(تدبر وتفكر)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيقول الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [آل عمران: 190 - 194].
إن في هؤلاء الآيات إرشادًا وبيانًا إلهيًّا إلى أهمية التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر، وهؤلاء الآيات ليست وحدها في القرآن، بل هناك آيات أخرُ - كما هو معلوم، وكما سنرى لاحقًا - لكننا ذكرناها لأمرين اثنين:
الأول: أن هؤلاء الآيات تضعُ المؤمن على المحك الحقيقي، وتمحص - إلى حد كبير - قدرته على التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر، وقابليته لها، ويتميز عندها الصادق من الدَّعيِّ، والكيِّس من العاجز.
وما من شك أن الاعتبار بخلق العوالم وأعراضها، والتنويه بالذين يعتبرون بما فيها من آيات، ويتدبرون كل ما أودعها الله ظاهرًا وباطنًا، من غرائب الحكم الدالة على التدبير، دون إهمال أو تقصير، ما من شك أنها من الأمور التي أثنى الله عليها وعلى أهلها، ولا بد على كل عبد أن يسلك هذا الدرب قبل انتهاء الوقت، وعندها سيجازى على الإحسان إحسانًا، وعلى الإساءة مثلها، وسيعلم الجميع - عند ذلك - أن سائر الخلائق - كذلك - أمرها جارٍ على الحكمة والتدبير، وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت، وبلوغ الأجل المسمى، الذي سيعقبه لقاء الله - عز وجل.
يقول ابن كثير - رحمه الله -:
"وقد ذمَّ الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته، وشرعه وقدره وآياته، فقال: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 105، 106]، ومدح عباده المؤمنين: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 191]، والقائلين: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ﴾ [آل عمران: 191]"[1].
والمراد بالتفكُّر: "التأمُّل والنَّظر العقلي، وأصله: إعمال الفكر، والمتأخرون يقولون: الفكر - في الاصطلاح -: حركة النفس في المعقولات، وأما حركتها في المحسوسات فهو - في الاصطلاح - تخييل"[2].
والثاني - من أسباب إيرادنا لهؤلاء الآيات -: سبب نزولها:
وهو ما جاء عن عطاء قال: دخلت أنا، وعبيد بن عمير، على عائشة - رضي الله عنها - فقال عبدالله بن عمير: حدِّثينا بأعجب شيء رأيتِه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبكَتْ، وقالت: "قام ليلة من الليالي فقال: ((يا عائشة، ذرِيني أتعبد لربي))، قالت: قلت: والله إني لأحبُّ قربك، وأحبُّ ما يسرُّك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، وجاء بلال يؤذن بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [آل عمران: 190] الآية))"[3].
وهذا الوعيد الشديد إلى جانب لغة التهديد الشديدة فيه، هو دعوة للتفكر، ونداء للتأمل، واستنهاض للتدبر؛ لتذهب الغفلة، ويحدث للقلب الخشية، كما يُحدث الماء للزرع النماء، ووالله ما جُليت القلوب بمثل التفكُّر، ولا استنارت بمثل التدبُّر، ولا أضاءت السبل بمثل التأمُّل والنَّظر.
يقول الحسن البصري - رحمه الله -: "عاملنا القلوب بالتفكُّر فأورثها التذكُّر، فرجعنا بالتذكُّر على التفكُّر وحركنا القلوب بهما، فإذا القلوب لها أسماعٌ وأبصار"[4].
فتأمل - يا رعاك الله - عظيم قوله، وجميل كلامه، وحسن ألفاظ خطابه، تعلم كبير ما احتوت عليه، وأن الأمر شديد، وهو ليس لكل أحد، وعلى قدر المجاهدة فيها، وحضور القلب، وجمع الهم والهمة، تكون النتيجة، نسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر!
قال ابن القيم - رحمه الله -: "التفكُّر والتذكُّر أصل الهدى والفلاح، وهما قطبا السعادة"[5].
ولذلك نرى الله - عز وجل - كثيرًا ما يضرب الأمثال في القرآن الكريم، ولعل من أبرز الحِكم في ذلك - والله أعلم - أن يفتح أبواب النَّظر والتدبُّر، والتأمُّل والتفكُّر:
قال الله - عز وجل -: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].
وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 25].
بل بيَّن - عز وجل - في كتابه وبجلاء ودون خفاء: أن من إحدى أهم الحِكم من إنزال القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: التفكُّر في آياته، والاتعاظ بها، والتدبُّر والتأمُّل لها:
فقال - عز وجل -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].
وقال الله - عز وجل -: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
وقال الله - عز وجل -: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].
وقال الله - عز وجل -: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]، إلى غير ذلك من الآيات.
ولقد حثنا القرآن بوضوح وجلاء: على التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر في آيات الله؛ وإطلاق العِنان عندها، وما ذلك إلا لما فيها من تقوية الإيمان، وزيادة العلم، وكثرة الأجر، فأمر الله - عز وجل - بالتأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر:
فقال الله - عز وجل -: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [النساء: 82].
وقال - عز وجل -: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾ [الغاشية: 17].
وقال - عز وجل -: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [فصلت: 53].
وقال - عز وجل -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ [الرعد: 41].
وقال - عز وجل -: ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 185].
وقال - عز وجل -: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101].
وقال - عز وجل -: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ ﴾ [ق: 6].
وقال - عز وجل -: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الروم: 8].
وقال - عز وجل -: ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 176].
وقال - عز وجل -: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42].
وقال - عز وجل -: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [سبأ: 46].
وذكر التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر، في معرض المدح:
فقال - عز وجل -: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 21].
وقال - عز وجل -: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 13].
وقال - عز وجل -: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ﴾ [طه: 128].
وبالمقابل ذمَّ الله - عز وجل - المعرضين عن التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر:
فقال - عز وجل -: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [يوسف: 105].
وقال - عز وجل -: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179].
ومثل هذا كثير، وكثير جدًّا، وكفى والله شرفًا لهذا الدين، ودليلاً على صحته وصِدقه عند أصحاب الأسماع والأبصار، والعقول والأفكار، والذين يفرِّقون ويميزون بين النافع والضار: أنه - عز وجل - فتح لهم أبواب التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر على مصراعيها؛ لتفضي بنا إلى عتبات الإيمان، واستنهض العقول لها، واستحث الهمم، وأوضح لها كل مسالك العبر، وأوجب عليها التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر الصحيح، الذي يفضي ولا بد إلى العلم، وبيَّن أن من لم يفعل ذلك من العقلاء، معرَّض للذم والعقاب، ورفعِ الأجر عنه والثواب، وألزم الجميع بذلك كله؛ ليتبينوا - عن بصيرة - الرشد من الغي، والضلالة من الهدى، ويعلموا من هو على الحق، ومن هو على الباطل.
قال ابن القيم: "وأحسن ما أنفقت فيه الأنفاس: التفكُّر في آيات الله، وعجائب صُنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب، والهمة به دون شيء من مخلوقاته"[6].
ولذلك نرى في السيرة النبوية - مثلاً - كيف حُبِّب إلى رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم في بَدْء حياته: الخلاء والاختلاء، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يدخل غار حِراء، ويمكث فيه الليالي ذوات العدد يتحنَّث[7]، ويتأمل في ملكوت الله - عز وجل - وهذا ولا شك كان يحدث من حقائق الإيمان في النفس، ومن الارتباط والذل لله - عز وجل - ومن هنا قال بعضهم: "كانت عبادته صلى الله عليه وآله وسلم في حِراء: التفكُّر"[8].
ولهذا تبِعه صلى الله عليه وآله وسلم على هذا سلفُنا - رضي الله عنهم - فكان من هدي السلف - رضوان الله عليهم - التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر في آلاء الله - عز وجل - والثناء عليها، وأهلها.
فهذا عون قال: "سألت أم الدرداء - رضي الله عنها - ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء رضي الله عنه؟ قالت: التفكُّر والاعتبار"[9].
وقال بعض السلف: "تفكر ساعة خير من قيام ليلة"[10].
وقال عامر بن عبدقيس: "سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان: التفكُّر"[11].
وقال الفضيل: قال الحسن: "الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك"[12].
وقال سفيان بن عيينة[13]: "الفكر نور يدخل قلبك.
وربما تمثل بهذا البيت:
إذا المرءُ كانت له فكرة
ففي كلِّ شيء له عبرة"
وقال عمر بن عبدالعزيز: "الكلام بذِكر الله - عز وجل - حسَن، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة"[14].
قال الأديب أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالرحمن[15]:
تفكر ساعة تخلو ببالي
أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي
ولا سيما وأفكاري تربى
بصفو صقالها رتب الكمال
ولذلك، فالعبد مأمور أن يتفكر في آلاء الله، وآلاء الله تعني: آياته ومخلوقاته.
فعن سالم بن عبدالله، عن أبيه - عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله عز وجل))[16].
يقول القاضي عياض - رحمه الله -: "والتفكُّر فيها - أي: آلاء الله - أفضل العبادات"[17].
قال ابن رجب: "إن هذا التفكُّر أفضلُ من نوافل الأعمال البدنية، رُوي ذلك عن غير واحد من التابعين، منهم: سعيد بن المسيب[18]، والحسن[19]، وعمر بن عبدالعزيز، وفي كلام الإمام أحمد ما يدل عليه"[20].
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا عبادة كالتفكُّر))، ولكنه لا يصحُّ[21].
وكل هذا لنعلم ويتقرر لدينا بما لا شك فيه قاعدة: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ﴾ [آل عمران: 191]، وننزِّه الله - عز وجل - عن كونه خلق السموات والأرض باطلاً، لا لحكمة سبحانه، تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.
والقرآن كثيرًا ما يؤكد هذه القاعدة، وأنه لم يخلق الخلق عبثًا أو لعبًا أو باطلاً، وكل ذلك ليدلنا على أنه - عز وجل - وحده وبحق المستحق لأن يُعبَد، وأنه لذلك كلَّف الخَلْقَ، وسيجازيهم على أعمالهم، ولأنه لو لم يبعث الخلائق ويُجازِهم، لكان خلقه لهم أولاً عبثًا، ولا يليق بكماله وجلاله - تنزه وتعاظم، وجل وتقدس - أن يكون خَلْقُهم لا لحكمة، بل هو: تكليف وبعث، وحساب وجزاء.
قال الله - عز وجل -: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ [ص: 27].
وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الدخان: 38، 39] الآية.
وقال الله - عز وجل -: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115، 116].
وقال الله - عز وجل -: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31].
وقال الله - عز وجل: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ﴾ [القيامة: 36، 37]، إلى غير ذلك من الآيات.
فنسأل الله - عز وجل - أن يرزقَنا وجميعَ المسلمين التأمُّل والتفكُّر، والنَّظر والتدبُّر في آياته ومخلوقاته.
[1] تفسير القرآن العظيم (1/540).
[2] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (6/167).
[3] أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( 200 - 201 )، وابن حبان في صحيحه رقم: ( 523 - الموارد)؛ انظر الصحيحة (1/06) رقم: (68).
[4] التبصرة (1/57) لابن الجوزي، والاستقامة (1/210)، والفتاوى الكبرى (5/200)، لابن تيمية، والمدارج (1/441)، ومفتاح دار السعادة (1/180)، لابن القيم.
[5] مفتاح دار السعادة (1/213).
[6] مفتاح دار السعادة (1/213).
[7] أخرجه البخاري رقم: (3)، ومسلم رقم: (160)، وانظر: فقه السيرة (ص: 84) لمحمد الغزالي، وصحيح السيرة النبوية (ص: 84) للألباني.
[8] الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي (ص: 154).
[9] تفسير ابن المنذر رقم: (1265)، وحلية الأولياء (7/300)، والسنن الكبرى (10/404) للبيهقي، وانظر: الدر المنثور (2/409) للسيوطي.
[10] ومنهم أبو الدرداء؛ كما في سير أعلام النبلاء (3/305)، والحسن؛ كما في مفتاح دار السعادة (1/180).
[11] تفسير ابن كثير (1/539 - 540).
[12] تاريخ دمشق (41/408)، وانظر: تفسير ابن كثير (1/539).
[13] تفسير ابن كثير (1/539 - 540).
[14] تفسير ابن كثير (1/539 - 540).
[15] الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (1/40) لابن حجر.
[16] أخرجه الطبراني في الأوسط رقم: (6456)، وانظر السلسلة الصحيحة (4/287) رقم: (1788).
[17] فيض القدير (3/263) للمناوي.
[18] حلية الأولياء لأبي نعيم (2/161 - 162).
[19] حلية الأولياء لأبي نعيم (2/134).
[20] جامع العلوم والحكم (ص: 249).
[21] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (4/157)، والطبراني في المعجم الكبير رقم: (2688)، وقال الهيثمي في المجمع (10/283): "فيه أبو رجاء الحبطي، واسمه محمد بن عبدالله، وهو كذاب"؛ انظر: السلسلة الضعيفة (11/713) رقم: (5428).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق