اللهم

اللهم اشفني شفاءا لا يغادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني رحمة واسعة مباركة طيبة واكفني همي كله وفرج كربي كله واكشف البأساء والضراء عني واعتقني من كل سوء في الدارين يا ربي

الأربعاء، 4 يوليو 2018

اسم الله الحق للدكتور محمد راتب النابلسي والتعقيب







أول مقال الدكتور النابولسي
 اسم الله الحق  للدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
 مع الاسم الخامس والعشرين من أسماء الله الحسنى والاسم هو اسم " الحق " وهذه الكلمة متُداولة بكثرة كثيرة، والله سبحانه وتعالى هو الحق، وكلامه هو الحق، ووعده هو الحق، ووعيده الحق، وأفعاله حق.
 وكلمة حق قبل أن نمضي في الحديث عنها لابد من ضرب الأمثلة: معك جهاز كهربائي، وبحاجة إلى طاقة كهربائية، توجهت إلى مأخذ كهربائي ووضعت فيه الشريط، فالآلة لم تتحرك، فهذا المأخذ ليس فيه كهرباء، فتوجهت إلى مأخذ آخر ووضعت فيه الشريط فدارت الآلة، أول مأخذ باطل، الثاني حق.. فما معنى الحق إذاً ؟..
 الشيء الموجود موجود، الحقيقة أن الله هو الحق، وإذا توجهت إلى غيره فلن تجد شيئاً بل سراباً في سراب، وعودٌ كاذبة، وأقوال فارغة، و كلمات طنانة، لكنها هراء وهواء، وإذا توجهت إلى الله عز وجل وجدت كل شيء، فأول معنى من معاني الحق الشيء الموجود، وأول معنى من معاني الباطل الشيء المعدوم، والإنسان إذا وعدك وعداً ونفّذَ وعده فوعده حق، فإن لم يُنفذ فوعده باطل، وإذا توهمت أن الجِنّ بإمكانهم أن يفعلوا كذا وكذا فهذا مجرد وهم، وفي الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى ما أعطى الجن قوةً أبداً، فاعتقادك أن الجن بإمكانها أن تفعل وأن تؤذي وأن ترفع وأن تخلص فهذا اعتقاد باطل، لأنه لا يُطابق الحقيقة، وإذا قُلت مثلاً: فلان بإمكانه أن يفعل شيئاً خارقاً فلعلك مخطيء، إذ هو في الحقيقة عبد مثلك لا يستطيع أن يفعل شيئاً من ذلك، فقولُك باطل، فالشيء الموجود واعتقاد وجودِهِ والاعتراف بوجودِهِ، هذا هو الحق، والشيء المعدوم أن يتوهَّم الإنسان أن هذا الشيء موجود وهو ليس بموجوداً فهذا الوهم باطل، وأن تعتقد أن هذا الشيء موجود وهو غير موجود فهذا اعتقاد باطل، وإذا قلت إن هذا الشيء موجود وهو غير موجود فهذا قول باطل، والصواب أن الحق هو الموجود، والباطل هو المعدوم، والاعتقاد الحق حينما يوافق اعتقادُك الواقع فهو حق، وإذا خالف الواقع فهو باطل، والقول الحق حينما يوافق قولك الموجود فقولك حق، وحينما يخالف قولك الموجود فالقول باطل.
 وأخطر ما في الحياة أن تتجه إلى جهة لا تملك شيئاً، وأخطر ما فيها أيضاً أن تعتقد اعتقاداً غير صحيح ليس له مرتكز واقعي أبداً، وأخطر كلام تقوله أن تنطق بشيء لا يرتبط بالواقع، فما الذي ضيّعَ الناس ؟ الباطل، وقد تعتقد اعتقاداً وبعد سنين طويلة ينكشف للعالم كله أنه اعتقاد باطل، وأن هذا المبدأ غير صحيح، وأن هذا المبدأ ما حقق نفعاً للإنسان، بل زاده شقاءً.
 فإذا كنت مع الحق فأنت في سعادة كبيرة، لماذا ؟ لأنك مع الثابت ومع الموجود، وهذا ملخص الفكرة، أو هذه هي الخطوط العريضة لها.
 والشيء الموجود إما أن يكون واجب الوجود أو ممكن الوجود فالخالق واجب الوجود، فلابد من أن يكون موجوداً، ولا يُمكن إلا أن يكون موجوداً، والعقل لا يقبل هذه الدِقّة البالغة في الخلق من دون إلهٍ خالق، ومن دون إلهٍ مبدع، ومن دون إلهٍ مُصمم، أو إلهٍ حكيم، أو إلهٍ عليم أو إلهٍ قدير، فالموجود واجب الوجود، أما المُمكن فهو ما كان مُمكن الوجود، فنحن مثلاً مُمكن أن نكون أو لا نكون، ولا يكون وجودنا حقاً إلا إذا شاء واجب الوجود أن نكون، ولذلك ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ﴾
(سورة إبراهيم)
 وعدُ الشيطان باطل، وأحياناً الشيطان يخوفك، وتخويفه باطل وأحياناً يَعِدُكَ بالفقر ووعده باطل، و القضية ليست قضية فكرة تتعلمها بل القضية قضيةٌ مصيرية، فإن كان لك مبلغ في حلب كبير جداً، ولن تقبضه إلا من الساعة الثانية عشرة حتى الساعة الواحدة من يوم السبت، وهذا المبلغ إذا قبضته يحل كل مشكلاتك، فإن توجهت إلى المحطة، وركبت قطاراً يوصلك إلى حلب، وصلت إلى غايتك، لكنك قد تخطئ وأنت راكب في هذا القطار عشرات الأخطاء ولكن ما دام هذا القطار في طريقه إلى حلب وسوف تصل إلى هذه المدينة قبل الساعة الثانية عشرة، فأنت في الحق، أما إذا ركبت قطاراً متجهاً إلى درعا في مسار معاكس لمدينة حلب فهذا القطار باطل لأنه لن يوصلك إلى هدفك، إنه قطار ولكن يتجه بك إلى عكس هدفك، و أنا أحاول أن أبدد كل حيرة من أجل توضيح هذا الأمر لأنه دقيق وعميق جداً، وقد يحتاج الإنسان لتوضيح الحقائق إلى ضرب الأمثلة.
الله هو الحق، و هذا الكون لأنَّ الله خلقه هو حق، وكذلك لأنه موجود فهو حق و لكن هذا الشيء ممكن الوجود، فيمكن أن يكون ويمكن ألا يكون، لكن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود، وأن تعتقد بوجوده فاعتقادُكَ حق، وأن تُقِرَّ بوجودِهَ فإقرارُكَ حق، وإذا اعتقدتَ بأنَّ زيداً من الناس بإمكانه أن ينفعك فاعتقادُكَ باطل، أو بإمكانه أن يضركَ فاعتقادُكَ باطل، وإذا قلت هذا فقولك باطل، فصار الموجود هو الحق، والاعتقاد بالوجود هو الاعتقاد الحق والإقرار بالوجود هو الإقرار الحق، وهذه الفكرة النيّرة تقودنا إلى فكرةٍ أخرى، بأنَّ الحق في الكون لا يتعدد، بل أن الحق واحد، لقولِهِ تعالى:
﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) ﴾
(سورة يونس آية 32)
 فإن اعتقدتّ أحدٌ خِلاَف ما في هذا القرآن فهو بالدليل القطعي ضال، وعليه أن يقيل عثرة نفسه.
 و إذا اعتقد أن الأجل بحسب العناية بالصحة، والعناية بالصحة واجب، فإذا اعتقد أن الأجل متعلّق بذلك فهذا اعتقادٌ باطل، لأن الإنسان لا يموت إلا إذا انتهى أجله.
 أخٌ كريم من إخواننا الكرام حدثني قصة، فقال أنا وُلِدتُ في بيتٍ ولي عمان فوالدي له غرفة، وعمي له غرفة، وعمي الآخر له غرفة، وفي الساعة الرابعة من يوم الثلاثاء ولدت في غرفتنا و الغرفة الملاصقة لها هي غرفة عمي، وفيها زوجته، وقد أصيبت بمرض عضال خطير، وأستُدعي أربعة أطباء لمعالجتها، ومن غرائب المصادفات أن الأطباء الأربعة اتفقوا على أنها لن تعيش أكثر من ساعة.
فأنا ولدت وكبرت وترعرعت ودخلت المدرسة، وتخرجت فيها وعملت مع والدي، وتوفي والدي، وتزوجت، وانتقلت من بيت إلى بيت إلى بيت، واشتريت آخر بيت وهو الذي أسكنه وأقيم فيه، وأصبح عمري خمسة وأربعين عاماً وجاءت زوجة عمي لتزورني قبل أيام. فرغم قول الأربعة أطباء أنها ستموت بعد ساعة، فلقد عاشت بعد ذلك خمسة وأربعين عاماً، إذاً كلام الأطباء باطل.
إن الطبيب له علم يدل بـه  إن كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انتهت أيام رحلته  حار الطبيب وخانته العقاقيـر
***
 عزيزي القارئ ؛ هل تعرف من البطل ؟ البطل هو الذي يأتي اعتقادُهُ مطابقاً للواقع، ويأتي حديثه مطابقاً للواقع، وتأتي حركاته مطابقة لمنهج الله عز وجل، ولنا مثل في آلة غالية الثمن، معقدة التركيب، عظيمة النفع، وأنت حريص حِرصاً لا حدود له على أن تستعملها وَفْقَ تعليمات الشركة، فكيف بك وأنت المخلوق الأول ؟.
 إذاً: كلمة ( حق ) ذات شأن وخطر وإني لأتمنى على كل أخ أن يراجع نفسه وحقيقة أفكاره عن الدين ليتبين هل هي صحيحة ؟ وهل معتقداته صحيحة ؟ وهل تصوراته عن الله صحيحة ؟ وهل مُعتقده بالنبي عليه الصلاة والسلام صحيح ؟ وهل آراؤه في القضايا المعاصِرة صحيحة ؟ وما قيمة رأيك أنت؟
 ذكرت ذات مرةً أنه قد جرت حرب أهلية في بلد مجاور ودامت أربعة عشر عاماً، وانتهت والحمد لله هذه الحرب الأهلية ويُمكن وقد مضى عليها زمن، أن تُفسر تفسيراً عربياً فنقول: هذا البلد أصبح ساحة صِراع للقِوى العربية، ويمكن أن تُفسر هذه الأحداث الدامية تفسيراً طائفياً، كما يمكن أن تُفسر تفسيراً



دولياً، إنه مركز مالي قوي جداً نافَسَ مراكِزَ أُخرى، ويمكن أن تُفسر تفسيراً قرآنياً، دينياً، إلهياً، قال تعالى:
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)﴾
(سورة النحل)
 هذا التفسير الديني، تفسير خالق الكون لما حدث، فأي هذه التفاسير هو الحق ؟ إنه التفسير الديني.
 إذاً: إذا توجهت إلى تفسيرات أخرى فتكون في باطل،لقد حصل زلزال، فهُدمت مدينة بأكملها، هناك تفسير ساذج إذا يقال: إنه تصدع بالقشرة الأرضية أو التواءات داخلية، فهذا تفسير علمي، ولكن هذا التفسير لا يتناقض مع التفسير الديني، قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾
(سورة هود)
 فلن تكون بطلاً إلا إذا استطعت أن تتعرّف إلى الحق، وأن يكون اعتقادك حقاً، وأن يكون كلامُك حقاً، وأن تكون حركتُكَ حقاً.
 وإذا كنت تعاني من مشكلات، وأن تفسِّر هذه المعاناة بقلة الحظ، فهذا تفسير باطل، وهناك تفسير آخر أن تقول لي حُسّاد كثيرون رموني بحسدهم، وهذا تفسر باطل أيضاً، لأنَه لا يستطيع أحد أن يَضُرَّ أحداً، إلا إذا كان مستحقاً أو غافلاً، ولكن إذا قلت ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله عنه أكثر، فهذا التفسير حق، وأنت في اليوم الواحد أمام آلاف المقولات الباطلة، فالبطولة أن تتعرف إلى الحق وأن تعتقد الحق، وأن تَنطِق بالحق، ولن تكون على حق إلاّ إذا عرفته، ولن تعتقد به، ولن تَنطِق به إلا إذا عرفته، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( أصل الدين معرفة الله ))
 ومثلاً عن أصحاب الصنعات، فلو فرضنا إنساناً تصرّفَ في صنعته تصرُفاً خاطئاً، فنقول إن هذه الطريقة باطل، ولو أشاد إنسان بناء على الشاقول، فسوف نقول هذا البناء حق لأنه سيستمر، ولو أشاد بناء بلا شاقول فنقول هذا البناء باطل، لماذا ؟ لأنه سيسقط وينهار. فما هو الحق إذاً ؟ ؛ هو الشيء الموجود، ولكن يجب أن نضيف إلى ذلك شيئاً فعندما قال ربنا:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ(85)﴾
(سورة الحجر)
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)﴾
(سورة الروم آية 8)
 وآية:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ(26)﴾
(سورة ص)
 الباطل: هو الشيء الزائل، والحق: هو الشيء الموجود الثابت و من معاني الحق الشيء الموجود الثابت، والآن سنضيف شيئاً، الموجود حق، أمّا الدرجة الأعلى، فواجب الوجود، والدرجة الأعلى كذلك فدائم الوجود، فواجب الوجود ودائم الوجود، وهناك أعلى من ذلك، ولا موجود آخر معه، إنه واحد في وجوده، ثم انتهينا إلى درجة أعلى: كامل في وجوده. فهو واجب ودائم وواحد وكامل، هذه حقائق ثابتة عن الله عز وجل.
 الله موجود، بل هو واجب الوجود، بل هو أبدي الوجود، لا شيء بعده، وهو واحد في وجوده، وكامل في وجوده. فإذا عرفته بهذه الصفات فقد عرفت كل شيء، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء، والله ما حصَّلتَ شيئاً، ولو ملكت أموال الدنيا، أو ارتقيت إلى أعلى مكانة في الحياة، ولو حصلت كل الشهوات وما عَرَفَتَ الحق، فلست بشيء، لأنَّ وجودُكَ ليس ذاتياً، فلو كان وجودُكَ ذاتياً فليس هناك مانع، لكن وجودك مرتبط بواجب الوجود، فإذا شاء واجب الوجود وهو الله أن يُلغي وجودك فعندئذٍ تنهي أمرك كله.
 لقد كنا مدعوين إلى عيد مولد في أحد مساجد دمشق، والذي دعاني وقدم لي بطاقة الدعوة، أحد إخواننا الأكارم، فتوجهت إلى مكان الحفل، وفي مدخله رجال عديدون يقفون لاستقبال المدعوين، صافحتهم واحداً واحداً، وسألت الذي دعاني في الطريق، من الذي أشرف على هذا المولد، قال لي: عمي فلان والد زوجتي، قلت له أين عمك ؟، قال هو في الداخل فلما دخلت صحن المسجد، رأيت رجلاً مُكتمل الرجولة، يرتدي الثياب الأنيقة مورد الوجه نشيطاً، ولم أكن أعرفه من قبل، فرحّبَ بي ترحيباً حاراً، وأفاض، فدخلت إلى مكاني في الحفل، وكان أحد الإخوة الأكارم يلقي كلمة، وأثناء إلقاء كلمته، تحرك اثنان من المدعوين، فما فهمت لِمَ تحركا، ثم ألقيت كلمتي التي استغرقت عشرين دقيقة، وبعد أن أنهيت كلمتي، جاء رجل وهمس في أذني أن هذا الذي استقبلك في صحن المسجد قد توفي، وما استمع إلى كلمتك.
 لا تعجب فأنت ليس واجب الوجود بل أنت ممكن الوجود، والدليل واجب الوجود أنهى وجوده، بثانية، فقد كان ينتظر أن ألقي كلمة، فما استمع إليها، وبعد أن دخلت وقع ومات، و نحن والله لم نُصدّق، أُنهِيَ الحفل، وذهبنا إلى المستشفى، ودخلنا إلى غرفة العناية المشددة فإذا هو مسجى، قد فاضت روحه إلى بارئِها، فأنت ليس واجب الوجود بل ممكن الوجود، وأنت ليس حقاً، فالله هو الحق ولو كنت حقاً لسرى عليك قوله تعالى:
﴿فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) ﴾
(سورة الواقعة)
 نعم. إنني مدين، وكلنا مدينون.
 وإذا هطلت الأمطار عمت الفرحة وشملت العباد والبلاد، لكن لو أن السماء انحبست،فما مصيرنا، وما وجودنا ؟ إذ ستجف الآبار والأنهار، والنباتات تصير إلى الذبول واليبس، والسؤال الذي يطرح نفسه، فهل وجودنا ذاتي ؟ لا، نحن وجودنا متعلِّق بمشيئة واجب الوجود، وفي المطر، وفي كل شاردة وواردة، وفي كل صغيرة وكبيرة.
 وكم يكون هذا الإنسان غبياً إذا ظنَّ أنه موجود وأنه واجب الوجود وأنه يعمل وأنه يكسب المال، فهذا هو الباطل، وهو اعتقاد باطل، فأنت كُلما تعرفت إلى الله صَغُرَت نفسك في عينك وكَبُرَ في عينك الله سبحانه وتعالى، فمن هو المؤمن إذاً ؟ الذي لا يرى إلا الله.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
(سورة الفتح)
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾
(سورة الأنفال)
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَات ِِوَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123) ﴾
(سورة هود)
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
(سورة هود)
 قد تسأل ؛ لماذا يتكلم فلان بما ليس قانعاً به ؟.. لأنه لم ير أنَّ الله هو كل شيء، فلعله رأى الله عظيماً، كما رأى فلاناً عظيماً، فهو يرى أن زيداً وعُبيداً وفلاناً بإمكانهم أن يفعلوا و يرفعوا و يخفضوا، و ينفعوا و يضروا، و كلما نقص توحيدك ازداد شِركُك، فاعتقادك غير صحيح.
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
 فالقضية أخطر بكثير من أننا استمعنا إلى محاضرة فذة معانيها مقنعة، مؤثرة، هادفة ثم تفرقنا إلى بيوتنا، إن جلل، فالأمر يتعلق بحياة أبدية، فهل أنت على حق وهل اعتقادُك حق، وهل تصوراتك حق، أو أفعالُك حق، ومواقِفُك حق، و هل أعطيت بالحق أم بالباطل؟ و هل منعت بالحق ؟ وغضبت بالحق ؟ و رضيت بالحق ؟.
 هناك غضب بالحق ورضى بالحق، وإعطاء بالحق، وصِلة به أو قطيعة، وحينما تعرف الحق أنه واجب الوجود وأنه أبدي الوجود وأنه واحد في وجوده، وكامل في وجوده، و لا موجود سِواه، وإليه المصير، فعندئذٍ تقطع كل العلائق مع أي كان، وتتجه إلى الخالق. فالقضية أخطر بكثير من أن الإنسان حضر مجلس علم، وأخطر بكثير من أنه صلى ركعتين ودفع ليرتين، لأن الأمر أمر مصير أبديٍّ، والقضية قضية حق أو باطل، قال تعالى:
﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) ﴾
(سورة يونس)
 وشيء آخر ثم اعلم أيها القارئ العزيز أنك لو اعتقدت اعتقاداً ليس قطعياً، إذ سألك سائل: هل أنت مؤمن بالجنة ؟ فقلت: والله أغلب الظن أن هناك جنة، فهل علمت أن هذا اعتقاد باطل، ولن يغنيك شيئاً وهل أنت مؤمن أنَّ الله عز وجل سيسألك عن كل صغيرة وكبيرة ؟ فقلت: لن يُدقق، ولن يحاسبنا إلا على قدر عقولنا.. فهذا اعتقاد باطل أيضاً، وهل أنت مؤمن بقوله تعالى:
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) ﴾
(سورة الزمر)
 فالله سبحانه يخاطب النبي، أي يا محمد:
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) ﴾
 وقد تقول كما يقول بعضهم: لقد حكى لنا فلان حفظه الله ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة حتى يُدخل كلَّ عصاة أمته، فنحن إذاً والحمد لله مصيرنا معروف، فهذا اعتقاد باطل وإن هي إلا أماني، وإن هم إلا يظنون. ولا بد من مراجعة حساباتك، إذ الإنسان أحياناً ومن خلال دروس في المساجد متقطعة، ومن خلال خُطب غير دقيقة، ومن خلال أقوال في جلسات غير صحيحة، فيتسرّب الباطل إلى ذهنه وعند ذلك سوف يتصرف بالباطل. فمثلاً لِمَ تغش يا فلان ؟ فيقول: أنا عندي أولاد والنفقات باهظة فماذا أفعل ؟ فهذا كلام باطل، إذ غاب عن ذهنه أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وإن لكل حسنةٍ ثواباً ولكل سيئةٍ عِقاباً، فأولى بك وأجدر أن تُنقّح عقيدتك من كل غلط اتهم به الأنبياء:
﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)﴾
(سورة يوسف)
 فتبادر إلى القول: هذا نبي ولن يقع في الزنا، وإن هذا اعتقاد باطل، وهو التفسير للآية باطل.
﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ﴾
 همت بجذبه فهَمَّ بدفعها، أو تقرأ: ولقد همت به وقف. ثم تقرأ: وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، فهذا هو التفسير الحق، عن الأنبياء.
 الله عز وجل يلقي نوراً في قلب المؤمن يُريهِ الحق حقاً والباطل باطلاً، أما بعض التفاسير تورد أنه رأى أباه في المحراب فقال له إياك، فهذا لا يستقيم، فنحن نريد التفسير الحق.
﴿لَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)﴾
(سورة السجدة)
 فيجب أن تفهم القرآن فهم حق وليس فهم باطل، وأن تفهم كلام النبي فهم حق:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ))
(صحيح مسلم)
 ماذا يعني بهذا الحديث ؟ هل تقترف الذنوب جزافاً ؟ ليس هذا هو المعنى... المعنى إذا بلغتم درجة لم تشعروا بذنوبكم فأنتم موتى، لذَهَبَ الله بكم فمن أمضى سهرة بالغيبة ونام مرتاحاً، فالنبي الكريم قال:
(( الغيبة أشد من الزنا ))
( رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي مرفوعا)
 فإذا ارتكب الإنسان المعاصي ولم يشعر بشيء فهو ميّت، أما المؤمن فيملأ الليل بالعمل الصالح، فيجب عليك أن تكون عقيدتك صحيحة، عن الله عز وجل، والله قال:
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة﴾
(سورة آل عمران من الآية154)
 وهناك خلق كثير أكثر أفكارهم عن الله ورسوله مغلوطة، وأكثر تصوراتهم و معتقداتهم خاطئة، فمثلاً يقولون: إن رسول الله كان ماشياً في الطريق فطرق باب زيد، ففُتِحَ الباب، وبدت زوجته زينب من دون ثياب وقد وصل شعرها إلى أسفل ظهرها فأُعجب بها النبي وقال سبحان الله، سبحان مُقلّب القلوب !.. من قال لك إن هذه القصة صحيحة ؟ من قال هذا ؟ فهل نبي عظيم يفعل هذا ؟ فأنت إن كنت مؤمناً فلن تفعله، لذلك فهذه الخرافة باطلة، مدسوسة دساً على الإسلام ونبيه.
﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾
(سورة الحجر)
 ويزعم أحدهم أن امرأة حسناء صلّت بين الصحابة، وهل يعقل أن تصلي امرأة بينهم ؟ و هي وضيئة و حسناء، وبعضهم صلى خلفها ليرى محاسنها في أثناء الركوع والسجود وبعضهم صلى أمامها، فنزل قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ﴾
 إنه تفسير باطل، وقول سوس والصحابة أعظم من ذلك، وهؤلاء أصحاب رسول الله، فأنت ينبغي أن تعرف الحق، وأن تعرف ما يليق بالحق، وأن تعرف أسماء الله الحُسنى وصفاته الفُضلى، ويجب أن تعرف ما يليق بالأنبياء..
 أما عن النبي داوود فيقولون: عنده تِسعَ وتسعونَ امرأة، وأحب زوجة أحد قوّاده، فقال قدموه قدموه في الحرب لعله يموت ونأخذ زوجته، فعاتبه الله عز وجل وقال: يا داوود أعرض عن الهوى، هذا تفسير غير صحيح، والصواب أن سيدنا داوود انشغل بعبادته عن حل مشكلات الخلق، فأرسل الله له ملكين تسورا المحراب، وافتعلا خصومة وسمع من الأول ولم يسمع من الثاني، وقال للأول متسرعاً: قد ظلمك، ليعود إلى مصلاه، فالهوى الذي نهي عنه هوى رفيع، هواه في الإقبال على الله عز وجل فيجب أن تُفسّر التفسير الذي يليق بالأنبياء، ويليق بهذا الدين العظيم، ونحن نريد أن نعتقد اعتقاداً صحيحاً، ونقول قولاً صحيحاً، وأن نُطبّق تطبيقاً صحيحاً لنكون على الحق.
 وأعود فأقول: الحق ؛ هو القول المُطابق للواقع بدليل، أنك إذاً لا تقبل كلاماً غير صحيح، لا يُطابق الواقع، إذ هناك دجالون كثيرون، يزخرفون القول فيدعون مثلاً أن هذه علاقتها مع زوجها سيئة، فيقولون لها، إنك تحتاجين إلى خروف أسود وأبيض، تذبحينه لكي يحبك، فهذا كلام باطل، كله دجل وكذب، وليعلم كل مسلم أن بين أظهرنا كتاب الله القرآن الكريم، فالنأخذ بما فيه، إذ به انتصر الصحابة وفتحوا الأمصار، ونشروا الإسلام، والبعض يدعون إلى الله عز وجل عن طريق ضرب الشيش مثلاً، فماذا أفاد المسلمين ؟ ما أفادوهم بل ضلّوهم، ولو أن مريضاً يشكو آلاماً مبرّحِة في المعدة، وزار طبيباً، فقال له انتظر، ونصب حبلاً في العيادة، وصعد يمشي عليه فرأى المريض أعمالاً خارقة، وهو مريض ويحتاج إلى دواء وعلاج، فماذا يستفيد إذا سار الطبيب على حبل وكان بهلواناً.
 سردت هذه الأمثلة وأطلت لأننا بحاجة إلى علاج، وإلى راحة نفسية وإلى توازن، وإلى سعادة و إلى حقيقة ثابتة لا تكشف الأيام أنها زائفة، ويمكن أن يعتقد المرء اعتقاداً ما إلى أمدٍ طويل وفي النهاية يظهر أن هذا الاعتقاد باطل، و لا أساس له من الصحة، وما سبَّبَ إلا دمار الإسلام والمسلمين، إذاً كلمة الحق، الله هو الحق.
 لابد من أن يعرف المسلم أن اعتقادكَ إذا كان مُطابقاً للواقع فهذا الاعتقاد حق وأنَّ قولَكَ إذا كان مُطابقاً للواقع فهذا حق.
 وما قولك إذا ركب أحدهم سيارة، فقيل له لمَ هذا الضوء وما فائدته، وهو ضوء صدر عن ساعة الزيت، فأجاب: إنه يتألّق ليُسليّك في الطريق، وليس له غاية أخرى، فهذا التفسير صحيح أم غلط ؟ وهل التصديق صحيح أم غلط ؟ وهل الكلام صحيح أم غلط ؟ كله غلط، لأنَّ هذا لو تألّق وبقيت ماشياً لاحترق المحرك، فيكلفك خمسين ألفاً، أما لو تألّق ووقفت مباشرةً فيُكلِفُكَ مائة ليرة فقط.
 يجب أن تكون معلوماتك، وتصوراتك، واعتقادك، ومواقفك، وعطاؤك ومنعك وصلتك وقطيعتك وغضبك وسرورك، كله بالحق، والنبي كان يمزح ولا يمزح إلا حقاً، فيمكن أن تمزح و لكن مزح حق، لا خدشاً لمشاعر إنسان، ولا تحقيراً لأحدٍ ولا تحقيراً لحِرفة أو مهنة، ويمكن أن تروي طُرفة ممتعة وأنت صادق وبحق، فالنبي كان يمزح، ولا يمزح إلا حقاً.
 كلمة " حق " أتمنى على الله عز وجل أن تكون واضحة، وبالقرآن وردت مئات المرات، والله هو الحق، أما معنى إحقاق الحق، وأنَّ كل ما سِوى الله لا وجود له إلا بالله، وفي أية لحظة إذا أراد الله لشيء أن يزول فإنه يزول، كن فيكون زُل فيزول، إذاً ما سِوى الله مُمكن الوجود وإذا وُجِدَ فبالله، وإذا استمر فبالله، وإذا انتهى فبالله، و هناك دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم أنا بك وإليك ". موجز أنا بك: يعني قائم بك، والله سبحانه ماذا قال ؟ قال: قل اللهم مالك الملك، مالك الملك، وكل شيء يُمَلَّك فالله مالكه فعينك ملكه، وأنت ترى بها ما دام قد سمح لك أن ترى بها، وفي أية لحظة لو شاء أن تفقدها لفقدتها بلا سبب فالله حق.
 والسمع يُمَلَّك، والأصل أن الله مالكه، واللسان يملك، حدثني أخ قال لي: بمشفى الأمراض العقلية، هناك مهجع خطير جداً، رقم 6 هذا المهجع نزلاؤه كما خلقهم الله عز وجل، يمزقون كل ثيابهم، ويأكلون من نجاساتهم ودمائهم وشعورهم، أي شيء يوضع في هذا المهجع يُتلف، أقوياء البنية، لكن عقولهم معطّلة، فأنت لك مركز، ولك عمل، وتُتقن حرفة، وأنت قائم بالله، فلو أخذ ما أوهب انتهيت، وبيتك أنت عمرته، ورتبته وزيّنته فلو صار في عقلك خلل، فأهلك يطرقون أبواب المسئولين حتى يسمحوا لهم أن يضعوك في مستشفى الأمراض العقلية، ويتوسلون ويرجون. بينما كنت أنت الأب وأنت مالك البيت، وأنت الذي اشتريته ورتبته، لكنك الآن سلبت مل ما تملك، وفي أية لحظة قد يفقد الإنسان عقله، أو يفقد بصره، أو سمعه. و أنت عندك كليتان تعملان بانتظام، وإلى الآن لم يعرف الطب سبب هبوط وظائف الكليتين الفجائي، فجأةً تقف الكليتان عن العمل، فتصبح الحياة جحيماً، لا يُطاق، فيعرض على الطب كل أسبوع مرتين، وكل مرة سبع ساعات، مرة بهذه اليد ومرة بالأخرى، ومرة بالقدم، ويبقى بالمئة عشرون من حمض البول ( الأوريه ) بالدم، تُسبب لك مواقف عصبيّة صعبة ونرفزة وضيق نفس، أين آمالك، هل تملك كليتيك لا والله، وهل تملك دسام القلب لا والله، وهل تملك الشرايين التاجية وأن تبقى واسعة، وعندما تضيق تمشي مترين فتقع ولا تستطيع أن تُكمِل سيرك.
 قال لي أخ: كنت أصعد إلى الطابق الرابع بسهولة فصرت إلى الثالث أتعب ثم إلى الثاني، ثم إلى الأول، ثم بعد درجتين أتعب، أجريت له عملية بكلفة مليون وما نجحت، فهل أنت تملك شرايين قلبك؟ لستَ بمالِكِهِا، وهل تملِك البنكرياس لتعطيك الأنسولين بشكل منتظم ؟ إنك لا تملكه، وإذا قصّرَ بواجبه هرولت مستغيثاً. أدركوني. أدركوني.
 لي قريب في ريعان شبابه، أصيب بفقر الدم، وهو من أسرة غنية، وغذاؤه جيد والكريات ثلاثة ملايين بالميليمتر المكعب، كان يدرس الطب في الجامعة، إلى أن اكتشف أحدهم أنه يوجد خلل في الطِحّال، فأخذوا عينة إلى المخبر، فوجدوا الطِحال ليس مُقصِّراً.. بل يقوم بنشاط زائد، و الطحال مهمته إذا وجد كرية ميتة يحللها إلى هيموغلوبين وإلى حديد، فيرسل الحديد بطرود بريدية إلى نقي العظام ليُعاد تصنيعه مرةً ثانية، ويُرسل الهيموغلوبين إلى الكبد ليكون الصفراء فصفراء الكبد، وحديد نقي العظام أساسه تحلل كريات الدم الحمراء الميتة، فهذا الطِحّال نشيط بزيادة.. وكلما مات ميت أخذ كفنه فذهبَ إلى حي وقتله وأخذ ملابسه، هذا الطحال يقوم بنشاط زائد عن نشاطه الحقيقي، ووقضى الشاب لسوء عمل الطحال. بل قل انتهى أجله. والله حق.
 فأنت حياتك مرهونة بسلامة الطحال بحيث لا يزيد نشاطه والأنسولين لا ينقص والدسام ألا يخطئ والشريان ألا يضيق، والكلية ألا تقف، والأعصاب والعضلات، واعلم أن نقطة دم في الدماغ تسبب الشلل، وأنتَ لا تملِكُ شيئاً:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
(سورة آل عمران)
 وأما عن وجودك أيها الإنسان وسعادتك، فأحياناً يعطيك الله الدنيا مع الانقباض، فكل المال ليس له قيمة، ولو أعطاك المال وسَلَبَ مِنكَ الطُمأنينة فحياتك في قلق، ولو أعطاك المال وسَلَبَ منك الصحة، أو الاستقرار والشعور بالأمن، فحياتك لا قيمة لها، قال تعالى:
﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ(81)﴾
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
(سورة الأنعام)
 أيها القارئ الكريم: أهم ما في حياتك أن تعرف الحقيقة ! ابتدأتُ الحديث معك أن لو كان لديك آلة وأنت مضطر لتشغيلها، وهي تحتاج إلى طاقة كهربائية، فتوجهت إلى مأخذ لا طاقة فيه، فهذا المأخذ باطل ثم توجهت إلى آخر فكان المأخذ الآخر صالحاً، إذاً هو حق، فالحق الشيء الموجود، بل هو واجب الوجود، و دائم الوجود، و واحد في وجوده، و كامل في وجوده، فهو واجب دائم واحد كامل، واعتقادك هذا حق، واعترافك هذا حق.
 لذلك أعود فأقول: إن ( الحق ) ؛ كل قول وافق الواقع بدليل، أما بلا دليل فصار تقليداً فإذا قال أحدهم أشهد أن لا إله إلا الله، فحقيقة الكلام حق، وما الدليل ؟ إنه لا يعرف، فهذا كلام بلا دليل، فالحق أن يأتي كلامك مطابقاً للواقع مع الدليل.
 وبعد، لو كان اعتقادكَ بالحق اعتقاداً غير قطعي، فلا قيمة له، قال تعالى:
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)﴾
(سورة البقرة)
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) ﴾
(سورة الحجرات)
 فلو كان في اعتقادك ارتياب، أو تردد، أو عدم قطع، أو كان اعتقادك بالشيء ثلاثين بالمئة فما دون فهذا اسمه وهم، وإن كان اعتقادك خمسين أو حول خمسين بالمئة فهذا اسمه شك، وإذا كان اعتقادك سبعين بالمئة فما فوق فهو ظن، ولو كان اعتقادك تسعين بالمئة فهذا أطلقوا عليه " غلبة ظن "، أمّا إذا كان مائة بالمائة، فهذا هو الحق و إيمانك بالجنة والنار والحساب لابد أن يكون قطعياً، وأن المُرابي سوف يَمحَقُ الله ماله وأن الزاني سوف يَفتقر، وأن الذي يُطلق بصره لا بد من أن يشقى في بيته، وأنَّ الذي له مال حرام سوف يُتلفه الله، وأن هناك وقفة بين يدي الله عز وجل، فإذا اعتقدت بهذه الأمور اعتقاداً قطعياً جازماً مائة في المائة، فأنت على حق، فالحق لا يتناسب معه الظن، ولا غلبة الظن ولا الشك ولا الوهم، قال المعري:
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا  تحشر الأجساد قلت إليكمــــا
إن صح قولكما فلست بخاسر أو  صح قولي فالخسار عليكمـــا
***
 هذه عقيدة باطلة، وقولهم إذا كان هناك آخرة نجونا، وإن لم توجد فما خسرنا شيئاً، فهذا ليس ديناً، بل هو شك ؛ وعدم تصديق بكلام الله.
 الحق لا يتحمل وهماً ولا شكاً ولا ظناً ولا غلبة ظن، ولا يناسبه إلا القطع.
 أكرر: الحق هو كل قول مقطوع به، موافق للواقع، وأي قول خالف الواقع فهو باطل فيمكن أن تنفي عن الدين آلاف الأفكار، وآلاف المعتقدات الزائفة، وآلاف القصص الباطلة، وكل شيء خالف الواقع كذلك.. عزل سيدنا عمر سيدنا خالداً، هذا الذي خاض مائة معركة أو زهاءها وفي كل هذه المعارك كان منتصراً، ففي كثير من كُتب التاريخ يَقول مؤلّفوها: كان بينهما حزازات في الجاهلية، فلما صار خليفة شفى غليله وعزله ! أهكذا كان أصحاب رسول الله ؟! لو كانوا كذلك والله الذي لا إله إلا هو ما خرجوا من مكة، ولم يفتحوا مصراً واحداً.. وأنت تسمع تفاسير كثيرة جداً حول عزل عمر لخالد ولقد عثرت أخيراً على تفسير حق، جاء سيدنا خالد إلى سيدنا عمر، فقال له، يا أمير المؤمنين لِمَ عزلتني، فقال: والله إني أحبك يا أبا سليمان، فقال: ِلمَ عزلتني، فقال: والله إني أحبك، فقال: ِلمَ عزلتني، قال: والله ما عزلتك يا ابن الوليد إلا مخافة أن يُفتتن الناس بك، لكثرة ما أبليت في سبيل الله.
 " كاد الناس يظنون أنك أنت الذي تنصرهم، خفت على العقيدة، فأردت أن أريهم أنني لو عزلتك يبقى النصر ما دمتم مؤمنين هذا التفسير للحادثة يليق بسيدنا عمر، ويليق بسيدنا خالد، وهذا تفسير حق"
 وأحياناً تقرأ تفاسير للأحداث وتقرأ قصصاً غير صحيحة وغير معقولة، فتهتز بها الصورة المتألقة للصحابة الكرام، وهذا من عمل الشيطان وأهل الزيغ والباطل.
 إذاً: الحق لا يقبل الشك ولا الوهم ولا الظن ولا غلبة الظن، ولا يقبل إلا القطع.
 ونسمع من يقولون في زماننا: إن هذا الكلام واقعي إلى حد ما ! فقولهم: " إلى حدٍ ما " ليس حقاً، بل يحمل كل معاني الشك، وواقعي بالمائة ثمانين فليس حقاً، وواقعي بالمائة خمسين فليس حقاً، وواقعي نوعاً ما، فليس حقاً الحق واقعي مائة بالمائة، دائماً وأبداً.
 وهو ما كان مقطوعاً به، وموافقاً للواقع، وعليه دليل، ولو ألغي الدليل لصار تقليداً، ولو اعتقدت تقليداً فعقيدتك غير مقبولة.
 وإذا قبلنا التقليد بالعقيدة، كأن يقول لك إنسان: الله عز وجل ليس رحيماً وهذه الكوارث والمصائب والأمراض دليل على ذلك. فتقول صحيح وأنا سأقلدك الآن، فإذا كان يوم القيامة، فيقول لك الله عز وجل، لِمَ اعتقدت أنني غير رحيم تقول: يا رب أنا قلدت فلاناً هو قال كذلك فصدقته، فيقال لك: أين عقلك ؟ لذلك لا يمكن أن تقبل من الإنسان العقيدة بالتقليد، فلا تقبل بلا دليل ولا ترفض بلا دليل، بل عود نفسك المنهج العلمي، فإن حدثك أحد بقصة، فقل: ما مصدرها ؟ وإذا كنت ناقلاً فالصحة، إذا كنت مدعياً فالدليل، ولا يبنى شيء على أغلب الظن:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾
(سورة الحجرات)
 الحق يحتاج إلى دليل، وإلى مطابقة للواقع وإلى قطع، فإذا استطعتَ أن تعمل مراجعة لِكُلّ أفكارِك وكُل مُعتقداتِك وكُل تصوراتِك حتى تجعل منها كلها مطابقة للواقع قطعيّة الثبوت وعليها دليل فأنت من الفائزين، وإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( يا ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا ))
 فالله هو الحق، وكلامه هو الحق، والجنة حق، ومعنى حق موجودة، والنار حق، والحِساب حق، والعذاب حق، والصِراط حق والحوض حق، وغضُّ البصر حق، فما معنى حق ؟ أيْ لو طبقته عملياً لقطفت ثماره، والأمانة حق، فلو كنت أميناً لوثِقَ الناس بك فالأمانة غنىً، وأي شيء تُطَبِقُهُ، تقطِف ثِمارَهُ، فالوقت ثمين وغال والحياة لا تحتمل إلا التطبيق، وإن كنت من رواد المساجد، فإن لم تطبق ما تتعلم فلن تقطف شيئاً، وتكون كل حركاتك عشوائية، والتطبيق هو الجانب العملي. قال تعالى:
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾
 وهذا الكلام مؤداه خطير، فمؤداه أن تتعامل مع الدين تعاملاً جديّاً، فتصل إلى الغاية والهدف.
 ثم انظر ملياً فحينما تقول إن في الدار الآخرة أبدية والحياة الدنيا زائلة فهل عملك يتوافق مع اعتقادك ؟ قد يكون الاعتقاد حقاً ولكن التطبيق باطل، وهل تقبل من طبيب أن يقول لك، إيّاك والدخان فإنه سرطان في الرئة وضيق في الشرايين، وجلطة وهو يُدخن أمامك، فهذا كلامه باطل ولو كان يوقن بما يقول ما فعل هذا.
 إذاً: كلمة " حق " مدلولاتها كبيرة جداً، فالله هو الحق، ومعنى هو الحق ؛ لابد من أن يظهر الحق، وإن كنت على حق فلابُدَّ من أن ينصرك ولو بعد حين، أما إن كنت على باطل فلا بد من أن يّخذِلَك ولا بُدَّ من أن يَفضَحك، فكُنّ مع الحق أبداً، وإلاّ فهناكَ خذلان وفضيحة ولكن المشكلة، التي أتمنى من الله عز وجل أن تكون واضحة عِندَ كل مسلم، هي أن الله عز وجل يُرخي الحبل، ومعنى يرخي الحبل، أي يمهلك إلى أمد بعيد أن تفعل ما تشاء وأنت سالم، وتتصرف باختيارك، ولو عاجلك بالعقوبة عند كل خطيئة لاستقمت ولكن استقامتك ليسن عن حبٍ لله عندئذ، ولا عن طاعةٍ له، بل تستقيم خوفاً منه، وعندئذ أنت لست مخيّراً بل مسيّرٌ، و معنى مخيّر أي يمكنك أن تأكل مالاً حراماً وتستمتع به سنوات طويلة وبعدئذ تلق العقوبة المرة، وتنوء تحتها وقس على ذلك الشيء الكثير من الحرام.
 قال تعالى:
﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)﴾
(سورة التكاثر)
 كذلك إذا رأيت دخاناً وراء جدار فستحكُم مائة بالمائة أنه لا دُخان بِلا نار، ثم ذهبت إلى خلف الجدار، فرأيت لسان اللهب، فمشاهدة الدخان عِلمُ اليقين، وعندما وقعت عينك على ذات النار فهذا عين اليقين، فإن قربت يدك منها فلسعتك بحرارتها فهذا حق اليقين، الحق مائة في المائة وهو يقين، عِلمُ اليقين وعين اليقين وحقُ اليقين.
﴿ كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ﴾
 إذاً لا بُدَّ من أن نتعرف إلى الحق، ولا بُدَّ من أن نعتقد حقاً وأن نقول حقاً وأن نسلُكَ المنهج الصحيح لنكون على حق، وحتى نستحق أن يرفعنا الله عز وجل، وحينما يُحِقّ الله الحق يسمح لعباده الطائعين أن يرفعهم، وليس سوى الله عز وجل قال:
﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(88)﴾
(سورة القصص)
 إذاً الملَخص الذي ينطق بالحق هو: يا رب ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك.
 وهناك في الكون حقيقة واحدة وهي الله، كل شيء يُقرِّبُكَ منها فهو حق، وكل شيء يُبعِدُكَ عنها فهو باطل، فعليك أن تعرف الله، وأن تعرف منهجه، وأن تُطبّقه، وهذا هو الحق، وما سِوى ذلك كله باطل، والمؤمن يرى بأم عينه، أن الباطل قد يصمد سبعين عاماً وبعدئذ يتهاوى كبيت العنكبوت، لأنه باطل فالفكرة باطلة والمبدأ باطل والتطبيق باطل. وإذا رأيت بأم عينك جداراً بُني بِلا شاقول، فالمهندس لابُدَّ قائلٌ: إن الجدار سينهار لا محالة، لأن بناءه باطل:
﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81) ﴾
(سورة الإسراء)
 إن الباطل من صفاته الثابتة أنه زَهَوق، وإن كان الاعتقاد باطلاً فهو زَهَوق، وإن كان السلوك باطلاً فهو زَهَوق.
والحمد لله رب العالمين
 التعقيب علي مقال اسم الله الحق 


معني الحق


https://3.bp.blogspot.com/-N4Y4jgt1fRg/VuohVB_YinI/AAAAAAAAAHE/eFBv2eQqcgwMoHPB6dmoI8YftK08bJ4BA/s1600/03.bmp

بسم الله الرحمن الرحيم

أولا   ..  إن من معاني الباطل الممتنع وجوده في صفحة الحق الناصعة وجود الإحتمالية في المدلول والقصد إلإلهي ذلك لأن الكلمة في العبارة الإلهية المنزلة في القرآن الكريم قد نزلت من إلهٍ واحد  بقصد واحد يتسم بالثبات في 1.القصد           2.والمدلول                3.والسور 
1.فأما في القصد فلأنه بعلم الله  ومراده وهما حق أي ثابتان بلا شك  وكل حقٍ يوجد يتسم بالثبات المستيقن ولا شك فيه بمثقال ذرة.
وأما في المدلول فلأنه لا يقبل إمكانية تحوله في ذاته إلي مدلول غيره حين قصد الله الحق.. تشريعه ، فلا يمكن أن يكون هذا المدلول متسما بصفة التمدد أو التحول في ذاته إلي مدلولات غيره ولأن صفة التمدد في المدلول والتحول فيه بعد  تشريعه هي من صفات العبث فلا يمكن أن تكون كذلك في تشريع الله الحق  الثابت بلا شك 
كما أنه أي الحق لا يقبل وجود الإحتمالية حين تشريعه ضمن  قصد الله الواحد فكل احتمال يتصور وجوده في النص التشريعي حال قصد الباري تشريعه يكون باطلا ولا يقبل تصور الإحتمالية حال التكليف به وصنعه من الباري جل وعلا،
إن كل من يتصور وجود قصدين واحتمالين في نص الباري سبحانه هو رجل أخطأ في حق الله تعالي ولم يقدر الله حق قدره وما تصورات العباد وتوهمات البشر بقيد علي الله الباري جل وعلا ولن تخضع إرادة الله تعالي حين شرع النص القرآني إلي توهمات عباده المصنوعة من مجرد إمعانات تتجول في زوايا وثنيات عقولهم القاصرة المحدودة وعلم الله واسع لا يحده قيدا مخلوقا صنعته يد البشر
وأما في السور
فيجب أن يعلم القاصي والداني أن لكل لفظٍ مدلول وأن لكل مدولٍ سور يحوط الكلمة يحيطها بالضبط لا يزيد ذرة ولا ينقص ذرة  وأن كل تغاير في المدلول يتبعة تغاير في السور والتغير في سور الكلمات يؤدي إلي تغير في سور العبارات التي يتغير لها سور المدلولات المشرعة وهذه مستحيل في حق الله تعالي لكونه متضمن للإستحالة في الحدوث حال القصد الإلهي في التشريع  إن كل من يفترض علي الله تعالي إمكانية حدوث هذا التغير هو بكل المقاييس لم يقدر الله حق قدره ..متجنيا علي حقه المتفرد في حق التشريع الثابت بلا شك لأنه حقا يمتنع   عنه العبث والباطل واللغو      ..

وعليه   فيمتنع :
https://3.bp.blogspot.com/-N4Y4jgt1fRg/VuohVB_YinI/AAAAAAAAAHE/eFBv2eQqcgwMoHPB6dmoI8YftK08bJ4BA/s1600/03.bmp
ثانيا :  معني الحق
قانون الحق ج1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفي والصلاة والسلام علي المصطفي
أما بعد فقد كثر اللغط حول :
1. ماهية الكبائر
2. ونوعية الصغائر
وعم الخلاف فيها وطم حتي تغيرت الشرائع في نفوس الناس ومال الإسلام في عقائدهم وما الاسلام بمائل في مقصود الله تعالي
ولا شك ان كل خلاف تتعدد به الرؤيا في المسألة الواحدة هو في كل أحواله باطل كله أو باطل كله الا وجها واحدا هو الموافق لمقصود الله تعالي…. الحكيم الخبير ,
ذلك لان الله تعالي يستحيل في حقه الباطل وأن قوله الحق والحق هو الثابت بلا شك ,
وأن من ثبات القول في حق كلام الله تعالي أن يتسم :
1. بالوضوح
2. وعدم التغير
3. وامتناع الإزدواجية
4. و إمتناع النقص
5. و إمتناع الحيد
6.  و إمتناع الغباشة
7.  و إمتناع  الرمادية
8.  و إمتناع  التعددية
9.  و إمتناع الاحتمالية 
10. وامتناع كل عناصر السلب في حق الله تعالي المنزه عن كل وأي نقص 



*إنما يحدث كل ذلك حينما تتناوله عقول البشر
فحينئذ يدخل الفهم البشري ويَسِمْ كلام الله تعالي المنزه .. بما ينضح به مخ كل متناول لمسألة من مسائل هذا الشرع الحنيف الثابت الذي لا يتغير وإن اجتمع علي تجريفة الإنس والجن ومن ظاهرهما من المخلوقات وذلك بقدر فهم كل متناول له ,
غير أن الله تعالي لم يدع كتابه الكريم عرضة لأفهام البشر , واجتهادات الناس المطلقة


فوضع سبحانه بين آياته وفي طيات كلماته دلائل الحجة وبين وفصل ووضح.. لكن اهواء الناس وشهواتهم ورغباتهم وميولاتهم اعترضت ناتج ما جاء به القرآن الكريم من مقاصد وازداد الأمر سوءا عندما زين الناس ناتج أهوائهم من مقاصد لجُّوا بها في آيات الله تعالي بهالات تعظيم أقوالهم ومزينات أفهامهم وخاصة عندما أحاطوها بهالات التبجيل المخطئة واستعارتهم لنصوص تعظيم آرائهم ونسبة العالمية لأنفسهم والتفقه لاشخاصهم ووضعوا أنفسهم في مكانة عليِّة والناس في مكانة دنيِّة وهكذا لم يهمد الشيطان حتي في آيات الله من طلب تضليل من انتسبوا الي العلم والفقه بالعجب ولاتباعهم من التعظيم والتكبير حتي كبروهم كفقهاء وبجلوهم كعلماء وتناسوا الكتاب الحجة والقرآن الدليل والعلم والفقه وكل الحكمة , وجعلوا - بواسطة الشيطان- آيات الله تعالي كلوغرتمات وطلاسم لا يقوي علي فك أسرارها غيرهم وثبر أغوارها سواهم ,
فانحرف قول الله الواحد بفعلهم..- في أنفسهم - وخرج بطبيعته الثابتة المحكمة عن جادته في تصوراتهم ونسبوا زورا لله الواحد – حاشاه- كل تقصير وكل انحراف وكل اختلاف وكل امكانية من تغاير وتقصير وتبديل وتحويل وغباشة في تنزيله
والحق انهم هم الذين حوَّلوا قول الله تعالي الثابت بلا شك ، ذو المقصود الواحد الواضح البين الذي يمتنع في حقه الهوي او الضلال أو النقص أو التغاير أو التحول علي مر الزمن أو الغباشة أو الشك أو التناسي أو أي عنصر من عناصر النقص والسلب ... أقول هم الذين حولوا قول الله تعالي الي كل عوامل النقص نتيجة لقصور أفهامهم وانحطاط معدلات القسط في نفوسهم وتغليب الهوي والميل النفسي لديهم علي مقصود الله الثابت الذي لايتغير ولا يتبدل ولا يقبل أي مكون نقص أو سلب في مضمونه وبين لابتي تنزيله ، إن كل تعدد لرأي او تكاثر لخلاف أو اختلاج علي فهم آية تنزلت في كتاب الله راجع الي تفاوت درجات الفهم وميل النفوس وتغليب الشهوات بين المختلفين بنسبة تفاوت درجات فهمهم وتحكم شهواتهم ،والله تعالي نبرئه من سفاهات البشر وننزهه تعالي عن ترهات عقولهم وميل نفوسهم وتحكم أهوائهم
قانون الحق ( قانون الحق (الجزء الأول)
ما هو قانون الحق؟
أولا: ما هو الحق؟ وما تعريفه، وكيف تأصل هذا التعريف في كتاب الله المنزل ؟
تعريف الحق(هو الثابت بلا شك)
يقول صاحب المعجم الوجيز: حق الأمر حقاً أي: صح وثبت وصدق، وأورد مرادفات أخري كوجب ،(وجدير به أن)،وتيقن،وصدَّق وأحكم وثاق الشيئ،وصححه،وغلبه في المحاجة وذلك لثبوت الحجة له وتأكدها ،ومعني حقق الأمر أي أثبته وصدقه، وكلام محقق:يعني محكم الصنعة ورصين وثابت لا يتغير،وتحقق الخير أي صح ووقع،والحق هو من أسماء الله الحسني ،ومعناه الثابت بل شك، ويصف به أيضا فيقال:قول حق،هو العالم،وحق العالم،ومتناه في العلم،
[قلت المدون] : فكل ما جاء وفيه اشتقاق من مادة(ح_ق_ق)لابد أن يتضمن معني الثبات واليقين،وبذلك يتأكد لنا أن الحق هو الثابت بلا شك،أي الثابت يقينا ،وفيه انتفاء كل معني يعارض الثبات واليقين،فالله تعالي هو الحق أي هو الثابت الذي لا شك في ثباته،أي هو الثابت يقيناً،أي هو الثابت صدقا،لا لغوب فيه ولا شك،وقوله الحق أي الثابت بلا شك، والحقيقة: هي الشيء الثابت يقيناً،وحقيقة الشيءخاصه وكنهه والخاصة والكنه لا يمكن دخول التغير عليه وإلا خرج عن ماهيته وكنه ليصبح شيئا آخر ،وهذا ممتنع في حق الله تعالي لأنه باطل ،
وحقيقة الأمر: هي يقين شأنه ،
وحقيقة الرجل ما يلزمه حفظه والدفاع عنه والجمع حقائق
ومن لسان العرب لابن منظور:فالحق يعني الثابت الذي لا يزول ولا يتغير،
قلت المدون:(ويتبين من استقراء معني الحق في اللسان أنه الثابت الذي لا يزول ولا يتغير ، وأن كل المرادفات لهذ المعني كالواجب واللازم و....... إنما تتضمن هذا المعني (الثبات بلا شك وعدم التغير أو الأفول)، وبما أن الحق ضد الباطل والباطل يتضمن معني التغير وعدم الثبات والنكصان عن الواجب ،والنقص،فإن الحق هو بخلاف ذلك كله وضده وأحسن ما يتصف به الحق من المعاني هو الثبات بيقين وعدم التغير ،واليقين من لزماته ،فهذا ابن منظور يعرِّف الحق بقوله (أي ثبت)،وبقوله(وفي التنزيل: قال الذي حَقَّ عليهم القولُ) أي ثبت، قال الزجاج هم الجنُّ والشياطين أي المبطلين منهم،
وقوله تعالى (ولكن حقَّت كلمة العذاب على الكافرين) أي وجبت وثبتت وكذلك:(لقد حقَّ القول على أكثرهم) وحَقَّه يَحُقُّه حقّاً وأحَقَّه كلاهما أثبته وصار عنده حقّاً لا يشكُّ فيه وأحقَّه صيره حقّاً وحقَّه وحَقَّقه صدَّقه،
[قلت المدون: ومن معاني الحق التي يتأكد فيها وبها معني الثبات وعدم التغير أو الزوال، معني الصدق،والإحكام،واليقين، والغلبة والتصحيح ، وكل ذلك يلزم لماهيته أن يكون ثابتا لا يتغير،ومن معاني الحق المشتملة علي معني الثبات وعدم التغير: معني الاشتداد والاحكام والمصادقة من قولنا (حاقِّ الجُوع أي صادِقه وشدَّته ويروى بالتخفيف من حاقَ به يَحِيقُ حَيْقاً وحاقاً إذا أحدق به يريد من اشتمال الجوع عليه فهو مصدر أقامه مقام الاسم وهو مع التشديد اسم فاعل من حقَّ يَحِقُّ والحق من أسماء الله عز وجل وقيل من صفاته قال ابن الأَثير هو الموجود حقيقةً المُتحققُ وجوده وإلَهِيَّتُه،والحَق ضدّ الباطل
*وفي التنزيل (ثم رُدُّوا إلى الله مولاهم الحَقِّ)
*وقوله تعالى: (ولو اتبع الحقُّ أهواءَهم) قال ثعلب: الحق هنا الله عز وجل وقال الزجاج ويجوز أن يكون الحق هنا التنزيل أي لو كان القرآن بما يحِبُّونه لفَسَدت السمواتُ والأَرضُ،
*وقوله تعالى (وجاءت سَكْرة الموتِ بالحق) معناه جاءَت السكرةُ التي تدل الإنسان أنه ميت بالحقِّ بالموت الذي خُلق له & قال ابن سيده: وروي عن أبي بكر رضي الله عنه في قوله تعالي (وجاءت سكرة الموت بالحق): (وجاءت سكرة الحقِّ) أي بالموت والمعنى واحد وقيل الحق هنا الله تعالى، وقولٌ حقٌّ وُصِف به كما تقول قولٌ باطل وقال الليحاني وقوله تعالى (ذلك عيسى بنُ مريم قول الحقِّ) إنما هو على إضافة الشيء إلى نفسه قال الأَزهري رفع الكسائي القول وجعل الحق هو الله وقد نصَب قولَ قومٌ من القراء يريدون ذلك عيسى ابن مريم قولاً حقّاً ،وقرأ من قرأ (فالحقُّ والحقَّ أقول) برفع الحق الأَول فمعناه أنا الحقُّ وقال الفراءُ في قوله تعالى قال فالحق والحقَّ أقول قرأ القراء الأَول بالرفع والنصب روي الرفع عن عبد الله بن عباس المعنى فالحقُّ مني وأقول الحقَّ وقد نصبهما معاً كثير من القُرَّاء منهم من يجعل الأَول على معنى الحقَّ لأَمْلأَنَّ ونَصب الثاني بوقوع الفعل عليه ليس فيه اختلاف قال ابن سيده ومن قرأ فالحقَّ والحقّ أقول بنصب الحق الأَول فتقديره فأحُقُّ الحقّ حقّاً وقال ثعلب تقديره فأقول الحقَّ حقّاً ومن قرأ فالحقِّ أراد فبالحق وهي قليلة لأن حروف الجر لا تضمر وأما قول الله عز وجل (هنالك الوَلايةُ لله الحقَّ) فالنصب في الحق جائز يريد حقّاً أي أُحِقُّ الحقَّ وأحُقُّه حَقّاً قال وإن شئت خفضت الحق فجعلته صفة لله وإن شئت رفعته فجعلته من صفة الولاية هنالك الولايةُ الحقُّ لله وفي الحديث (من رآني فقد رأى الحقَّ) أي رؤيا صادقةً ليست من أضْغاث الأَحْلام وقيل (فقد رآني حقيقة غير مُشَبَّهٍ) ومنه الحديث (أمِيناً حقَّ أمِينٍ- أي صِدْقاً وقيل واجباً ثابتا) له الأَمانةُ، ومنه الحديث (أتدْرِي ما حَقُّ العباد على الله) أي ثوابُهم الذي وعدَهم به فهو واجبُ الإنْجازِ ثابت بوعدِه الحقِّ ،ومنه الحديث (الحقُّ بعدي مع عمر) وأُحِقَّ عليك القَضاء فحَقَّ أي أُثْبِتَ فثبت والعرب تقول حَقَقْت عليه القضاء أحُقُّه حَقّاً وأحقَقْتُه أُحِقُّه إحْقاقاً أي أوجبته[قلت المدون: وأثبته،لأن من أساسيات الواجب أن يكون ثابتا لايتغير)، قال الأزهري قال أبو عبيد ولا أعرف ما قال الكسائي في حَقَقْت الرجلَ وأحْقَقْته أي غلبته على الحق
[قلت المدون : لأنه ثابت له لم يتغير،والغلبة علي الحق من شروطها ثبات الحق لصاحبه وعدم امكانية تغيره]،
* وستجد كل مشتقات (الحاء والقاف والقاف (__ح ق ق__) أنها تتضمن معني الثبات وعدم الفساد أو التغير فالحق هو الثابت بلا شك الذي لا يزول والحقيقةُ في اللغة ما أُقِرّ في الاستعمال على أصل وضْعِه
[قلت المدون:أي أصل وضعه من الثبات وعدم الفساد،أو التغير] والمَجازُ ما كان بضد ذلك
[قلت المدون: لأن المجاز ينقل الأصل الثابت علي معناه إلي متغير عن أصل معناه ،ولا يجوز التعدي من الحقيقة إلي المجاز أصلاً إلا باحتياط شديد وحذر بالغ وفي ظل شروط أوجزها ابن منظور فقال: وإنما يقع المجاز ويُعدَل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة وهي الإتِّساع والتوكيد والتشبيه فإن عُدِم هذه الأوصافُ كانت الحقيقة البتَّةَ]
وقيل الحقيقة الرّاية قال عامر بن الطفيل لقد عَلِمَتْ عَليْنا هَوازِنَ أَنَّني أَنا الفارِسُ الحامي حَقِيقةَ جَعْفَرِ وقيل الحقيقة الحُرْمة والحَقيقة الفِناء وحَقَّ الشئُ يَحِقُّ بالكسر حقّاً أي وجب وفي حديث حذيفة ما حَقَّ القولُ على بني إسرائيل حتى استغْنى الرِّجالُ بالرجالِ والنساءُ بالنساءِ أي وجَب ولَزِم وفي التنزيل ولكن حَقَّ القولُ مني وأحقَقْت الشئ أي أوجبته وتحقق عنده الخَبَرُ أي صحَّ وحقَّقَ قوله وظنَّه تحقيقاً أي صدَّقَ وكلامٌ مُحَقَّقٌ أي رَصِين قال الراجز دَعْ ذا وحَبِّرْ مَنْطِقاً مُحَقَّقا والحَقُّ صِدْق الحديثِ والحَقُّ اليَقين بعد الشكِّ وأحقِّ الرجالُ قال شيئاً أو ادَّعَى شيئاً فوجب له واستحقَّ الشيءَ استوجبه وفي التنزيل فإن عُثِرَ على أنَّهُمَا اسْتَحقّا إثْماً أي استوجباه بالخِيانةِ وقيل معناه فإن اطُّلِعَ على أنهما استوجبا إثماً أي خيانةً باليمين الكاذبة التي أقْدما عليها فآخرانِ يَقُومانِ مَقامها من ورثة المُتوفَّى الذين استُحِقَّ عليهم أي مُلِك عليهم حقٌ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة وقيل معنى عليهم منهم وإذا اشتَرَى رجل داراً من رجل فادّعاها رجل آخر وأقامَ بيِّنةً عادلةً على دعواه وحكم له الحاكمُ ببينة فقد استحقها على المشتري الذي اشتراها أي مَلَكَها عليه وأخرجها الحاكم من يد المشتري إلى يد مَن استحقَّها ورجع المشتري على البائع بالثمن الذي أدَّاه إليه والاستِحْقاقُ والاسْتِيجابُ قريبان من السواء،ويقول ابن منظور في اللسان: قولهم حَقَّ الشيءُ إذا ثبت ماذا يعني أن الله تعالي هو الحق أي الثابت بلا شك؟ لقد أثبتنا الأسطر السابقة أن الحق هو الثابت الذي لا شك فيه وأن هذا الثابت المستيقن ينتفي معه وجود ضده من المتغيرات،أو التغيرات ،ويستحيل أن يجتمع وضده من الكائنات،فهو إذن الأصل وهو الثابت،وهوالصدق،
[قلت المدون: ومن معاني الحق التي يتأكد فيها وبها معني الثبات وعدم التغير أو الزوال، معني الصدق،والإحكام،واليقين، والغلبة والتصحيح،وكل ذلك يلزم لماهيته أن يكون ثابتا لا يتغير،ومن معاني الحق المشتملة علي معني الثبات وعدم التغير:معني الاشتداد والإحكام والمصادقة .ولقد خلق الله سبحانه السموات والأرض بالحق،يعني بغير باطل ولو قل،وانتفي في خلقه هذا أي وجود للهو أو العبث أو النقص أو التقصير،أوالتغير،أو النسيان أو كل معاني السلب
* قال تعالي (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)/الزمر)،
* وقال تعالي:( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)/الأنعام)،
* وقوله تعالي(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19)وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)/ سورة ابراهيم)،
* وقوله تعالي(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)/الأنبياء)،
* وقوله تعالي(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)/سورة الشوري)،
- إن دلالة أن الله تعالي خلق السموات والأرض بالحق ،أنه سبحانه قد خلقهم وما يتعلق بخلقهم لغاية لا تتغير ولن تتغيير،هي أن يعبده الإنس والجن وكل من خلق فيهم وبينهم قال تعالي (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)/سورة الذاريات

--


https://3.bp.blogspot.com/-tZjNfq742hw/VuocYKDzwiI/AAAAAAAAAG4/EZ0oH6Ki-3AjOEzda7GTKoTEUnFLzjJNg/s1600/0101.bmp
https://1.bp.blogspot.com/-b1shDaAWKYA/VuoZ3VHICII/AAAAAAAAAGs/stHSR05GjZsr2ewy8DsnYI2Sg82GmPnxQ/s1600/011.bmp
https://3.bp.blogspot.com/-hr5fNZik4qQ/VuoXlVVYmcI/AAAAAAAAAGc/Rfg5hrmntLcjKHYehV_UIe6Pf9EVajLDw/s1600/01.bmp

وأنهم لكي يعبدوه فقد كلفهم بشريعة تتصف بهذا الوصف من الثبات، وعدم التغير أو النقص أو التبدل أو التبديل بعد إحكامه سبحانه هذا التشريع،وأن النسخ أو التبديل الذي أنزله سبحانه أثناء تنزيل القرآن هو من هذا الإحكام الذي أنزل الله به هذه الشرعة القيمة،ولا تعارض مطلقاً بين النسخ والتبديل الذي استنه الخالق سبحانه في الكتاب وقرره،وبين قانون التنزيل بالحق حيث يبدأ معني التنزيل بالحق بعد أن أحكم الله تعالي آياته وإحكام الآيات لم يتحقق وهي مازالت لم تكتمل طوال عملية التنزيل،ولكن هذا الإحكام لآيات الله قد تحقق عند ارتفاع الوحي وموت النبي محمد صلي الله عليه وسلم،وتمام قوله تعالي(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(3)/ سورة المائدة)، وهي من أواخر السور المدنية تنزيلاً،إن أجل معاني التنزيل بالحق هي ما تم من شرعته وانتهي إتمامه بإرتفاع الوحي وقبض رسول الله صلي الله عليه وسلم،فحينئذ وحينئذ فقط قد تحقق قوله تعالي(وبالحق نزل)،وهو في أثناء عملية التنزيل ينطبق عليه قوله تعالي(وبالحق أنزلناه)،ولذلك فقد تأكد لنا أن شريعة الله المنزلة في كتاب الله تعالي،والخالدة إلي يوم القيامة هي شريعة متضمنة معني الثبات بلا شك لأنها أنزلت بالحق وبالحق نزلت،
وعلي ذلك :
https://3.bp.blogspot.com/-N4Y4jgt1fRg/VuohVB_YinI/AAAAAAAAAHE/eFBv2eQqcgwMoHPB6dmoI8YftK08bJ4BA/s1600/03.bmp
1. يمتنع علي كل أحد من البشر أن يتناول التشريع القرآني بغير مراد الله وقصده سبحانه،
2.وأن العباد كلهم لعلي خطر عظيم أن يتناولوا آيات الله تعالي بغير قصد الله ومراده المُتَضَمَّن في الألفاظ القرآنية والآيات المنزلة،
3.وأن عملية التأويل لنصوص القرآن الكريم عموما وكذلك بما هو بعيد عما يدل عليه لسان العرب الأصيل المستوحي من المعاجم العتيدة التي احتوت أصول معاني الكلمات التي أنزل بها القرآن هي عملية تجريف للقاعدة الصلبة الثابتة التي تنزل بها القرآن وبها نزل،وهي-أي عملية التأويل- عملية تحريف خطير لمدلولات الآيات القرآنية المتضمنة قاعدة الثبات بلا شك حينما أقرها الله لعباده بعد إحكام آياته،
* ولقد رأيت أنه من الحق أن أنبه عموم المسلمين في كل الفرق والطوائف والشيع: أن اختلافاتهم في كتاب الله تعالي جاءت نتيجة انحراف الأنفس بتأويل الآيات القرآنية عن مدلولاتها المنزلة في اللغة العربية الأصيلة والتي تشير إليها معاجم اللغة العتيدة،لأنها تحتوي علي لسان القرآن الذي أنزل به الكتاب
،ولقد عاقب الله تعالي هؤلاء المتفرقين في دينه وابتلاهم بالتفرق والتحزب جزاءً لإنحراف كل منهم بالتأويل الفاسد لآيات الله والانحراف المتعمد عن مدلولات النص القرآني لأغراض في أنفس هؤلاء المتفرقين،واستخدم هؤلاء الأحزاب والفرق كل ما يبعدهم عن أصل النصوص القرآنية برداءة فهمهم وسوء ضمائرهم ولو زعموا أنهم أهل الحق وما عداهم الباطل، ولم يعلم هؤلاء أن فهمهم لن يغير الحق أو يزحزحه عن ثباته،وأن القرآن لن يلهث وراء فهمهم،أو يتغيرمدلولاته الثابتة بناءاً علي تأويلاتهم،
إن الحادث فعلاً في حقل العاملين الإسلاميين الآن بكل اتجاهاتهم،لا يثتثني منهم أحدا، في منظورنا المراقب لهذه الطوائف بكل مناهجهم،أنهم ظنوا أنهم قريبون )كل منهم)،إلي الحق وهم بعيدون عنه،ولو أنهم قد تقلدوه،أو تقلده أي فريق منهم لكتب له النصر في مثل المدة التي تمكن لرسول الله صلي الله عليه وسلم(لا تزيد مدة التمكين عن الربع قرن من الزمان لأن الله تعالي لا يعبث ويستحيل في حقه العبث،ولكنهم كلهم أبعدوا أنفسهم عن قانون النصرة والتمكن المتضمن في الآية (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ(52)/سورة غافر)،
وكذلك في قوله تعالي(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ(172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) سورة الصافات)،
إن النية الحسنة لا يتغير لها قانون الحق ومدلول (الثبات بلا شك ( فيه، وما تفيد فقط إلا أن يعذر الله صاحبها إذا جاء ليحاسبه،والغالب علي صاحبها أنه مجتهد مخطىء قد قصر حتما في الاجتهاد أو لم يتحوط فيه،فهي مهما يكن صغيرة إذن من الصغائر، من شأنها أن لا تستدعي غضب الله المطلق علي صاحبها ولكنها مع ذلك لا تغير من مراد الله تعالي في شرعته الثابتة شيئاً،
فالحق لا يغيره اجتهادات البشر الخاطئة كما لا يغيره شيئ في الكون كله،لأنه الثابت بلا شك، لقد تعامل المسلمون اليوم مع كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم بتراخي جد خطير،وانحرفوا عن مدلولات اللفظ القرآني أو النبوي المُنَزَّل بنصه عن أصل مدلوله في مقصود الله الواحد ، مستخدمين طريق التأويل لكل نص أنزل في الكتاب حسب عقيدة رسمها لهم زعيم بشري تلألأت في دماغة الفكرة التي جمعهم عليها وساواها بالقرآن فيما يستشهد لهم علي صحتها مستخدما طريقة التأويل،والتي هي أسُّ الإنحراف عن مدلولات الألفاظ القرآنية ،ولو علم هذا الزعيم أو غيره ممن جمعوا حولهم أنصاراً وأتباعاً، أن الحق هو الثابت بلا شك،وأن سبيل التأويل في كتاب الله وسنة نبيه،هو أبطل الباطل لما لجأوا إلي التأويلات ولما حادوا عن الخريطة التي رسمها اللفظ التشريعي في الكتاب والسنة،إن السنة لا تتعارض مطلقا مع القرآن،لأنهما كلاهما من معين واحد،والقرآن الكريم مقدم في إرساء الأصول العقائدية والشرعية علي غيره مما عداه،وتتبعه سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم بتجاوب عظيم،وتناسق ليس هناك أبدع منه،وأن انحرافات البشر بالتأول المريع قد خلقت سراباً من التعارض بين كثير من السنة للقرآن،وأنه لا تعارض أصلاً إلا في عقول الرجال الذين يتناولون النص القرآني أو النبوي بقصور في الفهم وإفراط في التأول،فما أمر الله تعالي بطاعة محمد صلي الله عليه وسلم بل وجعل طاعتنا إياه من طاعته سبحانه إلا لأنه سبحانه يعلم أن محمداً رسوله وعبده لا يقول إلا ما يأذن الله به،وأنه سبحانه الحق هو ونبيه محمد صلي الله عليه وسلم الصدق الذي يأتمر بأمره وينتهي بنهيه ويسير علي صراطه بثباتٍ لا شك فيه. لقد أهم
الجزء الثاني من قانون الحق
ج2
إن السنة لا تتعارض مطلقا مع القرآن،لأنهما كلاهما من معين واحد،والقرآن الكريم مقدم في إرساء الأصول العقائدية والشرعية علي غيره مما عداه،وتتبعه سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم بتجاوب عظيم،وتناسق ليس هناك أبدع منه،وأن انحرافات البشر بالتأول المريع قد خلقت سراباً من التعارض بين كثير من السنة للقرآن،وأنه لا تعارض أصلاً إلا في عقول الرجال الذين يتناولون النص القرآني أو النبوي بقصور في الفهم وإفراط في التأول،فما أمر الله تعالي بطاعة محمد صلي الله عليه وسلم بل وجعل طاعتنا إياه من طاعته سبحانه إلا لأنه سبحانه يعلم أن محمداً رسوله وعبده لا يقول إلا ما يأذن الله به،وأنه سبحانه الحق هو ونبيه محمد صلي الله عليه وسلم الصدق الذي يأتمر بأمره وينتهي بنهيه ويسير علي صراطه بثباتٍ لا شك فيه. لقد أهمل العباد فهم الحق كقانون إلهي فيما يقول سبحانه أو ينزل.إن قول الله هو الحق،قال تعالي(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)/ سورة الأنعام)،ويعني ذلك أن قوله يتسم بالثبات المستيقن،أي الثابت بلا شك،[أي يتسم بانعدام العبث عند تنزيل الألفاظ الإلهية/ ووقوع اللفظ في مدار معناه بالضبط/ومسلمة صدق اللفظ مع قصد الحق سبحانه تماما بتمام/واتصاف اللفظ القرآني بالثبات المستيقن علي مراد الله تعالي حين أنزل ولم يكن له ناسخ]،أليس هو القائل سبحانه(قوله الحق وله الملك)،إن أي متجرء علي الله يزعم تأويل اللفظ الإلهي عن مدلوله هو بحق رجل دخل برجليه إلي منطقة الجحيم ليحترق بتحريفه لمراد الله عن قصده سبحانه،وما رجل يتهاون في نقل مدلول اللفظ القرآني عن معناه المشار إليه في معاجم اللغة الأصيلة إلا رجل قد وضع نفسه موضع الإنحطاط،والصغار بجانب شموخ اللفظ القرآني الرباني المنزل بثبات لا شك فيه،وما قوله بجانب قول الحق إلا كمن يقارن الباطل بالحق أو العابث بالحق أو اللاعب بالحق.إن وسائل البلاغة العربية كالمجاز أو التشبيه،أو الكنايات أو غيرها من البديع اللغوي ما هي بجانب الحق الذي أنزل به هذا الكتاب إلا استثناء صغير جدا في قاعدة متسعة كبيرة عظيمة من الحق القرآني المنزل المتصف بالثبات بلا شك والمتسم بانعدام اللهو أو العبث في ثناياه وبين جنباته،ولم يقررها القرآن إلا في حدود ضيقة جدا يتناسب تحجيمها الصغير مع قاعدته الواسعة بكونه الثابت الذي لا شك فيه، وقد أفرط أقوام متجرؤن علي الله جل في علاه،فأولوا كل حق في كتاب الله تعالي بجرأة وفحش مخرجين كل معاني الألفاظ القرآنية عن مدلولاتها،أمثال القاديانيين والفرآنييون والشيعة وبعض أهل السنة وطائفة من السلفيين ،وغيرهم ممن أنتجوا فقها وعقائد أودت بالإسلام إلي دهاليز الضياع وتمكن الباطل من أهله ،وما زالوا يؤصلون لأباطيلهم ويتخذونها عقيدة يشرحونها علي الفضائيات متعمدين بذلك تعميق أخاديد الضلال التي قاموا بشقها وتنميقها وتقديسها، ونحن هنا سنعرضها علي قانون الحق الذي أنزل الله به قرآنه وألفاظ كتابه المنزلة بالحق.لكننا سنعمد في المقالة القادمة[2] إلي بيان ما هو الحق الذي أنزله الله في كتابه وتناسقت سنة نبيه صلي الله علي وسلم كل التناسق في بيانه ...
مفهوم المعصية في كتاب الله تعالي : إن معني عصي يعني خالف وعلم أنها مخالفة ، والمخالفة بعلم هي أساس كل مرادف ينبثق منه هذا المدلول فالفسق والكفر والفجور والشرك والكذب والخيانة والغدر وكل مرادفات المخالفة ترد في مدلولاتها الي معني المخالفة بعلم ،-- فالكذب مخالفة لله تعالي بعلم صاحبها أخذت شكل نطق غير الحقيقة ،والفسوق مخالفة لله تعالي بعلم صاحبها أخذت شكل خلع أثواب الحق والتلبس بثوب الباطل ،والكفر هو مخالفة لله تعالي بعلم صاحبها أخذت شكل تغطية الحق بغطاء الباطل ،كمثل من يغطي الإسلام بثوب الرفض والمحاربة ودثر الحق بباطله ، والشرك هو مخالفة لله تعالي بعلم صاحبها أخذت شكل دعوي إله مع الله تعالي في شكل سجود لصنم ،أو توسل بمخلوق ،أو استشفاع بمخلوق شفاعة تأليه وعبادة ، ونتابع الحديث ان شاء الله تعالي في واحدة من أهم الفضايا وأخطرها (الكبائر والصغائر) غي المقال القادم بمشيئة الله الواحد ...(يتبع ان شاء الله تعالي بالجزء الثالث
والاتي هو معني الحق بمشيئة الله تعالي
.........................................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق