53 لا يدخل الجنة نمام باب بيان غلظ تحريم النميمة 151- قَوْله: (لَا يَدْخُل الْجَنَّة نَمَّام) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْره: يُقَال: نَمَّ الْحَدِيث يَنُمّهُ وَيَنِمّهُ بِكَسْرِ النُّون وَضَمّهَا نَمًّا، وَالرَّجُل نَمَّام وَنَمٌّ وَقَتّه يَقُتّهُ بِضَمِّ الْقَاف قَتًّا قَالَ الْعُلَمَاء: النَّمِيمَة نَقْل كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ بَيْنهمْ. قَالَ الْإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّه فِي الْإِحْيَاء: اِعْلَمْ أَنَّ النَّمِيمَة إِنَّمَا تُطْلَق فِي الْأَكْثَر عَلَى مَنْ يَنِمّ قَوْل الْغَيْر إِلَى الْمَقُولِ فيه، كَمَا تَقُول: فُلَان يَتَكَلَّم فِيك بِكَذَا، قَالَ: وَلَيْسَتْ النَّمِيمَة مَخْصُوصَة بِهَذَا بَلْ حَدُّ النَّمِيمَةِ كَشْف مَا يُكْرَه كَشْفه سَوَاء كَرِهَهُ الْمَنْقُول عَنْهُ، أَوْ الْمَنْقُول إِلَيْهِ، أَوْ ثَالِث، وَسَوَاء كَانَ الْكَشْف بِالْكِنَايَةِ أَوْ بِالرَّمْزِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ، فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إِفْشَاءُ السِّرِّ، وَهَتْك السِّتْر عَمَّا يَكْرَه كَشْفه، فَلَوْ رَآهُ يُخْفِي مَالًا لِنَفْسِهِ فَذَكَره فَهُوَ نَمِيمَة، قَالَ: وَكُلُّ مَنْ حَمَلْت إِلَيْهِ نَمِيمَة، وَقِيلَ لَهُ: فُلَان يَقُول فِيك، أَوْ يَفْعَل فِيك كَذَا، فَعَلَيْهِ سِتَّة أُمُور:الْأَوَّل: أَلَّا يُصَدِّقُهُ لِأَنَّ النَّمَّام فَاسِقٌ. الثَّانِي: أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَنْصَحهُ وَيُقَبِّح لَهُ فِعْله. الثَّالِث: أَنْ يُبْغِضهُ فِي اللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى، وَيَجِب بُغْض مَنْ أَبْغَضه اللَّه تَعَالَى. الرَّابِع: أَلَّا يَظُنَّ بِأَخِيهِ الْغَائِب السُّوء. الْخَامِس: أَلَّا يَحْمِلهُ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّس وَالْبَحْث عَنْ ذَلِكَ. السَّادِس: أَلَّا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا نُهِيَ النَّمَّام عَنْهُ؛ فَلَا يَحْكِي نَمِيمَته عَنْهُ، فَيَقُول: فُلَان حَكَى كَذَا فَيَصِير بِهِ نَمَّامًا، وَيَكُون آتِيًا مَا نُهِيَ عَنْهُ. هَذَا آخِر كَلَام الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّه. وَكُلّ هَذَا الْمَذْكُور فِي النَّمِيمَة إِذَا لَمْ يَكُنْ فيها مَصْلَحَة شَرْعِيَّة فَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَيْهَا فَلَا مَنْع مِنْهَا؛ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّ إِنْسَانًا يُرِيد الْفَتْك بِهِ، أَوْ بِأَهْلِهِ، أَوْ بِمَالِهِ، أَوْ أَخْبَرَ الْإِمَام، أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ بِأَنَّ إِنْسَانًا يَفْعَل كَذَا، وَيَسْعَى بِمَا فيه مَفْسَدَة. وَيَجِب عَلَى صَاحِب الْوِلَايَةِ الْكَشْف عَنْ ذَلِكَ وَإِزَالَته. فَكُلّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَدْ يَكُون بَعْضه وَاجِبًا، وَبَعْضه مُسْتَحَبًّا عَلَى حَسَب الْمَوَاطِن. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي الْإِسْنَاد (فَرُّوخ) وَهُوَ غَيْر مَصْرُوف تَقَدَّمَ مَرَّات. وَفيه (الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفَتْح الْمُوَحَّدَةِ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة نَمَّامٌ» فَفيه التَّأْوِيلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي نَظَائِره: أَحَدهمَا: يُحْمَل عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، مَعَ الْعِلْم بِالتَّحْرِيمِ. وَالثَّانِي لَا يَدْخُلهَا دُخُول الْفَائِزِينَ. وَاَللَّه أَعْلَم.
4. استخدم المتشابه من نصوص الزجر والتي استخدمها النووي في صنع مصطلحات الكفر دون كفر وكفر لا يخرج من الملة وخلافه واليك أمثلة
النصوص الظنية التي اعتمد عليها النووي في صنع هذه المصطلحات :
. نص من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ..هذا النص جاء التشابه فيه من:
--------------
ب)(قلت المدون) وقد رفض أَجَلّ الناس من الحفاظ والورعين والعلماء في المصطلح وأكابر التابعين كسعيد ابن المسيب ةكذلك البخاري وابن الصلاح واورع المتقين الحسن البصري ومن هم علي حق المعرفة بربهم من الخوف والخشية والورع والتقوي معهم وأمثالهم مثل: سعيد ابن المسيب كما لم يوافق الحسن البصري ولا البخاري ولا ابن الصلاح وغيرهم من الأجلَّاءِ الورعين علي: Bما قاله النووي وأصحابه: الطحاوي والخطابي (ابو حاتم البستي) والقاضي عياض ومن شاكلهم? ..فكلهم أي سعيد بن المسيب والحسن البصري والبخاري وابن الصلاح والاتقياء الورعين من كبار المسلمين علي رفض هذه التأويلات راجع أقوالهم الآتي بيانها بعد عدة اسطر) وفي تعليل رفض ابن الصلاح لهذه التأويلات ☜قال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.
☜ فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ ، قَالَ : ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ ، وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ ، قَالَ : غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ ، أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا ، قَالَ : يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ ، قَالَ : فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ " فَرَجَعْنَا ، قُلْنَا : وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَجَعْنَا ، فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ .
☜ قلت المدون وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ ، أَوَ قَالَ : " بِخَطَايَاهُمْ ..Bهو عين ما أمر الله به من فرض توبة المخطئين وأوبة المذنبين لأنه قال تعالي (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) وقد اوردت كيف هو حال الظالمين فراجعه)
قلت المدون: ومعلوم أن كل من أذنب من المؤمنين حتما سيتوب وهؤلاء تابوا ثم ماتوا
دون أن يُكَفَّرَ عنهم بالاعمال الصالحة أو الابتلاء فيدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة ☜ وليس في الحديث قطع بموتهم علي غير التوبة والأدلة كثيرة فيمن يموت غير تائبا لا يتوب الله عليه..ويكفي قوله تعالي(ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) وفي الظالمين قال تعالي(فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
ويكون مستحقا لجزاء الظالمين كاملا
4. استخدم المتشابه من نصوص الزجر والتي استخدمها النووي في صنع مصطلحات الكفر دون كفر وكفر لا يخرج من الملة وخلافه واليك أمثلة
☜ النصوص الظنية التي اعتمد عليها النووي في صنع هذه المصطلحات :
نص من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ..هذا النص جاء التشابه فيه من:
☜قلت المدون) وقد رفض أَجَلّ الناس من الحفاظ والورعين والعلماء في المصطلح وأكابر التابعين كسعيد ابن المسيب ةكذلك البخاري وابن الصلاح واورع المتقين الحسن البصري ومن هم علي حق المعرفة بربهم من الخوف والخشية والورع والتقوي معهم وأمثالهم مثل: سعيد ابن المسيب كما لم يوافق الحسن البصري ولا البخاري ولا ابن الصلاح وغيرهم من الأجلَّاءِ الورعين علي: ☜ما قاله النووي وأصحابه: الطحاوي والخطابي (ابو حاتم البستي) والقاضي عياض ومن شاكلهم? ..فكلهم أي سعيد بن المسيب والحسن البصري والبخاري وابن الصلاح والاتقياء الورعين من كبار المسلمين علي رفض هذه التأويلات راجع أقوالهم الآتي بيانها بعد عدة اسطر)☜ وفي تعليل رفض ابن الصلاح لهذه التأويلات ☜قال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.
☜ فَمَا هَذَا الَّذِي تَقُولُونَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَعْنِي الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ ، قَالَ : ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ ، وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ ذَاكَ ، قَالَ : غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ ، أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ ، بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا ، قَالَ : يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ ، قَالَ : فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ الْقَرَاطِيسُ " فَرَجَعْنَا ، قُلْنَا : وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَجَعْنَا ، فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، أَوْ كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ
1. إما بعفو الله أو بالعمل الصالح في الدنياأو بالإبتلاء والصبر عليه في الدنيا .. ☜ فإن وافته المنية تائبا/ولم يعمل الصالحات/ولم يبتلي بالفتنة كالمرض وغيره فيصبر فالكفارة في الآخرة بدخول النار بقدر تبعات ذنوبه ثم الخروج منها بإذن الله تعالي
☜ الفرق بين
☜النص الأصلي ☜ والنص بعد التأويل
☜ النص الأصلي
|
☜ النص بعد التأويل
|
Bنزل كما هو بكلمات الله وكلمات رسوله كما تنزل بالحق والميزان
قال تعالي(اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا
يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)/سورة
الشوري)
Bفكونه بالحق يعني نزل بمقصود إلهي امتنع فيه اللعب والعبث
والتغيير والتحريف والتأويل وكل صفات السلب واستحال فيه أي مثقال وزن من الباطل
تم بمقتضاه نزوله بالحق بقانون التنزيل
بالحق والميزان الذي عهده الله تعالي في كل نزول القران بأحرفه وكلماته وعباراته
وجمله ودلالاته
|
Bصُنع بإرادة بشرية ليس لها قوة التشريع بل
حرمت علي كل بشر أن يشرع ما لم يأذن به الله قال تعالي(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ
شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا
كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ (21)/سورة الشوري) تم بمقتضاه تغيير قانون التنزيل بالحق والميزان
الذي عهده الله تعالي في كل نزول القران بأحرفه وكلماته وعباراته وجمله
ودلالاته.
|
Bمن يلتزم بحرفيته لا يأثم حتي لو فرضنا توجهات المؤولين صحيحة
وهي لم تصح
|
Bمن سار وتبع كلام المؤولين فهو آثم متبعا لباطل لم يتنزل بقانون الحق والميزان.
|
Bكلمات التشريع للنصوص الأصلية ربانية إلهية حقا أو نبوية عليها
نور وجلال النبوة
|
كلمات
النصوص المؤولة مظلمة ليست ربانية وليست نبوية
|
Eنسبة البيان والوضوح والمطالبة باتكليف بها نسبة تامة 100%
|
@نسبة البيان فيها معكوسة 100% بحيث انقلب
فيها الحق إلي باطل والنفي فيها إلي إثبات كمثل قول النبي صلي الله عليه وسلم لا يؤمن من لم يأمن جاره
بوائقه انقلب فيها التشريع إلي هو مؤمن من لم يأمن جاره
بوائقه وزحلقوا النفي علي أعراضه وبعض صفاته أي قالوا لا يؤمن إيمانا كاملا فجعلو نفي أصل الإيمان بتأويلاتهم إلي نفي
كمال الإيمان وحولوا مضمون النص الشرعي الأصلي من نفي إلي إثبات
وحولوا التوجيه المقصود للذات إلي توجيه مقصود لأعراض الذات
|
>النصوص الأصلية للزجر تعمل
في مجالين لا ثالث لهما :
المجال الأول هو: مجال تربية المؤمنين في الحياة الدنيا علي الورع والتقوي
والخوف من الله واتقاء المصير في الآخرة
والحث علي التوبة مما وصفته النصوص بكونه ذنبا مُحدد العقوبة سلفا إذا لم يتب المسلم منه
أما المجال الثاني ولا مجال بعده
هو سريان وتفعيل النص ذنبا وعقوبة بعد الموت والناس ازاء هذا المصير الي شأنين 1 . إما تائبين وقابلوا الله علي
التوبة فهؤلاء ما أنعم ما سيكونون عليه من رضا ربهم. 2. وإما مذنبين وقابلوا الله مصرين
علي ذنوبهم المزجورين بها في نصوص الزجر
هذه ويتحدد مصير كل ميت مزجور بما في نصه ذنبا وعقوبة يوم القيامة لكونه لم
يبادر في حياته بالتوبة ومات علي ذنبه مصرا عليه. قلت المدون فهذه غاية ما في
نصوص الزجر.. لكن المؤولين تمادوا في انحرافهم عن جادة الأمر وحَمَّلُوا تلك
النصوص سوء فهمهم وزعموا أنها تُوجِه لتكفير المزجورين فأولوها إلي نصوصٍ
تُكَفِّر صاحبها المسلم لكن بوصفهم: كفر أصغر وشرك أصغر وايمانا غير كامل..ومسلم
عاصي .. وهلم جرَّا وخلقوا مصطلحات الكفر دون الكفر والظلم دون الظلم والشرك دون
الشرك وزادوا في غفلتهم فأضافوا كفرا لا يخرج من الملة وشركا لا يخرج من الملة
وفسقا لا يخرج من الملة وهلم جَرَّا...
وبالنسبة للشفاعة:غفلوا عن ضوابط الشفاعة كما حدها الله تعالي ورسوله في كتابه
وسنة نبييه الصحيحة المتن والسند وإليك نموذجا منها(اضغط:ضوابط حدوث الشفاعة كما أرادها الله عز وجل)
فضوابط أحكام الشفاعة وقواعدها الإلهية
القول الفصل في الشفاعة ١.أنها ستكون لمن مات تائبا لقول الله تعالي (ومن لم يتب فأؤلئك هم الظالمون)
وفي الآيات
التالية كيف هم الظالمون؟؟ واضغط الرابط *👤*
◙قال تعالي(وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ
أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا
وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ
لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)/سورة الأعراف) قلت المدون واللعن هو
الطرد ابدا من رحمة الله فإذا لم يتب المسلم ويموت علي التوبة فهو
من الظالمين ويكون مستحقا لجزاء الظالمين كاملاً..
◙ وقوله
تعالي(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ
بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى
الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا
يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)/سورة الشوري
قلت المدون اللام هنا في لفظة:
لـــ هم... هي
للإختصاص وهو حرف يدل على نسبة الشيء لصاحبة واختصاصه به عن غيره ويحمل معني
الملكية أيضا أي لا يمتلكون غير العذاب الأليم وفيها دلالة الأبد في الآخرة.
Eوقوله
تعالي(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ
وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ
إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) سورةالشوري
Eوقوله تعالي:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ
لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)/سورة الجمعة Eفالظالمون عَهِدَ الله تعالي أنه مضلهم ولا يهديهم فكيف بمن مات مصرا علي
ذنبه رافضا التوبة وما بال النووي وأصحابه يقولون: وإن مات عاصيا مصرا علي
مغصيته فسيدخل النار ثم يخرج منها فيدخل الجنة؟؟!!
قلت المدون: وفي قول الله والله لا يحب الظالمين .. وماذا بعد أن لا يحبه
الله ذلك الذي رفض الموت علي التوبة مصرا عليها إنَّ من لا يحبه الله يَمْقُته
ومن يمقته يجعله في نار جهنم خالدا فيها قال تعالي ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ
مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا
رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا
بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ
بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ
تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)/سورة غافر
Eوقوله تعالي( الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ
بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ
مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)/سورة غافر
Eوقال تعالي(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا
لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا
تَفْعَلُونَ (3)/سورة الممتحنة.
Eثم أنه مات علي قول لا إله إلا الله ولم
يُفَعِّلُهَا ولم يعمل بها فوقع في مقت الله أتراه يقولها عبثا تنزه عن ذلك وعلا
علوا كبيرا..
Eوقوله
تعالي(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا
خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ
دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ
رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ
تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ
لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ
الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)/سورة نوح
Bقلت المدون والظالمون
خاسرون وهم يَتْصِفُون لظلمهم: بزيادة الخسران فمن أين يُرجي لهم دخول الجنة أي
من أين يُرجي لهم المكسب يوم القيامة وهم خاسرون ممعنون في خسرانهم لموتهم علي
العصيان والإصرار عليه فالتبار هو الخسران
◙ وقال تعالي( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) /سورة البقرة
قلت المدون Bومن عهد الله
أن يُدخل عباده المؤمنين الجنة..Bلكن الميت علي
المعصية غير تائب منها من الظالمين لقوله تعالي (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) والله تعالي بهذه الآية حرم علي
الظالمين أن ينالوا عهده ومن عهده الممتنع عليهم دخول الجنة.
E وقال تعالي(فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)/سورة البقرة.
قلت المدون Bوما دام الهُدَي محرما علي الظالمين أبدا Bفلا يمكن لمن مات علي غير توبة أن يناله ولن يدخل
الجنة أبدا من لم ينله، فقولة لا إله إلا الله
تحاجه يوم القيامة ولأن من تبعات قولها الصدق في القلب والإخلاص والعمل بحقها
والشهادة بنبوة رسول الله وكثيرا من كثير راجع الروابط...E
2.واضغط هذه
الروابط أيضا
2.الظالمين باللفظ في القران الكريم روابط كتاب الايمان من صحيح مسلم روابط اسلام ويب روابط الشفاعة انْظُرُوا ، مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ... ضوابط الشفاعة يوم القيامة ضوابط أحكام الشفاعة F إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، ... لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه الشفاعة , الآيات والأحاديث ثم التعقيب حديث ابي ذر من مات لا يشرك بالله يئا دخل الجنة... مذهب النووي في تأويل نصوص الزجر
وقال تعالي(
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ
الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (86)/آل عمران
|
>بينما لا يمكن لنصوص الزجر أن تستخدم في
صنع أحكام التكفير للمسلمين لأنها فاقدة القدرة علي التكفير بها ولكونها نزلت من الله أو رسوله للتعليم والتربية
علي كل ما يرضي الله ورسوله وتَحَدَّدَ تفعيلها فيما بعد الموت ..تجد أصحاب
التأويل يتمحكون فيها لتحقيق أغراضهم من تحريف القرآن ووجه الشرع وصُنْعِ شرعٍ
بشري نقيضا موازيا لشرع الله عكسا وهم مصممين علي أنها وصفت المسلمين بأفعال
الكفر والخروج من الاسلام كحامل السلاح علي المسلمين وخلافه وترَّسوا أنفسهم في
ذلك ليلجأوا بذلك إلي صنع مصطلحات لم نجد في العقل والنقل الأصيل شبها لها
كقولهم كفر دون كفر وكفر لا يُخرج من
الملة وكفر أكبر
وكفر أصغر ومسلم كافر.. وشبيه ذلك في كل أجناس الخطايا كالظلم والفسق
والنفاق حيث جعلوا من كل شيء اثنين أكبر وأصغر .. وتخطوا هذا الباطل إلي أبطل منه فذهبوا
يتعدون علي الدَيَّان جل وعلا وتنزه عن باطلهم في شأن عباده في الآخرة ولم
يكتفوا بباطلهم في الحياة الدنيا مُتَعَدِّين منحشرين في شأن الآخرة ووضعوا
قواعد هي هباء أمام الديان يوم القيامة متنها ينصب علي تصورهم بأن كل من قال لا
إله إلا الله ومات- وإن مات عاصيا مصرا علي عصيانه- سيدخل النار قليلا ثم يخرج
منها ليدخل الجنة ورسموا للأمة المسلمة خريطة ومسارا من صنعهم صوروا لجموع الأمة
الإسلامية صحتها وهي منتهي البطلان وسيأتي بمشيئة الكلام عنها لا حقا ...
|
مذهب النووي في تأويل
نصوص الزجر
1. اعتمد النووي علي صياغة حديث
أن (من قال لا إله دخل الجنة)حتي دون فعل ولا توبة من معاصية وأكثر من ذلك لو
مات علي معصيته مصرا عليها.
2. اعتبر أن الموحد هو من
قال(لا إله إلا الله) لمجرد القول.. وإن ارتكب المعاصي والذنووب ومات مصرا عليها
ويكفي أنه موحدا قولا
3. لم يراع النووي أن هذا الحديث الذي أسس عليه شرعا موازيا من
النصوص المستخدمة في الزجر أقول موازيا لشرع الله هو حديث شذ به الراوي متفردا
مختصرا اياه قاصرا لفظه علي هذه الكلمات وغض الطرف عن النص الكامل للرواية والذي
تضمن الصدق فيها والإخلاص بها والعمل بعلمها
4. استخدم المتشابه من نصوص الزجر والتي استخدمها النووي في صنع مصطلحات الكفر دون كفر وكفر لا يخرج من الملة وخلافه واليك أمثلة : النصوص الظنية التي اعتمد عليها النووي في صنع هذه المصطلحات : 1. نص من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ..هذا النص جاء التشابه فيه من:
أ) كونه رواية شاذة شذ بها الراوي منفردا مخالفا للثقات الذين
رووه بزيادات الصدق واليقين والإخلاص /
وكذا والموت علي أنه لا يشرك بالله شيئا والشيئ هو أقل من مثقال الذرة إلي
المجرة وأكبر / وتابع
أطراف الحديث بالزيادات الصحيحة التي أهملها النووي واعتمد علي الرواية المختصرة
الناقصة في تأسيس شرع كامل موازيا لشرع الله الحق مُهْمِلَاً كل الروايات
الصحيحة التي تؤكد أن من مات يشهد أن لا إله إلا الله وحدها لا تكفي لدخول الجنة ولكون التقصير من الراواي المختصر وليس من رسول الله وقد أشار ابو عمرو بن الصلاح
عالم مصطلح الحديث لهذا يقينا عندما قال: [قال
الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر
فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة
فَقَالَ : يَجُوز
أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره
فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.
Bقلت المدون B: وحديث هو بهذا الظن والتشابه كيف يبني النووي عليه شرعا موازيا لشرع الله في حمل كل نصوص الزجر
المستيقنة علي المجاز بدليل ظني متشابه ؟؟!! وإذن فهو هو مبطلٌ لكل
تأويلات النووي وأصحابه في حمل القطعي علي الظني كما فعل النووي وأصحابه والصواب
هو حمل الظني علي القطعي والمتشابه علي المحكم}
ب)(قلت المدون) وقد رفض أَجَلّ الناس من الحفاظ والورعين والعلماء في المصطلح وأكابر التابعين كسعيد ابن المسيب ةكذلك البخاري وابن الصلاح واورع المتقين الحسن البصري ومن هم علي حق المعرفة بربهم من الخوف والخشية والورع والتقوي معهم وأمثالهم مثل: سعيد ابن المسيب كما لم يوافق الحسن البصري ولا البخاري ولا ابن الصلاح وغيرهم من الأجلَّاءِ الورعين علي: Bما قاله النووي وأصحابه: الطحاوي والخطابي (ابو حاتم البستي) والقاضي عياض ومن شاكلهم? ..فكلهم أي سعيد بن المسيب والحسن البصري والبخاري وابن الصلاح والاتقياء الورعين من كبار المسلمين علي رفض هذه التأويلات راجع أقوالهم الآتي بيانها بعد عدة اسطر) وفي تعليل رفض ابن الصلاح لهذه التأويلات Bقال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.
Eوالدلالات التي أهملها النووي واعتمد الحديث الناقص بدونها (كما قال ابو عمرو بن الصلاح) مهملا لها مؤسساً
شرعه الموازي بناءا علي تلك الرواية الناقصة هي:E
EEوالحديث المرفوع الذي اخرجه مسلم في صحيحه قال) حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي أَيُّوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَقِيرُ ، قَالَ : " كُنْتُ قَدْ شَغَفَنِي رَأْيٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ ،
فَخَرَجْنَا فِي عِصَابَةٍ ذَوِي عَدَدٍ ، نُرِيدُ أَنْ نَحُجَّ ، ثُمَّ
نَخْرُجَ عَلَى النَّاسِ ، قَالَ : فَمَرَرْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ
الْقَوْمَ ، جَالِسٌ إِلَى سَارِيَةٍ ، عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَإِذَا هُوَ قَدْ ذَكَرَ الْجَهَنَّمِيِّينَ ،
قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ ، مَا هَذَا الَّذِي
تُحَدِّثُونَ ! وَاللَّهُ يَقُولُ
: إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ سورة آل عمران آية 192 ،
وَ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا
أُعِيدُوا فِيهَا
سورة السجدة آية 20 ، فَمَا هَذَا
الَّذِي تَقُولُونَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ :
فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَعْنِي
الَّذِي يَبْعَثُهُ اللَّهُ فِيهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّهُ
مَقَامُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَحْمُودُ الَّذِي
يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ ، قَالَ : ثُمَّ نَعَتَ وَضْعَ الصِّرَاطِ
، وَمَرَّ النَّاسِ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَأَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ أَحْفَظُ
ذَاكَ ، قَالَ : غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ زَعَمَ ، أَنَّ قَوْمًا يَخْرُجُونَ مِنَ
النَّارِ ، بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا فِيهَا ، قَالَ : يَعْنِي فَيَخْرُجُونَ
كَأَنَّهُمْ عِيدَانُ السَّمَاسِمِ ، قَالَ : فَيَدْخُلُونَ نَهَرًا مِنْ
أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ، فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ
الْقَرَاطِيسُ " فَرَجَعْنَا ، قُلْنَا : وَيْحَكُمْ أَتُرَوْنَ الشَّيْخَ
يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَرَجَعْنَا ، فَلَا وَاللَّهِ مَا خَرَجَ مِنَّا غَيْرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، أَوْ
كَمَا قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ
.
قلت المدون ولم يذكر في الحديث أحوالهم عند الممات لكنني أجزم بوقوع الشفاعة الحق لمن مات تائبا وقابل الله
علي توبته Bوقد يقول أحدهم
فلما دخول النار ثم الخروج منها ما دام قد مات تائبا
قلت المدون: يلزم للجنة مغفرةة الله لعبده والمغفرة = توبة + كفارة والكفارة تحدث بأحد ثلاثة أشياء 1. إما بعفو
الله أو بالعمل الصالح في الدنياأو بالإبتلاء
والصبر عليه في الدنيا .. Bفإن وافته
المنية تائبا/ولم يعمل الصالحات/ولم يبتلي بالفتنة كالمرض وغيره فيصبر فالكفارة في الآخرة بدخول النار بقدر تبعات ذنوبه ثم الخروج منها بإذن
الله تعالي
الحديث الثاني .
حديث مسلم قال) وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ :
أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
قَالَ : يُدْخِلُ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، يُدْخِلُ مَنْ
يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ ، ثُمَّ يَقُولُ :
انْظُرُوا ، مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنَ
إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا ،
فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ أَوِ الْحَيَا ، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا
تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ
تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ؟
"
قلت المدون : إن وجود مثقال حبة من
خردل من إيمان دليل في ذاته علي موت صاحبها تائبا لأن التوبة حرز من الشرك ولو
بقدر مثقال الحبة من الخردل من الشرك.
Bوحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ . ح Bوحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ كِلَاهُمَا ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى ، بِهَذَا
الإِسْنَادِ وَقَالَا : فَيُلْقَوْنَ
فِي نَهَرٍ يُقَالَ لَهُ : الْحَيَاةُ ، وَلَمْ يَشُكَّا ، وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ : كَمَا تَنْبُتُ
الْغُثَاءَةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ ، وَفِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ : كَمَا
تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِئَةٍ ، أَوْ حَمِيلَةِ السَّيْلِ
Eحديث أهل النار الذين هم
أهلها أخرجه مسلم قال: وحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا ، فَإِنَّهُمْ
لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ
النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ ، أَوَ قَالَ :
" بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً ، حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا
، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى
أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ قِيلَ : يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ ، أَفِيضُوا
عَلَيْهِمْ ، فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ ، / قلت المدون وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ ،
أَوَ قَالَ : " بِخَطَايَاهُمْ
..Bهو عين ما أمر
الله به من فرض توبة المخطئين وأوبة المذنبين لأنه قال تعالي (ومن لم يتب فأولئك
هم الظالمون) وقد اوردت كيف هو حال الظالمين فراجعه)
Bقال مسلم ..وحَدَّثَنَاه
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وابْنُ بَشَّارٍ ، قَالَا :
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ ، قَالَ :
سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ
، إِلَى قَوْلِهِ : فِي حَمِيلِ السَّيْلِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ .
قلت المدون وفي
الحديث وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ ، أَوَ قَالَ :
" بِخَطَايَاهُمْ..) قلت
المدون: ومعلوم أن كل من أذنب من المؤمنين حتما سيتوب وهؤلاء تابوا ثم ماتوا دون أن يُكَفَّرَ عنهم
بالاعمال الصالحة أو الابتلاء فيدخلون النار ثم يخرجون منها بالشفاعة Bوليس في الحديث قطع بموتهم علي غير التوبة والأدلة كثيرة فيمن
يموت غير تائبا لا يتوب الله عليه..ويكفي قوله تعالي(ومن لم يتب فأولئك هم
الظالمون) وفي الظالمين قال تعالي(فَأَذَّنَ
مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)/سورة الأعرا)
قلت المدون واللعن هو الطرد ابدا من رحمة
الله فإذا لم يتب المسلم ويموت علي التوبة فهو من الظالمين ويكون مستحقا لجزاء
الظالمين كاملا
◙ وقوله تعالي(وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ
مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ
رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)/سورة الشوري.
|
*تأويلات
النووي علي مسلم بن الحجاج في شرحة للجامع الصحيح
۱.( من حمل علينا السلاح فليس منا ) قال النووي: صحيح مروي من
طرق وقد ذكرها مسلم - رحمه الله - بعد هذا . {قلت المدون ثم قال النووي: ومعناه عند
أهل العلم (قلت المدون: هذه العبارة
مشهورة عند النووي فقط عندما يريد أن يغير حقيقة النص من أصله إلي معناه المضاد،
يعني من كونه نصا مثبتا إلي نصٍ منفيا أو بمعني آخر من نص (ليس منا..) إلي (هو
منا لكن فعله هو الذي ليس منا..) أو من نفي الايمان في (لا يؤمن..) إلي إثبات
الإيمان في (يؤمن.. لكن المنفي هو كماله) فيقول: أنه ليس ممن اهتدى بهدينا
واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا، كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله :(لست
مني) [قلت المدون ولم ينس النووي أن
يختم بهذه الجملة الآتية دائما قبل وبعد مواطن التحريف والتأويل الذي ينتهجها
ليؤسس قاعدته في تأويل النصوص الشرعية بالباطل فيقول:..وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول ،
كقوله - صلى الله عليه وسلم(من غش فليس منا) وأشباهه] أما قوله الذي يستدل به
علي تأويل نصوص الشرع في مسائل الزجر( كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله :(لست
مني) فهو يستدل
بمجازٍ بشري أتاحته لغة العرب في بعض ظواهر الحياة الدنيا علي أحكام إلهية منزلة
بالحق وبقصد إلهي يبطل فيه التأويل والتجوز لكونه هو الحجة علي الناس يوم
القيامة وكونه منزلاً من لدن الله العليم الحكيم السميع البصير بقصد إلهي محدد
والله تعالي هو الغني عن استخدام المجاز كما أنه الغني بعلمه عن علوم البشر لكي
يؤولوا ما نزله الله بالحق ويوسعون أسوار الألفاظ التي نزلها الله تعالي بالحق
وبالحق نزلت بُغْيَة قَلْبِ النص القراني أو النبوي من سلب الإيمان عن المسلم في
مواطن الذنب الي إثباته بغير إذن الله تأويلا وتجوزا بالباطل وستأتي نماذج ذلك
في الأسطر التالية
قلت المدون وسنذكر النصوص التي أهملها
النووي وأطرافها ليتبين للقارئ مدي خطورة الاعتماد
علي الرواية القاصرة الناقصة والمختصرة التي اعتمد عليها النووي
وأصحابه في تأسيس شَرْعِهِم الموازي عكساً لشرع الله المنزل بالحق من لدن حكيم
خبير كالاتي:
*قال ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا
الله وأني رسول الله يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر
الله لها
*.قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله شيئا تشهد أني رسول الله يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر لها قال قلت أنت سمعت هذا من معاذ بن جبل * رقم الحديث: 17009/ليس من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئا لم يتند بدم حرام إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء *وطريق معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله شيئا تشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر لها قال قلت أنت سمعت هذا من معاذ بن جبل
*رقم الحديث: 17009/ليس من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئا لم يتند
بدم حرام إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء
وتابع الأطراف المتكاملة عن حديث النوو المختصر فيما يأتي مباشرة هنا↓↓↓↓↓ ذكر الروايات التي تحتوي علي زيادات صحيحة علي لفظ الحديث الذي اعتمد عليه النووي المختصر الشاذ: Fلا يقولها عبد صادق بها إلا حرمت عليه النار
أنس بن مالك /مسند أحمد بن حنبل [قلت
المدون ذكر أنس هنا شرط الصدق لقبول صاحب قول لا إله إلا الله في الجنة وتأكد أن
كل الروايات التي اقتصر الرواه فيها علي قولة لا إه إلا الله فقط هي روايات
مختصرة وناقصة في السياق والمتن] 6.ومثله عند أحمد ولفظه /20993 حدثنا إسماعيل،
حدثنا يونس، عن حميد بن هلال، عن هصان بن الكاهن، قال دخلت المسجد الجامع
بالبصرة فجلست إلى شيخ أبيض الرأس واللحية فقال حدثني معاذ بن جبل عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني
رسول الله يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر الله لها ←قلت له أنت سمعته من معاذ فكأن القوم عنفوني قال لا تعنفوه ولا
تؤنبوه دعوه نعم أنا سمعت ذاك من معاذ يدبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال إسماعيل مرة يأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت لبعضهم من هذا
قال هذا عبد الرحمن بن سمرة حدثنا عبد الأعلى عن يونس عن حميد بن هلال عن هصان
بن الكاهن قال وكان أبوه كاهنا في الجاهلية قال دخلت المسجد في إمارة عثمان بن
عفان فإذا شيخ أبيض الرأس واللحية يحدث عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر الحديث.
Fمن مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة /أنس بن مالك /مسند أحمد
بن حنبل [ قلت المدون ذكر
أنس قبلا شرط الصدق لقبول صاحب قول لا إله إلا الله في الجنة وتأكد أن كل
الروايات التي اقتصر الرواه فيها علي قولة لا إله إلا الله فقط هي روايات مختصرة
وناقصة في السياق والمتن لجأ بعض الرواة في إسنادها إلي إما التدليس أو قلة
الحفظ وقلة الإتقان ومنها هذا الطريق لأنس]
Fأنس بن مالك /مسند أحمد بن حنبل
[قلت المدون وحديث أنس
هو 20994 حدثنا محمد بن أبي عدي، عن الحجاج يعني ابن أبي عثمان، حدثني حميد بن
هلال، حدثنا هصان بن الكاهن العدوي، قال جلست مجلسا فيه عبد الرحمن بن سمرة ولا
أعرفه قال ثنا معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما على الأرض نفس تموت لا تشرك بالله
شيئا تشهد أني رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع ذاكم إلى قلب موقن إلا غفر لها قال قلت أنت سمعت هذا من معاذ بن
جبل
Fرقم الحديث: 17009/ليس من عبد يلقى الله لا يشرك به شيئا لم يتند
بدم حرام إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء
Fلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، لَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ حَرَامٍ ، إِلَّا دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ
Fلئن قالها صادقا من قلبه لا تأكله النار أبدا /مسند أحمد بن حنبل
Fأشهد عند الله لا يموت عبد شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا من قلبه ثم يسدد إلا سلك في الجنة وعدني ربي أن يدخل من أمتي سبعين ألفا بغير حساب وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذراريكم مساكن في الجنة وقال إذا مضى نصف قلت المدون ولفظ هذا الحديث ضم شرط التسديد أي أداء كل ما عليه من تكاليف ونصه ↓ ↓↓↓↓↓↓↓↓ صادقا من قلبه ثم يسدد إلا سلك في الجنة * لئن وافى عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله إلا حرم على النار *من لقي الله لا يشرك به شيئا لم يتند بدم حرام دخل الجنة Fأشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله عبد مؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة 25..لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله إلا حرم على النار 29.من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه أو يقينا من قلبه لم يدخل النار جابر بن عبد الله 31.من لقي الله لا يشرك به شيئا يصلي الخمس ويصوم رمضان غفر له قلت أفلا أبشرهم يا رسول الله قال دعهم يعملوا 33.من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله تبارك و الجنة على ما كان من عمل 34من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة 36من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا من قلبه دخل الجنة 37.أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة فخرجنا من عند النبي نبشر الناس فاستقبلنا عمر بن الخطاب فرجع بنا إلى رسول الله فقال عمر يا رسول الله إذا يتكل الناس قال فسكت رسول ا 39.أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة 44.أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحجب عنه الجنة 48.من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة قال قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء 53.من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة 54.من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة 55/أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني عبد الله ورسوله ومن لقي الله بهما غير شاك دخل الجنة 56.من قال مثل ما قال هذا يقينا دخل الجنة |
النصوص الظنية التي اعتمد عليها النووي في صنع هذه المصطلحات :
1..
. نص من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ..هذا النص جاء التشابه فيه من:
ب)(قلت المدون) وقد رفض أَجَلّ الناس من الحفاظ والورعين والعلماء في المصطلح وأكابر التابعين كسعيد ابن المسيب ةكذلك البخاري وابن الصلاح واورع المتقين الحسن البصري ومن هم علي حق المعرفة بربهم من الخوف والخشية والورع والتقوي معهم وأمثالهم مثل: سعيد ابن المسيب كما لم يوافق الحسن البصري ولا البخاري ولا ابن الصلاح وغيرهم من الأجلَّاءِ الورعين علي: Bما قاله النووي وأصحابه: الطحاوي والخطابي (ابو حاتم البستي) والقاضي عياض ومن شاكلهم? ..فكلهم أي سعيد بن المسيب والحسن البصري والبخاري وابن الصلاح والاتقياء الورعين من كبار المسلمين علي رفض هذه التأويلات راجع أقوالهم الآتي بيانها بعد عدة اسطر) وفي تعليل رفض ابن الصلاح لهذه التأويلات Bقال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.
3.
مذهب النووي في تأويل نصوص الزجر
***
ب)(قلت المدون) وقد رفض أَجَلّ الناس من الحفاظ والورعين والعلماء في المصطلح وأكابر التابعين كسعيد ابن المسيب ةكذلك البخاري وابن الصلاح واورع المتقين الحسن البصري ومن هم علي حق المعرفة بربهم من الخوف والخشية والورع والتقوي معهم وأمثالهم مثل: سعيد ابن المسيب كما لم يوافق الحسن البصري ولا البخاري ولا ابن الصلاح وغيرهم من الأجلَّاءِ الورعين علي: Bما قاله النووي وأصحابه: الطحاوي والخطابي (ابو حاتم البستي) والقاضي عياض ومن شاكلهم? ..فكلهم أي سعيد بن المسيب والحسن البصري والبخاري وابن الصلاح والاتقياء الورعين من كبار المسلمين علي رفض هذه التأويلات راجع أقوالهم الآتي بيانها بعد عدة اسطر) وفي تعليل رفض ابن الصلاح لهذه التأويلات Bقال الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى تَأْوِيلًا آخَر فِي الظَّوَاهِر الْوَارِدَة بِدُخُولِ الْجَنَّة بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَة فَقَالَ : يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ اِقْتِصَارًا مِنْ بَعْض الرُّوَاة نَشَأَ مِنْ تَقْصِيره فِي الْحِفْظ وَالضَّبْط لَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَلَالَةِ مَجِيئِهِ تَامًّا فِي رِوَايَة غَيْره.
☜ هو عين ما أمر الله به من فرض توبة المخطئين وأوبة المذنبين لأنه قال تعالي (ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) وقد اوردت كيف هو حال الظالمين فراجعه)
)
التوبة فهو من الظالمين ويكون مستحقا لجزاء الظالمين كاملا
☜
النصوص الأصلية للزجر تعمل في مجالين لا ثالث لهما :
النصوص الأصلية للزجر تعمل في مجالين لا ثالث لهما :
✯✯✯✯✯✯ 153- وَقَوْله فِي الْإِسْنَاد الْأَخِير (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة إِلَى آخِرَة) كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ إِلَّا حُذَيْفَة بْن الْيَمَان فَإِنَّهُ اِسْتَوْطَنَ الْمَدَائِن.
154- فيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَة لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَة، وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم». قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث مَرَّات: «الْمُسْبِل وَالْمَنَّان وَالْمُنْفِق سِلْعَته بِالْحَلِفِ الْكَاذِب» وَفِي رِوَايَة: «الْمَنَّان الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ، وَالْمُسْبِل إِزَاره» وَفِي رِوَايَة: «شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّاب، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» وَفِي رِوَايَة: «رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنْ اِبْن السَّبِيل، وَرَجُل بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْد الْعَصْر فَحَلَفَ لَهُ بِاَللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْر ذَلِكَ، وَرَجُل بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ». أَمَّا أَلْفَاظ أَسْمَاء الْبَاب فَفيه (عَلِيّ بْن مُدْرِك) بِضَمِّ الْمِيم وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْمَلَة وَكَسْر الرَّاءِ. وَفيه (خَرَشَة) بِخَاءِ مُعْجَمَة ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ. وَفيه (أَبُو زُرْعَة) وَهُوَ اِبْن عَمْرو بْن جَرِير، وَتَقَدَّمَ مَرَّات الْخِلَاف فِي اِسْمه، وَأَنَّ الْأَشْهَر فيه هَرَم. وَأَمَّا أَلْفَاظ اللُّغَة وَنَحْوهَا فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ» هُوَ عَلَى لَفْظِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قِيلَ: مَعْنَى: «لَا يُكَلِّمهُمْ» أَيْ لَا يُكَلِّمهُمْ تَكْلِيم أَهْل الْخَيْرَاتِ بِإِظْهَارِ الرِّضَا، بَلْ بِكَلَامِ أَهْل السُّخْط وَالْغَضَب، وَقِيلَ: الْمُرَاد الْإِعْرَاض عَنْهُمْ. وَقَالَ جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ: لَا يُكَلِّمهُمْ كَلَامًا يَنْفَعهُمْ وَيَسُرّهُمْ، وَقِيلَ: لَا يُرْسِل إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة بِالتَّحِيَّةِ. وَمَعْنَى: «لَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ» أَيْ: يُعْرِض عَنْهُمْ. وَنَظَرُهُ- سُبْحَانه وَتَعَالَى- لِعِبَادِهِ- رَحْمَته وَلُطْفه بِهِمْ. وَمَعْنَى (لَا يُزَكِّيهِمْ) لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَس ذُنُوبِهِمْ. وَقَالَ الزَّجَّاج وَغَيْره: مَعْنَاهُ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ. وَمَعْنَى (عَذَابٌ أَلِيمٌ) مُؤْلِم. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُوَ الْعَذَاب الَّذِي يَخْلُص إِلَى قُلُوبهمْ وَجَعُهُ. قَالَ: وَالْعَذَاب كُلُّ مَا يُعْيِي الْإِنْسَانَ وَيَشُقّ عَلَيْهِ. قَالَ وَأَصْل الْعَذَاب فِي كَلَام الْعَرَبِ مِنْ الْعَذْب وَهُوَ الْمَنْع. يُقَال: عَذَبْته عَذْبًا إِذَا مَنَعْته، وَعَذُبَ عُذُوبًا أَيْ اِمْتَنَعَ، وَسُمِّيَ الْمَاء عَذْبًا لِأَنَّهُ يَمْنَع الْعَطَش، فَسُمِّيَ الْعَذَاب عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَع الْمُعَاقَب مِنْ مُعَاوَدَة مِثْل جُرْمه، وَيَمْنَع غَيْره مِنْ مِثْل فِعْله. وَاَللَّه أَعْلَم.
155- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُنْفِق سِلْعَته بِالْحَلِفِ الْفَاجِر» فَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى (بِالْحَلِفِ الْكَاذِب) وَيُقَال (الْحَلِف) بِكَسْرِ اللَّام وَإِسْكَانهَا. وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْإِسْكَان اِبْن السِّكِّيت فِي أَوَّل إِصْلَاح الْمَنْطِق. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْبِل إِزَارَهُ» فَمَعْنَاهُ الْمُرْخِي لَهُ، الْجَارّ طَرَفه خُيَلَاء. كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث الْآخَر: «لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبه خُيَلَاء» وَالْخُيَلَاء الْكِبْر. وَهَذَا التَّقْيِيد بِالْجَرِّ خُيَلَاء يُخَصِّص عُمُوم الْمُسْبِل إِزَاره وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْوَعِيدِ مَنْ جَرَّهُ خُيَلَاء. وَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَقَالَ: «لَسْت مِنْهُمْ» إِذْ كَانَ جَرَّهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاء. وَقَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْن جَرِيرٍ الطَّبَرِيّ وَغَيْره: وَذَكَرَ إِسْبَال الْإِزَار وَحْده لِأَنَّهُ كَانَ عَامَّةَ لِبَاسِهِمْ، وَحُكْم غَيْره مِنْ الْقَمِيص وَغَيْره حُكْمه. قُلْت: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مِنْ كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَة سَالِم بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِسْبَال فِي الْإِزَار وَالْقَمِيص وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاء لَمْ يَنْظُر اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة» رَوَاه أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَاَللَّه أَعْلَم.
156- فيه (أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) هُوَ أَبُو حَازِم سَلْمَان الْأَغَرّ مَوْلَى عَزَّة. وَأَمَّا تَخْصِيصه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيث: «الشَّيْخ الزَّانِي وَالْمَلِك الْكَذَّاب وَالْعَائِل الْمُسْتَكْبِر» بِالْوَعِيدِ الْمَذْكُور: فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: سَبَبه أَنَّ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمْ اِلْتَزَمَ الْمَعْصِيَة الْمَذْكُورَة مَعَ بُعْدِهَا مِنْهُ، وَعَدَم ضَرُورَته إِلَيْهَا، وَضَعْف دَوَاعِيهَا عِنْده؛ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْذَر أَحَدٌ بِذَنْبٍ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي ضَرُورَة مُزْعِجَة، وَلَا دَوَاعِي مُعْتَادَة، أَشْبَهَ إِقْدَامُهُمْ عَلَيْهَا الْمُعَانَدَةَ، وَالِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى، وَقَصْد مَعْصِيَته لَا لِحَاجَةٍ غَيْرهَا؛ فَإِنَّ الشَّيْخ لِكَمَالِ عَقْله وَتَمَام مَعْرِفَته بِطُولِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَان، وَضَعْف أَسْبَاب الْجِمَاع وَالشَّهْوَة لِلنِّسَاءِ، وَاخْتِلَال دَوَاعِيهِ لِذَلِكَ، عِنْدَهُ مَا يُرِيحهُ مِنْ دَوَاعِي الْحَلَال فِي هَذَا وَيُخَلِّي سِرَّهُ مِنْهُ فَكَيْف بِالزِّنَا الْحَرَام، وَإِنَّمَا دَوَاعِي ذَلِكَ الشَّبَاب، وَالْحَرَارَة الْغَرِيزِيَّة، وَقِلَّة الْمَعْرِفَة، وَغَلَبَة الشَّهْوَة لِضَعْفِ الْعَقْل، وَصِغَر السِّنّ. وَكَذَلِكَ الْإِمَام لَا يَخْشَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ، وَلَا يَحْتَاج إِلَى مُدَاهَنَته وَمُصَانَعَته؛ فَإِنَّ الْإِنْسَان إِنَّمَا يُدَاهِن وَيُصَانِع بِالْكَذِبِ وَشِبْهه مَنْ يَحْذَرُهُ، وَيَخْشَى أَذَاهُ وَمُعَاتَبَتَه، أَوْ يَطْلُب عِنْده بِذَلِكَ مَنْزِلَة أَوْ مَنْفَعَة، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْكَذِب مُطْلَقًا. وَكَذَلِكَ الْعَائِلُ الْفَقِيرُ قَدْ عَدِمَ الْمَال وَإِنَّمَا سَبَب الْفَخْر وَالْخُيَلَاء وَالتَّكَبُّر وَالِارْتِفَاع عَلَى الْقُرَنَاء الثَّرْوَة فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا فيها، وَحَاجَات أَهْلهَا إِلَيْهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْده أَسْبَابهَا فَلِمَاذَا يَسْتَكْبِر وَيَحْتَقِر غَيْره؟ فَلَمْ يَبْقَ فِعْله، وَفِعْل الشَّيْخِ الزَّانِي، وَالْإِمَام الْكَاذِب، إِلَّا لِضَرْبٍ مِنْ الِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم. وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الْأُصُول فِي هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: «ثَلَاثٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه» بِحَذْفِ الْهَاء وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَعْنَى ثَلَاث أَنْفُس. وَجَاءَ الضَّمِير فِي يُكَلِّمهُمْ مُذَكَّرًا عَلَى الْمَعْنَى وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم.
157- فيه (أَبُو صَالِح) وَهُوَ ذَكْوَان، تَقَدَّمَ. وَفيه (سَعِيد بْن عَمْرو الْأَشْعَثِيّ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْعَيْن الْمُهْمَلَة وَالثَّاء الْمُثَلَّثَة مَنْسُوب إِلَى جَدّه الْأَشْعَث بْن قَيْس الْكِنْدِيِّ فَإِنَّهُ سَعِيد بْن عَمْرو بْن سَهْل اِبْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد الْأَشْعَث بْن قَيْس الْكِنْدِيّ. وَفيه (عَبْثَر) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَبَعْدهَا بَاءَ مُوَحَّدَة سَاكِنَة ثُمَّ ثَاء مُثَلَّثَة. وَأَمَّا (الْفَلَاة) بِفَتْحِ الْفَاء فَهِيَ الْمَفَازَة وَالْقَفْر الَّتِي لَا أَنِيس بِهَا. وَأَمَّا الثَّلَاثَة فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة فَمِنْهُمْ. رَجُلٌ مَنَعَ فَضْل الْمَاء مِنْ اِبْن السَّبِيل الْمُحْتَاج وَلَا شَكَّ فِي غِلَظ تَحْرِيم مَا فَعَلَ، وَشِدَّة قُبْحِهِ. فَإِذَا كَانَ مَنْ يَمْنَع فَضْل الْمَاءِ الْمَاشِيَةَ عَاصِيًا فَكَيْف بِمَنْ يَمْنَعُهُ الْآدَمِيَّ الْمُحْتَرَم فَإِنَّ الْكَلَام فيه. فَلَوْ كَانَ اِبْن السَّبِيل غَيْر مُحْتَرَم كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ لَمْ يَجِب بَذْلُ الْمَاءِ لَهُ. وَأَمَّا الْحَالِف كَاذِبًا بَعْد الْعَصْر فَمُسْتَحِقّ هَذَا الْوَعِيد وَخَصَّ مَا بَعْد الْعَصْر لِشَرَفِهِ بِسَبَبِ اِجْتِمَاع مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَمَّا مُبَايِع الْإِمَام عَلَى الْوَجْه الْمَذْكُورِ فَمُسْتَحِقّ هَذَا الْوَعِيد لِغِشِّهِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامهمْ، وَتَسَبُّبِهِ إِلَى الْفِتَن بَيْنهمْ بِنَكْثِهِ بَيْعَته لاسيما إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. 53
54 لا يدخل الجنة نمام باب تحريم الكبر وبيانه
131- فيه أَبَانُ بْن تَغْلِبَ عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبْر قَالَ رَجُل: إِنَّ الرَّجُل يُحِبُّ أَنْ يَكُون ثَوْبه حَسَنًا وَنَعْله حَسَنَة قَالَ: إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال الْكِبْر بَطْرُ الْحَقِّ وَغَمْط النَّاس»، قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ (أَبَانًا) يَجُوز صَرْفُهُ، وَتَرْك صَرْفه وَأَنَّ الصَّرْف أَفْصَح. و: (تَغْلِب) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة وَكَسْر اللَّام. وَأَمَّا الْفُقَيْمِيُّ فَبِضَمِّ الْفَاء وَفَتْح الْقَاف. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبْر» فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله. فَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فيه وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا: أَنَّ الْمُرَاد التَّكَبُّر عَنْ الْإِيمَان فَصَاحِبه لَا يَدْخُل الْجَنَّة أَصْلًا إِذَا مَاتَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُون فِي قَلْبه كِبْر حَال دُخُوله الْجَنَّة، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فيهمَا بُعْد فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيث وَرَدَ فِي سِيَاق النَّهْيِ عَنْ الْكِبْرِ الْمَعْرُوف وَهُوَ الِارْتِفَاع عَلَى النَّاس، وَاحْتِقَارهمْ، وَدَفْع الْحَقِّ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُخْرِجَيْنِ لَهُ عَنْ الْمَطْلُوب. بَلْ الظَّاهِر مَا اِخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة دُون مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ. وَقِيلَ: هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ، وَقَدْ يَتَكَرَّم بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيه، بَلْ لابد أَنْ يَدْخُل كُلّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّة إِمَّا أَوَّلًا، وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْد تَعْذِيب بَعْض أَصْحَاب الْكَبَائِر الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: لَا يَدْخُل مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّل وَهْلَة. وَأَمَّا قَوْله: (قَالَ رَجُل إِنَّ الرَّجُل يُحِبّ أَنْ يَكُون ثَوْبه حَسَنًا) فَهَذَا الرَّجُل هُوَ مَالِكُ بْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ، قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض، وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ، رَحِمَهُمَا اللَّه. وَقَدْ جَمَعَ أَبُو الْقَاسِم خَلَفَ بْن عَبْد الْمَلِك بْن بَشْكُوَال الْحَافِظ فِي اِسْمه أَقْوَالًا مِنْ جِهَاتٍ، فَقَالَ: هُوَ أَبُو رَيْحَانَة، وَاسْمه شَمْعُون، ذَكَره اِبْن الْأَعْرَابِيِّ. وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيِّ فِي الطَّبَقَات: اِسْمه رَبِيعَة بْن عَامِر، وَقِيلَ سَوَاد بِالتَّخْفِيفِ اِبْن عُمَر وَذَكَره اِبْن السَّكَن. وَقِيلَ: مُعَاذ بْن جَبَل. ذَكَره اِبْن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَاب الْخُمُول وَالتَّوَاضُع، وَقِيلَ: مَالِك بْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ ذَكَره أَبُو عُبَيْد فِي غَرِيب الْحَدِيث، وَقِيلَ: عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِي ذَكَره مَعْمَر فِي جَامِعه، وَقِيلَ: خُرَيْم بْن فَاتِك. هَذَا مَا ذَكَره اِبْن بَشْكُوَال. وَقَوْلهمْ: اِبْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ: هُو: (مُرَارَة) بِضَمِّ الْمِيم وَبِرَاءٍ مُكَرَّرَة وَآخِرهَا هَاء، (وَالرَّهَاوِيُّ) هُنَا نِسْبَة إِلَى قَبِيلَةٍ: ذَكَره الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيِّ بْن سَعِيد الْمِصْرِيُّ بِفَتْحِ الرَّاء وَلَمْ يَذْكُرْهُ اِبْن مَاكُولَا. وَذَكَر الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحه أَنَّ الرَّهَاوِيّ نِسْبَة إِلَى (رُهَا) بِضَمِّ الرَّاء حَيٌّ مِنْ مُذْحِج. وَأَمَّا (شَمْعُون) فَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالشِّين مُعْجَمَة فيهمَا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّه جَمِيل يُحِبّ الْجَمَال» اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلّ أَمْره سُبْحَانه وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى، وَصِفَات الْجَمَال وَالْكَمَال. وَقِيلَ: جَمِيلٌ بِمَعْنَى مُجَمِّل كَكَرِيمِ وَسَمِيع بِمَعْنَى مُكَرِّم وَمُسَمِّع. وَقَالَ الْإِمَام أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: مَعْنَاهُ جَلِيل. وَحَكَى الْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ بِمَعْنَى ذِي النُّور وَالْبَهْجَة أَيْ مَالِكهمَا. جَمِيل الْأَفْعَال بِكُمْ، بِاللُّطْفِ وَالنَّظَر إِلَيْكُمْ، يُكَلِّفكُمْ الْيَسِير مِنْ الْعَمَل، وَيُعِين عَلَيْهِ، وَيُثِيب عَلَيْهِ الْجَزِيل، وَيَشْكُر عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْم وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح وَلَكِنَّهُ مِنْ أَخْبَار الْآحَاد. وَوَرَدَ أَيْضًا فِي حَدِيث الْأَسْمَاء الْحُسْنَى وَفِي إِسْنَاده مَقَالٌ. وَالْمُخْتَار جَوَازُ إِطْلَاقِهِ عَلَى اللَّه تَعَالَى: وَمِنْ الْعُلَمَاء مَنْ مَنَعَهُ. قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته أَطْلَقْنَاهُ، وَمَا مَنَعَ الشَّرْع مِنْ إِطْلَاقه مَنَعْنَاهُ، وَمَا لَمْ يَرِد فيه إِذْن وَلَا مَنْع لَمْ نَقْضِ فيه بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ؛ فَإِنَّ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّةَ تُتَلَقَّى مِنْ مَوَارِد الشَّرْع، وَلَوْ قَضَيْنَا بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ لَكُنَّا مُثْبِتِينَ حُكْمًا بِغَيْرِ الشَّرْع. قَالَ: ثُمَّ لَا يُشْتَرَط فِي جَوَاز الْإِطْلَاق وُرُود مَا يُقْطَع بِهِ فِي الشَّرْع، وَلَكِنْ مَا يَقْتَضِي الْعَمَل وَإِنْ لَمْ يُوجِب الْعِلْم فَإِنَّهُ كَافٍ، إِلَّا أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ مُقْتَضَيَات الْعَمَل، وَلَا يَجُوز التَّمَسُّك بِهِنَّ فِي تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى، وَوَصْفه. هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَحَلّه مِنْ الْإِتْقَان وَالتَّحْقِيق بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا الْفَنّ خُصُوصًا مَعْرُوفٌ بِالْغَايَةِ الْعُلْيَا. وَأَمَّا قَوْله: لَمْ نَقْضِ فيه بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بِالشَّرْعِ: فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَب الْمُخْتَار فِي حُكْم الْأَشْيَاء قَبْل وُرُود الشَّرْع فَإِنَّ الْمَذْهَب الصَّحِيح عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ لَا حُكْم فيها لَا بِتَحْلِيلٍ، وَلَا تَحْرِيمٍ، وَلَا إِبَاحَةٍ، وَلَا غَيْر ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْم عِنْد أَهْل السُّنَّة لَا يَكُون إِلَّا بِالشَّرْعِ. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: إِنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَة وَقَالَ بَعْضهمْ: عَلَى التَّحْرِيم، وَقَالَ بَعْضهمْ: عَلَى الْوَقْف. لَا يُعْلَم مَا يُقَال فيها. وَالْمُخْتَار الْأَوَّل. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّة فِي تَسْمِيَة اللَّه وَتَعَالَى وَوَصْفه مِنْ أَوْصَاف الْكَمَال وَالْجَلَال وَالْمَدْح بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْع وَلَا مَنَعَهُ فَأَجَازَهُ طَائِفَة، وَمَنَعَهُ آخَرُونَ إِلَّا أَنْ يَرِد بِهِ شَرْعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ نَصِّ كِتَاب اللَّه، أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ عَلَى إِطْلَاقه. فَإِنْ وَرَدَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَقَدْ اِخْتَلَفُوا فيه فَأَجَازَهُ طَائِفَة، وَقَالُوا: الدُّعَاء بِهِ وَالثَّنَاء مِنْ بَاب الْعَمَل، وَذَلِكَ جَائِز بِخَبَرِ الْوَاحِد. وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إِلَى اِعْتِقَاد مَا يَجُوز أَوْ يَسْتَحِيل عَلَى اللَّه تَعَالَى. وَطَرِيق هَذَا الْقَطْع. قَالَ الْقَاضِي: وَالصَّوَاب جَوَازُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعَمَل، وَلِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا: «بَطْر الْحَقِّ» فَهُوَ دَفْعه وَإِنْكَاره تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَغَمْط النَّاسِ» هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْمِيم وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَة. هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّه. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: لَمْ نَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ جَمِيع شُيُوخِنَا هُنَا، وَفِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا بِالطَّاءِ. قَالَ: وَبِالطَّاءِ أَبُو دَاوُدَ فِي مُصَنَّفه، وَذَكَره أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ (غَمْض) بِالصَّادِ وَهُمَا بِمَعْنَى وَاحِد. وَمَعْنَاهُ اِحْتِقَارهمْ. يُقَال فِي الْفِعْل مِنْهُ (غَمَطَهُ) بِفَتْحِ الْمِيم (يَغْمِطهُ) بِكَسْرِهَا و(غَمِطَهُ) بِكَسْرِ الْمِيم (يَغْمَطهُ) بِفَتْحِهَا.
132- قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه: حَدَّثَنَا مِنْجَاب وَسُوَيْد بْن سَعِيد عَنْ عَلِيِّ بْن مُسْهِر عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل النَّار أَحَد فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة خَرْدَل مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة أَحَد فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة خَرْدَل مِنْ كِبْرِيَاء» (مِنْجَاب) بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان النُّون وَبِالْجِيمِ وَآخِره بَاءَ مُوَحَّدَة. و: (مُسْهِر) بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر الْهَاء. وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِف الْإِسْنَاد إِحْدَاهُمَا أَنَّ فيه ثَلَاثَةً تَابِعِيِّينَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض وَهُمْ الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم وَعَلْقَمَة. وَالثَّانِيَة أَنَّهُ إِسْنَاد كُوفِيٌّ كُلُّهُ فَمِنْجَاب، وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وَمَنْ بَيْنهمَا، كُوفِيُّونَ إِلَّا سُوَيْد بْن سَعِيد رَفِيق مِنْجَاب فَيُغْنِي عَنْهُ مِنْجَاب. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل النَّار أَحَدٌ فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ إِيمَان» فَالْمُرَاد بِهِ دُخُول الْكُفَّار وَهُوَ دُخُول الْخُلُود. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِثْقَال حَبَّة» هُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَتَقَرَّرَ مِنْ زِيَادَة الْإِيمَان وَنَقْصه. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ كِبْرِيَاء» هِيَ غَيْر مَصْرُوفَة.
133- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبْر» فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله. فَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فيه وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا: أَنَّ الْمُرَاد التَّكَبُّر عَنْ الْإِيمَان فَصَاحِبه لَا يَدْخُل الْجَنَّة أَصْلًا إِذَا مَاتَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُون فِي قَلْبه كِبْر حَال دُخُوله الْجَنَّة، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فيهمَا بُعْد فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيث وَرَدَ فِي سِيَاق النَّهْيِ عَنْ الْكِبْرِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الِارْتِفَاع عَلَى النَّاس، وَاحْتِقَارهمْ، وَدَفْع الْحَقّ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُخْرِجَيْنِ لَهُ عَنْ الْمَطْلُوب. بَلْ الظَّاهِرُ مَا اِخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة دُون مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ. وَقِيلَ: هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ، وَقَدْ يَتَكَرَّم بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيه، بَلْ لابد أَنْ يَدْخُل كُلّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّة إِمَّا أَوَّلًا، وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْد تَعْذِيبِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: لَا يَدْخُل مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّل وَهْلَة. 54.
55 الكبر باب تحريم الكبر وبيانه 131- فيه أَبَانُ بْن تَغْلِبَ عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبْر قَالَ رَجُل: إِنَّ الرَّجُل يُحِبُّ أَنْ يَكُون ثَوْبه حَسَنًا وَنَعْله حَسَنَة قَالَ: إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال الْكِبْر بَطْرُ الْحَقِّ وَغَمْط النَّاس»، قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ (أَبَانًا) يَجُوز صَرْفُهُ، وَتَرْك صَرْفه وَأَنَّ الصَّرْف أَفْصَح. و: (تَغْلِب) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة وَكَسْر اللَّام. وَأَمَّا الْفُقَيْمِيُّ فَبِضَمِّ الْفَاء وَفَتْح الْقَاف. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبْر» فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله. فَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فيه وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا: أَنَّ الْمُرَاد التَّكَبُّر عَنْ الْإِيمَان فَصَاحِبه لَا يَدْخُل الْجَنَّة أَصْلًا إِذَا مَاتَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُون فِي قَلْبه كِبْر حَال دُخُوله الْجَنَّة، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فيهمَا بُعْد فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيث وَرَدَ فِي سِيَاق النَّهْيِ عَنْ الْكِبْرِ الْمَعْرُوف وَهُوَ الِارْتِفَاع عَلَى النَّاس، وَاحْتِقَارهمْ، وَدَفْع الْحَقِّ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُخْرِجَيْنِ لَهُ عَنْ الْمَطْلُوب. بَلْ الظَّاهِر مَا اِخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة دُون مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ. وَقِيلَ: هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ، وَقَدْ يَتَكَرَّم بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيه، بَلْ لابد أَنْ يَدْخُل كُلّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّة إِمَّا أَوَّلًا، وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْد تَعْذِيب بَعْض أَصْحَاب الْكَبَائِر الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: لَا يَدْخُل مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّل وَهْلَة. وَأَمَّا قَوْله: (قَالَ رَجُل إِنَّ الرَّجُل يُحِبّ أَنْ يَكُون ثَوْبه حَسَنًا) فَهَذَا الرَّجُل هُوَ مَالِكُ بْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ، قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض، وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ، رَحِمَهُمَا اللَّه. وَقَدْ جَمَعَ أَبُو الْقَاسِم خَلَفَ بْن عَبْد الْمَلِك بْن بَشْكُوَال الْحَافِظ فِي اِسْمه أَقْوَالًا مِنْ جِهَاتٍ، فَقَالَ: هُوَ أَبُو رَيْحَانَة، وَاسْمه شَمْعُون، ذَكَره اِبْن الْأَعْرَابِيِّ. وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيِّ فِي الطَّبَقَات: اِسْمه رَبِيعَة بْن عَامِر، وَقِيلَ سَوَاد بِالتَّخْفِيفِ اِبْن عُمَر وَذَكَره اِبْن السَّكَن. وَقِيلَ: مُعَاذ بْن جَبَل. ذَكَره اِبْن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَاب الْخُمُول وَالتَّوَاضُع، وَقِيلَ: مَالِك بْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ ذَكَره أَبُو عُبَيْد فِي غَرِيب الْحَدِيث، وَقِيلَ: عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِي ذَكَره مَعْمَر فِي جَامِعه، وَقِيلَ: خُرَيْم بْن فَاتِك. هَذَا مَا ذَكَره اِبْن بَشْكُوَال. وَقَوْلهمْ: اِبْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ: هُو: (مُرَارَة) بِضَمِّ الْمِيم وَبِرَاءٍ مُكَرَّرَة وَآخِرهَا هَاء، (وَالرَّهَاوِيُّ) هُنَا نِسْبَة إِلَى قَبِيلَةٍ: ذَكَره الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيِّ بْن سَعِيد الْمِصْرِيُّ بِفَتْحِ الرَّاء وَلَمْ يَذْكُرْهُ اِبْن مَاكُولَا. وَذَكَر الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحه أَنَّ الرَّهَاوِيّ نِسْبَة إِلَى (رُهَا) بِضَمِّ الرَّاء حَيٌّ مِنْ مُذْحِج. وَأَمَّا (شَمْعُون) فَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالشِّين مُعْجَمَة فيهمَا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّه جَمِيل يُحِبّ الْجَمَال» اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلّ أَمْره سُبْحَانه وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ، وَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى، وَصِفَات الْجَمَال وَالْكَمَال. وَقِيلَ: جَمِيلٌ بِمَعْنَى مُجَمِّل كَكَرِيمِ وَسَمِيع بِمَعْنَى مُكَرِّم وَمُسَمِّع. وَقَالَ الْإِمَام أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: مَعْنَاهُ جَلِيل. وَحَكَى الْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ بِمَعْنَى ذِي النُّور وَالْبَهْجَة أَيْ مَالِكهمَا. جَمِيل الْأَفْعَال بِكُمْ، بِاللُّطْفِ وَالنَّظَر إِلَيْكُمْ، يُكَلِّفكُمْ الْيَسِير مِنْ الْعَمَل، وَيُعِين عَلَيْهِ، وَيُثِيب عَلَيْهِ الْجَزِيل، وَيَشْكُر عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْم وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح وَلَكِنَّهُ مِنْ أَخْبَار الْآحَاد. وَوَرَدَ أَيْضًا فِي حَدِيث الْأَسْمَاء الْحُسْنَى وَفِي إِسْنَاده مَقَالٌ. وَالْمُخْتَار جَوَازُ إِطْلَاقِهِ عَلَى اللَّه تَعَالَى: وَمِنْ الْعُلَمَاء مَنْ مَنَعَهُ. قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته أَطْلَقْنَاهُ، وَمَا مَنَعَ الشَّرْع مِنْ إِطْلَاقه مَنَعْنَاهُ، وَمَا لَمْ يَرِد فيه إِذْن وَلَا مَنْع لَمْ نَقْضِ فيه بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ؛ فَإِنَّ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّةَ تُتَلَقَّى مِنْ مَوَارِد الشَّرْع، وَلَوْ قَضَيْنَا بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ لَكُنَّا مُثْبِتِينَ حُكْمًا بِغَيْرِ الشَّرْع. قَالَ: ثُمَّ لَا يُشْتَرَط فِي جَوَاز الْإِطْلَاق وُرُود مَا يُقْطَع بِهِ فِي الشَّرْع، وَلَكِنْ مَا يَقْتَضِي الْعَمَل وَإِنْ لَمْ يُوجِب الْعِلْم فَإِنَّهُ كَافٍ، إِلَّا أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ مُقْتَضَيَات الْعَمَل، وَلَا يَجُوز التَّمَسُّك بِهِنَّ فِي تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى، وَوَصْفه. هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَحَلّه مِنْ الْإِتْقَان وَالتَّحْقِيق بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا الْفَنّ خُصُوصًا مَعْرُوفٌ بِالْغَايَةِ الْعُلْيَا. وَأَمَّا قَوْله: لَمْ نَقْضِ فيه بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بِالشَّرْعِ: فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَب الْمُخْتَار فِي حُكْم الْأَشْيَاء قَبْل وُرُود الشَّرْع فَإِنَّ الْمَذْهَب الصَّحِيح عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ لَا حُكْم فيها لَا بِتَحْلِيلٍ، وَلَا تَحْرِيمٍ، وَلَا إِبَاحَةٍ، وَلَا غَيْر ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْم عِنْد أَهْل السُّنَّة لَا يَكُون إِلَّا بِالشَّرْعِ. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: إِنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَة وَقَالَ بَعْضهمْ: عَلَى التَّحْرِيم، وَقَالَ بَعْضهمْ: عَلَى الْوَقْف. لَا يُعْلَم مَا يُقَال فيها. وَالْمُخْتَار الْأَوَّل. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّة فِي تَسْمِيَة اللَّه وَتَعَالَى وَوَصْفه مِنْ أَوْصَاف الْكَمَال وَالْجَلَال وَالْمَدْح بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْع وَلَا مَنَعَهُ فَأَجَازَهُ طَائِفَة، وَمَنَعَهُ آخَرُونَ إِلَّا أَنْ يَرِد بِهِ شَرْعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ نَصِّ كِتَاب اللَّه، أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ عَلَى إِطْلَاقه. فَإِنْ وَرَدَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَقَدْ اِخْتَلَفُوا فيه فَأَجَازَهُ طَائِفَة، وَقَالُوا: الدُّعَاء بِهِ وَالثَّنَاء مِنْ بَاب الْعَمَل، وَذَلِكَ جَائِز بِخَبَرِ الْوَاحِد. وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إِلَى اِعْتِقَاد مَا يَجُوز أَوْ يَسْتَحِيل عَلَى اللَّه تَعَالَى. وَطَرِيق هَذَا الْقَطْع. قَالَ الْقَاضِي: وَالصَّوَاب جَوَازُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعَمَل، وَلِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا: «بَطْر الْحَقِّ» فَهُوَ دَفْعه وَإِنْكَاره تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَغَمْط النَّاسِ» هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْمِيم وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَة. هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّه. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: لَمْ نَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ جَمِيع شُيُوخِنَا هُنَا، وَفِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا بِالطَّاءِ. قَالَ: وَبِالطَّاءِ أَبُو دَاوُدَ فِي مُصَنَّفه، وَذَكَره أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُ (غَمْض) بِالصَّادِ وَهُمَا بِمَعْنَى وَاحِد. وَمَعْنَاهُ اِحْتِقَارهمْ. يُقَال فِي الْفِعْل مِنْهُ (غَمَطَهُ) بِفَتْحِ الْمِيم (يَغْمِطهُ) بِكَسْرِهَا و(غَمِطَهُ) بِكَسْرِ الْمِيم (يَغْمَطهُ) بِفَتْحِهَا.
132- قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه: حَدَّثَنَا مِنْجَاب وَسُوَيْد بْن سَعِيد عَنْ عَلِيِّ بْن مُسْهِر عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل النَّار أَحَد فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة خَرْدَل مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة أَحَد فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة خَرْدَل مِنْ كِبْرِيَاء» (مِنْجَاب) بِكَسْرِ الْمِيم وَإِسْكَان النُّون وَبِالْجِيمِ وَآخِره بَاءَ مُوَحَّدَة. و: (مُسْهِر) بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر الْهَاء. وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد لَطِيفَتَانِ مِنْ لَطَائِف الْإِسْنَاد إِحْدَاهُمَا أَنَّ فيه ثَلَاثَةً تَابِعِيِّينَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض وَهُمْ الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم وَعَلْقَمَة. وَالثَّانِيَة أَنَّهُ إِسْنَاد كُوفِيٌّ كُلُّهُ فَمِنْجَاب، وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وَمَنْ بَيْنهمَا، كُوفِيُّونَ إِلَّا سُوَيْد بْن سَعِيد رَفِيق مِنْجَاب فَيُغْنِي عَنْهُ مِنْجَاب. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل النَّار أَحَدٌ فِي قَلْبه مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ إِيمَان» فَالْمُرَاد بِهِ دُخُول الْكُفَّار وَهُوَ دُخُول الْخُلُود. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِثْقَال حَبَّة» هُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَتَقَرَّرَ مِنْ زِيَادَة الْإِيمَان وَنَقْصه. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ كِبْرِيَاء» هِيَ غَيْر مَصْرُوفَة.
133- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبْر» فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله. فَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فيه وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا: أَنَّ الْمُرَاد التَّكَبُّر عَنْ الْإِيمَان فَصَاحِبه لَا يَدْخُل الْجَنَّة أَصْلًا إِذَا مَاتَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُون فِي قَلْبه كِبْر حَال دُخُوله الْجَنَّة، كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فيهمَا بُعْد فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيث وَرَدَ فِي سِيَاق النَّهْيِ عَنْ الْكِبْرِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الِارْتِفَاع عَلَى النَّاس، وَاحْتِقَارهمْ، وَدَفْع الْحَقّ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُخْرِجَيْنِ لَهُ عَنْ الْمَطْلُوب. بَلْ الظَّاهِرُ مَا اِخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة دُون مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ. وَقِيلَ: هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ، وَقَدْ يَتَكَرَّم بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيه، بَلْ لابد أَنْ يَدْخُل كُلّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّة إِمَّا أَوَّلًا، وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْد تَعْذِيبِ بَعْضِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: لَا يَدْخُل مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّل وَهْلَة. 55
56 من مات مؤمنا باب بيان انه لا يدخل الجنة الا المومنون وان محبة المومنين من الايمان 81- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَوَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا السَّلَام بَيْنكُمْ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الْأُصُول وَالرِّوَايَات وَلَا تُؤْمِنُوا بِحَذْفِ النُّون مِنْ آخِره وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ صَحِيحَةٌ. وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» مَعْنَاهُ لَا يَكْمُل إِيمَانكُمْ وَلَا يَصْلُح حَالُكُمْ فِي الْإِيمَان إِلَّا بِالتَّحَابِّ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّة حَتَّى تُؤْمِنُوا» فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِطْلَاقِهِ فَلَا يَدْخُل الْجَنَّةِ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِل الْإِيمَان، فَهَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ الْحَدِيث. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو رَحِمَهُ اللَّه. مَعْنَى الْحَدِيث لَا يَكْمُل إِيمَانُكُمْ إِلَّا بِالتَّحَابِّ. وَلَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّة عِنْدَ دُخُول أَهْلهَا إِذَا لَمْ تَكُونُوا كَذَلِكَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَل. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله: «أَفْشُوا السَّلَام بَيْنكُمْ» فَهُوَ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ. وَفيه الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاء السَّلَام وَبَذْله لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ؛ مَنْ عَرَفْت، وَمَنْ لَمْ تَعْرِف، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث الْآخَر. وَالسَّلَامُ أَوَّل أَسْبَاب التَّأَلُّف، وَمِفْتَاح اِسْتِجْلَاب الْمَوَدَّة. وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكَّنُ أُلْفَة الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ، وَإِظْهَار شِعَارهمْ الْمُمَيِّز لَهُمْ مِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل، مَعَ مَا فيه مِنْ رِيَاضَة النَّفْس، وَلُزُوم التَّوَاضُع، وَإِعْظَام حُرُمَات الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّه فِي صَحِيحه عَنْ عَمَّار بْن يَاسِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَان: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسك، وَبَذْل السَّلَام لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاق مِنْ الْإِقْتَار). رَوَى غَيْر الْبُخَارِيِّ هَذَا الْكَلَام مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبَذْل السَّلَام لِلْعَالَمِ، وَالسَّلَام عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِف، وَإِفْشَاء السَّلَام كُلّهَا بِمَعْنَى وَاحِد. وَفيها لَطِيفَة أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ رَفْع التَّقَاطُع وَالتَّهَاجُر وَالشَّحْنَاء وَفَسَاد ذَات الْبَيْن الَّتِي هِيَ الْحَالِقَة، وَأَنَّ سَلَامه لِلَّهِ لَا يَتْبَع فيه هَوَاهُ، وَلَا يَخُصّ أَصْحَابه وَأَحْبَابه بِهِ. وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم بِالصَّوَابِ. 56 .
57 من لا يأمن جاره بوائقه باب بيان تحريم ايذاء الجار
57
من لا يأمن جاره بوائقه باب بيان تحريم ايذاء الجار
66- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ لَا يَأْمَن جَاره بَوَائِقه» الْبَوَائِق جَمْع بَائِقَة وَهِيَ الْغَائِلَة وَالدَّاهِيَة وَالْفَتْك، وَفِي مَعْنَى: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة» جَوَابَانِ يَجْرِيَانِ فِي كُلِّ مَا أَشْبَهَ هَذَا.
أَحَدهمَا: أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى مَنْ يَسْتَحِلّ الْإِيذَاء مَعَ عِلْمه بِتَحْرِيمِهِ؛ فَهَذَا كَافِرٌ لَا يَدْخُلُهَا أَصْلًا.
وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ جَزَاؤُهُ أَنْ لَا يَدْخُلهَا وَقْت دُخُول الْفَائِزِينَ إِذَا فُتِحَتْ أَبْوَابهَا لَهُمْ، بَلْ يُؤَخَّر ثُمَّ قَدْ يُجَازَى، وَقَدْ يُعْفَى عَنْهُ فَيَدْخُلهَا أَوَّلًا.
وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَا هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيد مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِر فَهُوَ إِلَى اللَّه تَعَالَى إِنْ شَاءَ اللَّه عَفَا عَنْهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ أَوَّلًا، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْجَنَّة.57.
وَاَللَّه أَعْلَم.
59 باب بيان ان الايمان الذي يدخل به الجنة وان من تمسك بما امر به دخل الجنة فيه حديث ابي ايوب وابي هريرة وجابر رضي الله عنهم اما حديثا ابي ايوب وابي هريرة فرواهما ايضا البخاري وَأَمَّا حَدِيث جَابِر فَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِم. أَمَّا أَلْفَاظ الْبَاب: فَأَبُو أَيُّوب اِسْمه خَالِد بْن زَيْد الْأَنْصَارِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة عَبْد الرَّحْمَن بْن صَخْر عَلَى الْأَصَحّ مِنْ نَحْو ثَلَاثِينَ قَوْلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه بِزِيَادَاتٍ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَاب.
15- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَص عَنْ أَبِي إِسْحَاق) قَدْ تَقَدَّمَ بَيَان اِسْمَيْهِمَا فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب. فَأَبُو الْأَحْوَص سَلَّام- بِالتَّشْدِيدِ- اِبْن سُلَيْمٍ. وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بْن عَبْد اللَّه السُّبَيْعِيّ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّة» كَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول الْمُحَقَّقَة وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أُمِرَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْرِ الْمِيم، و(بِهِ) بِبَاءٍ مُوَحَّدَة مَكْسُورَة، مَبْنِيّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَضَبَطَهُ الْحَافِظ أَبُو عَامِر الْعَبْدَرِيّ، (أَمَرْته) بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق الَّتِي هِيَ ضَمِير الْمُتَكَلِّم. وَكِلَاهُمَا صَحِيح. وَاَللَّه أَعْلَمُ. وَأَمَّا ذِكْرُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِلَةَ الرَّحِمِ فِي هَذَا الْحَدِيث، وَذِكْر الْأَوْعِيَة فِي حَدِيث وَفْد عَبْد الْقَيْس، وَغَيْر ذَلِكَ فِي غَيْرهمَا فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره- رَحِمَهُمْ اللَّه: ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَخُصّ السَّائِل وَيَعْنِيه، وَاَللَّه أَعْلَمُ.
16- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُر إِلَى رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» فَالظَّاهِر مِنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ يُوفِي بِمَا اِلْتَزَمَ، وَأَنَّهُ يَدُوم عَلَى ذَلِكَ وَيَدْخُل الْجَنَّةَ.
17- قَوْل مُسْلِم فِي حَدِيث جَابِر: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَأَبُو كُرَيْب قَالَا ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر) فَهَذَا إِسْنَاد كُلّهمْ كُوفِيُّونَ إِلَّا جَابِرًا وَأَبَا سُفْيَان فَإِنَّ جَابِرًا مَدَنِيّ وَأَبَا سُفْيَان وَاسِطِيّ، وَيُقَال: مَكِّيّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اِسْم أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم. وَإِبْرَاهِيم هُوَ أَبُو شَيْبَة. وَأَمَّا (أَبُو كُرَيْب) فَاسْمه مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ بِإِسْكَانِ الْمِيم وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَة، و(أَبُو مُعَاوِيَة) مُحَمَّد بْن حَازِم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. و(الْأَعْمَش) سُلَيْمَان بْن مِهْرَان أَبُو مُحَمَّد. و(أَبُو سُفْيَان) طَلْحَة بْن نَافِع الْقُرَشِيّ مَوْلَاهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي سِين سُفْيَان ثَلَاثَ لُغَاتٍ الضَّمّ وَالْكَسْر وَالْفَتْح. وَقَوْل الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان مَعَ أَنَّ الْأَعْمَش مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّس إِذَا قَالَ (عَنْ) لَا يُحْتَجّ بِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَمَاعُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُول وَفِي شَرْح الْمُقَدِّمَة أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُدَلِّسِينَ (بِعَنْ) فَمَحْمُول عَلَى ثُبُوت سَمَاعهمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وَاَللَّه أَعْلَمُ. قَوْله: «أَتَى النُّعْمَانُ بْن قَوْقَل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت إِذَا صَلَّيْت الْمَكْتُوبَة، وَحَرَّمْت الْحَرَام، وَأَحْلَلْت الْحَلَال، أَأَدْخُلُ الْجَنَّة؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ» أَمَّا (قَوْقَل) فَبِقَافَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنهمَا وَاو سَاكِنَة وَآخِرَهُ لَام. وَأَمَّا قَوْله: (وَحَرَّمْت الْحَرَام)، فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: الظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَمْرَيْنِ: أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَرَامًا، وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ بِخِلَافِ تَحْلِيل الْحَلَال فَإِنَّهُ يَكْفِي فيه مُجَرَّدُ اِعْتِقَادِهِ حَلَالًا. قَوْله: (عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح) تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل مُقَدِّمَة الْكِتَاب أَنَّ اِسْمَ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانُ.
18- قَوْله: (قَوْل الْحَسَن بْن أَعْيَن حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ وَهُوَ اِبْن عُبَيْد اللَّه عَنْ أَبِي الزُّبَيْر) أَمَّا (أَعْيَن) فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَآخِره نُون وَهُوَ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَعْيَن الْقُرَشِيّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَلِيّ الْحَرَّانِيّ. وَالْأَعْيَن مَنْ فِي عَيْنَيْهِ سَعَةٌ. وَأَمَّا (مَعْقِلٌ) فَبِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَكَسْرِ الْقَاف. وَأَمَّا (أَبُو الزُّبَيْر) فَهُوَ مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن تَدْرُس بِمُثَنَّاةٍ فَوْق مَفْتُوحَة ثُمَّ دَال مُهْمَلَة سَاكِنَة ثُمَّ رَاءٍ مَضْمُومَة ثُمَّ سِين مُهْمَلَة وَقَوْله: (وَهُوَ اِبْن عُبَيْد اللَّه) قَدْ تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ بَيَانُ فَائِدَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقَع فِي الرِّوَايَة لَفْظَةُ اِبْن عُبَيْد اللَّه فَأَرَادَ إِيضَاحه بِحَيْثُ لَا يَزِيد فِي الرِّوَايَة. 59 .
60 باب بيان ان الايمان الذي يدخل به الجنة وان من تمسك بما امر به دخل الجنة فيه حديث ابي ايوب وابي هريرة وجابر رضي الله عنهم اما حديثا ابي ايوب وابي هريرة فرواهما ايضا البخاري وَأَمَّا حَدِيث جَابِر فَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِم. أَمَّا أَلْفَاظ الْبَاب: فَأَبُو أَيُّوب اِسْمه خَالِد بْن زَيْد الْأَنْصَارِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة عَبْد الرَّحْمَن بْن صَخْر عَلَى الْأَصَحّ مِنْ نَحْو ثَلَاثِينَ قَوْلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه بِزِيَادَاتٍ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَاب.
15- قَوْله: (حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَص عَنْ أَبِي إِسْحَاق) قَدْ تَقَدَّمَ بَيَان اِسْمَيْهِمَا فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب. فَأَبُو الْأَحْوَص سَلَّام- بِالتَّشْدِيدِ- اِبْن سُلَيْمٍ. وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بْن عَبْد اللَّه السُّبَيْعِيّ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّة» كَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول الْمُحَقَّقَة وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ أُمِرَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَكَسْرِ الْمِيم، و(بِهِ) بِبَاءٍ مُوَحَّدَة مَكْسُورَة، مَبْنِيّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَضَبَطَهُ الْحَافِظ أَبُو عَامِر الْعَبْدَرِيّ، (أَمَرْته) بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق الَّتِي هِيَ ضَمِير الْمُتَكَلِّم. وَكِلَاهُمَا صَحِيح. وَاَللَّه أَعْلَمُ. وَأَمَّا ذِكْرُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِلَةَ الرَّحِمِ فِي هَذَا الْحَدِيث، وَذِكْر الْأَوْعِيَة فِي حَدِيث وَفْد عَبْد الْقَيْس، وَغَيْر ذَلِكَ فِي غَيْرهمَا فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره- رَحِمَهُمْ اللَّه: ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَخُصّ السَّائِل وَيَعْنِيه، وَاَللَّه أَعْلَمُ.
16- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُر إِلَى رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» فَالظَّاهِر مِنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ يُوفِي بِمَا اِلْتَزَمَ، وَأَنَّهُ يَدُوم عَلَى ذَلِكَ وَيَدْخُل الْجَنَّةَ.
17- قَوْل مُسْلِم فِي حَدِيث جَابِر: (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة وَأَبُو كُرَيْب قَالَا ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر) فَهَذَا إِسْنَاد كُلّهمْ كُوفِيُّونَ إِلَّا جَابِرًا وَأَبَا سُفْيَان فَإِنَّ جَابِرًا مَدَنِيّ وَأَبَا سُفْيَان وَاسِطِيّ، وَيُقَال: مَكِّيّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اِسْم أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم. وَإِبْرَاهِيم هُوَ أَبُو شَيْبَة. وَأَمَّا (أَبُو كُرَيْب) فَاسْمه مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ بِإِسْكَانِ الْمِيم وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَة، و(أَبُو مُعَاوِيَة) مُحَمَّد بْن حَازِم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. و(الْأَعْمَش) سُلَيْمَان بْن مِهْرَان أَبُو مُحَمَّد. و(أَبُو سُفْيَان) طَلْحَة بْن نَافِع الْقُرَشِيّ مَوْلَاهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي سِين سُفْيَان ثَلَاثَ لُغَاتٍ الضَّمّ وَالْكَسْر وَالْفَتْح. وَقَوْل الْأَعْمَش عَنْ أَبِي سُفْيَان مَعَ أَنَّ الْأَعْمَش مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّس إِذَا قَالَ (عَنْ) لَا يُحْتَجّ بِهِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَمَاعُهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُول وَفِي شَرْح الْمُقَدِّمَة أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُدَلِّسِينَ (بِعَنْ) فَمَحْمُول عَلَى ثُبُوت سَمَاعهمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وَاَللَّه أَعْلَمُ. قَوْله: «أَتَى النُّعْمَانُ بْن قَوْقَل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت إِذَا صَلَّيْت الْمَكْتُوبَة، وَحَرَّمْت الْحَرَام، وَأَحْلَلْت الْحَلَال، أَأَدْخُلُ الْجَنَّة؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ» أَمَّا (قَوْقَل) فَبِقَافَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنهمَا وَاو سَاكِنَة وَآخِرَهُ لَام. وَأَمَّا قَوْله: (وَحَرَّمْت الْحَرَام)، فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: الظَّاهِر أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَمْرَيْنِ: أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَرَامًا، وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ بِخِلَافِ تَحْلِيل الْحَلَال فَإِنَّهُ يَكْفِي فيه مُجَرَّدُ اِعْتِقَادِهِ حَلَالًا. قَوْله: (عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح) تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل مُقَدِّمَة الْكِتَاب أَنَّ اِسْمَ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانُ.
18- قَوْله: (قَوْل الْحَسَن بْن أَعْيَن حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ وَهُوَ اِبْن عُبَيْد اللَّه عَنْ أَبِي الزُّبَيْر) أَمَّا (أَعْيَن) فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَآخِره نُون وَهُوَ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن أَعْيَن الْقُرَشِيّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَلِيّ الْحَرَّانِيّ. وَالْأَعْيَن مَنْ فِي عَيْنَيْهِ سَعَةٌ. وَأَمَّا (مَعْقِلٌ) فَبِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الْعَيْن الْمُهْمَلَة وَكَسْرِ الْقَاف. وَأَمَّا (أَبُو الزُّبَيْر) فَهُوَ مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن تَدْرُس بِمُثَنَّاةٍ فَوْق مَفْتُوحَة ثُمَّ دَال مُهْمَلَة سَاكِنَة ثُمَّ رَاءٍ مَضْمُومَة ثُمَّ سِين مُهْمَلَة وَقَوْله: (وَهُوَ اِبْن عُبَيْد اللَّه) قَدْ تَقَدَّمَ مَرَّاتٍ بَيَانُ فَائِدَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقَع فِي الرِّوَايَة لَفْظَةُ اِبْن عُبَيْد اللَّه فَأَرَادَ إِيضَاحه بِحَيْثُ لَا يَزِيد فِي الرِّوَايَة. 60 .
باب النهي عن صبر البهايم
3616- قَوْله: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِم» وَفِي رِوَايَة: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فيه الرُّوح غَرَضًا» قَالَ الْعُلَمَاء: صَبْر الْبَهَائِم: أَنْ تُحْبَس وَهِيَ حَيَّة لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوه، وَهُوَ مَعْنَى: لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فيه الرُّوح غَرَضًا، أَيْ لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَان الْحَيّ غَرَضًا تَرْمُونَ إِلَيْهِ، كَالْغَرَضِ مِنْ الْجُلُود وَغَيْرهَا، وَهَذَا النَّهْي لِلتَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر الَّتِي بَعْد هَذِهِ: «لَعَنْ اللَّه مَنْ فَعَلَ هَذَا» وَلِأَنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَاف لِنَفْسِهِ، وَتَضْيِيع لِمَالِيَّتِهِ، وَتَفْوِيت لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى، وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى.
✯✯✯✯✯✯
61.
3619- قَوْله: «نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «طَيْرًا» وَالْمُرَاد بِهِ وَاحِد وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة أَنَّ الْوَاحِد يُقَال لَهُ: طَائِر، وَالْجَمْع طَيْر، وَفِي لُغَة قَلِيلَة إِطْلَاق الطَّيْر عَلَى الْوَاحِد.
وَهَذَا الْحَدِيث جَارٍ عَلَى تِلْكَ اللُّغَة.
قَوْله: «وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْر كُلّ خَاطِئَة مِنْ نَبْلهمْ» هُوَ بِهَمْزِ خَاطِئَة أَيْ مَا لَمْ يُصِبْ الْمَرْمَى، وَقَوْله: (خَاطِئَة) لُغَة، وَالْأَفْصَح مُخْطِئَة، يُقَال لِمَنْ قَصَدَ شَيْئًا فَأَصَابَ غَيْره غَلَطًا: أَخْطَأَ فَهُوَ مُخْطِئ، وَفِي لُغَة قَلِيلَة: خَطَأ فَهُوَ خَاطِئ.
وَهَذَا الْحَدِيث جَاءَ عَلَى اللُّغَة الثَّانِيَة، حَكَاهَا أَبُو عُبَيْد وَالْجَوْهَرِيّ وَغَيْرهمَا.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
62 باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله
3657- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِده، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّه، وَلَعَنَ اللَّه مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّه مَنْ غَيَّرَ مَنَار الْأَرْض»، وَفِي الرِّوَايَة: «لَعَنَ اللَّه مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ» أَمَّا لَعْن الْوَالِد وَالْوَالِدَة فَمِنْ الْكَبَائِر، وَسَبَقَ ذَلِكَ مَشْرُوحًا وَاضِحًا فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَالْمُرَاد بِمَنَارِ الْأَرْض- بِفَتْحِ الْمِيم- عَلَامَات حُدُودهَا، وَأَمَّا الْمُحْدِث- بِكَسْرِ الدَّال- فَهُوَ مَنْ يَأْتِي بِفَسَادٍ فِي الْأَرْض، وَسَبَقَ شَرْحه فِي آخِر كِتَاب الْحَجّ. وَأَمَّا الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَذْبَح بِاسْمِ غَيْر اللَّه تَعَالَى كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيب أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْو ذَلِكَ، فَكُلّ هَذَا حَرَام، وَلَا تَحِلّ هَذِهِ الذَّبِيحَة، سَوَاء كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيم الْمَذْبُوح لَهُ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَالْعِبَادَة لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا، فَإِنْ كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا قَبْل ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا، وَذَكَرَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا: أَنَّ مَا يُذْبَح عِنْد اِسْتِقْبَال السُّلْطَان تَقَرُّبًا إِلَيْهِ أَفْتَى أَهْل بُخَارَة بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِّلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه تَعَالَى، قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا إِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ اِسْتِبْشَارًا بِقُدُومِهِ فَهُوَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَة لِوِلَادَةِ الْمَوْلُود، وَمِثْل هَذَا لَا يُوجِب التَّحْرِيم، وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله: (إِنَّ عَلِيًّا غَضِبَ حِين قَالَ لَهُ رَجُل: مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرّ إِلَيْك؟ إِلَى آخِره) فيه إِبْطَال مَا تَزْعُمهُ الرَّافِضَة وَالشِّيعَة وَالْإِمَامِيَّة مِنْ الْوَصِيَّة إِلَى عَلِيّ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ اِخْتِرَاعَاتهمْ. وَفيه جَوَاز كِتَابَة الْعِلْم، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ الْآن، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْر الْمَسْأَلَة فِي مَوَاضِع.
3659- قَوْله: (مَا خَصَّنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمّ بِهِ النَّاس كَافَّة إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَاب سَيْفِي) هَكَذَا تُسْتَعْمَل (كَافَّة) حَالًا، وَأَمَّا مَا يَقَع فِي كَثِير مِنْ كُتُب الْمُصَنِّفِينَ مِنْ اِسْتِعْمَالهَا مُضَافَة وَبِالتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِمْ: (هَذَا قَوْل كَافَّة الْعُلَمَاء) (وَمَذْهَب الْكَافَّة) فَهُوَ خَطَأ مَعْدُود فِي لَحْن الْعَوَامّ وَتَحْرِيفهمْ.
وَقَوْله: (قِرَاب سَيْفِي) هُوَ بِكَسْرِ الْقَاف، وَهُوَ وِعَاء مِنْ جِلْد أَلْطَف مِنْ الْجِرَاب، يَدْخُل فيه السَّيْف بِغِمْدِهِ وَمَا خَفَّ مِنْ الْآلَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (أَصَبْت شَارِفًا) هِيَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَبِالْفَاءِ وَهِيَ النَّاقَة الْمُسِنَّة، وَجَمْعهَا: شُرُف بِضَمِّ الرَّاء وَإِسْكَانهَا.
قَوْله: (أُرِيدَ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع، فَأَسْتَعِين بِهِ عَلَى وَلِيمَة فَاطِمَة) أَمَّا (قَيْنُقَاع) فَبِضَمِّ النُّون وَكَسْرهَا وَفَتْحهَا، وَهُمْ طَائِفَة مِنْ يَهُود الْمَدِينَة، فَيَجُوز صَرْفه عَلَى إِرَادَة الْحَيّ، وَتَرْك صَرْفه عَلَى إِرَادَة الْقَبِيلَة أَوْ الطَّائِفَة، وَفيه اِتِّخَاذ الْوَلِيمَة لِلْعُرْسِ، سَوَاء فِي ذَلِكَ مَنْ لَهُ مَال كَثِير، وَمَنْ دُونه، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب النِّكَاح، وَفيه: جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الْأَعْمَال وَالِاكْتِسَاب بِالْيَهُودِيِّ، وَفيه: جَوَاز الِاحْتِشَاش لِلتَّكَسُّبِ وَبَيْعه، وَأَنَّهُ لَا يُنْقِص الْمُرُوءَة، وَفيه: جَوَاز بَيْع الْوَقُود لِلصَّوَّاغِينَ وَمُعَامَلَتهمْ.
قَوْله: (مَعَهُ قَيْنَة تُغَنِّيه) الْقَيْنَة بِفَتْحِ الْقَاف الْجَارِيَة الْمُغَنِّيَة.
قَوْله: (أَلَا يَا حَمْز لِلشُّرُف النِّوَاء) الشُّرُف بِضَمِّ الشِّين وَالرَّاء وَتَسْكِين الرَّاء أَيْضًا كَمَا سَبَقَ جَمْع شَارِف، وَالنِّوَاء بِكَسْرِ النُّون وَتَخْفِيف الْوَاو وَبِالْمَدِّ أَيْ السِّمَان، جَمْع نَاوِيَة وَبِالتَّخْفِيفِ، وَهِيَ السَّمِينَة، وَقَدْ نَوَتْ النَّاقَة تَنْوِي، كَرَمَتْ تَرْمِي، يُقَال لَهَا ذَلِكَ إِذَا سَمِنَتْ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّوَاء أَنَّهَا بِكَسْرِ النُّون، وَبِالْمَدِّ هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا، وَيَقَع فِي بَعْض النُّسَخ النَّوَى بِالْيَاءِ، وَهُوَ تَحْرِيف، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: رَوَاهُ اِبْن جَرِير: (ذَا الشَّرَف النَّوَى) بِفَتْحِ الشِّين وَالرَّاء وَبِفَتْحِ النُّون مَقْصُورًا قَالَ: وَفَسَّرَهُ بِالْبُعْدِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَر الْمُحَقِّقِينَ، قَالَ: وَهُوَ غَلَط فِي الرِّوَايَة وَالتَّفْسِير، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم تَمَام هَذَا الشِّعْر.
أَلَا يَا حَمْز لِلشُّرُف النِّوَاء وَهُنَّ مُعَقَّلَات بِالْفَنَاءِ ضَعْ السِّكِّين فِي اللَّبَّات مِنْهَا وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَة بِالدِّمَاءِ وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبهَا لِشُرْبٍ قَدِيدًا مِنْ طَبِيخ أَوْ شِوَاء قَوْله: (فَجَبَّ أَسْنِمَتهمَا) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (اِجْتَبَّ)، وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيّ: (أَجَبَّ) وَهَذِهِ غَرِيبَة فِي اللُّغَة، وَالْمَعْنَى: قَطَعَ.
قَوْله: (وَبَقَر خَوَاصِرهمَا) أَيْ شَقَّهَا، وَهَذَا الْفِعْل الَّذِي جَرَى مِنْ حَمْزَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ شُرْبه الْخَمْر وَقَطْع أَسْنِمَة النَّاقَتَيْنِ، وَبَقْر خَوَاصِرهمَا وَأَكْل لَحْمهمَا، وَغَيْر ذَلِكَ لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي شَيْء مِنْهُ.
أَمَّا أَصْل الشُّرْب وَالسُّكْر فَكَانَ مُبَاحًا؛ لِأَنَّهُ قَبْل تَحْرِيم الْخَمْر، وَأَمَّا مَا قَدْ يَقُولهُ بَعْض مَنْ لَا تَحْصِيل لَهُ إِنَّ السُّكْر لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِل لَا أَصْل لَهُ، وَلَا يُعْرَف أَصْلًا، وَأَمَّا بَاقِي الْأُمُور فَجَرَتْ مِنْهُ فِي حَال عَدَم التَّكْلِيف فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فيها كَمَنْ شَرِبَ دَوَاءً لِحَاجَةٍ فَزَالَ بِهِ عَقْله أَوْ شَرِبَ شَيْئًا يَظُنّهُ خَلًّا فَكَانَ خَمْرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْب الْخَمْر فَشَرِبَهَا وَسَكِرَ فَهُوَ فِي حَال السُّكْر غَيْر مُكَلَّف، وَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِيمَا يَقَع مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَال بِلَا خِلَاف، وَأَمَّا غَرَامَة مَا أَتْلَفَهُ فَيَجِب فِي مَاله، فَلَعَلَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْد مَعْرِفَته بِقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ، أَوْ أَنَّهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ حَمْزَة بَعْد ذَلِكَ أَوْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّاهُ عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ عِنْده، وَكَمَال حَقّه وَمَحَبَّته إِيَّاهُ وَقَرَابَته، وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَاب عُمَر بْن شَيْبَة مِنْ رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّمَ حَمْزَة النَّاقَتَيْنِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ السَّكْرَان مِنْ الْأَمْوَال يَلْزَمهُ ضَمَانه كَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّ الضَّمَان لَا يُشْتَرَط فيه التَّكْلِيف، وَلِهَذَا أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه فِي قَتْل الْخَطَأ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة، وَأَمَّا هَذَا السَّنَام الْمَقْطُوع فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ نَحْرهمَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيّ فَهُوَ مَيِّت، وَفيه حَدِيث مَشْهُور فِي كُتُب السُّنَن، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ ذَكَّاهُمَا، وَيَدُلّ عَلَيْهِ الشِّعْر الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ كَانَ ذَكَّاهُمَا فَلَحْمهمَا حَلَال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَإِسْحَاق وَدَاوُد أَنَّهُ لَا يَحِلّ مَا ذَبَحَهُ سَارِق أَوْ غَاضِب أَوْ مُتَعَمِّد، وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: حِلّه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَّاهُمَا وَثَبَتَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ أَكْل فِي حَالَة السُّكْر الْمُبَاح وَلَا إِثْم فيه كَمَا سَبَقَ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «فَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَهْقِر»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى» قَالَ جُمْهُور أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ: الْقَهْقَرَى: الرُّجُوع إِلَى وَرَاء وَوَجْهه إِلَيْك إِذَا ذَهَبَ عَنْك، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَهُوَ الْإِحْضَار فِي الرُّجُوع، أَيْ الْإِسْرَاع؛ فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ: خَرَجَ مُسْرِعًا، وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور وَالْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى خَوْفًا مِنْ أَنْ يَبْدُو مِنْ حَمْزَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَمْر يَكْرَههُ لَوْ وَلَّاهُ ظَهْره لِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا بِالسُّكْرِ.
.....................................62
باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله
3657- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِده، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّه، وَلَعَنَ اللَّه مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّه مَنْ غَيَّرَ مَنَار الْأَرْض»، وَفِي الرِّوَايَة: «لَعَنَ اللَّه مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ» أَمَّا لَعْن الْوَالِد وَالْوَالِدَة فَمِنْ الْكَبَائِر، وَسَبَقَ ذَلِكَ مَشْرُوحًا وَاضِحًا فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَالْمُرَاد بِمَنَارِ الْأَرْض- بِفَتْحِ الْمِيم- عَلَامَات حُدُودهَا، وَأَمَّا الْمُحْدِث- بِكَسْرِ الدَّال- فَهُوَ مَنْ يَأْتِي بِفَسَادٍ فِي الْأَرْض، وَسَبَقَ شَرْحه فِي آخِر كِتَاب الْحَجّ.
وَأَمَّا الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَذْبَح بِاسْمِ غَيْر اللَّه تَعَالَى كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيب أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْو ذَلِكَ، فَكُلّ هَذَا حَرَام، وَلَا تَحِلّ هَذِهِ الذَّبِيحَة، سَوَاء كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيم الْمَذْبُوح لَهُ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَالْعِبَادَة لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا، فَإِنْ كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا قَبْل ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا، وَذَكَرَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا: أَنَّ مَا يُذْبَح عِنْد اِسْتِقْبَال السُّلْطَان تَقَرُّبًا إِلَيْهِ أَفْتَى أَهْل بُخَارَة بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِّلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه تَعَالَى، قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا إِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ اِسْتِبْشَارًا بِقُدُومِهِ فَهُوَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَة لِوِلَادَةِ الْمَوْلُود، وَمِثْل هَذَا لَا يُوجِب التَّحْرِيم، وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (إِنَّ عَلِيًّا غَضِبَ حِين قَالَ لَهُ رَجُل: مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرّ إِلَيْك؟ إِلَى آخِره) فيه إِبْطَال مَا تَزْعُمهُ الرَّافِضَة وَالشِّيعَة وَالْإِمَامِيَّة مِنْ الْوَصِيَّة إِلَى عَلِيّ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ اِخْتِرَاعَاتهمْ.
وَفيه جَوَاز كِتَابَة الْعِلْم، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ الْآن، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْر الْمَسْأَلَة فِي مَوَاضِع.
✯✯✯✯✯✯
3659- قَوْله: (مَا خَصَّنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمّ بِهِ النَّاس كَافَّة إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَاب سَيْفِي) هَكَذَا تُسْتَعْمَل (كَافَّة) حَالًا، وَأَمَّا مَا يَقَع فِي كَثِير مِنْ كُتُب الْمُصَنِّفِينَ مِنْ اِسْتِعْمَالهَا مُضَافَة وَبِالتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِمْ: (هَذَا قَوْل كَافَّة الْعُلَمَاء) (وَمَذْهَب الْكَافَّة) فَهُوَ خَطَأ مَعْدُود فِي لَحْن الْعَوَامّ وَتَحْرِيفهمْ.
وَقَوْله: (قِرَاب سَيْفِي) هُوَ بِكَسْرِ الْقَاف، وَهُوَ وِعَاء مِنْ جِلْد أَلْطَف مِنْ الْجِرَاب، يَدْخُل فيه السَّيْف بِغِمْدِهِ وَمَا خَفَّ مِنْ الْآلَة. وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: (أَصَبْت شَارِفًا) هِيَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَبِالْفَاءِ وَهِيَ النَّاقَة الْمُسِنَّة، وَجَمْعهَا: شُرُف بِضَمِّ الرَّاء وَإِسْكَانهَا.
قَوْله: (أُرِيدَ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع، فَأَسْتَعِين بِهِ عَلَى وَلِيمَة فَاطِمَة) أَمَّا (قَيْنُقَاع) فَبِضَمِّ النُّون وَكَسْرهَا وَفَتْحهَا، وَهُمْ طَائِفَة مِنْ يَهُود الْمَدِينَة، فَيَجُوز صَرْفه عَلَى إِرَادَة الْحَيّ، وَتَرْك صَرْفه عَلَى إِرَادَة الْقَبِيلَة أَوْ الطَّائِفَة، وَفيه اِتِّخَاذ الْوَلِيمَة لِلْعُرْسِ، سَوَاء فِي ذَلِكَ مَنْ لَهُ مَال كَثِير، وَمَنْ دُونه، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب النِّكَاح، وَفيه: جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الْأَعْمَال وَالِاكْتِسَاب بِالْيَهُودِيِّ، وَفيه: جَوَاز الِاحْتِشَاش لِلتَّكَسُّبِ وَبَيْعه، وَأَنَّهُ لَا يُنْقِص الْمُرُوءَة، وَفيه: جَوَاز بَيْع الْوَقُود لِلصَّوَّاغِينَ وَمُعَامَلَتهمْ.
قَوْله: (مَعَهُ قَيْنَة تُغَنِّيه) الْقَيْنَة بِفَتْحِ الْقَاف الْجَارِيَة الْمُغَنِّيَة.
قَوْله: (أَلَا يَا حَمْز لِلشُّرُف النِّوَاء) الشُّرُف بِضَمِّ الشِّين وَالرَّاء وَتَسْكِين الرَّاء أَيْضًا كَمَا سَبَقَ جَمْع شَارِف، وَالنِّوَاء بِكَسْرِ النُّون وَتَخْفِيف الْوَاو وَبِالْمَدِّ أَيْ السِّمَان، جَمْع نَاوِيَة وَبِالتَّخْفِيفِ، وَهِيَ السَّمِينَة، وَقَدْ نَوَتْ النَّاقَة تَنْوِي، كَرَمَتْ تَرْمِي، يُقَال لَهَا ذَلِكَ إِذَا سَمِنَتْ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّوَاء أَنَّهَا بِكَسْرِ النُّون، وَبِالْمَدِّ هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا، وَيَقَع فِي بَعْض النُّسَخ النَّوَى بِالْيَاءِ، وَهُوَ تَحْرِيف، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: رَوَاهُ اِبْن جَرِير: (ذَا الشَّرَف النَّوَى) بِفَتْحِ الشِّين وَالرَّاء وَبِفَتْحِ النُّون مَقْصُورًا قَالَ: وَفَسَّرَهُ بِالْبُعْدِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَر الْمُحَقِّقِينَ، قَالَ: وَهُوَ غَلَط فِي الرِّوَايَة وَالتَّفْسِير، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم تَمَام هَذَا الشِّعْر.
أَلَا يَا حَمْز لِلشُّرُف النِّوَاء وَهُنَّ مُعَقَّلَات بِالْفَنَاءِ ضَعْ السِّكِّين فِي اللَّبَّات مِنْهَا وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَة بِالدِّمَاءِ وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبهَا لِشُرْبٍ قَدِيدًا مِنْ طَبِيخ أَوْ شِوَاء قَوْله: (فَجَبَّ أَسْنِمَتهمَا) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (اِجْتَبَّ)، وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيّ: (أَجَبَّ) وَهَذِهِ غَرِيبَة فِي اللُّغَة، وَالْمَعْنَى: قَطَعَ.
قَوْله: (وَبَقَر خَوَاصِرهمَا) أَيْ شَقَّهَا، وَهَذَا الْفِعْل الَّذِي جَرَى مِنْ حَمْزَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ شُرْبه الْخَمْر وَقَطْع أَسْنِمَة النَّاقَتَيْنِ، وَبَقْر خَوَاصِرهمَا وَأَكْل لَحْمهمَا، وَغَيْر ذَلِكَ لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي شَيْء مِنْهُ.
أَمَّا أَصْل الشُّرْب وَالسُّكْر فَكَانَ مُبَاحًا؛ لِأَنَّهُ قَبْل تَحْرِيم الْخَمْر، وَأَمَّا مَا قَدْ يَقُولهُ بَعْض مَنْ لَا تَحْصِيل لَهُ إِنَّ السُّكْر لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِل لَا أَصْل لَهُ، وَلَا يُعْرَف أَصْلًا، وَأَمَّا بَاقِي الْأُمُور فَجَرَتْ مِنْهُ فِي حَال عَدَم التَّكْلِيف فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فيها كَمَنْ شَرِبَ دَوَاءً لِحَاجَةٍ فَزَالَ بِهِ عَقْله أَوْ شَرِبَ شَيْئًا يَظُنّهُ خَلًّا فَكَانَ خَمْرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْب الْخَمْر فَشَرِبَهَا وَسَكِرَ فَهُوَ فِي حَال السُّكْر غَيْر مُكَلَّف، وَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِيمَا يَقَع مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَال بِلَا خِلَاف، وَأَمَّا غَرَامَة مَا أَتْلَفَهُ فَيَجِب فِي مَاله، فَلَعَلَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْد مَعْرِفَته بِقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ، أَوْ أَنَّهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ حَمْزَة بَعْد ذَلِكَ أَوْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّاهُ عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ عِنْده، وَكَمَال حَقّه وَمَحَبَّته إِيَّاهُ وَقَرَابَته، وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَاب عُمَر بْن شَيْبَة مِنْ رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّمَ حَمْزَة النَّاقَتَيْنِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ السَّكْرَان مِنْ الْأَمْوَال يَلْزَمهُ ضَمَانه كَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّ الضَّمَان لَا يُشْتَرَط فيه التَّكْلِيف، وَلِهَذَا أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه فِي قَتْل الْخَطَأ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة، وَأَمَّا هَذَا السَّنَام الْمَقْطُوع فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ نَحْرهمَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيّ فَهُوَ مَيِّت، وَفيه حَدِيث مَشْهُور فِي كُتُب السُّنَن، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ ذَكَّاهُمَا، وَيَدُلّ عَلَيْهِ الشِّعْر الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ كَانَ ذَكَّاهُمَا فَلَحْمهمَا حَلَال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَإِسْحَاق وَدَاوُد أَنَّهُ لَا يَحِلّ مَا ذَبَحَهُ سَارِق أَوْ غَاضِب أَوْ مُتَعَمِّد، وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: حِلّه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَّاهُمَا وَثَبَتَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ أَكْل فِي حَالَة السُّكْر الْمُبَاح وَلَا إِثْم فيه كَمَا سَبَقَ.
وَاللَّهُ أَعْلَم.
قَوْله: «فَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَهْقِر»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى» قَالَ جُمْهُور أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ: الْقَهْقَرَى: الرُّجُوع إِلَى وَرَاء وَوَجْهه إِلَيْك إِذَا ذَهَبَ عَنْك، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَهُوَ الْإِحْضَار فِي الرُّجُوع، أَيْ الْإِسْرَاع؛ فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ: خَرَجَ مُسْرِعًا، وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور وَالْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى خَوْفًا مِنْ أَنْ يَبْدُو مِنْ حَمْزَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَمْر يَكْرَههُ لَوْ وَلَّاهُ ظَهْره لِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا بِالسُّكْرِ
65 باب غلظ تحريم قتل الانسان نفسه وان من قتل نفسه بشيء عذب به في النار 158- فيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسه بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَده يَتَوَجَّأ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَار جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسه فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّم خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا». وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسه بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ». وَفِي رِوَايَة: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَام كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ». وَفِي الْحَدِيث الْآخَر: «لَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، وَمَنْ اِدَّعَى دَعْوَى كَاذِبَة لِيَتَكَثَّر بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّه تَعَالَى إِلَّا قِلَّةً، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ» وَفِي الْبَاب الْأَحَادِيث الْبَاقِيَة، وَسَتَمُرُّ عَلَى أَلْفَاظهَا وَمَعَانِيهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. أَمَّا الْأَسْمَاء وَمَا يَتَعَلَّق بِعِلْمِ الْإِسْنَاد فَفيه أَشْيَاء كَثِيرَة تَقَدَّمَتْ مِنْ الْكُنَى وَالدَّقَائِق كَقَوْلِهِ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي اِبْن الْحَارِثِ فَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَان فَائِدَة قَوْله هُوَ اِبْن الْحَارِثِ، وَكَقَوْلِهِ: عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح، وَالْأَعْمَش مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إِذَا قَالَ: (عَنْ) لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ السَّمَاع مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُدَلِّسِ بِعَنْ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ثَبَتَ السَّمَاع مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَقَدْ جَاءَ هُنَا مُبَيَّنًا فِي الطَّرِيق الْآخَر مِنْ رِوَايَة شُعْبَة. وَقَوْله فِي أَوَّل الْبَاب: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة، وَأَبُو سَعِيد الْأَشَجّ إِلَخْ إِسْنَاده كُلّه كُوفِيُّونَ إِلَّا أَبَا هُرَيْرَة فَإِنَّهُ مَدَنِيٌّ. وَاسْم الْأَشَجّ عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن حَصِينٍ. تُوُفِّيَ سَنَة سَبْع وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ قَبْل مُسْلِمٍ بِأَرْبَعِ سِنِينَ. وَقَوْله: كُلُّهُمْ بِهَذَا الْإِسْنَاد مِثْله وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ سُلَيْمَان قَالَ: سَمِعْت ذَكْوَان يَعْنِي بِقَوْلِهِ هَذَا الْإِسْنَاد أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة الْمَذْكُورِينَ وَهُمْ: جَرِير وَعَبْثَر، وَشُعْبَة، رَوَوْهُ عَنْ الْأَعْمَش كَمَا رَوَاهُ وَكِيعٌ فِي الطَّرِيق الْأُولَى، إِلَّا أَنَّ شُعْبَة زَادَ هُنَا فَائِدَةً حَسَنَةً فَقَالَ عَنْ سُلَيْمَان وَهُوَ الْأَعْمَش قَالَ: سَمِعْت ذَكْوَان وَهُوَ أَبُو صَالِح فَصَرَّحَ بِالسَّمَاعِ. وَفِي الرِّوَايَات الْبَاقِيَة يَقُول: (عَنْ)، وَالْأَعْمَش مُدَلِّسٌ لَا يُحْتَجُّ بِعَنْعَنَتِهِ إِلَّا إِذَا صَحَّ سَمَاعه الَّذِي عَنْعَنَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَبَيَّنَ مُسْلِمٌ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ صَحَّ مِنْ رِوَايَة شُعْبَة. وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا» فَقِيلَ فيه أَقْوَال أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا مَعَ عِلْمه بِالتَّحْرِيمِ فَهَذَا كَافِرٌ، وَهَذِهِ عُقُوبَتُهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَاد بِالْخُلُودِ طُول الْمُدَّة وَالْإِقَامَة الْمُتَطَاوِلَة لَا حَقِيقَة الدَّوَام كَمَا يُقَال: خَلَّدَ اللَّهُ مُلْك السُّلْطَان. وَالثَّالِث: أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ وَلَكِنْ تَكَرَّمَ سُبْحَانه وَتَعَالَى فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُخَلِّد فِي النَّار مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسه بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَده يَتَوَجَّأ بِهَا فِي بَطْنِهِ» فيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِصَاص مِنْ الْقَاتِل يَكُون بِمَا قَتَلَ بِهِ مُحَدَّدًا كَانَ أَوْ غَيْره اِقْتِدَاء بِعِقَابِ اللَّه تَعَالَى لِقَاتِلِ نَفْسه. وَالِاسْتِدْلَال بِهَذَا لِهَذَا ضَعِيفٌ. وَأَمَّا لُغَات الْبَاب وَشِبْههَا فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَحَدِيدَتُهُ فِي يَده يَتَوَجَّأ بِهَا فِي بَطْنِهِ» هُوَ بِالْجِيمِ وَهَمْز آخِرُهُ، وَيَجُوز تَسْهِيله بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ أَلِفًا وَمَعْنَاهُ يَطْعَن. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَتَرَدَّى» يَنْزِلُ. وَأَمَّا (جَهَنَّمُ) فَهُوَ اِسْم لِنَارِ الْآخِرَة عَافَانَا اللَّه مِنْهَا وَمِنْ كُلّ بَلَاءٍ. قَالَ يُونُس وَأَكْثَر النَّحْوِيِّينَ: هِيَ عَجَمِيَّةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيف. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عَرَبِيَّة لَمْ تُصْرَف لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّة، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرهَا. قَالَ رُؤْبَة: يُقَال: بِئْرٌ جِهْنَامٌ: أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجُهُومَة وَهِيَ الْغِلَظ؛ يُقَال: جَهْمُ الْوَجْهِ أَيْ غَلِيظُهُ، فَسُمِّيَتْ جَهَنَّم لِغِلَظِ أَمْرهَا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَرِبَ سَمًّا فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ» هُوَ بِضَمِّ السِّين وَفَتْحِهَا وَكَسْرهَا، ثَلَاث لُغَات الْفَتْح أَفْصَحهنَّ الثَّالِثَة فِي الْمَطَالِع وَجَمْعه سِمَام وَمَعْنَى (يَتَحَسَّاهُ) يَشْرَبهُ فِي تَمَهُّل وَيَتَجَرَّعُهُ. ✯✯✯✯✯✯ 159- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَام كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا) فَفيه بَيَان لِغِلَظِ تَحْرِيم هَذَا الْحَلِف. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاذِبًا لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ التَّقْيِيدُ وَالِاحْتِرَازُ مِنْ الْحَلِف بِهَا صَادِقًا لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ الْحَالِفُ بِهَا عَنْ كَوْنِهِ كَاذِبًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لابد أَنْ يَكُون مُعَظِّمًا لِمَا حَلَفَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا عَظَمَته بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْر مُعْتَقِدٍ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي الصُّورَة لِكَوْنِهِ عَظَّمَهُ بِالْحَلِفِ بِهِ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْفَكّ عَنْ كَوْنه كَاذِبًا حُمِلَ التَّقْيِيدُ بِكَاذِبًا عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِصُورَةٍ الْحَالِفَ، وَيَكُون التَّقْيِيدُ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ فَلَا يَكُون لَهُ مَفْهُومٌ وَيَكُون مِنْ بَاب قَوْل اللَّه تَعَالَى: {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} وَقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ} وَقَوْله تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. ثُمَّ إِنْ كَانَ الْحَالِف بِهِ مُعَظِّمًا لِمَا حَلَفَ بِهِ مُجِلًّا لَهُ كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظِّمًا بَلْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي حَلِفه بِمَا لَا يَحْلِف بِهِ، وَمُعَامَلَته إِيَّاهُ مُعَامَلَة مَا يَحْلِف بِهِ، وَلَا يَكُون كَافِرًا خَارِجًا عَنْ مِلَّة الْإِسْلَام، وَيَجُوز أَنْ يُطْلَق عَلَيْهِ اِسْم الْكُفْر، وَيُرَاد بِهِ كُفْر الْإِحْسَان، وَكُفْر نِعْمَة اللَّه تَعَالَى فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْلِف هَذَا الْحَلِف الْقَبِيح. وَقَدْ قَالَ الْإِمَام أَبُو عَبْد الرَّحْمَن عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِيمَا وَرَدَ مِنْ مِثْل هَذَا مِمَّا ظَاهِرُهُ تَكْفِيرُ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي: إِنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَة التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ عَنْهُ، وَهَذَا مَعْنَى مَلِيحٌ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُضَمّ إِلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ كَافِر النِّعَم. ✯✯✯✯✯ 160- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعْن الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي أَصْل التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ الْقَتْل أَغْلَظَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اِخْتَارَهُ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيُّ، وَقِيلَ: غَيْر هَذَا مِمَّا لَيْسَ بِظَاهِرٍ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِدَّعَى دَعْوَى كَاذِبَة لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّه إِلَّا قِلَّةً» فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ دَعْوَى يَتَشَبَّع بِهَا الْمَرْءُ بِمَا لَمْ يُعْطَ مِنْ مَالٍ يَخْتَال فِي التَّجَمُّل بِهِ مِنْ غَيْره، أَوْ نَسَب يَنْتَمِي إِلَيْهِ، أَوْ عِلْم يَتَحَلَّى بِهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَمَلَتِهِ، أَوْ دِينٌ يُظْهِرهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْله، فَقَدْ أَعْلَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ غَيْر مُبَارَك لَهُ فِي دَعْوَاهُ، وَلَا زَاكٍ مَا اِكْتَسَبَهُ بِهَا. وَمِثْله الْحَدِيث الْآخَر: «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ مَنْفَقَة لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ». وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ اِدَّعَى دَعْوَى كَاذِبَة» هَذِهِ هِيَ اللُّغَة الْفَصِيحَة يُقَال: دَعْوَى بَاطِل وَبَاطِلَة، وَكَاذِب وَكَاذِبَة حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمُحْكَم وَالتَّأْنِيث أَفْصَح. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَتَكَثَّرَ بِهَا» فَضَبَطْنَاهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَة بَعْد الْكَاف، وَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم الْأُصُول، وَهُوَ الظَّاهِر. وَضَبَطَهُ بَعْض الْأَئِمَّة الْمُعْتَمَدِينَ فِي نُسْخَته بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة وَلَهُ وَجْهٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ يَصِيرُ مَاله كَبِيرًا عَظِيمًا. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين صَبْرٍ فَاجِرَة» كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول هَذَا الْقَدْر فَحَسْب، وَفيه مَحْذُوف، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: لَمْ يَأْتِ فِي الْحَدِيث هُنَا الْخَبَر عَنْ هَذَا الْحَالِف إِلَّا أَنْ يَعْطِفهُ عَلَى قَوْله قَبْله: وَمَنْ اِدَّعَى دَعْوَى كَاذِبَة لِيَتَكَثَّر بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّه بِهَا إِلَّا قِلَّة، أَيْ وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَهُوَ مِثْله. قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث تَامًّا مُبَيَّنًا فِي حَدِيثٍ آخَر: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِع بِهَا مَال اِمْرِئِ مُسْلِمٍ هُوَ فيها فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّه وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان» وَيَمِين الصَّبْر هِيَ الَّتِي أَلْزَم بِهَا الْحَالِف عِنْد الْحَاكِم وَنَحْوه. وَأَصْل الصَّبْرِ الْحَبْسُ وَالْإِمْسَاك. ✯✯✯✯✯✯ 161- وَقَوْله: (عَنْ شُعْبَة عَنْ أَيُّوب عَنْ أَبِي قِلَابَة عَنْ ثَابِت بْن الضِّحَاك الْأَنْصَارِيِّ) ثُمَّ تَحَوَّلَ الْإِسْنَادُ فَقَالَ: (عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدِ الْحَذَّاء عَنْ أَبِي قِلَابَة عَنْ ثَابِت بْن الضِّحَاك) قَدْ يُقَال: هَذَا تَطْوِيلٌ لِلْكَلَامِ عَلَى خِلَاف عَادَة مُسْلِمٍ وَغَيْره، وَكَانَ حَقّه وَمُقْتَضَى عَادَتِهِ أَنْ يَقْتَصِرَ أَوَّلًا عَلَى أَبِي قِلَابَة، ثُمَّ يَسُوق الطَّرِيقَ الْآخَر إِلَيْهِ، فَأَمَّا ذِكْر ثَابِت فَلَا حَاجَة إِلَيْهِ أَوَّلًا، وَجَوَابه: أَنَّ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى رِوَايَة شُعْبَة عَنْ أَيُّوب نَسَب ثَابِت بْن الضِّحَاك فَقَالَ (الْأَنْصَارِيُّ)، وَفِي رِوَايَة الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِد وَلَمْ يَنْسُبهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدّ مِنْ فِعْلِ مَا فَعَلَ لِيَصِحَّ ذِكْرُ نَسَبِهِ. وَقَوْله: (أَبُو قِلَابَة) هُوَ بِكَسْرِ الْقَاف وَاسْمُهُ عَبْد اللَّه بْن زَيْد. وَقَوْله: عَنْ (خَالِد الْحَذَّاء) قَالُوا إِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْحَذَّاء لِأَنَّهُ كَانَ يَجْلِس فِي الْحَذَّائِينَ، وَلَمْ يَحْذُ نَعْلًا قَطُّ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُور. وَرَوَيْنَا عَنْ فَهْد بْن حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ قَالَ: لَمْ يَحْذُ خَالِد قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقُول: اُحْذُوَا عَلَى هَذَا النَّحْو فَلُقِّبَ الْحَذَّاء، وَهُوَ خَالِد بْن مِهْرَانَ أَبُو الْمُنَازِل بِضَمِّ الْمِيم وَبِالزَّايِ وَاللَّامِ.
162- وَقَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: «شَهِدْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا» كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُول. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: صَوَابه (خَيْبَر) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. قَوْله: «يَا رَسُول اللَّه الرَّجُل الَّذِي قُلْت لَهُ آنِفًا إِنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار» أَيْ قُلْت فِي شَأْنه وَفِي سَبَبه. قَالَ الْفَرَّاء وَابْن الشَّجَرِيِّ وَغَيْرهمَا مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة: اللَّام قَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى (فِي) وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} أَيْ فيه. وَقَوْله: «آنِفًا» أَيْ قَرِيبًا، وَفيه لُغَتَانِ الْمَدُّ، وَهُوَ أَفْصَحُ، وَالْقَصْر. وَقَوْله: (فَكَادَ بَعْض الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْتَاب) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُول (أَنْ يَرْتَاب) فَأَثْبَت أَنْ مَعَ كَادَ وَهُوَ جَائِزٌ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ، وَكَادَ لِمُقَارَبَةِ الْفِعْل وَلَمْ يَفْعَل إِذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهَا نَفْيٌ، فَإِنْ تَقَدَّمَهَا كَقَوْلِك: مَا كَادَ يَقُوم كَانَتْ دَالَّة عَلَى الْقِيَام لَكِنْ بَعْد بُطْءٍ. كَذَا نَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعَرَب وَاللُّغَةِ. وَقَوْله: «ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاس إِنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُسْلِمَةٌ وَإِنَّ اللَّه يُؤَيِّد هَذَا الدِّين بِالرَّجُلِ الْفَاجِر» يَجُوز فِي إِنَّهُ وَإِنَّ كَسْر الْهَمْزَةِ، وَفَتْحهَا. وَقَدْ قُرِئَ فِي السَّبْع قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْرِهَا. ✯✯✯✯✯✯ 163- قَوْله: (يَعْقُوبُ الْقَارِيُّ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاء تَقَدَّمَ قَرِيبًا. و: (أَبُو حَازِمٍ) الرَّاوِي عَنْ سَهْل بْن سَعْد السَّاعِدِيِّ اِسْمه سَلَمَة بْن دِينَار. وَالرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَة اِسْمه سَلْمَانُ مَوْلَى عَزَّة. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَوْله: (لَا يَدَع لَهُمْ شَاذَّةً إِلَّا اِتَّبَعَهَا) الشَّاذُّ وَالشَّاذَّةُ الْخَارِج وَالْخَارِجَة عَنْ الْجَمَاعَة. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: أَنَّثَ الْكَلِمَةَ عَلَى مَعْنَى النَّسَمَة أَوْ تَشْبِيه الْخَارِج بِشَاذَّةِ الْغَنَم. وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدَع أَحَدًا عَلَى طَرِيق الْمُبَالَغَة. قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيِّ: يُقَال فُلَان لَا يَدَع شَاذَّة وَلَا فَاذَّة إِذَا كَانَ شُجَاعًا لَا يَلْقَاهُ أَحَدٌ إِلَّا قَتَلَهُ. وَهَذَا الرَّجُل الَّذِي كَانَ لَا يَدَع شَاذَّة وَلَا فَاذَّة اِسْمه (قُزْمَان) قَالَهُ الْخَطِيب الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: وَكَانَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ. وَقَوْله: (مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْم أَحَد مَا أَجْزَأَ فُلَان) مَهْمُوزٌ مَعْنَاهُ مَا أَغْنَى وَكَفَى أَحَد غِنَاءَهُ وَكِفَايَته. قَوْله: (فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم: أَنَا صَاحِبه) كَذَا فِي الْأُصُول. وَمَعْنَاهُ أَنَا أَصْحَبهُ فِي خُفْيَة وَأُلَازِمهُ لِأَنْظُر السَّبَب الَّذِي بِهِ يَصِير مِنْ أَهْل النَّارِ؛ فَإِنَّ فِعْله فِي الظَّاهِر جَمِيل وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار، فلابد لَهُ مِنْ سَبَبٍ عَجِيبٍ. قَوْله: (وَوَضَعَ ذُبَاب السَّيْف بَيْن ثَدْيَيْهِ) هُوَ بِضَمِّ الذَّال وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحَّدَة الْمُكَرَّرَة، وَهُوَ طَرَفه الْأَسْفَل. وَأَمَّا طَرَفه الْأَعْلَى فَمِقْبَضُهُ. وَقَوْله: (بَيْن ثَدْيَيْهِ) هُوَ تَثْنِيَة ثَدْيٍ بِفَتْحِ الثَّاء وَهُوَ يُذَكَّر عَلَى اللُّغَة الْفَصِيحَةِ الَّتِي اِقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْفَرَّاء وَثَعْلَبُ وَغَيْرهمَا. وَحَكَى اِبْن فَارِس وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرهمَا فيه التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث. قَالَ اِبْن فَارِس: الثَّدْي لِلْمَرْأَةِ، وَيُقَال لِذَلِكَ الْمَوْضِع مِنْ الرَّجُل: ثَنْدُوَة وَثُنْدُؤَة بِالْفَتْحِ بِلَا هَمْزَة وَبِالضَّمِّ مَعَ الْهَمْزَة. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالثَّدْي لِلْمَرْأَةِ وَلِلرَّجُلِ. فَعَلَى قَوْل اِبْن فَارِس يَكُونُ فِي هَذَا الْحَدِيث قَدْ اِسْتَعَارَ الثَّدْي لِلرَّجُلِ، وَجَمْع الثَّدْي أَثْدٍ وَثُدِيٌّ وَثِدِيٌّ بِضَمِّ الثَّاء وَكَسْرهَا. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُل لِيَعْمَل عَمَل أَهْل الْجَنَّة فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار، وَإِنَّ الرَّجُل لِيَعْمَل عَمَل أَهْل النَّار وَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة» فَفيه التَّحْذِير مِنْ الِاغْتِرَار بِالْأَعْمَالِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ لَا يَتَّكِل عَلَيْهَا، وَلَا يَرْكَن إِلَيْهَا مَخَافَةً مِنْ اِنْقِلَاب الْحَال لِلْقَدَرِ السَّابِق. وَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاصِي أَنْ لَا يَقْنَط وَلِغَيْرِهِ أَنْ لَا يُقَنِّطهُ مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى. وَمَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُل لِيَعْمَل عَمَل أَهْل الْجَنَّة وَإِنَّهُ مِنْ أَهْل النَّار وَكَذَا عَكْسه أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع. ✯✯✯✯✯✯ 164- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجَتْ بِرَجُلٍ قَرْحَة فَآذَتْهُ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَته فَنَكَأَهَا، فَلَمْ يَرْقَأ الدَّم حَتَّى مَاتَ» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (خَرَجَ بِهِ خُرَّاج) الْقَرْحَة بِفَتْحِ الْقَاف وَإِسْكَان الرَّاء وَهِيَ وَاحِدَة الْقُرُوح وَهِيَ حَبَّاتٌ تَخْرُجُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَالْكِنَانَةُ بِكَسْرِ الْكَاف وَهِيَ جَعْبَة النُّشَّاب مَفْتُوحَة الْجِيم سُمِّيَتْ كِنَانَة لِأَنَّهَا تَكِنُّ السِّهَام أَيْ تَسْتُرهَا. وَمَعْنَى (نَكَأَهَا) قَشَرَهَا وَخَرَقَهَا وَفَتَحَهَا وَهُوَ مَهْمُوز. وَمَعْنَى (لَمْ يَرْقَأ الدَّم) أَيْ لَمْ يَنْقَطِع وَهُوَ مَهْمُوز. يُقَال رَقَأَ الدَّم وَالدَّمْع يَرْقَأ رُقُوءًا مِثْل رَكَعَ يَرْكَع رُكُوعًا إِذَا سَكَنَ وَانْقَطَعَ. (وَالْخُرَاج) بِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَهُوَ الْقَرْحَة. قَوْله: (فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُون كَذَبَ) هُوَ نَوْع مِنْ تَأْكِيد الْكَلَام وَتَقْوِيَته فِي النَّفْس أَوْ الْإِعْلَام بِتَحْقِيقِهِ وَنَفْي تَطَرُّق الْخَلَل إِلَيْهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. أَمَّا أَحْكَام: الْحَدِيث وَمَعَانِيهَا فَفيها بَيَان غِلَظ تَحْرِيم قَتْل النَّفْس، وَالْيَمِين الْفَاجِرَة الَّتِي يَقْتَطِع بِهَا مَال غَيْره، وَالْحَلِف بِمِلَّةٍ غَيْر الْإِسْلَام كَقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ إِنْ كَانَ كَذَا أَوْ وَاَللَّاتِي وَالْعُزَّى وَشِبْه ذَلِكَ. وَفيها أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يَلْزَم بِهَذَا النَّذْر شَيْء. وَفيها تَغْلِيظ تَحْرِيم لَعَنْ الْمُسْلِم وَهَذَا لَا خِلَاف فيه. قَالَ الْإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزَالِيِّ وَغَيْره: لَا يَجُوز لَعْن أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا الدَّوَابِّ، وَلَا فَرْق بَيْن الْفَاسِق وَغَيْره، وَلَا يَجُوزُ لَعْن أَعْيَان الْكُفَّار حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا إِلَّا مَنْ عَلِمْنَا بِالنَّصِّ أَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا كَأَبِي لَهَبٍ وَأَبِي جَهْل وَشِبْههمَا، وَيَجُوز لَعْن طَائِفَتِهِمْ كَقَوْلِك: لَعَنَ اللَّهُ الْكُفَّار، وَلَعَنَ اللَّه الْيَهُود وَالنَّصَارَى. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَة فَلَمَّا آذَتْهُ اِنْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَته فَنَكَأَهَا فَلَمْ يَرْقَأ الدَّم حَتَّى مَاتَ قَالَ رَبُّكُمْ قَدْ حَرَّمْت عَلَيْهِ الْجَنَّة» فَقَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّه فيه: يُحْتَمَل أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِلًّا، أَوْ يُحْرَمهَا حِين يَدْخُلهَا السَّابِقُونَ وَالْأَبْرَار، أَوْ يُطِيل حِسَابه، أَوْ يُحْبَس فِي الْأَعْرَاف. هَذَا كَلَام الْقَاضِي قُلْت: وَيُحْتَمَل أَنَّ شَرْع أَهْل ذَلِكَ الْعَصْر تَكْفِير أَصْحَاب الْكَبَائِر ثُمَّ إِنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَكَأَهَا اِسْتِعْجَالًا لِلْمَوْتِ أَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى طَرِيق الْمُدَاوَاة الَّتِي يَغْلِب عَلَى الظَّنِّ نَفْعُهَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 65 .
66 باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه 3952- قَوْله: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرْب الْحَيَوَان فِي الْوَجْه، وَعَنْ الْوَسْم فِي الْوَجْه» وَفِي رِوَايَة: «مَرَّ عَلَيْهِ حِمَار وَقَدْ وُسِمَ فِي وَجْهه فَقَالَ: لَعَنَ اللَّه الَّذِي وَسَمَهُ» وَفِي رِوَايَة اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «فَأَنْكَرَ ذَلِكَ قَالَ: فَوَاللَّهِ لَا أَسِمهُ إِلَّا فِي أَقْصَى شَيْء مِنْ الْوَجْه، فَأَمَرَ بِحِمَارِ لَهُ فَكُوِيَ فِي جَاعِرَتَيْهِ، فَهُوَ أَوَّل مَنْ كَوَى الْجَاعِرَتَيْنِ» أَمَّا الْوَسْم فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة، هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَعْرُوف فِي الرِّوَايَات وَكُتُب الْحَدِيث. قَالَ الْقَاضِي: ضَبَطْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ. قَالَ: وَبَعْضهمْ يَقُولهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ، وَبَعْضهمْ فَرَّقَ فَقَالَ: بِالْمُهْمَلَةِ فِي الْوَجْه، وَبِالْمُعْجَمَةِ فِي سَائِر الْجَسَد. وَأَمَّا الْجَاعِرَتَانِ فَهُمَا حَرْفَا الْوَرِك الْمُشْرِفَانِ مِمَّا يَلِي الدُّبُر. وَأَمَّا الْقَائِل: فَوَاللَّهِ لَا أَسِمهُ إِلَّا فِي أَقْصَى شَيْء مِنْ الْوَجْه فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هُوَ الْعَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلَب، كَذَا ذَكَرَهُ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ فِي كِتَاب مُسْلِم مُشْكِل، يُوهَم أَنَّهُ مِنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّوَاب أَنَّهُ قَوْل الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا. هَذَا كَلَام الْقَاضِي. وَقَوْله: يُوهِم أَنَّهُ مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ هُوَ بِظَاهِرٍ فيه، بَلْ ظَاهِره أَنَّهُ مِنْ كَلَام اِبْن عَبَّاس، وَحِينَئِذٍ يَجُوز أَنْ تَكُون الْقَضِيَّة جَرَتْ لَلْعَبَّاس وَلِابْنِهِ. وَأَمَّا الضَّرْب فِي الْوَجْه فَمَنْهِيّ عَنْهُ فِي كُلّ الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم مِنْ الْآدَمِيّ وَالْحَمِير وَالْخَيْل وَالْإِبِل وَالْبِغَال وَالْغَنَم وَغَيْرهَا، لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيّ أَشَدّ، لِأَنَّهُ مَجْمَع الْمَحَاسِن، مَعَ أَنَّهُ لَطِيف لِأَنَّهُ يَظْهَر فيه أَثَر الضَّرْب، وَرُبَّمَا شَانَهُ، وَرُبَّمَا آذَى بَعْض الْحَوَاسّ. وَأَمَّا الْوَسْم فِي الْوَجْه فَمَنْهِيّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ لِلْحَدِيثِ، وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ. فَأَمَّا الْآدَمِيّ فَوَسْمه حَرَام لِكَرَامَتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَيْهِ، فَلَا يَجُوز تَعْذِيبه. وَأَمَّا غَيْر الْآدَمِيّ فَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا: يُكْرَه، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا: لَا يَجُوز فَأَشَارَ إِلَى تَحْرِيمه، وَهُوَ الْأَظْهَر لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ فَاعِله، وَاللَّعْن يَقْتَضِي التَّحْرِيم. وَأَمَّا وَسْم غَيْر الْوَجْه مِنْ غَيْر الْآدَمِيّ فَجَائِز بِلَا خِلَاف عِنْدنَا. لَكِنْ يُسْتَحَبّ فِي نَعَم الزَّكَاة وَالْجِزْيَة، وَلَا يُسْتَحَبّ فِي غَيْرهَا، وَلَا يَنْهَى عَنْهُ. قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْوَسْم أَثَر كَيَّة، يُقَال: بَعِير مَوْسُوم، وَقَدْ وَسَمَهُ يَسِمهُ وَسْمًا وَسِمَة، وَالْمِيسَم الشَّيْء الَّذِي يُوسَم بِهِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح السِّين، وَجَمْعه مَيَاسِمُ وَمَوَاسِم، وَأَصْله كُلّه مِنْ السِّمَة، وَهِيَ الْعَلَامَة، وَمِنْهُ مَوْسِم الْحَجّ أَيْ مَعْلَم جَمْع النَّاس، وَفُلَان مَوْسُوم بِالْخَيْرِ، وَعَلَيْهِ سِمَة الْخَيْر أَيْ عَلَامَته، وَتَوَسَّمْت فيه كَذَا أَيْ رَأَيْت فيه عَلَامَته. وَاللَّه أَعْلَم.
3953- سبق شرحه بالباب. ✯✯✯✯✯✯ 3954- سبق شرحه بالباب. 66.
67 باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله 3961- قَوْله: «جَاءَتْ اِمْرَأَة فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ لِي اِبْنَة عُرَيِّسًا، أَصَابَتْهَا حَصْبَة، فَتَمَرَّقَ شَعْرهَا، أَفَأَصِلهُ؟ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّه الْوَاصِلَة وَالْمُسْتَوْصِلَة» وَفِي رِوَايَة: «فَتَمَرَّقَ شَعْر رَأْسهَا، وَزَوْجهَا يَسْتَحْسِنهَا، أَفَأَصِل شَعْرهَا يَا رَسُول اللَّه؟ فَنَهَاهَا» وَفِي رِوَايَة: «أَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرَّطَ شَعْرهَا» وَفِي رِوَايَة: «فَاشْتَكَتْ فَتَسَاقَطَ شَعْرهَا، وَأَنَّ زَوْجهَا يُرِيدهَا» أَمَّا (تَمَرَّقَ) فَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَة، وَهُوَ بِمَعْنَى تَسَاقَطَ، وَتَمَرَّطَ، كَمَا ذُكِرَ فِي بَاقِي الرِّوَايَات. وَلَمْ يَذْكُر الْقَاضِي فِي الشَّرْح إِلَّا الرَّاء الْمُهْمَلَة كَمَا ذَكَرْنَا، وَحَكَاهُ فِي الْمَشَارِق عَنْ جُمْهُور الرُّوَاة، ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَة مِنْ رُوَاة صَحِيح مُسْلِم أَنَّهُ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَة. قَالَ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَعْنَى الْأَوَّل، وَلَكِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَل فِي الشَّعْر فِي حَال الْمَرَض. وَأَمَّا قَوْلهَا: «إِنَّ لِي اِبْنَة عُرَيِّسًا» فَبِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح الرَّاء وَتَشْدِيد الْيَاء الْمَكْسُورَة، تَصْغِير عَرُوس، وَالْعَرُوس يَقَع عَلَى الْمَرْأَة وَالرَّجُل عِنْد الدُّخُول بِهَا، وَأَمَّا (الْحَصْبَة) فَبِفَتْحِ الْحَاء وَإِسْكَان الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَيُقَال أَيْضًا: بِفَتْحِ الصَّاد وَكَسْرهَا ثَلَاث لُغَات حَكَاهُنَّ جَمَاعَة، وَالْإِسْكَان أَشْهَر، وَهِيَ بَثْرٌ تَخْرُج فِي الْجِلْد، يَقُول مِنْهُ حَصِبَ جِلْده بِكَسْرِ الصَّاد يَحْصِب. وَأَمَّا الْوَاصِلَة فَهِيَ الَّتِي تَصِل شَعْر الْمَرْأَة بِشَعْرٍ آخَر، وَالْمُسْتَوْصِلَة الَّتِي تَطْلُب مَنْ يَفْعَل بِهَا ذَلِكَ، وَيُقَال لَهَا: مَوْصُولَة. وَهَذِهِ الْأَحَادِيث صَرِيحَة فِي تَحْرِيم الْوَصْل، وَلَعْن الْوَاصِلَة وَالْمُسْتَوْصِلَة مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر الْمُخْتَار، وَقَدْ فَصَّلَهُ أَصْحَابنَا فَقَالُوا: إِنْ وَصَلَتْ شَعْرهَا بِشَعْرِ آدَمِيّ فَهُوَ حَرَام بِلَا خِلَاف، سَوَاء كَانَ شَعْر رَجُل أَوْ اِمْرَأَة، وَسَوَاء شَعْر الْمُحَرَّم وَالزَّوْج وَغَيْرهمَا بِلَا خِلَاف لِعُمُومِ الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّهُ يَحْرُم الِانْتِفَاع بِشَعْرِ الْآدَمِيّ وَسَائِر أَجْزَائِهِ لِكَرَامَتِهِ، بَلْ يُدْفَن شَعْره وَظُفْره وَسَائِر أَجْزَائِهِ. وَإِنْ وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ غَيْر آدَمِيّ فَإِنْ كَانَ شَعْرًا نَجَسًا وَهُوَ شَعْر الْمَيْتَة وَشَعْر مَا لَا يُؤْكَل إِذَا اِنْفَصَلَ فِي حَيَاته فَهُوَ حَرَام أَيْضًا لِلْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ حَمَلَ نَجَاسَة فِي صَلَاته وَغَيْرهَا عَمْدًا، وَسَوَاء فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الْمُزَوَّجَة وَغَيْرهَا مِنْ النِّسَاء وَالرِّجَال. وَأَمَّا الشَّعْر الطَّاهِر مِنْ غَيْر الْآدَمِيّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْج وَلَا سَيِّد فَهُوَ حَرَام أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ فَثَلَاثَة أَوْجُه: أَحَدهَا لَا يَجُوز لِظَاهِرِ الْأَحَادِيث، وَالثَّانِي لَا يَحْرُم، وَأَصَحّهَا عِنْدهمْ إِنْ فَعَلَتْهُ بِإِذْنِ الزَّوْج أَوْ السَّيِّد جَازَ، وَإِلَّا فَهُوَ حَرَام. قَالُوا: وَأَمَّا تَحْمِير الْوَجْه وَالْخِضَاب بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيف الْأَصَابِع فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْج وَلَا سَيِّد أَوْ كَانَ وَفَعَلَتْهُ بِغَيْرِ إِذْنه فَحَرَام، وَإِنْ أَذِنَ جَازَ عَلَى الصَّحِيح. هَذَا تَلْخِيص كَلَام أَصْحَابنَا فِي الْمَسْأَلَة، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمَسْأَلَة، فَقَالَ مَالِك وَالطَّبَرِيّ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ: الْوَصْل مَمْنُوع بِكُلِّ شَيْء سَوَاء وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ أَوْ صُوف أَوْ خِرَق، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِر الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِم بَعْد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ أَنْ تَصِل الْمَرْأَة بِرَأْسِهَا شَيْئًا. وَقَالَ اللَّيْث بْن سَعْد: النَّهْي مُخْتَصّ بِالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ، وَلَا بَأْس بِوَصْلِهِ بِصُوفِ وَخِرَق وَغَيْرهَا. وَقَالَ بَعْضهمْ: يَجُوز جَمِيع ذَلِكَ، وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ عَائِشَة، وَلَا يَصِحّ عَنْهَا، بَلْ الصَّحِيح عَنْهَا كَقَوْلِ الْجُمْهُور. قَالَ الْقَاضِي: فَأَمَّا رَبْط خُيُوط الْحَرِير الْمُلَوَّنَة وَنَحْوهَا مِمَّا لَا يُشْبِه الشَّعْر فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْلٍ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَقْصُود الْوَصْل، إِنَّمَا هُوَ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّحْسِين. قَالَ: وَفِي الْحَدِيث أَنَّ وَصْل الشَّعْر مِنْ الْمَعَاصِي الْكَبَائِر لِلَعْنِ فَاعِله. وَفيه أَنَّ الْمُعِين عَلَى الْحَرَام يُشَارِك فَاعِله فِي الْإِثْم، كَمَا أَنَّ الْمُعَاوِن فِي الطَّاعَة يُشَارِك فِي ثَوَابهَا. وَاللَّه أَعْلَم. ✯✯✯✯✯✯ 3962- قَوْلهَا: «وَزَوْجهَا يَسْتَحْسِنهَا» فَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمَاعَة مِنْ النُّسَخ بِإِسْكَانِ الْحَاء، وَبَعْدهَا سِين مَكْسُورَة، ثُمَّ نُون. مِنْ الِاسْتِحْسَان أَيْ يَسْتَحْسِنهَا فَلَا يَصْبِر عَنْهَا، وَيَطْلُب تَعْجِيلهَا إِلَيْهِ. وَوَقَعَ فِي كَثِير مِنْهَا: «يَسْتَحِثّهَا» بِكَسْرِ الْحَاء، وَبَعْدهَا ثَاء مُثَلَّثَة، ثُمَّ نُون، ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة تَحْت، مِنْ الْحَثّ، وَهُوَ سُرْعَة الشَّيْء: «يَسْتَحِثّنِيهَا» وَفِي بَعْضهَا بَعْد الْحَاء ثَاء مُثَلَّثَة فَقَطْ. وَاللَّه أَعْلَم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْوَصْل حَرَام سَوَاء كَانَ لِمَعْذُورَةٍ أَوْ عَرُوس أَوْ غَيْرهمَا.
3966- قَوْله: «لَعَنَ اللَّه الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالنَّامِصَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَات خَلْق اللَّه». أَمَّا (الْوَاشِمَة) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة فَفَاعِلَة الْوَشْم، وَهِيَ أَنْ تَغْرِز إِبْرَة أَوْ مِسَلَّة أَوْ نَحْوهمَا فِي ظَهْر الْكَفّ أَوْ الْمِعْصَم أَوْ الشَّفَة أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ بَدَن الْمَرْأَة حَتَّى يَسِيل الدَّم، ثُمَّ تَحْشُو ذَلِكَ الْمَوْضِع بِالْكُحْلِ أَوْ النُّورَة، فَيَخْضَرّ، وَقَدْ يُفْعَل ذَلِكَ بِدَارَات وَنُقُوش، وَقَدْ تُكَثِّرهُ وَقَدْ تُقَلِّلهُ، وَفَاعِلَة هَذَا وَاشِمَة، وَقَدْ وَشَمِتَ تَشِم وَشْمًا، وَالْمَفْعُول بِهَا مَوْشُومَة. فَإِنْ طَلَبَتْ فِعْل ذَلِكَ بِهَا فَهِيَ مُسْتَوْشِمَة، وَهُوَ حَرَام عَلَى الْفَاعِلَة وَالْمَفْعُول بِهَا بِاخْتِيَارِهَا، وَالطَّالِبَة لَهُ، وَقَدْ يُفْعَل بِالْبِنْتِ وَهِيَ طِفْلَة فَتَأْثَم الْفَاعِلَة، وَلَا تَأْثَم الْبِنْت لِعَدَمِ تَكْلِيفهَا حِينَئِذٍ. قَالَ أَصْحَابنَا: هَذَا الْمَوْضِع الَّذِي وُشِمَ يَصِير نَجَسًا، فَإِنْ أَمْكَنَ إِزَالَته بِالْعِلَاجِ وَجَبَتْ إِزَالَته، وَإِنْ لَمْ يُمْكِن إِلَّا بِالْجَرْحِ فَإِنْ خَافَ مِنْهُ التَّلَف أَوْ فَوَات عُضْو أَوْ مَنْفَعَة عُضْو أَوْ شَيْئًا فَاحِشًا فِي عُضْو ظَاهِر لَمْ تَجِب إِزَالَته، فَإِذَا بَانَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِثْم، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوه لَزِمَهُ إِزَالَته، وَيَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ. وَسَوَاء فِي هَذَا كُلّه الرَّجُل وَالْمَرْأَة. وَاللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا (النَّامِصَة) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة فَهِيَ الَّتِي تُزِيل الشَّعْر مِنْ الْوَجْه، وَالْمُتَنَمِّصَة الَّتِي تَطْلُب فِعْل ذَلِكَ بِهَا، وَهَذَا الْفِعْل حَرَام إِلَّا إِذَا نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَة أَوْ شَوَارِب، فَلَا تَحْرُم إِزَالَتهَا، بَلْ يُسْتَحَبّ عِنْدنَا. وَقَالَ اِبْن جَرِير: لَا يَجُوز حَلْق لِحْيَتهَا وَلَا عَنْفَقَتهَا وَلَا شَارِبهَا، وَلَا تَغْيِير شَيْء مِنْ خِلْقَتهَا بِزِيَادَةِ وَلَا نَقْص. وَمَذْهَبنَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اِسْتِحْبَاب إِزَالَة اللِّحْيَة وَالشَّارِب وَالْعَنْفَقَة، وَأَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَوَاجِب وَمَا فِي أَطْرَاف الْوَجْه. وَرَوَاهُ بَعْضهمْ (الْمُنْتَمِصَة) بِتَقْدِيمِ النُّون، وَالْمَشْهُور تَأْخِيرهَا، وَيُقَال لِلْمِنْقَاشِ مِنْمَاص بِكَسْرِ الْمِيم. وَأَمَّا (الْمُتَفَلِّجَات) بِالْفَاءِ وَالْجِيم، وَالْمُرَاد مُفَلِّجَات الْأَسْنَان بِأَنْ تَبْرُد مَا بَيْن أَسْنَانهَا الثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّات، وَهُوَ مِنْ الْفَلَج بِفَتْحِ الْفَاء وَاللَّام، وَهِيَ فُرْجَة بَيْن الثَّنَايَا وَالرُّبَاعِيَّات، وَتَفْعَل ذَلِكَ الْعَجُوز وَمَنْ قَارَبْتهَا فِي السِّنّ إِظْهَارًا لِلصِّغَرِ وَحُسْن الْأَسْنَان، لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْجَة اللَّطِيفَة بَيْن الْأَسْنَان تَكُون لِلْبَنَاتِ الصِّغَار، فَإِذَا عَجَزَتْ الْمَرْأَة كَبُرَتْ سِنّهَا وَتَوَحَّشَتْ فَتَبْرُدهَا بِالْمِبْرَدِ لِتَصِيرَ لَطِيفَة حَسَنَة الْمَنْظَر، وَتُوهِم كَوْنهَا صَغِيرَة، وَيُقَال لَهُ أَيْضًا الْوَشْر، وَمِنْهُ لَعْن الْوَاشِرَة وَالْمُسْتَوْشِرَة، وَهَذَا الْفِعْل حَرَام عَلَى الْفَاعِلَة وَالْمَفْعُول بِهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّهُ تَغْيِير لِخَلْقِ اللَّه تَعَالَى، وَلِأَنَّهُ تَزْوِير وَلِأَنَّهُ تَدْلِيس. وَأَمَّا قَوْله: «الْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ» فَمَعْنَاهُ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلْحُسْنِ، وَفيه إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْحَرَام هُوَ الْمَفْعُول لِطَلَبِ الْحُسْن، أَمَّا لَوْ اِحْتَاجَتْ إِلَيْهِ لِعِلَاجٍ أَوْ عَيْب فِي السِّنّ وَنَحْوه فَلَا بَأْس وَاللَّه أَعْلَم. قَوْله: «لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعهَا» قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ لَمْ نُصَاحِبهَا، وَلَمْ نَجْتَمِع نَحْنُ وَهِيَ، بَلْ كُنَّا نُطَلِّقهَا وَنُفَارِقهَا. قَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَل أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَطَأهَا، وَهَذَا ضَعِيف، وَالصَّحِيح مَا سَبَقَ، فَيُحْتَجّ بِهِ فِي أَنَّ مَنْ عِنْده اِمْرَأَة مُرْتَكِبَة مَعْصِيَة كَالْوَصْلِ أَوْ تَرْك الصَّلَاة أَوْ غَيْرهمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَلِّقهَا. وَاللَّه أَعْلَم. قَوْله: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْن فَرُّوخ حَدَّثَنَا جَرِير حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا الْإِسْنَاد مِمَّا اِسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِم، وَقَالَ: الصَّحِيح عَنْ الْأَعْمَش إِرْسَاله. قَالَ: وَلَمْ يَسْنُدهُ عَنْهُ غَيْر جَرِير، وَخَالَفَهُ أَبُو مُعَاوِيَة وَغَيْره فَرَوَوْهُ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم مُرْسَلًا. قَالَ: وَالْمَتْن صَحِيح مِنْ رِوَايَة مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم يَعْنِي كَمَا ذَكَرَهُ فِي الطُّرُق السَّابِقَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد فيه أَرْبَعَة تَابِعِيُّونَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، وَهُمْ جَرِير وَالْأَعْمَش وَإِبْرَاهِيم وَعَلْقَمَة، وَقَدْ رَأَى جَرِير رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَة، وَسَمِعَ أَبَا الطُّفَيْل، وَهُوَ صَحَابِيّ وَاللَّه أَعْلَم.
3968- قَوْله: (إِنَّ مُعَاوِيَة تَنَاوَلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر قُصَّة مِنْ شَعْر كَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيّ)، قَالَ الْأَصْمَعِيّ وَغَيْره: هِيَ شَعْر مُقَدَّم الرَّأْس الْمُقْبِل عَلَى الْجَبْهَة، وَقِيلَ: شَعْر النَّاصِيَة. وَالْحَرَسِيّ كَالشُّرْطِيِّ وَهُوَ غُلَام الْأَمِير. قَوْله: (يَا أَهْل الْمَدِينَة أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) هَذَا السُّؤَال لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِإِهْمَالِهِمْ إِنْكَار هَذَا الْمُنْكَر وَغَفْلَتهمْ عَنْ تَغْيِيره. وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا اِعْتِنَاء الْخُلَفَاء وَسَائِر وُلَاة الْأُمُور بِإِنْكَارِ الْمُنْكَر، وَإِشَاعَة إِزَالَته، وَتَوْبِيخ مَنْ أَهْمَلَ إِنْكَاره مِمَّنْ تَوَجَّهَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيل حِين اِتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ» قَالَ الْقَاضِي: قِيلَ: يُحْتَمَل أَنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ، فَعُوقِبُوا بِاسْتِعْمَالِهِ، وَهَلَكُوا بِسَبَبِهِ. وَقِيلَ: يُحْتَمَل أَنَّ الْهَلَاك كَانَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِمَّا اِرْتَكَبُوهُ مِنْ الْمَعَاصِي، فَعِنْد ظُهُور ذَلِكَ فيهمْ هَلَكُوا. وَفيه مُعَاقَبَة الْعَامَّة بِظُهُورِ الْمُنْكَر.
3969- قَوْله: «وَأَخْرَجَ كُبَّة مِنْ شَعْر» هِيَ بِضَمِّ الْكَاف وَتَشْدِيد الْبَاء، وَهِيَ شَعْر مَكْفُوف بَعْضه عَلَى بَعْض. 67.
68 المتشبهات بالرجال باب منع المخنث من الدخول على النساء الاجانب 4048- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ» إِشَارَة إِلَى جَمِيع الْمُخَنَّثِينَ لِمَا رَأَى مِنْ وَصْفهمْ لِلنِّسَاءِ، وَمَعْرِفَتهمْ مَا يَعْرِفهُ لِلرِّجَالِ مِنْهُنَّ. قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُخَنَّث ضَرْبَانِ: أَحَدهمَا مِنْ خُلِقَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَتَكَلَّف التَّخَلُّق بِأَخْلَاقِ النِّسَاء، وَزِيّهنَّ، وَكَلَامهنَّ، وَحَرَكَاتهنَّ، بَلْ هُوَ خِلْقَة خَلَقَهُ اللَّه عَلَيْهَا فَهَذَا لَاذِمٌ عَلَيْهِ، وَلَا عَتَبَ، وَلَا إِثْم وَلَا عُقُوبَة؛ لِأَنَّهُ مَعْذُور لَا صُنْع لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا دُخُوله عَلَى النِّسَاء، وَلَا خَلْقه الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ حِين كَانَ مِنْ أَصْل خِلْقَته، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ مَعْرِفَته لِأَوْصَافِ النِّسَاء، وَلَمْ يُنْكِر صِفَته وَكَوْنه مُخَنَّثًا. الضَّرْب الثَّانِي مِنْ الْمُخَنَّث هُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ خِلْقَة، بَلْ يَتَكَلَّف أَخْلَاق النِّسَاء وَحَرَكَاتهنَّ وَهَيْئَاتهنَّ وَكَلَامهنَّ، وَيَتَزَيَّا بِزِيِّهِنَّ، فَهَذَا هُوَ الْمَذْمُوم الَّذِي جَاءَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة لَعْنه، وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيث الْآخَر: «لَعَنَ اللَّه الْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاء بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَال» وَأَمَّا الضَّرْب الْأَوَّل فَلَيْسَ بِمَلْعُونٍ، وَلَوْ كَانَ مَلْعُونًا لَمَا أَقَرَّهُ أَوَّلًا. وَاللَّه أَعْلَم.
4049- قَوْلهَا: «كَانَ يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّث، فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة، فَدَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، وَهُوَ عِنْد بَعْض نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَت اِمْرَأَة قَالَ: إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعِ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ، قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَرَى هَذَا يَعْرِف مَا هَاهُنَا لَا يَدْخُل عَلَيْكُنَّ فَحَجَبُوهُ». قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْمُخَنَّث هُوَ بِكَسْرِ النُّون وَفَتْحهَا، وَهُوَ الَّذِي يُشْبِه النِّسَاء فِي أَخْلَاقه وَكَلَامه وَحَرَكَاته، وَتَارَة يَكُون هَذَا خُلُقه مِنْ الْأَصْل، وَتَارَة بِتَكَلُّفٍ، وَسَنُوضِحُهُمَا. قَالَ أَبُو عُبَيْد وَسَائِر الْعُلَمَاء: مَعْنَى قَوْله: «تُقْبَل بِأَرْبَعِ، وَتُدْبِر بِثَمَانٍ» أَيْ أَرْبَع عُكَن، وَثَمَان عُكَن. قَالُوا: وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا أَرْبَع عُكَن تُقْبَل بِهِنَّ، مِنْ كُلّ نَاحِيَة ثِنْتَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدَة طَرَفَانِ، فَإِذَا أَدْبَرَتْ صَارَتْ الْأَطْرَاف ثَمَانِيَة. قَالُوا: وَإِنَّمَا ذَكَرَ فَقَالَ بِثَمَانٍ، وَكَانَ أَصْله أَنْ يَقُول: بِثَمَانِيَةٍ، فَإِنَّ الْمُرَاد الْأَطْرَاف، وَهِيَ مُذَكَّرَة، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُر لَفْظ الْمُذَكَّر، وَمَتَى لَمْ يَذْكُرهُ جَازَ حَذْف الْهَاء كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَان وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال» سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة هُنَاكَ وَاضِحَة. وَأَمَّا دُخُول هَذَا الْمُخَنَّث أَوَّلًا عَلَى أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ بَيَّنَ سَبَبه فِي هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة، وَأَنَّهُ مُبَاح دُخُوله عَلَيْهِنَّ، فَلَمَّا سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْكَلَام عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أُولِي الْإِرْبَة، فَمَنَعَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّخُول. فَفيه مَنْع الْمُخَنَّث مِنْ الدُّخُول عَلَى النِّسَاء، وَمَنْعهنَّ مِنْ الظُّهُور عَلَيْهِ، وَبَيَان أَنَّ لَهُ حُكْم الرِّجَال الْفُحُول الرَّاغِبِينَ فِي النِّسَاء فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَكَذَا حُكْم الْخَصِيّ وَالْمَجْبُوب ذَكَرَهُ. وَاللَّه أَعْلَم. وَاخْتُلِفَ فِي اِسْم هَذَا الْمُخَنَّث. قَالَ الْقَاضِي: الْأَشْهَر أَنَّ اِسْمه (هِيت) بِكَسْرِ الْهَاء وَمُثَنَّاة تَحْت سَاكِنَة ثُمَّ مُثَنَّاة فَوْق. قَالَ: وَقِيلَ: صَوَابه (هَنَب) بِالنُّونِ وَالْبَاء الْمُوَحَّدَة قَالَهُ اِبْن دَرَسْتَوَيْهِ، وَقَالَ: إِنَّمَا سِوَاهُ تَصْحِيف. قَالَ: وَالْهَنَب الْأَحْمَق، وَقِيلَ (مَاتِع) بِالْمُثَنَّاةِ فَوْق مَوْلَى فَاخِتَة الْمَخْزُومِيَّة، وَجَاءَ هَذَا فِي حَدِيث آخَر ذُكِرَ فيه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّبَ مَاتِعًا هَذَا وَهِيتًا إِلَى الْحِمَى، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ. وَذَكَرَ أَبُو مَنْصُور الْبَادَرْدِيّ نَحْو الْحِكَايَة عَنْ مُخَنَّث كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ (أَنَهُ) وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُ إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد. وَالْمَحْفُوظ أَنَّهُ هِيت. قَالَ الْعُلَمَاء: وَإِخْرَاجه وَنَفيه كَانَ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدهَا الْمَعْنَى الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث أَنَّهُ كَانَ يَظُنّ أَنَّهُ مِنْ غَيْر أُولَى الْإِرْبَة، وَكَانَ مِنْهُمْ، وَيَتَكَتَّم بِذَلِكَ. وَالثَّانِي وَصْفه النِّسَاء وَمَحَاسِنهنَّ وَعَوْرَاتهنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَال، وَقَدْ نَهَى أَنْ تَصِف الْمَرْأَة لِزَوْجِهَا، فَكَيْف إِذَا وَصَفَهَا الرَّجُل لِلرِّجَالِ؟ وَالثَّالِث أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِع مِنْ النِّسَاء وَأَجْسَامهنَّ وَعَوْرَاتهنَّ عَلَى مَا لَا يَطَّلِع عَلَيْهِ كَثِير مِنْ النِّسَاء، فَكَيْف الرِّجَال لاسيما عَلَى مَا جَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم أَنَّهُ وَصَفَهَا حَتَّى وَصَفَ مَا بَيْن رِجْلَيْهَا أَيْ فَرْجهَا وَحَوَالَيْهِ. وَاللَّه أَعْلَم. 68 .
69. باب النهي عن لعن الدواب وغيرها
4699- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاقَة الَّتِي لَعَنَتْهَا الْمَرْأَة: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَة» وَفِي رِوَايَة: «لَا تُصَاحِبنَا نَاقَة عَلَيْهَا لَعْنَة» إِنَّمَا قَالَ هَذَا زَجْرًا لَهَا وَلِغَيْرِهَا، وَكَانَ قَدْ سَبَقَ نَهْيهَا وَنَهْي غَيْرهَا عَنْ اللَّعْن، فَعُوقِبَتْ بِإِرْسَالِ النَّاقَة، وَالْمُرَاد النَّهْي عَنْ مُصَاحَبَته لِتِلْكَ النَّاقَة فِي الطَّرِيق، وَأَمَّا بَيْعهَا وَذَبْحهَا وَرُكُوبهَا فِي غَيْر مُصَاحَبَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَات الَّتِي كَانَتْ جَائِزَة قَبْل هَذَا فَهِيَ بَاقِيَة عَلَى الْجَوَاز؛ لِأَنَّ الشَّرْع إِنَّمَا وَرَدَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُصَاحَبَة، فَبَقِيَ الْبَاقِي كَمَا كَانَ. وَقَوْله: (نَاقَة وَرْقَاء) بِالْمَدِّ أَيْ يُخَالِط بَيَاضهَا سَوَاد، وَالذَّكَر أَوْرَق، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَوْنهَا كَلَوْنِ الرَّمَاد. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَأَعْرُوهَا» هُوَ بِهَمْزَةِ قَطْع وَبِضَمِّ الرَّاء يُقَال: أَعْرَيْته وَعَرَّيْته إِعْرَاء وَتَعْرِيَة فَتَعَرَّى، وَالْمُرَاد هُنَا خُذُوا مَا عَلَيْهَا مِنْ الْمَتَاع وَرَحْلهَا وَآلَتهَا.
4700- قَوْله: (فَقَالَتْ: حِلْ) هِيَ كَلِمَة زَجْرٍ لِلْإِبِلِ وَاسْتِحْثَاث يُقَال: حِلْ حِلْ بِإِسْكَانِ اللَّام فيهمَا. قَالَ الْقَاضِي: وَيُقَال أَيْضًا: حِلٍ حِلٍ بِكَسْرِ اللَّام فيهمَا بِالتَّنْوِينِ وَبِغَيْرِ تَنْوِين.
4701- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقِ أَنْ يَكُون لَعَّانًا وَلَا يَكُون اللَّعَّانُونَ شُهَدَاء وَلَا شُفَعَاء يَوْم الْقِيَامَة» فيه الزَّجْر عَنْ اللَّعْن، وَأَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يَكُون فيه هَذِهِ الصِّفَات الْجَمِيلَة، لِأَنَّ اللَّعْنَة فِي الدُّعَاء يُرَاد بِهَا الْإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى، وَلَيْسَ الدُّعَاء بِهَذَا مِنْ أَخْلَاق الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ بَيْنهمْ وَالتَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى، وَجَعَلَهُمْ كَالْبُنْيَانِ يَشُدّ بَعْضه بَعْضًا، وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِد، وَأَنَّ الْمُؤْمِن يُحِبّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ، فَمَنْ دَعَا عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِم بِاللَّعْنَةِ، وَهِيَ الْإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى. فَهُوَ مِنْ نِهَايَة الْمُقَاطَعَة وَالتَّدَابُر، وَهَذَا غَايَة مَا يَوَدّهُ الْمُسْلِم لِلْكَافِرِ، وَيَدْعُو عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح: «لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ» لِأَنَّ الْقَاتِل يَقْطَعهُ عَنْ مَنَافِع الدُّنْيَا، وَهَذَا يَقْطَعهُ عَنْ نَعِيم الْآخِرَة وَرَحْمَة اللَّه تَعَالَى. وَقِيلَ: مَعْنَى لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ فِي الْإِثْم، وَهَذَا أَظْهَر.
4702- قَوْله: (بَعَثَ إِلَى أُمّ الدَّرْدَاء بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْده) بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَبَعْدهَا نُون ثُمَّ جِيم، وَهُوَ جَمْع نَجَد بِفَتْحِ النُّون وَالْجِيم، وَهُوَ مَتَاع الْبَيْت الَّذِي يُزَيِّنهُ مِنْ فُرُش وَنَمَارِق وَسُتُور، وَقَالَهُ الْجَوْهَرِيّ بِإِسْكَانِ الْجِيم. قَالَ: وَجَمْعه نُجُود حَكَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْد فَهُمَا لُغَتَانِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن مَاهَان بِخَادِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، وَالْمَشْهُور الْأَوَّل.
4703- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاء وَلَا شُهَدَاء» فَمَعْنَاهُ لَا يَشْفَعُونَ يَوْم الْقِيَامَة حِين يُشَفَّع الْمُؤْمِنُونَ فِي إِخْوَانهمْ الَّذِينَ اِسْتَوْجَبُوا النَّار، «وَلَا شُهَدَاء» فيه ثَلَاثَة أَقْوَال: أَصَحّهَا وَأَشْهَرهَا لَا يَكُونُونَ شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة عَلَى الْأُمَم بِتَبْلِيغِ رُسُلهمْ إِلَيْهِمْ الرِّسَالَات، وَالثَّانِي لَا يَكُونُونَ شُهَدَاء فِي الدُّنْيَا أَيْ لَا تُقْبَل شَهَادَتهمْ لِفِسْقِهِمْ، وَالثَّالِث لَا يُرْزَقُونَ الشَّهَادَة وَهِيَ الْقَتْل فِي سَبِيل اللَّه، وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُون لَعَّانًا، وَلَا يَكُون اللَّعَّانُونَ شُفَعَاء بِصِيغَةِ التَّكْثِير، وَلَمْ يَقُلْ: لَاعِنًا وَاللَّاعِنُونَ لِأَنَّ هَذَا الذَّمّ فِي الْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ اللَّعْن، لَا لِمَرَّةٍ وَنَحْوهَا، وَلِأَنَّهُ يَخْرُج مِنْهُ أَيْضًا اللَّعْن الْمُبَاح، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْع بِهِ، وَهُوَ لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ، لَعَنَ اللَّه الْيَهُود وَالنَّصَارَى، لَعَنَ اللَّه الْوَاصِلَة وَالْوَاشِمَة، وَشَارِب الْخَمْر وَآكِل الرِّبَا وَمُوكِله وَكَاتِبه وَشَاهِدَيْهِ، وَالْمُصَوِّرِينَ، وَمَنْ اِنْتَمَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ، وَتَوَلَّى غَيْر مَوَالِيه، وَغَيَّرَ مَنَار الْأَرْض، وَغَيْرهمْ مِمَّنْ هُوَ مَشْهُور فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة. 69.
70 باب النهي عن صبر البهايم 3616- قَوْله: «نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِم» وَفِي رِوَايَة: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فيه الرُّوح غَرَضًا» قَالَ الْعُلَمَاء: صَبْر الْبَهَائِم: أَنْ تُحْبَس وَهِيَ حَيَّة لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوه، وَهُوَ مَعْنَى: لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فيه الرُّوح غَرَضًا، أَيْ لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَان الْحَيّ غَرَضًا تَرْمُونَ إِلَيْهِ، كَالْغَرَضِ مِنْ الْجُلُود وَغَيْرهَا، وَهَذَا النَّهْي لِلتَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر الَّتِي بَعْد هَذِهِ: «لَعَنْ اللَّه مَنْ فَعَلَ هَذَا» وَلِأَنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَاف لِنَفْسِهِ، وَتَضْيِيع لِمَالِيَّتِهِ، وَتَفْوِيت لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى، وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى.
3619- قَوْله: «نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ» هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ: «طَيْرًا» وَالْمُرَاد بِهِ وَاحِد وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة أَنَّ الْوَاحِد يُقَال لَهُ: طَائِر، وَالْجَمْع طَيْر، وَفِي لُغَة قَلِيلَة إِطْلَاق الطَّيْر عَلَى الْوَاحِد. وَهَذَا الْحَدِيث جَارٍ عَلَى تِلْكَ اللُّغَة. قَوْله: «وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْر كُلّ خَاطِئَة مِنْ نَبْلهمْ» هُوَ بِهَمْزِ خَاطِئَة أَيْ مَا لَمْ يُصِبْ الْمَرْمَى، وَقَوْله: (خَاطِئَة) لُغَة، وَالْأَفْصَح مُخْطِئَة، يُقَال لِمَنْ قَصَدَ شَيْئًا فَأَصَابَ غَيْره غَلَطًا: أَخْطَأَ فَهُوَ مُخْطِئ، وَفِي لُغَة قَلِيلَة: خَطَأ فَهُوَ خَاطِئ. وَهَذَا الْحَدِيث جَاءَ عَلَى اللُّغَة الثَّانِيَة، حَكَاهَا أَبُو عُبَيْد وَالْجَوْهَرِيّ وَغَيْرهمَا. وَاللَّهُ أَعْلَم. 70.
71 باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله 3657- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِده، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّه، وَلَعَنَ اللَّه مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّه مَنْ غَيَّرَ مَنَار الْأَرْض»، وَفِي الرِّوَايَة: «لَعَنَ اللَّه مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ» أَمَّا لَعْن الْوَالِد وَالْوَالِدَة فَمِنْ الْكَبَائِر، وَسَبَقَ ذَلِكَ مَشْرُوحًا وَاضِحًا فِي كِتَاب الْإِيمَان، وَالْمُرَاد بِمَنَارِ الْأَرْض- بِفَتْحِ الْمِيم- عَلَامَات حُدُودهَا، وَأَمَّا الْمُحْدِث- بِكَسْرِ الدَّال- فَهُوَ مَنْ يَأْتِي بِفَسَادٍ فِي الْأَرْض، وَسَبَقَ شَرْحه فِي آخِر كِتَاب الْحَجّ. وَأَمَّا الذَّبْح لِغَيْرِ اللَّه فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَذْبَح بِاسْمِ غَيْر اللَّه تَعَالَى كَمَنْ ذَبَحَ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيب أَوْ لِمُوسَى أَوْ لِعِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا أَوْ لِلْكَعْبَةِ وَنَحْو ذَلِكَ، فَكُلّ هَذَا حَرَام، وَلَا تَحِلّ هَذِهِ الذَّبِيحَة، سَوَاء كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا، فَإِنْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ تَعْظِيم الْمَذْبُوح لَهُ غَيْر اللَّه تَعَالَى وَالْعِبَادَة لَهُ كَانَ ذَلِكَ كُفْرًا، فَإِنْ كَانَ الذَّابِح مُسْلِمًا قَبْل ذَلِكَ صَارَ بِالذَّبْحِ مُرْتَدًّا، وَذَكَرَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا: أَنَّ مَا يُذْبَح عِنْد اِسْتِقْبَال السُّلْطَان تَقَرُّبًا إِلَيْهِ أَفْتَى أَهْل بُخَارَة بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا أُهِّلَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّه تَعَالَى، قَالَ الرَّافِعِيّ: هَذَا إِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ اِسْتِبْشَارًا بِقُدُومِهِ فَهُوَ كَذَبْحِ الْعَقِيقَة لِوِلَادَةِ الْمَوْلُود، وَمِثْل هَذَا لَا يُوجِب التَّحْرِيم، وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله: (إِنَّ عَلِيًّا غَضِبَ حِين قَالَ لَهُ رَجُل: مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسِرّ إِلَيْك؟ إِلَى آخِره) فيه إِبْطَال مَا تَزْعُمهُ الرَّافِضَة وَالشِّيعَة وَالْإِمَامِيَّة مِنْ الْوَصِيَّة إِلَى عَلِيّ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ اِخْتِرَاعَاتهمْ. وَفيه جَوَاز كِتَابَة الْعِلْم، وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ الْآن، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْر الْمَسْأَلَة فِي مَوَاضِع.
3659- قَوْله: (مَا خَصَّنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمّ بِهِ النَّاس كَافَّة إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَاب سَيْفِي) هَكَذَا تُسْتَعْمَل (كَافَّة) حَالًا، وَأَمَّا مَا يَقَع فِي كَثِير مِنْ كُتُب الْمُصَنِّفِينَ مِنْ اِسْتِعْمَالهَا مُضَافَة وَبِالتَّعْرِيفِ كَقَوْلِهِمْ: (هَذَا قَوْل كَافَّة الْعُلَمَاء) (وَمَذْهَب الْكَافَّة) فَهُوَ خَطَأ مَعْدُود فِي لَحْن الْعَوَامّ وَتَحْرِيفهمْ. وَقَوْله: (قِرَاب سَيْفِي) هُوَ بِكَسْرِ الْقَاف، وَهُوَ وِعَاء مِنْ جِلْد أَلْطَف مِنْ الْجِرَاب، يَدْخُل فيه السَّيْف بِغِمْدِهِ وَمَا خَفَّ مِنْ الْآلَة. وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله: (أَصَبْت شَارِفًا) هِيَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَبِالْفَاءِ وَهِيَ النَّاقَة الْمُسِنَّة، وَجَمْعهَا: شُرُف بِضَمِّ الرَّاء وَإِسْكَانهَا. قَوْله: (أُرِيدَ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع، فَأَسْتَعِين بِهِ عَلَى وَلِيمَة فَاطِمَة) أَمَّا (قَيْنُقَاع) فَبِضَمِّ النُّون وَكَسْرهَا وَفَتْحهَا، وَهُمْ طَائِفَة مِنْ يَهُود الْمَدِينَة، فَيَجُوز صَرْفه عَلَى إِرَادَة الْحَيّ، وَتَرْك صَرْفه عَلَى إِرَادَة الْقَبِيلَة أَوْ الطَّائِفَة، وَفيه اِتِّخَاذ الْوَلِيمَة لِلْعُرْسِ، سَوَاء فِي ذَلِكَ مَنْ لَهُ مَال كَثِير، وَمَنْ دُونه، وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي كِتَاب النِّكَاح، وَفيه: جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الْأَعْمَال وَالِاكْتِسَاب بِالْيَهُودِيِّ، وَفيه: جَوَاز الِاحْتِشَاش لِلتَّكَسُّبِ وَبَيْعه، وَأَنَّهُ لَا يُنْقِص الْمُرُوءَة، وَفيه: جَوَاز بَيْع الْوَقُود لِلصَّوَّاغِينَ وَمُعَامَلَتهمْ. قَوْله: (مَعَهُ قَيْنَة تُغَنِّيه) الْقَيْنَة بِفَتْحِ الْقَاف الْجَارِيَة الْمُغَنِّيَة. قَوْله: (أَلَا يَا حَمْز لِلشُّرُف النِّوَاء) الشُّرُف بِضَمِّ الشِّين وَالرَّاء وَتَسْكِين الرَّاء أَيْضًا كَمَا سَبَقَ جَمْع شَارِف، وَالنِّوَاء بِكَسْرِ النُّون وَتَخْفِيف الْوَاو وَبِالْمَدِّ أَيْ السِّمَان، جَمْع نَاوِيَة وَبِالتَّخْفِيفِ، وَهِيَ السَّمِينَة، وَقَدْ نَوَتْ النَّاقَة تَنْوِي، كَرَمَتْ تَرْمِي، يُقَال لَهَا ذَلِكَ إِذَا سَمِنَتْ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّوَاء أَنَّهَا بِكَسْرِ النُّون، وَبِالْمَدِّ هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا، وَيَقَع فِي بَعْض النُّسَخ النَّوَى بِالْيَاءِ، وَهُوَ تَحْرِيف، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: رَوَاهُ اِبْن جَرِير: (ذَا الشَّرَف النَّوَى) بِفَتْحِ الشِّين وَالرَّاء وَبِفَتْحِ النُّون مَقْصُورًا قَالَ: وَفَسَّرَهُ بِالْبُعْدِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَر الْمُحَقِّقِينَ، قَالَ: وَهُوَ غَلَط فِي الرِّوَايَة وَالتَّفْسِير، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْر مُسْلِم تَمَام هَذَا الشِّعْر. أَلَا يَا حَمْز لِلشُّرُف النِّوَاء وَهُنَّ مُعَقَّلَات بِالْفَنَاءِ ضَعْ السِّكِّين فِي اللَّبَّات مِنْهَا وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَة بِالدِّمَاءِ وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبهَا لِشُرْبٍ قَدِيدًا مِنْ طَبِيخ أَوْ شِوَاء قَوْله: (فَجَبَّ أَسْنِمَتهمَا) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (اِجْتَبَّ)، وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيّ: (أَجَبَّ) وَهَذِهِ غَرِيبَة فِي اللُّغَة، وَالْمَعْنَى: قَطَعَ. قَوْله: (وَبَقَر خَوَاصِرهمَا) أَيْ شَقَّهَا، وَهَذَا الْفِعْل الَّذِي جَرَى مِنْ حَمْزَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ شُرْبه الْخَمْر وَقَطْع أَسْنِمَة النَّاقَتَيْنِ، وَبَقْر خَوَاصِرهمَا وَأَكْل لَحْمهمَا، وَغَيْر ذَلِكَ لَا إِثْم عَلَيْهِ فِي شَيْء مِنْهُ. أَمَّا أَصْل الشُّرْب وَالسُّكْر فَكَانَ مُبَاحًا؛ لِأَنَّهُ قَبْل تَحْرِيم الْخَمْر، وَأَمَّا مَا قَدْ يَقُولهُ بَعْض مَنْ لَا تَحْصِيل لَهُ إِنَّ السُّكْر لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِل لَا أَصْل لَهُ، وَلَا يُعْرَف أَصْلًا، وَأَمَّا بَاقِي الْأُمُور فَجَرَتْ مِنْهُ فِي حَال عَدَم التَّكْلِيف فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فيها كَمَنْ شَرِبَ دَوَاءً لِحَاجَةٍ فَزَالَ بِهِ عَقْله أَوْ شَرِبَ شَيْئًا يَظُنّهُ خَلًّا فَكَانَ خَمْرًا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْب الْخَمْر فَشَرِبَهَا وَسَكِرَ فَهُوَ فِي حَال السُّكْر غَيْر مُكَلَّف، وَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِيمَا يَقَع مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَال بِلَا خِلَاف، وَأَمَّا غَرَامَة مَا أَتْلَفَهُ فَيَجِب فِي مَاله، فَلَعَلَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْد مَعْرِفَته بِقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ، أَوْ أَنَّهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ حَمْزَة بَعْد ذَلِكَ أَوْ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّاهُ عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ عِنْده، وَكَمَال حَقّه وَمَحَبَّته إِيَّاهُ وَقَرَابَته، وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَاب عُمَر بْن شَيْبَة مِنْ رِوَايَة أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّمَ حَمْزَة النَّاقَتَيْنِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ السَّكْرَان مِنْ الْأَمْوَال يَلْزَمهُ ضَمَانه كَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّ الضَّمَان لَا يُشْتَرَط فيه التَّكْلِيف، وَلِهَذَا أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابه فِي قَتْل الْخَطَأ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة، وَأَمَّا هَذَا السَّنَام الْمَقْطُوع فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ نَحْرهمَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيّ فَهُوَ مَيِّت، وَفيه حَدِيث مَشْهُور فِي كُتُب السُّنَن، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ ذَكَّاهُمَا، وَيَدُلّ عَلَيْهِ الشِّعْر الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ كَانَ ذَكَّاهُمَا فَلَحْمهمَا حَلَال بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَإِسْحَاق وَدَاوُد أَنَّهُ لَا يَحِلّ مَا ذَبَحَهُ سَارِق أَوْ غَاضِب أَوْ مُتَعَمِّد، وَالصَّوَاب الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور: حِلّه، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَّاهُمَا وَثَبَتَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ أَكْل فِي حَالَة السُّكْر الْمُبَاح وَلَا إِثْم فيه كَمَا سَبَقَ. وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله: «فَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَهْقِر»، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى» قَالَ جُمْهُور أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ: الْقَهْقَرَى: الرُّجُوع إِلَى وَرَاء وَوَجْهه إِلَيْك إِذَا ذَهَبَ عَنْك، وَقَالَ أَبُو عَمْرو: وَهُوَ الْإِحْضَار فِي الرُّجُوع، أَيْ الْإِسْرَاع؛ فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ: خَرَجَ مُسْرِعًا، وَالْأَوَّل هُوَ الْمَشْهُور وَالْمَعْرُوف، وَإِنَّمَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى خَوْفًا مِنْ أَنْ يَبْدُو مِنْ حَمْزَة رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَمْر يَكْرَههُ لَوْ وَلَّاهُ ظَهْره لِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا بِالسُّكْرِ. 71 .
72 باب بيان غلظ تحريم النميمة 151- قَوْله: (لَا يَدْخُل الْجَنَّة نَمَّام) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْره: يُقَال: نَمَّ الْحَدِيث يَنُمّهُ وَيَنِمّهُ بِكَسْرِ النُّون وَضَمّهَا نَمًّا، وَالرَّجُل نَمَّام وَنَمٌّ وَقَتّه يَقُتّهُ بِضَمِّ الْقَاف قَتًّا قَالَ الْعُلَمَاء: النَّمِيمَة نَقْل كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ بَيْنهمْ. قَالَ الْإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّه فِي الْإِحْيَاء: اِعْلَمْ أَنَّ النَّمِيمَة إِنَّمَا تُطْلَق فِي الْأَكْثَر عَلَى مَنْ يَنِمّ قَوْل الْغَيْر إِلَى الْمَقُولِ فيه، كَمَا تَقُول: فُلَان يَتَكَلَّم فِيك بِكَذَا، قَالَ: وَلَيْسَتْ النَّمِيمَة مَخْصُوصَة بِهَذَا بَلْ حَدُّ النَّمِيمَةِ كَشْف مَا يُكْرَه كَشْفه سَوَاء كَرِهَهُ الْمَنْقُول عَنْهُ، أَوْ الْمَنْقُول إِلَيْهِ، أَوْ ثَالِث، وَسَوَاء كَانَ الْكَشْف بِالْكِنَايَةِ أَوْ بِالرَّمْزِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ، فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إِفْشَاءُ السِّرِّ، وَهَتْك السِّتْر عَمَّا يَكْرَه كَشْفه، فَلَوْ رَآهُ يُخْفِي مَالًا لِنَفْسِهِ فَذَكَره فَهُوَ نَمِيمَة، قَالَ: وَكُلُّ مَنْ حَمَلْت إِلَيْهِ نَمِيمَة، وَقِيلَ لَهُ: فُلَان يَقُول فِيك، أَوْ يَفْعَل فِيك كَذَا، فَعَلَيْهِ سِتَّة أُمُور:الْأَوَّل: أَلَّا يُصَدِّقُهُ لِأَنَّ النَّمَّام فَاسِقٌ. الثَّانِي: أَنْ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَنْصَحهُ وَيُقَبِّح لَهُ فِعْله. الثَّالِث: أَنْ يُبْغِضهُ فِي اللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ بَغِيضٌ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى، وَيَجِب بُغْض مَنْ أَبْغَضه اللَّه تَعَالَى. الرَّابِع: أَلَّا يَظُنَّ بِأَخِيهِ الْغَائِب السُّوء. الْخَامِس: أَلَّا يَحْمِلهُ مَا حُكِيَ لَهُ عَلَى التَّجَسُّس وَالْبَحْث عَنْ ذَلِكَ. السَّادِس: أَلَّا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا نُهِيَ النَّمَّام عَنْهُ؛ فَلَا يَحْكِي نَمِيمَته عَنْهُ، فَيَقُول: فُلَان حَكَى كَذَا فَيَصِير بِهِ نَمَّامًا، وَيَكُون آتِيًا مَا نُهِيَ عَنْهُ. هَذَا آخِر كَلَام الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُ اللَّه. وَكُلّ هَذَا الْمَذْكُور فِي النَّمِيمَة إِذَا لَمْ يَكُنْ فيها مَصْلَحَة شَرْعِيَّة فَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَيْهَا فَلَا مَنْع مِنْهَا؛ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا أَخْبَرَهُ بِأَنَّ إِنْسَانًا يُرِيد الْفَتْك بِهِ، أَوْ بِأَهْلِهِ، أَوْ بِمَالِهِ، أَوْ أَخْبَرَ الْإِمَام، أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ بِأَنَّ إِنْسَانًا يَفْعَل كَذَا، وَيَسْعَى بِمَا فيه مَفْسَدَة. وَيَجِب عَلَى صَاحِب الْوِلَايَةِ الْكَشْف عَنْ ذَلِكَ وَإِزَالَته. فَكُلّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَقَدْ يَكُون بَعْضه وَاجِبًا، وَبَعْضه مُسْتَحَبًّا عَلَى حَسَب الْمَوَاطِن. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي الْإِسْنَاد (فَرُّوخ) وَهُوَ غَيْر مَصْرُوف تَقَدَّمَ مَرَّات. وَفيه (الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفَتْح الْمُوَحَّدَةِ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُل الْجَنَّة نَمَّامٌ» فَفيه التَّأْوِيلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي نَظَائِره: أَحَدهمَا: يُحْمَل عَلَى الْمُسْتَحِلِّ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، مَعَ الْعِلْم بِالتَّحْرِيمِ. وَالثَّانِي لَا يَدْخُلهَا دُخُول الْفَائِزِينَ. وَاَللَّه أَعْلَم.
152- وَقَوْله (قَتَّات) وَهُوَ مِثْل الْأَوَّل. فَالْقَتَّات هُوَ النَّمَّام وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَاف وَتَشْدِيد التَّاء الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق.
153- وَقَوْله فِي الْإِسْنَاد الْأَخِير (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة إِلَى آخِرَة) كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ إِلَّا حُذَيْفَة بْن الْيَمَان فَإِنَّهُ اِسْتَوْطَنَ الْمَدَائِن.
154- فيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَة لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَة، وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم». قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث مَرَّات: «الْمُسْبِل وَالْمَنَّان وَالْمُنْفِق سِلْعَته بِالْحَلِفِ الْكَاذِب» وَفِي رِوَايَة: «الْمَنَّان الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّهُ، وَالْمُسْبِل إِزَاره» وَفِي رِوَايَة: «شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّاب، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ» وَفِي رِوَايَة: «رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنْ اِبْن السَّبِيل، وَرَجُل بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْد الْعَصْر فَحَلَفَ لَهُ بِاَللَّهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْر ذَلِكَ، وَرَجُل بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ». أَمَّا أَلْفَاظ أَسْمَاء الْبَاب فَفيه (عَلِيّ بْن مُدْرِك) بِضَمِّ الْمِيم وَإِسْكَان الدَّال الْمُهْمَلَة وَكَسْر الرَّاءِ. وَفيه (خَرَشَة) بِخَاءِ مُعْجَمَة ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ. وَفيه (أَبُو زُرْعَة) وَهُوَ اِبْن عَمْرو بْن جَرِير، وَتَقَدَّمَ مَرَّات الْخِلَاف فِي اِسْمه، وَأَنَّ الْأَشْهَر فيه هَرَم. وَأَمَّا أَلْفَاظ اللُّغَة وَنَحْوهَا فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه وَلَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ» هُوَ عَلَى لَفْظِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ. قِيلَ: مَعْنَى: «لَا يُكَلِّمهُمْ» أَيْ لَا يُكَلِّمهُمْ تَكْلِيم أَهْل الْخَيْرَاتِ بِإِظْهَارِ الرِّضَا، بَلْ بِكَلَامِ أَهْل السُّخْط وَالْغَضَب، وَقِيلَ: الْمُرَاد الْإِعْرَاض عَنْهُمْ. وَقَالَ جُمْهُور الْمُفَسِّرِينَ: لَا يُكَلِّمهُمْ كَلَامًا يَنْفَعهُمْ وَيَسُرّهُمْ، وَقِيلَ: لَا يُرْسِل إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة بِالتَّحِيَّةِ. وَمَعْنَى: «لَا يَنْظُر إِلَيْهِمْ» أَيْ: يُعْرِض عَنْهُمْ. وَنَظَرُهُ- سُبْحَانه وَتَعَالَى- لِعِبَادِهِ- رَحْمَته وَلُطْفه بِهِمْ. وَمَعْنَى (لَا يُزَكِّيهِمْ) لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَس ذُنُوبِهِمْ. وَقَالَ الزَّجَّاج وَغَيْره: مَعْنَاهُ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ. وَمَعْنَى (عَذَابٌ أَلِيمٌ) مُؤْلِم. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُوَ الْعَذَاب الَّذِي يَخْلُص إِلَى قُلُوبهمْ وَجَعُهُ. قَالَ: وَالْعَذَاب كُلُّ مَا يُعْيِي الْإِنْسَانَ وَيَشُقّ عَلَيْهِ. قَالَ وَأَصْل الْعَذَاب فِي كَلَام الْعَرَبِ مِنْ الْعَذْب وَهُوَ الْمَنْع. يُقَال: عَذَبْته عَذْبًا إِذَا مَنَعْته، وَعَذُبَ عُذُوبًا أَيْ اِمْتَنَعَ، وَسُمِّيَ الْمَاء عَذْبًا لِأَنَّهُ يَمْنَع الْعَطَش، فَسُمِّيَ الْعَذَاب عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَع الْمُعَاقَب مِنْ مُعَاوَدَة مِثْل جُرْمه، وَيَمْنَع غَيْره مِنْ مِثْل فِعْله. وَاَللَّه أَعْلَم.
155- وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُنْفِق سِلْعَته بِالْحَلِفِ الْفَاجِر» فَهُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَة الْأُخْرَى (بِالْحَلِفِ الْكَاذِب) وَيُقَال (الْحَلِف) بِكَسْرِ اللَّام وَإِسْكَانهَا. وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْإِسْكَان اِبْن السِّكِّيت فِي أَوَّل إِصْلَاح الْمَنْطِق. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْبِل إِزَارَهُ» فَمَعْنَاهُ الْمُرْخِي لَهُ، الْجَارّ طَرَفه خُيَلَاء. كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيث الْآخَر: «لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبه خُيَلَاء» وَالْخُيَلَاء الْكِبْر. وَهَذَا التَّقْيِيد بِالْجَرِّ خُيَلَاء يُخَصِّص عُمُوم الْمُسْبِل إِزَاره وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْوَعِيدِ مَنْ جَرَّهُ خُيَلَاء. وَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لِأَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَقَالَ: «لَسْت مِنْهُمْ» إِذْ كَانَ جَرَّهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاء. وَقَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْن جَرِيرٍ الطَّبَرِيّ وَغَيْره: وَذَكَرَ إِسْبَال الْإِزَار وَحْده لِأَنَّهُ كَانَ عَامَّةَ لِبَاسِهِمْ، وَحُكْم غَيْره مِنْ الْقَمِيص وَغَيْره حُكْمه. قُلْت: وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ مِنْ كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَة سَالِم بْن عَبْد اللَّه عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِسْبَال فِي الْإِزَار وَالْقَمِيص وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاء لَمْ يَنْظُر اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة» رَوَاه أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَاَللَّه أَعْلَم.
156- فيه (أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) هُوَ أَبُو حَازِم سَلْمَان الْأَغَرّ مَوْلَى عَزَّة. وَأَمَّا تَخْصِيصه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيث: «الشَّيْخ الزَّانِي وَالْمَلِك الْكَذَّاب وَالْعَائِل الْمُسْتَكْبِر» بِالْوَعِيدِ الْمَذْكُور: فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: سَبَبه أَنَّ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمْ اِلْتَزَمَ الْمَعْصِيَة الْمَذْكُورَة مَعَ بُعْدِهَا مِنْهُ، وَعَدَم ضَرُورَته إِلَيْهَا، وَضَعْف دَوَاعِيهَا عِنْده؛ وَإِنْ كَانَ لَا يُعْذَر أَحَدٌ بِذَنْبٍ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي ضَرُورَة مُزْعِجَة، وَلَا دَوَاعِي مُعْتَادَة، أَشْبَهَ إِقْدَامُهُمْ عَلَيْهَا الْمُعَانَدَةَ، وَالِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى، وَقَصْد مَعْصِيَته لَا لِحَاجَةٍ غَيْرهَا؛ فَإِنَّ الشَّيْخ لِكَمَالِ عَقْله وَتَمَام مَعْرِفَته بِطُولِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَان، وَضَعْف أَسْبَاب الْجِمَاع وَالشَّهْوَة لِلنِّسَاءِ، وَاخْتِلَال دَوَاعِيهِ لِذَلِكَ، عِنْدَهُ مَا يُرِيحهُ مِنْ دَوَاعِي الْحَلَال فِي هَذَا وَيُخَلِّي سِرَّهُ مِنْهُ فَكَيْف بِالزِّنَا الْحَرَام، وَإِنَّمَا دَوَاعِي ذَلِكَ الشَّبَاب، وَالْحَرَارَة الْغَرِيزِيَّة، وَقِلَّة الْمَعْرِفَة، وَغَلَبَة الشَّهْوَة لِضَعْفِ الْعَقْل، وَصِغَر السِّنّ. وَكَذَلِكَ الْإِمَام لَا يَخْشَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ، وَلَا يَحْتَاج إِلَى مُدَاهَنَته وَمُصَانَعَته؛ فَإِنَّ الْإِنْسَان إِنَّمَا يُدَاهِن وَيُصَانِع بِالْكَذِبِ وَشِبْهه مَنْ يَحْذَرُهُ، وَيَخْشَى أَذَاهُ وَمُعَاتَبَتَه، أَوْ يَطْلُب عِنْده بِذَلِكَ مَنْزِلَة أَوْ مَنْفَعَة، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْكَذِب مُطْلَقًا. وَكَذَلِكَ الْعَائِلُ الْفَقِيرُ قَدْ عَدِمَ الْمَال وَإِنَّمَا سَبَب الْفَخْر وَالْخُيَلَاء وَالتَّكَبُّر وَالِارْتِفَاع عَلَى الْقُرَنَاء الثَّرْوَة فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا فيها، وَحَاجَات أَهْلهَا إِلَيْهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْده أَسْبَابهَا فَلِمَاذَا يَسْتَكْبِر وَيَحْتَقِر غَيْره؟ فَلَمْ يَبْقَ فِعْله، وَفِعْل الشَّيْخِ الزَّانِي، وَالْإِمَام الْكَاذِب، إِلَّا لِضَرْبٍ مِنْ الِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم. وَوَقَعَ فِي مُعْظَم الْأُصُول فِي هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة: «ثَلَاثٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّه» بِحَذْفِ الْهَاء وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَعْنَى ثَلَاث أَنْفُس. وَجَاءَ الضَّمِير فِي يُكَلِّمهُمْ مُذَكَّرًا عَلَى الْمَعْنَى وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم.
157- فيه (أَبُو صَالِح) وَهُوَ ذَكْوَان، تَقَدَّمَ. وَفيه (سَعِيد بْن عَمْرو الْأَشْعَثِيّ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَالْعَيْن الْمُهْمَلَة وَالثَّاء الْمُثَلَّثَة مَنْسُوب إِلَى جَدّه الْأَشْعَث بْن قَيْس الْكِنْدِيِّ فَإِنَّهُ سَعِيد بْن عَمْرو بْن سَهْل اِبْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد الْأَشْعَث بْن قَيْس الْكِنْدِيّ. وَفيه (عَبْثَر) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَبَعْدهَا بَاءَ مُوَحَّدَة سَاكِنَة ثُمَّ ثَاء مُثَلَّثَة. وَأَمَّا (الْفَلَاة) بِفَتْحِ الْفَاء فَهِيَ الْمَفَازَة وَالْقَفْر الَّتِي لَا أَنِيس بِهَا. وَأَمَّا الثَّلَاثَة فِي الرِّوَايَة الْأَخِيرَة فَمِنْهُمْ. رَجُلٌ مَنَعَ فَضْل الْمَاء مِنْ اِبْن السَّبِيل الْمُحْتَاج وَلَا شَكَّ فِي غِلَظ تَحْرِيم مَا فَعَلَ، وَشِدَّة قُبْحِهِ. فَإِذَا كَانَ مَنْ يَمْنَع فَضْل الْمَاءِ الْمَاشِيَةَ عَاصِيًا فَكَيْف بِمَنْ يَمْنَعُهُ الْآدَمِيَّ الْمُحْتَرَم فَإِنَّ الْكَلَام فيه. فَلَوْ كَانَ اِبْن السَّبِيل غَيْر مُحْتَرَم كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ لَمْ يَجِب بَذْلُ الْمَاءِ لَهُ. وَأَمَّا الْحَالِف كَاذِبًا بَعْد الْعَصْر فَمُسْتَحِقّ هَذَا الْوَعِيد وَخَصَّ مَا بَعْد الْعَصْر لِشَرَفِهِ بِسَبَبِ اِجْتِمَاع مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَمَّا مُبَايِع الْإِمَام عَلَى الْوَجْه الْمَذْكُورِ فَمُسْتَحِقّ هَذَا الْوَعِيد لِغِشِّهِ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامهمْ، وَتَسَبُّبِهِ إِلَى الْفِتَن بَيْنهمْ بِنَكْثِهِ بَيْعَته لاسيما إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. 72.
73 المقتطع حقا بيمينه باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار 196- فيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ النَّار وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة فَقَالَ لَهُ رَجُل: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: وَإِنْ قَضِيب مِنْ أَرَاكٍ» وَفيه (مَوْلَى الْحُرَقَةِ) بِضَمِّ الْحَاء وَفَتْح الرَّاء وَهِيَ بَطْن مِنْ جُهَيْنَة تَقَدَّمَ بَيَانه مَرَّات. وَفيه (مَعْبَد بْن كَعْب السَّلَمِيّ) بِفَتْحِ السِّين وَاللَّام مَنْسُوب إِلَى بَنِي سَلِمَة بِكَسْرِ اللَّام مِنْ الْأَنْصَار وَفِي النَّسَب بِفَتْحِ اللَّام عَلَى الْمَشْهُور عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة وَغَيْرهمْ وَقِيلَ: يَجُوز كَسْر اللَّام فِي النَّسَب أَيْضًا. وَفيه عَبْد اللَّه بْن كَعْب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيّ، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن كَعْب يُحَدِّث أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْحَارِثِيّ حَدَّثَهُ) اِعْلَمْ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ هَذَا لَيْسَ هُوَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ صُدَيّ بْن عَجْلَان الْمَشْهُور بَلْ هَذَا غَيْره وَاسْم هَذَا إِيَاس بْن ثَعْلَبَة الْأَنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ مِنْ بَنِي الْحَارِث اِبْن الْخَزْرَج. وَقِيلَ: إِنَّهُ بَلْوِيّ وَهُوَ حَلِيف بَنِي حَارِثَة وَهُوَ اِبْن أُخْت أَبِي بُرْدَة بْن نَيَّار هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اِسْمه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيُّ: اِسْمه عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة، وَيُقَال ثَعْلَبَة بْن عَبْد اللَّه. ثُمَّ اِعْلَمْ أَنَّ هُنَا دَقِيقَة لابد مِنْ التَّنْبِيه عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي أَسْمَاء الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ذَكَرَ كَثِير مِنْهُمْ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ هَذَا الْحَارِثِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تُوُفِّيَ عِنْد اِنْصِرَاف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُد، فَصَلَّى عَلَيْهِ. وَمُقْتَضَى هَذَا التَّارِيخ أَنْ يَكُون هَذَا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِم مُنْقَطِعًا فَإِنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب تَابِعِيّ فَكَيْف يَسْمَع مَنْ تُوُفِّيَ عَام أُحُد فِي السَّنَة الثَّالِثَة مِنْ الْهِجْرَة؟ وَلَكِنَّ هَذَا النَّقْل فِي وَفَاة أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَعْب أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة، فَهَذَا تَصْرِيح بِسَمَاعِ عَبْد اللَّه بْن كَعْب التَّابِعِيّ مِنْهُ، فَبَطَلَ مَا قِيلَ فِي وَفَاته. وَلَوْ كَانَ مَا قِيلَ فِي وَفَاته صَحِيحًا لَمْ يُخَرِّج مُسْلِم حَدِيثه، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْإِمَام أَبُو الْبَرَكَات الْجَزَرِيّ الْمَعْرُوف بِابْنِ الْأَثِير حَيْثُ أَنْكَرَ فِي كِتَابه مَعْرِفَة الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ هَذَا الْقَوْل فِي وَفَاته. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفيه: «وَإِنْ قَضِيب مِنْ أَرَاك» هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض الْأُصُول أَوْ أَكْثَرهَا وَفِي كَثِير مِنْهَا (وَإِنْ قَضِيبًا) عَلَى أَنَّهُ خَبَر كَانَ الْمَحْذُوفَة، أَوْ أَنَّهُ مَفْعُول لِفِعْلٍ مَحْذُوف تَقْدِيره وَإِنْ اِقْتَطَعَ قَضِيبًا. وَأَمَّا أَحْكَام الْبَاب فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم بِيَمِينِهِ إِلَى آخِره» فيه لَطِيفَة وَهِيَ أَنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَقّ اِمْرِئٍ» يَدْخُل فيه مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْر مَال كَجِلْدِ الْمَيْتَة وَالسِّرْجِين وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَات الَّتِي يُنْتَفَع بِهَا، وَكَذَا سَائِر الْحُقُوق الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالٍ كَحَدِّ الْقَذْف، وَنَصِيب الزَّوْجَة فِي الْقَسْم وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ النَّار وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة» فَفيه الْجَوَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ الْمُتَكَرِّرَانِ فِي نَظَائِره أَحَدهمَا أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْمُسْتَحِلّ لِذَلِكَ إِذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْفُر وَيُخَلَّد فِي النَّار، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ فَقَدْ اِسْتَحَقَّ النَّار، وَيَجُوز الْعَفْو عَنْهُ، وَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُول الْجَنَّة أَوَّل وَهْلَة مَعَ الْفَائِزِينَ. وَأَمَّا تَقْيِيده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِ فَلَيْسَ يَدُلّ عَلَى عَدَم تَحْرِيم حَقّ الذِّمِّيّ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْوَعِيد الشَّدِيد وَهُوَ أَنَّهُ يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان لِمَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ الْمُسْلِم. وَأَمَّا الذِّمِّيّ فَاقْتِطَاع حَقّه حَرَام لَكِنْ لَيْسَ يَلْزَم أَنْ تَكُون فيه هَذِهِ الْعُقُوبَة الْعَظِيمَة. هَذَا كُلّه عَلَى مَذْهَب مَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَقُول بِهِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه: تَخْصِيص الْمُسْلِم لِكَوْنِهِمْ الْمُخَاطَبِينَ وَعَامَّة الْمُتَعَامِلِينَ فِي الشَّرِيعَة، لَا أَنَّ غَيْر الْمُسْلِم بِخِلَافِهِ، بَلْ حُكْمه حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَة لِمَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ الْمُسْلِم وَمَاتَ قَبْل التَّوْبَة. أَمَّا مَنْ تَابَ فَنَدِمَ عَلَى فِعْله وَرَدَّ الْحَقّ إِلَى صَاحِبه وَتَحَلَّلَ مِنْهُ وَعَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَعُود فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْم وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْجَمَاهِير أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُبِيح لِلْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى. وَفيه بَيَان غِلَظ تَحْرِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن قَلِيل الْحَقّ وَكَثِيره لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ قَضِيب مِنْ أَرَاك».
197- فيه: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين صَبْر يَقْتَطِع بِهَا مَال اِمْرِئٍ مُسْلِم هُوَ فيها فَاجِر لَقِيَ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنْ الْأَشْعَث بْن قَيْس: «كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْن رَجُل أَرْض بِالْيَمَنِ فَخَاصَمْته إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ لَك بَيِّنَة؟ فَقُلْت: لَا قَالَ: فَيَمِينه، قُلْت: إِذَنْ يَحْلِف فَقَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين صَبْر يَقْتَطِع بِهَا مَال اِمْرِئٍ مُسْلِم هُوَ فيها فَاجِر لَقِيَ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان». وَفيه: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين صَبْر) هُوَ بِإِضَافَةِ يَمِين إِلَى صَبْر. وَيَمِين الصَّبْر هِيَ الَّتِي يَحْبِس الْحَالِف نَفْسه عَلَيْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانهَا فِي بَاب غِلَظ تَحْرِيم قَتْل الْإِنْسَان نَفْسه. وَفيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين صَبْر هُوَ فيها فَاجِر» أَيْ مُتَعَمِّد الْكَذِب وَتُسَمَّى هَذِهِ الْيَمِين الْغَمُوس. وَفيه قَوْله: (إِذَنْ يَحْلِف) يَجُوز بِنَصْبِ الْفَاء وَرَفْعهَا وَذَكَرَ الْإِمَام أَبُو الْحَسَن بْن خَرُوف فِي شَرْح الْجُمَل أَنَّ الرِّوَايَة فيه بِرَفْعِ الْفَاء. وَفيه قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينه» مَعْنَاهُ لَك مَا يَشْهَد بِهِ شَاهِدَاك أَوْ يَمِينه. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِين هُوَ فيها فَاجِر لِيَقْتَطِعَ» فَالتَّقْيِيد بِكَوْنِهِ فَاجِرًا لابد مِنْهُ وَمَعْنَاهُ هُوَ آثِم وَلَا يَكُون آثِمًا إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْر مُحِقّ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِيَ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان» وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى (وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِض) فَقَالَ الْعُلَمَاء: الْإِعْرَاض وَالْغَضَب وَالسَّخَط مِنْ اللَّه تَعَالَى هُوَ إِرَادَته إِبْعَاد ذَلِكَ الْمَغْضُوب عَلَيْهِ مِنْ رَحْمَته وَتَعْذِيبه وَإِنْكَار فِعْله وَذَمّه وَاَللَّه أَعْلَم.
199- فيه: «جَاءَ رَجُل مِنْ حَضْرَمَوْت وَرَجُل مِنْ كِنْدَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيّ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْض لِي كَانَتْ لِأَبِي فَقَالَ الْكِنْدِيّ هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعهَا لَيْسَ لَهُ فيها حَقّ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلِك بَيِّنَة؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَك يَمِينه. قَالَ: يَا رَسُول اللَّه إِنَّ الرَّجُل فَاجِر لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّع مِنْ شَيْء. فَقَالَ: لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ. فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَدْبَرَ: أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَاله لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقِيَنَّ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِض» فيه (حَضْرَمَوْت) بِفَتْحِ الْحَاء الْمُهْمَلَة وَإِسْكَان الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفَتْح الرَّاء وَالْمِيم. وَحَدِيث الْحَضْرَمِيّ وَالْكِنْدِيّ فيه أَنْوَاع مِنْ الْعُلُوم فَفيه أَنَّ صَاحِب الْيَد أَوْلَى مِنْ أَجْنَبِيّ يَدَّعِي عَلَيْهِ. وَفيه أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَلْزَمهُ الْيَمِين إِذَا لَمْ يُقِرّ. وَفيه أَنَّ الْبَيِّنَة تُقَدَّم عَلَى الْيَد وَيُقْضَى لِصَاحِبِهَا بِغَيْرِ يَمِين. وَفيه أَنَّ يَمِين الْفَاجِر الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَل كَيَمِينِ الْعَدْل وَتَسْقُط عَنْهُ الْمُطَالَبَة بِهَا. وَفيه أَنَّ أَحَد الْخَصْمَيْنِ إِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ: إِنَّهُ ظَالِم أَوْ فَاجِر أَوْ نَحْوه فِي حَال الْخُصُومَة يُحْتَمَل ذَلِكَ مِنْهُ. وَفيه أَنَّ الْوَارِث إِذَا اِدَّعَى شَيْئًا لِمُوَرِّثِهِ وَعَلِمَ الْحَاكِم أَنَّ مُوَرِّثه مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ سِوَى هَذَا الْمُدَّعِي جَازَ لَهُ الْحُكْم بِهِ وَلَمْ يُكَلِّفهُ حَال الدَّعْوَى بَيِّنَة عَلَى ذَلِكَ وَمَوْضِع الدَّلَالَة أَنَّهُ قَالَ: (غَلَبَنِي عَلَى أَرْض لِي كَانَتْ لِأَبِي) فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ فَلَوْلَا عِلْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ وَرِثَهَا وَحْده لَطَالَبَهُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى كَوْنه وَارِثًا ثُمَّ بِبَيِّنَةِ أُخْرَى عَلَى كَوْنه مُحِقًّا فِي دَعْوَاهُ عَلَى خَصْمه فَإِنْ قَالَ قَائِل قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شَاهِدَاك» مَعْنَاهُ شَاهِدَاك عَلَى مَا تَسْتَحِقّ بِهِ اِنْتِزَاعهَا، وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَدَا بِكَوْنِهِ وَارِثًا وَحْده وَأَنَّهُ وَرِثَ الدَّار فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا خِلَاف الظَّاهِر وَيَجُوز أَنْ يَكُون مُرَادًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
200- فيه قَوْل مُسْلِم: (حَدَّثَنِي زُهَيْر بْن حَرْب وَإِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم جَمِيعًا عَنْ أَبِي الْوَلِيد قَالَ زُهَيْر حَدَّثَنَا هِشَام بْن عَبْد الْمَلِك) هِشَام هُوَ أَبُو الْوَلِيد. وَفيه قَوْله: (اِنْتَزَى عَلَى أَرْضِي فِي الْجَاهِلِيَّة) مَعْنَاهُ غَلَبَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْلَى. وَالْجَاهِلِيَّة مَا قَبْلَ النُّبُوَّة لِكَثْرَةِ جَهْلهمْ. وَفيه: (اِمْرُؤُ الْقِيس بْن عَابِس وَرَبِيعَة بْن عِبْدَان) أَمَّا (عَابِس) فَبِالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّين الْمُهْمَلَة. وَأَمَّا (عِبْدَان) فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم أَنَّ زُهَيْرًا وَإِسْحَاق اِخْتَلَفَا فِي ضَبْطه. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض الْأَقْوَال فيه، وَاخْتِلَاف الرُّوَاة فَقَالَ: هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْن وَبِيَاءٍ مُثَنَّاة مِنْ تَحْت هَذَا صَوَابه وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة إِسْحَاق. وَأَمَّا رِوَايَة زُهَيْر (فَعِبْدَان) بِكَسْرِ الْعَيْن وَبِبَاءٍ مُوَحَّدَة قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي الْحَرْفَيْنِ عَنْ شُيُوخنَا قَالَ: وَوَقَعَ عِنْد اِبْن الْحَذَّاء عَكْس مَا ضَبَطْنَاهُ فِي رِوَايَة زُهَيْر بِالْفَتْحِ وَالْمُثَنَّاة وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق بِالْكَسْرِ وَالْمُوَحَّدَة قَالَ الْجَيَّانِيّ: وَكَذَا هُوَ فِي الْأَصْل عَنْ الْجُلُودِيّ. قَالَ الْقَاضِي: وَاَلَّذِي صَوَّبْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ قَوْل الدَّارَقُطْنِيِّ، وَعَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد وَأَبِي نَصْر بْن مَاكُولَا، وَكَذَا قَالَهُ اِبْن يُونُس فِي التَّارِيخ: هَذَا كَلَام الْقَاضِي. وَضَبَطَهُ جَمَاعَة مِنْ الْحُفَّاظ مِنْهُمْ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بْن عَسَاكِر الدِّمَشْقِيّ: (عِبِدَّان) بِكَسْرِ الْعَيْن وَالْمُوَحَّدَة وَتَشْدِيد الدَّال. وَاَللَّه أَعْلَم. 73.
74 باب بيان اطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة فِي الْبَاب حَدِيثَانِ أَحَدهمَا: «إِذَا قَرَأَ اِبْن آدَم السَّجْدَة فَسَجَدَ اِعْتَزَلَ الشَّيْطَان يَبْكِي يَقُول يَا وَيْله، وَفِي رِوَايَة يَا وَيَلِي أُمِرَ اِبْنُ آدَم بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّة وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَأَبَيْت فَلِي النَّار» وَالْحَدِيث الثَّانِي: «إِنَّ بَيْن الرَّجُل وَبَيْن الشِّرْك وَالْكُفْر تَرْكُ الصَّلَاة» مَقْصُود مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه بِذِكْرِ هَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ هُنَا أَنَّ مِنْ الْأَفْعَال مَا تَرْكُهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ إِمَّا حَقِيقَة وَإِمَّا تَسْمِيَة. فَأَمَّا كُفْر إِبْلِيس بِسَبَبِ السُّجُود فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} قَالَ الْجُمْهُور: مَعْنَاهُ وَكَانَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى مِنْ الْكَافِرِينَ، وَقَالَ بَعْضهمْ: وَصَارَ مِنْ الْكَافِرِينَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ}. ✯✯✯✯✯✯ 115- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَرَأَ اِبْن آدَم السَّجْدَة» فَمَعْنَاهُ آيَة السَّجْدَة. وَقَوْله: «يَا وَيْله» هُوَ مِنْ آدَاب الْكَلَام، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا عَرَضَ فِي الْحِكَايَة عَنْ الْغَيْر مَا فيه سُوءٌ وَاقْتَضَتْ الْحِكَايَة رُجُوع الضَّمِير إِلَى الْمُتَكَلِّم، صَرَفَ الْحَاكِي الضَّمِير عَنْ نَفْسه تَصَاوُنًا عَنْ صُورَة إِضَافَة السُّوء إِلَى نَفْسه. وَقَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «يَا وَيْلِي» يَجُوز فيه فَتْح اللَّام وَكَسْرهَا. وَقَدْ اِحْتَجَّ أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه وَإِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: «أُمِرَ اِبْنُ آدَم بِالسُّجُودِ» عَلَى أَنَّ سُجُود التِّلَاوَة وَاجِبٌ. وَمَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيِّ وَالْكَثِيرِينَ أَنَّهُ سُنَّة، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ:أَحَدهَا: أَنَّ تَسْمِيَة هَذَا أَمْرًا إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَام إِبْلِيس فَلَا حُجَّة فيها فَإِنْ قَالُوا حَكَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرهَا قُلْنَا: قَدْ حَكَى غَيْرهَا مِنْ أَقْوَال الْكُفَّار وَلَمْ يُبْطِلهَا حَال الْحِكَايَة وَهِيَ بَاطِلَةٌ. الْوَجْه الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَاد أَمْر نَدْب لَا إِيجَاب. الثَّالِث: الْمُرَاد الْمُشَارَكَة فِي السُّجُود لَا فِي الْوُجُوب. وَاَللَّه أَعْلَم.
116- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْن الرَّجُل وَبَيْن الشِّرْك وَالْكُفْر تَرْكُ الصَّلَاة» هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع الْأُصُول مِنْ صَحِيح مُسْلِمٍ الشِّرْكُ وَالْكُفْرُ بِالْوَاوِ. وَفِي مُخَرَّج أَبِي عَوَانَة الْإِسْفَرَايِينِيّ وَأَبِي نُعَيْم الْأَصْبَهَانِيِّ: أَوْ الْكُفْر (بِأَوْ) وَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا وَجْهٌ. وَمَعْنَى بَيْنه وَبَيْن الشِّرْك تَرْك الصَّلَاةِ أَنَّ الَّذِي يَمْنَع مِنْ كُفْره كَوْنه لَمْ يَتْرُك الصَّلَاة، فَإِذَا تَرَكَهَا لَمْ يَبْقَ بَيْنه وَبَيْن الشِّرْك حَائِل، بَلْ دَخَلَ فيه. ثُمَّ إِنَّ الشِّرْك وَالْكُفْر قَدْ يُطْلَقَانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْر بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ يُفَرَّق بَيْنهمَا فَيُخَصُّ الشِّرْك بِعَبَدَةِ الْأَوْثَان وَغَيْرهَا مِنْ الْمَخْلُوقَات مَعَ اِعْتِرَافهمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَكُفَّارِ قُرَيْش، فَيَكُون الْكُفْر أَعَمُّ مِنْ الشِّرْك. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا تَارِك الصَّلَاة فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لِوُجُوبِهَا فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، خَارِجٌ مِنْ مِلَّة الْإِسْلَام إِلَّا أَنْ يَكُون قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُخَالِط الْمُسْلِمِينَ مُدَّة يَبْلُغهُ فيها وُجُوب الصَّلَاة عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ تَرْكه تَكَاسُلًا مَعَ اِعْتِقَاده وُجُوبهَا كَمَا هُوَ حَال كَثِيرٍ مِنْ النَّاس فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فيه، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّه وَالْجَمَاهِير مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُر بَلْ يَفْسُق وَيُسْتَتَاب فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ حَدًّا كَالزَّانِي الْمُحْصَن، وَلَكِنَّهُ يُقْتَل بِالسَّيْفِ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَف إِلَى أَنَّهُ يَكْفُر وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب كَرَّمَ اللَّه وَجْهه وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه. وَبِهِ قَالَ عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ. وَهُوَ وَجْه لِبَعْضِ أَصْحَاب الشَّافِعِيِّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّه أَنَّهُ لَا يَكْفُر، وَلَا يُقْتَل، بَلْ يُعَزَّر وَيُحْبَس حَتَّى يُصَلِّي وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ بِظَاهِرِ الْحَدِيث الثَّانِي الْمَذْكُور، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَة التَّوْحِيد. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يُقْتَل بِحَدِيث: «لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث» وَلَيْسَ فيه الصَّلَاة. وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُر بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة» «وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَم أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه دَخَلَ الْجَنَّة» «وَلَا يَلْقَى اللَّه تَعَالَى عَبْد بِهِمَا غَيْر شَاكٍّ فَيُحْجَب عَنْ الْجَنَّةِ». «حَرَّمَ اللَّه عَلَى النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه» وَغَيْر ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا عَلَى قَتْله بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ» وَتَأَوَّلُوا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْن الْعَبْد وَبَيْن الْكُفْر تَرْك الصَّلَاة» عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِتَرْكِ الصَّلَاة عُقُوبَةَ الْكَافِر وَهِيَ الْقَتْل، أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَئُول بِهِ إِلَى
الْكُفْر، أَوْ أَنَّ فِعْلَهُ فِعْل الْكُفَّار. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي الْحَدِيث أَبُو سُفْيَان عَنْ جَابِر، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اِسْمه طَلْحَة بْن نَافِع.
117- مَا يَتَعَلَّق بِإِسْنَادِهِ فَفيه أَبُو غَسَّان وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُصْرَف، وَلَا يُصْرَف، وَاسْمه مَالِك بْن عَبْد الْوَاحِد. وَفيه أَبُو الزُّبَيْر مُحَمَّد بْن مُسْلِم اِبْن تَدْرُس تَقَدَّمَ أَيْضًا. وَاَللَّه أَعْلَم.
75 باب ترك الصلاة على القاتل نفسه 1624- قَوْله: «أُتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسه بِمَشَاقِص فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» الْمَشَاقِص: سِهَام عِرَاض، وَاحِدهَا مِشْقَص بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الْقَاف، وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِمَنْ يَقُول: لَا يُصَلَّى عَلَى قَاتِل نَفْسه لِعِصْيَانِهِ، وَهَذَا مَذْهَب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ الْحَسَن وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء: يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ زَجْرًا لِلنَّاسِ عَنْ مِثْل فِعْله، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَة، وَهَذَا كَمَا تَرَكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاة فِي أَوَّل الْأَمْر عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْن زَجْرًا لَهُمْ عَنْ التَّسَاهُل فِي الِاسْتِدَانَة وَعَنْ إِهْمَال وَفَائِهِ، وَأَمَرَ أَصْحَابه بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبكُمْ». قَالَ الْقَاضِي: مَذْهَب الْعُلَمَاء كَافَّة الصَّلَاة عَلَى كُلّ مُسْلِم وَمَحْدُود وَمَرْجُوم وَقَاتِل نَفْسه وَوَلَد الزِّنَا. وَعَنْ مَالِك وَغَيْره: أَنَّ الْإِمَام يَجْتَنِب الصَّلَاة عَلَى مَقْتُول فِي حَدٍّ، وَأَنَّ أَهْل الْفَضْل لَا يُصَلُّونَ عَلَى الْفُسَّاق زَجْرًا لَهُمْ. وَعَنْ الزُّهْرِيّ: لَا يُصَلَّى عَلَى مَرْجُوم، وَيُصَلَّى عَلَى الْمَقْتُول فِي الْقِصَاص. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يُصَلَّى عَلَى مُحَارِب، وَلَا عَلَى قَتِيل الْفِئَة الْبَاغِيَة. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا يُصَلَّى عَلَى وَلَد الزِّنَا. وَعَنْ الْحَسَن: لَا يُصَلَّى عَلَى النُّفَسَاء تَمُوت مِنْ زِنًا وَلَا عَلَى وَلَدهَا. وَمَنَعَ بَعْض السَّلَف الصَّلَاة عَلَى الطِّفْل الصَّغِير. وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاة عَلَى السِّقْط، فَقَالَ بِهَا فُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْض السَّلَف إِذَا مَضَى عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَشْهُر، وَمَنَعَهَا جُمْهُور الْفُقَهَاء حَتَّى يَسْتَهِلّ وَتُعْرَف حَيَاته بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الشَّهِيد الْمَقْتُول فِي حَرْب الْكُفَّار فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور: لَا يُغَسَّل وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يُغَسَّل وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَعَنْ الْحَسَن: يُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. 75.
76 باب بيان الكباير واكبرها 126- فيه أَبُو بَكْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَر الْكَبَائِر ثَلَاثًا الْإِشْرَاك بِاَللَّهِ وَعُقُوق الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَة الزُّور أَوْ قَوْل الزُّور وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ» أَمَّا (أَبُو بَكْرَة) فَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ