك قال ابن عباس لا يسمع أهل الجنة حسيس أهل النار إذا نزلوا منازلهم من الجنة
قوله تعالى لا يحزنهم الفزع الأكبر وقرأ ابو رزين وقتادة

وابن أبي عبلة وابن محيصن وأبو جعفر الشيزري عن الكسائي لا يحزنهم بضم الياء وكسر الزاي
وفي الفزع الأكبر أربعة أقوال
أحدها أنه النفخة الآخرة رواه العوفي عن ابن عباس وبهذه النفخة يقوم الناس من قبورهم ويدل على صحة هذا الوجه قوله تعالى وتتلقاهم الملائكة
والثاني أنه اطباق النار على أهلها رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال الضحاك
والثالث أنه ذبح الموت بين الجنة والنار وهو مروي عن ابن عباس أيضا وبه قال ابن جريج
والرابع أنه حين يؤمر بالعبد الى النار قاله الحسن البصري
وفي مكان تلقي الملائكة لهم قولان
أحدهما إذا قامو من قبورهم قاله مقاتل والثاني على أبواب الجنة قاله ابن السائب
قوله تعالى هذا يومكم فيه اضمار يقولون هذا يومكم الذي كنتم توعدون فيه الجنة
قوله تعالى يوم نطوي السماء وقرأ ابو العالية وابن أبي عبلة وأبو جعفر تطوى بتاء مضمومة السماء بالرفع وذلك بمحو رسومها وتكدير نجومها وتكوير شمسها كطي السجل للكتاب قرأ الجمهور السجل بكسر السين والجيم وتشديد اللام وقرأ الحسن وأبو المتوكل

وابو الجوزاء ومحبوب عن أبي عمرو السجل بكسر السين وإسكان الجيم خفيفة وقرأ ابو السماك كذلك إلا أنه فتح الجيم
قوله تعالى للكتاب قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر للكتاب وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم للكتب على الجمع
وفي السجل اربعة اقوال
أحدها أنه ملك قاله علي بن أبي طالب وابن عمر والسدي
والثاني أنه كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم رواه ابو الجوزاء عن ابن عباس
والثالث أن السجل بمعنى الرجل روى ابو الجوزاء عن ابن عباس قال السجل هو الرجل قال شيخنا أبو منصور اللغوي وقد قيل السجل بلغة الحبشة الرجل
والرابع أنه الصحيفة رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال مجاهد والفراء وابن قتيبة وقرأت على شيخنا أبي منصور قال قال ابو بكر يعني ابن دريد السجل الكتاب والله أعلم ولا ألتفت الى قولهم إنه

فارسي معرب والمعنى كما يطوي السجل على ما فيه من كتاب واللام بمعنى على وقال بعض العلماء المراد بالكتاب المكتوب فلما كان المكتوب ينطوي بانطواء الصحيفة جعل السجل كأنه يطوي الكتاب
ثم استأنف فقال تعالى كما بدأنا أول خلق نعيده الخلق هاهنا مصدر وليس بمعنى المخلوق
وفي معنى الكلام اربعة أقوال
أحدها كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة روي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلا كما خلقوا ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده والى هذا المعنى ذهب مجاهد
والثاني أن المعنى إنا نهلك كل شيء كما كان أول مرة رواه العوفي عن ابن عباس
والثالث أن السماء تمطر أربعين يوما كمني الرجال فينبتون بالمطر في قبورهم كما ينبتون في بطون امهاتهم رواه أبو صالح عن ابن عباس
والرابع أن المعنى قدرتنا على الإعادة كقدرتنا على الابتداء قاله الزجاج

قوله تعالى وعدا قال الزجاج هو منصوب على المصدر لأن قوله تعالى نعيده بمعنى وعدنا هذا وعدا إنا كنا فاعلين أي قادرين على فعل ما نشاء وقال غيره إنا كنا فاعلين ما وعدنا
قوله تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر فيه اربعة أقوال
أحدها أن الزبور جميع الكتب المنزلة من السماء والذكر أم الكتاب الذي عند الله قاله سعيد بن جبير في رواية ومجاهد وابن زيد وهذا معنى قول ابن عباس في رواية ابن جبير فانه قال الزبور التوارة والإنجيل والقرآن والذكر الذي في السماء
والثاني أن الزبور الكتب والذكر التوراة رواه العوفي عن ابن عباس
والثالث أن الزبور القرآن والذكر التوراة والإنجيل قاله سعيد بن جبير في رواية
والرابع أن الزبور زبور داود والذكر ذكر موسىة قاله الشعبي وفي الارض المذكورة هاهنا ثلاثة أقوال
أحدها أنه أرض الجنة رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال الاكثرون والثاني أرض الدنيا وهو منقول عن ابن عباس أيضا والثالث الارض المقدسة قاله ابن السائب
وفي قوله تعالى يرثها عبادي الصالحون ثلاثة أقوال
أحدها أنهم أمة محمد صلى الله عليه و سلم رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وفي رواية ترث أمه محمد أرض الدنيا بالفتوح
والثاني بنو اسرائيل قاله ابن السائب

والثالث أنه عام في كل صالح قاله بعض فقهاء المفسرين
قوله تعالى إن في هذا يعني القرآن لبلاغا أي لكفاية والمعنى أن من اتبع القرآن وعمل به كان القرآن بلاغه الى الجنة
وقوله تعالى لقوم عابدين قال كعب هم امة محمد صلى الله عليه و سلم الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان
قوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قال ابن عباس هذا عام للبر والفاجر فمن آمن به تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ومن كفر به صرفت عنه العقوبة الى الموت والقيامة وقال ابن زيد هو رحمة لمن آمن به خاصة
قل إنما يوحى الي انما الهكم اله واحد فهل أنتم مسلمون فان تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري اقريب أم بعيد ما توعدون إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع الى حين قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون

قوله تعالى فهل انتم مسلمون قال ابن عباس فهل أنتم مخلصون له العبادة قال اهل المعاني هذا استفهام بمعنى الأمر
قوله تعالى فان تولوا أي اعرضوا ولم يؤمنوا فقل آذنتكم على سواء في معنى الكلام قولان
أحدهما نابذتكم وعاديتكم وأعلمتكم ذلك فصرت أنا وأنتم على سواء قد استوينا في العلم بذلك وهذا من الكلام المختصر قاله ابن قتيبة
والثاني أعلمتكم بالوحي الي لتستووا في الإيمان به قال الزجاج
قوله تعالى وإن أدري أي وما أدري اقريب أم بعيد ما توعدون بنزول العذاب بكم إنه يعلم الجهر وهو ما يقولونه للنبي صلى الله عليه و سلم متى هذا الوعد يس 48 وما تكتمون إسرارهم ان العذاب لا يكون
قوله تعالى لعله فتنة لكم في هاء لعله قولان
أحدهما انها ترجع الى ما آذنهم به قاله الزجاج
والثاني الى العذاب فالمعنى لعل تأخير العذاب عنكم فتنة قاله ابن جرير وأبو سليمان الدمشقي ومعنى الفتنة هاهنا الاختبار ومتاع الى حين أي تستمعون الى انقضاء آجالكم قل رب وروى حفص عن عاصم قال رب احكم قرأ ابو جعفر رب احكم بضم الباء وروى زيد عن يعقوب ربي بفتح الياء أحكم بقطع الهمزة وفتح الكاف ورفع الميم ومعنى احكم بالحق أي بعذاب كفار قومي الذي نزوله حق فحكم عليهم بالقتل في يوم بدر وفيما بعده من الأيام والمعنى على هذا افصل بيني وبين المشركين

بما يظهر به الحق ومعنى على ما تصفون أي من كذبكم وباطلكم وقرا ابن عامر والمفضل عن عاصم يصفون بالياء
فان قيل فهل يجوز على الله أن يحكم بغير الحق
فالجواب أن المعنى احكم بحكمك الحق كأنه استعجل النصر عليهم

سورة الحج
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه الى عذاب السعير
فصل في نزولها
روى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية كلها غير آيتين نزلتا بالمدينة قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف والتي تليها الحج 13 , 12 وي رواية اخرى عن ابن عباس انها مدنية الا أربع آيات نزلت بمكة وهي قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول الى آخر الاربع الحج 57 - 53 وقال عطاء بن يسار نزلت بمكة الا ثلاثة آيات منها نزلت بالمدينة

هذان خصمان واللتان بعدها الحج 22 , 20 وقال ابو سليمان الدمشقي أولها مدني الى قوله تعالى وبشر المحسنين الحج 38 وسائرها مكي وقال الثعلبي هي مكية غير ست آيات نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى هذان خصمان الى قوله تعالى الحميد الحج 25 , 20 وقال هبة الله بن سلامة هي من أعاجيب سور القرآن لأن فيها مكية ومدنيا وحضريا وسفريا وحربيا وسلميا وليليا ونهاريا وناسخا ومنسوخا
فأما المكي فمن رأس الثلاثين منها الى آخرها
واماالمدني فمن رأس خمس وعشرين الى رأس ثلاثين
وأما الليلي فمن أولها الى آخر خمس آيات
وأما النهاري فمن رأس خمس آيات الى رأس تسع
وأما السفري فمن رأس تسع الى اثنتي عشرة
وأما الحضري فالى رأس العشرين منها نسب الى المدينة لقرب مدته
قوله تعالى اتقوا ربكم أي احذروا عقابة إن زلزلة الساعة الزلزلة الحركة على الحالة الهائلة
وفي وقت هذه الزلزلة قولان
أحدهما أنها يوم القيامة بعد النشور روى عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قرأ إن زلزلة الساعة شيء عظيم وقال تدرون أي يوم ذلك فأنه يوم ينادي الرب عز و جل آدم عليه السلام ابعث بعثا الى النار فذكر الحديث وروى ابو سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم

يقول الله تعالى يوم القيامة لآدم قم فابعث بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين الى النار فحينئذ يشيب المولود وتضع كل ذات حمل حملها وقرأ الآية وقال ابن عباس زلزلة الساعة قيامها يعني أنها تقارب قيام الساعة وتكون معها وقال الحسن والسدي هذه الزلزلة تكون يوم القيامة
والثاني أنها تكون في الدنيا قبل القيامة وهي من اشراط الساعة قاله علقمة والشعبي وابن جريج وروى ابو العالية عن ابي بن كعب قال ست آيات قبل القيامة بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت ففزع الجن الى الإنس والإنس الى الجن واختلطت الدواب والطير والوحش فماج بعضهم في بعض فقالت الجن للانس نحن نأتيكم بالخبر فانطلقوا الى البحور فاذا هي نار تأجج فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض الى الأرض السابعة والسماء الى السماء السابعة فينما هم كذلك إذ جاءتهم

الريح فماتوا وقال مقاتل هذه الزلزلة قبل النفخة الأولى وذلك أن مناديا ينادي من السماء يا أيها الناس أتى أمر الله فيفزعون فزعا شديدا فيشيب الصغير وتضع الحوامل
قوله تعالى شيء عظيم أي لا يوصف لعظمه
قوله تعالى يوم ترونها يعني الزلزلة تذهل كل مرضعة عما أرضعت فيه قولان
أحدهما تسلو عن ولدها وتتركه قاله ابن قتيبة
والثاني تشغل عنه قاله قطرب ومنه قول ابن رواحة
... ويذهل الخليل عن خليله ...
وقرأ ابو عمران الجوني وابن ابي عبلة تذهل برفع التاء وكسر الهاء كل بنصب اللام قال الأخفش وإنما قال مرضعة لأنه أراد والله أعلم الفعل ولو اراد الصفة فيما نرى لقال مرضع قال الحسن تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام وهذا يدل على أن الزلزلة تكون في الدنيا لأن بعد البعث لا تكون حبلى
قوله تعالى وترى الناس سكارى وقرأ عكرمة والضحاك وابن يعمر وترى بضم التاء ومعنى سكارى من شدة الخوف وما هم بسكارى من الشراب والمعنى ترى الناس كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم يضطربون اضطراب السكران من الشراب وقرأ حمزة والكسائي وخلف سكرى وما هم بسكرى وهي قراءة ابن مسعود قال الفراء

وهو وجه جيد لأنه بمنزله الهلكى والجرحى وقرا عكرمة والضحاك وابن السميفع سكارى وما هم بسكارى بفتح السين والراء وإثبات الألف ولكن عذاب الله شديد فيه دليل على أن سكرهم من خوف عذابه
قوله تعالى ومن الناس من يجادل في الله قال المفسرون نزلت في النضر بن الحارث وفيما جادل فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه كان كلما نزل شيء من القرآن كذب به قاله ابن عباس
والثاني أنه زعم أن الملائكة بنات الله قاله مقاتل
والثالث أنه قال لا يقدر الله على إحياء الموتى ذكره ابو سليمان الدمشقي
قوله تعالى بغير علم أي إنما يقوله باغواء الشيطان لا بعلم ويتبع ما يسول له كل شيطان مريد وقد ذكرنا معنى المريد في سورة النساء 117
قوله تعالى كتب عليه أنه من تولاه كتب بمعنى قضي والهاء في عليه وفي تولاه كناية عن الشيطان ومعنى الآية قضي على الشيطان أنه يضل من اتبعه وقرأ ابو عمران الجوني كتب بفتح الكاف أنه بفتح الهمزة فانه بكسر الهمزة وقرأ ابو مجلز وابو العالية وابن ابي ليلى والضحاك وابن يعمر إنه فانه بكسر الهمزة فيهما وقد بينا معنى السعير في سورة النساء 10
يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة

وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء الى اجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا اشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور
قوله تعالى يا أيها الناس يعني أهل مكة إن كنتم في ريب من البعث أي في شك من القيامة فانا خلقناكم من تراب يعني خلق آدم ثم من نطفة يعني خلق ولده والمعنى إن شككتم في بعثكم فتدبروا أمر خلقكم وابتدائكم فانكم لا تجدون في القدرة فرقا بين الابتداء والاعادة فأما النطفة فهي المني والعلقة دم عبيط جامد وقيل سميت علقة لرطوبتها وتعلقها بما تمر به فاذا جفت فليست علقة والمضغة لحمة صغير قال ابن قتيبة وسميت بذلك لأنه بقدر ما يمضغ كما قيل غرفة لقدر ما يغرف
قوله تعالى مخلقة وغير مخلقة فيه خمسة اقوال
أحدها أن المخلقة ما خلق سويا وغير المخلقة ما ألقته الأرحام من النطف وهو دم قبل أن يكون خلقا قاله ابن مسعود
والثاني أن المخلقة ما أكمل خلقه بنفخ الروح فيه وهو الذي يولد

حيا لتمام وغير المخلقة ما سقط غير حي لم يكمل خلقه بنفح الروح فيه هذا معنى قول ابن عباس
والثالث أن المخلقة المصورة وغير المخلقة غير مصورة قاله الحسن
والرابع أن المخلقة وغير المخلقة السقط تارة يسقط نطفة وعلقة وتارة قد صور بعضه وتارة قد صور كله قاله السدي
والخامس أن المخلقة التامة وغير المخلقة السقط قاله الفراء وابن قتيبة
قوله تعالى لنبين لكم فيه أربعة أقوال
أحدها خلقناكم لنبين لكم ما تأتون وما تذرون
والثاني لنبين لكم في القرآن بدو خلقكم وتنقل احوالكم
والثالث لنبين لكم كمال حكمتنا وقدرتنا في تقليب أحوال خلقكم
والرابع لنبين لكم أن البعث حق
وقرأ أبو عمران الجوني وابن أبي عبلة ليبين لكم بالياء
قوله تعالى ونقر في الأرحام وقرأ ابن مسعود وابو رجاء ويقر بباء مرفوعة وفتح القاف ورفع الراء وقرأ ابو الجوزاء وابو اسحاق السبيعي ويقر بياء مرفوعه وبكسر القاف ونصب الراء والذي يقر في الأرحام هو الذي لا يكون سقطا الى اجل مسمى وهو أجل الولادة هم نخرجكم طفلا

قال ابو عبيدة هو في موضع اطفال والعرب قد تضع لفظ الواحد في معنى الجميع قال الله تعالى والملائكة بعد ذلك ظهير التحريم 4 أي ظهراء وأنشد ... فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور ...
وأنشد أيضا ... في حلقكم عظم وقد شجينا ...
وقال غيره إنما قال طفلا فوحد لأن الميم في قوله تعالى نخرجكم قد دلت على الجميع فلم يحتج الى ان يقول اطفالا
قوله تعالى ثم لتبلغوا فيه اضمار تقديره ثم نعمركم لتبلغوا اشدكم وقد سبق معنى الأشد الأنعام 153 ومنكم من يتوفى من قبل بلوغ الأشد ومنكم من يرد الى ارذل العمر وقد شرحناه في النحل 70 ثم إن الله تعالى دلهم على احيائه الموتى باحيائه الأرض فقال تعالى وترى الأرض هامدة قال ابن قتيبة أي ميتة يابسة ومثله همدت النار إذا طفئت فذهبت
قوله تعالى فاذا انزلنا عليها الماء يعني المطر اهتزت أي تحركت للنبات وذلك أنها ترتفع عن النبات إذا ظهر فهو معنى قوله تعالى وربت أي ارتفعت وزادت وقال المبرد أراد اهتز نباتها وربا فحذف المضاف قال الفراء وقرأ ابو جعفر المدني وربأت بهمزة مفتوحة بعد الباء فان كان ذهب الى الربيئة الذي يحرس القوم أي أنه يرتفع والا فهو غلط

قوله تعالى وانبتت من كل زوج بهيج قال ابن قتيبة من كل جنس حسن يبهج أي يسر وهو فعيل في معنى فاعل
قوله تعالى ذلك قال الزجاج المعنى الأمر ذلك كما وصف لكم والأجود أن يكون موضع ذلك رفعا ويجوز أن يكون نصبا على معنى فعل الله ذلك بأنه هو الحق
قوله تعالى وأن الساعة أي ولتعلموا أن الساعة آتية
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد
قوله تعالى ومن الناس من يجادل قد سبق بيانه وهذا مما نزل في النضر أيضا والهدى البيان والبرهان
قوله تعالى ثاني عطفه العطف الجانب وعطفا الرجل جانباه عن يمين وشمال وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان ويلويه عند إعراضه عن المشي قال الزجاج ثاني منصوب على الحال ومعناه التنوين معناه ثانيا عطفه وجاء في التفسير أن معناه لاويا عنقه وهذا يوصف به المتكبر والمعنى ومن الناس من يجادل بغير علم متكبرا
قوله تعالى ليضل أي ليصير أمره الى الضلال فكأنه وإن لم يقدر أنه يضل فإن أمره يصير الى ذلك له في الدنيا خزي وهو ما أصابه يوم بدر وذلك أنه قتل وما بعد هذا قد سبق تفسيره يونس 70 الى قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف وفي سبب نزول هذه الآية قولان

أحدهما أن ناسا من العرب كان يأتون رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولون نحن على دينك فان أصابوا معيشة ونتجت خيلهم وولدت نساؤهم الغلمان اطمأنوا وقالوا هذا دين حق وإن لم يجر الأمر على ذلك قالوا هذا دين سوء فينقلبون عن دينهم فنزلت هذه الآية هذا معنى قول ابن عباس وبه قال الأكثرون
والثاني أن رجلا من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أقلني فقال إن الإسلام لا يقال فقال إن لم اصب في ديني هذا خيرا أذهب بصري ومالي وولدي فقال يا يهودي إن الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب فنزلت هذه الآية رواه عطية عن ابي سعيد الخدري
ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وإن اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين يدعوا من دون الله مالا يضره ومالا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار ان الله يفعل ما يريد

قوله تعالى على حرف قال مجاهد وقتادة على شك قال ابو عبيدة كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم وبيان هذا أن القائم على حرف الشيء غير متمكن منه فشبه به الشاك لأنه قلق في دينه على غير ثبات ويوضحه قوله تعالى فان اصابه خير أي رخاء وعافية اطمأن به على عبادة الله وإن اصابته فتنة اختبار بجدب وقلة مال انقلب على وجهه أي رجع عن دينه الى الكفر والمعنى انصرف الى وجهه الذي توجه منه وهو الكفر خسر الدنيا حيث لم يظفر بما أراد منها وخسر الآخرة بارتداده عن الدين وقرأ ابو رزين العقيلي وابو مجلز ومجاهد وطلحة ابن مصرف وابن ابي عبلة وزيد عن يعقوب خاسر الدنيا بألف قبل السين وبنصب الراء والآخرة بخفض التاء يدعو هذا المرتد أي يعبد مالا يضره إن لم يعبده ولا ينفعه إن أطاعة ذلك الذي فعل هو الضلال البعيد عن الحق يدعو لمن ضره قال بعضهم اللام صلة والمعنى يدعو من ضره وحكى الزجاج عن البصريين والكوفيين أن اللام معناها التأخير والمعنى يدعو من لضره أقرب من نفعه قال وشرح هذا أن اللام لليمين والتوكيد فحقها أن تكون أول الكلام فقدمت لتجعل في حقها قال السدي ضره في الآخرة بعبادته إياه أقرب من نفعه
فان قيل فهل للنفع من عبادة الصنم وجه

فالجواب أنه لا نفع من قبله اصلا غير أنه جاء على لغة العرب وهم يقولون في الشيء الذي لا يكون هذا بعيد
قوله تعالى لبئس المولى ولبئس العشير قال ابن قتيبة المولى الولي والعشير الصاحب والخليل
ومن كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب الى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين اشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله عل كل شيء شهيد
قوله تعالى من كان يظن ان لن ينصره الله في الدنيا والآخرة قال مقاتل نزلت في نفر من أسد وغطفان قالوا إنا نخاف أن لا ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود والى نحو هذا ذهب ابو حمزة الثمالي والسدي وحكى ابو سليمان الدمشقي أن الإشارة بهذه الآية الى الذين انصرفوا عن الإسلام لأن أرزاقهم ما اتسعت وقد شرحنا القصة في قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف
وفي هاء ينصره قولان
أحدهما أنها ترجع على من والنصر بمعنى الرزق هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء وبه قال مجاهد قال ابو عبيدة وقف علينا سائل

من بني بكر فقال من ينصرني نصره الله أي من يعطيني أعطاه الله ويقال نصر المطر أرض كذا أي جادها وأحياها قال الراعي ... إذا ادبر الشهر الحرام فودعي ... بلاد تميم وانصري أرض عامر ...
والثاني أنها ترجع الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فالمعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمد رواه التميمي عن ابن عباس وبه قال عطاء وقتادة قال ابن قتيبة وهذه كناية عن غير مذكور وكان قوم من المسلمين لشدة حنقهم على المشركين يستبطئون ما وعد الله رسوله من النصر واخرون من

المشركين يريدون اتباعه ويخشون أن لا يتم أمره فقال هذه الآية للفريقين ثم في معنى هذا النصر قولان
أحدهما أنه الغلبة قاله ابو صالح عن ابن عابس والجمهور
والثاني أنه الرزق حكاه أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى فليمدد بسبب الى السماء في المراد بالسماء قولان
أحدهما سقف بيته والمعنى فليشدد حبلا في سقف بيته فليختنق به ثم ليقطع الحبل ليموت مختنقا هذا قول الأكثرين ومعنى الآية ليصور هذا الأمر في نفسه لا انه يفعله لأنه إذا اختنق لا يمكنه النظر والعلم
والثاني أنها السماء المعروفة والمعنى فليقطع الوحي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم إن قدر قاله ابن زيد
قوله تعالى ثم ليقطع قرأ ابو عمرو وابن عامر ثم ليقطع ثم ليقضوا الحج 29 بكسر اللام زاد ابن عامر وليوفوا الحج 29 وليطوفوا الحج 29 بكسر اللام أيضا وكسر أبن كثير لام ثم ليقضوا فحسب وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بسكون هذه اللامات وكذلك في كل القرآن إذا كان قبلها واو أو فاء أو ثم قال الفراء من سكن فقد خفف وكل لام أمر وصلت بواو أو فاء فأكثر كلام العرب تسكينها وقد كسرها بعضهم قال ابو علي الأصل الكسر لأنك إذا ابتدأت قلت ليقم زيد
قوله تعال هل يذهبن كيده قال ابن قتيبة المعنى هل تذهبن حيلته غيظه والمعنى ليجهد جهده
قوله تعالى وكذلك أي ومثل ذلك الذي تقدم من آيات القرآن

أنزلناه يعني القرآن وما بعد هذا ظاهر الى قوله تعالى إن الله يفصل بينهم أي يقضي يوم القيامة بينهم بادخال المؤمنين الجنة والآخرين النار إن الله عل كل شيء من أعمالهم شهيد
ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء
قوله تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب أي ألم تعلم وقد بينا في سورة النحل 49 معنى السجود في حق من يعقل ومن لا يعقل
قوله تعالى وكثير من الناس يعني الموحدين ا لذين يسجدون لله
وفي قوله تعالى وكثير حق عليه العذاب قولان
أحدهما أنهم الكفار وهم يسجدون وسجودهم سجود ظلهم قاله مقاتل
والثاني أنهم لا يسجدون والمعنى وكثير من الناس أبى السجود فحق عليه العذاب لتركه السجود هذا قول الفراء
قوله تعالى ومن يهن الله أي من يشقه الله فما له من مسعد إن الله يفعل ما يشاء في خلقه من الكرامة والإهانة

هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤسهم الحميم يصهر به ما في بطونم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق
قوله تعالى هذان خصمان اختلفوا فيمن نزلت على اربعة أقوال
أحدها أنها نزلت في النفر الذين تبارزوا للقتال يوم بدر حمزة وعلي وعبيد بن الحارث وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة هذا قول أبي ذر
والثاني أنها نزلت في أهل الكتاب قالوا للمؤمنين نحن أولى بالله وأقدم منكم كتابا ونبينا قبل نبيكم وقال المؤمنون نحن أحق بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وبما انزل الله من كتاب وأنتم تعرفون نبينا ثم كفرتم به حسدا فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس وقتادة
والثالث أنها في جميع المؤمنين والكفار والى هذا المعنى ذهب الحسن وعطاء ومجاهد

والرابع أنها نزلت في اختصام الجنة والنار فقالت النار خلقني الله لعقوبته وقالت الجنة خلقني الله لرحمته قاله عكرمة
فأما قوله تعالى هذان وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد وعكرمة وابن كثير هاذان بتشديد النون خصمان فمعناه جمعان وليسا برجلين ولهذا قال تعالى اختصموا ولم يقل اختصما على أنه قرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة اختصما
وفي خصومتهم ثلاثة أقوال
أحدها في دين ربهم وهذا على القولين الأوليين والثاني في البعث قاله مجاهد والثالث أنه خصام مفاخرة على قول عكرمة
قوله تعالى قطعت لهم ثياب أي سويت وجعلت لباسا قال ابن عباس قمص من نار وقال سعيد بن جبير المراد بالنار هاهنا النحاس فأما الحميم فهو الماء الحار يصهر به قال الفراء يذاب به يقال صهرت الشحم بالنار قال المفسرون يذاب بالماء الحار ما في بطونهم من شحم أو معى حتى يخرج من أدبارهم وتنضج الجلود فتتسقاط من حره ولهم مقامع قال الضحاك هي المطارق وقال الحسن إن النار ترميهم بلهبها حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع فهووا فيها سبعين خريفا فاذا انتهوا الى اسفلها ضربهم زفير لهبها فلا يستقرون ساعة قال مقاتل إذا جاشت جهنم ألقتهم في أعلاها فيريدون الخروج فتتلقاهم خزنة جهنم بالمقامع فيضربونهم

فيهوي أحدهم من تلك الضربة الى قعرها وقال غيره إذا دفعتهم النار ظنوا أنها ستقذفهم خارجا منها فتعيدهم الزبانية بمقامع الحديد
إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد
قوله تعالى ولؤلؤ قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ولؤلو بالخفض وقرأ نافع وابو بكر عن عاصم ولؤلؤا بالنصب قال أبو علي من خفص فالمعنى يحلون أساور من ذهب ومن لؤلؤ ومن نصب قال ويحلون لؤلؤا
قوله تعالى وهدوا أي أرشدوا في الدنيا الى الطيب من القول وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه لا إله إلا الله والحمد لله قاله ابن عباس وزاد ابن زيد والله أكبر
والثاني القرآن قاله السدي
والثالث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حكاه الماوردي
فأما صراط الحميد فقال ابن عباس هو طريق الإسلام
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد

الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم
قوله تعالى ويصدون عن سبيل الله أي يمنعون الناس من الدخول في الإسلام قال الزجاج ولفظ يصدون لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي لأن معنى الذين كفروا الذين هم كافرون فكأنه قال إن الكافرين والصادين فأما خبر إن فمحذوف فيكون المعنى إن الذين هذه صفتهم هلكوا
وفي المسجد الحرام قولان
أحدهما جميع الحرم روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال كانوا يرون الحرم كله مسجدا
والثاني نفس المسجد حكاه الماوردي
قوله تعالى الذي جعلناه للناس هذا وقف التمام
وفي معناه قولان
أحدهما جعلناه للناس كلهم لم نخص به بعضهم دون بعض هذا على أنه جميع الحرم
والثاني جعلناه قبلة لصلاتم ومنسكا لحجتهم وهذا على أنه نفس المسجد وقرأ إبراهيم النخعي وابن أبي عبلة وحفص عن عاصم سواء بالنصب فيتوجه الوقف على سواء وقد وقف بعبض القراء كذلك قال أبو علي الفارسي أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم فصار المعنى الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء فأما العاكف فهو المقيم والبادي الذي يأتيه من غير أهله وهذا من قولهم بدا القوم إذا خرجوا

من الحضر الى الصحراء وقرأ ابن كثير وأبو عمرو البادي بالياء غير أن ابن كثير وقف بياء وأبو عمرو بغير ياء وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والمسيبي عن نافع بغير ياء في الحالتين
ثم في معنى الكلام قولان
أحدهما أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها فليس أحدهما أحق بالمنزل من الآخر غير أنه لا يخرج أحد من بيته هذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والى نحو هذا ذهب أبو حنيفة وأحمد ومذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام هذا على أن المسجد الحرم كله
والثاني أنهما يستويان في تفضيله وحرمته وإقامة المناسك به هذا قول الحسن ومجاهد ومنهم من أجاز بيع دور مكة واليه يذهب الشافعي وعلى هذا يجوز أن يراد بالمسجد الحرم ويجوز أن يراد نفس المسجد
قوله تعالى ومن يرد فيه بالحاد الإلحاد في اللغة العدول عن القصد والباء زائدة كقوله تعالى تنبت بالدهن المؤمنون 20 وأنشدوا ... بواد يمان ينبت الشث صدره ... وأسفله بالمرخ والشبهان ... المعنى وأسفله ينبت المرخ وقال آخر ... هن الحرائر لاربات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسور

وقال آخر ... نحن بنوا جعدة أرباب الفلج ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج ...
هذا قول جمهور اللغويين قال ابن قتيبة والباء قد تزاد في الكلام كهذه الآية وكقوله تعالى اقرأ باسم ربك العلق 1 وهزي اليك بجذع النخلة مريم 24 بأيكم المفتون القلم 6 تلقون اليهم بالمودة الممتحنة 1 عينا يشرب بها الانسان 6 أي يشربها وقد تزاد من كقوله تعالى ما أريد منهم من رزق الذاريات 57 وتزاد اللام كقوله تعالى الذين هم لربهم يرهبون الاعراف 154 والكاف كقوله تعالى ليس كمثله شيء الشورى 11 وعن كقوله تعالى يخالفون عن أمره النور 63 وإن كقوله تعالى فانه ملاقيكم الجمعة 8 وإن الخفيفة كقوله تعالى فيما إن مكناكم فيه الاحقاف 26 وما كقوله تعالى عما قليل ليصبحن نادمين المؤمنون 40 والواو كقوله تعالى وتله للجبين وناديناه الصافات 104 , 103
وفي المراد بهذا الإلحاد خمسة أقوال
أحدها أنه الظلم رواه العوفي عن ابن عباس وقال مجاهد هو عمل سيئة فعلى هذا تدخل فيه جميع المعاصي وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لا تحتكروا الطعام بمكة فان احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم

والثاني أنه الشرك رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس وبه قال الحسن وقتادة
والثالث الشرك والقتل قاله عطاء
والرابع أنه استحلال محظورات الإحرام وهذا المعنى محكي عن عطاء أيضا
والخامس استحلال الحرام تعمدا قاله ابن جريج
فان قيل هل يؤاخذ الإنسان إن أراد الظلم بمكة ولم يفعله
فالجواب من وجهين
أحدهما أنه إذا هم بذلك في الحرم خاصة عوقب هذا مذهب ابن مسعود فانه قال لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها ولو أن رجلا هم بقتل مؤمن عند البيت وهو ب عدن أبين أذاقه الله في الدنيا من عذاب أليم وقال الضحاك إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى فتكتب عليه ولم يعملها وقال مجاهد تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات وسئل الإمام أحمد هل تكتب السيئة أكثر من واحدة فقال لا إلا بمكة لتعظيم البلد وأحمد على هذا يرى فضيلة المجاورة بها وقد جاور جابر بن عبد الله وكان ابن عمر يقيم بها
والثاني أن معنى ومن يرد من يعمل قال ابو سليمان الدمشقي هذا قول سائر من حفظنا عنه
وإذا بوأنا لإبرهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام

معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق
قوله تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم قال ابن عباس جعلنا وقال مقاتل دللناه عليه وقال ثعلب وإنما أدخل اللام على أن بوأنا في معنى جعلنا فيكون بمعنى ردف لكم النمل 72 أي ردفكم وقد شرحنا كيفية بناء البيت في البقرة 129
قوله تعالى أن لا تشرك بي شيئا المعنى وأوحينا اليه ذلك وطهر بيتي حرك هذه الياء نافع وحفص عن عاصم وقد شرحنا الآية في البقرة 125
وفي المراد ب القائمين قولان أحدهما القائمون في الصلاة قاله عطاء والجمهور والثاني المقيمون بمكة حكي عن قتادة
قوله تعالى وأذن في الناس بالحج قال المفسرون لما فرغ إبراهيم من بناء البيت أمره الله تعالى أن يؤذن في الناس بالحج فقال ابراهيم يا رب وما يبلغ صوتي وقال أذن وعلي البلاغ فعلا على جبل أبي قبيس وقال يا أيها الناس ان ربكم قد بنى بيتا فحجوه فأسمع من في اصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله أن يحج فأجابوه لبيك اللهم لبيك والأذان بمعنى النداء والإعلام والمأمور بهذا الأذان إبراهيم في قول الجمهور

إلا ماروي عن الحسن أنه قال المأمور به محمد صلى الله عليه و سلم والناس هاهنا اسم يعم جميع بني آدم عند الجمهور إلا ما روى العوفي عن ابن عباس انه قال عنى بالناس أهل القبلة
واعلم أن من أتى البيت الذي دعا اليه ابراهيم فكأنه قد أتى ابراهيم لأنه أجاب نداءه وواحد الرجال هاهنا راجل مثل صاحب وصحاب والمعنى يأتوك مشاة وقد روي ان ابراهيم واسماعيل حجا ماشيين وحج الحسن بن علي خمسا وعشرين حجة ماشيا من المدينة الى مكة والنجائب تقاد معه وحج الإمام أحمد ماشيا مرتين أو ثلاثا
قوله تعالى وعلى كل ضامر أي ركبانا على ضمر من طول السفر قال الفراء ويأتين فعل للنوق وقال الزجاج يأتين على معنى الإبل وقرأ ابن مسعود وابن ابي عبلة يأتون بالواو
قوله تعالى من كل فج عميق أي طريق بعيد وقد ذكرنا تفسير الفج عند قوله تعالى وجعلنا فيها فجاجا الانبياء 31
قوله تعالى ليشهدوا أي ليحضروا منافع لهم وفيها ثلاثة أقوال
أحدها التجارة قاله ابن عباس والسدي
والثاني منافع الآخرة قاله سعيد بن المسيب والزجاج في أخرين

والثالث منافع الدارين جميعا قاله مجاهد وهو أصح لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة وإنما الأصل قصد الحج والتجارة تبع
وفي الأيام المعلومات ستة أقوال
أحدها أنها أيام العشر رواه مجاهد عن ابن عمر وسعيد بن جبير عن ابن عباس وبه قال الحسن وعطاء وعكرمة ومجاهد وقتادة والشافعي
والثاني تسعة ايام من العشر قاله ابو موسى الأشعري
والثالث يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده رواه نافع عن ابن عمر ومقسم عن ابن عباس
والرابع أنها أيام التشريق رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال عطاء الخراساني والنخعي والضحاك
والخامس أنها خمسة ايام أولها يوم التروية رواه ابو صالح عن ابن عباس
والسادس ثلاثة أيام أولها يوم عرفة قاله مالك بن أنس وقيل إنما قال معلومات ليحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها قال الزجاج والذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله تعالى على ما رزقهم من بهيمة الأنعام قال القاضي أبو يعلى ويحتمل أن يكون الذكر المذكور هاهنا هو الذكر على الهدايا الواجبة كالدم الواجب لأجل التمتع والقران ويحتمل أن يكون الذكر المفعول عند رمي الجمار وتكبير التشريق لأن الآية عامة في ذلك

قوله تعالى فكلوا منها يعني الأنعام التي تنحر وهذا أمر إباحة وكان أهل الجاهلية لا يستحلون أكل ذبائحهم فأعلم الله عز و جل أن ذلك جائز غير أن هذا إنما يكون في الهدي المتطوع به فأما دم التمتع والقران فعندنا أنه يجوز أن يأكل منه وقال الشافعي لا يجوز وقد روى عطاء عن ابن عباس انه قال من كل الهدي يؤكل إلا ما كان من فداء أو جزاء أو نذر فأما البائس فهو ذو البؤس وهو شدة الفقر
قوله تعالى ثم ليقضوا تفثهم فيه اربعة أقوال
أحدها حلق الرأس وأخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقص الأظفار والأخذ من العارضين ورمي الجمار والوقوف بعرفة رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني مناسك الحج رواه عكرمة عن ابن عباس وهو قول ابن عمر
والثالث حلق الرأس قاله مجاهد

والرابع الشعر والظفر قاله عكرمة
والقول الأول أصح لأن التفث الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث وقضاؤه نقضه وإذهابه والحاج مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد فاذا قضى نسكه وخرج من احرامه بالحلق والقلم وقص الأظفار ولبس الثياب ونحو ذلك فهذا قضاء تفثه قال الزجاج وأهل اللغة لا يعرفون التفث الا من التفسير وكأنه الخروج من الإحرام الى الإحلال
قوله تعالى وليوفوا نذورهم وروى أبو بكر عن عاصم وليوفوا بتسكين اللام وتشديد الفاء قال ابن عباس هو نحر ما نذروا من البدن وقال غيره ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج فان الإنسان ربما نذر أن يتصدق إن رزقه الله رؤية الكعبة وقد يكون عليه نذور مطلقة فالأفضل أن يؤديها بمكة
قوله تعالى وليطوفوا بالبيت العتيق هذا هو الطواف الواجب لأنه أمر به بعد الذبح والذبح إنما يكون في يوم النحر فدل على أنه الطواف المفروض
وفي تسمية البيت عتيقا أربعة اقوال
أحدها لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة روى عبد الله بن الزبير عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنما سمى الله البيت العتيق لأن الله اعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط وهذا قول مجاهد وقتادة

والثاني أن معنى العتيق القديم قاله الحسن وابن زيد
والثالث لأنه لم يملك قط قاله مجاهد في رواية وسفيان بن عيينة
والرابع لأنه أعتق من الغرق زمان الطوفان قاله ابن السائب وقد تكلمنا في هذه السورة في ليقضوا وليوفوا وليطوفوا
ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق ذلك ومن يعظم أو تهوي به الريح في مكان سحيق ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب لكم فيها منافع الى أجل مسمى ثم محلها الى البيت العتيق
قوله تعالى ذلك أي الأمر ذلك يعني ما ذكر من أعمال الحج ومن يعظم حرمات الله فيجتنب ما حرم الله عليه في الإحرام تعظيما لأمر الله قال الليث الحرمة مالا يحل انتهاكه وقال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه
قوله تعالى فهو يعني التعظيم خير له عند ربه في الآخرة وأحلت لكم الأنعام وقد سبق بيانها المائدة 1 إلا ما يتلى عليكم تحريمه يعني به ما ذكر في المائدة 3 من المخنقة وغيرها وقيل وأحلت لكم الأنعام في حال احرامكم الا ما يتلى عليكم في الصيد فانه حرام
قوله تعالى فاجتنبوا الرجس أي دعوه جانبا قال الزجاج ومن هاهنا لتخليص جنس من أجناس المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن وقد شرحنا معنى الرجس في المائدة 90

وفي المراد بقول الزور اربعة أقوال
أحدها شهادة الزور قاله ابن مسعود والثاني الكذب قاله مجاهد والثالث الشرك قاله أبو مالك والرابع أنه قول المشركين في الأنعام هذا حلال وهذا حرام قاله الزجاج قال وقوله تعالى حنفاء لله منصوب على الحال وتأويله مسلمين لا ينسبون الى دين غير الإسلام ثم ضرب الله مثلا للمشرك فقال ومن يشرك بالله الى قوله سحيق والسحيق البعيد
واختلفوا في قراءة فتخطفه فقرأ الجمهور فتخطفه بسكون الخاء من غير تشديد الطاء وقرأ نافع بتشديد الطاء وقرأ ابو المتوكل ومعاذ القارىء بفتح التاء والخاء وتشديد الطاء ونصب الفاء وقرأ ابو رزين وأبو الجوزاء وأبو عمران الجوني بكسر التاء والخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء وقرأ الحسن والأعمش بفتح التاء وكسر الخاء وتشديد الطاء ورفع الفاء وكلهم فتح الطاء
وفي المراد بهذا المثل قولان
أحدهما أنه شبه المشرك بالله في بعده عن الهدى وهلاكه بالذي يخر من السماء قال قتادة
والثاني أنه شبه حال المشرك في أنه لا يملك لنفسه نفعا ولا دفع ضر يوم القيامة بحال الهاوي من السماء حكاه الثعلبي
قوله تعالى ذلك أي الأمر ذلك الذي ذكرناه ومن يعظم شعائر الله قد شرحنا معنى الشعائر في البقرة 158
وفي المراد بها هاهنا قولان
أحدهما أنها البدن وتعظيمها استحسانها واستسمانها لكم فيها منافع

قبل أن يسميها صاحبها هديا أو يشعرها ويوجبها فاذا فعل ذلك لم يكن له من منافعها شيء روى هذا المعنى مقسم عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك وقال عطاء ابن أبي رباح لكم في هذه الهدايا منافع بعد ايجابها وتسميتها هدايا إذا احتجتم الى شيء من ذلك أو اضطررتم الى شرب البانها الى أجل مسمى وهو أن تنحر
والثاني أن الشعائر المناسك ومشاهد مكة والمعنى لكم فيها منافع بالتجارة الى أجل مسمى وهو الخروج من مكة رواه ابو رزين عن ابن عباس وقيل لكم فيها منافع من الأجر والثواب في قضاء المناسك الى اجل مسمى وهو انقضاء ايام الحج
قوله تعالى فانها يعني الأفعال المذكورة من اجتناب الرجس وقول الزور وتعظيم الشعائر وقال الفراء فانه يعني الفعلة من تقوى القلوب وإنما اضاف التقوى الى القلوب لأن حقيقة التقوى تقوى القلوب
قوله تعالى ثم محلها أي حيث يحل نحرها الى البيت يعني عند البيت والمراد به الحرم كله لأنا نعلم أنها لا تذبح عند البيت ولا في المسجد هذا على القول الاول وعلى الثاني يكون المعنى ثم محل الناس من احرامهم الى البيت وهو أن يطوفوا به بعد قضاء المناسك
ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمه الأنعام فالهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلوة ومما رزقناهم ينفقون
قوله تعالى ولكل أمة جعلنا منسكا قرأ حمزة والكسائي وبعض

أصحاب ابي عمرو بكسر السين وقرأ الباقون بفتحها فمن فتح أراد المصدر من نسك ينسك ومن كسر أراد مكان النسك كالمجلس والمطلع ومعنى الآية لكل جماعة مؤمنة من الامم السالفة جعلنا ذبح القرابين ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام وإنما خص بهيمة الأنعام لأنها المشروعة في القرب والمراد من الآية أن الذبائح ليست من خصائص هذه الأمة وأن التسمية عليها كانت مشروعة قبل هذه الأمة
قوله تعالى فآلهكم إله واحد أي لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم سواه فله أسلموا أي انقادوا واخضعوا وقد ذكرنا معنى الإخبات في هود 23 وكذلك الفاظ الآية التي تلي هذه
والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا والله على ما هداكم وبشر المحسنين
قوله تعالى والبدن وقرأ الحسن وابن يعمر برفع الدال قال الفراء يقال بدن وبدن والتخفيف أجود وأكثر لأن كل جمع كان واحده على فعلة ثم ضم أول جمعه خفف مثل أكمة وأكم وأجمة وأجم وخشبة وخشب وقال الزجاج البدن منصوبة بفعل مضمر يفسره الذي ظهر والمعنى وجعلنا البدن وإن شئت رفعتها على الاستئناف والنصب أحسن ويقال بدن وبدن وبدنة مثل قولك ثمر وثمر وثمرة وإنما سميت بدنة لأنها تبدن أي تسمن

وللمفسرين في البدن قولان
أحدهما أنها الإبل والبقر قاله عطاء
والثاني الإبل خاصة حكاه الزجاج وقال الأول قول أكثر فقهاء الأمصار قال القاضي أبو يعلى البدنة اسم يختص الإبل في اللغة والبقرة تقوم مقامها في الحكم لأن النبي صلى الله عليه و سلم جعل البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة
قوله تعالى جعلناها لكم من شعائر الله أي جعلنا لكم فيها عبادة لله من سوقها الى البيت وتقليدها وإشعارها ونحرها والإطعام منها لكم فيها خير وهو النفع في الدنيا والأجر في الآخرة فاذكروا اسم الله عليها أي على نحرها صواف وقرأ ابن مسعود وابن عباس وقتادة صوافن بالنون وقرأ الحسن وابو مجلز وابو العالية والضحاك وابن يعمر صوافي بالياء قال الزجاج صواف منصوبة على الحال ولكنها لا تنون لأنها لا تنصرف أي قد صفت قوائمها والمعنى اذكروا اسم الله عليها في حال نحرها والبعير ينحر قائما وهذا الآية تدل على ذلك ومن قرأ صوافن فالصافن التي تقوم على ثلاث والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فهو الصافن والجميع صوافن هذا ومن قرأ صوافي بالياء وبالفتح بغير تنوين فتفسيره خوالص أي خالصه لله لا تشركوا به في التسمية على نحرها أحدا فاذا وجبت جنوبها أي إذا سقطت الى الأرض يقال وجب الحائط وجبة

إذا سقط ووجب القلب وجيبا إذا تحرك من فزع واعلم أن نحرها قياما سنة والمراد بوقوعها على جنوبها موتها والأمر بالأكل منها أمر إباحة وهذا في الأضاحي
قوله تعالى وأطعموا القانع والمعتر وقرأ الحسن والمعتر بكسر الراء خفيفة وفيهما ستة أقوال
أحدها أن القانع الذي يسأل والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل رواه بكر بن عبد الله عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير واختاره الفراء
والثاني أن القانع المتعفف والمعتز السائل رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال قتادة والنخعي وعن الحسن كالقولين
والثالث ان القانع المستغني بما أعطيته وهو في بيته والمعتر الذي يتعرض لك ويلم بك ولا يسأل رواه العوفي عن ابن عباس وقال مجاهد القانع جارك الذي يقنع بما أعطيته والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل وهذا مذهب القرظي فعلى هذا يكون معنى القانع أن يقنع بما أعطي ومن قال هو المتعفف قال هو القانع بما عنده
والرابع القانع أهل مكة والمعتر الذي يعتر بهم من غير أهل مكة رواه خصيف عن مجاهد
والخامس القانع الجار وإن كان غنيا والمعتر الذي يعتر بك رواه ليث عن مجاهد
والسادس القانع المسكين السائل والمعتر الصديق الزائر قاله زيد ابن اسلم قال ابن قتيبة يقال قنع يقنع قنوعا إذا سأل وقنع يقنع

قناعة إذا رضي ويقال في المعتر اعترني واعتراني وعراني وقال الزجاج مذهب أهل اللغة أن القانع السائل يقال قنع يقنع قنوعا إذا سأل فهو قانع قال الشماخ ... لما المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع ...
أي من السؤال ويقال قنع قناعة إذا رضي فهو قنع والمعتر والمعتري واحد
قوله تعالى كذلك أي مثل ما وصفنا من نحرها قائمة سخرناها لكم نعمة منا عليكم لتتمكنوا من نحرها على الوجه المسنون لعلكم تشكرون أي لكي تشكروا
قوله تعالى لن ينال الله لحومها وقرأ عاصم الجحدري وابن يعمر وابن أبي عبلة ويعقوب لن تنال الله لحومها بالتاء ولكن تناله التقوى بالتاء أيضا
سبب نزولها أن المشركين كانوا إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء ينضحون بها نحو الكعبة فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فنزلت هذه الآية قاله ابو صالح عن ابن عباس قال المفسرون ومعنى الآية لن ترفع الى الله لحومها ولا دماؤها وإنما يرفع اليه التقوى وهو ما اريد به وجهه منكم فمن قرأ تناله التقوى بالتاء فانه أنث للفظ التقوى ومن قرأ يناله بالياء فلأن التقوى والتقى واحد والإشارة بهذه الآية الى أنه لا يقبل اللحوم والدماء إذا لم تكن صادرة عن تقوى الله وإنما يتقبل ما يتقونه به وهذا تنبيه على امتناع قبول الأعمال إذا عريت عن نية صحيحة

قوله تعالى كذلك سخرها قد سبق تفسيره الحج 37 لتكبروا الله على ما هداكم أي على ما بين لكم وأرشدكم الى معالم دينه ومناسك حجه وذلك أن يقول الله أكبر على ما هدانا وبشر المحسنين قال ابن عباس يعني الموحدين
إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله للناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيه اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلوة وآتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور
قوله تعالى إن الله يدافع عن الذين آمنوا قرأ ابن كثير وأبو عمرو يدفع ولولا دفع الله بغير ألف وهذا على مصدر دفع وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي إن الله يدافع بألف ولولا دفع بغير الف وهذا على مصدر دافع والمعنى يدفع عن الذين آمنوا غائلة المشركين بمنعهم منهم ونصرهم عليهم قال الزجاج والمعنى إذا فعلتم هذا وخالفتم الجاهلية فيما يفعلونه من نحرهم وإشراكهم فإن الله يدفع عن حزبه وال خوان فعال من الخيانة والمعنى أن من ذكر غير اسم الله وتقرب الى الأصنام بذبيحته فهو خوان
قوله تعالى أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا قرأ ابن كثير وابن عامر

وحمزة والكسائي أذن بفتح الألف وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر وحفص عن عاصم أذن بضمها
قوله تعالى للذين يقاتلون قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بكسر التاء وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم بفتحها قال ابن عباس كان مشركوا أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله هذه الآية وهي أول آية أنزلت في القتال وقال مجاهد هم ناس خرجوا من مكة مهاجرين فأدركهم كفار قريش فأذن لهم في قتالهم قال الزجاج معنى الآية أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا بأنهم ظلموا أي بسبب ما ظلموا ثم وعدهم النصر بقوله وإن الله على نصرهم لقدير ولا يجوز أن تقرأ بفتح إن هذه من غير خلاف بين اهل اللغة لأن إن إذا كانت معها اللام لم تفتح أبدا وقوله إلا أن يقولوا ربنا الله معناه أخرجوا لتوحيدهم
قوله تعالى ولو لا دفع الله الناس قد فسرناه في البقرة 251
قوله تعالى لهدمت قرأ ابن كثير ونافع لهدمت خفيفة والباقون بتشديد الدال
فأما الصوامع ففيها قولان
أحدهما أنها صوامع الرهبان قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد وابن زيد
والثاني أنها صوامع الصابئين قاله قتادة وابن قتيبة
فأما البيع فهي جمع بيعة وهي بيع النصارى

وفي المراد بالصلوات قولان
أحدهما مواضع الصلوات ثم فيها قولان أحدهما أنها كنائس اليهود قاله قتادة والضحاك وقرأ على شيخنا أبي منصور اللغوي قال قوله وصلوات هي كنائس اليهود وهي بالعبرانية صلوثا والثاني أنها مساجد الصابئين قاله ابو العالية
والقول الثاني أنها الصلوات حقيقة والمعنى لولا دفع الله عن المسلمين بالمجاهدين لانقطعت الصلوات في المساجد قاله ابن زيد
فأما المساجد فقال ابن عباس هي مساجد المسلمين وقال الزجاج معنى الآية لولا دفع بعض الناس ببعض لهدمت في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى الصوامع والبيع وفي زمن محمد المساجد
وفي قوله يذكر فيها اسم الله قولان
أحدهما أن الكناية ترجع الى جميع الأماكن المذكورات قاله الضحاك
والثاني الى المساجد خاصة لأن جميع المواضع المذكورة الغالب فيها الشرك قاله ابو سليمان الدمشقي
قوله تعالى ولينصرن الله من ينصره أي من ينصر دينه وشرعه
قوله تعالى الذين إن مكناهم في الأرض قال الزجاج هذه صفة ناصريه قال المفسرون التمكين في الأرض نصرتهم على عدوهم والمعروف لا إله إلا الله والمنكر الشرك قال الأكثرون وهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال القرظي هم الولاة
قوله تعالى ولله عاقبة الأمور أي إليه مرجعها لأن كل ملك يبطل سوى ملكه

وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم ابرهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد
قوله تعالى ثم أخذتهم أي بالعذاب فكيف كان نكير أثبت الياء في نكير يعقوب في الحالين ووافقه ورش في إثباتها في الوصل والمعنى كيف أنكرت عليهم ما فعلوا من التكذيب بالإهلاك والمعنى أني أنكرت عليهم أبلغ إنكار وهذا استفهام معناه التقرير
قوله تعالى أهلكتها قرأ ابو عمرو أهلكتها بالتاء والباقون أهلكناها بالنون
قوله تعالى وبئر معطلة قرأ ابن كثير وعاصم وابو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وبئر مهموز وروى ورش عن نافع بغير همز والمعنى وكم بئر معطلة أي متروكة وقصر مشيد فيه قولان
أحدهما مجصص قاله ابن عباس وعكرمة قال الزجاج أصل الشيد الجص والنورة وكل ما بني بهما أو بأحدهما فهو مشيد
والثاني طويل قاله الضحاك ومقاتل وفي الكلام إضمار تقديره وقصر مشيد معطل أيضا ليس فيه ساكن
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فانها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ويستعجلونك بالعذاب ولن

يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير
قوله تعالى افلم يسيروا قال المفسرون أفلم يسر قومك في أرض اليمن والشام فتكون لهم قلوب يعقلون بها إذا نظروا آثار من هلك أو آذان يسمعون بها أخبار الأمم المكذبة فانها لا تعمى الأبصار قال الفراء الهاء في قوله فانها عماد والمعنى أن أبصارهم لم تعم وإنما عميت قلوبهم وأما قوله التي في الصدور فهو توكيد لأن القلب لا يكون إلا في الصدر ومثله تلك عشرة كاملة البقرة 196 يطير بجناحيه الأنعام 38 يقولون بأفواههم آل عمران 167
قوله تعالى ويستعجلونك بالعذاب قال مقاتل نزلت في النضر بن الحارث القرشي وقال غيره هو قولهم له متى هذا الوعد الملك 25 ونحوه من استعجالهم ولن يخلف الله وعده في إنزال العذاب بهم في الدنيا فأنزله بهم يوم بدر وإن يوما عند ربك أي من ايام الآخرة كألف سنة مم تعدون من أيام الدنيا قرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر تعدون بالتاء وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعدون بالياء
فان قيل كيف انصرف الكلام من ذكر العذاب الى قوله وإن يوما عند ربك فعنه جوابان
أحدهما أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا فقيل لهم لن يخلف الله وعده في إنزال العذاب بكم في الدنيا وإن يوما من ايام عذابكم في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا فكيف تستعجلون بالعذاب فقد تضمنت الآية وعدهم بعذاب الدنيا والآخرة هذا قول الفراء

والثاني وإن يوما عند الله والف سنة سواء في قدرته على عذابهم فلا فرق بين وقوع ما يستعجلونه وبين تأخيره في القدرة إلا أن الله تفضل عليهم بالإمهال هذا قول الزجاج
قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين فالذين آمنوا وعلموا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم
قوله تعالى ورزق كريم يعني به الرزق الحسن في الجنة
قوله تعالى والذين سعوا في آياتنا أي عملوا في أبطالها معاجزين قرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي معجزين بغير ألف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو معاجزين بألف قال الزجاج معاجزين أي ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون وأنه لا جنة ولا نار قال وقيل في التفسير معاجزين معاندين وليس هو بخارج عن القول الأول ومعجزين تأويلها أنهم كانوا يعجزون من اتبع النبي صلى الله عليه و سلم ويثبطونهم عنه
وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا الى صراط مستقيم ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم

قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول الآية قال المفسرون سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما نزلت عليه سورة النجم قرأها حتى بلغ قوله أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثلاثة الأخرى النجم 20 , 19 فألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فلما سمعت قريش بذلك فرحوا فأتاه جبريل فقال ماذا صنعت تلوت على الناس مالم آتك به عن الله فحزن رسول الله صلى الله عليه و سلم حزنا شديدا فنزلت هذه الآية تطييبا لقلبه وإعلاما له أن الأنبياء قد جرى لهم مثل هذا قال العلماء المحققون وهذا لا يصح لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم معصوم عن مثل هذا ولو صح كان المعنى أن بعض شياطين الإنس قال تلك الكلمات فانهم كانوا إذا تلا لغطوا كما قال الله عز و جل وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه فصلت 26 قال وفي معنى تمنى قولان
أحدهما تلا قاله الاكثرون وانشدوا

تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخره لاقى حمام المقادر ...
وقال آخر ... تمنى كتاب الله آخر ليله ... تمني دواد الزبور على رسل

والثاني أنه من الأمنية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تمنى يوما أن لا يأتيه من الله شيء ينفر عنه به قومه فألقى الشيطان على لسانه كان قد تمناه قاله محمد بن كعب القرظي
قوله تعالى فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي يبطله ويذهبه ثم يحكم الله آياته قال مقاتل يحكمها من الباطل
قوله تعالى ليجعل اللام متعلقة بقوله ألقى الشيطان والفتنة هاهنا بمعنى البلية والمحنة والمرض الشك والنفاق والقاسية قلوبهم يعني الجافية عن الإيمان ثم أعلمه أنهم ظالمون وأنهم في شقاق دائم والشقاق غاية العدواة
قوله تعالى وليعلم الذين أوتوا العلم وهو التوحيد والقرآن وهم المؤمنون وقال السدي التصديق بنسخ الله
قوله تعالى أنه الحق إشارة الى نسخ ما يلقي الشيطان فالمعنى ليعلموا أن نسخ ذلك وإبطاله حق من الله فيؤمنوا بالنسخ فتخبت له قلوبهم أي تخضع وتذل ثم بين بباقي الآية أن هذا الإيمان والإخبات إنما هو بلطف الله وهدايته

قوله تعالى في مرية منه أي في شك
وفي هاء منه أربعة اقوال
أحدها أنها ترجع الى قوله تلك الغرانيق العلى والثاني أنها ترجع الى سجوده في سورة النجم والقولان عن سعيد بن جبير فيكون المعنى إنهم يقولون ما باله ذكر آلهتنا ثم رجع عن ذكرها والثالث أنها ترجع الى القرآن قاله ابن جريج والرابع أنها ترجع الى الدين حكاه الثعلبي
قوله تعالى حتى تأتيهم الساعة وفيها قولان
أحدهما القيامة تأتي من تقوم عليه من المشركين قاله الحسن
والثاني ساعة موتهم ذكره الواحدي
قوله تعالى أو يأتيهم عذاب يوم عقيم فيه قولان
أحدهم أنه يوم بدر روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي
والثاني أنه يوم القيامة قاله عكرمة والضحاك وأصل العقم في الولادة يقال امرأة عقيم لا تلد ورجل عقيم لا يولد له وانشدوأ ... عقم النساء فلا يلدن شبيهه ... إن النساء بمثله عقم

وسميت الريح العقيم بهذا الاسم لأنها لا تأتي بالسحاب الممطر فقيل لهذا اليوم عقيم لأنه لم يأت بخير
فعلى قول من قال هو يوم بدر في تسميته بالعقيم ثلاثة أقوال
أحدها أنه لم يكن فيه للكفار بركة ولا خير قاله الضحاك
والثاني لأنهم لم ينظروا فيه الى الليل بل قتلوا قبل المساء قاله ابن جريج
والثالث لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه قاله يحيى ابن سلام
وعلى قول من قال هو يوم القيامة في تسميته بذلك قولان
أحدهم لأنه لا ليلة له قاله عكرمة
والثاني لأنه لا يأتي المشركين بخير ولا فرج ذكره بعض المفسرين
الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم
قوله تعالى الملك يومئذ أي يوم القيامة لله من غير منازع ولا مدع يحكم بينهم أي بين المسلمين والمشركين وحكمه بينهم بما ذكره في تمام الآية وما بعدها ثم ذكر فضل المهاجرين فقال والذين هاجروا في سبيل الله أي من مكة الى المدينة
وفي الرزق الحسن قولان

أحدهما أنه الحلال قاله ابن عباس والثاني رزق الجنة قاله السدي
قوله تعالى ثم قتلوا أو ماتوا وقرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد
قوله تعالى ليدخلنهم مدخلا وقرأ نافع بفتح الميم يرضونه يعني الجنة والمدخل يجوز أن يكون مصدرا فيكون المعنى ليدخلنهم إدخالا يكرمون به فيرضونه ويجوز أن يكون بمعنى المكان ومدخلا بفتح الميم على تقدير فيدخلون مدخلا وإن الله لعليم بنياتهم حليم عنهم
ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير
قوله تعالى ذلك قال الزجاج المعنى الأمر ذلك أي الأمر ما قصصنا عليكم ومن عاقب بمثل ما عوقب به والعقوبة الجزاء والأول ليس بعقوبة ولكنه سمي عقوبة لاستواء الفعلين في جنس المكروه كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها الشورى 40 لما كانت المجازاة إساءة بالمفعول به سميت سيئة ومثله الله يستهزئ بهم البقرة 15 قاله الحسن ومعنى الآية من قاتل المشركين كما قاتلوه ثم بغي عليه أي ظلم بإخراجه عن منزله وزعم مقاتل أن سبب نزول هذه الآية أن مشركي مكة لقوا المسلمين لليلة بقيت من المحرم فقاتلوهم فناشدهم المسلمون أن لا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا إلا القتال فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين

ووقع في نفوس المسلمين من القتال في الشهر الحرام فنزلت هذه الآية وقال إن الله لعفو عنهم غفور لقتالهم في الشهر الحرام
قوله تعالى ذلك أي ذلك النصر بأن الله القادر على ما يشاء فمن قدرته أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع لدعاء المؤمنين بصير بهم حيث جعل فيهم الإيمان والتقوى ذلك الذي فعل من نصر المؤمنين بأن الله هو الحق أي هو الإله الحق وان ما يدعون قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم يدعون بالياء وقرأ نافع وابن عامر وابو بكر عن عاصم بالتاء والمعنى وأن ما يعبدون من دونه هو الباطل
ألم تر أن الله انزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير له ما في السموات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد
قوله تعالى ألم تر أن الله انزل من السماء ماء يعني المطر فتصبح الأرض مخضرة بالنبات وحكى الزجاج عن الخليل أنه قال معنى الكلام التنبيه كأنه قال اتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا وقال ثعلب معنى الآية عند الفراء خبر كأنه قال أعلم أن الله ينزل من السماء ماء فتصبح ولو كان استفهاما والفاء شرطا لنصبه
قوله تعالى إن الله لطيف أي باستخراج النبات من الأرض رزقا لعباده خبير بما في قلوبهم عند تأخير المطر وقد سبق معنى الغني الحميد في البقرة 267

ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور
قوله تعالى ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض يريد البهائم التي تركب ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا باذنه قال الزجاج كراهة أن تقع وقال غيره لئلا تقع إن الله بالناس لرؤوف رحيم فيما سخر لهم وفيما حبس عنهم من وقوع السماء عليهم وهو الذي أحياكم بعد أن كنتم نظفا ميتة ثم يميتكم عند آجالكم ثم يحييكم للبعث والحساب إن الإنسان يعني المشرك لكفور لنعم الله إذ لم يوحده
لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع الى ربك إنك لعلى هدى مستقيم وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيمة فيما كنتم فيه تختلفون ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير
قوله تعالى لكل أمة جعلنا منسكا قد سبق بيانه في هذه السورة الحج 34 فلا ينازعنك في الأمر أي في الذبائح وذلك ان

كفار قريش وخزاعة خاصموا رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمر الذبيحة فقالوا كيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله يعنون الميتة
فان قيل إذا كانوا هم المنازعين له فكيف قيل فلا ينازعنك في الأمر
فقد أجاب عنه الزجاج فقال المراد النهي له عن منازعتهم فالمعنى لا تنازعنهم كما تقول للرجل لا يخاصمنك فلان في هذا أبدا وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون الا من اثنين لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم الا باثنين فاذا قلت لا يجادلنك فلان فهو بمنزلة لا تجادلنه ولا يجوز هذا في قولك لا يضربنك فلان وأنت تريد لا تضربنه ولكن لو قلت لا يضاربنك فلان لكان كقولك لا تضاربن ويدل على هذا الجواب قوله وإن جادلوك
قوله تعالى وادع الى ربك أي الى دينه والإيمان به وجادلوك بمعنى خاصموك في أمر الذبائح فقل الله أعلم بما تعملون من التكذيب فهو يجازيكم به الله يحكم بينكم يوم القيامة أي يقضي بينكم فيما كنتم

فيه تختلفون من الدين أي تذهبون الى خلاف ما ذهب اليه المؤمنون وهذا أدب حسن علمه الله عباده ليردوا به من جادل على سبيل التعنت ولا يجيبوه ولا يناظروه
فصل
قال أكثر المفسرين هذا نزل قبل الأمر بالقتال ثم نسخ بآية السيف وقال بعضهم هذا نزل في حق المنافقين كانت تظهر من أقوالهم وأفعالهم فلتات تدل على شركهم ثم يجادلون على ذلك فوكل أمرهم الى الله تعالى فالآية على هذا محكمة
قوله تعالى ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء الأرض هذا استفهام يراد به التقرير والمعنى قد علمت ذلك إن ذلك يعني ما يجري في السموات والأرض في كتاب يعني اللوح المحفوظ إن ذلك أي علم الله بجميع ذلك على الله يسير سهل لا يتعذر عليه العلم به
ويعبدون من دون الله مالم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم ذلك النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير

قوله تعالى ويعبدون يعني كفار مكة ما لم ينزل به سلطانا أي حجة وما ليس لهم به علم أنه إلة وما للظالمين يعني المشركين من نصير أي مانع من العذاب وإذا تتلى عليهم آياتنا يعني القرآن والمنكر هاهنا بمعنى الإنكار فالمعنى أثر الإنكار من الكراهة وتعبيس الوجوه معروف عندهم يكادون يسطون أي يبطشون ويوقعون بمن يتلو عليهم القرآن من شدة الغيظ يقال سطا عليه وسطا به إذا تناوله بالعنف والشدة قل لهم يا محمد افأنبئكم بشر من ذلكم أي بأشد عليكم وأكره اليكم من سماع القرآن ثم ذكر ذلك فقال النار أي هو النار
يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز
قوله تعالى يا أيها الناس ضرب مثل قال الأخفش إن قيل أين المثل
فالجواب أنه ليس هاهنا مثل وإنما المعنى يا أيها الناس ضرب لي مثل أي شبهت بي الأوثان فاستمعوا لهذا المثل وتأويل الآية جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي فاستمعوا حالها ثم بين ذلك بقوله إن الذين تدعون أي تعبدون من دون الله وقرأ ابن عباس وابو رزين وابن أبي عبلة يدعون بالياء المفتوحة وقر ابن السميفع وأبو رجاء وعاصم الجحدري يدعون بضم الياء وفتح العين يعني الأصنام لن يخلقوا ذبابا والذباب واحد والجمع القليل أذبة والكثير الذبان مثل

غراب وأغربة وغربان وقيل إنما خص الذباب لمهانته واستقذاره وكثرته ولو اجتمعوا يعني الأصنام له أي لخلقه وإن يسلبهم يعني الاصنام قال ابن عباس كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيجف فيأتي الذباب فيختلسه وقال ابن جريج كانوا إذا طيبوا أصنامهم عجنوا طيبهم بشيء من الحلواء كالعسل ونحوه فيقع عليه الذباب فيسلبها إياه فلا تستطيع الآلهه ولا من عبدها أن يمنعه ذلك وقال السدي كانوا يجعلون للآلهة طعاما فيقع الذباب عليه فيأكل منه قال ثعلب وإنما قال لا يستنقذوه منه فجعل أفعال الآلهة كأفعال الآدميين إذ كانوا يعظمونها ويذبحون لها وتخاطب كقوله يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم النمل 18 لما خاطبهم جعلهم كالآدميين ومثله رأيتم لي ساجدين يوسف 40 وقد بينا هذا المعنى في الأعراف 191 عند قوله تعالى وهم يخلقون
قوله تعالى ضعف الطالب والمطلوب فيه ثلاثة أقوال
أحدها أن الطالب الصنم والمطلوب الذباب رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني الطالب الذباب يطلب ما يسلبه من الطيب الذي على الصنم والمطلوب الصنم يطلب الذباب منه سلب ما عليه روي عن ابن عباس أيضا
والثالث الطالب عباد الصنم يطلب التقرب بعبادته والمطلوب الصنم هذا معنى قول الضحاك والسدي

قوله تعالى ما قدروا الله حق قدره أي ما عظموه حق عظمته إذ جعلوا هذه الأصنام شركاء له إن الله لقوي لا يقهر عزيز لا يرام
الله يصطفي من الملئكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الامور
قوله تعالى الله يصطفي من الملائكة رسلا كجبريل وميكئايل وإسرافيل وملك الموت ومن الناس الانبياء المرسلين إن الله سميع لمقالة العباد بصير بمن يتخذه رسولا وزعم مقاتل ان هذه الآية نزلت حين قالوا أأنزل عليه الذكر من بيننا ص8
قوله تعالى يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم الإشارة الى الذين أصطفاهم وقد بينا معنى ذلك في آية الكرسي البقرة 255
يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم ابراهيم هو سمكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واعتصموا بالله هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير

قوله تعالى اركعوا واسجدوا قال المفسرون المراد صلوا لأن الصلاة لا تكون الا بالركوع والسجود واعبدوا ربكم أي وحدوه وافعلوا الخير يريد أبواب المعروف لعلكم تفلحون أي لكي تسعدوا وتبقوا في الجنة
فصل
لم يختلف أهل العلم في السجدة الأولى من الحج واختلفوا في هذه السجدة الأخيرة فروي عن عمر وابن عمر وعمار وابي الدرداء وابي موسى وابن عباس أنهم قالوا في الحج سجدتان وقالوا فضلت هذه السورة على غيرها بسجدتين وبهذا قال أصحابنا وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وروي عن ابن عباس انه قال في الحج سجدة وبهذا قال الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وابراهيم وجابر بن زيد وابو حنيفة وأصحابه ومالك ويدل على الأول ما روى عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفي الحج سجدتان قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما

فصل
واختلف العلماء في عدد سجود القرآن فروي عن أحمد روايتان إحداهما أنها اربع عشرة سجدة وبه قال الشافعي والثانية أنها خمس عشرة فزاد سجدة ص 24 وقال ابو حنيفة هي أربع عشرة فأخرج التي في آخر الحج وأبدل منها سجعة ص 24
فصل
وسجود التلاوة سنة وقال ابو حنيفة واجب ولا يصح سجود التلاوة إلا بتكبيرة الإحرام والسلام خلافا لأصحاب ابي حنيفة وبعض اصحاب الشافعي ولا يجزىء الركوع عن سجود التلاوة وقال ابو حنيفة يجزىء ولا يسجد المستمع إذا لم يسجد التالي نص عليه أحمد رضي الله عنه وتكره قراءة السجدة في صلاة الإخفات خلافا للشافعي
قوله تعالى وجاهدوا في الله في هذا الجهاد ثلاثة أقوال
أحدها أنه فعل جميع الطاعات هذا قول الأكثرين والثاني أنه جهاد الكفار قاله الضحاك والثالث أنه جهاد النفس والهوى قاله عبد الله بن المبارك
فأما حق الجهاد ففيه ثلاثة أقوال

أحدها أنه الجد في المجاهدة واستيفاء الإمكان فيها والثاني أنه اخلاص النية لله عز و جل والثالث أنه فعل ما فيه وفاء لحق الله عز و جل
فصل
وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة واختلفوا في ناسخها على قولين
أحدهما قوله لا يكلف الله نفسا الا وسعها البقرة 286
والثاني قوله فاتقوا الله ما استطعتم التغابن 16 وقال اخرون بل هي محكمة ويؤكده القولان الأولان في تفسير حق الجهاد وهو الأصح لأن الله تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها
قوله تعالى هو اجتباكم أي اختاركم واصطفاكم لدينه والحرج الضيق فما من شيء وقع الإنسان فيه إلا وجد له في الشرع مخرجا بتوبة أو كفارة أو انتقال الى رخصة ونحو ذلك وروي عن ابن عباس انه قال الحرج ما كان على بني اسرائيل من الإصر والشدائد وضعه الله عن هذه الأمة
قوله تعالى ملة ابيكم قال الفراء المعنى وسع عليكم كملة أبيكم فاذا ألقيت الكاف نصبت ويجوز النصب على معنى الأمر بها لأن أول الكلام أمر وهو قوله اركعوا واسجدوا والزموا ملة ابيكم
فان قيل هذا الخطاب للمسلمين وليس ابراهيم أبا لكلهم
فالجواب أنه إن كان خطابا عاما للمسلمين فهو كالأب لهم لأن حرمته وحقه عليهم كحق الولد وإن كان خطابا للعرب خاصة فابراهيم أبو العرب قاطبة هذا قول المفسرين والذي يقع لي أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم لأن ابراهيم أبوه وأمة رسول الله صلى الله عليه و سلم داخلة فيما خوطب به رسول الله

قوله تعالى هو سماكم المسلمين في المشار اليه قولان
أحدهما أنه الله عز و جل قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور فعلى هذا في قوله من قبل قولان أحدهما من قبل إنزال القرآن سماكم بهذا في الكتب التي أنزلها والثاني من قبل أي في أم الكتاب وقوله وفي هذا أي في القرآن
والثاني أنه ابراهيم عليه السلام حين قال ومن ذريتنا أمة مسلمة لك البقرة 128 فالمعنى من قبل هذا الوقت وذلك في زمان ابراهيم عليه السلام وفي هذا الوقت حين قال ومن ذريتنا أمة مسلمة هذا قول ابن زيد
قوله تعالى ليكون الرسول المعنى اجتباكم وسماكم ليكون الرسول يعني محمدا صلى الله عليه و سلم شهيدا عليكم يوم القيامة أنه قد بلغكم وقد شرحناه هذا المعنى في البقرة 143 الى قوله وآتوا الزكاة
قوله تعالى واعتصموا بالله قال ابن عباس سلوه أن يعصمكم من كل ما يسخط ويكره وقال الحسن تمسكوا بدين الله وما بعد هذا مشروح في الأنفال 40

سورة المؤمنون
بسم الله الرحمن الرحيم
قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكوة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون
سورة المؤمنين مكية في قول الجميع
روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لقد أنزلت علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ قد أفلح المؤمنون إلى عشر آيات رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه وروى أبو سعيد الخدري

عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال إن الله تعالى حاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس غرسها بيده فقال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقال لها طوبى لك منزل الملوك قال الفراء قد هاهنا يجوز أن تكون تأكيدا لفلاح المؤمنين ويجوز أن تكون تقريبا للماضي من الحال لأن قد تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه الا تراهم يقولون قد قامت الصلاة قبل حال قيامها فيكون معنى الآية إن الفلاح قد حصل لهم وإنهم عليه في الحال وقرأ ابي بن كعب وعكرمة وعاصم الجحدري وطلحة بن مصرف قد أفلح بضم الألف وكسر اللام وفتح الحاء على ما لم يسم فاعله قال الزجاج ومعنى الآية قد نال المؤمنون البقاء الدائم في الخير ومن قرأ قد أفلح بضم الألف كان معناه قد أصيروا الى الفلاح وأصل الخشوع في اللغة الخضوع والتواضع
وفي المراد بالخشوع في الصلاة اربعة اقوال
أحدها أنه النظر الى موضع السجود روى أبو هريرة قال كان رسول الله

صلى الله عليه و سلم إذا صلى رفع بصره الى السماء فنزلت الذين هم في صلاتم خاشعون فنكس رأسه والى هذا المعنى ذهب مسلم بن يسار وقتادة
والثاني أنه ترك الالتفات في الصلاة وأن تلين كنفك للرجل المسلم قاله علي بن ابي طالب رضي الله عنه
والثالث أنه السكون في الصلاة قاله مجاهد وابراهيم والزهري
والرابع أنه الخوف قاله الحسن
وفي المراد باللغو هاهنا خمسة اقوال
أحدها الشرك رواه ابو صالح عن ابن عباس والثاني الباطل رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس والثالث المعاصي قاله الحسن والرابع الكذب قاله السدي والخامس الشتم والأذى الذي كانوا يسمعونه من الكفار قاله مقاتل قال الزجاج واللغو كل لعب ولهو وكل معصية فهي مطرحة ملغاة فالمعنى شغلهم الجد فيما أمرهم الله به عن اللغو
قوله تعالى للزكاة فاعلون أي مؤدون فعبر عن التأدية بالفعل لأنه فعل
قوله تعالى إلا على أزواجهم قال الفراء على بمعنى من وقال الزجاج المعنى أنهم يلامون في اطلاق ما حظر عليهم وأمروا بحفظه إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم لا يلامون

قوله تعالى فمن ابتغى أي طلب وراء ذلك أي سوى الأزواج والمملوكات فأولئك هم العادون يعني الجائرين الظالمين لأنهم قد تجاوزوا الى مالا يحل والذين هم لأماناتهم قرأ أبن كثير لأمانتهم وهو اسم جنس والمعنى للأمانات التي ائتمنوا عليها فتارة تكون الأمانة بين العبد وبين ربه وتارة تكون بينه وبين جنسه فعليه مراعاة الكل وكذلك العهد ومعنى راعون حافظون قال الزجاج وأصل الرعي في اللغة القيام على اصلاح ما يتولاه الراعي من كل شيء
قوله تعالى على صلواتهم قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر صلواتهم على الجمع وقرأ حمزة والكسائي صلاتهم على التوحيد وهو اسم جنس والمحافظة على الصلوات أداؤها في أوقاتها
قوله تعالى اولئك هم الوارثون ذكر السدي عن أشياخه ان الله تعالى يرفع للكفار الجنة فينظرون الى بيوتهم فيها لو أنهم أطاعوا ثم تقسم بين المؤمنين فيرثونهم فذلك قوله أولئك هم الوارثون وقد شرحنا هذا في الأعراف 43 عند قوله أروثتموها وشرحنا معنى الفردوس في الكهف 107
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه

خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون
قوله تعالى ولقد خلقنا الإنسان فيه قولان
أحدهما أنه آدم عليه السلام وإنما قيل من سلالة لأنه استل من كل الأرض هذا مذهب سلمان الفارسي وابن عباس في رواية وقتادة
والثاني أنه ابن آدم والسلالة النطفة استلت من الطين والطين آدم عليه السلام قاله ابو صالح عن ابن عباس قال الزجاج والسلالة فعالة وهي القليل مما ينسل وكل مبني على فعالة يراد به القليل من ذلك الفضالة والنخالة والقلامة
قوله تعالى ثم جعلناه يعني ابن آدم نطفة في قرار وهو الرحم مكين أي حريز قد هيىء لاستقراره فيه وقد شرحنا في سورة الحج 5 معنى النطفة والعلقة والمضغة
قوله تعالى فخلقنا المضغة عظاما قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم عظاما فكسونا العظام على الجمع وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم عظما فكسونا العظم على التوحيد
قوله تعالى ثم أنشأناه خلقا آخر وهذه الحالة السابعة قال علي عليه السلام لا تكون موؤودة حتى تمر على التارات السبع
وفي محل هذا الإنشاء قولان
أحدهما انه بطن الأم ثم في صفة الإنشاء قولان أحدهما أنه نفخ

الروح فيه رواه عطاء عن ابن عباس وبه قال ابو العالية والشعبي ومجاهد وعكرمة والضحاك في آخرين والثاني أنه جعله ذكرا أو أنثى قاله الحسن
والقول الثاني أنه بعد خروجه من بطن أمه ثم في صفة هذا الإنشاء أربعة أقوال أحدها أن ابتداء ذلك الإنشاء أنه استهل ثم دل على الثدي وعلم كيف يبسط رجليه الى أن قعد إلى أن قام على رجليه الى أن مشى إلى أن فطم إلى أن بلغ الحلم إلى أن تقلب في البلاد رواه العوفي عن ابن عباس والثاني أنه استواء الشباب قاله ابن عمر ومجاهد والثالث أنه خروج الاسنان والشعر قاله الضحاك فقيل له أليس يولد وعلى رأسه الشعر فقال وأين العانة والإبط والرابع أنه إعطاء العقل والفهم حكاه الثعلبي
قوله تعالى فتبارك الله أي استحق التعظيم والثناء وقد شرحنا معنى تبارك في الأعراف 54 أحسن الخالقين أي المصورين والمقدرين والخلق في اللغة التقدير وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ هذه الآية وعنده عمر الى قوله تعالى خلقا آخر فقال عمر فتبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد ختمت بما تكلمت به يا ابن الخطاب
فان قيل كيف الجمع بين قوله أحسن الخالقين وقوله هل من خالق غير الله فاطر 3

فالجواب أن الخلق يكون بمعنى الإيجاد ولا موجد سوى الله ويكون بمعنى التقدير كقول زهير ... ولأنت تفري ما خلقت وبعد ... ض القوم يخلق ثم لا يفري ...
فهذا المراد هاهنا أن بني آدم قد يصورون ويقدرون ويصنعون الشيء فالله خير المصورين والمقدرين وقال الاخفش الخالقون هاهنا هم الصانعون فالله خير الخالقين
قوله تعالى ثم إنكم بعد ذلك أي بعد ما ذكر من تمام الخلق لميتون عند انقضاء آجالكم وقرأ ابو رزين العقيلي وعكرمة وابن ابي عبلة لمائنون بألف قال الفراء والعرب تقول لمن لم يمت إنك مائت عن قليل وميت ولا يقولون للميت الذي قد مات هذا مائت إنما يقال في الاستقبال فقط وكذلك يقال هذا سيد قومه اليوم فاذا اخبرت أنه يسودهم عن قليل قلت هذا سائد قومه عن قليل وكذلك هذا شريف القوم وهذا شارف عن قليل وهذا الباب كله في العربية على ما وصفت لك
ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وانزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للاكلين

قوله تعالى ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق يعني السموات السبع قال الزجاج كل واحدة طريقة وقال ابن قتيبة إنما سميت طرائق بالتطارق لأن بعضها فوق بعض يقال طارقت الشيء إذا جعلت بعضه فوق بعض
قوله تعالى وما كنا عن الخلق غافلين فيه ثلاثة أقوال
أحدها ما غفلنا عنهم إذ بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب
والثاني ما كنا تاركين لهم بغير رزق فأنزلنا المطر
والثالث لم نغفل عن حفظهم من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم
قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء بقدر يعلمه الله وقال مقاتل بقدر ما يكفيهم للمعيشة
قوله تعالى وشجرة هي معطوفة على قوله جنات وقرأ ابو مجلز وابن يعمر وابراهيم النخعي وشجرة بالرفع والمراد بهذه الشجرة شجرة الزيتون
فان قيل لماذا خص هذه الشجرة من بين الشجر
فالجواب من اربعة أوجه
أحدها لكثرة انتفاعهم بها فذكرهم من نعمه ما يعرفون وكذلك

خص النخيل والأعناب في الآية الأولى لأنهما كانا جل ثمار الحجاز وماوالاها وكانت النخيل لأهل المدينة والأعناب لأهل الطائف
والثاني لأنهم لا يكادون يتعاهدونها بالسقي وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن
والثالث أنها تنبت بالماء الذي هو ضد النار وفي ثمرتها حياة للنار ومادة لها
والرابع لأن أول زيتونة نبتت بذلك المكان فيما زعم مقاتل
قوله تعالى طور سيناء قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو طور سيناء مكسورة السين وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي مفتوحة السين وكلهم مدها قال الفراء العرب تقول سيناء بفتح السين في جميع اللغات إلا بني كنانة فانهم يكسرون السين قال ابو علي ولا تنصرف هذه الكلمة لأنها جعلت اسما لبقعة أو ارض وكذلك سينين ولو جعلت اسما للمكان أول للمنزل أو نحو ذلك من الأسماء المذكرة لصرفت لأنك كنت قد سميت مذكرا بمذكر والطور الجبل
وفي معنى سيناء خمسة أقوال
أحدها أنه بمعنى الحسن رواه ابو صالح عن ابن عباس وقال الضحاك الطور الجبل بالسريانية وسيناء الحسن بالنبطية وقال عطاء يريد الجبل الحسن
والثاني أنه المبارك رواه العوفي عن ابن عباس
والثالث أنه اسم حجارة بعينها أضيف الجبل اليها لوجودها عنده قاله مجاهد
والرابع أن طور سيناء الجبل المشجر قاله ابن السائب

والخامس أن سيناء اسم المكان الذي به هذا الجبل قاله الزجاج قال الواحدي وهو أصح الأقوال قال ابن زيد وهذا هو الجبل الذي نودي منه موسى وهو بين مصر وأيلة
قوله تعالى تنبت بالدهن قرأ ابن كثير وأبو عمرو تنبت برفع التاء وكسر الباء وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وضم الباء قال الفراء وهما لغتان نبتت وأنبتت وكذلك قال الزجاج يقال نبت الشجر وأنبت في معنى واحد قال زهير ... رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ... قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل ...
قال ومعنى تنبت بالدهن تنبت ومعها دهن كما تقول جاءني زيد بالسيف أي جاءني ومعه السيف وقال ابو عبيدة معنى الآية تنبت الدهن والباء زائدة كقوله ومن يرد فيه بالحاد بظلم الحج 25 وقد بينا هذا المعنى هناك
قوله تعالى وصبغ وقرأ ابن مسعود وابن يعمر وابراهيم النخعي

والأعمش وصبغا بالنصب وقرأ ابن السميفع وصباغ بألف مع الخفض قال ابن قتيبة الصبغ مثل الصباغ كما يقال دبغ ودباغ ولبس ولباس قال المفسرون والمراد بالصبغ هاهنا الزيت لأنه يلون الخبز إذا غمس فيه والمراد أنه إدام يصبغ به
وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون
قوله تعالى وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم وقرأ نافع وابن عامر وابو بكر عن عاصم نسقيكم بفتح النون وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم بضمها وقد شرحناه هذا في النحل 66 الى قوله تعالى ولكم فيه منافع كثيرة يعني في ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها ومنها تأكلون من لحومها وأولادها والكسب عليها
قوله تعالى وعليها يعني الإبل خاصة وعلى الفلك تحملون فالإبل تحمل في البر والسفن تحمل في البحر
ولقد أرسلنا نوحا الى قومه فقال يا قوم اعبدواالله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملؤا الذين كفروا من قومه ما هذا الا بشر مثلكم يريد ان يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملئكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا اليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فاذا جاء امرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين

وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فاذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجنا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره أفلا تتقون وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحيوة الدنيا ما هذا الا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون
قوله تعالى ولقد أرسلنا نوحا الى قومه قال المفسرون هذا تعزية

لرسول الله صلى الله عليه و سلم بذكر هذا الرسول الصابر ليتأسى به في صبره وليعلم أن الرسل قبله قد كذبوا
قوله تعالى يريد أن يتفضل عليكم أي يعلوكم بالفضيلة فيصير متبوعا ولو شاء الله أن لا يعبد شيء سواه لأنزل ملائكة تبلغ عنه أمره لم يرسل بشرا ما سمعنا بهذا الذي يدعونا اليه نوح من التوحيد في آبائنا الأولين فأما الجنة فمعناها الجنون
وفي قوله حتى حين قولان
أحدهما أنه الموت فتقديره انتظروا موته والثاني أنه وقت منكر
قوله تعالى قال رب انصرني وقرأ عكرمة وابن محيصن قال رب بضم الباء وفي القصة الأخرى المؤمنون 39
قوله تعالى بما كذبون وقرأ يعقوب كذبوني بياء وفي القصة التي تليها أيضا فاتقوني المؤمنون 52 أن يحضروني المؤمنون 98 رب أرجعوني المؤمنون ولا تكلموني المؤمنون 108 أثبتهن في الحالين يعقوب والمعنى انصرني بتكذيبهم أي انصرني باهلاكهم جزاء لهم بتكذيبهم فأوحيانا اليه قد شرحناه في هود 37 الى قوله فاسلك فيها أي أدخل في سفينتك من كل زوجين اثنين قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم من كل بكسر اللام من غير تنوين وقرأ حفص عن عاصم من كل بالتنوين قال ابو علي قراءة الجمهور إضافة كل الى زوجين وقراءة حفص تؤول الى زوجين لأن المعنى من كل الأزواج زوجين

قوله تعالى وقل رب أنزلني منزلا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم منزلا بضم الميم وروى أبو بكر عن عاصم فتحها والمنزل بفتح الميم اسم لكل ما نزلت به والمنزل بضمها المصدر بمعنى الإنزال تقول أنزلته إنزالا ومنزلا
وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان
أحدهما عند نزوله في السفينة والثاني عند نزوله من السفينة
قوله تعالى إن في ذلك أي في قصة نوح وقومه لآيات وإن كنا أي وما كنا لمبتلين أي لمختبرين إياهم بارسال نوح اليهم ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين يعني عادا فأرسلنا فيهم رسولا منهم وهو هود هذا قول الأكثرين وقال ابو سليمان الدمشقي هم ثمود والرسول صالح وما بعد هذا ظاهر الى قوله أيعدكم أنكم قال الزجاج موضع أنكم نصب على معنى أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم فلما طال الكلام أعيد ذكر أن كقوله ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم التوبة 63
قوله تعالى هيهات هيهات قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي هيهات هيهات بفتح التاء فيهما في الوصل وإسكانها في الوقف وقرأ أبي بن كعب وابو مجلز وهارون عن أبي عمرو هيهاتا هيهاتا بالنصب والتنوين وقرا ابن مسعود وعاصم الجحدري وابو حيوة الحضرمي وابن السميفع هيهات هيهات بالرفع والتنوين وقرأ أبو العالية وقتادة هيهات هيهات بالخفض والتنوين وقرأ ابو جعفر هيهات هيهات بالخفض من غير تنوين وكان يقف بالهاء وقرأ أبو المتوكل

الناجي وسعيد بن جبير وعكرمة هيهات هيهات بالرفع من غير تنوين وقرأ معاذ القارىء وابن يعمر وابو رجاء وخارجة عن ابي عمرو هيهات هيهات باسكان التاء فيهما وفي هيهات عشر لغات قد ذكرنا منها سبعة عن القراء والثامنة إيهات والتاسعة إيهان بالنون والعاشرة إيها بغير نون ذكرهن ابن القاسم وأنشد الأحوص في الجمع بين لغتين منهن ... تذكر أياما مضين من الصبا ... وهيهات هيهاتا إليك رجوعها ...
قال الزجاج فأما الفتح فالوقف فيه بالهاء تقول هيهاه إذا فتحت ووقفت بعد الفتح فاذا كسرت ووقفت على التاء كنت ممن ينون في الوصل أو كنت ممن لا ينون وتأويل هيهات البعد لما توعدون وإذا قلت هيهات ما قلت فمعناه بعيد ما قلت وإذا قلت هيهات لما قلت فمعناه البعد لما قلت ويقال أيهات في معنى هيهات وأنشدوا ... وأيهات أيهات العقيق ومن به ... وأيهات وصل بالعقيق نواصله ...
قال ابو عمرو بن العلاء إذا وقفت على هيهات فقل هيهاه وقال الفراء الكسائي يختار الوقف بالهاء وأنا اختار التاء
قوله تعالى لما توعدون قرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة ما توعدون بغير لام قال المفسرون استبعد القوم بعثهم بعد الموت إغفالا منهم للتفكر في بدو امرهم وقدرة الله على إيجادهم وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبدا إن هي الا حياتنا الدنيا يعنون ما الحياة إلا ما نحن فيه و ليس بعد الموت حياة

فان قيل كيف قالوا نموت ونحايا وهم لا يقرون بالبعث
فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها الزجاج
أحدها نموت ويحيا أولادنا فكأنهم قالوا يموت قوم ويحيا قوم
والثاني نحيا ونموت لأن الواو للجمع لا للترتيب
والثالث أبتداؤنا موات في أصل الخلقة ثم نحيا ثم نموت
قوله تعالى إن هو يعنون الرسول وقد سبق تفسير ما بعد هذا هود 7 النحل 38 الى قوله قال عما قليل قال الزجاج معناه عن قليل وما زائدة بمعنى التوكيد
قوله تعالى ليصبحن نادمين أي على كفرهم فأخذتهم الصيحة بالحق أي باستحقاقهم العذاب بكفرهم قال المفسرون صاح بهم جبريل صيحة رجفت لها الأرض من تحتهم فصاروا لشدتها غثاء قال ابو عبيدة الغثاء ما أشبه الزبد وما ارتفع على السيل ونحو ذلك مما لا ينتفع به في شيء وقال ابن قتيبة المعنى فجعلناهم هلكى كالغثاء وهو ما علا السيل من الزبد والقمش لأنه يذهب ويتفرق وقال الزجاج الغثاء الهالك والبالي من ورق الشجر الذي إذا جرى السيل رأيته مخالطا زبده وما بعد هذا قد سبق شرحه الحجر 5 الى قوله تعالى ثم أرسلنا رسلنا تترى قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر تترى كلما منونة والوقف بالألف وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بلا تنوين والوقف عند نافع وابن عامر بألف وروى هبيرة وحفص عن عاصم أنه يقف بالياء قال ابو علي يعني بقوله يقف بالياء

أي بألف ممالة قال الفراء أكثر العرب على ترك التنوين ومنهم من نون قال ابن قتيبة والمعنى نتابع بفترة بين كل رسولين وهو من التواتر والأصل وترى فقبلت الواو تاء كما قلبوها في التقوى والتخمة وحكى الزجاج عن الأصمعي أنه قال معنى واترت الخبر اتبعت بعضه بعضا وبين الخبرين هنية وقرات على شيخنا أبي منصور اللغوي قال ومما تضعه العامة غير موضعه قولهم تواترت كتبي اليك يعنون اتصلت من غير انقطاع فيضعون التواتر في موصع الاتصال وذلك غلط إنما التواتر مجيء الشيء ثم انقطاعة ثم مجيئه وهو التفاعل من الوتر وهو الفرد يقال واترت الخبر أتبعت بعضه بعضا وبين الخبرين هنيهة قال الله تعالى ثم أرسلنا رسلنا تترى أصلها وترى من المواترة فأبدلت التاء من الواو ومعناه منقطعة متفاوته لأن بين كل نبيين دهرا طويلا وقال أبو هريرة لا بأس بقضاء رمضان تترى أي منقطعا فاذا قيل واتر فلان كتبه فالمعنى تابعها وبين كل كتابين فقرة
قوله تعالى فأتبعنا بعضهم بعضا أي أهلكنا الأمم بعضهم في إثر بعض وجعلناهم أحاديث قال ابو عبيدة أي يتمثل بهم في الشر ولا يقال في الخير جعلته حديثا
ثم أرسلنا موسى وأخاه هرون بآياتنا وسلطان مبين الى فرعون وملائه فاستكبروا وكانوا قوما عالين فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين

قوله تعالى فاستكبروا أي عن الإيمان بالله وعبادته وكانوا قوما عالين أي قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم
قوله تعالى وقومهما لنا عابدون أي مطيعون قال ابو عبيدة كل من دان لملك فهو عابد له
ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين
قوله تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب يعني التوراة أعطيها جملة واحدة بعد غرق فرعون لعلهم يعني بني اسرائيل والمعنى لكي يهتدوا
قوله تعالى وجعلنا ابن مريم وأمه آية وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة آيتين على التثنية وهذا كقوله وجعلناها وابنها آية الانبياء 91 وقد سبق شرحه
قوله تعالى وأويناهما أي جعلناهما يأويان الى ربوة قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وحمزو والكسائي ربوة بضم الراء وقرأ عاصم وابن عامر بفتحها وقد شرحنا معنى الربوة في البقرة 265 ذات قرار أي مستوية يسقتر عليها ساكنوها والمعنى ذات موضع قرار وقال الزجاج أي ذات مستقر ومعين وهو الماء الجاري من العيون وقال ابن قتيبة ذات قرار أي يستقر بها للعمارة ومعين هو الماء الظاهر

ويقال هو مفعول من العين كأن أصله معيون كما يقال ثوب مخيط وبر مكيل
واختلف المفسرون في موضع هذه الربوة الموصوفة على أربعة أقوال
أحدها أنها دمشق رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب
والثاني أنها بيت المقدس رواه عطاء عن ابن عباس وبه قال قتادة وعن الحسن كالقولين
والثالث أنها الرملة من أرض فلسطين قاله ابو هريرة
والرابع مصر قاله وهب بن منبه وابن زيد وابن السائب فأما السبب الذي لأجله أويا الى الربوة فقال ابو صالح عن ابن عباس فرت مريم بابنها عيسى من ملكهم ثم رجعت الى أهلها بعد اثنتي عشرة سنة قال وهب بن منبه وكان الملك أراد قتل عيسى

يا ايها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون
قوله تعالى يا أيها الرسل قال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة في آخرين يعني بالرسل هاهنا محمدا صلى الله عليه و سلم وحده وهو مذهب العرب في مخاطبة الواحد خطاب الجميع ويتضمن هذا أن الرسل جميعا كذا أمروا وإلى هذا المعنى ذهب ابن قتيبة والزجاج والمراد بالطيبات الحلال قال عمرو بن شرحبيل كان عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه

قوله تعالى وأن هذه أمتكم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وان بالفتح وتشديد النون وافق ابن عامر في فتح الألف لكنه سكن النون وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وإن بكسر الالف وتشديد النون قال الفراء من فتح عطف على قوله إني بما تعملون عليم وبأن هذه أمتكم فموضعها خفص لأنها مردودة على ما وإن شئت كانت منصوبة بفعل مضمر كأنك قلت واعلموا هذا ومن كسر استأنف قال ابوعلي الفارسي وأما ابن عامر فانه خفف النون المشددة وإذا خففت تعلق بها ما يتعلق بالمشددة وقد شرحنا معنى الآية والتي بعدها في الانبياء 92 الى قوله زبرا وقرا ابن عباس وابو عمران الجوني زبرا برفع الزاي وفتح الباء وقرأ ابو الجوزاء وابن السميفع زبرا برفع الزاي وإسكان الباء قال الزجاج من قرأ زبرا بضم الباء فتأويله جعلوا دينهم كتبا مختلفة جمع زبور ومن قرأ زبرا بفتح الباء أراد قطعا
قوله تعالى كل حزب بما لديهم فرحون أي بما عندهم من الدين الذي ابتدعوه معجبون يرون انهم على الحق
وفي المشار اليهم قولان
أحدهما أنهم اهل الكتاب قاله مجاهد
والثاني أنهم أهل الكتاب ومشركو العرب قاله ابن السائب

قوله تعالى فذرهم في غمرتهم وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب في غمراتهم على الجمع قال الزجاج في عمايتهم وحيرتهم حتى حين أي الى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب قال مقاتل يعني كفار مكة
فصل
وهل هذه الآية منسوخة أم لا فيها قولان
أحدهما أنها منسوخة بآية السيف والثاني أن معناها التهديد فهي محكمة
قوله تعالى أيحسبون أنما نمدهم به وقرأ عكرمة وابو الجوزاء يمدهم بالياء المرفوعة وكسر الميم وقرأ ابو عمران الجوني نمدهم بنون مفتوحة ورفع الميم قال الزجاج المعنى أيحسبون أن الذي نمدهم به من مال وبنين مجازاة لهم إنما هو استدراج نسارع لهم في الخيرات أي نسارع لهم به في الخيرات وقرأ ابن عباس وعكرمة وأيوب السختياني يسارع بياء مرفوعة وكسر الراء وقرأ معاذ القارئ وأبو المتوكل مثله إلا أنهما فتحا الراء وقرأ ابو عمران الجوني وعاصم الجحدري وابن السميفع يسرع بياء مرفوعة وسكون السين ونصب الراء من غير ألف
قوله تعالى بل لا يشعرون أي لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم الى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون

ثم ذكر المؤمنين فقال ان الذين هم خشية ربهم مشفقون وقد شرحنا هذا المعنى في قوله وهم من خشيته مشفقون الانبياء 28
قوله تعالى والذين يؤتون ما آتوا وقرأ عاصم الجحدري يأتون ما أتوا بقصر همزة أتوا وسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية فقالت يا رسول الله أهم الذين يذنبون وهم مشفقون فقال لا بل هم الذين يصلون وهم مشفقون ويصومون وهم مشفقون ويتصدقون وهم مشفقون أن لا يتقبل منهم قال الزجاج فمعنى يؤتون يعطون ما أعطوا وهم يخافون أن لا يتقبل منهم أنهم إلى ربهم راجعون أي لأنهم يوقنون أنهم يرجعون ومعنى يأتون يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة أن يكونوا مع اجتهادهم مقصرين أولئك يسارعون في الخيرات وقرأ ابو المتوكل وابن السميفع يسرعون برفع الياء واسكان السين وكسر الراء من غير ألف قال الزجاج يقال اسرعت وسارعت في معنى واحد الا ان سارعت أبلغ من أسرعت وهم لها أي من أجلها وهذا كما تقول أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك وقال بعض أهل العلم الوجل المذكور هاهنا واقع على مضمر

ولا نكلف نفسا الا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجئرون لا تجئروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون
قوله تعالى ولدينا كتاب يعني اللوح المحفوظ ينطق بالحق قد أثبت فيه أعمال الخلق فهو ينطق بما يعملون وهم لا يظلمون أي لا ينقصون من ثواب اعمالهم ثم عاد الى الكفار فقال بل قلوبهم في غمرة من هذا قال مقاتل في غفلة عن الإيمان بالقرآن وقال ابن جرير في عمى عن هذا القرآن قال الزجاج يجوز أن يكون إشارة إلى ما وصف من أعمال البر في قوله أولئك يسارعون في الخيرات فيكون المعنى بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا ويجوز أن يكون إشارة الى الكتاب فيكون المعنى بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحق وأعمالهم محصاة فيه
فخرج في المشار اليه ب هذا ثلاثة أقوال
أحدها القرآن والثاني أعمال البر والثالث اللوح المحفوظ
قوله تعالى ولهم أعمال من دون ذلك فيه أربعة أقوال
أحدها أعمال سيئة دون الشرك رواه عكرمة عن ابن عباس
والثاني خطايا سيئة من دون ذلك الحق قاله مجاهد وقال ابن جرير من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية

والثالث أعمال غير الأعمال التي ذكروا بها سيعملونها قاله الزجاج
والرابع أعمال من قبل الحين الذي قدر الله تعالى أنه يعذبهم عند مجيئه من المعاصي قاله ابو سليمان الدمشقي
قوله تعالى هم لها عاملون إخبار بما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد لهم من عملها
قوله تعالى حتى إذا أخذنا مترفيهم أي أغنياءهم ورؤساءهم والإشارة الى قريش وفي المراد بالعذاب قولان
أحدهما ضرب السيوف يوم بدر قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك
والثاني الجوع الذي عذبوا به سبع سنين قاله ابن السائب ويجأرون بمعنى يصيحون لا تجأروا اليوم أي لا تستغيثوا من العذاب إنكم منا لا تنصرون أي لا تمنعون من عذابنا قد كانت آياتي تتلى عليكم يعني القرآن فكنتم على أعقابكم تنكصون أي ترجعون وتتأخرون عن الإيمان بها مستكبرين منصوب على الحال وقوله به الكناية عن البيت الحرم وهي كناية عن غير مذكور والمعنى إنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرام لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم تقولون نحن أهل الحرم فلا نخاف أحدا ونحن أهل بيت الله وولاته هذا مذهب ابن عباس وغيره قال الزجاج ويجوز أن تكون الهاء في به للكتاب فيكون المعنى تحدث لكم تلاوته عليكم استكبارا
قوله تعالى سامرا قال ابو عبيدة معناه تهجرون سمارا والسامر بمعنى السمار بمنزلة طفل في موضع أطفال وهو من سمر الليل وقال

ابن قتيبة سامرا أي متحدثين ليلا والسمر حديث الليل وقرأ ابي بن كعب وابو العالية وابن محيصن سمرا بضم السين وتشديد الميم وفتحها جمع سامر وقرأ ابن مسعود وابو رجاء وعاصم الجحدري سمارا برفع السين تشديد الميم وألف بعدها
قوله تعالى تهجرون قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي تهجرون بفتح التاء وضم الجيم وفي معناها أربعة أقوال
أحدها تهجرون ذكر الله والحق رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني تهجرون كتاب الله تعالى ونبيه صلى الله عليه و سلم قاله الحسن
والثالث تهجرون البيت قاله ابو صالح وقال سعيد بن جبير كانت قريش تسمر حول البيت وتفتخر به ولا تطوف به
والرابع تقولون هجرا من القول وهو اللغوا والهذيان قاله ابن قتيبة قال الفراء يقال قد هجر الرجل في منامه إذا هذى والمعنى إنكم تقولون في رسول الله صلى الله عليه و سلم ما ليس فيه ومالا يضره
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وابن محيصن ونافع تهجرون بضم التاء وكسر الجيم قال ابن قتيبة وهذا من الهجر وهو السب والإفحاش من المنطق يريد سبهم للنبي صلى الله عليه و سلم ومن اتبعه وقرأ ابو العالية وعكرمة وعاصم الجحدري وأبو نهيك تهجرون بتشديد الجيم ورفع التاء قال ابن الأنباري ومعناها معنى قراءة ابن عباس

أفلم يدبروا القول أم جاءهم مالم يأت آباءهم الأولين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون
قوله تعالى أفلم يدبروا القول يعني القرآن فيعرفوا ما فيه من الدلالات والعبر على صدق رسولهم أم جاءهم مالم يأت آباءهم الأولين المعنى أليس قد أرسل الانبياء الى أممهم كما أرسل محمد صلى الله عليه و سلم أم لم يعرفوا رسولهم هذا توبيخ لهم لانهم عرفوا نسبه وصدقه وأمانته صغيرا وكبيرا ثم أعرضوا عنه الجنة الجنون بل جاءهم بالحق يعني القرآن
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون أم تسئلهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم الى صراط مستقيم
قوله تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم في المراد بالحق قولان
أحدهما أنه الله عز و جل قاله مجاهد وابن جريج والسدي في آخرين
والثاني أنه القرآن ذكره الفراء والزجاج فعلى القول الأول يكون المعنى لو جعل الله لنفسه شريكا كما يحبون وعلى الثاني لو نزل القرآن بما يحبون من جعل شريك لله لفسدت السموات والأرض و من فيهن بل أتيناهم بذكرهم أي بما فيه شرفهم وفخرهم وهو القرآن فهم عن ذكرهم معرضون أي قد تولوا عما جاءهم من شرف الدنيا والآخرة وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وابو رجاء وابو الجوزاء بل أتيناهم بذكراهم فهم عن ذكراهم معرضون بألف فيهما أم تسألهم عما جئتهم به خرجا

قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو وعاصم خرجا بغير الف فخراج بألف وقرأ ابن عامر خرجا فخرج بغير ألف في الحرفين وقرأ حمزة والكسائي خراجا بألف فخراج بألف في الحرفين ومعنى خرجا أجرا ومالا فخراج ربك أي فما يعطيك ربك من أجره وثوابه خير وهو خير الرازقين أي أفضل من أعطى وهذا على سبيل التنبيه لهم أنه لم يسالهم أجرا لا أنه قد سألهم والناكب العادل يقال نكب عن الطريق أي عدل عنه
وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون
قوله تعالى ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر قال ابن عباس الضر هاهنا الجوع الذي نزل بأهل مكة حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اللهم أعني على قريش بسنين كسني يوسف فجاء أبو سفيان الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فشكا اليه الضر وأنهم قد أكلوا القد والعظام فنزلت هذه الآية والتي بعدها وهو العذاب المذكور في قوله ولقد أخذناهم بالعذاب
قوله تعالى حتى إذا فتحنا عليه بابا ذا عذاب شديد فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يوم بدر رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس

والثاني أنه الجوع الذي أصابهم قاله مقاتل
والثالث باب من عذاب جهنم في الآخرة حكاه الماوردي
قوله تعالى إذا هم فيه مبلسون وقرأ ابو عبد الرحمن السلمي وأبو المتوكل وأبو نهيك ومعاذ القارىء مبلسون بفتح اللام وقد شرحنا معنى المبلس في الأنعام 45
وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض واليه تحشرون وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا ءإذا متنا وكنا ترابا وعظاما ءإنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذ إلا أساطير الأولين قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون الله قل أفلا تذكرون
قوله تعالى قليلا ما تشكرون قال المفسرون يريد أنهم لا يشكرون اصلا
قوله تعالى ذرأكم في الأرض أي خلقكم من الارض
قوله تعالى وله اختلاف الليل والنهار أي هو الذي جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض أفلا تعقلون ما ترون من صنعه وما بعد هذا ظاهر الى قوله قل لمن الأرض أي قل لأهل مكة المكذبين بالبعث لمن الأرض ومن فيها من الخلق إن كنتم تعلمون بحالها سيقولون لله قرأ أبو عمرو لله بغير ألف هاهنا وفي اللذين بعدها بالف وقرأ الباقون لله في المواضع الثلاثة وقراءة ابي عمرو على القياس قال الزجاج ومن قرأ سيقولون الله فهو جواب السؤال ومن قرأ لله فجيد أيضا لأنك

إذا قلت من صاحب هذ الدار فقيل لزيد جاز لأن معنى من صاحب هذه الدار لمن هي وقال ابو علي الفارسي من قرأ لله في الموضعين الآخرين فقد أجاب على المعنى دون ما يقتضيه اللفظ وقرأ سعيد بن جبير وأبو المتوكل وابو الجوزاء سيقولون الله الله الله بألف فيهن كلهن قال أبو علي الأهوازي وهو في مصاحف أهل البصرة بألف فيهن
قوله تعالى قل أفلا تذكرون فتعلمون أن من قدر على خلق ذلك ابتداءا أقدر على إحياء الأموات
قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل افلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون
قوله تعالى افلا تتقون فيه قولان
أحدهما تتقون عبادة غيره والثاني تخشون عذابه فأما الملكوت فقد شرحناه في الأنعام 75
قوله تعالى وهو يجير ولا يجار عليه أي يمنع من السوء من شاء ولا يمنع منه من أراده بسوء يقال أجرت فلانا أي حميته وأجرت عليه أي حميت عنه
قوله تعالى فأنى تسحرون قال ابن قتيبة أنى تخدعون وتصرفون عن هذا
بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلى

بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون
قوله تعالى بل أتيناهم بالحق أي بالتوحيد والقرآن وإنهم لكاذبون فيما يضيفون الى الله من الولد والشريك ثم نفاهما عنه بما بعد هذا الى قوله إذا لذهب كل إله بما خلق أي لانفرد بخلقه ولم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره ولمنع الإله الآخر عن الاستيلاء على ما خلق ولعلا بعضهم على بعض أي غلب بعضهم بعضا
قوله تعالى عالم الغيب قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم عالم بالخفض وقرأ نافع وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم عالم بالرفع قال الاخفش الجر اجود ليكون الكلام من وجه واحد والرفع على أن يكون خبر ابتداء محذوف ويقويه أن الكلام الأول قد انقطع
قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون إدفع بالتي هي احسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون
قوله تعالى إما تريني وقرأ ابو عمران الجوني والضحاك ترئني بالهمز بين الراء والنون من غير ياء والمعنى إن أريتني ما يوعدون من القتل والعذاب فاجعلني خارجا عنهم ولا تهلكني بهلاكهم فأراه الله تعالى ما وعدهم ببدر وغيرها ونجاه ومن معه
قوله تعالى ادفع بالتي هي احسن السيئة فيه اربعة اقوال

أحدها ادفع إساءة المسيء بالصفح قاله الحسن
والثاني أدفع الفحش بالسلام قاله عطاء والضحاك
والثالث ادفع الشرك بالتوحيد قاله ابن السائب
والرابع ادفع المنكر بالموعظة حكاه الماوردي وذكر بعض المفسرين أن هذا منسوخ بأية السيف
قوله تعالى نحن أعلم بما يصفون أي بما يقولون من الشرك والتكذيب والمعنى إنا نجازيهم على ذلك وقل رب أعوذ أي ألجأ وامتنع بك من همزات الشياطين قال ابن قتيبة هو نخسها وطعنها ومنه قيل للعائب همزة كأنه يطعن وينخس إذا عاب وقال ابن فارس الهمز كالعصر يقال همزت الشيء في كفي ومنه الهمز في الكلام لأنه كأنه يضغط الحرف وقال غيره الهمز في اللغة الدفع وهمزات الشياطين دفعهم بالإغواء الى المعاصي
قوله تعالى أن يحضرون أي أن يشهدون والمعنى أن يصيبوني بسوء لأن الشيطان لا يحضر ابن آدم الا بسوء هم ثم أخبر أن هؤلاء الكفار المنكرين للبعث يسألون الرجعة الى الدنيا عند الموت بالآية التي تلي هذه وقيل هذا السؤال منهم للملائكة الذين يقبضون أرواحهم
فان قيل كيف قال ارجعون وهو يريد ارجعني
فالجواب أن هذا اللفظ تعرفه العرب للعظيم الشأن وذلك أنه يخبر عن نفسه فيه بما تخبر به الجماعة كقوله إنا نحن نحيي ونميت ق 43 فجاء خطابه كاخباره عن نفسه هذا قول الزجاج

حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يؤمئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون
قوله تعالى لعلي أعمل صالحا فيما تركت قال ابن عباس فيما مضى من عمري وقال مقاتل فيما تركت من العمل الصالح
قوله تعالى كلا أي لا يرجع الى الدنيا إنها يعني مسألته الرجعة كلمة هو قائلها أي هو كلام لا فائدة له فيه ومن ورائهم أي أمامهم وبين أيديهم برزخ قال ابن قتيبة البرزخ ما بين الدنيا والآخرة وكل شيء بين شيئين فهو برزخ وقال الزجاج البرزخ في اللغة الحاجز وهو هاهنا ما بين موت الميت وبعثه
قوله تعالى فاذا نفخ في الصور في هذه النفخة قولان
أحدهما أنها النفخة الأولى رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثاني أنها الثانية رواه عطاء عن ابن عباس
قوله تعالى فلا أنساب بينهم في الكلام محذوف تقديره لا أنساب بينهم يومئذ يتفاخرون بها او يتقاطعون بها لأن الأنساب لا تنقطع يومئذ إنما يرفع التواصل والتفخار بها
وفي قوله ولا يتساءلون ثلاثة أقوال

أحدها لا يتساءلون بالانساب أن يترك بعضهم لبعض حقه
والثاني لا يسأل بعضهم بعضا عن شأنه لاشتغال كل واحد بنفسه
والثالث لا يسأل بعضهم بعضا من أي قبيل أنت كما تفعل العرب لتعرف النسب فتعرف قدر الرجل وما بعد هذا قد سبق تفسيره الاعراف 8 الى قوله تلفح وجوههم النار قال الزجاج تلفح وتنفح بمعنى واحد إلا أن اللفح أعظم تأثيرا والكالح الذي قد تشمرت شفته عن اسنانه نحو ما ترى من رؤوس الغنم إذا برزت الأسنان وتشمرت الشفاه وقال ابن مسعود قد بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم كالرأس المشيط بالنار وروى أبو عبد الله الحاكم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في هذه الآية تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته
ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوننا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون قال اخسؤا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا

وراحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني حزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون
قوله تعالى الم تكن المعنى ويقال لهم الم تكن آياتي تتلى عليكم يعني القرآن قالوا ربن غلبت علينا شقوتنا قرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر شقوتنا بكسر الشين من غير الف وقرأ عمرو ابن العاص وابو رزين العقبلي كما ورد في المصدر و الأصح العقيلي وأبو رجاء العطاردي كذلك إلا أنه بفتح الشين و قرأ ابن مسعود وابن عباس وابو عبد الرحمن السلمي والحسن والأعمش وحمزة والكسائي شقاوتنا بألف مع فتح الشين والقاف وعن الحسن وقتادة كذلك إلا أن الشين مكسورة قال المفسرون أقر القوم بأن ما كتب عليهم من الشقاء منعهم الهدى
قوله تعالى ربنا أخرجنا منها أي من النار قال ابن عباس طلبوا الرجوع الى الدنيا فان عدنا أي الى الكفر والمعاصي
قوله تعالى اخسؤوا قال الزجاج تباعدوا تباعد سخط يقال خسأت الكلب اخسؤه إذا زجرته ليتباعد
قوله تعالى ولا تكلمون أي في رفع العذاب عنك قال عبد الله ابن عمرو إن اهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم ثم يقول إنكم ماكثون الزخرف 77 ثم ينادون ربهم ربنا أخرجنا منها فيدعهم مثل عمر الدنيا ثم يقول إنكم ماكثون ثم ينادون ربهم ربنا أخرجنا منها فيدعهم مثل عمر الدنيا ثم يرد عليهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون فما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة إن كان الا الزفير والشهيق

ثم بين الذي لأجله أخسأهم بقوله إنه وقرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني وعاصم الجحدري أنه بفتح الهمزة كان فريق من عبادي قال ابن عباس يريد المهاجرين قوله تعالى فاتخذتموهم قال الزجاج الأجود إدغام الذال في التاء لقرب المخرجين وإن شئت أظهرت لأن الذال من كلمة والتاء من كلمة وبين الذل والتاء في المخرج شيء من التباعد
قوله تعالى سخريا قرأ نافع وحمزة والكسائي وابو حاتم عن يعقوب سخريا بضم السين هاهنا وفي ص63 تابعهم المفضل في ص32 وقرأ ابن كثير وابو عمرو وعاصم وابن عامر بكسر السين في السورتين ولم يختلف في ضم السين في الحرف الذي في الزخرف 32 واختار الفراء الضم والزجاج الكسر وهل هما بمعنى فيه قولان
أحدهما أنهما لغتان ومعناهما واحد قاله الخليل وسيبويه ومثله قول العرب بحر لجي ولجي وكوكب دري ودري
والثاني أن الكسر بمعنى الهمز والضم بمعنى السخرة والاستعباد قاله ابو عبيدة وحكاه الفراء وهو مروي عن الحسن وقتادة
قال ابوعلي قراءة عن كسر ارجح من قراءة من ضم لأنه من الهزء والأكثر في الهزء كسر السين قال مقاتل كان رؤوس كفار قريش كأبي جهل وعقبة والوليد قد اتخذوا فقراء اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كعمار وبلال وخباب وصهيب سخريا يستهزئون بهم ويضحكون منهم

قوله تعالى حتى أنسوكم ذكري أي أنساكم الاشتغال بالاستهزاء بهم ذكري فنسب الفعل الى المؤمنين وإن لم يفعلوه لأنهم كانوا السبب في وجوده كقوله إنهن أضللن كثيرا من الناس ابراهيم 36
قوله تعالى إني جزيتهم اليوم بما صبروا أي على أذاكم واستهزائكم أنهم قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابو عمرو وابن عامر أنهم بفتح الألف وقرأ حمزة والكسائي إنهم بكسرها فمن فتح أنهم فالمعنى جزيتهم بصبرهم الفوز ومن كسر إنهم استأنف
قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسئل العادين قال إن لبثتم الا قليلا لو أنكم كنتم أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ومن يدع مع الله إلها آخر لابرهان له به فانما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين
قوله تعالى قال كم لبثتم قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر قال كم لبثتم وهذا سؤال الله تعالى للكافرين وفي وقته قولان
أحدهما أنه يسألهم يوم البعث
والثاني بعد حصولهم في النار
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي قل كم لبثتم وفيها قولان
أحدهما أنه خطاب لكل واحد منهم والمعنى قل يا ايها الكافر

والثاني أن المعنى قولوا فأخرجه مخرج الأمر للواحد والمراد الجماعة لأن المعنى مفهوم وأبو عمرو وحمزة والكسائي يدغمون ثاء لبثتم والباقون لا يدغمونها فمن أدغم فلتقارب مخرج الثاء والتاء ومن لم يدغم فلتباين المخرجين
وفي المراد بالأرض قولان أحدهما أنها القبور والثاني الدنيا فاحتقر القوم ما لبثوا لما عاينوا من الأهوال والعذاب فقالوا لبثنا يوما أبو بعض يوم قال الفراء والمعنى لا ندري كم لبثنا
وفي المراد بالعادين قولان
أحدهما الملائكة قاله مجاهد
والثاني الحساب قاله قتادة وقرأ الحسن والزهري وأبو عمران الجوني وابن يعمر العادين بتخفيف الدال
قوله تعالى قال إن لبثتم قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابو عمرو وابن عامر قال إن لبثتم وقرأ حمزة والكسائي قل إن لبثتم على معنى قل أيها السائل عن لبثهم وزعموا أن في مصحف أهل الكوفة قل في الموضعين فقرأهما حمزة والكسائي على ما في مصاحفهم أي ما لبثتم في الأرض إلا قليلا لأن مكثهم في الأرض وإن طال فانه متناه ومكثهم في النار لا يتناهى
وفي قوله لو أنكم كنتم تعلمون قولان
أحدهما لو علمتم قدر لبثكم في الأرض
والثاني لم علمتم أنكم الى الله ترجعون فعملتم لذلك
قوله تعالى أفحسبتم أي أفظننتم أنما خلقناكم عبثا أي

للعبث والعبث في اللغة اللعب وقيل هو الفعل لا لغرض صحيح وأنكم إلينا لا ترجعون قرأ ابن كثير وابو عمرو وعاصم لا ترجعون بضم التاء وقرأ حمزة والكسائي بفتحها فتعالى الله عما يصفه به الجاهلون من الشرك والولد الملك قال الخطابي هو التام الملك الجام ع لأصناف المملوكات وأما المالك فهو الخالص الملك وقد ذكرنا معنى الحق في يونس 32
قوله تعالى رب العرش الكريم والكريم في صفة الجماد بمعنى الحسن وقرأ ابن محيصن الكريم برفع الميم يعني الله عز و جل
قوله تعالى لا برهان له به أي لا حجة له به ولا دليل وقال بعضهم معناه فلا برهان له به
قوله تعالى فانما حسابه عند ربه أي جزاؤه عند ربه
تم بعون الله تبارك وتعالى الجزءالخامس من كتاب
زاد المسير في علم التفسير ويليه الجزء السادس
وأوله تفسير سورة النور

سورة النور بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين
وهي مدينة كلها باجماعهم
روى ابو عبد الله الحاكم في صحيحه من حديث عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن المغزل وسوره النور يعني النساء

قوله عز و جل سورة قرأ الجمهور بالرفع وقرأ أبو رزين العقبلي وابن أبي عبلة ومحبوب عن أبي عمرو سورة بالنصب قال أبو عبيدة من رفع فعلى الابتداء وقال الزجاج هذا قبيح لأنها نكرة وأنزلناها صفة لها وإنما الرفع على إضمار هذه سورة والنصب على وجهين أحدهما على معنى أنزلنا سورة وعلى معنى أتل سورة
قوله تعالى وفرضناها قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديد وقرأ ابن مسعود وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وعكرمة والضحاك والزهري ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وابن يعمر والأعمش وابن أبي عبلة بالتخفيف قال الزجاج من قرأ بالتشديد فعلى وجهين أحدهما على معنى التكثير أي إننا فرضنا فيها فروضا والثاني على معنى بينا وفصلنا ما فيها من الحلال والحرام ومن قرأ بالتخفيف فمعناه ألزمناكم العمل

بما فرض فيها وقال غيره من شدد أراد فصلنا فرائضها ومن خفف فمعناه فرضنا مافيها
قوله تعالى الزانية والزاني القراءة المشهورة بالرفع وقرأ أبو رزين العقيلي وأبو الجوزاء وابن أبي عبلة وعيسى بن عمر الزانية بالنصب واختار الخليل وسيبويه الرفع اختيار الأكثرين قال الزجاج والرفع أقوى في العربية لأن معناه من زنى فاجلدوه فتأويله الابتداء ويجوز النصب على معنى اجلدوا الزانية فأما الجلد فهو ضرب الجلد يقال جلده إذا ضرب جلده كما يقال بطنه إذا ضرب بطنه
قال المفسرون ومعنى الآية الزانية والزاني إذا كانا حرين بالغين بكرين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة - فصل
قال شيخنا علي بن عبيد الله هذه الآية تقتضي وجوب الجلد على البكر والثيب وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في حق البكر زيادة على الجلد بتغريب عام وفي حق الثيب زيادة على الجلد بالرجم بالحجارة فروى عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة وممن قال بوجوب النفي في حق البكر

أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عمر وممن بعدهم عطاء وطاووس وسفيان ومالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق وممن قال بالجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب علي بن أبي طالب والحسن البصري والحسن بن صالح واحمد وإسحاق قال وذهب قوم من العلماء إلى أن المراد بالجلد المذكور في هذه الآية البكر

فأما الثيب فلا يجب عليه الجلد وإنما يجب الرجم روي عن عمر وبه قال النخعي والزهري والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومالك وروي عن احمد رواية مثل قول هؤلاء
قوله تعالى ولا تأخذكم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو رزين والضحاك وبن يعمر والأعمش يأخذكم بالياء بهما رأفة قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي رأفة باسكان الهمزة وقرا المتوكل ومجاهد وأبو عمران الجوني وابن كثير بفتح الهمزة وقصرها على وزن رعفة وقرأ سعيد بن جبير والضحاك وأبو رجاء العطاردي رآفة مثل سآمة وكآبة
وفي معنى الكلام قولان
أحدهما لا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما قاله سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتادة
والثاني لا تأخذكم بهما رأفة فتعطلوا الحدود ولا نقيموها قاله مجاهد والشعبي وابن زبد في آخرين - فصل
واختلف العلماء في شدة الضرب في الحدود فقال الحسن البصري ضرب الزنا أشد من القذف والقذف أشد من الشرب ويضرب الشارب أشد من ضرب التعزير وعلى هذا مذهب أصحابنا وقال أبو حنيفة التعزير أشد الضرب وضرب الزاني أشد من ضرب الشارب وضرب الشارب أشد من ضرب القذف وقال مالك الضرب في الحدود كلها سواء غير مبرح

- فصل
فأما ما يضرب من الأعضاء فنقل الميموني عن احمد في جلد الزاني قال يجرد ويعطى كل عضو حقه ولا يضرب وجهه ولا رأسه ونقل يعقوب ابن بختان لا يضرب الرأس ولا الوجه ولا المذاكير وهو قول أبي حنيفة وقال مالك لا يضرب إلا في الظهر وقال الشافعي يتقى الفرج والوجه
قوله تعالى في دين الله فيه قولان
أحدهما في حكمه قاله ابن عباس والثاني في طاعة الله ذكره الماوردي
قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين قال الزجاج القراءة باسكان اللام ويجوز كسرها والمراد بعذابهما ضربهما
وفي المراد بالطائفة هاهنا خمسة أقوال
أحدها الرجل فما فوقه رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقال النخعي الواحد طائفة
والثاني ألإثنان فصاعدا قاله سعيد بن جبير وعطاء وعن عكرمة كالقولين قال الزجاج والقول الأول على غير ما عند أهل اللغة لأن الطائفة في معنى جماعة وأقل الجماعة اثنان
والثالث
والثالث ثلاثة فصاعدا قاله الزهري
والرابع أربعة قاله ابن زيد
والخامس عشرة قاله الحسن البصري

قوله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية قال عبد الله بن عمرو كانت امرأة تسافح وتشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية وقال عكرمة نزلت في بغايا كن بمكة ومنهن تسع صواحب رايات وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المواخير ولا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان فأراد ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت هذه الآية قال المفسرون ومعنى الآية الزاني من المسلمين لا يتزوج من اولئك البغايا إلا زانية أو مشركة لأنهن كذلك كن والزانية منهن لا ينكحها إلا زان أو مشرك ومذهب أصحابنا أنه إذا زنى بامرأة لم يجز له ان يتزوجها إلا بعد التوبة منهما

قوله تعالى وحرم ذلك وقرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل وأبو الجوزاء وحرم الله ذلك بزيادة اسم الله عز و جل مع فتح حروف حرم وقرأ زيد بن علي وحرم ذلك بفتح الحاء وضم الراء مخففة ثم فيه قولان
أحدهما أنه نكاح الزواني قاله مقاتل والثاني الزنا قاله الفراء والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبد وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فان الله غفور رحيم
قوله تعالى والذين يرمون المحصنات شرائط الإحصان في الزنا الموجب للرجم عندنا أربعة البلوغ والحرية والعقل والوطء في نكاح صحيح فأما الإسلام فليس بشرط في الإحصان خلافا لأبي حنيفة ومالك وأما شرائط إحصان القذف فأربع الحرية والإسلام والعفة وأن يكون المقذوف ممن يجامع مثله ومعنى الآية يرمون المحصنات بالزنا فاكتفى بذكره المتقدم عن إعادته ثم لم يأتوا على ما رموهن به بأربعة شهداء عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك فاجلدوهم يعني القاذفين - فصل
وقد أفادت هذه الآية أن على القاذف إذا لم يقم البينة الحد ورد الشهادة وثبوت الفسق واختلفوا هل يحكم بفسقه ورد شهادته بنفس القذف أم بالحد فعلى قول أصحابنا إنه يحكم بفسقه ورد شهادته إذا لم يقم البينة وهو قول

الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك لا يحكم بفسقه وتقبل شهادته مالم يقم الحد عليه - فصل
والتعريض بالقذف كقوله لمن يخاصمه ما أنت بزان ولا أمك زانية يوجب الحد في المشهور من مذهبنا وقال أبو حنيفة لا يوجب الحد وحد العبد في القذف نصف حد الحر وهو أربعون قاله الجماعة إلا الأوزاعي فانه قال ثمانون فأما قاذف المجنون فقال الجماعة لا يحد وقال الليث يحد فأما الصبي فان كان مثله يجامع أو كانت صبية مثلها يجامع فعلى القاذف الحد وقال مالك يحد قاذف الصبية التي يجامع مثلها ولايحد قذف الصبي وقال ابو حنيفه والشافعي لا يحد قاذفهما فان قذف رجل جماعة بكلمة واحدة فعليه حد واحد وإن أفرد كل واحد بكلمة فعليه لكل واحد حد وهو قول الشعبي وابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه حد واحد سواء قذفهم بكلمة أو بكلمات - فصل
وحد القذف حق لآدمي يصح ان يبرئ منه ويعفو عنه وقال أبو حنيفة هو حق لله وعندنا أنه لا يستوفي إلا بمطالبة المقذوف وهو قول الأكثرين وقال ابن أبي ليلى يحده الإمام وإن لم يطالب المقذوف

قوله تعالى إلا الذين تابوا أي من القذف وأصلحوا قال ابن عباس أظهروا التوبة وقال غيره لم يعودوا إلى قذف المحصنات
وفي هذا الإستثناء قولان
أحدهما أنه نسخ حد القذف وإسقاط الشهادة معا وهذا قول عكرمة والشعبي وطاووس ومجاهد والقاسم بن محمد والزهري والشافعي واحمد
والثاني أنه يعود إلى الفسق فقط وأما الشهادة فلا تقبل أبدا قاله الحسن وشريح وإبراهيم وقتادة فعلى هذا القول انقطع الكلام عند قوله أبدا وعلى القول الأول وقع الاستثناء على جميع الكلام وهذا أصح لأن المتكلم بالفاحشة لا يكون أعظم جرما من راكبها فإذا قبلت شهادة المقذوف بعد ثبوته فالرامي أيسر جرما وليس القاذف بأشد جرما من الكافر فإنه إذا أسلم قبلت شهادته والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين

والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم
قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم سبب نزولها أن هلال بن أمية وجد عند اهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إني جئت أهلي فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه و سلم ما جاء به واشتد عليه فقال سعد بن عبادة الآن يضرب رسول الله هلالا ويبطل شهادته فقال هلال والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا فوالله إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي فنزلت هذه الآية رواه عكرمة عن ابن عباس وفي حديث آخر أن الرجل الذي قذفها به شريك بن سحماء وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لهلال حين قذفها ائتني بأربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك فنزلت هذه الآية فنسخ حكم الجلد في حق الزوج القاذف

- فصل
في بيان حكم الآية
إذا قذف الرجل زوجته بالزنا لزمه الحد وله التخلص منه باقامة البينة أو باللعان فان أقام البينة لزمها الحد وإن لاعنها فقد حقق عليها الزنا ولها التخلص منه باللعان فان نكل الزوج عن اللعان فعليه حد القذف وإن نكلت الزوجة لم تحد وحبست حتى تلاعن أو نقر بالزنا في إحدى الروايتين وفي الأخرى يخلى سبيلها وقال أبو حنيفة لا يحد واحد منهما ويحبس حتى يلاعن وقال مالك والشافعي يجب الحد على الناكل منهما - فصل
ولا تصح الملاعنة إلا بحضرة الحاكم فان كانت المرأة خفرة بعث الحاكم من يلاعن بينهما وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا أربع مرات ثم يقول في الخامسة ولعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم تقول الزوجة أربع مرات أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا ثم نقول وغضب الله عليها إن كان من الصادقين والسنة أن يتلاعنا قياما ويقال للزوج إذا بلغ اللعنة اتق الله فإنها الموجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وكذلك يقال للزوجة إذا بلغت إلى الغضب فان كان بينهما ولد اقتصر نفيه عن الأب إلى ذكره في اللعان فيزيد في الشهادة وما هذا الولد ولدي وتزيد هي وإن هذا الولد ولده

- فصل
واختلف الفقهاء في الزوجين اللذين يجري بينهما اللعان فالمشهور عن أحمد أن كل زوج صح قذفه صح لعانه فيدخل تحت هذا المسلم والكافر والحر والعبد وكذلك المرأة وهذا قول مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا يجوز اللعان بين الحر والأمة ولا بين العبد والحرة ولا بين الذميين أو إذا كان أحدهما ذميا ونقل حرب عن أحمد نحو هذا والمذهب هو الأول ولا تختلف الرواية عن احمد ان فرقة اللعان لا تقع بلعان الزوج وحده واختلف هل تقع بلعانهما من غير فرقة الحاكم على روايتين وتحريم اللعان مؤبد فان أكذب الملاعن نفسه لم تحل له زوجته أيضا وبه قال عمر وعلي وابن مسعود وعن أحمد روايتان أصحهما هذا والثانية يجتمعان بعد التكذيب وهو قول أبي حنيفة
قوله تعالى ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم وقرأ أبو المتوكل وابن يعمروالنخعي تكن بالتاء
قوله تعالى فشهادة أحدهم أربع شهادات قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم أربع بفتح العين وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم برفع العين قال الزجاج من رفع اربع فالمعنى فشهادة احدهم التي تدرأ حد القذف أربع ومن نصب فالمعنى فعليهم ان يشهد أحدهم اربع
قوله تعالى والخامسة قرأ حفص عن عاصم والخامسة نصبا حملا على نصب أربع شهادات
قوله تعالى أن لعنة الله عليه قرأ نافع ويعقوب والمفضل أن

لعنة الله و أن غضب الله بتخفيف النون فيهما وسكونهما ورفع الهاء من لعنة والباء من غضب إلا ان نافعا كسر الضاد من غضب وفتح الباء
قوله تعالى ويدرأ عنها أي ويدفع عنها العذاب وفيه ثلاثة أقوال
أحدهما أنه الحد والثاني الحبس ذكرهما ابن جرير والثالث العار
قوله تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته أي ستره ونعمته قال الزجاج وجواب لولا هاهنا متروك والمعنى لولا ذلك لنال الكاذب منكم عذاب عظيم وقال غيره لولا فضل الله لبين الكاذب من الزوجين فأقيم عليه الحد وأن الله تواب يعود على من رجع عن المعاصي بالرحمة حكيم فيما فرض من الحدود إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم

ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله ان تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم
قوله تعالى إن الذين جاؤوا بالإفك أجمع المفسرون أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها نزلت في قصة عائشة وفي حديث الإفك أن هذه الآية إلى عشر آيات نزلت في قصة عائشة وقد ذكرنا حديث الإفك في كتاب الحدائق وفي كتاب المغني في التفسير فلم نطل بذكره لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب ليحفظ فأما الإفك فهو الكذب والعصبة الجماعة

ومعنى قوله منكم أي من المؤمنين وروى عروة عن عائشة أنها قالت هم أربعة حسان بن ثابت وعبد الله بن أبي بن سلول ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش وكذلك عدهم مقاتل
قوله تعالى لا تحسبوه شرا لكم قال المفسرون هذا خطاب لعائشة وصفوان بن المعطل وقيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعائشة والمعنى إنكم تؤجرون فيه لكل امرئ منهم يعني من العصبة الكاذبة ما اكتسب من الإثم أي جزاء ما اجترح من الذنب على قدر خوضه فيه والذي تولى كبره منهم وقرأ ابن عباس وأبو رزين وعكرمة ومجاهد وابن أبي عبلة والحسن ومحبوب عن أبي عمرو ويعقوب كبره بضم

الكاف قال الكسائي وهما لغتان وقال ابن قتيبة كبر الشئ معظمه ومنه هذه الآية قال قيس بن الخطيم يذكر امرأة ... تنام عن كبر شأنها فإذا قامت رويدا تكاد تنعرف ...
وفي المتولي لذلك قولان
أحدهما أنه عبد الله بن أبي رواه أبو صالح عن ابن عباس وعروة عن عائشة وبه قال مجاهد والسدي ومقاتل قال المفسرون هو الذي أشاع الحديث فله عذاب عظيم بالنار وقال الضحاك هو الذي بدأ بذلك
والثاني أنه حسان روى الشعبي أن عائشة قالت ما سمعت أحسن من شعر حسان وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة فقيل يا أم المؤمنين أليس الله يقول والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت اليس قد ذهب بصره وروى عنها مسروق أنها قالت وأي عذاب أشد من العمى ولعل الله أن يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره تعني حسان بن ثابت

ثم إن الله عز و جل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله لولا إذ سمعتموه أي هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة ظن المؤمنون من العصبة الكاذبة وهم حسان ومسطح والمؤمنات وهي حمنة بنت جحش بأنفسهم وفيها ثلاثة أقوال
أحدها بأمهاتهم والثاني بأخواتهم والثالث بأهل دينهم لان المؤمنين كنفس واحدة وقالوا هذا إفك مبين أي كذب بين وجاء في التفسير أن أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه ألا تسمع ما يقول الناس في أمر عائشة فقال هذا إفك مبين أكنت يا أماه فاعلته قالت معاذ الله قال فعائشة والله خير منك فنزلت هذه الآية
قوله تعالى لولا جاؤوا أي هلا جاءت العصبة الكاذبة على قذفهم عائشة بأربعة شهداء وقرأ الضحاك وعاصم الجحدري بأربعة منونة والمعنى يشهدون بأنهم عاينوا ما رموها به فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله أي في حكمه هم الكاذبون ثم ذكر القاذفين فقال ولولا فضل الله عليكم ورحمته أي لولا ما من الله به عليكم لمسكم أي لأصابكم فيما أفضتم أي أخذتم وخضتم فيه من الكذب والقذف

عذاب عظيم في الدنيا والآخرة ثم ذكر الوقت الذي لولا فضله لأصابهم فيه العذاب فقال إذ تلقونه وكان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا فيتلقاه بعضهم من بعض وقرأ عمر بن الخطاب إذ تلقونه بتاء واحدة خفيفة مرفوعة وإسكان اللام وقاف منقوطة بنقطتين مرفوعة خفيفة وقرأ معاوية وابن السميفع مثله إلا أنهما فتحا التاء والقاف وقرأ ابن مسعود تتلقونه بتاءين مفتوحتين مع نصب اللام وتشديد القاف وقرأ أبي بن كعب وعائشة ومجاهد وأبو حيوة تلقونه بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف وقال الزجاج تلقونه يلقيه بعضكم إلى بعض وتلقونه ومعناه إذ تسرعون بالكذب يقال ولق يلق إذا أسرع في الكذب وغيره قال الشاعر ...
جاءت به عنس من الشام تلق
أي تسرع وقال ابن قتيبة تلقونه أي تقبلونه ومن قرأ تلقونه أخذه من الولق وهو الكذب
قوله تعالى وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم أي من غير أن تعلموا أنه حق وتحسبونه يعني ذلك القذف هينا أي سهلا لا إثم

فيه وهو عند الله عظيم في الوزر ثم زاد عليهم في الإنكار فقال ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أي ما يحل وما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا سبحانك وهو يحتمل التنزيه والتعجب وروت عائشة أن امرأة أبي أيوب الأنصاري قالت له ألم تسمع ما يتحدث الناس فقال ما يكون لنا ان نتكلم بهذا الآية فنزلت الآية وقد روينا آنفا أن أمه ذكرت له ذلك فنزلت الآية المتقدمة وروي عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ذلك قال سبحانك هذا بهتان عظيم فقيل للناس هلا قلتم كما قال سعد
قوله تعالى يعظكم الله أي ينهاكم الله ان تعودوا لمثله أي إلى مثله إن كنتم مؤمنين لأن من شرط الإيمان ترك قذف المحصنة ويبين الله لكم الآيات في الأمر والنهى
ثم هدد القاذفين بقوله إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة أي يحبون أن يفشو القذف بالفاحشة وهي الزنا في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا يعني الجلد والآخرة عذاب النار وروت عمرة عن عائشة قالت لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل امر برجلين وامرأة فضربوا حدهم وروى أبو صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم جلد عبد الله بن ابي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش فأما الثلاثة فتابوا وأما عبد الله فمات منافقا وبعض العلماء ينكر صحة هذا ويقول لم يضرب أحدا

قوله تعالى والله يعلم شر ما خضتم فيه وما يتضمن من سخط الله وأنتم لا تعلمون ذلك ولولا فضل الله عليكم جوابه محذوف تقديره لعاقبكم فيما قلتم لعائشة قال ابن عباس يريد مسطحا وحسان وحمنة يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم
قوله تعالى لا تتبعوا خطوات الشيطان أي تزيينه لكم قذف عائشة وقد سبق شرح خطوات الشيطان وبيان الفحشاء والمنكر
قوله تعالى ما زكى منكم وقرأ الحسن ومجاهد وقتادة ما زكى بتشديد الكاف
وفيمن خوطب بهذا قولان
أحدهما أنه عام في الخلق والثاني أنه خاص للمتكلمين في الإفك ثم في معناه أربعة أقوال
أحدهما ما اهتدى رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس والثاني ما أسلم قاله ابن زبد والثالث ما صلح قاله مقاتل والرابع ما طهر قاله ابن قتيبة
قوله تعالى ولكن الله يزكي من يشاء أي يطهر من يشاء من

الإثم بالتوبة والغفران فالمعنى وقد شئت ان أتوب عليكم والله سميع عليم علم ما في نفوسكم من التوبة والندامة ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة ان يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم
قوله تعالى ولا يأتل وقرأ الحسن وأبو العالية وأبو جعفر وابن أبي عبلة ولا يتأل بهمزة مفتوحة بين التاء واللام وتشديد اللام على وزن يتعل قال المفسرون سبب نزولها أن أبا بكر الصديق كان ينفق على مسطح لقرابته وفقره فلما خاض في أمر عائشة قال أبو بكر والله لا أنفق عليه شيئا أبدا فنزلت هذه الآية فأما الفضل فقال أبو عبيدة هو التفضل والسعة الجدة قال المفسرون والمراد به أبو بكر
قوله تعالى أن يؤتوا قال ابن قتيبة معناه أن لا يؤتوا فحذف لا فأما قوله أولي القربى فانه يعنى مسطحا وكان أبن خالة أبي بكر وكان مسكينا وكان مهاجرا قال المفسرون فلما سمع أبو بكر ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال بلى يا رب وأعاد نفقته على مسطح إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم

ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين
قوله تعالى إن الذين يرمون المحصنات يعني العفائف الغافلات عن الفواحش لعنوا في الدنيا أي عذبوا بالجلد وفي الآخرة بالنار
واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية على أربعة أقوال
أحدها انها نزلت في عائشة خاصة قال خصيف سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية فقلت من قذف محصنة لعنة الله قال لا إنما أنزلت هذه الآية في عائشة خاصة
والثاني أنها في أزواج النبي صلى الله عليه و سلم خاصة قاله الضحاك
والثالث أنها في المهاجرات قال أبو حمزة الثمالي بلغنا أن المرأة كانت إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا إنما خرجت تفجر فنزلت هذه الآية
والرابع أنها عامة في ازواج النبي صلى الله عليه و سلم وغيرهن وبه قال قتادة وابن زيد

فان قيل لم اقتصر على ذكر المحصنات دون الرجال
فالجواب أن من رمى مؤمنة فلا بد أن يرمي معها مؤمنا فاستغني عن ذكر المؤمنين ومثله سرابيل تقيكم الحر أراد والبرد قاله الزجاج
قوله تعالى يوم تشهد عليهم السنتهم وقرأ حمزة والكسائي وخلف يشهد بالياء وهو إقرارها بما تكلموا به من الفرية قال ابو سليمان الدمشقي وهؤلاء غير الذين يختم على أفواههم وقال ابن جرير المعنى ان السنة بعضهم تشهد على بعض
قوله تعالى يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق أي حسابهم العدل وقيل جزاءهم الواجب وقرأ مجاهد وأبو الجوزاء وحميد بن قيس والأعمش دينهم الحق برفع القاف ويعلمون أن الله هو الحق المبين قال ابن عباس وذلك ان عبد الله بن ابي كان يشك في الدين فإذا كانت القيامة علم حيث لا ينفعه الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم
قوله تعالى الخبيثات للخبيثين فيه أربعة أقوال
أحدها الكلمات الخبيثات لا يتكلم بها إلا الخبيث من الرجال والنساء والكلمات الطيبات لا يتكلم بها إلا الطيبون من الرجال والنساء
والثاني الكلمات الخبيثات إنما تلصق بالخبيثين من الرجال والنساء فأما الطيبات والطيبون فلا يصلح أن يقال في حقهم إلا الطيبات

والثالث الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والطيبات من النساء للطيبين من الرجال
والرابع الخبيثات من الأعمال للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس للخبيثات من الأعمال وكذلك الطيبات أولئك يعني عائشة وصفوان مبرؤون أي منزهون مما يقولون من الفرية لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم في الجنة يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على اهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فان لم تجدوا فيها احدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو ازكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون
قوله تعالى لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ذكر أهل التفسير ان سبب نزولها أن امرأة من الانصار جاءت إلى رسول الله ص فقالت يا رسول الله إني اكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد فلا يزال يدخل علي رجل من اهلي فنزلت هذه الآية فقال ابو بكر بعد نزولها يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن فنزل قوله ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة الآية ومعنى قوله لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم

أي بيوتا ليست لكم واختلف القراء في باء البيوت فقرأ بعضهم بضمها وبعضهم بكسرها وقد بينا ذلك في البقرة
قوله تعالى حتى تستأنسوا قال الفراء في الكلام تقديم وتأخير تقديره حتى تسلموا وتستأنسوا قال الزجاج وتستأنسوا في اللغة بمعنى تستأذنوا وكذلك هو في التفسير والاستئذان الاستعلام تقول آذنته بكذا أي أعلمته وآنست منه كذا أي علمت منه ومثله فان آنستم منهم رشدا أي علمتم فمعنى الآية حتى تستعلموا يريد أهلها ان تدخلوا ام لا قال المفسرون وصفة الاستعلام ان تقول السلام عليكم اادخل ولا يجوز أن تدخل بيت غيرك إلا بالاستئذان لهذه الآية ذلكم خير لكم من أن تدخلوا بغير إذن لعلكم تذكرون أن الاستئذان خير فتأخذون به قال عطاء قلت لابن عباس أستأذن على أمي وأختي ونحن في بيت واحد قال أيسرك أن ترى منهن عورة قلت لا قال فاستأذن
قوله تعالى فان لم تجدوا فيها احدا أي إن وجدتموها خالية فلا تدخلوا حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا أي إن ردوكم فلا تقضوا على أبوابهم وتلازموها هو أزكى لكم يعني الرجوع خير لكم وأفضل والله بما تعملون من الدخول باذن وغير إذن عليم

- فصل
وهل هذه الآية منسوخة أم لا فيها قولان
أحدهما أن حكمها عام في جميع البيوت ثم نسخت منها البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون بقوله تعالى ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة هذا مروي عن الحسن وعكرمة
والثاني أن الآيتين محكمتان فالاستئذان شرط في الأولى إذا كان للدار أهل والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها والإذن لا يتصور من غير آذن فاذا بطل الاستئذان لم تكن البيوت الخالية داخلة في الأولى وهذا أصح
قوله تعالى أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها خمسة اقوال
أحدها أنها الخانات والبيوت المبينة للسابلة ليأووا إليها ويؤووا أمتعتهم قاله قتادة
والثاني أنها البيوت الخربة والمتاع قضاء الحاجة فيها من الغائط والبول قاله عطاء
والثالث أنها بيوت مكة قاله محمد بن الحنفية
والرابع حوانيت التجار التي بالأسواق قاله ابن زيد
والخامس أنها جميع البيوت التي لا ساكن لها لأن الاستئذان إنما جعل لأجل الساكن قاله ابن جريج
فيخرج في معنى المتاع ثلاثة أقوال

أحدهما الأمتعة التي تباع وتشترى والثاني إلقاء الأذى من الغائط والبول والثالث الانتفاع بالبيوت لاتقاء الحر والبرد قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهم ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني أخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال او الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون
قوله تعالى قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم في من قولان
أحدهما أنها صلة والثاني أنها أصل لأنهم لم يؤمروا بالفض مطلقا وإنما أمروا بالغض عما لا يحل
وفي قوله ويحفظوا فروجهم قولان أحدهما عما لا يحل لهم قاله الجمهور والثاني عن أن ترى فهو أمر لهم بالاستتار قاله أبو العالية وابن زيد
قوله تعالى ذلك إشارة إلى الغض وحفظ الفروج أزكى لهم أي خير وأفضل إن الله خبير بما يصنعون في الأبصار والفروج ثم امر النساء بما امر به الرجال

قوله تعالى ولا يبدين زينتهن أي لا يظهرنها لغير محرم وزينتهن على ضربين خفيفة كالسوارين والقرطين والدملج والقلائد ونحو ذلك وظاهرة وهي المشار إليها بقوله إلا ما ظهر منها وفيه سبعة أقوال
أحدهما انها الثياب رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود وفي لفظ آخر قال هو الرداء والثاني أنها الكف والخاتم والوجه والثالث الكحل والخاتم رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس والرابع القلبان وهما السواران والخاتم والكحل قاله المسور بن مخرمة والخامس الكحل والخاتم والخضاب قاله مجاهد والسادس الخاتم والسوار قاله الحسن والسابع الوجه والكفان قاله الضحاك قال القاضي أبو يعلى والقول الاول اشبه وقد نص عليه احمد فقال الزينة الظاهرة الثياب وكل شئ منها عورة حتى الظفر ويفيد هذا تحريم النظر إلى شئ من الأجنبيات لغير عذر فان كان

لعذر مثل ان يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها فانه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة فأما النظر إليها بغير عذر فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن
فان قيل فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها
فالجواب أن في تغطيته مشقة فعفي عنه
قوله تعالى وليضربن بخمرهن وهي جمع خمار وهو ما تغطى به المرأة رأسها والمعنى وليلقين مقانعهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن وأعناقهن وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وإبراهيم النخفي والأعمش على جيوبهن بكسر الجيم ولا يبدين زينتهن يعني الخفية وقد سبق بيانها إلا لبعولتهن قال ابن عباس لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن
قوله تعالى أو نسائهن يعني المسلمات قال أحمد لا يحل للمسلمة ان تكشف راسها عند نساء أهل الذمة واليهودية والنصرانية لا تقبلان المسلمة

قوله تعالى أو ما ملكت أيمانهن قال اصحابنا المراد به الإماء دون العبيد وقال أصحاب الشافعي يدخل فيه العبيد فيجوز للمرأة عندهم أن تظهر لمملوكها ما تظهر لمحارمها لأن مذهب الشافعي انه محرم لها وعندنا انه ليس بمحرم ولا يجوز أن ينظر إلى غير وجهها وكفيها وقد نص أحمد على انه لايجوز أن ينظر إلى شعر مولاته قال القاضي أبو يعلى وإنما ذكر الإماء في الآية لانه قد يظن الظان أنه لا يجوز أن تبدي زينتها للإماء لأن الذين تقدم ذكرهم احرار فلما ذكر الإماء زال الإشكال
قوله تعالى أو التابعين وهم الذين يتبعون القوم ويكونون معهم لإرفاقهم إياهم او لأنهم نشؤوا فيهم
وللمفسرين في هذا التابع ستة اقوال
احدهما أنه الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل قاله قتادة وكذلك قال مجاهد هو الأبلة الذي يريد الطعام ولا يريد النساء والثاني أنه العنين قاله عكرمة والثالث المخنث كان يتبع الرجل يخدمه بطعامه ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن قاله الحسن والرابع أنه الشيخ

الفاني والخامس انه الخادم قالهما ابن السائب والسادس أنه الذي لا يكترث بالنساء إما لكبر أو لهرم أو لصغر ذكره ابن المنادي من أصحابنا قال الزجاج غير صفة للتابعين وفيه دليل على ان قوله أو ما ملكت أيمانهن معناه غير أولي الإربة من الرجال والمعنى ولا يبدين زينتهن لمماليكهن ولا لتباعهن إلا أن يكونوا غير أولي الإربة والإربة الحاجة ومعناه غير ذوي الحاجات إلى النساء
قوله تعالى أو الطفل قال ابن قتيبة يريد ألأطفال بدليل قوله لم يظهروا على عورات النساء أي لم يعرفوها
قوله تعالى ولا يضربن بأرجلهن أي باحدى الرجلين على الأخرى ليضرب الخلخال الخلخال فيعلم أن عليها خلخالين

وأنكحوا الأيامي منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتكم ولا تكرهوا فتيانكم على البغاء إن أردن تحصنوا لتبتغوا عرض الحياة الدنيار ومن يكرههن فان الله من بعد إكراههن غفور رحيم ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين
قوله تعالى وأنكحوا الأيامي وهم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء يقال رجل أيم وامرأة أيم ورجل أرمل وامرأة أرملة ورجل بكر وامراة بكر إذا لم يتزوجا وامرأة ثيب ورجل ثيب إذا كانا قد تزوجا والصالحين من عبادكم أي من عبيدكم يقال عبد وعباد وعبيد كما يقال كلب وكلاب وكليب وقرأ الحسن ومعاذ القارئ من عبيدكم

قال المفسرون والمراد بالآية الندب ومعنى الصلاح هاهنا الإيمان والمراد بالعباد المملوكون فالمعنى زوجوا المؤمنين من عبيدكم وولائدكم ثم رجع إلى الأحرار فقال إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله فأخبرهم أن النكاح سبب لنفي الفقر
قوله تعالى وليستعفف الذين لا يجحدون نكاحا أي وليطلب العفة عن الزنا والحرام من لا يجد ما ينكح به من صداق ونفقة وقد روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال يا معشر الشباب عليكم بالباءة فمن لم يجد فعليه بالصيام فانه له وجاء

قوله تعالى والذين يبتغون الكتاب أي يطلبون المكاتبة من العبيد والإماء على أنفسهم فكاتبوهم فيه قولان
أحدهما أنه مندوب إليه قاله الجمهور
والثاني أنه واجب قاله عطاء وعمرو بن دينار وذكر المفسرون أنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزي يقال له صبيح سأل مولاه الكتابة فأبى عليه فنزلت هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارا
قوله تعالى إن علمتم فيهم خيرا فيه ستة أقوال
أحدها إن علمتم لهم مالا رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعطاء والضحاك والثاني إن علمتم لهم حيلة يعني الكسب رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس والثالث إن علمتم فيهم دينا قاله الحسن والرابع إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير قاله سعيد بن جبير والخامس إن أقاموا الصلاة قاله عبيدة السلماني والسادس إن علمتم لهم صدقا ووفاء قاله إبراهيم
قوله تعالى وآتوهم من مال الله الذي آتاكم فيه قولان
أحدهما انه خطاب للاغنياء الذين تجب عليهم الزكاة أمروا ان يعطوا المكاتبين من سهم الرقاب روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال هو سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون
والثاني أنه خطاب للسادة أمروا أن يعطوا مكاتبيهم من كتابتهم شيئا قال احمد والشافعي الإيتاء واجب وقدره أحمد بربع مال الكتابة وقال الشافعي ليس بمقدر وقال أبو حنيفة ومالك لا يجب الإيتاء وقد روي عن عمر بن الخطاب

أنه كاتب غلاما له يقال له أبو أمية فجاءه بنجمه حين حل فقال اذهب يا أبا أمية فاستعن به في مكاتبتك قال يا أمير المؤمنين لو أخرته حتى يكون في آخر النجوم فقال يا أبا أمية إني أخاف أن لا أدرك ذلك ثم قرأ وآتوهم من مال الله الذي آتاكم قال عكرمة وكان ذلك أول نجم أدي في الإسلام
قوله تعالى ولا تكرهوا فتيانكم على البغاء روى مسلم في صحيحه من حديث ابي سفيان عن جابر قال كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له اذهبي فابغينا شيئا فنزلت هذه الآية قال المفسرون وكان له جاريتان معاذة ومسيكة فكان يكرههما على الزنا ويأخذ منهما الضريبة وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة إن هذا الأمر الذي نحن فيه إن كان خيرا فقد استكثرنا منه وإن كان شرا فقد آن لنا أن ندعه فنزلت هذه الآية وزعم مقاتل أنها نزلت في ست جوار كن لعبد الله بن أبي معاذة ومسيكة وأميمة وقتيلة وعمرة وأروى فأما الفتيات فهن الإماء والبغاء الزنا والتحصن التعفف
واختلفوا في معنى إن أردن تحصنا على اربعة أقوال
أحدها أن الكلام ورد على سبب وهو الذي ذكرناه فخرج النهي عن صفة السبب وإن لم يكن شرطا فيه

والثاني إنه إنما شرط إرادة التحصن لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن فأما إذا لم ترد المرأة التحصن فانها تبغي بالطبع
والثالث أن إن بمعنى إذ ومثله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين البقرة وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين آل عمران
والرابع ان في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره وأنكحوا الأيامي إلى قوله وإمائكم إن أردن تحصنا ولا تكرهوا فتيانكم على البغاء لتبتغوا عرض الحياة الدنيا وهو كسبهن وبيع أولادهن ومن يكرههن فان الله من بعد إكراههن غفور للمكرهات رحيم وقرأ ابن عباس وأبو عمران الجوني وجعفر بن محمد من بعد إكراههن لهن غفور رحيم
قوله تعالى آيات مبينات قرأ ابن عامر وأهل الكوفة غير أبي بكر وأبان مبينات بكسر الياء في الموضعين في هذه السورة النور وآخر سورة الطلاق
قوله تعالى ومثلا من الذين خلوا أي شبها من حالهم بحالكم أيها المكذبون وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق المكذبين قبلهم الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم
قوله تعالى الله نور السماوات والأرض فيه قولان
أحدهما هادي اهل السماوات والأرض رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس

وبه قال أنس بن مالك وبيان هذا ان النور في اللغة الضياء وهو الذي تصل به الأبصار إلى مبصراتها فورد النور مضافا إلى الله تعالى لأنه هو الذي يهدي المؤمنين ويبين لهم ما يهتدون به والخلائق بنوره يهتدون
والثاني مدبر السماوات والأرض قاله مجاهد والزجاج وقرأ أبي ابن كعب وأبو المتوكل وابن السميفع الله نور بفتح النون والواو وتشديدها ونصب الراء السماوات بالخفض والارض بالنصب
قوله تعالى مثل نوره في هاء الكناية أربعة أقوال
أحدها أنها ترجع إلى الله عز و جل قال ابن عباس مثل هداه في قلب المؤمن
والثاني أنها ترجع إلى المؤمن فتقديره مثل نور المؤمن قاله أبي ابن كعب وكان أبي وابن مسعود يقرآن مثل نور من آمن به
والثالث انها ترجع إلى محمد صلى الله عليه و سلم قاله كعب
والرابع أنها ترجع إلى القرآن قاله سفيان
فأما المشكاة ففيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها في موضع الفتيلة الذي هو كالأنبوب والمصباح الضوء قاله ابن عباس
والثاني أنها القنديل والمصباح الفتيلة قاله مجاهد
والثالث أنها الكوة التي لا منفذ لها والمصباح السراج قاله كعب وكذلك قال الفراء المشكاة الكوة التي ليست بنافذة وقال ابن قتيبة المشكاة

=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق