الخميس، 26 يوليو 2018

التوبة فرض وتكليف لا يقوم الإسلام إلا بها

جاءت التوبة في كتاب الله تعالي بصيغة الفرض والتكليف ومعلوم أن الفرض شرط في الاسلام والتوبة بهذه الآيات تحولت من مجرد فضيلة إلي أعمق الفريضة وصارت بهذه الفرضية لا يصلح البقاء بدونها مع الذنب ولا يصلح مطلقا إهمالها وارتكاب الذنوب بعد فرضها إلا بتفعيلها،فمن خالف الله تعالي وأبي أن يتوب من ذنبه فقد جمع مع ذنبه عصيان الله تعالي برفضه للتوبة ، وانتكس كل القائلين بأن المسلم هو من قال لا إله إلا الله ومات مصرا علي الذنب والمعاصي 
* وضل كل من صوغ للعاصين الموت علي المعصية كما ضل كل من قال حتي ولو مات مصرا عليها وهو الي الله وسيخرج من النار ولا يخلد فيها.. قلت المدون كيف وقد قال الله تعالي:
١.﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم: 8].
٢.﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ [النور: 31]

٣.﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ [المائدة: 74]

٤.﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ [التوبة: 117] 
٥.﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة: 118]،
٦.﴿وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان: 71]
(وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)/سورة الحجرات )
( باب في فرض الجمعة 1081 حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا الوليد بن بكير أبو جناب حدثني عبد الله بن محمد العدوي عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا من عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حج له ولا صوم له ولا بر له حتى يتوب فمن تاب تاب الله عليه ألا لا تؤمن امرأة رجلا ولا يؤم أعرابي مهاجرا ولا يؤم فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسوطه )
(بادروا قبل أن تغادروا {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}سورة النور (31). {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}سورة آل عمران (133)..
(يا أيها الناس توبوا إلي الله واستغفروه فإني أتوب إلي الله وأستغفره في اليوم مائة مرة)/مسند أحمد(17577)
(وعن أبي الدرداء: قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: "توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشتغلوا، وصلوا الذي بينكم)/شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية
(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور: 31].)
(فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين
( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)
( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ِ) 
( قل ياعبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) (إن الله يغفر الذنوب جميعاً )
(وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله )
(وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ) .  
* (والذين لايدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً).  
جاء في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ) 
جاء في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ لَا فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ
⃝قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزْنِي الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ قَالَ عِكْرِمَةُ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَيْفَ يُنْزَعُ الْإِيمَانُ مِنْهُ قَالَ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ  
⃝فقد جاء في البخاري ومسلم واللفظ له عن أنس بن مالك قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ.
⃝قال سبحانه(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) ⃝وقال سبحانه (والله يريد أن يتوب عليكم ). 
⃝قال جل وعلا عن آدم عليه السلام (فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ) 
⃝وقال عن موسى (فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين )  
⃟وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم لا تفارقه التوبة والاستغفار لا حضرا ولا سفرا كما جاء في البخاري قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً .
⃟وجاء في مسلم عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ الْأَغَرَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ، 
⃟وكانت التوبة في كل أحواله حتى في سفره فقد جاء في البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، 

وهكذا أصحابه ونسائه ومن حوله من الأبرار الأطهار
جاء في البخاري عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا أَذْنَبْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ قُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ)أ.هـ

⃞و جاء في البخاري َقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذِّبًا 
⃝وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَيُذْكَرُ عَنْ الْحَسَنِ مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ وَمَا يُحْذَرُ مِنْ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ  
جاء في البخاري: (وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ)،
⃝وجاء في الموطأ وغيره( أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُكَ وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْزِيكَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ).
⃝قال ابن القيم –رحمه الله –تلخيصا" فالتوبة الصحيحة لها علامات منها :
:⃝أن يكون بعد التوبة خيراً مما كان قبلها ،⃝ومنها :لا يزال الخوف مصاحباً له لايأمن مكر الله طرفة عين⃝ومنها :انخلاع قلبه وتقطعه ندماً وخوفاً وهذا على قدر عظم الذنب وصغرها⃝ومنها تكسر القلب بين يدي الرب كسرة تامة قد احاطت به من جميع جهاته وألقته بين يدي ربه طريحاً ذليلاً خاشعاً كحال عبد جان آبق من سيده فأخذ فأحضر بين يديه ولم يجد من ينجيه من سطوته .."أ.هـ بتصرف واختصار.
------------------------------
أول العرض:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].
﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ [النور: 31] - ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ ﴾ [المائدة: 74]
وتاب الله عليه؛ أي: قبل توبته، منه: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ ﴾ [التوبة: 117] - ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ﴾ [التوبة: 118]، 
 وقوله: ﴿ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ﴾ [الفرقان: 71]؛ أي: التوبة التامة، وهو الجمع بين ترك القبيح وتحرِّي الجميل: (﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [الرعد: 30] - ﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37]"المفردات في غريب القرآن - الراغب الأصفهاني (ص: 83).
قال الله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)/سورة الحجرات

 
-----------------------------------
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].
ذُكرت التوبة بمُشتقاتها في القرآن الكريم في نحو سبعة وأربعين موضعًا.
"التوب: ترك الذنب على أجمل الوجوه، وهو أبلغ وجوه الاعتِذار؛ فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه؛ إما أن يقول المُعتذر: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، أو فعلت وقد أقلعت، ولا رابع لذلك، وهذا الأخير هو التوبة.
والتوبة في الشرع ترك الذنب لقبحِه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المُعاوَدة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كمل شرائط التوبة وتاب إلى الله، فذكر "إلى الله" يَقتضي الإنابة؛ نحو:﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ [النور: 31] - ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ [المائدة: 74]
وتاب الله عليه؛ أي: قبل توبته، منه: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ [التوبة: 117] - ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة: 118]، 

والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة، فالعبد تائب إلى الله، والله تائب على عبده، والتواب العبد الكثير التوبة، وذلك بتركه كل وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركًا لجميعِه، وقد يُقال لله ذلك؛ لكثرة قبوله توبة العباد حالاً بعد حال، وقوله: ﴿ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان: 71]؛ أي: التوبة التامة، وهو الجمع بين ترك القبيح وتحرِّي الجميل: (﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ [الرعد: 30] - ﴿ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: 37]" --------------
قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسير الآية الكريمة:
هذا هو النداء الثاني الذي يُنادي فيه الله تعالى عباده المؤمنين - أي: في سورة التحريم - يأمرُهم فيه بالتوبة العاجلة النَّصوح التي لا يعود صاحبها إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع، ويُبشِّرهم ويَعدهم بتكفير سيئاتهم، ويُبشِّرهم بالجنة دار النعيم المقيم فيقول: ﴿ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: 8][2]؛ أي: بعد ذلك ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ﴾ [التحريم: 8]؛ أي: بإدخالهم الجنَّة ﴿ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [التحريم: 8]؛ أي: وهم مُجتازون الصراط يَسألون ربهم أن يُبقي لهم نورهم لا يقطعه عنهم؛ حتى يَجتازوا الصراط وينجوا من السقوط في جهنَّم، كما يسألونه أن يغفر ذنوبهم التي قد يردون بها إلى النار بعد اجتياز الصراط، وقولهم: ﴿ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8] هذا توسُّل منهم لقبول دعائهم؛ حيث توسَّلوا بصفة القوة والقدرة لله تعالى، فقالوا: إنك على كل شيء قدير؛ فأتمِم لنا نورنا واغفر لنا[3].
والتوبة من الذنوب بالرجوع إلى علام الغيوب وغفار الذنوب: مبدأ طريق السالكين، ورأس مال الفائزين، وأول أقدام المُريدين، ومِفتاح استقامة المائلين، ومطلَع الاصطِفاء والاجتباء للمُقرَّبين، ومنزل التوبة أول المَنازل وأوسطها وآخرها، فلا يُفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى المَمات، وإن ارتحلَ إلى منزل آخر ارتحل به واستصحَبه معه ونزَل به، فالتوبة هي بداية الطريق ونهايته، وقد قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [النور: 31]، وهذه الآية في سورة مدنية خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه بعد إيمانهم وصبرهم وهجرتهم وجهادهم، ثم علَّق الفلاح بالتوبة وأتى بكلمة (لعل)؛ إيذانًا بأنكم إذا تُبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاحَ إلا التائبون، جعلنا الله منهم، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، فقسم الله تعالى العباد إلى تائب وظالم، وليس ثم قسم ثالث، وأوقع اسم الظلم على من لم يتب، ولا أظلم منه؛ لجهله بربه وبحقه وبعيب نفسه وآفات عمله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم، فوالله إني لأتوب إلى الله - عز وجل - في اليوم مائة مرة))[4]، وهو أعلم الخلق بالله عز وجل، والتوبة هي رجوع العبد إلى الله، ومفارقتُه لصراط المغضوب عليهم والضالين.
شرائط التوبة:
إذا كان الذنب في حق الله عزَّ وجلَّ، فشرائط التوبة ثلاثة؛ هي: الندم، والإقلاع عن الذنب، والعزْم على عدم العودة؛ فأما الندم، فإنه لا تتحقَّق التوبة إلا به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((الندم توبة))[5]؛ إذ مَن لم يندم على القبيح، فذلك دليل رضاه به وإصراره عليه، وأما الإقلاع عن الذنب، فتستحيل التوبة مع مباشِرة الذنب، والشرط الثالث هو: العزم على عدم العودة، ويَعتمِد أساسًا على إخلاص هذا العزم والصدق فيه.
أما إذا كان الذنب متضمِّنًا لحق آدمي، فعلى التائب أن يُصلح ما أفسد، أو يسترضي من أخطأ في حقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من كان لأخيه عنده مَظلِمة مِن عِرض أو مال، فليتحلَّله اليوم، قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم؛ فإن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له عمَل، أُخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه))[6]، فهذا الذنب الذي يتضمن حقين: حق الله، وحق الآدمي، فالتوبة منه بتحلل الآدمي لأجل حقه، والندم فيما بينه وبين الله لأجل حقه.
مسألة:
إذا تاب العبد من الذنب، هل يَرجِعُ إلى ما كان عليه قبل الذنب من الدرجة التي حطَّه عنها الذنب أو لا يرجع إليها؟
قالت طائفة: يرجع إلى درجته؛ لأن التوبة تجبُّ الذنب بالكليَّة وتُصيِّره كأن لم يكن.
وقالت أخرى: لا يعود إلى درجته وحاله؛ لأنه لم يكن في وقوف؛ وإنما كان في صعود، فبالذنب صار في هبوط، فإذا تاب نقص منه ذلك القدر الذي كان مستعدًّا به للترقي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "والصحيح أن من التائبين من لا يعود إلى درجته، ومنهم من يعود إلى أعلى فيصير خيرًا مما كان عليه قبل الذنب، وكان داود بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة" ا. هـ
التوبة النصوح:
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليَتوب مُسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))[7]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تاب قبل أن تطلع الشمس مِن مغربِها، تابَ الله عليه))[8]، وعن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يَقبل توبة العبد ما لم يُغرغر))[9]، والغرغرة هي بلوغ الرُّوح إلى الحلقوم، والنُّصح في التوبة هو تخليصُها مِن كلِّ غشٍّ ونقْص وفساد.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "هي أن يكون العبد نادمًا على ما مضى، مُجمعًا على ألا يعود فيه"، وقال سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: ﴿ تَوْبَةً نَصُوحًا ﴾ [التحريم: 8]: تنصَحون بها أنفسكم.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"النُّصح في التوبة يتضمَّن ثلاثة أشياء:
الأول: تعميم جميع الذنوب واستِغراقها بحيث لا تدع ذنبًا إلا تناولته.
الثاني: إجماع العزم والصدق بكليته عليها؛ بحيث لا يبقى عنده تردُّد ولا تلوم ولا انتظار، بل يجمع عليها كل إرادته وعزيمته مبادرًا لها.
الثالث: تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها، ووقوعها لمَحضِ الخوف من الله وخشيته، والرغبة فيما لديه، والرهبة مما عنده، لا كمن يتوب لحفظ حاجته وحرمته ومنصبه ورياسته، ولحفظ قوته وماله، أو استدعاء حمد الناس أو الهروب من ذمِّهم، أو لئلا يتسلَّط عليه السفهاء أو لقضاء نهمة من الدنيا، أو لإفلاسِه وعَجزِه، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحَّتها وخلوصها لله عز وجل.
فالأول يتعلق بما يتوب منه، والثاني يتعلق بذات التائب، والثالث يتعلَّق بمَن يتوب إليه، فنصح التوبة الصدق فيها والإخلاص وتعميم الذنوب، ولا ريب أن هذه التوبة تَستلزم الاستغفار وتتضمَّنه وتَمحو جميع الذنوب، وهي أكمل ما يكون من التوبة" ا. هـ.
اتهام التوبة، ومن اتهام التوبة:
1 - ضعف العزيمة والْتِفات القلب إلى الذنب الفينة بعد الفينة وتذكُّر حلاوتها.
2 - طمأنينته ووثوقه مِن نفسِه بأنه قد تاب الله عليه كأنه أُعطي منشورًا بالأمان، فهذا من علامات التُّهمة.
3 - ومنها جمود العينين واستمرار الغفلة، وألا يستحدث أعمالاً صالحة لم تكن له قبل الخطيئة.
علامات صحة التوبة:
1 - أن يكون بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها.
2 - ألا يزال الخوف مصاحبًا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، فهناك يزول خوفُه.
3 - انخلاع قلبه وتقطُّعه ندمًا وخوفًا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها.
4 - كسرة خاصة تَحصُل للقلب لا يُشبِهها شيء، ولا تكون لغير المُذنب لا تحصل بجوع ولا رياضة، ولا حب مجرَّد، وإنما هي على أمر وراء هذا كله، تكسر القلب بين يدي الرب كسرة عامة، قد أحاطت به من جميع جهاته، وألقتْه بين يدي ربِّه طريحًا ذليلاً خاشعًا، وما أحلى قول القائل في هذه الحال: "أسألك بعزِّك وذلِّي إلا رحمتَني، أسألك بقوتك وضعفي وبغِناك وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، وليس لي رب سواك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، أسألك مسألة المِسكين، وأبتهِل إليك ابتِهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبتُه، ورَغِمَ لك أنفُه، وفاضت لك عيناه، وذلَّ لك قلبه"

يا مَن ألوذ به فيما أؤمِّلُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومَن أعوذ به مما أُحاذِرُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا يَجبُر الناسُ عظمًا أنت كاسرُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا يَهيضون عظمًا أنت جابرُه

فهذا وأمثاله من آثار التوبة المقبولة، فمَن لم يجد ذلك في قلبه، فليتَّهم توبتَه وليرجع إلى تصحيحها، فما أصعب التوبة الصحيحة بالحقيقة، وما أسهلَها باللسان والدعوى![10]
والله - عز وجل - يفرَح بتوبة عبده؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((للهُ أفرَحُ بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتَت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخِطامها ثم قال من شدَّة الفَرح: ((اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح))[11].
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم محبة الرب - جلَّ وعلا - للتوبة؛ فإن الله يحب التوابين ويحبُّ المُتطهِّرين، فأوجبَت هذه المحبة فرحًا كأعظم ما يقدر من الفرح، ولو كان في الفرح المَشهود في هذا العالم نوع أعظم من هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لذكره، ولكن لا فرحة أعظم مِن فرحة هذا الواجد لمادة حياته وبلاغه في سفره بعد إياسه من أسباب الحياة بفقده راحلته، وهذا كشدة محبته لتوبة التائب المحب إذا اشتدَّت محبته للشيء وغاب عنه ثم وجده وصار طوع يده، فلا فرحة أعظم من فرحته به، نسأل الله أن يرزقنا توبة نصوحًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
وجميع ما يتوب العبد منه سواء كان فعلاً أو تركًا، قد لا يكون كان عالمًا بأنه يَنبغي التوبة منه، وقد يكون كان عالمًا بذلك؛ فإن الإنسان كثيرًا ما يكون غير عالم بوجوب الشيء أو قبحِه، ثم يتبيَّن له فيما بعد وجوبه أو قبحُه، ويتركه أو يفعله لضعف المُقتضي لفعل الواجب، أو قوة المُقتضي لفعل القبيح، لكن لا يَكاد يقع إلا مع ضعف العلم بوجوبه أو قبحِه، وإلا فإذا كمل العلم استلزم الإرادة الجازمة في الطرفين؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 17].
قال أبو العالية: قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كل مَن عصى الله فهو جاهل، وكل مَن تاب قبل الموت فقد تاب مَن قريب، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].
والمؤمن لا يزال يَخرج من الظلمات إلى النور ويزداد هدى فيتجدَّد له من العلم والإيمان ما لم يكن قبل ذلك، فيتوب مما تركه وفعَله، والتوبة تَصقل القلب وتجليه مما عرَض له مِن رين القلوب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا أذنب نُكتت له في قلبه نكتة سوداء؛ فإن تاب ونزع واستغفر صُقل قلبُه، وإن زاد زِيدَ فيها حتى يعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]))[12]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليغان[13] على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة))[14].
والتوبة من الاعتقاد أعظم من التوبة من الإرادات؛ فإن مَن ترَك واجبًا أو فعل قبيحًا يعتقد وجوبه وقبحَه، كان ذلك الاعتقاد داعيًا له إلى فعل الواجب ومانعًا له من فعل القبيح، فلا يكون في فعله وتركه ثابت الدَّواعي والصوارف، بل تكون دواعيه وصوارفه مُتعارضة؛ ولهذا يكون الغالب على هذا هو التلوم، وتكون نفسهم لوامة، تارةً يؤدُّون الواجب وتارة يَتركونه، وتارة يتركون القبيح وتارة يفعلونه، كما تجده في كثير من فساق القِبلة الذين يؤدون الحقوق تارة ويَمنعونها أخرى؛ لتعارُض الإرادات في قلوبهم؛ إذ معهم أصل الإيمان الذي يأمر بفعل الواجب، ويَنهى عن فعل القبيح، ومعهم من الشبهات والشهوات ما يدعوهم إلى خلاف ذلك، وأما إذا فعله الإنسان مع اعتقاد وجوبه، وتركه مع اعتقاد تحريمه، فهذا يكون ثابت الدواعي والصوارف أعظم من الأول بكثير، وهذا تحتاج توبته إلى إصلاح اعتقاده أولاً وبيان الحق، وهذا يكون أصعب من الأول؛ إذ ليس معه داعٍ إلى أن يترك اعتقاده كما كان مع الأول داعٍ إلى أن يترك مرادَه، وقد يكون أسهل إذا كان له غرض فيما يخالف موجب الاعتقاد، مثل الآصار والأغلال التي على أهل الكتاب، وإذلال المسلمين لهم، وأخذ الجزية منهم، مع مخالفة المسلمين له، فهذا يكون داعيًا إلى أن ينظر في اعتقاده، هل هو حق أو باطل حتى يتبيَّن له الحق، وقد يكون أيضًا مرغبًا له في اعتقاد يخرج به من هذا البلاء[15].
وقال رحمه الله تعالى: ومن زعم أن الله قد ذم أحدًا من البشر أو عاقبه على ما فعله ولم يكن ذلك ذنبًا، فقد قدَح فيما أخبر الله به وما وجب له من حكمته وعدله، فالجاهل يريد تنزيه الصحابة أو العلماء أو المشايخ من شيء لا يضيرهم ثبوته فيقدح في الرسول أو في الله تعالى، ويريد تنزيه الأنبياء عما لا يضرهم ثبوته بل هو أرفع درجة لهم، فيقدح في الربوبية، فتدبر هذا؛ فإنه نافع.
والقائلون بعصمة الأنبياء من التوبة من الذنوب ليس لهم حُجَّة من كتاب الله ولا سنَّة رسوله، ولا لهم إمام من سلف الأمة وأئمتها، وإنما مبدأ قولهم من أهل الأهواء؛ كالروافض والمعتزلة، وحجتهم آراء ضعيفة من جنس قول الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، الذين قال الله فيهم: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ [الحج: 53]، وعُمدة من وافقهم من الفقهاء أن الاقتداء بالنبيِّ في أفعاله مَشروع، ولولا ذلك ما جاز الاقتداء به، وهذا ضعيف؛ فإنه قد تقدم أنهم لا يقرُّون، بل لا بدَّ مِن التوبة والبيان، والاقتداء إنما يكون بما استقرَّ عليه الأمر، فأما المنسوخ والمنهي عنه والمَتوب منه، فلا قُدوة فيه بالاتفاق، فإذا كانت الأقوال المَنسوخة لا قدوة فيها، فالأفعال التي لم يقرَّ عليها أولى بذلك، وأما مذهب السلف والأئمة وأهل السنة والجماعة القائلين بما دلَّ عليه الكتاب والسنَّة من توبة الأنبياء من الذنوب، فقد ذكرنا من آيات القرآن ما فيه من دلالات على ذلك، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعَري عن النبي أنه كان يدعو: ((اللهمَّ اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهمَّ اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهمَّ اغفر لي ما قدمتُ وما أخَّرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير))[16].
---------------------------------------------
[2] (عسى) من الله واجبة، ويشهد لهذا قول النبي: ((التائب من الذنب كمَن لا ذنب له)).
[3] أيسر التفاسير - الجزائري (2 / 1651).
[4] رواه أحمد ومسلم - رحمهما الله تعالى - عن الأغرِّ المزني؛ ص. ج رقم 7881.
[5] رواه أحمد وابن ماجه والحاكم - رحمهم الله تعالى - عن ابن مسعود رضي الله عنه، ص. ج رقم 6802.
[6] رواه أحمد والبخاري - رحمهما الله تعالى - عن أبي هريرة رضي الله عنه، ص. ج رقم 6511.
[7] رواه مسلم رحمه الله تعالى.
[8] رواه مسلم رحمه الله تعالى.
[9] رواه أحمد والترمذي وابن ماجه رحمهم الله تعالى، وحسنه الألباني رحمه الله تعالى.
[10] البحر الرائق في الزهد والرقائق؛ الشيخ د / أحمد فريد (ص: 159 - 162).
[11] رواه مسلم رحمه الله تعالى والبخاري رحمه الله تعالى مختصرًا.
[12] رواه أحمد رحمه الله تعالى وغيره، ص. ج رقم 1670.
[13] قال القاضيعياض: ويحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكرًا.
[14] رواه أحمد ومسلم - رحمهما الله تعالى - وغيرهما، ص. ج رقم 2415.
[15] رسالة التوبة؛ ابن تيمية رحمه الله تعالى (ص: 25، 27).
[16] رسالة التوبة؛ ابن تيمية رحمه الله تعالى (ص: 68). 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق