اللهم

اللهم اشفني شفاءا لا يغادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني رحمة واسعة مباركة طيبة واكفني همي كله وفرج كربي كله واكشف البأساء والضراء عني واعتقني من كل سوء في الدارين يا ربي

الاثنين، 9 نوفمبر 2020

الطلاق للشوكاني

 

 



مسلسل قيامة عثمان الحلقة 29 كاملة مترجمة HD شاشة كاملة
قيامة عثمان الحلقة 29 مسلسل قيامة عثمان الحلقة 29 قيامة عثمان الحلقة 29 كاملة مترجمة مسلسل قيامة عثمان الحلقة 29 كاملة مترجمة مسلسل قيامة عثمان الحلقة 29 كام...
youtube.com

٢٩ https://youtu.be/V2r5QOZS5RM 

الطلاق

باب جوازه للحاجة وكراهته مع عدمها وطاعة الوالد فيه بسم اللَّه الرحمن الرحيم عن عمر بن الخطاب‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طلق حفصة ثم راجعها‏)‏‏. ‏ - رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وهو لأحمد من حديث عاصم بن عمر‏. ‏ وعن لقيط بن صبرة قال‏: ‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه إن لي امرأة فذكر من بذائها قال‏: ‏ طلقها قلت إن لها صحبة وولداً قال‏: ‏ مرها أو قل لها فإن يكن فيها خير ستفعل ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك‏)‏‏. ‏ - رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ وعن ثوبان قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏‏. ‏ - رواه الخمسة إلا النسائي‏. ‏ وعن ابن عمر‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ أبغض الحلال إلى اللّه عز وجل الطلاق‏)‏‏. ‏ - رواه أبو داود وابن ماجه‏. ‏ وعن ابن عمر قال‏: ‏ ‏(‏كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ يا عبد اللّه بن عمر طلق امرأتك‏)‏‏. ‏ - رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي‏. ‏ - حديث عمر بن الخطاب سكت عنه أبو داود والمنذري وحديث لقيط أخرجه أيضاً البيهقي ورجاله رجال الصحيح‏. ‏ وحديث ثوبان حسنه الترمذي وذكر أن بعضهم لم يرفعه‏. ‏ وحديث ابن عمر الأول أخرجه أيضاً الحاكم وصححه ورواه أيضاً أبو داود وفي إسناد أبي داود يحيى بن سليم وفيه مقال والبيهقي مرسلاً ليس فيه ابن عمر ورجح أبو حاتم والدارقطني والبيهقي المرسل وفي إسناده عبيد اللّه بن الوليد الوصافي وهو ضعيف ولكنه قد تابعه معرف بن واصل ورواه الدارقطني عن معاذ بلفظ‏: ‏ ‏(‏ما خلق اللّه شيئاً أبغض إليه من الطلاق‏)‏ قال الحافظ‏: ‏ وإسناده ضعيف ومنقطع‏. ‏ وأخرج ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي موسى مرفوعاً‏: ‏ ‏(‏ما بال أحدكم يلعب بحدود اللّه يقول قد طلقت قد راجعت‏)‏ وحديث ابن عمر الثاني قال الترمذي بعد إخراجه‏: ‏ هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب انتهى‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏طلق حفصة‏)‏ قال في الفتح‏: ‏ الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك وفلان طلق اليد بالخير أي كثير البذل وفي الشرع حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي‏. ‏ قال إمام الحرمين‏: ‏ هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضاً وهو أفصح وطلقت أيضاً بضم أوله وكسر اللام الثقيلة فإن خففت فهي خاص بالولادة والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر في الولادة طلقاً ساكنة اللام فهي طالق فيهما ثم الطلاق قد يكون حراماً ومكروهاً وواجباً ومندوباً وجائزاً أما الأول ففيما إذا كان بدعياً وله صور‏. ‏ وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال‏. ‏ وأما الثالث ففي صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان‏. ‏ وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة‏. ‏ وأما الخامس فنفاه النووي وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع فقد صرح الإمام أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره انتهى‏. ‏ وفي حديث عمر هذا دليل على أن الطلاق يجوز للزوج من دون كراهة لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما يفعل ما كان جائزاً من غير كراهة ولا يعارض هذا حديث‏: ‏ ‏(‏أبغض الحلال إلى اللّه‏)‏ الخ لأن كونه أبغض الحلال لا يستلزم أن يكون مكروهاً كراهة أصولية‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏طلقها‏)‏ فيه أنه يحسن طلاق من كانت بذية اللسان ويجوز إمساكها ولا يحل ضربها كضرب الأمة وقد تقدم الكلام على ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏ فيه دليل على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرم عليها تحريماً شديداً لأن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل لها أبداً وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ منادياً على فظاعته وشدته‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أبغض الحلال إلى اللّه‏)‏ الخ فيه دليل على أن ليس كل حلال محبوباً بل ينقسم إلى ما هو محبوب وإلى ما هو مبغوض‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏طلق امرأتك‏)‏ دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها وإن كان يحبها فليس ذلك عذراً له في الإمساك ويلحق بالأب الأم لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب كما في حديث‏: ‏ ‏(‏من أبر يا رسول اللّه فقال أمك ثم سأله فقال أمك ثم سأله فقال أمك وأباك‏)‏ وحديث‏: ‏ ‏(‏الجنة تحت أقدام الأمهات‏)‏ وغير ذلك


٢ باب النهي عن الطلاق في الحيض وفي الطهر بعد أن يجامعها ما لم يبن حملها عن ابن عمر‏: ‏ ‏(‏أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً‏)‏‏. ‏ - رواه الجماعة إلا البخاري‏. ‏ وفي رواية عنه‏: ‏ ‏(‏أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فتغيظ فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم قال‏: ‏ ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر اللّه تعالى‏)‏ وفي لفظ‏: ‏ ‏(‏فتلك العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء‏)‏ رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه إلى الأمر بالرجعة‏. ‏ ولمسلم والنسائي نحوه وفي آخره قال ابن عمر ‏(‏وقرأ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‏}‏‏)‏‏. ‏ وفي رواية متفق عليها‏: ‏ ‏(‏وكان عبد اللّه طلق تطليقة فحسبت من طلاقها‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمرني بهذا وإن كنت طلقت ثلاثاً فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجاً غيرك وعصيت اللّه عز وجل فيما أمرك به من طلاق امرأتك‏)‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة فانطلق عمر فأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ مر عبد اللّه فليراجعها فإذا اغتسلت فليتركها حتى تحيض فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها فإنها العدة التي أمر اللّه أن يطلق لها النساء‏)‏ رواه الدارقطني وفيه تنبيه على تحريم الوطء والطلاق قبل الغسل‏. ‏ وعن عكرمة قال‏: ‏ ‏(‏قال ابن عباس‏: ‏ الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فأما اللذان هما حلال فأن يطلق الرجل امرأته طاهراً من غير جماع أو يطلقها حاملاً مستبيناً حملها وأما اللذان هما حرام فأن يطلقها حائضاً أو يطلقها عند الجماع لا يدري اشتمل الرحم على ولد أم لا‏)‏‏. ‏ - رواه الدارقطني‏. ‏ - قوله‏: ‏ ‏(‏طلق امرأته‏)‏ اسمها آمنة بنت غفار كما حكاه جماعة منهم النووي وابن باطش‏. ‏ وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي مسند أحمد أن اسمها النوار‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وهي حائض‏)‏ في رواية‏: ‏ ‏(‏وهي في دمها حائض‏)‏ وفي أخرى للبيهقي‏: ‏ ‏(‏أنه طلقها في حيضها‏)‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فذكر ذلك عمر‏)‏ قال ابن العربي‏: ‏ سؤال عمر محتمل لأن يكون ذلك لكونهم لم يروا قبلها مثلها فسأله ليعلم ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏مره فليراجعها‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏: ‏ يتعلق بذلك مسألة أصولية وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لعمر مره والمسألة معروفة في كتب الأصول والخلاف فيها مشهور‏. ‏ وقد ذكر الحافظ في الفتح أن من مثل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالط فإن القرينة واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأموراً بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع فأمره أن يراجعها إلى آخر كلام صاحب الفتح‏. ‏ وظاهر الأمر الوجوب فتكون مراجعة من طلقها زوجها على تلك الصفة واجبة وقد ذهب إلى ذلك مالك وأحمد في رواية والمشهور عنه وهو قول الجمهور الاستحباب فقط قال في الفتح‏: ‏ واحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لكن صحح صاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها ولأن الطلاق لما كان محرماً في الحيض كانت استدامة النكاح فيه واجبة واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة إلا ما نقل عن زفر وحكى ابن بطال وغيره الاتفاق إذا انقضت العدة أنه لا رجعة والاتفاق أيضاً على أنه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لم يؤمر بالمراجعة وتعقب الحافظ ذلك بثبوت الخلاف فيه كما حكاه الحناطي من الشافعية وجهاً‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً‏)‏ ظاهره جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد الوجهين عن الشافعية وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع وحكاه صاحب البحر عن القاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وفيه نظر فإن الذي في كتب الحنفية هو ما ذكرناه من الجواز عن أبي حنيفة والمنع عن أبي يوسف ومحمد واستدل القائلون بالجواز بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار واستدل المانعون بما في الرواية الثانية من حديث الباب المذكور بلفظ‏: ‏ ‏(‏ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر‏)‏ الخ وكذلك قوله في الرواية الأخرى‏: ‏ ‏(‏مر عبد اللّه فليراجعها فإذا اغتسلت‏)‏ الخ‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فتغيظ‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏: ‏ تغيظ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهراً فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في ذلك إذا عزم عليه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ثم يمسكها‏)‏ أي يستمر بها في عصمته حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر‏. ‏ وفي رواية للبخاري‏: ‏ ‏(‏ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها‏)‏ قال الشافعي‏: ‏ غير نافع إنما روى‏: ‏ ‏(‏حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء أمسكها وإن شاء طلق‏)‏ رواه يونس ابن جبير وابن سيرين وسالم‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وهو كما قال لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع وقد نبه على ذلك أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظاً‏. ‏ وقد اختلف في الحكمة في الأمر بالإمساك كذلك فقال الشافعي‏: ‏ يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها إما بحمل أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملاً فيمسكها لأجله‏. ‏ وقيل في الحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق فإذا أمسكها زماناً يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه معها فيجامعها فيذهب ما في نفسه فيمسكها‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏قبل أن يمسها‏)‏ استدل بذلك على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام وبه صرح الجمهور وهل يجبر على الرجعة إذا طلقها في طهر وطئها فيه كما يجبر إذا طلقها حائضاً قال بذلك بعض المالكية والمشهور عندهم الإجبار إذا طلق في الحيض لا إذا طلق في طهر وطئ فيه وقال داود يجبر إذا طلقها حائضاً نفساء قال في الفتح‏: ‏ واختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهراً هل المراد انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي بلفظ‏: ‏ ‏(‏مر عبد اللّه فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها‏)‏ وهذا مفسر لقوله ‏(‏فإذا طهرت‏)‏ فليحمل عليه وقد تمسك بقوله أو حاملاً من قال بأن طلاق الحامل سني وهم الجمهور‏. ‏ وروي عن أحمد أنه ليس بسني‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فحسبت من طلاقها‏)‏ بضم الحاء المهملة من الحسبان‏. ‏ وفي لفظ البخاري‏: ‏ حسبت علي بتطليقة وأخرجه أبو نعيم كذلك وزاد يعني حين طلق امرأته فسأل عمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد تمسك بذلك من قال بأن الطلاق البدعي يقع وهم الجمهور‏. ‏ وذهب الباقر والصادق وابن حزم وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض إلى أنه لا يقع‏. ‏ وحكاه ابن العربي وغيره عن ابن عليه يعني إبراهيم بن إسماعيل بن علية وهو من فقهاء المعتزلة‏. ‏ قال ابن عبد البر‏: ‏ لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال‏. ‏ قال‏: ‏ وروي مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وقد أجاب ابن حزم عن قول ابن عمر المذكور بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وتعقب بأنه مثل قول الصحابة أمرنا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بكذا فإنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذلك محله حيث يكون إطلاع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على ذلك ليس صريحاً وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسب عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعيداً جداً مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئاً برأيه وهو ينقل أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تغيظ من صنعه حيث لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة‏. ‏ واستدل الجمهور أيضاً بما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال هي واحدة‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ وهذا نص في محل النزاع يجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على أن ابن حزم فأجابه بأن قوله هي واحدة لعله ليس من كلام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال وقد أجاب ابن القيم عن هذا الحديث بأنه لا يدري أقاله يعني قوله هي واحدة ابن وهب من عنده أم ابن أبي ذئب أم نافع فلا يجوز أن يضاف إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه ولا يخفى أن هذا التجويز لا يدفع الظاهر المتبادر من الرفع ولو فتحنا باب دفع الأدلة بمثل هذا ما سلم لنا حديث فالأولى في الجواب المعارضة لذلك بما سيأتي‏. ‏ ومن حجج الجمهور ما أخرجه الدارقطني أيضاً‏: ‏ ‏(‏أن عمر قال‏: ‏ يا رسول اللّه أفتحتسب بتلك التطليقة قال‏: ‏ نعم‏)‏ ورجاله إلى شعبة ثقات كما قال الحافظ وشعبة رواه عن أنس بن سيرين عن ابن عمر واحتج الجمهور أيضاً بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم راجعها فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق‏. ‏ وأجاب ابن القيم عن ذلك بأن الرجعة قد وقعت في كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على ثلاثة معان‏: ‏ أحدها بمعنى النكاح قال اللّه تعالى ‏{‏فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا‏}‏ ولا خلاف بين أحد من أهل العلم أن المطلق ههنا هو الزوج الثاني وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول وذلك كابتداء النكاح وثانيها الرد الحسن إلى الحالة الأولى التي كانت عليها أولاً كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لأبي النعمان بن بشير لما أنحل ابنه غلاماً خصه به دون ولده‏: ‏ ‏(‏أرجعه‏)‏ أي رده فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة‏. ‏ والثالث الرجعة التي تكون بعد الطلاق ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال ولكنه يؤيد حمل الرجعة هنا على الرجعة بعد الطلاق ما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر‏: ‏ ‏(‏أن رجلاً قال‏: ‏ إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال‏: ‏ عصيت ربك وفارقت امرأتك‏)‏ قال‏: ‏ فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته قال‏: ‏ إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي ولكنه لا يخفى أن هذا على فرض دلالته على ذلك لا يصلح للاحتجاج به لأن مجرد فهم ابن عمر لا يكون حجة وقد تقرر أن معنى الرجعة لغة أعم من المعنى الاصطلاحي ولم يثبت أنه ثبت فيها حقيقة شرعية يتعين المصير إليها‏. ‏ ومن حجج القائلين بعدم الوقوع أثر ابن عباس المذكور في الباب ولا حجة لهم في ذلك لأنه قول صحابي ليس بمرفوع ومن جملة ما احتج به القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعي ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ‏: ‏ ‏(‏طلق عبد اللّه بن عمر امرأته وهي حائض قال عبد اللّه‏: ‏ فردها عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يرها شيئاً‏)‏ قال الحافظ‏: ‏ وإسناد هذه الزيادة على شرط الصحيح وقد صرح ابن القيم وغيره بأن هذا الحديث صحيح لأنه رواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال‏: ‏ ‏(‏أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً فقال ابن عمر‏: ‏ طلق ابن عمر امرأته حائضاً على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ إن عبد اللّه طلق امرأته وهي حائض قال عبد اللّه‏: ‏ فردها عليَّ ولم يرها شيئاً‏)‏ الحديث‏. ‏ فهؤلاء رجال ثقات أئمة حفاظ وقد أخرجه أحمد عن روح بن عبادة عن ابن جريج فلم يتفرد به عبد الرزاق عن ابن جريج ولكنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ‏. ‏ قال أبو داود‏: ‏ روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم على خلاف ما قال أبو الزبير وقال ابن عبد البر‏: ‏ قوله ولم يرها شيئاً منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه ولو صح فمعناه عندي واللّه أعلم ولم يرها شيئاً مستقيماً لكونها لم تكن عن السنة‏. ‏ وقال الخطابي‏: ‏ قال أهل الحديث لم يروي أبو الزبير حديثاً أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئاً تحرم معه المراجعة أو لم يرها شيئاً جائزاً في السنة ماضيًا في الاختيار‏. ‏ وقد حكى البيهقي عن الشافعي نحو ذلك ويجاب بأن أبا الزبير غير مدفوع في الحفظ والعدالة وإنما يخشى من تدليسه فإذا قال سمعت أو حدثني زال ذلك وقد صرح هنا بالسماع وليس في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير حتى يصار إلى الترجيح ويقال قد تخالفه الأكثر بل غاية ما هناك الأمر بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق وقد عرفت اندفاع ذلك على أنه لو سلم ذلك الاستلزام لم يصلح لمعارضة النص الصريح أعني ولم يرها شيئاً على أنه يؤيد رواية أبي الزبير ما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عبد اللّه بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ ليس ذلك بشيء‏. ‏ وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد اللّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض‏: ‏ لا يعتد بذلك‏. ‏ وهذا إسناد صحيح وروى ابن عبد البر عن الشعبي أنه قال إذا طلق امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر‏. ‏ وقد روى زيادة أبي الزبير الحميدي في الجمع بين الصحيحين وقد التزم أن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحاً على شرطهما‏. ‏ وقال ابن عبد البر في التمهيد‏: ‏ أنه تابع أبا الزبير على ذلك أربعة عبد اللّه بن عمر ومحمد بن عبد العزيز ابن أبي رواد ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حسنة ولا شك أن رواية عدم الاعتداد بتلك الطلقة أرجح من رواية الاعتداد المتقدمة فإذا صرنا إلى الترجيح بناء على تعذر الجمع فرواية عدم الاعتداد أرجح لما سلف ويمكن أن يجمع بما ذكره ابن عبد البر ومن معه كما تقدم‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ وهو متعين وهو أولى من تغليط بعض الثقات وقد رجح ما ذهب إليه من قال بعدم الوقوع بمرجحات منها قوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‏}‏ والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه لم يطلق بتلك العدة التي أمر اللّه بتطليق النساء لها كما صرح بذلك الحديث المذكور في الباب وقد تقرر في الأصول أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والمنهي عنه نهياً لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللازم يقتضي الفساد والفاسد لا يثبت حكمه‏. ‏ ومنها قول اللّه تعالى ‏{‏فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ ولا أقبح من التسريح الذي حرمه اللّه ومنها قوله تعالى ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ ولم يرد إلا المأذون فدل على أن ما عداه ليس بطلاق لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر أعني تعريف المسند إليه باللام الجنسية‏. ‏ ومنها قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ وهو حديث صحيح شامل لكل مسألة مخالفة لما عليه أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومسألة النزاع من هذا القبيل فإن اللّه لم يشرع هذا الطلاق ولا أذن فيه فليس من شرعه وأمره وممن ذهب إلى هذا المذهب أعني عدم وقوع البدعي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأطال الكلام عليها في الهدى والحافظ محمد بن إبراهيم الوزير وألف فيها رسالة طويلة في مقدار كراستين في القطع الكامل وقد جمعت فيها رسالة مختصرة مشتملة على الفوائد المذكورة في غيرها



٣ باب ما جاء في طلاق البتة وجمع الثلاث واختيار تفريقها عن ركانة بن عبد اللّه‏: ‏ ‏(‏أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك فقال‏: ‏ واللّه ما أردت إلا واحدة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ واللّه ما أردت إلا واحدة قال ركانة‏: ‏ واللّه ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب والثالثة في زمن عثمان‏)‏‏. ‏ - رواه الشافعي وأبو داود والدارقطني وقال‏: ‏ قال أبو داود‏: ‏ هذا حديث حسن صحيح‏. ‏ - الحديث أخرجه أيضاً الترمذي وصححه أيضًا ابن حبان والحاكم قال الترمذي‏: ‏ لا يعرف إلا من هذا الوجه وسألت محمداً عنه يعني البخاري فقال فيه اضطراب انتهى‏. ‏ وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غير واحد وقيل إنه متروك وذكر الترمذي عن البخاري أنه يضطرب فيه تارة يقال فيه ثلاثاً وتارة قيل واحدة وأصحها أنها طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعنى‏. ‏ قال ابن كثير‏: ‏ لكن قد رواه أبو داود من وجه آخر وله طرق أخر فهو حسن إن شاء اللّه‏. ‏ وقال ابن عبد البر في التمهيد‏: ‏ تكلموا في هذا الحديث انتهى‏. ‏ وهو مع ضعفه مضطرب ومعارض أما الاضطراب فكما تقدم وقد أخرج أحمد أنه طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثاً فحزن عليها وروى ابن إسحاق عن ركانة أنه قال‏: ‏ ‏(‏يا رسول اللّه إني طلقتها ثلاثاً قال‏: ‏ قد علمت أرجعها ثم تلا إذا طلقتم النساء‏)‏ الآية‏. ‏ أخرجه أبو داود وأما معارضته فبما روى ابن عباس أن طلاق الثلاث كانت واحدة وسيأتي وهو أصح إسناداً وأوضح متناً‏. ‏ وروى النسائي عن محمود بن لبيد قال‏: ‏ ‏(‏أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً فقام غضبان ثم قال أيلعب بكتاب اللّه وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال‏: ‏ يا رسول اللّه ألا أقتله‏)‏ قال ابن كثير‏: ‏ إسناده جيد‏. ‏ وقال الحافظ في بلوغ المرام‏: ‏ رواته موثقون‏. ‏ وفي الباب عن ابن عباس قال‏: ‏ ‏(‏طلق أبو ركانة أم ركانة فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ راجع امرأتك فقال‏: ‏ إني طلقتها ثلاثاً قال‏: ‏ قد علمت راجعها‏)‏ أخرجه أبو داود ورواه أحمد والحاكم وهو معلول بابن إسحاق فإنه في سنده‏. ‏ والحديث يدل على أن من طلق بلفظ البتة وأراد واحدة كانت واحدة وإن أراد ثلاثاً كانت ثلاثاً ورواية ابن عباس التي ذكرناها أنه أعني ركانة طلقها ثلاثاً فأمره صلى اللّه عليه وآله وسلم بمراجعتها يدل على أن من طلق ثلاثاً دفعة كانت في حكم الواحدة وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم واللّه ما أردت إلا واحدة‏)‏ الخ فيه دليل على أنه لا يقبل قول من طلق زوجته بلفظ البتة ثم زعم أنه أراد واحدة إلا بيمين ومثل هذا كل دعوى يدعيها الزوج راجعة إلى الطلاق إذا كان له فيها نفع‏. ‏ وعن سهل بن سعد قال‏: ‏ ‏(‏لما لاعن أخو بني عجلان امرأته قال يا رسول اللّه ظلمتها إن أمسكتها هي الطلاق وهي الطلاق وهي الطلاق‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وعن الحسن قال‏: ‏ ‏(‏حدثنا عبد اللّه بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرءين فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ يا ابن عمر ما هكذا أمرك اللّه تعالى إنك قد أخطأت السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء وقال فأمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فراجعتها ثم قال إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك فقلت يا رسول اللّه أرأيت لو طلقتها ثلاثاً أكان يحل لي أن أراجعها قال لا كانت تبين منك وتكون معصية‏)‏‏. ‏ رواه الدارقطني‏. ‏ حديث سهل بن سعد هو عند الجماعة إلا الترمذي بلفظ‏: ‏ ‏(‏فلما فرغا قال عويمر كذبت عليك يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فكانت سنة المتلاعنين‏)‏‏. ‏ وسيأتي في كتاب اللعان والغرض من إيراده ههنا أن الثلاث إذا وقعت في موقف واحد وقعت كلها وبانت الزوجة وأجاب القائلون بأنها لا تقع إلا واحدة فقط عن ذلك بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إنما سكت عن ذلك لأن الملاعنة تبين بنفس اللعان فالطلاق الواقع من الزوج بعد ذلك لا محل له فكأنه طلق أجنبية ولا يجب إنكار مثل ذلك فلا يكون السكوت عنه تقريراً‏. ‏ وحديث الحسن في إسناده عطاء الخراساني وهو مختلف فيه وقد وثقه الترمذي وقال النسائي وأبو حاتم‏: ‏ لا بأس به وكذبه سعيد بن المسيب وضعفه غير واحد‏. ‏ وقال البخاري‏: ‏ ليس فيمن روى عنه مالك من يستحق الترك غيره‏. ‏ وقال شعبة‏: ‏ كان نسيًا‏. ‏ وقال ابن حبان‏: ‏ كان من خيار عباد اللّه غير أنه كان كثير الوهم سيء الحفظ يخطئ ولا يدري فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به وأيضاً الزيادة التي هي محل الحجة أعني قوله‏: ‏ ‏(‏أرأيت لو طلقتها‏)‏ الخ مما تفرد به عطاء وخالف فيها الحفاظ فإنهم شاركوه في أصل الحديث ولم يذكروا الزيادة وأيضاً في إسنادها شعيب بن زريق الشامي وهو ضعيف‏. ‏ وقد استدل القائلون بأن الثلاث تقع بأحاديث من جملتها هذا الحديث وأجاب عنه القائلون بأنها تقع واحدة فقط بعدم صلاحيته للاحتجاج لما سلف على أن لفظ الثلاث محتمل‏. ‏ وعن حماد بن زيد قال‏: ‏ ‏(‏قلت لأيوب هل علمت أحد قال في أمرك بيدك أنها ثلاث إلا الحسن قال‏: ‏ لا ثم قال‏: ‏ اللّهم غفراً إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ ثلاث قال أيوب‏: ‏ فلقيت كثيراً مولى ابن سمرة فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال‏: ‏ نسي‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود والترمذي وقال‏: ‏ هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد‏. ‏ وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن عثمان‏: ‏ ‏(‏في أمرك بيدك القضاء ما قضت‏)‏‏. ‏ رواه البخاري في تاريخه‏. ‏ وعن علي قال‏: ‏ ‏(‏الخلية والبرية والبتة والبائن والحرام ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره‏)‏‏. ‏ رواه الدارقطني‏. ‏ وعن ابن عمر‏: ‏ ‏(‏أنه قال في الخلية والبرية ثلاثاً ثلاثاً‏)‏‏. ‏ رواه الشافعي‏. ‏ وعن يونس بن يزيد قال‏: ‏ ‏(‏سألت ابن شهاب عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيه قبل أن يدخل بها فقال أبوه هي طالق ثلاثاً كيف السنة في ذلك فقال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤي أن محمد بن إياس بن بكر الليثي وكان أبوه شهد بدراً أخبره أن أبا هريرة قال‏: ‏ بانت عنه فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وأنه سأل ابن عباس عن ذلك فقال مثل قول أبي هريرة وسأل عبد اللّه بن عمرو بن العاص فقال مثل قولهما‏)‏‏. ‏ رواه أبو بكر البرقاني في كتابه المخرج على الصحيحين‏. ‏ وعن مجاهد قال‏: ‏ ‏(‏كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال أنه طلق امرأته ثلاثاً فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس وإن اللّه قال ‏{‏ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً‏}‏ وإنك لم تتق اللّه فلم أجد لك مخرجاً عصيت ربك فبانت منك امرأتك وإن اللّه قال ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‏}‏‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود‏. ‏ وعن مجاهد عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال‏: ‏ عصيت ربك وفارقت امرأتك لم تتق اللّه فيجعل لك مخرجاً‏)‏‏. ‏ وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن رجلاً طلق امرأته ألفاً قال‏: ‏ يكفيك من ذلك ثلاث وتدع تسعمائة وسبعاً وتسعين‏)‏‏. ‏ وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أنه سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال أخطأ السنة وحرمت عليه امرأته‏)‏‏. ‏ رواهن الدارقطني‏. ‏ وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث بالكلمة الواحدة‏. ‏ وقد روى طاوس عن ابن عباس قال‏: ‏ ‏(‏كان الطلاق على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب‏: ‏ إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم‏)‏ رواه أحمد ومسلم‏. ‏ وفي رواية عن طاوس‏: ‏ ‏(‏أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر واحدة قال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم‏)‏ رواه مسلم‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر قال ابن عباس‏: ‏ بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم‏)‏ رواه أبو داود‏. ‏ حديث حماد بن زيد أخرجه أيضاً النسائي‏. ‏ وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال إنما هو عن أبي هريرة موقوفاً ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعاً‏. ‏ وقال النسائي‏: ‏ هذا حديث منكر وأما إنكار الشيخ أنه حدث بذلك فإن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية أبي داود بلفظ قال أيوب فقدم علينا كثير فسألته فقال ما حدثت بهذا قط فذكرته لقتادة فقال بلى ولكنه نسي انتهى‏. ‏ فلا شك أنه علة قادحة وإن لم تكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في الرواية المذكورة في الباب فليس ذلك مما يعد قادحاً في الحديث وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث وقد استدل بهذا الحديث على أن من قال لامرأته أمرك بيدك كان ذلك ثلاثًا وقد اختلف في قول الرجل لزوجته أمرك بيدك وأمرك إليك هل هو صريح تمليك للطلاق أو كناية فحكى في البحر عن الحنفية والشافعية ومالك أنه صريح فلا يقبل قول الزوج بعد ذلك أنه أراد التوكيل وذهب المؤيد باللّه والهادوية إلى أنه كناية تمليك فيقبل قول الزوج أنه أراد التوكيل‏. ‏ قوله‏: ‏ قال الخلية الخ هذه الألفاظ من ألفاظ الطلاق الصريح وأما كونها بمنزلة إيقاع ثلاث تطليقات فقد تقدم في لفظ البتة ما يدل على أنه بمنزلة الطلاق الثلاث إلا أن يحلف الزوج أنه ما أراد به إلا واحدة فيمكن أن يكون علي رضي اللّه عنه ألحق به بقية الألفاظ المذكورة وأما لفظ الحرام فسيأتي الكلام عليه في باب من حرم زوجته أو أمته من كتاب الظهار‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ هذا الأثر إسناده صحيح كما قال صاحب الفتح وأخرج له أبو داود متابعات عن ابن عباس وذكر نحو الآثار التي عزاها المصنف إلى الدارقطني وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه رفع إليه رجل طلق امرأته ألفاً فقال له عمر‏: ‏ أطلقت امرأتك قال‏: ‏ لا إنما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال‏: ‏ إنما يكفيك من ذلك ثلاث‏. ‏ وروى وكيع عن علي رضي اللّه عنه وعثمان نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود أنه قيل له إن رجلاً طلق امرأته البارحة مائة قال‏: ‏ قلتها مرة واحدة قال‏: ‏ نعم قال‏: ‏ تريد أن تبين منك امرأتك قال‏: ‏ نعم قال‏: ‏ هو كما قلت‏. ‏ وأتاه آخر فقال‏: ‏ رجل طلق امرأته عدد النجوم قال‏: ‏ قلتها مرة واحدة قال‏: ‏ نعم قال‏: ‏ تريد أن تبين منك امرأتك قال‏: ‏ نعم قال‏: ‏ هو كما قلت واللّه لا تلبسون على أنفسكم ونتحمله عنكم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أناة‏)‏ في الصحاح أنه على وزن قناة وفي القاموس والأناة كقناة الحلم والوقار‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏من هناتك‏)‏ جمع هنَّ كأخَّ وهو الشيء يقول هذا هنك أي شيئك هذا معنى ما في القاموس فكأن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من الأشياء العلمية التي عندك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏تتابع الناس‏)‏ بتاءين فوقيتين بعد الألف مثناة تحتية بعدها عين مهملة وهو الوقوع في الشر من غير تماسك ولا توقف‏. ‏ واعلم أنه قد وقع الخلاف في الطلاق الثلاث إذا أوقعت في وقت واحد هل يقع جميعها ويتبع الطلاق الطلاق أم لا فذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة وأئمة المذاهب الأربعة وطائفة من أهل البيت منهم أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه والناصر والإمام يحيى حكى ذلك عنهم في البحر وحكاه أيضاً عن بعض الإمامية إلى أن الطلاق يتبع الطلاق وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق بل يقع واحدة فقط‏. ‏ وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى ورواية عن علي عليه السلام وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد والهادي والقاسم والباقر والناصر وأحمد بن عيسى وعبد اللّه بن موسى بن عبد اللّه ورواية عن زيد بن علي وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المحققين وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما ونقله ابن المنذري عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار وحكاه ابن مغيث أيضاً في ذلك الكتاب عن علي رضي اللّه عنه وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وذهب بعض الإمامية إلى أنه لا يقع بالطلاق المتتابع شيء لا واحدة ولا أكثر منها وقد حكى ذلك عن بعض التابعين‏. ‏ وروى عن ابن علية وهشام بن الحكم وبه قال أبو عبيدة وبعض أهل الظاهر وسائر من يقول أن الطلاق البدعي لا يقع لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة منه وعدم وقوع البدعي هو أيضاً مذهب الباقر والصادق والناصر وذهب جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث وإن لم تكن مدخولة فواحدة‏. ‏ استدل القائلون بأن الطلاق يتبع الطلاق بأدلة منها قوله تعالى ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ وظاهرها جواز إرسال الثلاث أو الثنتين دفعة أو مفرقة ووقوعها قال الكرماني‏: ‏ إن قوله ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ يدل على جواز جمع الثنتين وإذا جاز جمع الثنتين دفعة جاز جمع الثلاث وتعقبه الحافظ بأنه قياس مع الفارق لأن جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى بخلاف الثلاث‏. ‏ وقال الكرماني‏: ‏ إن التسريح بإحسان عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة وتعقب بأن التسريح في الآية إنما هو بعد إيقاع الثنتين فلا يتناول إيقاع الثلاث دفعة‏. ‏ وقد قيل إن هذه الآية من أدلة عدم التتابع لأن ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعة بل على الترتيب المذكور وهذا أظهر واستدلوا أيضاً بظواهر سائر الآيات القرآنية نحو قوله تعالى‏: ‏ ‏{‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره‏}‏ وقوله تعالى‏: ‏ ‏{‏وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن‏}‏ وقوله تعالى‏: ‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن‏}‏ وقوله تعالى‏: ‏ ‏{‏وللمطلقات متاع بالمعروف‏}‏ ولم يفرق في هذه الآيات بين إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث وأجيب بأن هذه عمومات مخصصة وإطلاقات مقيدة بما ثبت من الأدلة الدالة على المنع من وقوع فوق الواحدة واستدلوا أيضاً بحديث سهل بن سعد المتقدم في قضية عويمر العجلاني وقد قدمنا الجواب عن ذلك واستدلوا أيضًا بالحديث المذكور بعده فيما تقدم من رواية الحسن وقد تقدم أيضاً الجواب عنه واستدلوا أيضًا بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن العلاء عن عبد اللّه بن الوليد الوصافي عن إبراهيم بن عبد اللّه بن عبادة بن الصامت قال‏: ‏ ‏(‏طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما اتقى اللّه جدك أما ثلاث فله وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء اللّه عذبه وإن شاء غفر له‏)‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏إن أباك لم يتق اللّه فيجعل له مخرجاً بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه‏)‏ وأجيب بأن يحيى بن العلاء ضعيف وعبيد اللّه بن الوليد هالك وإبراهيم بن عبيد اللّه مجهول فأي حجة في رواية ضعيف عن هالك عن مجهول ثم والد عبادة بن الصامت لم يدرك الإسلام فكيف بجده واستدلوا أيضاً بما في حديث ركانة السابق أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقعت ويجاب بأن أثبت ما روي في قصة ركانة أنه طلقها البتة لا ثلاثاً وأيضاً قد تقدم في رواية أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له‏: ‏ أرجعها بعد أن قال له‏: ‏ أنه طلقها ثلاثاً‏. ‏ وأيضاً قد تقدم فيه من المقال ما لا ينتهض معه للاستدلال‏. ‏ واستدل القائلون بأنه لا يقع من المتعدد إلا واحدة بما وقع في حديث ابن عباس عن ركانة‏: ‏ ‏(‏أنه طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد فحزن عليها حزناً شديداً فسأله النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كيف طلقتها فقال ثلاثاً في مجلس واحد فقال له صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ إنما تلك واحدة فارتجعها‏)‏ أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن في إسناده محمد بن إسحاق ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الأحكام بمثل هذا الإسناد ومنها معارضته لفتوى ابن عباس المذكورة في الباب ورد بأن المعتبر روايته لا رأيه ومنها أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما تقدم ويمكن أن يكون من روى ثلاثاً حمل البتة على معنى الثلاث وفيه مخالفة للظاهر والحديث نص في محل النزاع‏. ‏ واستدلوا أيضاً بحديث ابن عباس المذكور في الباب أن الطلاق كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى آخره وقد أجيب عنه بأجوبة منها ما نقله المصنف رحمه اللّه في هذا الكتاب بعد إخراجه له ولفظه وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعض التابعين إلى ظاهره في حق من لم يدخل بها كما دلت عليه رواية أبي داود وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق بأن يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع فكان الناس في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغائب الفضيلة والاختيار ولم يظهر فيهم خب ولا خداع وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في زمانه أموراً ظهرت وأحوالاً تغيرت وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها وقد أشار إليه بقوله أن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة‏. ‏ وقال أحمد بن حنبل‏: ‏ كل أصحاب ابن عباس رووا عنه خلاف ما قال طاوس سعيد بن جبير ومجاهد ونافع عن ابن عباس بخلافه وقال أبو داود في سننه‏: ‏ صار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد اللّه بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً فكلهم قال لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره انتهى كلام المصنف‏. ‏ وقوله وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق الخ هذا البعض الذي أشار إليه هو ابن سريج وقد ارتضى هذا الجواب القرطبي وقال النووي‏: ‏ إنه أصح الأجوبة ولا يخفى أن من جاء بلفظ يحتمل التأكيد وادعى أنه نواه يصدق في دعواه ولو في آخر الدهر فكيف بزمن خير القرون ومن يليهم وإن جاء بلفظ لا يحتمل التأكيد لم يصدق إذا ادعى التأكيد من غير فرق بين عصر وعصر ويجاب عن كلام أحمد المذكور بأن المخالفين لطاوس من أصحاب ابن عباس إنما نقلوا عن ابن عباس رأيه وطاوس نقل عنه روايته فلا مخالفة وأما ما قاله ابن المنذر من أنه لا يظن بابن عباس أن يحفظ عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئاً ويفتي بخلافه فيجاب عنه بأن الاحتمالات المسوغة لترك الرواية والعدول إلى الرأي كثيرة منها النسيان ومنها قيام دليل عند الراوي لم يبلغنا ونحن متعبدون بما بلغنا دون ما لم يبلغ‏. ‏ وبمثل هذا يجاب عن كلام أبي داود المذكور‏. ‏ ومن الأجوبة من حديث ابن عباس المذكور ما نقله البيهقي عن الشافعي أنه قال يشبه أن يكون ابن عباس علم شيئاً نسخ ويجاب بأن النسخ إن كان بدليل من كتاب أو سنة فما هو وإن كان بالإجماع فأين هو على أنه يبعد أن يستمر الناس أيام أبي بكر وبعض أيام عمر على أمر منسوخ وإن كان الناسخ قول عمر المذكور فحاشاه أن ينسخ سنة ثابتة بمحض رأيه وحاشا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يجيبوه إلى ذلك‏. ‏ ومن الأجوبة دعوى الاضطراب كما زعمه القرطبي في المفهم وهو زعم فاسد لا وجه له‏. ‏ ومنها ما قاله ابن العربي أن هذا حديث مختلف في صحته فكيف يقدم على الإجماع ويقال أين الإجماع الذي جعلته معارضاً للسنة الصحيحة‏. ‏ ومنها أنه ليس في سياق حديث ابن عباس أن ذلك كان يبلغ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى يقرره والحجة إنما هي في ذلك وتعقب بأن قول الصحابة كنا نفعل كذا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حكم المرفوع على ما هو الراجح وقد علمتم بمثل هذا في كثير من المسائل الشرعية والحاصل أن القائلين بالتتابع قد استكثروا من الأجوبة على حديث ابن عباس وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف والحق أحق بالإتباع فإن كانت تلك المحاماة لأجل مذاهب الأسلاف فهي أحقر وأقل من أن تؤثر على السنة المطهرة وإن كانت لأجل عمر بن الخطاب فأين يقع المسكين من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم أي مسلم من المسلمين يستحسن عقله وعلمه ترجيح قول صحابي على قول المصطفى‏. ‏ واحتج القائلون بأنه لا يقع شيء لا واحدة ولا أكثر منها بقوله تعالى ‏{‏فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ فشرط في وقوع الثالثة أن تكون في حال يصح من الزوج فيها الإمساك إذ من حق كل مخير بينهما أن يصح كل واحد منهما وإذا لم يصح الإمساك إلا بعد المراجعة لم تصح الثالثة إلا بعدها لذلك وإذا لزم في الثالثة لزم في الثانية كذا قيل وأجيب بمنع كون ذلك يدل على أنه لا يقع الطلاق إلا بعد الرجعة ومن الأدلة الدالة على عدم وقوع شيء الأدلة المتقدمة في الطلاق البدعي واستدلوا أيضاً بحديث‏: ‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ وهذا الطلاق ليس عليه أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأجيب بتخصيص هذا العموم بما سبق من أدلة القولين الأولين من الحكم بوقوع الطلاق المثلث لأنا وإن منعنا وقوع المجموع لم نمنع من وقوع الفرد والقائلون بالفرق بين المدخولة وغيرها أعظم حجة لهم حديث ابن عباس فإن لفظه عند أبي داود أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة الحديث ووجهوا ذلك بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها أنت طالق فإذا قال ثلاثاً لغا العدد لوقوعه بعد البينونة ويجاب بأن التقييد يقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة المذكورة في الباب وذلك لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه وأجاب القرطبي عن ذلك التوجيه بأن قوله أنت طالق ثلاثاً كلام متصل غير منفصل فكيف يصح جعله كلمتين وتعطى كل كلمة حكماً هذا حاصل ما في هذه المسألة من الكلام وقد جمعت في ذلك رسالة مختصرة‏. ‏


٤ باب ما جاء في كلام الهازل والمكره والسكران بالطلاق وغيره عن أبي هريرة قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي‏: ‏ حديث حسن غريب‏. ‏ الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وصححه وأخرجه الدارقطني وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك وهو مختلف فيه قال النسائي‏: ‏ منكر الحديث ووثقه غيره‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ فهو على هذا حسن‏. ‏ وفي الباب عن فضالة بن عبيد عند الطبراني بلفظ‏: ‏ ‏(‏ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة وعن عبادة بن الصامت عند الحارث بن أبي أسامة في مسنده رفعه بلفظ‏: ‏ ‏(‏لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن‏)‏ وإسناده منقطع‏. ‏ وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه‏: ‏ ‏(‏من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز‏)‏ وفي إسناده انقطاع أيضاً‏. ‏ وعن علي موقوفاً عند عبد الرزاق أيضاً وعن عمر موقوفاً عنده أيضاً‏. ‏ والحديث يدل على أن من تلفظ هازلاً بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق كما في الأحاديث التي ذكرناها وقع منه ذلك أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية والحنفية وغيرهم وخالف في ذلك أحمد ومالك فقال‏: ‏ إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية وبه قال جماعة من الأئمة منهم الصادق والباقر والناصر واستدلوا بقوله تعالى ‏{‏وإن عزموا الطلاق‏}‏ فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه وأجاب صاحب البحر بالجمع بين الآية والحديث فقال‏: ‏ يعتبر العزم في غير الصريح لا في الصريح فلا يعتبر والاستدلال بالآية على تلك الدعوى غير صحيح من أصله فلا يحتاج إلى الجمع فإنها نزلت في حق المولى‏. ‏ وعن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ لا طلاق ولا عتاق في إغلاق‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏. ‏ وفي حديث بريدة في قصة ماعز أنه قال‏: ‏ ‏(‏يا رسول اللّه طهرني قال‏: ‏ مم أطهرك قال‏: ‏ من الزنا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أبه جنون‏. ‏ فأخبر أنه ليس بمجنون فقال‏: ‏ أشرب خمراً فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أزنيت قال‏: ‏ نعم فأمر به فرجم‏. ‏ رواه مسلم والترمذي وصححه‏. ‏ وقال عثمان‏: ‏ ليس لمجنون ولا لسكران طلاق‏. ‏ وقال ابن عباس‏: ‏ طلاق السكران والمستكره ليس بجائز‏. ‏ وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق فليس بشيء‏. ‏ وقال علي‏: ‏ كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه‏. ‏ ذكرهن البخاري في صحيحه‏. ‏ وعن قدامة بن إبراهيم‏: ‏ ‏(‏أن رجلاً على عهد عمر بن الخطاب تدلى يشتار عسلاً فأقبلت امرأته فجلست على الحبل فقالت ليطلقها ثلاثاً وإلا قطعت الحبل فذكرها اللّه والإسلام فأبت فطلقها ثلاثاً ثم خرج إلى عمر فذكر ذلك له فقال ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق‏)‏‏. ‏ رواه سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم بن سلام‏. ‏ حديث عائشة أخرجه أيضاً أبو يعلى والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح وقد ضعفه أبو حاتم الرازي ورواه البيهقي من طريق ليس هو فيها لكن لم يذكر عائشة وزاد أبو داود وغيره ولا عتاق‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏في إغلاق‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة وآخره قاف فسره علماء الغريب بالإكراه روى ذلك في التلخيص عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم وقيل الجنون واستبعده المطرزي وقيل الغضب وقع ذلك في سنن أبي داود وفي رواية ابن الأعرابي وكذا فسره أحمد ورده ابن السيد فقال لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحداً لا يطلق حتى يغضب وقال أبو عبيدة‏: ‏ الإغلاق التضييق وقد استدل بهذا الحديث من قال إنه لا يصح طلاق المكره وبه قال جماعة من أهل العلم حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس وابن عمر والزبير والحسن البصري وعطاء ومجاهد وطاوس وشريح والأوزاعي والحسن بن صالح والقاسمية والناصر والمؤيد باللّه ومالك والشافعي وحكى أيضاً وقوع طلاق المكره عن النخعي وابن المسيب والثوري وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وأصحابه والظاهر ما ذهب إليه الأولون لما في الباب ويؤيد ذلك حديث‏: ‏ ‏(‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس وحسنه النووي وقد أطال الكلام عليه الحافظ في باب شروط الصلاة من التلخيص فليراجع‏. ‏ واحتج عطاء بقوله تعالى ‏{‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏}‏ وقال‏: ‏ الشرك أعظم من الطلاق أخرجه سعيد بن منصور عنه بإسناد صحيح‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أبه جنون‏)‏ لفظ البخاري‏: ‏ ‏(‏أبك جنون‏)‏ وهذا طرف من حديث يأتي إن شاء اللّه تعالى في الحدود وفيه دليل على أن الإقرار من المجنون لا يصح وكذا سائر التصرفات والإنشاءات ولا أحفظ في ذلك خلافاً‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقال أشرب خمرًا‏)‏ فيه دليل أيضاً على أن إقرار السكران لا يصح وكأن المصنف رحمه اللّه تعالى قاس طلاق السكران على إقراره وقد اختلف أهل العلم في ذلك فأخرج ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عدم وقوع طلاق السكران عن أبي الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي وبه قال الأوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة وقد حكى القول بالوقوع في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن يسار وزيد بن علي والهادي والمؤيد باللّه وحكى القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد ورواية عن ابن عباس والناصر وأبي طالب والبتي وداود‏. ‏ احتج القائلون بالوقوع بقوله تعالى ‏{‏لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى‏}‏ ونهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف وكل مكلف يصح منه الطلاق وغيره من العقود والإنشاءات وأجيب بأن النهي في الآية المذكورة إنما هو من أصل السكر الذي يلزم منه قربان الصلاة كذلك‏. ‏ وقيل إنه نهي يشمل الذي يعقل الخطاب وأيضاً قوله في آخر الآية ‏{‏حتى تعلموا ما تقولون‏}‏ دليل على أن السكران يقول ما لا يعلم ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفاً وهو غير فاهم شرط التكليف كما تقرر في الأصول‏. ‏ واحتجوا ثانياً بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الإثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر وأجاب الطحاوي بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بين من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل اللّه أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه لأنه غير مكلف حال نومه بلا نزاع‏. ‏ واحتجوا ثالثاً بأن ربط الأحكام بأسبابها أصل من الأصول المأنوسة في الشريعة والتطليق سبب للطلاق فينبغي ترتيبه عليه وربطه به وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات وأجيب بالاستفسار عن السبب للطلاق هل هو إيقاع لفظه مطلقاً إن قلتم نعم لزمكم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذي لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق وإن قلتم أنه إيقاع اللفظ من العاقل الذي يفهم ما يقول فالسكران غير عاقل ولا فاهم فلا يكون إيقاع لفظ الطلاق منه سبباً‏. ‏ واحتجوا رابعاً بأن الصحابة رضي اللّه عنهم جعلوه كالصاحي ويجاب بأن ذلك محل خلاف بين الصحابة كما بينا ذلك في أول الكلام وكما ذكره المصنف عن عثمان وابن عباس فلا يكون قول بعضهم حجة علينا كما لا يكون حجة على بعضهم بعضاً‏. ‏ واحتجوا خامسًا بأن عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية لأنه إذا فعل حراماً واحداً لزمه حكمه فإذا تضاعف جرمه بالسكر وفعل المحرم الآخر سقط عنه الحكم مثلاً لو أنه ارتد بغير سكر لزمه حكم الردة فإذا جمع بين السكر والردة لم يلزمه حكم الردة لأجل السكر ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرم الآخر وهو السكر فإن ذلك مما لا يقول به عاقل وإنما أسقطنا عنه حكم المعصية لعدم مناط التكليف وهو العقل وبيان ذلك أنه لو شرب الخمر ولم يزل عقله كان حكمه حكم الصاحي فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط‏. ‏ ومن الأدلة الدالة على عدم الوقوع ما في صحيح البخاري وغيره أن حمزة سكر وقال للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لما دخل عليه هو وعلي وهل أنتم إلا عبيد لأبي في قصة مشهورة فتركه صلى اللّه عليه وآله وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفراً كما قال ابن القيم‏. ‏ وأجيب بأن الخمر كانت إذ ذاك مباحة والخلاف إنما هو بعد تحريمها‏. ‏ وحكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنه قال‏: ‏ الأصل في السكران العقل والسكر شيء طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت فقدان عقله انتهى‏. ‏ والحاصل أن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الأحكام وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا ونقول يقع طلاقه عقوبة له فيجمع له بين غرمين ‏(‏لا يقال‏)‏ إن ألفاظ الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف لأنا نقول الأحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الأحكام التكليفية وأيضاً السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق بالاتفاق وإلا لزم وقوع طلاق المجنون‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وقال عثمان‏)‏ الخ علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏)‏ الخ وصله ابن أبي شيبة أيضاً وسعيد بن منصور‏. ‏ وأثر على وصله البغوي في الجعديات وسعيد بن منصور وقد ساق البخاري في صحيحه آثاراً عن جماعة من الصحابة والتابعين‏. ‏ وأثر عمر بن الخطاب في قصة الرجل الذي تدلى ليشتار عسلاً إسناده منقطع لأن الراوي له عن عمر عبد الملك بن قدامة بن محمد بن إبراهيم بن حاطب الجمحي عن أبيه قدامة وقدامة لم يدرك عمر وقد روي ما يعارضها أخرج العقيلي من حديث صفوان بن عمران الطائي‏: ‏ ‏(‏أن امرأة أخذت المدية ووضعتها على نحر زوجها وقالت إن لم تطلقني نحرتك بهذه فطلقها ثم استقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم الطلاق فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لا قيلولة في الطلاق‏)‏ وقد تفرد به صفوان وحمله بعضهم على من نوى الطلاق


٥ باب ما جاء في طلاق العبد عن ابن عباس قال‏: ‏ ‏(‏أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رجل فقال‏: ‏ يا رسول اللّه سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها قال‏: ‏ فصعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم المنبر فقال‏: ‏ يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق‏)‏‏. ‏ رواه ابن ماجه والدارقطني‏. ‏ وعن عمر بن معتب‏: ‏ ‏(‏أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا هل يصح له أن يخطبها قال‏: ‏ نعم قضى بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة إلا الترمذي‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏بقيت لك واحدة قضى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ رواه أبو داود‏. ‏ وقال ابن المبارك ومعمر‏: ‏ لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة وقال أحمد بن حنبل في رواية ابن منصور في عبد تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا يتزوجها ويكون على واحدة على حديث عمر بن معتب وقال في رواية أبي طالب في هذه المسألة يتزوجها ولا يبالي في العدة عتقاً أو بعد العدة قال وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد اللّه وأبي سلمة وقتادة‏. ‏ حديث ابن عباس أخرجه أيضاً الطبراني وابن عدي وفي إسناد ابن ماجه ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف وفي إسناد الطبراني يحيى الحماني وهو ضعيف وفي إسناد ابن عدي والدارقطني عصمة بن مالك كذا قيل وفي التقريب إنه صحابي وطرقه يقوي بعضها بعضاً‏. ‏ وقال ابن القيم‏: ‏ إن حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس وأراد بقوله القرآن يعضده نحو قوله تعالى‏: ‏ ‏{‏إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن‏}‏ وقوله تعالى‏: ‏ ‏{‏إذا طلقتم النساء‏}‏ الآية‏. ‏ وحديث عمر بن معتب أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه وقد ذكر أبو الحسن المذكور بخير وصلاح ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان غير أن الراوي عنه عمر بن معتب وقد قال علي بن المديني‏: ‏ إنه منكر الحديث وسئل عنه أيضاً فقال‏: ‏ مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وقال النسائي‏: ‏ ليس بالقوي وقال الأمير أبو نصر‏: ‏ منكر الحديث وقال الذهبي‏: ‏ لا يعرف‏. ‏ ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقية وكسرها وبعدها باء موحدة‏. ‏ وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور من قال إن طلاق امرأة العبد لا يصح إلا منه لا من سيده وروي عن ابن عباس أنه يقع طلاق السيد على عبده والحديث المروي من طريقه حجة عليه وابن لهيعة ليس بساقط الحديث فإنه إمام حافظ كبير ولهذا أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال أحمد بن حنبل من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه‏. ‏ وقال أحمد بن صالح‏: ‏ كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلاباً للعلم وقال يحيى بن القطان وجماعة‏: ‏ إنه ضعيف‏. ‏ وقال ابن معين‏: ‏ ليس بذاك القوي وهذا جرح مجمل لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل‏. ‏ وقد قيل إن السبب في تضعيفه احتراق كتبه وأنه بعد ذلك حدث من حفظه فخلط وأن من حدث عنه قبل احتراق كتبه كابن المبارك وغيره حديثهم عنه قوي وبعضهم يصححه وهذا التفصيل هو الصواب وقال الذهبي‏: ‏ إنها تؤدى أحاديثه في المتابعات ولا يحتج به‏. ‏ وأما يحيى الحماني فقال في التذكرة‏: ‏ وثقه يحيى بن معين وقال ابن عدي‏: ‏ أرجو أنه لا بأس به‏. ‏ وقال ابن حبان‏: ‏ يكذب جهاراً ويسرق الأحاديث واستدل أيضاً بحديث ابن عباس الثاني أيضاً أن العبد يملك من الطلاق ثلاثاً كما يملك الحر وقال الشافعي‏: ‏ إنه لا يملك من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة وقال أبو حنيفة والناصر‏: ‏ إنه لا يملك في الأمة إلا اثنتين لا في الحرة فكالحر‏. ‏ واستدلوا بحديث ابن مسعود الطلاق بالرجال والعدة بالنساء عند الدارقطني والبيهقي وأجيب بأنه موقوف‏. ‏ قالوا أخرج الدارقطني والبيهقي أيضاً عن ابن عباس نحوه وأجيب بأنه موقوف أيضاً وكذلك روى نحوه أحمد من حديث علي وهو أيضاً موقوف قالوا أخرج ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعًا‏: ‏ ‏(‏طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان‏)‏ وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان‏. ‏ وقال الدارقطني والبيهقي‏: ‏ الصحيح أنه موقوف قالوا في السنن نحوه من حديث عائشة وأجيب بأن في إسناده مظاهر بن أسلم قال الترمذي‏: ‏ حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق انتهى‏. ‏ لا يقال هذه الطرق تقوى على تخصيص عموم الطلاق مرتان وغيرها من العمومات الشاملة للحر والعبد لأنا نقول قد دل على أن ذلك العموم مراد غير مخرج منه العبد حديث ابن عباس المذكور في الباب فهو معارض لما دل على أن طلاق العبد ثنتان



٦ باب من علق الطلاق قبل النكاح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والترمذي وقال‏: ‏ حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وأبو داود وقال فيه‏: ‏ ‏(‏ولا وفاء نذر إلا فيما يملك‏)‏ ولابن ماجه منه‏: ‏ ‏(‏لا طلاق فيما لا يملك‏)‏‏. ‏ وعن مسور بن مخرمة‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك‏)‏‏. ‏ رواه ابن ماجه‏. ‏ - حديث عمرو بن شعيب أخرجه بقية أهل السنن والبزار والبيهقي وقال‏: ‏ هو أصح شيء في هذا الباب وأشهر‏. ‏ وحديث المسور حسنه الحافظ في التلخيص ولكنه اختلف فيه على الزهري فروى عنه عن عروة عن المسور وروى عنه عن عروة عن عائشة وفي الباب عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري وعمران بن حصين وغيرهم ذكر ذلك البيهقي في الخلافيات - وفي الباب - أيضاً عن جابر مرفوعاً بلفظ‏: ‏ ‏(‏لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك‏)‏ أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال‏: ‏ وأنا متعجب من الشيخين كيف أهملاه وقد صح على شرطهما من حديث ابن عمر وعائشة وعبد اللّه بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر انتهى‏. ‏ وحديث ابن عمر أخرجه أيضاً ابن عدي ووثق إسناده الحافظ وقال ابن صاعد‏: ‏ غريب لا أعرف له علة‏. ‏ وحديث عائشة قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‏: ‏ حديث منكر‏. ‏ وحديث ابن عباس في إسناده عند الحاكم من لا يعرف وله طريق أخرى عند الدارقطني وفي إسناده ضعيف‏. ‏ وحديث معاذ أعل بالإرسال وله طريق أخرى عند الدارقطني وفيها انقطاع وفي إسناده أيضاً يزيد بن عياض وهو متروك‏. ‏ وحديث جابر صحح الدارقطني إرساله وأعله ابن معين وغيره وفي الباب أيضاً عن علي عند البيهقي وغيره ومداره على جوبير وهو متروك ورواه ابن الجوزي من طريق أخرى عنه وفيها عبد اللّه بن زياد بن سمعان وهو متروك وله طريق أخرى في الطبراني وقال ابن معين‏: ‏ لا يصح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا طلاق قبل نكاح‏)‏ وأصح شيء فيه حديث ابن المنكدر عمن سمع طاوساً عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلاً‏. ‏ وقال ابن عبد البر في الاستذكار‏: ‏ روي من وجوه إلا أنها عند أهل العلم بالحديث معلولة انتهى‏. ‏ ولا يخفى عليك أن مثل هذه الروايات التي سقناها في الباب من طريق أولئك الجماعة من الصحابة مما لا يشك منصف أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية وأما التعليق نحو أن يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أنه لا يقع‏. ‏ وحكى عن أبي حنيفة وأصحابه والمؤيد باللّه في أحد قوليه إنه لا يصح التعليق مطلقاً وذهب مالك في المشهور عنه وربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى إلى التفصيل وهو أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق صح الطلاق ووقع وإن عمم لم يقع شيء وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرد الاستحسان كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة والحق أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح مطلقاً للأحاديث المذكورة في الباب وكذا العتق قبل الملك والنذر بغير الملك


٧ باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغير ذلك عن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏خيرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئاً‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏قالت‏: ‏ لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمر أبويك قالت‏: ‏ وقد علم أن أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت ثم قال إن اللّه عز وجل قال لي ‏{‏يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا‏}‏ الآية ‏{‏وإن كنتن تردن اللّه ورسوله والدار الآخرة‏}‏ الآية قالت‏: ‏ فقلت في هذا أستأمر أبويَّ فإني أريد اللّه ورسوله والدار الآخرة قالت‏: ‏ ثم فعل أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مثل ما فعلت‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة إلا أبو داود‏. ‏ - قوله‏: ‏ ‏(‏خيرنا‏)‏ في لفظ لمسلم‏: ‏ ‏(‏خير نساءه‏)‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فلم يعدها شيئاً‏)‏ بتشديد الدال المهملة وضم العين من العدد‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏فلم يعدد‏)‏ بفك الإدغام وفي أخرى ‏(‏فلم يعتد‏)‏ بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد‏. ‏ وفي رواية لمسلم‏: ‏ ‏(‏فلم يعده طلاقاً‏)‏ وفي رواية للبخاري أفكان طلاقاً على طريقة الاستفهام الإنكاري‏. ‏ وفي رواية لأحمد فهل كان طلاقاً وكذا للنسائي‏. ‏ وقد استدل بهذا من قال إنه لا يقع بالتخيير شيء إذا اختارت الزوج وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة أو يقع ثلاثاً فحكى الترمذي عن علي عليه السلام أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت إن اختارت نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة‏. ‏ وعن عمرو بن مسعود إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية وإن اختارت زوجها فلا شيء ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها لزوجها طلاقاً لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال‏: ‏ ‏(‏كنا جلوساً عند علي عليه السلام فسئل عن الخيار فقال‏: ‏ سألني عنه عمر فقلت إن اختارت نفسها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شيء قال فلم أجد بداً من متابعته فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف قال علي وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت قال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طريق علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثاً بأن معنى الخيار بت أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها يكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت‏. ‏ وقال الخطابي‏: ‏ يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقاً أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقاً ووافقه القرطبي في المفهم فقال‏: ‏ في الحديث إن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقاً من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقاً بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأن فيها ‏{‏فتعالين أمتعكن وأسرحكن‏}‏ أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم‏. ‏ واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل وللشافعي فيه قولان المصحح عند أصحابه أنه تمليك وهو قول المالكية بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع وفي وجه لا يضر التأخير ما دام المجلس وبه جزم ابن القاص وهو الذي رجحته المالكية والحنفية والهادوية وهو قول الثوري والليث والأوزاعي وقال ابن المنذر‏: ‏ الراجح أنه لا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيدة ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي من الحنفية واحتجوا بما في حديث الباب من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لعائشة إني ذاكر لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ ويمكن أن يقال يشترط الفور إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لأمر يقتضي ذلك فيتراخى كما وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك‏. ‏ وعن عائشة‏: ‏ ‏(‏أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ودنا منها قالت أعوذ باللّه منك فقال لها لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك‏)‏‏. ‏ رواه البخاري وابن ماجه والنسائي وقال الكلابية بدل ابنة الجون‏. ‏ وقد تمسك به من يرى لفظة الخيار والحقي بأهلك واحدة لا ثلاثاً لأن جمع الثلاث يكره فالظاهر أنه عليه السلام لا يفعله‏. ‏ وفي حديث تخلف كعب بن مالك قال‏: ‏ ‏(‏لما مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي وإذا رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأتيني فقال‏: ‏ إن رسول اللّه يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال بل اعتزلها فلا تقربنها قال فقلت لامرأتي الحقي بأهلك‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ ويذكر فيمن قال لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه‏. ‏ ما روي عن ابن عمر قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني ثلاثين ثم قال‏: ‏ وهكذا وهكذا وهكذا يعني تسعاً وعشرين يقول مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ ويذكر في مسألة من قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق أو طالق ثم طالق ما روى حذيفة قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء فلان وقولوا ما شاء اللّه ثم شاء فلان‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ ولابن ماجه معناه‏. ‏ وعن قتيلة بنت صيفي قالت‏: ‏ ‏(‏أتى حبر من الأخبار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون للّه نداً قال‏: ‏ سبحان اللّه وما ذاك قال‏: ‏ تقولون ما شاء اللّه وشئت قال‏: ‏ فأمهل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم شيئاً ثم قال‏: ‏ إنه قد قال فمن قال ما شاء اللّه فليفصل بينهما ثم شئت‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وعن عدي بن حاتم‏: ‏ ‏(‏أن رجلاً خطب عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ من يطع اللّه ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ بئس الخطيب أنت قل ومن يعص اللّه ورسوله‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏. ‏ ويذكر فيمن طلق بقلبه ما روى أبو هريرة قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ إن اللّه تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ - حديث حذيفة أخرجه أيضاً النسائي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي وقد ساقه الحازمي في الاعتبار بإسناده وذكر فيه قصة وهي‏: ‏ ‏(‏أن رجلاً من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلاً من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لهم‏: ‏ واللّه إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء اللّه ثم شاء محمد‏)‏ وأخرج أيضاً بإسناده إلى الطفيل بن سخيرة أخي عائشة لأمها أنه قال‏: ‏ ‏(‏رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت من أنتم فقالوا نحن اليهود فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير بن اللّه قالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت من أنتم فقالوا نحن النصارى فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح بن اللّه فقالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أخبر بها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال هل أخبرت بها أحداً قال نعم فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال‏: ‏ أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم لتقولون الكلمة يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد‏)‏‏. ‏ وأخرج أيضاً بإسناده المتصل بابن عباس قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ إذا حلف أحدكم فلا يقول ما شاء اللّه وشئت ولكن ليقل ما شاء اللّه ثم شئت‏)‏‏. ‏ وأخرج أيضاً بإسناده إلى عائشة أنها قالت‏: ‏ ‏(‏قالت اليهود نعم القوم قوم محمد لولا أنهم يقولون ما شاء اللّه وشاء محمد فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لا تقولوا ما شاء اللّه وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء اللّه وحده‏)‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏إن ابنة الجون‏)‏ قيل هي الكلابية واختلف في اسمها فقال ابن سعد‏: ‏ اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وروى عن الكلبي أنها عالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى ابن سعد أيضاً أن اسمها عمرة بنت يزيد بن عبيد وقيل بنت يزيد بن الجون وأشار ابن سعد أيضاً إلى أنها واحدة اختلف في اسمها‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية واسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل وذكر ابن سعد أنها لم تستعذ منه امرأة غيرها‏. ‏ قال ابن عبد البر‏: ‏ أجمعوا على أن التي تزوجها هي الجونية واختلفوا في سبب فراقه لها فقال قتادة‏: ‏ لما دخل عليها دعاها فقالت تعال أنت فطلقها وقيل‏: ‏ كان بها وضح وزعم بعضهم أنها قالت أعوذ باللّه منك فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك اللّه مني فطلقها قال‏: ‏ وهذا باطل إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه فقلن لها إنه يعجبه أن يقال له نعوذ باللّه منك ففعلت فطلقها‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏إلحقي بأهلك‏)‏ بكسر الهمزة من الحقي وفتح الحاء وفيه دليل على أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق كما وقع في حديث تخلف كعب المذكور فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق لأن الصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وأكثر العترة‏. ‏ وذهب الباقر والصادق والناصر ومالك إلى أنه يفتقر إلى نية‏. ‏ وحديث ابن عمر في إخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بعدد الشهر قد تقدم في باب ما جاء في يوم الغيم والشك من كتاب الصيام وتقدم شرحه هنالك‏. ‏ وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة العدد بالإشارة بالأصابع واعتباره من دون تلفظ باللسان فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بثلاث من أصابعه كان ذلك ثلاثاً عند من يقول إن الطلاق يتبع الطلاق‏. ‏ وأورد حديث حذيفة وحديث قتيلة للاستدلال بهما على أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق كان كالطلقة الواحدة لأن المحل لا يقبل غيرها فتكون الثانية لغواً بخلاف ما لو قال أنت طالق ثم طالق وقعت عليها الطلقة الأولى في الحال ووقعت عليها الثانية بعد أن تصير قابلة لها وذلك لأن الواو لمطلق الجمع فكأنه إذا جاء بها موقع لمجموع الطلاقين عليها في حالة واحدة بخلاف ثم فإنها للترتيب مع تراخ فيصير الزوج في حكم الموقع لطلاق بعده طلاق متراخ عنه‏. ‏ ولهذا قال الشافعي في سبب نهيه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن قول الرجل ما شاء اللّه وشئت وأذنه له بأن يقول ما شاء اللّه ثم شاء فلان أن المشيئة إرادة اللّه تعالى قال اللّه عز وجل‏: ‏ ‏{‏وما تشاؤون إلا أن يشاء اللّه‏}‏ قال‏: ‏ فأعلم اللّه خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء اللّه فيقال لرسوله ما شاء اللّه ثم شئت ولا يقال ما شاء اللّه وشئت انتهى‏. ‏ ولكنه يعارض هذا الاستنباط حديث عدي بن حاتم الذي ذكره المصنف في الرجل الذي خطب بحضرته صلى اللّه عليه وآله وسلم فإنه أنكر عليه الجمع بين الضميرين وأرشده إلى أن يقول ومن يعص اللّه ورسوله فدل على أن توسيط الواو بين اللّه ورسوله له حكم غير حكم قوله ومن يعصهما ولو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق‏. ‏ وقد قدمنا الكلام على علة هذا النهي عند الكلام على حديث ابن مسعود في باب اشتمال الخطبة على حمد اللّه من أبواب الجمعة هذا ما ظهر في بيان وجه استدلال المصنف بحديثي المشيئة وحديث الخطبة ويمكن أن يكون مراد المصنف بإيراد الأحاديث المذكورة مجرد التنظير لا الاستدلال وقد قدمنا أن الطلاق المتعدد سواء كان بلفظ واحد أو ألفاظ من غير فرق بين أن يكون العطف بثم أو بالواو أو بغيرهما يكون طلقة واحدة سواء كانت الزوجة مدخولة أو غير مدخولة وأورد حديث أبي هريرة للاستدلال به على أن من طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق لأن خطرات القلب مغفورة للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب فكذلك لا يلزم حكمها في الأمور المباحة فلا يكون حكم خطور الطلاق بالقلب أو إرادته حكم التلفظ به وهكذا سائر الإنشاءات قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث ما لفظه‏: ‏ والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به انتهى‏. ‏ وحكى في البحر عن عكرمة أنه يقع بمجرد النية‏. ‏ كتاب الخلع عن ابن عباس قال‏: ‏ ‏(‏جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏: ‏ يا رسول اللّه إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أتردين عليه حديقته قالت‏: ‏ نعم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ اقبل الحديقة وطلقها تطليقة‏)‏‏. ‏ رواه البخاري والنسائي‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏: ‏ واللّه ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً فقال لها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أتردين عليه حديقته قالت‏: ‏ نعم فأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد‏)‏‏. ‏ رواه ابن ماجه‏. ‏ وعن الربيع بنت معوذ‏: ‏ ‏(‏أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد اللّه بن أبيّ فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى ثابت فقال له‏: ‏ خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال‏: ‏ نعم فأمرها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها‏)‏‏. ‏ رواه النسائي‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تعتد بحيضة‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود والترمذي وقال‏: ‏ حديث حسن غريب‏. ‏ وعن الربيع بنت معوذ‏: ‏ ‏(‏أنها اختلعت على عهد رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأمرها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة‏)‏‏. ‏ رواه الترمذي وقال‏: ‏ حديث الربيع الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة‏. ‏ وعن أبي الزبير‏: ‏ ‏(‏أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده بنت عبد اللّه بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت‏: ‏ نعم وزيادة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت‏. ‏ نعم‏. ‏ فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال‏: ‏ قد قبلت قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏. ‏ رواه الدارقطني بإسناد صحيح وقال‏: ‏ سمعه أبو الزبير من غير واحد‏. ‏ حديث ابن عباس الثاني رواه ابن ماجه من طريق أزهر بن مروان وهو صدوق مستقيم الحديث وبقية إسناده من رجال الصحيح‏. ‏ وقد أخرجه النسائي وأخرجه أيضاً البيهقي‏. ‏ وحديث الربيع بنت معوذ الأول إسناده في سنن النسائي هكذا حدثنا أبو علي محمد بن يحيى المروزي أخبرني شاذان بن عثمان أخو عبدان حدثنا أبي حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير أخبرني محمد بن عبد الرحمن أن الربيع بن معوذ بن عفراء أخبرته أن ثابت بن قيس الحديث ومحمد بن يحيى ثقة وشاذان هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو من رجال الصحيح هو وأبوه وكذلك علي بن المبارك ويحيى بن أبي كثير‏. ‏ وأما محمد بن عبد الرحمن فقد روى النسائي عن جماعة من التابعين اسمهم محمد بن عبد الرحمن وكلهم ثقات‏. ‏ فالحديث على هذا صحيح وقد أخرجه أيضاً الطبراني‏. ‏ وحديث ابن عباس الثالث قد ذكر أنه مرسل ورواه الترمذي مسنداً‏. ‏ وحديث الربيع الثاني أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قالت‏: ‏ اختلعت من زوجي فذكرت قصة وفيها أن عثمان أمرها أن تعتد حيضة قال‏: ‏ وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في امرأة ثابت بن قيس‏. ‏ وحديث أبي الزبير أخرجه أيضاً البيهقي وإسناده قوي مع كونه مرسلاً‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏كتاب الخلع‏)‏ بضم الحاء المعجمة وسكون اللام هو في اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل معنىً وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد اللّه المزني التاجي فإنه قال‏: ‏ لا يحل للزوج أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئاً لقوله تعالى‏: ‏ ‏{‏فلا تأخذوا منه شيئاً‏}‏ وأورد عليه ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ فادعى نسخها بآية النساء روى ذلك ابن أبي شيبة وتعقب بقوله تعالى‏: ‏ ‏{‏فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه‏}‏ وبقوله فيهما ‏{‏فلا جناح عليهما أن يصالحا‏}‏ الآية - وبأحاديث الباب - وكأنها لم تبلغه وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الآخرتين وهو في الشرع فراق الرجل زوجته ببدل يحصل له‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏امرأة ثابت بن قيس‏)‏ وقع في رواية ابن عباس والربيع أن اسمها جميلة ووقع في رواية لأبي الزبير أن اسمها زينب والرواية الأولى أصح لإسنادها وثبوتها من طريقين‏. ‏ وبذلك جزم الدمياطي‏. ‏ وأما ما وقع في حديث ابن عباس المذكور أنها بنت سلول وفي حديث الربيع وأبي الزبير المذكورين أنها بنت عبد اللّه بن أُبيّ بن سلول ووقع في رواية للبخاري أنها بنت أُبيّ فقيل إنها أخت عبد اللّه كما صرح به ابن الأثير وتبعه النووي وجزما بأن قول من قال إنها بنت عبد اللّه وهم وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها وأن ثابتاً خالع الثنتين واحدة بعد الأخرى‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ ولا يخفى بعده ولا سيما مع اتحاد المخرج وقد كثرت نسبة الشخص إلى جده إذا كان مشهوراً والأصل عدم التعدد حتى يثبت صريحاً‏. ‏ ووقع في حديث الربيع عند النسائي وابن ماجه أن اسمها مريم وإسناده جيد‏. ‏ قال البيهقي‏: ‏ اضطرب الحديث في تسمية امرأة ثابت ويمكن أن يكون الخلع تعدد من ثابت انتهى‏. ‏ وروى مالك في الموطأ عن حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجدها عند بابه فقال‏: ‏ من هذه قالت‏: ‏ أنا حبيبة بنت سهل قال‏: ‏ ما شأنك قالت‏: ‏ لا أنا ولا ثابت بن قيس الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من هذا الوجه وأخرجه أبو داود من حديث عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت‏. ‏ وأخرج البزار من حديث ابن عمر نحوه قال ابن عبد البر‏: ‏ اختلف في امرأة ثابت بن قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أُبيَّ وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل قال الحافظ‏: ‏ الذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين بخلاف ما وقع في الاختلاف في تسمية جميلة ونسبتها فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف فيه إلى الوفاق انتهى‏. ‏ ووهم ابن الجوزي فقال إنها سهلة بنت حبيب وإنما هي حبيبة بنت سهل ولكنه انقلب عليه ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏إني ما أعتب عليه‏)‏ بضم الفوقية ويجوز كسرها والعتب هو الخطاب بالادلال‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏في خلق‏)‏ بضم الخاء المعجمة واللام ويجوز إسكانها أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ولكني أكره الكفر في الإسلام‏)‏ أي كفران العشير والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له ويمكن أن يكون مرادها أن شدة كراهتها له قد تحملها على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه ووقع في الرواية الثانية لا أطيقه بغضاً وظاهر هذا مع قولها ما أعتب عليه في خلق ولا دين أنه لم يصنع بها شيئاً يقتضي الشكوى منه ويعارضه ما وقع في حديث الربيع المذكور أنه ضربها فكسر يدها وأجيب بأنها لم تشكه لذلك بل لسبب آخر وهو البغض أو قبح الخلقة كما وقع عند ابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وعند عبد الرزاق من حديث ابن عباس‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏حديقته‏)‏ الحديقة البستان‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أقبل الحديقة‏)‏ قال في الفتح‏: ‏ هو أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب‏. ‏ ولم يذكر ما يدل على صرف الأمر عن حقيقته وفي ذلك دليل على أنه يجوز للرجل أخذ العوض من المرأة إذا كرهت البقاء معه وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين‏: ‏ إنه لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلاً روى ذلك عنهما ابن أبي شيبة واستدلا بقوله تعالى‏: ‏ ‏{‏ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود اللّه‏}‏ مع قوله تعالى‏: ‏ ‏{‏إلا أن يأتين بفاحشة مبينة‏}‏ وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بالفاحشة وأحاديث الباب الصحيحة من أعظم الأدلة على ذلك ولعلها لم تبلغهما وحمل الحافظ كلامهما على ما إذا كانت الكراهة من قبل الرجل فقط ولا يخالف ذلك أحاديث الباب لأن الكراهة فيها من قبل المرأة وظاهر أحاديث الباب أن مجرد وجود الشقاق من قبل المرأة كافٍ في جواز الخلع واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق منهما جميعاً وتمسك بظاهر الآية وبذلك قال طاوس والشعبي وجماعة من التابعين وأجاب عن ذلك جماعة منهم الطبري بأن المراد أنها إذا لم تقم بحقوق الزوج كان ذلك مقتضياً لبغض الزوج لها فنسبت المخالفة إليهما بذلك ويؤيد عدم اعتبار ذلك من جهة الزوج أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم يستفسر ثابتاً عن كراهته لها عند إعلانها بالكراهة له‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏تتربص حيضة‏)‏ استدل بذلك من قال إن الخلع فسخ لا طلاق‏. ‏ وقد حكى ذلك في البحر عن ابن عباس وعكرمة والناصر في أحد قوليه وأحمد بن حنبل وطاوس وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي وابن المنذر وحكاه غيره أيضاً عن الصادق والباقر وداود والإمام يحيى بن حمزة وحكى في البحر أيضاً عن علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وأحد قولي الشافعي أنه طلاق بائن‏. ‏ ووجه الاستدلال بحديث ابن عباس وحديث الربيع أن الخلع لو كان طلاقاً لم يقتصر صلى اللّه عليه وآله وسلم على الأمر بحيضة وأيضاً لم يقع فيهما الأمر بالطلاق بل الأمر بتخلية السبيل‏. ‏ قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير إنه بحث عن رجال الحديثين معاً فوجدهم ثقات واحتجوا أيضاً لكونه فسخاً بقوله تعالى ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ ثم ذكر الافتداء ثم عقبه بقوله تعالى ‏{‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاُ غيره‏}‏ قالوا كان الافتداء طلاقاً لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع‏. ‏ وبحديث حبيبة بنت سهل عند مالك في الموطأ أنها قالت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ يا رسول اللّه كل ما أعطاني عندي فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لثابت‏: ‏ خذ منه فأخذ وجلست في أهلها ولم يذكر فيه الطلاق ولا زاد على الفرقة وأيضاً لا يصح جعل الخلع طلاقاً بائناً ولا رجعياً أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة‏. ‏ واحتج القائلون بأنه طلاق بما وقع في حديث ابن عباس المذكور من أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لثابت بالطلاق وأجيب بأنه ثبت من حديث المرأة صاحبة القصة عند أبي داود والنسائي ومالك في الموطأ بلفظ‏: ‏ ‏(‏وخل سبيلها‏)‏ وصاحب القصة أعرف بها وأيضاً ثبت بلفظ الأمر بتخلية السبيل من حديث الربيع وأبي الزبير كما ذكره المصنف ومن حديث عائشة عند أبي داود بلفظ‏: ‏ ‏(‏وفارقها‏)‏ وثبت أيضاً من حديث الربيع أيضاً عند النسائي بلفظ‏: ‏ ‏(‏وتلحق بأهلها‏)‏ ورواية الجماعة أرجح من رواية الواحد وأيضاً قد روي عن ابن عباس هذا الحديث بدون ذكر الطلاق من طريقين كما في الباب وأيضاً ابن عباس من جملة القائلين بأنه فسخ ويبعد منه أن يذهب إلى خلاف ما يرويه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد حكى ذلك عن ابن عباس ابن عبد البر ولكنه ادعى شذوذ ذلك عنه قال‏: ‏ إذ لا يعرف أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق إلا طاوس‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ وفيه نظر لأن طاوساً ثقة حافظ فقيه فلا يضر تفرده وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة إلا وجزم أن ابن عباس كان يراه فسخاً انتهى‏. ‏ وقال الخطابي في معالم السنن‏: ‏ إنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق بقول اللّه تعالى‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ انتهى‏. ‏ وأما الاحتجاج بقول اللّه تعالى ‏{‏والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ فيجاب عنه أولاً بمنع اندراج الخلع تحت هذا العموم لما قررناه من كونه ليس بطلاق وثانياً بأنا لو سلمنا أنه طلاق لكان ذلك العموم مخصصاً بما ذكرنا من الأحاديث فيكون بعد ذلك التسليم طلاقاً عدته حيضة واحتجوا أيضاً على كونه طلاقاً بأنه قول أكثر أهل العلم كما حكى ذلك الترمذي فقال‏: ‏ قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وغيرهم إن عدة المختلعة عدة المطلقة انتهى‏. ‏ ويجاب بأن ذلك مما لا يكون حجة في مقام النزاع بالإجماع لما تقرر أن الأدلة الشرعية إما الكتاب أو السنة أو القياس أو الإجماع على خلاف في الأخيرين‏. ‏ وأيضاً قد عارض حكاية الترمذي حكاية ابن القيم فإنه قال لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة قال ابن القيم أيضاً‏: ‏ والذي يدل على أنه ليس بطلاق أنه تعالى رتب على الطلاق بعد الدخول ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع‏: ‏ أحدها أن الزوج أحق بالرجعة فيه‏. ‏ الثاني أنه محسوب من الثلاث فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد دخول زوج وإصابة‏. ‏ الثالث أن العدة ثلاثة قروء وقد ثبت بالنص والإجماع أنه لا رجعة في الخلع انتهى‏. ‏ قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في بحث له‏: ‏ وقد استدل أصحابنا يعني الزيدية على أنه طلاق بثلاثة أحاديث ثم ذكرها وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد وأنها معارضة بما هو أرجح وأن أهل الصحاح لم يذكروها وإذا تكرر لك رجحان كونه فسخاً فاعلم أن القائلين به لا يشترطون فيه أن يكون للسنة فيجوز عندهم أن يكون في حال الحيض ويقول بوقوعه منهم من لم يقل بوقوع الطلاق البدعي لأنه لا يعد من جملة الطلاق الثلاث التي جعله اللّه للأزواج‏. ‏ والدليل على عدم الاشتراط عدم استفصاله صلى اللّه عليه وآله وسلم كما في أحاديث الباب وغيرها ويمكن أن يقال إن ترك الاستفصال لسبق العلم به‏. ‏ وقد اشترط في الخلع نشوز الزوجة الهادوية‏. ‏ وقال داود والجمهور ليس بشرط وهو الظاهر لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها فلذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير‏: ‏ إن الأمر المشترط فيه أن لا يقيما حدود اللّه هو طيب المال للزوج لا الخلع وهو الظاهر من السياق في قوله تعالى‏: ‏ ‏{‏فإن خفتم ألا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أما الزيادة فلا‏)‏ استدل بذلك من قال أن العوض من الزوجة لا يكون إلا بمقدار ما دفع إليها الزوج لا بأكثر منه ويؤيد ذلك ما عند ابن ماجه والبيهقي من حديث ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره أن يأخذ منها ولا يزداد‏)‏ وفي رواية عبد الوهاب عن سعيد قال أيوب‏: ‏ لا أحفظ فيه ولا يزداد‏. ‏ وفي رواية النووي وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى ذكر ذلك كله البيهقي قال‏: ‏ ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن عباس رضي اللّه عنهما‏. ‏ وقال أبو الشيخ‏: ‏ هو غير محفوظ يعني الصواب إرساله وبما ذكرناه يعتضد مرسل أبي الزبير ولا سيما وقد قال الدارقطني أنه سمعه أبو الزبير من غير واحد كما ذكره المصنف‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما ورد في معناه وأخرج عبد الرزاق عن علي أنه قال لا يأخذ منها فوق ما أعطاها وعن طاوس وعطاء والزهري مثله وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق والهادوية وعن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطى لم يسرح بإحسان وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب‏. ‏ قال‏: ‏ ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئاً‏. ‏ وذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يخالع المرأة بأكثر مما أعطاها‏. ‏ قال مالك‏: ‏ لم أر أحداً ممن يقتدى به يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الأخلاق‏. ‏ وأخرج ابن سعد عن الربيع قالت‏: ‏ كان بيني وبين ابن عمي كلام وكان زوجها قالت فقلت له لك كل شيء وفارقني قال قد فعلت فأخذ واللّه كل فراشي فجئت عثمان وهو محصور فقال‏: ‏ الشرط أملك خذ كل شيء حتى عقاص رأسها‏. ‏ وفي البخاري عن عثمان أنه أجاز الخلع دون عقاص رأسها‏. ‏ وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال‏: ‏ كانت أختي تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال لها‏: ‏ أتردين حديقته قالت‏: ‏ وأزيده فخلعها فردت عليه حديقته وزادته وهذا مع كون إسناده ضعيفاً ليس فيه حجة لأنه ليس فيه أنه قررها صلى اللّه عليه وآله وسلم على دفع الزيادة في أمرها برد الحديقة فقط ويمكن أن يقال أن سكوته بعد قولها وأزيده تقرير‏. ‏ ويؤيد الجواز قوله تعالى ‏{‏فلا جناح عليهما فيما افتدت به‏}‏ فإنه عام للقليل والكثير ولكنه لا يخفى أن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لهذا العموم ومرجحة على تلك الرواية المتضمنة للتقرير لكثرة طرقها وكونها مقتضية للحصر وهو أرجح من الإباحة عند التعارض على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول‏. ‏ وأحاديث الباب قاضية بأنه يجوز الخلع إذا كان ثم سبب يقتضيه فيجمع بينها وبين الأحاديث القاضية بالتحريم بحملها على ما إذا لم يكن ثم سبب يقتضيه‏. ‏ وقد أخرج أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث ثوبان‏: ‏ ‏(‏أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة‏)‏ وفي بعض طرقه من غير ما بأس وقد تقدم الحديث وأخرج أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة‏: ‏ ‏(‏المختلعات هن المنافقات‏)‏ وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه نظر‏. ‏



١. كتاب الرجعة والإباحة للزوج الأول 

 

عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏في قوله تعالى ‏{‏والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن‏}‏ الآية وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك ‏{‏الطلاق مرتان‏}‏ الآية‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود والنسائي‏. ‏ وعن عروة عن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لامرأته‏: ‏ واللّه لا أطلقك فتبيني مني ولا آويك أبداً قالت‏: ‏ وكيف ذلك قال‏: ‏ أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته فسكت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى نزل القرآن ‏{‏الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ قالت عائشة‏: ‏ فاستأنف الناس الطلاق مستقبلاً من كان طلق ومن لم يكن طلق‏)‏‏. ‏ رواه الترمذي ورواه أيضاً عن عروة مرسلاً وذكر أنه أصح‏. ‏ حديث ابن عباس في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال‏. ‏ وحديث عائشة المرفوع من طريق قتيبة عن يعلى بن شبيب عن هشام بن عروة عن أبيه عنها والموقوف من طريق أبي كريب عن عبد اللّه بن إدريس عن هشام بن عروة عن أبيه ولم يذكر فيه عائشة‏. ‏ قال الترمذي‏: ‏ وهذا أصح من حديث يعلى بن شبيب‏. ‏ قوله تعالى‏: ‏ ‏{‏ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن‏}‏ فسره مجاهد بالحيض والحمل‏. ‏ وأخرج الطبري عن طائفة أن المراد به الحيض وعن ابن جرير الحمل والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار على الحيض والطهر والإطلاع على ذلك يقع من جهة النساء غالباً جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك‏. ‏ وقال إسماعيل القاضي‏: ‏ دلت الآية أن المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحمل والحيض إلا أن تأتي من ذلك بما يعرف به كذبها فيه والمنسوخ من هذه الآية هو قوله تعالى ‏{‏وبعولتهن أحق بردهن‏}‏ فإن ظاهره أن للرجل مراجعة المرأة مطلقاً سواء طلقها ثلاثاً أو أكثر أو أقل فنسخ من ذلك مراجعة من طلقها زوجها ثلاثاً فأكثر فإنه لا يحل له مراجعتها بعد ذلك وأما إذا طلقها واحدة رجعية أو اثنتين كذلك فهو أحق برجعتها‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف ‏ـ ‏واختلف السلف‏ ـ فيما يكون به الرجل مراجعاً فقال الأوزاعي إذا جامعها فقد راجعها‏. ‏ ومثله أيضاً روي عن بعض التابعين وبه قال مالك وإسحاق بشرط أن ينوي به الرجعة وقال الكوفيون كالأوزاعي وزادوا ولو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة‏. ‏ وقال الشافعي‏: ‏ لا تكون الرجعة إلا بالكلام وحجة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح وإلى ذلك ذهب الإمام يحيى والظاهر ما ذهب إليه الأولون لأن العدة مدة خيار والاختيار يصح بالقول والفعل وأيضاً ظاهر قوله تعالى ‏{‏وبعولتهن أحق بردهن‏}‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏مره فليراجعها‏)‏ أنها تجوز المراجعة بالفعل لأنه لم يخص قولاً من فعل ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل وقد حكى في البحر عن العترة ومالك أن الرجعة بالوطء ومقدماته محظورة وإن صحت ثم قال قلت إن لم ينو به الرجعة فنعم لعزمه على قبيح وإلا فلا لما مر‏. ‏ وقال أحمد بن حنبل بل مباح لقوله تعالى ‏{‏إلا على أزواجهم‏}‏ والرجعية زوجة بدليل صحة الإيلاء انتهى‏. ‏ وحديث عائشة فيه دليل على تحريم الضرار في الرجعة لأنه منهي عنه بعموم قوله تعالى ‏{‏ولا تضاروهن‏}‏ والمنهي عنه فاسد فساداً يرادف البطلان ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى‏: ‏ ‏{‏إن أرادوا إصلاحاً‏}‏ فكل رجعة لا يراد بها الإصلاح ليست برجعة شرعية‏. ‏ وقد دل الحديثان المذكوران في الباب على أن الرجل كان يملك من الطلاق لزوجته في صدر الإسلام الثلاث وما فوقها إلى ما لا نهاية له ثم نسخ اللّه الزيادة على الثلاث بالآية المذكورة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏من كان طلق‏)‏ أي لم يعتد من ذلك الوقت بما قد وقع منه من الطلاق بل حكمه حكم من لم يطلق أصلاً فيملك ثلاثاً كما يملكها من لم يقع منه شيء من الطلاق‏. ‏ وعن عمران بن حصين‏: ‏ ‏(‏أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود وابن ماجه ولم يقل ولا تعد‏. ‏ - الأثر أخرجه أيضاً البيهقي والطبراني وزاد‏: ‏ ‏(‏واستغفر اللّه‏)‏ قال الحافظ في بلوغ المرام‏: ‏ وسنده صحيح وقد استدل به من قال بوجوب الإشهاد على الرجعة وقد ذهب إلى عدم رجوع الإشهاد في الرجعة أبو حنيفة وأصحابه والقاسمية والشافعي في أحد قوليه‏. ‏ واستدل لهم في البحر بحديث ابن عمر السالف فإن فيه أنه قال صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ ‏(‏مره فليراجعها‏)‏ ولم يذكر الإشهاد وقال مالك والشافعي والناصر أنه يجب الإشهاد في الرجعة واحتج في نهاية المجتهد للقائلين بعدم الوجوب بالقياس على الأمور التي ينشئها الإنسان لنفسه فإنه لا يجب فيها الإشهاد‏. ‏ ومن الأدلة على عدم الوجوب أنه قد وقع الإجماع على عدم وجوب الإشهاد في الطلاق كما حكاه الموزعي في تيسير البيان والرجعة قرينته فلا يجب فيها كما لا يجب فيه والاحتجاج بالأثر المذكور في الباب لا يصلح للاحتجاج لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد وما كان كذلك فليس بحجة لولا ما وقع من قوله طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة‏. ‏ وأما قوله تعالى ‏{‏وأشهدوا ذوي عدل منكم‏}‏ فهو وارد عقب قوله ‏{‏فأمسكوهن بمعروف‏}‏ الآية وقد عرفت الإجماع على عدم وجوب الإشهاد على الطلاق والقائلون بعدم الوجوب يقولون بالاستحباب‏. ‏ وعن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏: ‏ كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فقال‏: ‏ أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة‏. ‏ لكن لأبي داود معناه من غير تسمية الزوجين‏. ‏ وعن عائشة‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ العسيلة هي الجماع‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والنسائي‏. ‏ وعن ابن عمر قال‏: ‏ ‏(‏سئل نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثاً ويتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها هل تحل للأول قال‏: ‏ لا حتى يذوق العسيلة‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والنسائي وقال‏: ‏ ‏(‏قال‏: ‏ لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر‏)‏‏. ‏ حديث عائشة الثاني أخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية قال الهيثمي‏: ‏ فيه أبو عبد الملك لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح‏. ‏ وحديث ابن عمر هو من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرئد عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر وروي أيضاً من طريق شعبة عن علقمة بن مرئد عن سالم بن رزين عن سالم بن عبد اللّه عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر‏. ‏ قال النسائي‏: ‏ والطريق الأولى أولى بالصواب‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وإنما قال ذلك لأن الثوري أتقن وأحفظ من شعبة وروايته أولى بالصواب من وجهين أحدهما أن شيخ علقمة هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة فقد رواه جماعة عن شعبة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات ثانيهما أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعاً لم يخالفه سعيد ويقول بغيره كما سيأتي‏. ‏ - وفي الباب - عن عائشة غير حديث الباب عند أبي داود بنحو حديث ابن عمر وعن ابن عباس نحوه عند النسائي‏. ‏ وعن أبي هريرة عند الطبراني وابن أبي شيبة بنحوه‏. ‏ وعن أنس عند الطبراني أيضاً والبيهقي بنحوه أيضاً‏. ‏ وعن عائشة أيضاً حديث آخر عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات‏: ‏ ‏(‏أن عمرو بن حزم طلق العميصاء فنكحها رجل فطلقها قبل أن يمسها فسألت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته‏)‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏امرأة رفاعة القرظي‏)‏ قيل اسمها تميمة وقيل سهيمة وقيل أميمة‏. ‏ والقرظي بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة نسبة إلى بني قريظة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏عبد الرحمن بن الزبير‏)‏ بفتح الزاي من الزبير‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏هدبة الثوب‏)‏ بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة هي طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن هكذا في الفتح‏. ‏ وفي القاموس الهدب بالضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب واحدتهما بهاء وكذا في مجمع البحار نقلاً عن النووي أنها بضم هاء وسكون دال وأرادت أن ذكره يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللاً ارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إذا كان حال وطئه منتشراً فلو لم يكن كذلك أو كان عنيناً أو طفلاً لم يكفِ على الأصح من قولي أهل العلم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك‏)‏ العسيلة مصغرة في الموضعين واختلف في توجيهه فقيل هو تصغير العسل لأن العسل مؤنث جزم بذلك القزاز قال‏: ‏ وأحسب التذكير لغة وقال الأزهري‏: ‏ يذكر ويؤنث وقيل‏: ‏ لأن العرب إذا حقرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث‏. ‏ وقيل‏: ‏ المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل إشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء‏: ‏ ذوق العسيلة كناية عن الجماع وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة‏. ‏ وحديث عائشة المذكور في الباب يدل على ذلك وزاد الحسن البصري حصول الإنزال‏. ‏ قال ابن بطال‏: ‏ شذ الحسن في هذا وخالف سائر الفقهاء وقالوا يكفي ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم‏. ‏ وقال أبو عبيدة‏: ‏ العسيلة لذة الجماع والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلاً‏. ‏ وأحاديث الباب تدل على أنه لا بد فيمن طلقها زوجها ثلاثاً ثم تزوجها زوج آخر من الوطء فلا تحل للأول إلا بعده‏. ‏ قال ابن المنذر‏: ‏ أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق بسنده الصحيح عنه ما يدل على ذلك قال ابن المنذر‏: ‏ وهذا القول لا نعلم أحداًً وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن‏. ‏ وقد نقل أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وعبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة عن سعيد بن جبير مثل قول سعيد بن المسيب وكذلك حكى ابن الجوزي عن داود أنه وافق في ذلك‏. ‏ قال القرطبي‏: ‏ ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه الاسم خلافاً لمن قال لا بد من حصول جميعه واستدل بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك ولو أنزل هو‏. ‏ وبالغ ابن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء واستدل بأحاديث الباب على جواز رجوعها إلى زوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني ويعقبه الطلاق منه لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للأول وقال الأكثر إن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا وقد قدمنا الكلام على التحليل ومما يستدل بأحاديث الباب عليه أنه لا حق للمرأة في الجماع لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يغني عنها ولم يفسخ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نكاحها وفي ذلك خلاف معروف‏. ‏ كتاب الإيلاء عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏آلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالاً وجعل في اليمين الكفارة‏)‏‏. ‏ رواه ابن ماجه والترمذي وذكر أنه قد روي عن الشعبي مرسلاً وأنه أصح‏. ‏ وعن ابن عمر قال‏: ‏ ‏(‏إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق يعني المولي‏)‏‏. ‏ - أخرجه البخاري وقال‏: ‏ ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏. ‏ وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب قال عمر وعثمان وعلي وابن عمر‏: ‏ يوقف المولي بعد الأربعة فإما أن يفيء وإما أن يطلق‏. ‏ وعن سليمان بن يسار قال‏: ‏ ‏(‏أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كلهم يقفون المولي‏)‏‏. ‏ رواه الشافعي والدارقطني‏. ‏ وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال‏: ‏ ‏(‏سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن رجل يولي قالوا ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق‏)‏‏. ‏ رواه الدارقطني‏. ‏ حديث الشعبي قال الحافظ في الفتح رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي إرساله على وصله‏. ‏ وأثر عمر ذكره البخاري موصولاً من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس‏. ‏ وأثر عثمان وصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بلفظ‏: ‏ ‏(‏يوقف المولي فإما أن يفيء وإما أن يطلق‏)‏ وهو من رواية طاوس عنه وفي سماعه منه نظر لكن أحرجه الإسماعيلي من وجه آخر منقطع عنه أنه كان لا يرى الإيلاء شيئاً وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف‏. ‏ وأخرج عبد الرزاق والدارقطني عنه خلاف ذلك ولفظه‏: ‏ قال عثمان إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وقد رجح أحمد رواية طاوس عنه‏. ‏ وأثر علي وصله الشافعي وابن أبي شيبة وسنده صحيح وكذلك روى عنه مالك أنه إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه طلاق حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء وهو منقطع لأنه من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عنه‏. ‏ وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور بإسناد صحيح‏. ‏ وأثر أبي الدرداء وصله ابن أبي شيبة ولفظه‏: ‏ أن أبا الدرداء قال يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة فإما أن يطلق وإما أن يفيء وإسناده صحيح‏. ‏ وأثر عائشة وصله عبد الرزاق مثل قول أبي الدرداء وهو منقطع لأنه من رواية قتادة عنها ولكنه أخرج عنها سعيد بن منصور أنها كانت لا ترى الإيلاء شيئاً حتى يوقف وإسناده صحيح‏. ‏ وأخرج الشافعي عنها نحوه بإسناد صحيح أيضاً‏. ‏ وأما الآثار الواردة عن اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخرجها البخاري في التاريخ موصولة‏. ‏ وأثر سليمان بن يسار أخرجه أيضاً إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال‏: ‏ أدركت بضعة عشر رجلاً من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قالوا الإيلاء لا يكون طلاقاً حتى يوقف‏. ‏ وأثر سهيل بن أبي صالح إسناده في سنن الدارقطني هكذا أخبرنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا أحمد بن منصور أخبرنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أبي أيوب عن عبيد اللّه ابن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه فذكره ويشهد له ما تقدم وأخرج إسماعيل القاضي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا ما مضت الأربعة‏. ‏ - وفي الباب - من المرفوع عن أنس عند البخاري أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم آلى من نسائه الحديث‏. ‏ وعن أم سلمة عند البخاري بنحوه وعن ابن عباس عنه أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً‏. ‏ وعن جابر عند مسلم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم اعتزل نساءه شهراً‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏آلى‏)‏ الإيلاء في اللغة الحلف وفي الشرع الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته ومن أهل العلم من قال الإيلاء الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك ونقل عن الزهري أنه لا يكون الإيلاء إيلاء إلا أن يحلف المرء باللّه فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها فإذا لم يقصد الإضرار لم يكن إيلاء وروي عن علي وابن عباس والحسن وطائفة أنه لا إيلاء إلا في غضب فأما من حلف أن لا يطأها بسبب الخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا يكون إيلاء‏. ‏ وروي عن القاسم بن محمد وسالم فيمن قال لامرأته إن كلمتك سنة فأنت طالق قالا‏: ‏ إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت وإن كلمها قبل سنة فهي طالق‏. ‏ وروي عن يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال له ما فعلت امرأتك فعهدي بها سيئة الخلق فقال لقد خرجت وما أكلمها قال أدركها قبل أن تمضي أربعة أشهر فإن مضت فهي تطليقة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وحرم‏)‏ في الصحيحين أن الذي حرمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على نفسه هو العسل وقيل تحريم مارية وسيأتي‏. ‏ وروى ابن مردويه من طريق عائشة ما يفيد الجمع بين الروايتين وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ الآية‏. ‏ ومدة إيلائه صلى اللّه عليه وآله وسلم من نسائه شهر كما ثبت في صحيح البخاري‏. ‏ واختلف في سبب الإيلاء فقيل سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس واختلف أيضاً في ذلك الحديث الذي أفشته وقد وردت في بيانه روايات مختلفة وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعداً قالوا فإن حلف على أنقص منها لم يكن مولياً‏. ‏ وقال إسحاق‏: ‏ إن حلف أن لا يطأها يوماً فصاعداً ثم لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر فصاعداً كان إيلاء‏. ‏ وجاء عن بعض التابعين مثله‏. ‏ وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وقتادة والحسن البصري والنخعي وحماد بن عيينة أنه ينعقد بدون أربعة أشهر لأن القصد مضارة الزوجة وهي حاصلة في دونها‏. ‏ واحتج الأولون بقوله تعالى ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر‏}‏ وأجاب الآخرون عنها بأن المراد بها المدة التي تضرب للمولي فإن فاء بعدها وإلا طلق حتماً لا أنه لا يصح الإيلاء بدون هذه المدة‏. ‏ ويؤيد ما قالوه ما تقدم من إيلائه صلى اللّه عليه وآله وسلم من نسائه شهراً فإنه لو كان ما في القرآن بياناً لمقدار المدة التي لا يجوز الإيلاء بدونها لم يقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك‏. ‏ وأيضاً الأصل أن من حلف على شيء لزمه حكم اليمين فالحالف من وطء زوجته يوماً أو يومين مول‏. ‏ وأخرج عبد الرزاق عن عطاء أن الرجل إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمى أجلاً أو لم يسمه فإن مضت أربعة أشهر ألزم حكم الإيلاء وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن البصري أنه إذا قال لامرأته واللّه لا أقربها الليلة فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو إيلاء‏. ‏ وأخرج الطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس قال‏: ‏ كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت اللّه لهم أربعة أشهر فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فإما أن يفيء‏)‏ الفيء الرجوع قاله أبو عبيدة وإبراهيم النخعي في رواية الطبري عنه قال‏: ‏ الفيء الرجوع باللسان‏. ‏ ومثله عن أبي قلابة وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة الفيء الرجوع بالقلب لمن به مانع عن الجماع وفي غيره بالجماع‏. ‏ وحكى ذلك في البحر عن العترة والفريقين‏. ‏ وحكاه صاحب الفتح عن أصحاب ابن مسعود‏. ‏ وعن ابن عباس الفيء الجماع‏. ‏ وحكي مثله عن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي‏. ‏ قال الطبري‏: ‏ اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الإيلاء فمن خصه بترك الجماع قال‏: ‏ لا يفيء إلا بفعل الجماع ومن قال الإيلاء الحلف على ترك كلام المرأة أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفيء الجماع بل رجوعه بفعل ما حلف أنه لا يفعله‏. ‏ قال في البحر‏: ‏ فرع ولفظ الفيء ندمت على يميني ولو قدرت الآن لفعلت أو رجعت عن يميني ونحوه انتهى‏. ‏ وقد ذهب الجمهور إلى أن الزوج لا يطالب بالفيء قبل مضي الأربعة الأشهر‏. ‏ وقال ابن مسعود وزيد بن ثابت وابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة‏: ‏ إنه يطالب فيها لقراءة ابن مسعود ‏{‏فإن فاؤوا فيهن‏}‏ قالوا وإذا جاز الفيء جاز الطلب إذ هو تابع ويجاب بمنع الملازمة وبنص ‏{‏للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر‏}‏ فإن اللّه سبحانه شرع التربص هذه المدة فلا يجوز مطالبة الزوج قبلها واختياره للفيء قبلها إبطال لحقه من جهة نفسه فلا يبطل بإبطال غيره‏. ‏ وذهب الجمهور إلى أن الطلاق الواقع من الزوج في الإيلاء يكون رجعياً وهكذا عند من قال إن مضي المدة يكون طلاقاً وإن لم يطلق‏. ‏ وقد أخرج الطبري عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفيء طلقت طلقة بائنة‏. ‏ وأخرج أيضاً عن جماعة من التابعين من الكوفيين وغيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤئب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله‏. ‏ وأخرج أيضاً من طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والأوزاعي أنها تطلق طلقة رجعية‏. ‏ وأخرج سعيد بن منصور عن جابر بن زيد أنها تطلق بائناً‏. ‏ وروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند صحيح عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله‏. ‏ كتاب الظهار عن سلمة بن صخر قال‏: ‏ ‏(‏كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقاً من أن أصيب في ليلتي شيئاً فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف إلي منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت لهم انطلقوا معي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبره بأمري فقالوا واللّه لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت واصنع ما بدا لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبرته خبري فقال‏: ‏ لي أنت بذاك فقلت‏: ‏ أنا بذاك فقال‏: ‏ أنت بذاك قلت‏: ‏ أنا بذاك فقال‏: ‏ أنت بذاك قلت‏: ‏ نعم ها أنا ذا فأمض فيَّ حكم اللّه عز وجل فأنا صابر له قال‏: ‏ أعتق رقبة فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت‏: ‏ لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها قال‏: ‏ فصم شهرين متتابعين قال‏: ‏ قلت يا رسول اللّه وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم قال‏: ‏ فتصدق قال‏: ‏ قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشاً ما لنا عشاء قال‏: ‏ اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدعها إليك فأطعم عنك منها وسقاً من تمر ستين مسكيناً ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك قال‏: ‏ فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم السعة والبركة وقد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي قال‏: ‏ فدفعوها إلي‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال‏: ‏ حديث حسن‏. ‏ - الحديث أخرجه أيضاً الحاكم وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وقد أعله عبد الحق بالانقطاع وأن سليمان بن يسار لم يدرك سلمة‏. ‏ وقد حكى ذلك الترمذي عن البخاري وفي إسناده أيضاً محمد بن إسحاق‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ظاهرت من امرأتي‏)‏ الظهار بكسر الظاء المعجمة اشتقاقه من الظهر وهو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالباً ولذلك سمي المركوب ظهراً فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل‏. ‏ وقد ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالأم كما ورد في القرآن‏. ‏ وفي حديث خولة التي ظاهر منها أوس فلو قال كظهر أختي مثلاً لم يكن ظهاراً وكذا لو قال كظهر أبي وفي رواية عن أحمد أنه ظهار وطرده في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة‏. ‏ وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وزيد بن علي والناصر والإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إنه يقاس المحارم على الأم ولو من رضاع إذ العلة التحريم المؤبد‏. ‏ وعن ابن القاسم من أصحاب الشافعي ولو من الرجال‏. ‏ وعن مالك وأحمد والبتي وغير المؤبد فيصح بالأجنبيات‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فرقاً‏)‏ بفتح الفاء والراء‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فأتتابع‏)‏ بتاءين فوقيتين وبعد الألف ياء وهو الوقوع في الشر‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقال لي أنت بذاك‏)‏ لعل هذا التكرير للمبالغة في الزجر لا أنه شرط في إقرار المظاهر ومن ههنا يلوح أن مجرد الفعل لا يصح الاستدلال به على الشرطية كما سيأتي في الإقرار بالزنا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أعتق رقبة‏)‏ ظاهره عدم اعتبار كونها مؤمنة وبه قال عطاء والنخعي وزيد بن علي وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال مالك والشافعي وأكثر العترة لا يجوز ولا يجزئ إعتاق الكافر لأن هذا مطلق مقيد بما في كفارة القتل من اشتراط الإيمان‏. ‏ وأجيب بأن تقييد حكم بما في حكم آخر مخالف له لا يصح وتحقيق الحق في ذلك محرر في الأصول ولكنه يؤيد اعتبار الإسلام حديث معاوية بن الحكم السلمي فإنه لما سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن إعتاق جاريته عن الرقبة التي عليه قال لها‏: ‏ أين اللّه فقالت‏: ‏ في السماء فقال‏: ‏ من أنا فقالت‏: ‏ رسول اللّه قال‏: ‏ فأعتقها فإنها مؤمنة ولم يستفصله عن الرقبة التي عليه وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال وظاهر إطلاق الرقبة أنها تجزئ المعيبة وقد حكاه في البحر عن أكثر العترة وداود وحكى عن المرتضى والفريقين ومالك أنها لا تجزئ‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فصم شهرين‏)‏ ظاهره أن حكم العبد حكم الحر في ذلك وقد نقل ابن بطال الإجماع على أن العبد إذا ظاهر لزمه وأن كفارته بالصيام شهران كالحر واختلفوا في الإطعام والعتق فقال الكوفيون والشافعي والهادوية لا يجزيه إلا الصيام فقط وقال ابن القاسم عن مالك إذا أطعم بإذن مولاه أجزأه قال‏: ‏ وما ادعاه ابن بطال من الإجماع مردود فقد نقل الشيخ الموفق في المغني عن بعضهم أنه لا يصح ظهار العبد لأن اللّه تعالى قال ‏{‏فتحرير رقبة‏}‏ والعبد لا يملك الرقاب وتعقب بأن تحرير الرقبة إنما هو على من يجدها كالمعسر ففرضه الصيام‏. ‏ وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم أنه لو صام العبد شهراً أجزأ عنه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وحشاً‏)‏ لفظ أبي داود وحشين‏. ‏ قال في النهاية‏: ‏ يقال رجل وحش بالسكون إذا كان جائعاً لا طعام له وقد أوحش إذا جاع‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏بني زريق‏)‏ بتقديم الزاي على الراء‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ستين مسكيناً‏)‏ فيه دليل على أنه يجزئ من لم يجد رقبة ولم يقدر على الصيام لعلة أن يطعم ستين مسكيناً وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك وحكى أيضاً الإجماع على أن الكفارة في الظهار واجبة على الترتيب وظاهر الحديث أنه لا بد من إطعام ستين مسكيناً ولا يجزئ إطعام دونهم وإليه ذهب الشافعي ومالك والهادوية وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والناصر أنه يجزئ إطعام واحد ستين يوماً‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فأطعم عنك منها وسقاً‏)‏ في رواية‏: ‏ ‏(‏فأطعم عرقاً من تمر ستين مسكيناً‏)‏ وسيأتي الاختلاف في العرق في حديث خولة‏. ‏ وقد أخذ بظاهر حديث الباب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والهادوية والمؤيد باللّه فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر وقال الشافعي وهو مروي عن أبي حنيفة أيضاً أن الواجب لكل مسكين مد وقد تمسكوا بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعاً وسيأتي واختلفت الرواية عن مالك وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من إطعام ولا يطيق الصوم وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه وذهب قوم إلى السقوط وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات‏. ‏ وعن سلمة بن صخر‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال‏: ‏ كفارة واحدة‏)‏‏. ‏ رواه ابن ماجه والترمذي‏. ‏ وعن أبي سلمة عن سلمة بن صخر‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه مكتلاً فيه خمسة عشر صاعاً فقال‏: ‏ أطعمه ستين مسكيناً وذلك لكل مسكين مد‏)‏‏. ‏ رواه الدارقطني وللترمذي معناه‏. ‏ وعن عكرمة عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن رجلاً أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد ظاهر من امرأته فوقع عليها فقال‏: ‏ يا رسول اللّه إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال‏: ‏ ما حملك على ذلك يرحمك اللّه قالت‏: ‏ رأيت خلخالها في ضوء القمر قال‏: ‏ فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللّه‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة إلا أحمد وصححه الترمذي وهو حجة في تحريم الوطء قبل التكفير بالإطعام وغيره‏. ‏ ورواه أيضاً النسائي عن عكرمة مرسلاً وقال فيه‏: ‏ ‏(‏فاعتزلها حتى تقضي ما عليك‏)‏ وهو حجة في ثبوت كفارة الظهار في الذمة‏. ‏ حديث سلمة الأول حسنه الترمذي‏. ‏ وحديثه الثاني أخرجه أيضاً الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن سلمة بن صخر البياضي الحديث‏. ‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضاً الحاكم وصححه قال الحافظ‏: ‏ ورجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال‏. ‏ وقال ابن حزم‏: ‏ رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله وأخرج البزار شاهداً له من طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن رجلاً قال‏: ‏ يا رسول اللّه إني ظاهرت من امرأتي فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر فقال‏: ‏ كفر ولا تعد‏)‏ وقد بالغ أبو بكر ابن العربي فقال‏: ‏ ليس في الظهار حديث صحيح‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏قال كفارة واحدة‏)‏ قال الترمذي‏: ‏ والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعضهم إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك اللّه‏)‏ فيه دليل على أنه يحرم على الزوج الوطء قبل التكفير وهو الإجماع وأن الكفارة واجبة عليه لا تسقط بالوطء قبل إخراجها‏. ‏ وروى سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم أنه يجب على من وطئ قبل التكفير ثلاث كفارات وذهب الزهري وسعيد بن جبير وأبو يوسف إلى سقوط الكفارة بالوطء وروى عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه يجب عليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي كما سلف وذهب الجمهور إلى أن الواجب كفارة واحدة مطلقاً وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم‏. ‏ واختلف في مقدمات الوطء هل تحرم مثل الوطء إذا أراد أن يفعل شيئاً منها قبل التكفير أم لا فذهب الثوري والشافعي في أحد قوليه إلى أن المحرم هو الوطء وحده لا المقدمات وذهب الجمهور إلى أنها تحرم كما يحرم الوطء واستدلوا بقوله تعالى ‏{‏من قبل أن يتماسا‏}‏ وهو يصدق على الوطء ومقدماته وأجاب من قال بأن حكم المقدمات مخالف لحكم الوطء بأن المسيس كناية عن الجماع وقد قدمنا الكلام على ذلك في أبواب الوضوء واعلم أنها تجب الكفارة بعد العود إجماعاً لقوله تعالى ‏{‏ثم يعودون لما قالوا‏}‏ واختلفوا هل العدة في وجوبها العود أو الظهار فذهب إلى الأول ابن عباس وقتادة والحسن وأبو حنيفة وأصحابه والعترة وذهب إلى الثاني مجاهد والثوري وقال الزهري وطاوس ومالك وأحمد بن حنبل وداود والشافعي بل العلة مجموعهما وقال الإمام يحيى إن العود شرط كالإحصان مع الزنا واختلفوا في العود ما هو فقال قتادة وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأصحابه والعترة إنه أراد المس لما حرم بالظهار لأنه إذا أراد فقد عاد عن عزم الترك إلى عزم الفعل سواء فعل أم لا وقال الشافعي بل هو إمساكها بعد الظهار وقتاً يسع الطلاق ولم يطلق إذ تشبيهها بالأم يقتضي إبانتها وإمساكها نقيضه وقال مالك وأحمد بل هو العزم على الوطء فقط وإن لم يطأ وقال الحسن البصري وطاوس والزهري بل هو الوطء نفسه وقال داود وشعبة بل إعادة لفظ الظهار‏. ‏ وعن خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت‏: ‏ ‏(‏ظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أشكو إليه ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي اللّه فإنه ابن عمك فما برح حتى نزل القرآن ‏{‏قد سمع اللّه قول التي تجادلك في زوجها‏}‏ إلى الغرض فقال‏: ‏ يعتق رقبة قالت‏: ‏ لا يجد قال‏: ‏ فيصوم شهرين متتابعين قالت‏: ‏ يا رسول اللّه إنه شيخ كبير ما به من صيام قال‏: ‏ فليطعم ستين مسكيناً قالت‏: ‏ ما عنده من شيء يتصدق به قال‏: ‏ فأتي ساعتئذ بعرق من تمر قالت‏: ‏ يا رسول فإني سأعينه بعرق آخر قال‏: ‏ قد أحسنت اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك والعرق ستون صاعًا‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود ولأحمد معناه لكنه لم يذكر قدر العرق وقال فيه‏: ‏ ‏(‏فليطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر‏)‏ ولأبي داود في رواية أخرى‏: ‏ ‏(‏والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعاً‏)‏ وقال‏: ‏ هذا أصح‏. ‏ وله عن عطاء عن أوس‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أعطاه خمسة عشر صاعاً من شعير إطعام ستين مسكيناً‏)‏ وهذا مرسل قال أبو داود‏: ‏ عطاء لم يدرك أوساً‏. ‏ حديث خولة سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده محمد بن إسحاق وسيأتي تمام الكلام على الإسناد‏. ‏ وأخرج ابن ماجه والحاكم نحوه من حديث عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ فذكرت الحديث وأصله في البخاري من هذا الوجه إلا أنه لم يسمها‏. ‏ وأخرج أيضاً أبو داود والحاكم عن عائشة من وجه آخر قالت‏: ‏ كانت جميلة امرأة أوس بن الصامت وكان امرأ به لمم فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته‏. ‏ وحديث أوس أعله أبو داود بالإرسال كما ذكر المصنف‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏خولة بنت مالك‏)‏ وقع في تفسير أبي حاتم خولة بنت الصامت قال الحافظ‏: ‏ وهو وهم والصواب زوج ابن الصامت ورجح غير واحد أنها خولة بنت الصامت بن ثعلبة وروى الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس أن المرأة خولة بنت خويلد وفي إسناده أبو حمزة اليماني وهو ضعيف وقال يوسف بن عبد اللّه بن سلام أنها خويلة وروى أنها بنت دليح كذا في الكاشف‏. ‏ وفي رواية عائشة المتقدمة أنها جميلة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏والعرق ستون صاعاً‏)‏ هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد اللّه بن حنظلة قال الذهبي‏: ‏ لا يعرف ووثقه ابن حبان وفيها أيضاً محمد بن إسحاق وقد عنعن والمشهور عرفاً أن العرق يسع خمسة عشر صاعاً كما روى ذلك الترمذي بإسناد صحيح من حديث سلمة نفسه والكلام على ما يتعلق بحديث خولة من الفقه قد تقدم‏. ‏



٢ باب من حرم زوجته أو أمته عن ابن عباس قال‏: ‏ ‏(‏إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها وقال لقد لكم في رسول اللّه أسوة حسنة‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وفي لفظ‏: ‏ ‏(‏أنه أتاه رجل فقال‏: ‏ إني جعلت امرأتي علي حراماً فقال‏: ‏ كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك}‏ أغلظ الكفارة عتق رقبة‏)‏ رواه النسائي‏. ‏ وعن ثابت عن أنس‏: ‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل اللّه عز وجل ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ إلى آخر الآية‏)‏‏. ‏ رواه النسائي‏. ‏ الرواية الثانية من حديث ابن عباس أخرجها ابن مردويه من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عنه‏. ‏ وحديث أنس قال الحافظ‏: ‏ سنده صحيح وهو أصح طرق سبب نزول الآية وله شاهد مرسل عند الطبراني بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي المشهور قال‏: ‏ أصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أم إبراهيم ولده في بيت بعض نسائه فقالت‏: ‏ يا رسول اللّه في بيتي وعلى فراشي فجعلها عليه حراماً فقالت‏: ‏ يا رسول اللّه كيف تحرم على نفسك الحلال فحلف لها باللّه لا يصيبها فنزلت ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏‏. ‏ - وفي الباب - عن عائشة عند الترمذي وابن ماجه بسند رجاله ثقات قالت‏: ‏ آلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وحرم فجعل الحرام حلالاً وجعل في اليمين كفارة وقد تقدم في كتاب الإيلاء‏. ‏ وعن ابن عباس غير حديث الباب عند البيهقي بسند صحيح عن يوسف بن ماهك أن أعرابياً أتىابن عباس فقال‏: ‏ إني جعلت امرأتي حراماً قال‏: ‏ ليست عليك بحرام قال‏: ‏ أرأيت قول اللّه تعالى ‏{‏كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه‏}‏ الآية‏. ‏ فقال ابن عباس‏: ‏ إن إسرائيل كان به عرق الإنسي فجعل على نفسه إن شفاه اللّه أن لا يأكل العروق من كل شيء وليست بحرام يعني على هذه الأمة‏. ‏ وقد اختلف العلماء فيمن حرم على نفسه شيئاً فإن كان الزوجة فقد اختلف فيه أيضاً على أقوال بلغها القرطبي المفسر إلى ثمانية عشر قولاً‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وزاد غيره عليها وفي مذهب مالك فيها تفاصيل يطول استيفاؤها قال القرطبي‏: ‏ قال بعض علمائنا سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحاً ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة فتجاذبها العلماء فمن تمسك بالبراءة قال لا يلزمه شيء ومن قال إنها يمين أخذ بظاهر قوله تعالى ‏{‏قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم‏}‏ بعد قوله ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ ومن قال تجب الكفارة وليست بيمين بناء على أن معناه معنى اليمين فوقعت الكفارة على المعنى ومن قال يقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة وأقل ما تحرم به المرأة طلقة ما لم يرتجعها ومن قال بائنة فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدد العقد ومن قال ثلاثاً حمل اللفظ على منتهى وجوهه ومن قال ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق فانحصر الأمر عنده في الظهار انتهى‏. ‏ ومن المطولين للبحث في هذه المسألة الحافظ ابن القيم فإنه تكلم عليها في الهدى كلاماً طويلاً وذكر ثلاثة عشر مذهباً أصولاً تفرعت إلى عشرين مذهباً وذكر في كتابه المعروف بأعلام الموقعين خمسة عشر مذهباً وسنذكر ذلك على طريق الاختصار ونزيد عليه فوائد‏: ‏ المذهب الأول‏: ‏ إن قول القائل لامرأته أنت علي حرام لغو وباطل لا يترتب عليه شيء وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس وبه قال مسروق وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء والشعبي وداود وجميع أهل الظاهر وأكثر أصحاب الحديث وهو أحد قولي المالكية واختار أصبغ بن الفرج منهم واستدلوا بقوله تعالى ‏{‏ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام‏}‏ وبقوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ وسبب نزول هذه الآية ما تقدم وبالحديث الصحيح وهو قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏ وقد تقدم في كتاب الصلاة‏. ‏ القول الثاني‏: ‏ إنها ثلاث تطليقاتوهو قول أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه وزيد بن ثابت وابن عمر والحسن البصري ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وحكاه في البحر عن أبي هريرة واعترض ابن القيم الرواية عن زيد بن ثابت وابن عمر وقال الثابت عنهما ما رواه ابن حزم أنهما قالا عليه كفارة يمين ولم يصح عنهما خلاف ذلك‏. ‏ وروى ابن حزم عن علي عليه السلام الوقف في ذلك‏. ‏ وعن الحسن أنه قال إنه يمين واحتج أهل هذا القول بأنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حراماً‏. ‏ الثالث‏: ‏ إنها بهذا القول حرام عليه قال ابن حزم وابن القيم في أعلام الموقعين‏: ‏ صح عن أبي هريرة والحسن وخلاس بن عمرو وجابر بن زيد وقتادة قال‏: ‏ لم يذكر هؤلاء طلاقاً بل أسروه باجتنابها فقط قال وصح أيضاً عن علي عليه السلام فإما أن يكون عنه روايتان أو يكون أراد تحريم الثلاث وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم ولم يتعرض لعدد الطلاق فحرمت عليه بمقتضى تحريمه‏. ‏ الرابع‏: ‏ الوقف فيها قال ابن القيم‏: ‏ صح ذلك عن علي عليه السلام وهو قول الشعبي وحجة هذا القول أن التحريم ليس بطلاق والزوج لا يملك تحريم الحلال إنما يملك السبب الذي تحرم به وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق ولا هو مما له عرف الشرع في تحريم الزوجة فاشتبه الأمر فيه‏. ‏ الخامس‏: ‏ إن نوى به الطلاق فهو طلاق وإن لم ينوه كان يميناً وهو قول طاوس والزهري والشافعي ورواية عن الحسن وحكاه أيضاً في الفتح عن النخعي وإسحاق وابن مسعود وابن عمر وحجة هذا القول أنه كناية في الطلاق فإن نواه كان طلاقاً وإن لم ينوه كان يميناً لقوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ إلى قوله ‏{‏تحلة أيمانكم‏}‏‏. ‏ السادس‏: ‏ إنه إن نوى الثلاث فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى يميناً فهو يمين وإن لم ينو شيئاً فهو كذبة لا شيء فيها قاله سفيان وحكاه النخعي عن أصحابه وحجة هذا القول أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك فتتبع نيته‏. ‏ السابع‏: ‏ مثل هذا إلا أنه إذا لم ينو شيئاً فهو يمين يكفرها وهو قول الأوزاعي وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى ‏{‏قد فرض اللّه لكم تحلة أيمانكم‏}‏ فإذا نوى به الطلاق لم يكن يميناً فإذا أطلق ولم ينو شيئاً كان يميناً‏. ‏ الثامن‏: ‏ مثل هذا أيضاً إلا أنه إن لم ينو شيئاً فواحدة بائناً إعمالاً للفظ التحريم هكذا في أعلام الموقعين ولم يحكه عن أحد وقد حكاه ابن حزم عن إبراهيم النخعي‏. ‏ التاسع‏: ‏ إن فيه كفارة ظهار قال ابن القيم‏: ‏ صح عن ابن عباس وأبي قلابةوسعيد بن جبير ووهب بن منبه وعثمان البتي وهو إحدى الروايات عن أحمد‏. ‏ وحجة هذا القول أن اللّه تعالى جعل التشبيه بمن تحرم عليه ظهاراً فالتصريح منه بالتحريم أولى‏. ‏ قال ابن القيم‏: ‏ وهذا أقيس الأقوال ويؤيده أن اللّه تعالى لم يجعل للمكلف التحليل والتحريم وإنما ذلك إليه تعالى وإنما جعل له مباشرة الأقوال والأفعال التي يترتب عليها التحريم فإذا قال أنت علي كظهر أمي أو أنت علي حرام فقد قال المنكر من القول والزور وكذب على اللّه تعالى فإنه لم يجعلها عليه كظهر أمه ولا جعلها عليه حراماً فقد أوجب بهذا القول المنكر والزور أغلظ الكفارتين وهي كفارة الظهار‏. ‏ العاشر‏: ‏ إنها تطليقة واحدة وهو إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب وقول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وحجة هذا القول أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة فحمل اللفظ عليها‏. ‏ الحادي عشر‏: ‏ إنه ينوي ما أراد من ذلك في إرادة أهل الطلاق وعدده وإن نوى تحريماً بغير طلاق فيمين مكفرة‏. ‏ قال ابن القيم‏: ‏ وهو قول الشافعي وحجة هذا القول أن اللفظ صالح لذلك كله فلا يتعين واحدة منها إلا بالنية وقد تقدم أن مذهب الشافعي هو القول الخامس وهو الذي حكاه عنه في فتح الباري بل حكاه عنه ابن القيم نفسه‏. ‏ الثاني عشر‏: ‏ إنه ينوي أيضاً ما شاء من عدد الطلاق إلا أنه إذا نوى واحدة كانت بائنة وإن لم ينو شيئاً فإيلاء وإن نوى الكذب فليس بشيء وهو قول أبي حنيفة وأصحابه هكذا قال ابن القيم‏. ‏ وفي الفتح عن الحنفية أنه إذا نوى اثنتين فهي واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقاً فهو يمين ويصير مولياً وفي رواية عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الكذب دين ولم يقبل في الحكم ولا يكون مظاهراً عنده نواه أو لم ينوه ولو صرح به فقال أعني به الظهار لم يكن مظاهراً وحجة هذا القول احتمال اللفظ‏. ‏ الثالث عشر‏: ‏ إنه يمين يكفره ما يكفر اليمين على كل حال قال ابن القيم‏: ‏ صح ذلك عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وزيد بن ثابت وابن مسعود وعبد اللّه بن عمر وعكرمة وعطاء وقتادة والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ونافع والأوزاعي وأبي ثور وخلق سواهم وحجة هذا القول ظاهر القرآن فإن اللّه ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال فلا بد أن يتناوله يقيناً‏. ‏ الرابع عشر‏: ‏ إنه يمين مغلظة يتعين بها عتق رقبة قال ابن القيم‏: ‏صح أيضاً عن ابن عباس وأبي بكر وعمر وابن مسعود وجماعة من التابعين وحجة هذا القول إنه لما كان يميناً مغلظة غلظت كفارتها‏. ‏ الخامس عشر‏: ‏ إنه طلاق ثم إنها إن كانت غير مدخول بها فهو ما نواه من الواحدة فما فوقها وإن كانت مدخولاً بها فهو ثلاث وإن نوى أقل منها وهو إحدى الروايتين عن مالك ورواه في نهاية المجتهد عن علي وزيد بن ثابت وحجة هذا القول أن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يترتب عليه حكمه وغير المدخول بها تحرم بواحدة والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث‏. ‏ واعلم أنه قد رجح المذهب الأول من هذه المذاهب جماعة من العلماء المتأخرين وهذا المذهب هو الراجح عندي إذا أراد تحريم العين وأما إذا أراد به الطلاق فليس في الأدلة ما يدل على امتناع وقوعه به أما قوله تعالى ‏{‏ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام‏}‏ وكذلك قوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي لم تحرم ما أحل اللّه لك‏}‏ فنحن نقول بموجب ذلك فمن أراد تحريم عين زوجته لم تحرم وأما من أراد طلاقها بذلك اللفظ فليس في الأدلة ما يدل على اختصاص الطلاق بألفاظ مخصوصة وعدم جوازه بما سواها وليس في قوله تعالى ‏{‏فإن طلقها فلا تحل له من بعد‏}‏ ما يقضي بانحصار الفرقة في لفظ الطلاق وقد ورد الأذن بما عداه من ألفاظ الفرقة كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لابنة الجون‏: ‏ ‏(‏إلحقي بأهلك‏)‏ قال ابن القيم‏: ‏ وقد أوقع الصحابة الطلاق بأنت حرام وأمرك بيدك واختاري ووهبتك لأهلك وأنت خلية وقد خلوت مني وأنت برية وقد أبرأتك وأنت مبرأة وحبلك على غاربك انتهى‏. ‏ وأيضاً قال اللّه تعالى ‏{‏فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ وظاهره أنه لو قال سرحتك لكفى في إفادة معنى الطلاق وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز التجوز لعلاقة مع قرينة في جميع الألفاظ إلا ما خص فما الدليل على امتناعه في باب الطلاق وأما إذا حرم الرجل على نفسه شيئاً غير زوجته كالطعام والشراب فظاهر الأدلة أنه لا يحرم عليه شيء من ذلك لأن اللّه لم يجعل إليه تحريماً ولا تحليلاً فيكون التحريم الواقع منه لغواً وقد ذهب إلى مثل هذا الشافعي وروي عن أحمد أن عليه كفارة يمين‏. ‏ كتاب اللعان عن نافع عن ابن عمر‏: ‏ ‏(‏أن رجلاً لاعن امرأته وانتفى من ولدها ففرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة‏. ‏ وعن سعيد بن جبير‏: ‏ ‏(‏أنه قال لعبد اللّه بن عمر‏: ‏ يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما قال‏: ‏ سبحان اللّه إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان قال‏: ‏ يا رسول اللّه أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك قال‏: ‏ فسكت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتاه فقال‏: ‏ إن الذي سألتك عنه ابتليت به فأنزل اللّه عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور ‏{‏والذين يرمون أزواجهم ولم يكن شهداء‏}‏ فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال‏: ‏ لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت‏: ‏ لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات باللّه إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات باللّه إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب اللّه عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما‏)‏‏. ‏ وعن ابن عمر قال‏: ‏ ‏(‏فرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بين أخوي عجلان وقال‏: ‏ اللّه يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ثلاثاً‏)‏‏. ‏ متفق عليهما‏. ‏ وعن سهل بن سعد‏: ‏ ‏(‏أن عويمر العجلاني أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ يا رسول اللّه أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل‏: ‏ فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما فرغ قال عويمر‏: ‏ كذبت عليها يا رسول اللّه إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ابن شهاب‏: ‏ فكانت سنة المتلاعنين‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة إلا الترمذي‏. ‏ وفي رواية متفق عليها‏: ‏ ‏(‏فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ذاكم التفريق بين كل متلاعنين‏)‏ وفي لفظ لأحمد ومسلم‏: ‏ ‏(‏وكان فراقه إياها سنة في المتلاعنين‏)‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لاعن امرأته‏)‏ قال في الفتح‏: ‏ اللعان مأخوذ من اللعن لأن الملاعن يقول في الخامسة لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدئ به في الآية وهو أيضاً يبدأ به وقيل سمي لعاناً لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك بينهما وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها ثم قال‏: ‏ وأجمعوا على أن اللعان مشروع وعلى أنه لا يجوز مع عدم التحقق واختلف في وجوبه على الزوج وظاهر أحاديث الباب أن اللعان إنما يشرع بين الزوجين وكذلك قوله تعالى ‏{‏والذين يرمون أزواجهم‏}‏ الآية فلو قال أجنبي لأجنبية يا زانية وجب عليه حد القذف‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ففرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما‏)‏ استدل به من قال إن الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان حتى يوقعها الحاكم وأجاب من قال إن الفرقة تقع بنفس اللعان إن ذلك بيان حكم لا إيقاع فرقة واحتجوا بما وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم في رواية بلفظ‏: ‏ ‏(‏لا سبيل لك عليها‏)‏ وتعقب بأن الذي وقع جواب لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذته منه وأجيب بأن العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فيشمل المال والبدن ويقتضي نفي تسلطه عليها بوجه من الوجوه ووقع في حديث لأبي داود عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏وقضى أن ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها‏)‏ وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان وسيأتي تمام الكلام في الفرقة في الباب الذي بعد هذا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وألحق الولد بالمرأة‏)‏ قال الدارقطني‏: ‏ تفرد مالك بهذه الزيادة وقال ابن عبد البر‏: ‏ ذكروا أن مالكاً تفرد بهذه اللفظة وقد جاءت من أوجه أخر وقد جاءت في حديث سهل بن سعد عند أبي داود بلفظ‏: ‏ ‏(‏فكان الولد ينسب إلى أمه‏)‏ ومن رواية أخرى‏: ‏ ‏(‏وكان الولد يدعى إلى أمه‏)‏ ومعنى قوله ألحق الولد بأمه أي صيره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما وأما الأم فترث منه ما فرض اللّه لها‏. ‏ وقد وقع في رواية من حديث سهل بن سعد بلفظ‏: ‏ ‏(‏وكان ابنها يدعى لأمه‏)‏ ثم جرت السنة في ميراثهما أنها ترثه ويرث منها ما فرض اللّه لهما وقيل معنى إلحاقه بأمه أنه صيرها له أباً وأماً فترث جميع ماله إذا لم يكن له وارث آخر من ولد ونحوه وهو قول ابن مسعود ووائلة وطائفة ورواية عن أحمد وروي أيضاً عن ابن القاسم وقيل إن عصبة أمه تصير عصبة له وهو قول علي وابن عمر وهو المشهور عن أحمد وبه قالت الهادوية وقيل ترثه أمه وأخته منها بالفرض والرد وهو قول أبي عبيد ومحمد بن الحسن ورواية عن أحمد قال‏: ‏ فإن لم يرثه ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه واستدل بحديث ابن عمر المذكور على مشروعية اللعان لنفي الولد‏. ‏ وعن أحمد ينتفي الولد بمجرد اللعان وإن لم يتعرض الرجل لذكره في اللعان‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وفيه نظر لأنه لو استلحقه لحقه وإنما يؤثر اللعان دفع حد القذف عنه وثبوت زنا المرأة‏. ‏ وقال الشافعي‏: ‏ إن نفى الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وإن أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخر بغير عذر وحتى ولدت لم يكن له أن ينفيه كما في الشفعة واستدل به أيضاً على أنه لا يشترط في نفي الولد التصريح بأنها ولدته من زنا ولا بأنه استبرأها بحيضة وعن المالكية يشترط ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أرأيت لو وجد أحدنا‏)‏ أي أخبرني عن حكم من وقع له ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏على فاحشة‏)‏ اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلاً وتحقق وجود الفاحشة منهما فقتله هل يقتل به أم لا فمنع الجمهور الإقدام وقالوا يقتص منه إلا أن يأتي ببينة الزنا أو يعترف المقتول بذلك بشرط أن يكون محصناً وقيل بل يقتل به لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير أذن الإمام وقال بعض السلف لا يقتل أصلاً ويعذر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك ووافقهم ابن القاسم وابن حبيب من المالكية لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن وعند الهادوية أنه يجوز للرجل أن يقتل من وجده مع زوجته وأمته وولده حال الفعل وأما بعده فيقاد به إن كان بكرًا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ووعظه وذكره‏)‏ فيه دليل على أنه يشرع للإمام موعظة المتلاعنين قبل اللعان تحذيراً لهما منه وتخويفاً لهما من الوقوع في المعصية‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فبدأ بالرجل‏)‏ فيه دليل على أنه يبدأ الإمام في اللعان بالرجل وقد حكى الإمام المهدي في البحر الإجماع على أن السنة تقديم الزوج واختلف في الوجوب فذهب الشافعي ومن تبعه وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي إلى أنه واجب وهو قول المؤيد باللّه وأبي طالبوأبي العباس والإمام يحيى‏. ‏ وذهبت الحنفية ومالك وابن القاسم إلى أنه لو وقع الابتداء بالمرأة صح واعتد به واحتجوا بأن اللّه تعالى عطف في القرآن بالواو وهو لا يقتضي الترتيب‏. ‏ ‏(‏واحتج الأولون‏)‏ أيضاً بأن اللعان يشرع لدفع الحد عن الرجل ويؤيده قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لهلال‏: ‏ ‏(‏البينة وإلا حد في ظهرك‏)‏ وسيأتي فلو بدأ بالمرأة لكان دفعاً لأمر لم يثبت‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏بين أخوي بني عجلان‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الجيم وهو ابن حارثة بن ضبيعة من بني بكر ابن عمرو والمراد بقوله أخوي الرجل وامرأته واسم الرجل عويمر كما في الرواية المذكورة واسم المرأة خولة بنت عاصم بن عدي العجلاني قاله ابن منده في كتاب الصحابة وأبو نعيم وحكى القرطبي عن مقاتل بن سليمان أنها خولة بنت قيس وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم المذكور والرجل الذي رمى عويمر امرأته به هو شريك بن سحماء ابن عم عويمر وفي صحيح مسلم من حديث أنس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لأمه وسيأتي وكان أول رجل لاعن في الإسلام‏. ‏ قال النووي في شرح مسلم‏: ‏ السبب في نزول آية اللعان قصة عويمر العجلاني واستدل على ذلك بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم له‏: ‏ ‏(‏قد أنزل اللّه فيك وفي صاحبتك قرآنًا‏)‏ وقال الجمهور‏: ‏ السبب قصة هلال بن أمية لما تقدم من أنه كان أول من لاعن في الإسلام وقد حكى أيضاً الماوردي عن الأكثر من أن قصة هلال أسبق من قصة عويمر‏. ‏ وقال الخطيب والنووي وتبعهما الحافظ‏: ‏ يحتمل أن يكون هلال سأل أولاً ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معاً‏. ‏ وقال ابن الصباغ في الشامل‏: ‏ قصة هلال بن أمية نزلت فيها الآية وأما قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لعويمر‏: ‏ ‏(‏إن اللّه قد أنزل فيك وفي صاحبتك‏)‏ فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس واختلف في الوقت الذي وقع فيه اللعان فجزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان أنه كان في شهر شعبان سنة تسع وقيل كان في السنة التي توفي فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما وقع في البخاري عن سهل بن سعد أنه شهد قصة المتلاعنين وهو ابن خمس عشرة سنة وقد ثبت عنه أنه قال توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة وقيل كانت القصة في سنة عشر ووفاته صلى اللّه عليه وآله وسلم في سنة إحدى عشرة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فطلقها ثلاثاً‏)‏ وفي رواية أنه قال‏: ‏ ‏(‏فهي الطلاق فهي الطلاق فهي الطلاق‏)‏وقد استدل بذلك من قال إن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الرجل كما تقدم نقله عن عثمان البتي‏. ‏ وأجيب بما في حديث سهل نفسه من تفريقه صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما‏. ‏ وبما في حديث ابن عمر كما ذكر ذلك المصنف فإن ظاهرهما أن الفرقة وقعت بتفريق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وإنما طلقها عويمر لظنه أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثاً فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وقد توهم أن قوله لا سبيل لك عليها وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم عقب قول الملاعن هي طالق‏. ‏ وإنه موجود في كذلك في حديث سهل‏. ‏ وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب قوله اللّه يعلم أن أحدكم كاذب لا سبيل لك عليها انتهى‏. ‏ وقد قدمنا في باب ما جاء في طلاق البتة الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث على أن الطلاق المتتابع يقع‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فكانت سنة المتلاعنين‏)‏ زاد أبو داود عن القعنبي عن مالك فكانت تلك وهي إشارة إلى الفرقة وفي الرواية الأخرى المذكورة ذاكم التفريق بين كل متلاعنين وقال مسلم‏: ‏ إن قوله وكان فراقه إياها سنة بين المتلاعنين مدرج‏. ‏ وكذا ذكر الدارقطني في غريب مالك اختلاف الرواة على ابن شهاب ثم على مالك في تعيين من قال فكان فراقهما سنة هل هو من قول سهل أو من قول ابن شهاب‏. ‏ وذكر ذلك الشافعي وأشار إلى نسبته إلى ابن شهاب لا تمنع نسبته إلى سهل‏. ‏ ويؤيد ذلك ما وقع في رواية لأبي داود عن سهل قال فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأنفذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان ما صنع عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سنة وسيأتي قريباً‏. ‏ وفي نسخة الصغاني قال أبو عبد اللّه قوله ذلك تفريق بين المتلاعنين من قول الزهري وليس من الحديث



٣ باب لا يجتمع المتلاعنان أبدًا عن ابن عمر قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم للمتلاعنين‏: ‏ حسابكما على اللّه أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال‏: ‏ يا رسول اللّه مالي قال‏: ‏ لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها‏)‏‏. ‏ متفق عليه وهوحجة في أن كل فرقة بعد الدخول لا تؤثر في إسقاط المهر‏. ‏ وعن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال‏: ‏ ‏(‏فطلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان ما صنع عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سنة قال سهل‏: ‏ حضرت هذا عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود‏. ‏ وعن سهل بن سعد في قصة المتلاعنين‏: ‏ ‏(‏ففرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما وقال‏: ‏ لا يجتمعان أبداً‏)‏‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداُ‏)‏‏. ‏ وعن علي قال‏: ‏ ‏(‏مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعان أبداً‏)‏‏. ‏ وعن علي وابن مسعود قالا‏: ‏ ‏(‏مضت السنة أن لا يجتمع المتلاعنان‏)‏‏. ‏ رواهن الدارقطني‏. ‏ حديث سهل بن سعد الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح‏. ‏ وحديثه الثاني في إسناده عياض بن عبد اللّه قال في التقريب‏: ‏ فيه لين ولكنه قد أخرج له مسلم‏. ‏ وحديث ابن عباس أخرج نحوه أبو داود في قصة طويلة في إسنادها عباد بن منصور وفيه مقال‏. ‏ وحديث علي وابن مسعود أخرجهما أيضاً عبد الرزاق وابن أبي شيبة - وفي الباب - عن عمر نحو حديثهما أخرجه أيضاً عبد الرزاق وابن أبي شيبة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أحدكما كاذب‏)‏ قال عياض‏: ‏ إنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب بطريق الإجمال وأنه يلزم من كذب التوبة من ذلك‏. ‏ وقال الداودي‏: ‏ قال ذلك قبل اللعان تحذيراً لهما منه قال الحافظ‏: ‏ والأول أظهر وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لا سبيل لك عليها‏)‏ فيه دليل على أن المرأة تستحق ما صار إليها من المهر بما استحل الزوج من فرجها وقد تقدم أن هذه الصيغة تقتضي العموم لأنها نكرة في سياق النفي وأراد بقوله مالي الصداق الذي سلمه إليها يريد أن يرجع به عليها فأجابه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنها قد استحقته بذلك السبب وأوضح لها استحقاقها له بذلك التقسيم على فرض صدقه وعلى فرض كذبه لأنه مع الصدق قد استوفى منها ما يوجب استحقاقها له وعلى فرض كذبه كذلك مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها به وهذا مجمع عليه في المدخولة‏. ‏ وأما في غيرها فذهب الجمهور إلى أنها تستحق النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقال حماد والحكم وأبو الزناد‏: ‏ أنها تستحقه جميعه‏. ‏ وقالالزهري ومالك‏: ‏ لا شيء لها‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فطلقها‏)‏ قد تقدم الكلام عليه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لا يجتمعان أبداً‏)‏ فيه دليل على تأبيد الفرقة‏. ‏ وإليه ذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة ومحمد أن اللعان لا يقتضي التحريم المؤبد لأنه طلاق زوجة مدخولة بغير عوض لم ينو به التثليث فيكون كالرجعي‏. ‏ ولكن المروي عن أبي حنيفة أنها إنما تحل له إذا أكذب نفسه لا إذا لم يكذب نفسه فإنه يوافق الجمهور كما ذكره صاحب الهدى عنه‏. ‏ وعن محمد وسعيد بن المسيب والأدلة الصحيحة الصريحة قاضية بالتحريم المؤبد وكذلك أقوال الصحابة وهو الذي يقتضيه حكم اللعان ولا يقتضي سواه فإن لعنة اللّه وغضبه قد حلت بأحدهما لا محالة وقد وقع الخلاف هل اللعان فسخ أو طلاق فذهب الجمهور إلى أنه فسخ وذهب أبو حنيفة ورواية عن محمد إلى أنه طلاق 



٣ ٢ باب لا يجتمع المتلاعنان أبدًا عن ابن عمر قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم للمتلاعنين‏: ‏ حسابكما على اللّه أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال‏: ‏ يا رسول اللّه مالي قال‏: ‏ لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها‏)‏‏. ‏ متفق عليه وهوحجة في أن كل فرقة بعد الدخول لا تؤثر في إسقاط المهر‏. ‏ وعن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال‏: ‏ ‏(‏فطلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وكان ما صنع عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سنة قال سهل‏: ‏ حضرت هذا عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود‏. ‏ وعن سهل بن سعد في قصة المتلاعنين‏: ‏ ‏(‏ففرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما وقال‏: ‏ لا يجتمعان أبداً‏)‏‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبداُ‏)‏‏. ‏ وعن علي قال‏: ‏ ‏(‏مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعان أبداً‏)‏‏. ‏ وعن علي وابن مسعود قالا‏: ‏ ‏(‏مضت السنة أن لا يجتمع المتلاعنان‏)‏‏. ‏ رواهن الدارقطني‏. ‏ حديث سهل بن سعد الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح‏. ‏ وحديثه الثاني في إسناده عياض بن عبد اللّه قال في التقريب‏: ‏ فيه لين ولكنه قد أخرج له مسلم‏. ‏ وحديث ابن عباس أخرج نحوه أبو داود في قصة طويلة في إسنادها عباد بن منصور وفيه مقال‏. ‏ وحديث علي وابن مسعود أخرجهما أيضاً عبد الرزاق وابن أبي شيبة - وفي الباب - عن عمر نحو حديثهما أخرجه أيضاً عبد الرزاق وابن أبي شيبة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أحدكما كاذب‏)‏ قال عياض‏: ‏ إنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب بطريق الإجمال وأنه يلزم من كذب التوبة من ذلك‏. ‏ وقال الداودي‏: ‏ قال ذلك قبل اللعان تحذيراً لهما منه قال الحافظ‏: ‏ والأول أظهر وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لا سبيل لك عليها‏)‏ فيه دليل على أن المرأة تستحق ما صار إليها من المهر بما استحل الزوج من فرجها وقد تقدم أن هذه الصيغة تقتضي العموم لأنها نكرة في سياق النفي وأراد بقوله مالي الصداق الذي سلمه إليها يريد أن يرجع به عليها فأجابه صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنها قد استحقته بذلك السبب وأوضح لها استحقاقها له بذلك التقسيم على فرض صدقه وعلى فرض كذبه لأنه مع الصدق قد استوفى منها ما يوجب استحقاقها له وعلى فرض كذبه كذلك مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها به وهذا مجمع عليه في المدخولة‏. ‏ وأما في غيرها فذهب الجمهور إلى أنها تستحق النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقال حماد والحكم وأبو الزناد‏: ‏ أنها تستحقه جميعه‏. ‏ وقالالزهري ومالك‏: ‏ لا شيء لها‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فطلقها‏)‏ قد تقدم الكلام عليه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لا يجتمعان أبداً‏)‏ فيه دليل على تأبيد الفرقة‏. ‏ وإليه ذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة ومحمد أن اللعان لا يقتضي التحريم المؤبد لأنه طلاق زوجة مدخولة بغير عوض لم ينو به التثليث فيكون كالرجعي‏. ‏ ولكن المروي عن أبي حنيفة أنها إنما تحل له إذا أكذب نفسه لا إذا لم يكذب نفسه فإنه يوافق الجمهور كما ذكره صاحب الهدى عنه‏. ‏ وعن محمد وسعيد بن المسيب والأدلة الصحيحة الصريحة قاضية بالتحريم المؤبد وكذلك أقوال الصحابة وهو الذي يقتضيه حكم اللعان ولا يقتضي سواه فإن لعنة اللّه وغضبه قد حلت بأحدهما لا محالة وقد وقع الخلاف هل اللعان فسخ أو طلاق فذهب الجمهور إلى أنه فسخ وذهب أبو حنيفة ورواية عن محمد إلى أنه طلاق 



٣ باب إيجاب الحد بقذف الزوج وأن اللعان يسقطه عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ البينة أو حد في ظهرك فقال‏: ‏ يا رسول اللّه إذا رأى أحدنا على امرأته رجل ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ البينة وإلا حد في ظهرك فقال هلال‏: ‏ والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن اللّه ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه ‏{‏والذين يرمون أزواجهم‏}‏ فقرأ حتى بلغ ‏{‏إن كان من الصادقين‏}‏ فانصرف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ إن اللّه يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة وقفوها فقالوا إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ انظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الآليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لولا ما مضى من كتاب اللّه لكان لي ولها شأن‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة إلا مسلماً والنسائي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏البينة أو حد في ظهرك‏)‏ فيه دليل على أن الزوج إذا قذف امرأته بالزنا وعجز عن إقامة البينة وجب عليه حد القاذف وإذا وقع اللعان سقط وهو قول الجمهور‏. ‏ وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن اللازم بقذف الزوج إنما هو اللعان فقط ولا يلزمه الحد والحديث وما في معناه حجة عليه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فنزل جبريل‏)‏ الخ فيه التصريح بأن الآية نزلت في شأن هلال وقد تقدم الخلاف في ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏إن اللّه يعلم‏)‏ الخ فيه مشروعية تقديم الوعظ للزوجين قبل اللعان كما يدل على ذلك قوله‏: ‏ ‏(‏ثم قامت‏)‏ فإن ترتيب القيام على ذلك مشعر بما ذكرنا وقد تقدم الإشارة إلى الخلاف‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وقفوها‏)‏ أي أشاروا عليها بأن ترجع وأمروها بالوقف عن تمام اللعان حتى ينظروا في أمرها فتلكأت وكادت أن تعترف ولكنها لم ترض بفضيحة قومها فاقتحمت وأقدمت على الأمر المخوف الموجب للعذاب الآجل مخافة من العار لأنه يلزم قومها من إقرارها العار بزناها ولم يردعها عن ذلك العذاب العاجل وهو حد الزنا‏. ‏ وفي هذا دليل على أن مجرد التلكيء من أحد الزوجين والتكلم بما يدل على صدق الآخر دلالة ظنية لا يعمل به بل المعتبر هو التصريح من أحدهما بصدق الآخر والاعتراف المحقق بالكذب إن كان الزوج أو الوقوع في المعصية إن كانت المرأة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏انظروها فإن جاءت به‏)‏ الخ فيه دليل على أن المرأة كانت حاملاً وقت اللعان‏. ‏ وقد وقع في البخاري التصريح بذلك وسيأتي التصريح به أيضاً في باب ما جاء في اللعان على الحمل‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أكحل العينين‏)‏ الأكحل الذي منابت أجفانه سود كأن فيها كحلاً‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏سابغ الآليتين‏)‏ بالسين المهملة وبعد الألف باء موحدة ثم غين معجمة أي عظيمهما‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏خدلج الساقين‏)‏ بفتح الخاء والدال المهملة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين والذراعين‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فجاءت به كذلك‏)‏ في رواية للبخاري‏: ‏ ‏(‏فجاءت به على الوجه المكروه‏)‏ وفي أخرى له‏: ‏ ‏(‏فجاءت به على النعت الذي نعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ وفي ذلك روايات أخر ستأتي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لولا ما مضى من كتاب اللّه‏)‏ وفي رواية للبخاري‏: ‏ ‏(‏من حكم اللّه‏)‏ والمراد أن اللعان يدفع الحد عن المرأة ولولا ذلك لأقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عليها الحد من أجل ذلك الشبه الظاهر الذي رميت به ويستفاد منه أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان يحكم بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي خاص فإذا نزل الوحيبالحكم في تلك المسألة قطع النظر وعمل بما نزل وأجرى الأمر على الظاهر ولو قامت قرينة تقتضي خلاف الظاهر ة



٤ باب من قذف زوجته برجل سماه عن أنس‏: ‏ ‏(‏أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخاً لبراء بن مالك لأمه وكان أول رجل لاعن في الإسلام قال‏: ‏ فلاعنها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أبصروها فإن جاءت به أبيض سبطاً قضيء العينين فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به أكحل جعد أحمش الساقين فهو لشريك بن سحماء قال‏: ‏ فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعد أحمش الساقين‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏أن أول لعان كان في الإسلام أن هلال بن أمية قذف شريك بن السحماء بامرأته فأتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبره بذلك فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ أربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك يردد عليه ذلك مراراً فقال له هلال‏: ‏ واللّه يا رسول اللّه إن اللّه عز وجل ليعلم أني لصادق ولينزلن اللّه عليك ما يبرئ ظهري من الحد فبينما هم كذلك إذ نزلت عليه آية اللعان ‏{‏والذين يرمون أزواجهم‏}‏ إلى آخر الآية وذكر الحديث‏)‏‏. ‏ رواه النسائي‏. ‏ الرواية الأخرى من هذا الحديث رجالها رجال الصحيح ويشهد لصحتها حديث ابن عباس المتقدم في الباب الذي قبل هذا فإن سياقه وسياق هذا الحديث متقاربان‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وكان أول رجل لاعن في الإسلام‏)‏ قد تقدم الكلام على هذا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏سبطاً‏)‏ بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها طاء مهملة وهو المسترسل من الشعر وتام الخلق من الرجال‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏قضيء العينين‏)‏ بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة بعدها همزة على وزن حذر وهو فاسد العينين والأكحل قد تقدم الكلام عليه‏. ‏ والجعد بفتح الجيم وسكون المهملة بعدها دال مهملة أيضاً‏. ‏ قال في القاموس‏: ‏ الجعد من الشعر خلاف السبط أو القصير منه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏حمش الساقين‏)‏ بالحاء المهملة ثم معجمة وهو لغة في أحمش‏. ‏ قال في القاموس‏: ‏ حمش الرجل حمشاً وحمشاً صار دقيق الساقين فهو أحمش الساقين وحمشهما بالفتح وسوق حماش وقد حمشتالساق كضرب وكرم حموشة انتهى‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏إن أول لعان كان في الإسلام‏)‏ قد تقدم الكلام على ذلك وظاهر الحديث أن حد القذف يسقط باللعان ولو كان قذف الزوجة برجل معين 



٥ باب في أن اللعان يمين عن ابن عباس قال‏: ‏ ‏(‏جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلاً فذكر حديث تلاعنهما إلى أن قال ففرق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما وقال‏: ‏ إن جاءت به أصيهب أربسح حمش الساقين فهو لهلال وإن جاء به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الآليتين فهو للذي رميت به فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الآليتين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لولا الأيمان لكان لي ولها شأن‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ الحديث أورده أبو داود مطولاً وفي إسناده عباد بن منصور وقد تكلم فيه غير واحد‏. ‏ وقد قيل‏: ‏ إنه كان قدرياً داعية‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أصيهب‏)‏ تصغير الأصهب وهو من الرجال الأشقر ومن الإبل الذي يخالط بياضه حمرة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أريسح‏)‏ تصغير الأرسح بالسين والحاء المهملتين وروي بالصاد المهملة بدلاً من السين ويقال الأرصع بالصاد والعين المهملتين وهو خفيف لحم الفخذين والآليتين‏. ‏ وقد تقدم تفسير حمش الساقين والجعد وخدلج الساقين وسابغ الآليتين‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أورق‏)‏ هو الأسمر‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏جمالياً‏)‏ بضم الجيم وتشديد الميم هو العظيم الخلق كأنه الجمل‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لولا الأيمان‏)‏ استدل به من قال إن اللعان يمين وإليه ذهبت العترة والشافعي والجمهور وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك والإمام يحيى والشافعي في قول إنه شهادة‏. ‏ واحتجوا بقوله تعالى ‏{‏فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه‏}‏ وبقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس السابق في الباب الأول‏: ‏ ‏(‏فجاء هلال فشهد ثم قامت فشهدت‏)‏ وقيل‏: ‏ إن اللعان شهادة فيها شائبة يمين وقيل بالعكس‏. ‏ وقال بعض العلماء‏: ‏ ليس بيمين ولا شهادة حكى هذه الثلاثة المذاهب صاحب الفتح وقال‏: ‏ الذي تحرر لي إنها من حيث الجزم بنفيالكذب وإثبات الصدق يمين لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكتفى في ذلك بالظن بل لا بد من وجود علم كل منهما بالأمرين علماً يصح معه أن يشهد 



٦ باب ما جاء في اللعان على الحمل والاعتراف به عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لاعن على الحمل‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وفي حديث سهل‏: ‏ ‏(‏وكانت حاملاً وكان ابنها ينسب إلى أمه‏)‏ وقد ذكرناه‏. ‏ وفي حديث ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته وفرق بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد‏. ‏ قال عكرمة‏: ‏ فكان بعد ذلك أميراً على مصر وما يدعى لأب‏)‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ وقد أسلفنا في غير حديث أن تلاعنهما قبل الوضع‏. ‏ وعن قبيصة بن ذؤيب قال‏: ‏ ‏(‏قضى عمر بن الخطاب في رجل أنكر ولد امرأته وهو في بطنها ثم اعترف به وهو في بطنها حتى إذا ولد أنكره فأمر به عمر فجلد ثمانين جلدة لفريته عليها ثم ألحق به ولدها‏)‏‏. ‏ رواه الدارقطني‏. ‏ حديث ابن عباس الأول هو بمعناه في الصحيحين من حديثه بلفظ‏: ‏ ‏(‏لاعن بين هلال بن أمية وزوجته وكانت حاملاً ونفى الحمل‏)‏‏. ‏ وحديث سهل هو في البخاري كما قدمنا ولم يذكره المصنف فيما سلف صريحاً‏. ‏ وحديث ابن عباس الثاني هو من حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود وفي إسناده عباد بن منصور كما تقدم وأثر عمر أخرجه أيضاً البيهقي وحسن الحافظ إسناده‏. ‏ وقد استدل بأحاديث الباب من قال إنه يصح اللعان قبل الوضع مطلقاً ونفي الحمل‏. ‏ وقد حكاه في الهدى عن الجمهور وهو الحق للأدلة المذكورة وذهبت الهادوية وأبو يوسف ومحمد إلى أنه لا يصح قبل الوضع مطلقاً لاحتمال أن يكون الحمل ريحاً‏. ‏ ورد بأن هذا احتمال بعيد لأن للحمل قرائن قوية يظن معها وجوده ظناً قوياً وذلك كاف في اللعان كما جاز العمل بها في إثبات عدة الحامل وترك قسمة الميراث ولا يدفع الأمر المظنون بالاحتمال البعيد‏. ‏ وذهب أبو حنيفة والمزني وأبو طالب إلى أنه لا يصح اللعان والنفي قبل الوضع إلا مع الشرط لعدم اليقين ورد بأنه مشروط إن لم يتلفظ به‏. ‏ وأثر عمر المذكوراستدل به من قال إنه لا يصح نفي الولد بعد الإقرار به وهم العترة وأبو حنيفة وأصحابه ويؤيده أنه لو صح الرجوع بعده لصح عن كل إقرار فلا يتقرر حق من الحقوق والتالي باطل بالإجماع فالمقدم مثله‏. 



٧ باب الملاعنة بعد الوضع لقذف قبله وإن شهد الشبه لأحدهما عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أنه ذكر التلاعن عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولًا ثم انصرف فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلًا فقال عاصم‏: ‏ ما ابتليت بهذا إلا لقولي فيه فذهب به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وكان ذلك الرجل مصفرًا قليل اللحم سبط الشعر وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلًا آدم كثير اللحم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ اللّهم بين فوضعت شبيهًا بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما فقال رجل لابن عباس في المجلس‏: ‏ أهي التي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لو رجمت أحدًا بغير بينة رجمت هذه فقال ابن عباس‏: ‏ لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقال عاصم في ذلك قولًا‏)‏ أي كلامًا لا يليق به كالمبالغة في الغيرة وعدم الرجوع إلى إرادة اللّه وقدرته‏. ‏ وقال الحافظ‏: ‏ إن المراد بالقول المذكور هو ما وقع في حديث سهل بن سعد أنه سأل عن الحكم الذي أمره عويمر أن يسأل عنه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فأتاه رجل من قومه‏)‏ قال في الفتح‏: ‏ هو عويمر ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية لأنه لا قرابة بينه وبين عاصم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ما ابتليت بهذا إلا لقولي‏)‏ أي بسؤالي عما لم يقع فكأنه عرف أنه عوقب بذلك وإنما جعله ابتلاء لأن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور واسمها خولة بنت عاصم كما ذكره الكلبي وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم‏. ‏ وروى ابن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حيان أن الزوج وزوجته والرجل الذي رمي بها ثلاثتهم بنو عم عاصم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏مصفرًا‏)‏ بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وتشديد الراء أي قوي الصفرة وهذا لا يخالف ما في حديث سهلأنه كان أحمر أو أشقر لأن ذلك لونه الأصلي والصفرة عارضة والمراد بقليل اللحم نحيف الجسم والسبط قد تقدم تفسيره‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏خدلًا‏)‏ بالخاء المعجمة والدال المهملة قال في القاموس‏: ‏ الخدل الممتلئ وساق خدلة بينة الخدل محركة ثم قال‏: ‏ والخدلة المرأة الغليظة الساق وممتلئة الأعضاء لحمًا في رقة عظام انتهى‏. ‏ وقال في الفتح‏: ‏ خدلًا بفتح المعجمة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين‏. ‏ وقال أبو الحسن بن فارس‏: ‏ ممتلئ الأعضاء وقال الطبري‏: ‏ لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏آدم‏)‏ بالمد أي لونه قريب من السواد‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏كثير اللحم‏)‏ أي في جميع جسده‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ يحتمل أن يكون صفة شارحة لقوله خدلًا بناء على أن الخدل الممتلئ البدن‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏اللّهم بين‏)‏ قال ابن العربي‏: ‏ ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر الشبه ولا يمتنع ولادتها بموت الولد مثلًا فلا يظهر البيان والحكمة في البيان المذكور ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما وقع لما يترتب عليه من القبح‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فلاعن‏)‏ الخ ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة وعلى ذلك بوّب المصنف وقد تقدم في حديث سهل أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع‏. ‏ ورواية ابن عباس هذه هي القصة التي في حديث سهل كما تقدم فعلى هذا تكون الفاء في قوله فلاعن لعطف لاعن على فأخبره بالذي وجد عليه امرأته ويكون ما بينهما اعتراضًا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقال رجل لابن عباس‏)‏ هو عبد اللّه بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس سماه أبو الزناد كما ذكره البخاري في الحدود‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏كانت تظهر في الإسلام السوء‏)‏ أي كانت تعلن بالفاحشة ولكنه لم يثبت ذلك عليها ببينة ولا اعتراف قال الداودي‏: ‏ فيه جواز من يسلك مسالك السوء وتعقب بأنه لم يسمها فإن أراد إظهار الغيبة على طريق الإبهام فمسلم



٨ باب ما جاء في قذف الملاعنة وسقوط نفقتها‏‏ عن ابن عباس في قصة الملاعنة‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى أن لا قوت لها ولا سكنى من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏: ‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين ومن دعاه ولد زنا جلد ثمانين‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ حديث ابن عباس هو طرف من حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود وفي إسناده عباد بن منصور وفيه مقال كما تقدم‏. ‏ وحديث عمرو بن شعيب أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد قدمنا الاختلاف في حديثه‏. ‏ وقال في مجمع الزوائد‏: ‏ في إسناده ابن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أن لا قوت ولا سكنى‏)‏ فيه دليل على أن المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدة نفقة ولا سكنى لأن النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق لا في عدة الفسخ وكذلك السكنى ولا سيما إذا كان الفسخ بحكم كالملاعنة ومن قال إن اللعان طلاق كأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن محمد فلعله يقول بوجوب النفقة والسكنى والحديث حجة عليه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏إنه يرث أمه وترثه‏)‏ فيه دليل على أن قرابة الولد المنفى قرابة أمه وقد قدمنا الكلام على ذلك في أول كتاب اللعان‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ومن رماها به جلد ثمانين‏)‏ فيه دليل على أنه يجب الحد على من رمى المرأة التي لاعنها زوجها بالرجل الذي اتهمها به وكذلك يجب على من قال لولدها إنه ولد زنا وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج والأصل عدم الوقوع في المحرم ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها عن العفاف والأعراض محمية عن الثلب ما لم يحصل اليقين 


٩٩٩٩ .باب النهي أن يقذف زوجته لأن ولدت ما يخالف لونهما عن أبي هريرة قال‏: ‏ ‏(‏جاء رجل من بني فزارة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ ولدت امرأتي غلامًا أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ هل لك من إبل قال‏: ‏ نعم قال‏: ‏ فما ألوانها قال‏: ‏ حمر قال‏: ‏ هل فيها من أورق قال‏: ‏ إن فيها لورقًا قال‏: ‏ فأنى أتاها ذلك قال‏: ‏ عسى أن يكون نزعه عرق قال‏: ‏ فهذا عسى أن يكون نزعه عرق ولم يرخص له في الانتفاء منه‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة‏. ‏ ولأبي داود في رواية‏: ‏ ‏(‏إن امرأتي ولدت غلامًا أسود وإني أنكره‏)‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏جاء رجل‏)‏ اسمه ضمضم بن قتادة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏يعرض أن ينفيه‏)‏ وجه التعريض أنه قال غلام أسود أي وأنا أبيض فكيف يكون مني وفيه دليل على أن التعريض بالقذف لا يكون قذفًا وإليه ذهب الجمهور‏. ‏ وعن المالكية يجب به الحد إذا كانوا يفهمونها وكذلك قالت الهادوية إلا أنهم اشترطوا أن يقر بأن قصده القذف وأجابوا عن حديث الباب بأنه لا حجة فيه لأن الرجل لم يرد قذفًا بل جاء سائلًا مستفتيًا عن الحكم بما وقع له من الريبة فلما ضرب له المثل أذعن‏. ‏ وقال المهلب‏: ‏ التعريض إذا كان على سبيل السؤال لا حد فيه وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبيل المواجهة‏. ‏ وقال ابن المنير‏: ‏ الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة والزوج يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏من أورق‏)‏ هو الذي يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فأنى ذلك‏)‏ بفتح النون الثقيلة أي من أين أتاها اللون الذي خالفها هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها أو لأمر آخر‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏نزعه عرق‏)‏ المراد بالعرق الأصل من النسب تشبيهًا بعرق الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الأصالة أي أن أصله متناسب وكذا معرق في الكرم وهو ضرب مثل لتعريف السائل وتوضيح البيان بتشبيه المجهول بالمعلوم وهو من قياس التشبيه كما قال الخطابي‏. ‏ قال ابن العربي‏: ‏ فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير وتوقف فيه ابن دقيق العيد فقال‏: ‏ هو تشبيه في أمر وجودي والنزاع إنما هو في التشبيه في الأحكام الشرعية من طريق واحدة قوية‏. ‏ وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد كونه مخالفًا له في اللون وقد حكى القرطبي وابن رشد الإجماع على ذلك وتعقبهما الحافظ بأن الخلاف في ذلك ثابت عند الشافعية فقالوا إن لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز النفي فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح عندهم وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقًا 



١٠.. باب أن الولد للفراش دون الزاني عن أبي هريرة قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة إلا أبا داود‏. ‏ وفي لفظ للبخاري‏: ‏ ‏(‏لصاحب الفراش‏)‏‏. ‏ وعن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال سعد‏: ‏ يا رسول اللّه ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة‏: ‏ هذا أخي يا رسول اللّه ولد على فراش أبي فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى شبهه فرأى شبهًا بينًا بعتبة فقال‏: ‏ هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قال‏: ‏ فلم ير سودة قط‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة إلا الترمذي‏. ‏ وفي رواية أبي داود ورواية للبخاري‏: ‏ ‏(‏هو أخوك يا عبد‏)‏‏. ‏ وعن ابن عمر‏: ‏ ‏(‏أن عمر قال‏: ‏ ما بال رجال يطؤن ولائدهم ثم يعتزلونهن لا يأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا‏)‏‏. ‏ رواه الشافعي‏. ‏ حديث ‏(‏الولد للفراش‏)‏ مروي من طريق بضعة وعشرين نفسًا من الصحابة كما أشار إليه الحافظ‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏الولد للفراش‏)‏ اختلف في معنى الفراش فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة وقد يعبر به عن حالة الافتراش وقيل إنه اسم للزوج روي ذلك عن أبي حنيفة وأنشد ابن الأعرابي مستدلًا على هذا المعنى قول جرير‏: ‏ *بانت تعانقه وبات فراشها* وفي القاموس أن الفراش زوجة الرجل قيل ومنه ‏{‏فرش مرفوعة‏}‏ والجارية يفترشها الرجل انتهى‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وللعاهر الحجر‏)‏ العاهر الزاني يقال عهر أي زنى قيل ويختص ذلك بالليل قال في القاموس‏: ‏ عهر المرأة كمنع عهرًا ويكسر ويحرك وعهارة بالفتح وعهورًا وعهورة وعاهرها عهارًا أتاها ليلًا للفجور أو نهارًا انتهى‏. ‏ ومعنى له الحجر الخيبة أي لا شيء له في الولد والعرب تقول له الحجر وبفيه الترب يريدون ليس له إلا الخيبة‏. ‏ وقيل المراد بالحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان بل المحصن فقط‏. ‏ وظاهر الحديث أن الولد إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد وإلى ذلك ذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد العقد واستدل له بأن مجرد المظنة كافية ورد بمنع حصولها بمجرد العقد بل لا بد من إمكان الوطء ولا شك أن اعتبار مجرد العقد في ثبوت الفراش جمود ظاهر فإنه قد حكى ابن القيم عن أبي حنيفة أنه يقول بأن نفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها بل لو طلقها عقبه في المجلس تصير به الزوجة فراشًا وهذا يدل على أنه لا يلاحظ المظنة أصلًا ويؤيد ذلك أنه روى عنه في الغيث أنه يقول بثبوت الفراش ولحوق الولد وإن علم أنه ما وطىء بأن يكون بينه وبين الزوجة مسافة طويلة لا يمكن وصوله إليها في مقدار مدة الحمل وذهب ابن تيمية إلى أنه لا بد من معرفة الدخول المحقق وذكر أنه أشار إليه أحمد ورجحه ابن القيم وقال‏: ‏ وهل يعد أهل اللغة والعرف المرأة فراشًا قبل البناء بها وكيف تأني الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأته ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك وهذا الإمكان قد قطع بانتفائه عادة فلا تصير المرأة فراشًا إلا بدخول محقق انتهى‏. ‏ وأجيب بأن معرفة الوطء المحقق متعسرة فاعتبارها يؤدي إلى بطلان كثير من الأنساب وهو يحتاط فيها واعتبار مجرد الإمكان يناسب ذلك الاحتياط ولا بد في ثبوت نسب الولد أن تأتي المرأة به بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت إمكان الوطء عند الجمهور أو العقد عند أبي حنيفة أو معرفة الوطء المحقق عند ابن تيمية وهذا مجمع عليه فلو ولدت قبل مضيها حصل القطع بأن الولد من قبل فلا يلحق‏. ‏ وظاهر الحديث أيضًا أن فراش الأمة كفراش الحرة لأنه يدخل تحت عموم الفراش وحديث عائشة المذكور نص في ذلك فإن النزاع بين عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص في ابن وليدة زمعة وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يعتبر في ثبوت فراش الأمة الدعوة وروي عن أبي حنيفة والثوري وهو مذهب الهادوية أن الأمة لا يثبت فراشها إلا بدعوة الولد ولا يكفي الإقرار بالوطء فإن لم يدعه كان ملكًا له وأجيب بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ألحق ولد زمعة به ولم يستفصل هل ادعاه زمعة أم لا بل جعل العلة في الإلحاق أنه صاحب الفراش وأما قولهم إنه لم يلحقه بعبد بن زمعة على أنه أخ له وإنما جعله مملوكًا له كما في قوله هو لك يا عبد بن زمعة واللام للتمليك ويؤيد ذلك ما في آخر الحديث من أمره صلى اللّه عليه وآله وسلم لسودة بالاحتجاب منه ولو كان أخًا لها لم تؤمر بالاحتجاب منه وما وقع في رواية احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك فقد أجيب عنه بأن اللام في قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم هو لك للاختصاص لا للتمليك ويؤيد ذلك ما في الرواية الأخرى المذكورة بلفظ‏: ‏ هو أخوك يا عبد وبأن أمره لسودة بالاحتجاب على سبيل الاحتياط والورع والصيانة لأمهات المؤمنين لما رآه من الشبه بعتبة بن أبي وقاص كما في حديث كيف وقد قيل‏. ‏ قال ابن القيم بعد ذكر هذا الجواب‏: ‏ أو يكون مراعاة للشيئين وإعمالًا للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدعي وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه انتهى‏. ‏ وأما الرواية التي فيها احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك فقد طعن البيهقي في إسنادها وقال فيها جرير وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ وفيها يوسف مولى آل الزبير وهو غير معروف‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏اختصم سعد وعبد بن زمعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ لم يذكر ما وقع فيه الاختصام ولعل هذا اللفظ أحد الألفاظ التي روي بها هذا الحديث وفي بقية الألفاظ في الصحيحين وغيرهما التصريح بأن الاختصام وقع في غلام‏. ‏ قوله ‏(‏وقال عبد بن زمعة‏)‏ الخ فيه دليل على أنه يجوز لغير الأب أن يستلحق الولد مثل استلحاق عبد بن زمعة للأخ وكذلك للوصي الاستلحاق لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينكر على سعد الدعوى المذكورة وقد أجمع العلماء على أن للأب أن يستلحق واختلفوا في الجد‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فرأى شبهًا بينًا بعتبة‏)‏ سيأتي الكلام على العمل بالشبه والقافة قريبًا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏يعترف سيدها أن قد ألم بها‏)‏ فيه تقوية لمذهب الجمهور من أنه لا يشترط في فراش الأمة الدعوة بل يكفي مجرد ثبوت الفراش 



١١ باب الشركاء يطؤن الأمة في طهر واحد عن زيد بن أرقم قال‏: ‏ ‏(‏أتى أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه وهو باليمن في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد فسأل اثنين فقال‏: ‏ أتقران لهذا بالولد قالا‏: ‏ لا ثم سأل اثنين‏: ‏ أتقران لهذا بالولد قالا‏: ‏ لا‏. ‏ فجعل كلما سأل اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي أصابته القرعة وجعل عليه ثلثي الدية فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فضحك حتى بدت نواجذه‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة إلا الترمذي‏. ‏ ورواه النسائي وأبو داود موقوفًا على علي بإسناد أجود من إسناد المرفوع‏. ‏ وكذلك رواه الحميدي في مسنده وقال فيه‏: ‏ ‏(‏فأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه‏)‏‏. ‏ الحديث في إسناده يحيى بن عبد اللّه الكندي المعروف بالأجلج‏. ‏ قال المنذري‏: ‏ لا يحتج بحديثه وقال في الخلاصة‏: ‏ وثقه يحيى بن معين والعجلي‏. ‏ وقال ابن عدي‏: ‏ يعد في الشيعة مستقيم الحديث وضعفه النسائي قال المنذري‏: ‏ ورواه بعضهم مرسلًا وقال النسائي‏: ‏ هذا صواب وقال الخطابي‏: ‏ وقد تكلم في إسناد حديث زيد بن أرقم انتهى‏. ‏ وقد رواه أبو داود من طريقين الأولى من طريق عبد اللّه بن الخليل عن زيد بن أرقم عنه والثانية من طريق عبد خير عن زيد عنه قال المنذري‏: ‏ أما حديث عبد خير فرجال إسناده ثقات غير أن الصواب فيه الإرسال انتهى‏. ‏ وعلى هذا لم تخل كل واحدة من الطريقين من علة فالأولى فيها الأجلج والثانية معلولة بالإرسال والمراد بالإرسال ههنا الوقف كما عبر عن ذلك المصنف لا ما هو الشائع في الاصطلاح من أنه قول التابعي قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏. ‏ والحديث يدل على أن الابن لا يلحق بأكثر من أب واحد قاله الخطابي وقال أيضًا وفيه إثبات القرعة في إلحاق الولد انتهى‏. ‏ وقد أخذ بالقرعة مطلقًا مالك والشافعي وأحمد والجمهور حكى ذلك عنهم ابن رسلان في كتاب العتق من شرح سنن أبي داود وقد ورد العمل بها في مواضع منها في إلحاق الولد ومنها في الرجل الذي أعتق ستة أعبد فجزأهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كما في حديث عمران بن حصين عند مسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه‏. ‏ ومنها في تعيين المرأة من نسائه التي يريد أن يسافر بها كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وهكذا ثبت اعتبار القرعة في الشيء الذي وقع فيه التداعي إذا تساوت البينتان وفي قسمة المواريث مع الالتباس لأجل إفراز الحصص بها وفي مواضع أخر فمن العلماء من اعتبر القرعة في جميعها ومنهم من اعتبرها في بعضها وممن قال بظاهر حديث الباب إسحاق بن راهويه وقال هذه السنة في دعوى الولد حكى ذلك عنه الخطابي وقال‏: ‏ إنه كان الشافعي يقول به في القديم وقيل لأحمد في حديث زيد بن أرقم هذا فقال حديث القافة أحب إلي وسيأتي قريبًا ويأتي الكلام على الجمع بينهما وقد قال بعضهم‏: ‏ إن حديث القرعة منسوخ وقال المقبلي في الأبحاث‏: ‏ إن حديث الإلحاق بالقرعة إنما يكون بعد انسداد الطرق الشرعية انتهى‏. ‏ ومن المخالفين في اعتبار القرعة الحنفية وكذلك الهادوية وقالوا إذا وطئ الشركاء الأمة المشتركة في طهر واحد وجاءت بولد وادعوه جميعًا ولا مرجح للإلحاق بأحدهم كان الولد ابنًا لهم جميعًا يرث كل واحد منهم ميراث ابن كامل ومجموعهم أب يرثونه ميراث أب واحد ة
٨:٣٣ ص



١٢ الطلاق من نيل ابلوطار الشوكاني .باب الحجة في العمل بالقافة عن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم دخل عليَّ مسرورًا تبرق أسارير وجهه فقال‏: ‏ ألم تري أن مجززًا نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال‏: ‏ إن هذه الأقدام بعضها من بعض‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة‏. ‏ وفي لفظ أبي داود وابن ماجه ورواية لمسلم والنسائي والترمذي‏: ‏ ‏(‏ألم تري أن مجززًا المدلجي رأى زيدًا وأسامة قد غطيا رؤوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما فقال‏: ‏ إن هذه الأقدام بعضها من بعض‏)‏‏. ‏ وفي لفظ‏: ‏ ‏(‏قالت‏: ‏ دخل قائف والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال‏: ‏ إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأعجبه وأخبر به عائشة‏)‏ متفق عليه‏. ‏ قال أبو داود‏: ‏ ‏(‏كان أسامة أسود وكان زيد أبيض‏)‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏تبرق أسارير‏)‏ الأسارير جمع سرر أو سرارة بفتح أولهما ويضمان وهما في الأصل خطوط الكف كما في القاموس أطلق على ما يظهر على وجه من سره أمر من الإضاءة والبريق‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أن مجززًا‏)‏ هو بضم الميم وفتح الجيم الزاي الأولى اسم فاعل من الجز لأنه جز نواصي قوم هكذا قيده جماعة من الأئمة وذكر الدارقطني وعبد الغني عن ابن جريج أنه محرز بالحاء المهملة بعدها راء ثم زاي على صيغة اسم الفاعل‏. ‏ قال الخطابي‏: ‏ في هذا الحديث دليل على ثبوت العمل بالقافة وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد وذلك لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده وكان الناس قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة وكان زيد أبيض وأسامة أسود كما وقع في الرواية المذكورة فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما سمع قول المدلجي فرح به وسرى عنه وقد أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما‏. ‏ واحتج لهم صاحب البحر بحديث الولد للفراش وقد تقدم‏. ‏ ووجه الاستدلال به أن تعريف المسند إليه واللام الداخلة على المسند للاختصاص يفيدان الحصر ويجاب بأن حديث الباب بعد تسليم الحصر المدعى مخصص لعمومه فيثبت به النسب في مثل الأمة المشتركة إذا وطئها المالكون لها وروي عن الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ ويجاب بأن الأصل عدم النسخ ومجرد دعواه بلا برهان كما لا ينفع المدعي لا يضر خصمه‏. ‏ وأما ما قيل من أن حديث مجزز لا حجة فيه لأنه إنما يعرف القائف بزعمه أن هذا الشخص من ماء ذاك لا أنه طريق شرعي فلا يعرف إلا بالشرع فيجاب بأن في استبشاره صلى اللّه عليه وآله وسلم من التقرير ما لا يخالف فيه مخالف ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع لقال له إن ذلك لا يجوز لا يقال إن أسامة قد ثبت فراش أبيه شرعًا وإنما لما وقعت القالة بسبب اختلاف اللون وكان قول المدلجي المذكور دافعًا لها لاعتقادهم فيه الإصابة وصدق المعرفة استبشر صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك فلا يصح التعلق بمثل هذا التقرير على إثبات أصل النسب لأنا نقول لو كانت القافة لا يجوز العمل بها إلا في مثل هذه المنفعة مع مثل أولئك الذين قالوا مقالة السوء لما قرره صلى اللّه عليه وآله وسلم على قوله ‏(‏هذه الأقدام بعضها من بعض‏)‏ وهو في قوة هذا ابن هذا فإن ظاهره أنه تقرير للإلحاق بالقافة مطلقًا لا إلزام للخصم بما يعتقده‏. ‏ ولا سيما والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم ينقل عنه إنكار كونها طريقًا يثبت بها النسب حتى يكون تقريره لذلك من باب التقرير على مضي كافر إلى كنيسة ونحوه مما عرف منه صلى اللّه عليه وآله وسلم إنكاره قبل السكوت عنه ومن الأدلة المقوية للعمل بالقافة حديث الملاعنة المتقدم حيث أخبر صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنها إن جاءت به على كذا فهو لفلان وإن جاءت به على كذا فهو لفلان فإن ذلك يدل على اعتبار المشابهة لا يقال لو كان ذلك معتبرًا لما لاعن بعد أن جاءت بالولد مشابهًا لأحد الرجال وتبين له صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك حتى قال لولا الأيمان لكان لي ولها شأن لأنا نقول إن النسب كان ثابتًا بالفراش وهو أقوى ما يثبت به فلا تعارضه القافة لأنها إنما تعتبر مع الاحتمال فقط ولا سيما بعد وجود الأيمان التي شرعها اللّه تعالى بين المتلاعنين ولم يشرع في اللعان غيرها ولهذا جعلها صلى اللّه عليه وآله وسلم مانعة من العمل بالقافة وفي ذلك إشعار بأنه يعمل بقول القائف مع عدمها‏. ‏ ومن المؤيدات للعمل بالقافة ما تقدم من جوابه صلى اللّه عليه وآله وسلم على أم سليم حيث قالت‏: ‏ أو تحتلم المرأة فقال‏: ‏ ‏(‏فيم يكون الشبه‏)‏ وقال‏: ‏ ‏(‏إن ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة كان الشبه له‏)‏ الحديث المتقدم لا يقال إن بيان سبب الشبه لا يدل على اعتباره في الإلحاق لأنا نقول إن إخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك يستلزم أنه مناط شرعي وإلا لما كان للإخبار فائدة يعتد بها وأما عدم تمكينه صلى اللّه عليه وآله وسلم لمن ذكر له أن ولده أسود من اللعان كما تقدم فلمخالفته لما يقتضيه الفراش الذي لا يعارضه العمل بالشبه إذا تقرر هذا فاعلم أنه لا معارضة بين حديث العمل بالقافة وحديث العمل بالقرعة الذي تقدم لأن كل واحد منهما دل على أن ما اشتمل عليه طريق شرعي فأيهما حصل وقع به الإلحاق فإن حصلا معًا فمع الاتفاق لا إشكال ومع الاختلاف الظاهر أن الاعتبار بالأول منهما لأنه طريق شرعي يثبت به الحكم ولا ينقضه طريق آخر يحصل بعده‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏دخل قائف‏)‏ قال في القاموس‏: ‏ والقائف من يعرف الآثار الجمع قافة وقاف أثره تبعه كقفاه واقتفاه انتهى
٨:٣٥ ص



١٣ باب حد القذف عن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏لما أنزل عذري قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا أحدهم‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة إلا النسائي‏. ‏ وعن أبي هريرة قال‏: ‏ ‏(‏سمعت أبا القاسم صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وعن أبي الزناد أنه قال‏: ‏ ‏(‏جلد عمر بن عبد العزيز عبدًا في فرية ثمانين قال أبو الزناد‏: ‏ فسألت عبد اللّه بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال‏: ‏ أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء هلم جرا فما رأيت أحدًا جلد عبدًا في فرية أكثر من أربعين‏)‏‏. ‏ رواه مالك في الموطأ عنه‏. ‏ حديث عائشة حسنه الترمذي وقال‏: ‏ لا يعرف إلا من حديث محمد بن إسحاق قال المنذري‏: ‏ وقد أسنده ابن إسحاق مرة وأرسله أخرى انتهى‏. ‏ وقد عنعن ههنا وقد قدمنا أنه لا يحتج بعنعنته لتدليسه‏. ‏ وقد أشار إلى الحديث البخاري في صحيحه‏. ‏ والأثر الذي رواه أبو الزناد عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة أخرجه أيضًا البيهقي ورواه أيضًا الثوري في جامعه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لما أنزل عذري‏)‏ أي براءتي مما نسب إليَّ أهل الإفك‏. ‏ والمراد بالمنزل قوله تعالى ‏{‏إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة‏}‏ إلى قوله ‏{‏ورزق كريم‏}‏ هكذا رواه ابن أبي حاتم والحاكم من مرسل سعيد بن المسيب‏. ‏ وفي البخاري إلى قوله تعالى ‏{‏واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون‏}‏ وعن الزهري إلى قوله تعالى ‏{‏واللّه غفور رحيم‏}‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أمر برجلين وامرأة‏)‏ الرجلان حسان بن ثابت ومسطح والمرأة حمنة بنت جحش‏. ‏ وأخرج الحاكم في الإكليل أن من جملة من حده النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قصة الإفك عبد اللّه بن أبيّ رأس المنافقين‏. ‏ والحديث يرد على الماوردي حيث قال‏: ‏ إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحد قذفة عائشة ولا مستند له إلا توهم أن الحد إنما يثبت بالبينة أو الإقرار وغفل عن النص القرآني المصرح بكذبهم وصحة الكذب تستلزم ثبوت الحد‏. ‏ وقد أجمع العلماء على ثبوت حد القذف وأجمعوا أيضًا على أن حده ثمانون جلدة لنص القرآن الكريم بذلك‏. ‏ واختلفوا هل ينصف الحد للعبد أم لا فذهب الأكثر إلى الأول‏. ‏ وذهب ابن مسعود والليث والزهري والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وابن حزم إلى أنه لا ينصف لعموم الآية‏. ‏ وأجاب الأولون بأن العبد مخصص من ذلك العموم بالقياس على حد الزنا ويؤيده فعل أكابر الصحابة رضي اللّه عنهم وقد تعقب القياس المذكور بأن حد الزنا إنما نصف ففي العبد لعدم أهليته للعفة وحيلولة الملك بينه وبين التحصن بخلاف الحر وبأن القذف حق لآدمي وهو أغلظ واعلم أنه لا فرق بين قاذف الرجل والمرأة في وجوب حد القذف عليه‏. ‏ ولا يعرف في ذلك خلاف بين أهل العلم وقد نازع الجلال في وجوبه على قاذف الرجل واستدل على عدم الوجوب بما تقدم عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم في اللعان أنه لم يحد هلال بن أمية لقذفه شريك بن سحماء ولم يحد أهل الإفك إلا لعائشة فقط لا لصفوان بن المعطل ولو كان يجب على قاذف الرجل لحد أهل الإفك حدين‏. ‏ وقد أطال الكلام على ذلك في ضوء النهار والبسط ههنا يقود إلى تطويل يخرج عن المقصود‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏يقام عليه الحد يوم القيامة‏)‏ فيه دليل على أنه لا يحد من قذف عبده لأن تعليق إيقاع الحد عليه بيوم القيامة مشعر بذلك‏. ‏ وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يحد قاذف العبد مطلقًا‏. ‏ وحكى صاحب البحر عن داود أنه يحد‏. ‏ وأجاب عليه بأنه مخالف للإجماع وذهب الجمهور أيضًا إلى أنه لا يحد قاذف أم الولد إلحاقًا لها بالقن‏. ‏ وقال مالك‏: ‏ يحد مطلقًا‏. ‏ وقال محمد‏: ‏ يحد إن كان معها ولد‏. ‏ ولعل مالكًا يجعل المحصنات المذكورات في الآية هن العفائف لا الحرائر ى
٨:٣٦ ص



١٣ باب حد القذف عن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏لما أنزل عذري قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا أحدهم‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة إلا النسائي‏. ‏ وعن أبي هريرة قال‏: ‏ ‏(‏سمعت أبا القاسم صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وعن أبي الزناد أنه قال‏: ‏ ‏(‏جلد عمر بن عبد العزيز عبدًا في فرية ثمانين قال أبو الزناد‏: ‏ فسألت عبد اللّه بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال‏: ‏ أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء هلم جرا فما رأيت أحدًا جلد عبدًا في فرية أكثر من أربعين‏)‏‏. ‏ رواه مالك في الموطأ عنه‏. ‏ حديث عائشة حسنه الترمذي وقال‏: ‏ لا يعرف إلا من حديث محمد بن إسحاق قال المنذري‏: ‏ وقد أسنده ابن إسحاق مرة وأرسله أخرى انتهى‏. ‏ وقد عنعن ههنا وقد قدمنا أنه لا يحتج بعنعنته لتدليسه‏. ‏ وقد أشار إلى الحديث البخاري في صحيحه‏. ‏ والأثر الذي رواه أبو الزناد عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة أخرجه أيضًا البيهقي ورواه أيضًا الثوري في جامعه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لما أنزل عذري‏)‏ أي براءتي مما نسب إليَّ أهل الإفك‏. ‏ والمراد بالمنزل قوله تعالى ‏{‏إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة‏}‏ إلى قوله ‏{‏ورزق كريم‏}‏ هكذا رواه ابن أبي حاتم والحاكم من مرسل سعيد بن المسيب‏. ‏ وفي البخاري إلى قوله تعالى ‏{‏واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون‏}‏ وعن الزهري إلى قوله تعالى ‏{‏واللّه غفور رحيم‏}‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أمر برجلين وامرأة‏)‏ الرجلان حسان بن ثابت ومسطح والمرأة حمنة بنت جحش‏. ‏ وأخرج الحاكم في الإكليل أن من جملة من حده النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في قصة الإفك عبد اللّه بن أبيّ رأس المنافقين‏. ‏ والحديث يرد على الماوردي حيث قال‏: ‏ إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يحد قذفة عائشة ولا مستند له إلا توهم أن الحد إنما يثبت بالبينة أو الإقرار وغفل عن النص القرآني المصرح بكذبهم وصحة الكذب تستلزم ثبوت الحد‏. ‏ وقد أجمع العلماء على ثبوت حد القذف وأجمعوا أيضًا على أن حده ثمانون جلدة لنص القرآن الكريم بذلك‏. ‏ واختلفوا هل ينصف الحد للعبد أم لا فذهب الأكثر إلى الأول‏. ‏ وذهب ابن مسعود والليث والزهري والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وابن حزم إلى أنه لا ينصف لعموم الآية‏. ‏ وأجاب الأولون بأن العبد مخصص من ذلك العموم بالقياس على حد الزنا ويؤيده فعل أكابر الصحابة رضي اللّه عنهم وقد تعقب القياس المذكور بأن حد الزنا إنما نصف ففي العبد لعدم أهليته للعفة وحيلولة الملك بينه وبين التحصن بخلاف الحر وبأن القذف حق لآدمي وهو أغلظ واعلم أنه لا فرق بين قاذف الرجل والمرأة في وجوب حد القذف عليه‏. ‏ ولا يعرف في ذلك خلاف بين أهل العلم وقد نازع الجلال في وجوبه على قاذف الرجل واستدل على عدم الوجوب بما تقدم عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم في اللعان أنه لم يحد هلال بن أمية لقذفه شريك بن سحماء ولم يحد أهل الإفك إلا لعائشة فقط لا لصفوان بن المعطل ولو كان يجب على قاذف الرجل لحد أهل الإفك حدين‏. ‏ وقد أطال الكلام على ذلك في ضوء النهار والبسط ههنا يقود إلى تطويل يخرج عن المقصود‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏يقام عليه الحد يوم القيامة‏)‏ فيه دليل على أنه لا يحد من قذف عبده لأن تعليق إيقاع الحد عليه بيوم القيامة مشعر بذلك‏. ‏ وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يحد قاذف العبد مطلقًا‏. ‏ وحكى صاحب البحر عن داود أنه يحد‏. ‏ وأجاب عليه بأنه مخالف للإجماع وذهب الجمهور أيضًا إلى أنه لا يحد قاذف أم الولد إلحاقًا لها بالقن‏. ‏ وقال مالك‏: ‏ يحد مطلقًا‏. ‏ وقال محمد‏: ‏ يحد إن كان معها ولد‏. ‏ ولعل مالكًا يجعل المحصنات المذكورات في الآية هن العفائف لا الحرائر ة
٨:٣٧ ص



١٤ باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفًا لها عن نعيم بن هزال قال‏: ‏ ‏(‏كان ماعز بن مالك يتيمًا في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي‏: ‏ ائت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك فأتاه فقال‏: ‏ يا رسول اللّه إني زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه فأعرض عنه فعاد فقال‏: ‏ يا رسول اللّه إني زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه فأعرض عنه ثم أتاه الثالثة فقال‏: ‏ يا رسول اللّه إني زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه ثم أتاه الرابعة فقال‏: ‏ يا رسول اللّه إني زنيت فأقم عليَّ كتاب اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ إنك قد قلتها أربع مرات فبمن قال‏: ‏ بفلانة قال‏: ‏ ضاجعتها قال‏: ‏ نعم قال‏: ‏ جامعتها قال‏: ‏ نعم فأمر به أن يرجم فخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد فلقيه عبد اللّه بن أنيس وقد أعجز أصحابه فنزع بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فقال‏: ‏ هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب اللّه عليه‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وحسنه الحافظ وفي صحبة نعيم بن هزال خلاف وروى أبو داود من طريق محمد بن إسحاق قال‏: ‏ ذكرت لعاصم بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال حدثني ذلك من قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ ‏(‏فهلا تركتموه من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم قال‏: ‏ ولا أعرف الحديث قال‏: ‏ فجئت جابر بن عبد اللّه فقلت‏: ‏ إن رجالًا من أسلم يحدثون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته ألا تركتموه وما أعرف الحديث قال‏: ‏ يا ابن أخي أنا أعلم الناس بهذا الحديث كنت فيمن رجم الرجل إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا يا قوم ردوني إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم غير قاتلي فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأخبرناه قال فهلا تركتموه وجثتموني به ليستثبت رسول اللّه منه فأما لترك حد فلا قال فعرفت وجه الحديث‏)‏ وأخرجه النسائي وفي إسناده محمد بن إسحاق وقد اتفق الشيخان على طرف من هذا الحديث وسيأتي الكلام على حديث ماعز هذا في أبواب حد الزاني إن شاء اللّه تعالى وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يلزم من أقر بالزنا حد القذف إذا قال زنيت بفلانة لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم طلب منه تعيين من زنى بها فعينها ثم لم يحد للقذف وإلى ذلك ذهبت الشافعية والحنفية والهادوية وقال مالك يحد والحديث يرد عليه وسيأتي تمام الكلام وتحقيق ما هو الحق في باب من أقر أنه زنى بامرأة فجحدت من أبواب الحدود‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏بوظيف‏)‏ بفتح الواو وكسر الظاء المعجمة ثم ياء تحتية ساكنة بعدها فاء وهو دقيق الساق من الجمال والخيل وفي النهاية خف الجمل هو الوظيف وسيأتي في باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار من حديث أبي هريرة بلفظ‏: ‏ ‏(‏فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات‏)‏‏. ‏ كتاب العِدَدْ باب أن عدة الحامل بوضع الحمل عن أم سلمة‏: ‏ ‏(‏أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها فتوفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه فقال‏: ‏ واللّه ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين فمكثت قريبًا من عشر ليال ثم نفست ثم جاءت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ أنكحي‏)‏‏. ‏ رواه الجماعة إلا أبو داود وابن ماجه‏. ‏ وللجماعة إلا الترمذي معناه من رواية سبيعة وقالت فيه‏: ‏ ‏(‏فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي‏)‏‏. ‏ وعن ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل قال‏: ‏ ‏(‏أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏)‏‏. ‏ رواه البخاري والنسائي‏. ‏ وعن أُبيّ بن كعب قال‏: ‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه وأولات الأحمال أن يضعن حملهن للمطلقة ثلاثًا وللمتوفى عنها فقال‏: ‏ هي للمطلقة ثلاث وللمتوفى عنها‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والدارقطني‏. ‏ وعن الزبير بن العوام‏: ‏ ‏(‏أنها كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة فقالت له وهي حامل‏: ‏ طيب نفسي بتطليقة فطلقها تطليقة ثم خرج إلى الصلاة فرجع وقد وضعت فقال‏: ‏ ما لها خدعتني خدعها اللّه ثم أتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ سبق الكتاب أجله اخطبها إلى نفسها‏)‏ رواه ابن ماجه‏. ‏ حديث أُبيّ بن كعب أخرجه أيضًا أبو يعلى والضياء في المختارة وابن مروديه وقال في مجمع الزوائد‏: ‏ في إسناده المثنى بن الصباح وثقه ابن معين وضعفه الجمهور انتهى‏. ‏ وأخرج نحوه عنه من وجه آخر ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مروديه والدارقطني‏. ‏ وحديث الزبير إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن عمر بن هياج حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن الزبير فذكره وكلهم من رجال الصحيح إلا محمد بن عمر بن هياج وهو صدوق لا بأس به وفيه انقطاع لأن ميمونًا هو ابن مهران ولم يسمع من الزبير‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏العدد‏)‏ جمع العدة قال في الفتح‏: ‏ العدة اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بالولادة أو بالإقراء أو الأشهر‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏سبيعة‏)‏ بضم السين المهملة تصغير سبع وقد ذكرها ابن سعد في المهاجرات وهي بنت أبي برزة الأسلمي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏كانت تحت زوجها‏)‏ هو سعد بن خولة العامري من بني عامر بن لؤي وقيل إنه من حلفائهم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فتوفى عنها‏)‏ نقل ابن عبد البر الاتفاق أنه توفي في جحة الوداع وقد قيل إنه قتل في ذلك الوقت وهي رواية شاذة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أبو السنابل‏)‏ بمهملة ونون ثم موحدة جمع سنبلة وقد اختلف في اسمه فقيل عمرو وقيل عامر وقيل حبة بمهملة ثم موحدة وقيل أصرم وقيل عبد اللّه وبعكك بموحدة فمهملة فكافين بوزن جعفر وهو ابن الحارث وقيل ابن الحجاج من بني عبد الدار‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقال واللّه ما يصلح أن تنكحي‏)‏ الخ قال عياض‏: ‏ والحديث مبتور نقص منه قولها‏: ‏ ‏(‏فنفست بعد ليال فخطبت‏)‏ الخ قال الحافظ‏: ‏ وقد ثبت المحذوف في رواية ابن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري ولفظه‏: ‏ ‏(‏فمكثت قريبًا من عشرين ليلة ثم نفست‏)‏ وقد وقع للبخاري اختصار المتن في طريق بأخصر من هذه الطريق ووقع له في تفسير سورة الطلاق مطولًا بلفظ‏: ‏ ‏(‏أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها فلم تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال‏: ‏ ما لي أراك تجملت للخطاب فإنك واللّه ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة‏: ‏ فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج‏)‏ وظاهر هذا يخالف ما في حديث الباب حيث قال‏: ‏ فمكثت قريبًا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فإن قولها قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت يدل علي أنها توجهت إلى النبي صلي اللّه عليه وآله وسلم في مساء ذلك اليوم الذي قال لها فيه أبو السنابل ما قال ويمكن الجمع بينهما بحمل قولها حين أمسيت على إرادة وقت توجهها ولا يلزم منه أن يكون ذلك اليوم الذي قال لها فيه ما قال‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ثم نفست‏)‏ بضم النون وكسر الفاء أي ولدت‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏قريبًا من عشر ليال‏)‏ وفي رواية لأحمد‏: ‏ ‏(‏فلم أمكث إلا شهرين حتى وضعت‏)‏ وفي رواية للبخاري‏: ‏ ‏(‏فوضعت بعد موته بأربعين ليلة‏)‏ وفي أخرى للنسائي‏: ‏ ‏(‏بعشرين ليلة أو خمس عشرة‏)‏ وفي رواية للترمذي والنسائي‏: ‏ ‏(‏فوضعت بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يومًا أو خمسة وعشرين يومًا‏)‏ ولابن ماجه‏: ‏ ‏(‏ببضع وعشرين‏)‏ وفي ذلك روايات أخر مختلفة‏. ‏ قال في الفتح بعد أن ساقها‏: ‏ والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة ولعل هذا هو السر في إبهام من أبهم المدة إذ محل الخلاف أن تضع لدون أربعة أشهر وعشر وهنا كذلك فأقل ما قيل في هذه الروايات نصف شهر وأما ما وقع في بعض الشروح أن في البخاري عشر ليال وفي رواية للطبراني ثمان أو سبع فهو في مدة إقامتها بعد الوضع إلى أن استفتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا في مدة بقية الحمل وأكثر ما قيل فيه بالتصريح شهران وبغيره دون أربعة أشهر‏. ‏ وقد ذهب جمهور أهل العلم من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار إلى أن الحامل إذا مات عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل‏. ‏ وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد بن علي بسند صحيح أنها تعتد بآخر الأجلين‏. ‏ ومعناه أنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع وبه قال ابن عباس وروي عنه أنه رجع وروي عن ابن أبي ليلى أنه أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدتها بالوضع وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجمهور حتى كان يقول من شاء لاعنته على ذلك‏. ‏ وقد حكى صاحب البحر عن الشعبي والقاسمية والمؤيد باللّه والناصر موافقة علي على اعتبار آخر الأجلين وأما أبو السنابل فهو وإن كان في حديث الباب ما يدل على أنه يذهب إلى اعتبار آخر الأجلين لكنه قد روي عنه الرجوع عن ذلك وقد نقل المازري وغيره عن سحنون من المالكية أنه يقول بقول علي قال الحافظ‏: ‏ وهو مردود لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع والسبب الذي حمل القائلين باعتبار آخر الأجلين الحرص على العمل بالآيتين أعني قوله تعالى‏: ‏ ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا‏}‏ فإن ظاهر ذلك أنه عام في كل من مات عنها زوجها سواء كانت حاملًا أو غير حامل‏. ‏ وقوله تعالى‏: ‏ ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ عام يشمل المطلقة والمتوفى عنها فجمعوا بين العمومين بقصر الآية الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالآيسة الصغيرة قبلها ولم يهملوا ما تناولته من العموم فعملوا بها وبالتي قبلها في حق المتوفى عنها‏. ‏ قال القرطبي‏: ‏ هذا نظر حسن فإن الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول لكن حديث سبيعة وسائر الأحاديث المذكورة في الباب نص بأنها تنقضي عدة المتوفى عنها بوضع الحمل وفي ذلك أحاديث أخر‏. ‏ منها ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال‏: ‏ ‏(‏كنت أنا وابن عباس وأبو هريرة فجاء رجل فقال‏: ‏ أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة فقال ابن عباس‏: ‏ تعتد آخر الأجلين وقلت أنا ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ قال ابن عباس ذلك في الطلاق‏. ‏ وقال أبو سلمة‏: ‏ أرأيت لو أن امرأة أخرت حملها سنة فما عدتها قال ابن عباس‏: ‏ آخر الأجلين قال أبو هريرة‏: ‏ أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فأرسل ابن عباس غلامه كريبًا إلى أم سلمة يسألها هل مضت في ذلك سنة فذكرت أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد موت زوجها بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏. ‏ وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه من حديث أبي السنابل أن سبيعة وضعت بعد موت زوجها بثلاثة وعشرين يومًا فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ قد حل أجلها‏. ‏ وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من حديث سبيعة نحوه‏. ‏ وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد من حديث المسور بن مخرمة نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود أنه بلغه أن عليًا يقول تعتد آخر الأجلين فقال‏: ‏ من شاء لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة البقرة بكذا وكذا شهرًا‏. ‏ وأخرج عبد بن حميد عنه أنها نسخت ما في البقرة‏. ‏ وأخرج ابن مردويه عنه أنها نسخت سورة النساء الصغرى كل عدة‏. ‏ وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال‏: ‏ نزلت سورة النساء بعد التي في البقرة بسبع سنين‏. ‏ وهذه الأحاديث والآثار مصرحة بأن قوله تعالى ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ عامة في جميع العدد وأن عموم آية البقرة مخصص بها – والحاصل - أن الأحاديث الصحيحة الصريحة حجة لا يمكن التخلص عنها بوجه من الوجوه على فرض عدم اتضاح الأمر باعتبار ما في الكتاب العزيز وأن الآيتين من باب تعارض العمومين مع أنه قد تقرر في الأصول أن الجموع المنكرة لا عموم فيها فلا تكون آية البقرة عامة لأن قوله ويذرون أزواجًا من هذا القبيل فلا إشكال‏. ‏ وحديث أُبيّ بن كعب والزبير بن العوام يدلان على أنها تنقضي عدة المطلقة بالوضع للحمل من الزوج وهو مجمع عليه حكى ذلك في البحر لدخولها تحت عموم قوله تعالى ‏{‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن‏}‏ وإنما تعتد بوضعه حيث لحق وإلا فلا عند الشافعي والهادي وقال أبو حنيفة بل تعتد بوضعه ولو كان من زنا لعموم الآية ى
٨:٣٨ ص



١٥ باب الاعتداد بالأقراء وتفسيرها عن الأسود عن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض‏)‏‏. ‏ رواه ابن ماجه‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خير بريرة فاختارت نفسها وأمرها أن تعتد عدة الحرة‏)‏‏. ‏ رواه الدارقطني‏. ‏ وقد أسلفنا قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في المستحاضة تجلس أيام أقرائها‏. ‏ وروي عن عائشة‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان‏)‏‏. ‏ رواه الترمذي وأبو داود‏. ‏ وفي لفظ‏: ‏ ‏(‏طلاق العبد اثنتان وقرء الأمة حيضتان‏)‏ رواه الدارقطني‏. ‏ وروي عن ابن عمر‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان‏)‏‏. ‏ رواه ابن ماجه والدارقطني وإسناد الحديثين ضعيف والصحيح عن ابن عمر قوله‏: ‏ ‏(‏عدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان‏)‏‏. ‏ حديث عائشة الأول قال الحافظ في بلوغ المرام‏: ‏ رواته ثقات لكنه معلول‏. ‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط‏. ‏ قال في مجمع الزوائد‏: ‏ ورجال أحمد رجال الصحيح ويشهد له ما أخرجه أحمد من حديث بريرة بنحوه والحديث الذي أشار إليه المصنف في المستحاضة تقدم في أبواب الحيض وتقدم في معناه أحاديث‏. ‏ وحديث عائشة الثاني أخرجه أيضًا البيهقي قال أبو داود‏: ‏ هو حديث مجهول وقال الترمذي‏: ‏ حديث غريب ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث اهـ‏. ‏ وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والشافعي وفي إسناده عمرو بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان وصحح الدارقطني الموقوف‏. ‏ وقد ذكر المصنف هذه الأحاديث للاستدلال بها على أن عدة المطلقة ثلاثة أقراء وعلى أن الأقراء هي الحيض أما الأول فهو صريح قوله تعالى ‏{‏والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء‏}‏ وإنما وقع الخلاف في الأقراء المذكورة في الآية هل هي الأطهار أو الحيض فظاهر قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ ‏(‏تعتد بثلاث حيض‏)‏ وقوله‏: ‏ ‏(‏تجلس أقرائها‏)‏ وقوله‏: ‏ ‏(‏وعدتها حيضتان‏)‏ أن الأقراء هي الحيض وقراءة الجمهور قروء بالهمز‏. ‏ وعن نافع بتشديد الواو بغير همز قال الأخفش‏: ‏ أقرأت المرأة إذا صارت ذات حيض‏. ‏ وعن أبي عبيد أن القرء يكون بمعنى الطهر وبمعنى الضم والجمع وجزم به ابن بطال وفي القاموس القرء ويضم الحيض والطهر انتهى‏. ‏ وزعم كثير أن القرء مشترك بين الحيض والطهر وقد أنكر صاحب الكشاف إطلاقه على الطهر‏. ‏ وقال ابن القيم‏: ‏ إن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلا للحيض ولم يجيء عنه في موضع واحد استعماله للطهر فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى بل يتعين فإنه قد قال للمستحاضة دعي الصلاة أيام أقرائك وهو صلى اللّه عليه وآله وسلم المعبر عن اللّه وبلغة قومه نزل القرآن فإذا أورد المشترك في كلامه على أحد معنييه وجب حمله في سائر كلامه عليه إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه البتة ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها وإن كان له معنى آخر في كلام غيره وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته فيتعين حمله عليها في كلامه ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى ‏{‏ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهن‏}‏ وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين والمخلوق في الرحم إنما هو الحيض الوجودي وبهذا قال السلف والخلف ولم يقل أحد أنه الطهر وأيضًا فقد قال سبحانه ‏{‏واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن‏}‏ فجعل كل شهر بإزاء حيضة وعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر والحيض وقد أطال الكلام ابن القيم وأطاب فليراجع‏. ‏ وحكى في البحر عن العترة أن القرء بفتح القاف وضمها حقيقة في الحيض مجاز في الطهر‏. ‏ وعن بعض أصحاب الشافعي عكس ذلك‏. ‏ وعن الأكثر أنه مشترك وعن الأخفش الصغير أنه اسم لانقضاء الحيض ثم قال في البحر ولا خلاف أن المراد بالآية أحدهما لا مجموعهما‏. ‏ قال‏: ‏ فعن أمير المؤمنين علي وابن مسعود وأبي موسى والعترة والحسن البصري والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وأبي حنيفة وأصحابه المراد به في الآية الحيض‏. ‏ وعن ابن عمر وزيد بن ثابت وعائشة والصادق والباقر والإمامية والزهري وربيعة ومالك والشافعي وفقهاء المدينة ورواية عن أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه أنه الأطهار ثم رجح القول الأول واستدل له وقد أخذ بظاهر حديث عائشة وابن عمر المذكورين في الباب الشافعي فقال لا يملك العبد من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة‏. ‏ وقال الناصر وأبو حنيفة إلا اثنتان في الأمة لا في الحرة فكالحر وقالوا كلهم عدة الحرة منه ثلاثة قروء وعدة الأمة قرءان‏. ‏ وذهبت الهادوية وغيرهم أن العبد يملك من الطلاق ما يملكه الحر والعدة منه كالعدة من الحر مطلقًا‏. ‏ وتمسكوا بعموم الأدلة الواردة في ذلك فإنها شاملة للحر والعبد ويجاب بأن ما في الباب مخصص لذلك العموم ويؤيده ما أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن مسعود وابن عباس مرفوعًا الطلاق بالرجال والعدة بالنساء والإعلال بالوقف غير قادح لأن الرفع زيادة‏. ‏ وأيضًا قد روى أحمد عن أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه نحو ذلك‏. ‏ ة
٨:٣٨ ص



١٦ باب إحداد المعتدة عن أم سلمة‏: ‏ ‏(‏أن امرأة توفي زوجها فخشوا على عينها فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال‏: ‏ لا تكتحل كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وعن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة‏: ‏ ‏(‏أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة قالت‏: ‏ دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت‏: ‏ واللّه ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول على المنبر‏: ‏ لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً قالت زينب‏: ‏ ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست منه ثم قالت‏: ‏ واللّه ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول على المنبر‏: ‏ لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً قالت زينب‏: ‏ وسمعت أمي أم سلمة تقول‏: ‏ جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏: ‏ يا رسول اللّه إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لا مرتين أو ثلاثاً كل ذلك يقول لا ثم قال‏: ‏ إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميد‏: ‏ فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب‏: ‏ كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فنقتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره‏)‏‏. ‏ أخرجاه‏. ‏ وعن أم سلمة‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً‏)‏‏. ‏ أخرجاه‏. ‏ واحتج به من لم ير الإحداد على المطلقة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أن امرأة‏)‏ هي عاتكة بنت نعيم بن عبد اللّه كما أخرجه ابن وهب عن أم سلمة والطبراني أيضاً‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لا تكتحل‏)‏ فيه دليل على تحريم الاكتحال على المرأة في أيام عدتها من موت زوجها سواء احتاجت إلى ذلك أم لا‏. ‏ وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره‏: ‏ ‏(‏اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار‏)‏ ولفظ أبي داود‏: ‏ ‏(‏فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار‏)‏‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ ووجه الجمع بينهما أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإذا فعلت مسحته بالنهار وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها وتعقب بأن في حديث الباب المذكور فخشوا على عينها‏. ‏ وفي رواية لابن منده وقد خشيت على بصرها‏. ‏ وفي رواية لابن حزم إني أخشى أن تنفقئ عينها قال لا وإن انفقأت‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وسنده صحيح ولهذا قال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقاً وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه وبه قالت الشافعية مقيداً بالليل وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به لأن التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر فيما فيه زينة وقالت طائفة من العلماء‏: ‏ يجوز ذلك ولو كان فيه طيب وحملوا النهي على التنزيه جمعاً بين الأدلة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏في شر أحلاسها‏)‏ المراد بالأحلاس الثياب وهي بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون وهو الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أو شر بيتها‏)‏ هو أضعف موضع فيه كالأمكنة المظلمة فيه ونحوها والشك من الراوي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فمر كلب رمت ببعرة‏)‏ البعرة بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة ويجوز فتحها‏. ‏ وفي رواية مطرف وابن ماجشون عن مالك‏: ‏ ‏(‏ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل‏)‏ فترمي بها أمامها فيكون ذلك إحلالاً لها‏. ‏ وظاهر رواية الباب أن رميها بالبعرة يتوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وبه جزم بعض الشراح‏. ‏ وقيل ترمي بها من عرض من كلب أو غيره ترى من حضرها أن مقامها حولاً أهون عليها من بعرة ترمي بها كلباً أو غيره‏. ‏ واختلف في المراد برمي البعرة فقيل هو إشارة إلى أنها رمت العدة برمي البعرة‏. ‏ وقيل إشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه كان بمنزلة البعرة التي رمتها استحقاراً له وتعظيماً لحق زوجها‏. ‏ وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل لعدم عودها إلى مثل ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏حتى تمضي أربعة أشهر وعشر‏)‏ قيل الحكمة في ذلك أنها تكمل خلقة الولد وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوماً وهي زيادة على أربعة أشهر لنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط وذكر العشر مؤنثاً لإرادة الليالي والمراد مع أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة‏. ‏ وعن الأوزاعي وبعض السلف تنقضي بمضي الليال العشر بعد الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها ويعارض أحاديث الباب ما أخرجه أحمد وابن حبان وصححه من حديث أسماء بنت عميس قال‏: ‏ دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال‏: ‏ لا تحدي بعد يومك هذا وسيأتي‏. ‏ قال العراقي في شرح الترمذي‏: ‏ ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بالاتفاق وهي والدة أولاده‏. ‏ قال‏: ‏ بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة وقد أجمعوا على خلافه‏. ‏ وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ وأن الإحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم وقع الأمر بالإحداد أربعة أشهر وعشراً واستدل على النسخ بأحاديث الباب وليس فيها ما يدل على ذلك وقيل المراد بالإحداد للقيد بالثلاث قدر زائد على الإحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها فنهاها عن ذلك بعد الثلاث ويحتمل أنها كانت حاملاً فوضعت بعد ثلاث فانقضت عدتها ويحتمل أنه أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد وقد أعل البيهقي الحديث بالانقطاع فقال لم يثبت سماع عبد اللّه بن شداد من أسماء وتعقب بأنه قد صححه أحمد وقد ورد معنى حديث أسماء من حديث ابن عمر بلفظ‏: ‏ ‏(‏لا إحداد فوق ثلاث‏)‏ قال أحمد‏: ‏ هذا منكر والمعروف عن ابن عمر من رأيه ويحتمل أن يكون هذا لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لا يحل‏)‏ استدل بذلك تحريم الإحداد على غير الزوج وهو ظاهر وعلى وجوب الإحداد على المرأة التي مات زوجها وتعقب بأن الاستثناء وقع بعد النفي وهو يدل على مجرد الجواز لا الوجوب ورد بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع وتعقب بأن المنقول عن الحسن البصري أن الإحداد لا يجب كما أخرجه عنه ابن أبي شيبة وروي أيضاً عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد وقيل إن السياق دال على الوجوب‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لامرأة‏)‏ تمسك بمفهومه الحنفية فقالوا لا يجب الإحداد على الصغيرة وخالفهم الجمهور فأوجبوه عليها كالعدة وأجابوا عن التقييد بالمرأة بأنه خرج مخرج الغالب وظاهر الحديث عدم الفرق بين المدخولة وغيرها والحرة والأمة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏تؤمن باللّه واليوم الآخر‏)‏ استدل به الحنفية وبعض المالكية على عدم وجوب الإحداد على الذمية وخالفهم الجمهور وأجابوا بأنه ذكر للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له وقال النووي‏: ‏ التقييد بوصف الإيمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع ورجح ابن دقيق العيد الأول وقد أجاب ابن القيم في الهدى عن هذا التقييد بما فيه كفاية فراجعه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏تحد‏)‏ بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي ويجوز بفتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي قال أهل اللغة‏: ‏ أصل الإحداد المنع ومنه تسمية البواب حداداً لمنعه الداخل وتسمية حداً لأنها تردع عن المعصية قال ابن درستويه‏: ‏ معنى الإحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها‏. ‏ وحكى الخطابي أنه يروى بالجيم والحاء والحاء أشهر وهو بالجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته فكأن المرأة انقطعت عن الزينة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏على ميت‏)‏ استدل به من قال إنه لا إحداد على امرأة المفقود لعدم تحقق وفاته خلافاً للمالكية وظاهره أنه لا إحداد على المطلقة فأما الرجعية فإجماع وأما البائنة فلا إحداد عليها عند الجمهور وقال أبو حنيفة وأبو عبيد وأبو ثور وبعض المالكية والشافعية وحكاه أيضاً في البحر عن أمير المؤمنين علي وزيد بن علي والمنصور باللّه والثوري والحسن بن صالح أنه يلزمها الإحداد والحق الاقتصار على مورد النص عملاً بالبراءة الأصلية فيما عداه فمن ادعى وجوب الإحداد على غير المتوفى عنها فعليه الدليل وأما المطلقة قبل الدخول فقال في الفتح‏: ‏ إنه لا إحداد عليها اتفاقاً‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فوق ثلاث‏)‏ فيه دليل على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية وأما ما أخرجه أو داود في المراسيل من حديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام فلو صح لكان مخصصاً للأب من هذا العموم لكنه مرسل وأيضاً عمرو بن شعيب ليس من التابعين حتى يدخل حديثه في المرسل وقال الحافظ‏: ‏ يحتمل أن أبا داود لا يخص المرسل برواية التابعي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏واللّه ما لي بالطيب من حاجة‏)‏ إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وقد اشتكت عينها‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏: ‏ يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل ويرجح الأول أنه وقع في مسلم عيناها وعليها اقتصر النووي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أفنكحلها‏)‏ بضم الحاء‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏حفشا‏)‏ بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة فسره أبو داود في روايته من طريق مالك أنه البيت الصغير‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فتقتض به‏)‏ بفاء ثم مثناة من فوق ثم قاف ثم مثناة فوقية ثم ضاد معجمة فسره مالك بأنها تمسح به جلدها وفي النهاية فرجها وأصل القض الكسر أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما فعلت بالدابة وفي رواية للنسائي تقبص بعد القاف باء موحدة ثم صاد مهملة والقبص الأخذ بأطراف الأنامل قال الأصبهاني وابن الأثير‏: ‏ هو كناية عن الإسراع أي تذهب بسرعة إلى منزل أبويها لكثرة جفائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى الأزواج لبعد عهدها قال ابن قتيبة‏: ‏ سألت الحجازيين عن الاقتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفراً ولا تزيل شعراً ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تقتض أي تكسر ما كانت فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها فلا يكاد يعيش ما تقتض به‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ وهذا لا يخالف تفسير مالك لكنه أخص منه لأنه أطلق الجلد فتبين أن المراد به جلد القبل والافتضاض بالفاء الاغتسال بالماء العذب لإزالة الوسخ حتى تصير بيضاء نقية كالفضة ة
٨:٣٩ ص



١٧ باب ما تجتنب الحادّة وما رخص لها فيه عن أم عطية قالت‏: ‏ ‏(‏كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار‏)‏‏. ‏ أخرجاه‏. ‏ وفي رواية قالت‏: ‏ ‏(‏قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر تحد فوق ثلاث إلا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار‏)‏ متفق عليه‏. ‏ وقال فيه أحمد ومسلم‏: ‏ ‏(‏لا تحد على ميت فوق ثلاث إلا المرأة فإنها تحد أربعة أشهر وعشراً‏)‏‏. ‏ وعن أم سلمة‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏. ‏ وعن أم سلمة قالت‏: ‏ ‏(‏دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت علي صبراً فقال‏: ‏ ما هذا يا أم سلمة فقلت‏: ‏ إنما هو صبر يا رسول اللّه ليس فيه طيب قال‏: ‏ إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قالت‏: ‏ قلت بأي شيء أمتشط يا رسول اللّه قال‏: ‏ بالسدر تغلفين به رأسك‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود والنسائي‏. ‏ وعن جابر قال‏: ‏ ‏(‏طلقت خالتي ثلاثاً فخرجت تجد نخلاً لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال‏: ‏ اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي‏. ‏ وعن أسماء بنت عميس قالت‏: ‏ ‏(‏لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ تسلبي ثلاثاً ثم اصنعي ما شئت‏)‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏قالت‏: ‏ دخل عليَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال‏: ‏ لا تحد بعد يومك هذا‏)‏‏. ‏ رواهما أحمد وهو متأول على المبالغة في الإحداد والجلوس للتعزية‏. ‏ - حديث أم سلمة الأول قال البيهقي‏: ‏ روي موقوفاً والمرفوع من رواية إبراهيم ابن طهمان وهو ثقة من رجال الصحيحين وقد ضعفه ابن حزم ولا يلتفت إلى ذلك فإن الدارقطني قد جزم بأن تضعيف من ضعفه إنما هو من قبل الإرجاء‏. ‏ وقد قيل إنه رجع عن ذلك‏. ‏ وحديثها الثاني أخرجه أيضاً الشافعي وفي إسناده المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولى لها عن أم سلمة وقد أعله عبد الحق والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه قال الحافظ‏: ‏ وأعل بما في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة‏: ‏ ‏(‏سمعت أم سلمة تقول‏: ‏ جاءت امرأة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏: ‏ يا رسول اللّه إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها‏)‏ الحديث وقد تقدم وقد حسن إسناد حديثها المذكور في الباب الحافظ في بلوغ المرام‏. ‏ وحديث أسماء بنت عميس أخرجه ابن حبان وصححه وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبل هذا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ننهى‏)‏ بضم أوله‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ولا نكتحل‏)‏ قد تقدم الكلام عليه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ولا نتطيب‏)‏ فيه تحريم الطيب على المعتدة وهو كل ما يسما طيباً ولا خلاف في ذلك وقد استثنى صاحب البحر اللينوفر والبنفسج والعرار وعلل ذلك بأنها ليست بطيب ثم قال أما البنفسج ففيه نظر‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب‏)‏ بمهملتين مفتوحتين ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالإضافة برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوباً فيخرج موشى لبقاء ما عصب منه أبيض لم ينصبغ وإنما ينصبغ السدى دون اللحمة‏. ‏ وقال السهيلي‏: ‏ إن العصب نبات لا ينبت إلا باليمن وهو غريب وأغرب منه قول الداودي إن المراد بالثوب العصب الخضرة وهي الحبرة‏. ‏ قال ابن المنذر‏: ‏ أجمع العلماء أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن‏. ‏ وقال الإمام يحيى‏: ‏ لها لبس البياض والسواد والأكهب وما بلي صبغه والخاتم والزقر والودع‏. ‏ وكره عروة العصب أيضاً وكره مالك غليظه قال النووي‏: ‏ الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقاً والحديث حجة عليهم‏. ‏ قال النووي‏: ‏ ورخص أصحابنا ما لا يتزين به ولو كان مصبوغاً واختلف في الحرير فالأصح عند الشافعية منعه مطلقاً مصبوغاً أو غير مصبوغ لأنه من ثياب الزينة وهي ممنوعة منها‏. ‏ قال في البحر‏: ‏ مسألة ويحرم من اللباس المصبوغ للزينة ولو بالمغرة والحرير وما في منزلته لحسن صنعته والمطرز والمنقوش بالصبغ والحلي جميعاً‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ وفي التحلي بالذهب والفضة واللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه وفيه نظر لأنه من الزينة ويصدق عليه أيضاً اسم الحلي المنهي عنه في حديث أم سلمة المذكور‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏في نبذة‏)‏ بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمة وهي القطعة من الشيء وتطلق على الشيء اليسير‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏من كست أظفار‏)‏ بضم الكاف وسكون المهملة وبعدها مثناة فوقية وفي رواية من قسط بقاف مضمومة كما في الرواية الأخرى المذكورة وهو بالإضافة إلى أظفار وفي الرواية الأخرى من قسط أو أظفار وهو أصوب وخطأ القاضي عياض رواية الإضافة‏. ‏ قال النووي‏: ‏ القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب‏. ‏ وقال البخاري‏: ‏ القسط والكست مثل الكافور والقافور انتهى‏. ‏ وروي كسط بالطاء بإبدال الكاف من القاف‏. ‏ قال في النهاية‏: ‏ وقد تبدل الكاف من القاف وقد استدل بهذا على أنه يجوز للمرأة استعمال ما فيه منفعة من جنس ما منعت منه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ولا الممشقة‏)‏ أي المصبوغة بالمشق وهو المغرة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏يشب الوجه‏)‏ بفتح أوله وضم الشين المعجمة أي يجمله‏. ‏ وظاهر حديث أم سلمة هذا أنه يجوز للمرأة المعتدة عن موت أن تجعل على وجهها الصبر بالليل وتنزعه بالنهار لأنه يحسن الوجه فلا يجوز فعله في الوقت الذي تظهر فيه الزينة وهو النهار ويجوز فعله بالليل لأنها لا تظهر فيه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء‏)‏ فيه دليل على أنه لا يجوز للمرأة أن تمتشط بشيء من الطيب أو بما فيه زينة كالحناء ولكنها تمتشط بالسدر‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏تغلفين به رأسك‏)‏ الغلاف في الأصل الغشاوة وتغليف الرأس أن يجعل عليه من الطيب أو السدر ما يشبه الغلاف‏. ‏ قال في القاموس‏: ‏ تغلف الرجل واغتلف حصل له غلاف‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏تجد‏)‏ بفتح أوله وضم الجيم بعدها دال مهملة أي تقطع نخلاً لها وظاهر أذنه صلى اللّه عليه وآله وسلم لها بالخروج لجد النخل يدل على أنه يجوز لها الخروج لتلك الحاجة ولما يشابهها بالقياس‏. ‏ وقد بوب النووي لهذا الحديث فقال‏: ‏ باب جواز خروج المعتدة البائن من منزلها في النهار للحاجة إلى ذلك ولا يجوز لغير حاجة وقد ذهب إلى ذلك علي رضي اللّه عنه وأبو حنيفة والقاسم والمنصور باللّه ويدل على اعتبار الغرض الديني أو الدنيوي تعليله صلى اللّه عليه وآله وسلم ذلك بالصدقة أو فعل الخير ولا معارضة بين هذا الحديث وبين قوله تعالى ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن‏}‏ الآية بل الحديث مخصص لذلك العموم المشعور به من النهي فلا يجوز الخروج إلا للحاجة لغرض من الأغراض‏. ‏ وذهب الثوري والليث ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنه يجوز لها الخروج في النهار مطلقا وتمسكوا بظاهر الحديث وليس فيه ما يدل على اعتبار الحاجة وغايته اعتبار أن يكون الخروج لقربة من القرب كما يدل على ذلك آخر الحديث ومما يؤيد مطلق الجواز في النهار القياس على المتوفى عنها كما سيأتي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏تسلبي‏)‏ بفتح أوله وبعده سين مهملة مفتوحة وتشديد اللام أي البسي السلاب وهو ثوب الإحداد وقيل هو ثوب أسود تغطي به رأسها وقد قدمنا الكلام على حديث أسماء هذا وكيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بوجوب الإحداد ة
٨:٤٠ ص



١٨ باب أين تعتد المتوفى عنها عن فريعة بنت مالك قالت‏: ‏ ‏(‏خرج زوجي في طلب علاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقلت إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً لورثته وليس المسكن له فلو تحولت إلي أهلي وأخوتي لكان أرفق لي في بعض شأني قال‏: ‏ تحولي فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال‏: ‏ امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت‏: ‏ فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً قالت‏: ‏ وأرسل إليَّ عثمان فأخبرته فأخذ به‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة وصححه الترمذي ولم يذكر النسائي وابن ماجه إرسال عثمان‏. ‏ وعن عكرمة عن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏في قوله تعالى ‏{‏والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج‏}‏ نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض اللّه لها من الربع والثمن ونسخ أجل الحول إن جعل أجلها أربعة أشهر وعشراً‏)‏‏. ‏ رواه النسائي وأبو داود حديث فريعة أخرجه أيضاً مالك في الموطأ والشافعي والطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه وأعله ابن حزم وعبد الحق بجهالة حال زينب بنت كعب بن عجرة الرواية له عن الفريعة وأجيب بأن زينب المذكورة وثقها الترمذي وذكرها ابن فتحون وغيره في الصحابة وأما ما روي عن علي بن المديني بأنه لم يرو عنها غير سعد بن إسحاق فمردود بما في مسند أحمد من رواية سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب في فضل الإمام علي رضي اللّه عنه وقد أعل الحديث أيضاً بأن في إسناده سعد بن إسحاق وتعقبه ابن القطان بأنه قد وثقه النسائي وابن حبان انتهى‏. ‏ ووثقه أيضاً يحيى بن معين والدارقطني وقال أبو حاتم‏: ‏ صالح الحديث وروى عنه جماعة من أكابر الأئمة ولم يتكلم فيه بجرح وغاية ما قاله فيه ابن حزم وعبد الحق أنه غير مشهور وهذه دعوى باطلة فإن من يروي عنه مثل سفيان الثوري وحماد بن زيد ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد والدراوردي وابن جريج والزهري مع كونه أكبر منه وغير هؤلاء الأئمة كيف يكون غير مشهور‏. ‏ وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال ولكنه قد رواه النسائي من غير طريقه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏عن فريعة‏)‏ بضم الفاء وفتح الراء وبعدها تحتية ساكنة ثم عين مهملة ويقال لها الفارعة وهي بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري وشهدت بيعة الرضوان وقد استدل بحديثها هذا على أن المتوفى عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر وأخرجه أيضاً سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عبد اللّه وسعيد بن المسيب وعطاء وأخرجه حماد عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد قال ابن عبد البر‏: ‏ وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ولم يطعن فيه أحد منهم وقد روي جواز خروج المتوفى عنها للعذر عن جماعة منهم عمر أخرج عنه ابن أبي شيبة أنه رخص للمتوفى عنها أن تأتي أهلها بياض يومها‏. ‏ وأن زيد بن ثابت رخص لها في بياض يومها وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان له ابنة تعتد من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتحدث إليهم فإذا كان بالليل أمرها أن ترجع إلى بيتها‏. ‏ وأخرج أيضاً عن ابن مسعود في نساء نعي إليهن أزواجهن وتشكين الوحشة فقال ابن مسعود‏: ‏ يجتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل‏. ‏ وأخرج سعيد بن منصور عن علي رضي اللّه عنه أنه جوز للمسافرة الانتقال‏. ‏ وروى الحجاج بن منهال أن امرأة سألت أم سلمة بأن أباها مريض وأنها في عدة وفاة فأذنت لها في وسط النهار‏. ‏ وأخرج الشافعي وعبد الرزاق عن مجاهد مرسلاً أن رجالاً استشهدوا بأحد فقال نساؤهم‏: ‏ يا رسول اللّه إنّا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا فأذن لهن أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها وحكى في البحر عن علي رضي اللّه عنه وابن عباس وعائشة وجابر والقاسمية أنه يجوز لها الخروج من موضع عدتها لقوله ‏{‏يتربصن‏}‏ ولم يخص مكاناً والبيان لا يؤخر عن الحاجة‏. ‏ وعن زيد بن علي والشافعية والحنفية أنه لا يجوز ثم قال‏: ‏ فرع ولها الخروج نهاراً ولا تبيت إلا في منزلها إجماعاً انتهى‏. ‏ وحكاية الإجماع راجعة إلى مبيتها في منزلها لا إلى الخروج نهاراً فإنه محل الخلاف كما عرفت‏. ‏ وحديث فريعة لم يأت من يخالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين ولا حجة في أقوال أفراد الصحابة ومرسل مجاهد لا يصلح للاحتجاج به على فرض انفراده عند من لم يقبل المراسيل مطلقاً وأما إذا عارضه مرفوع أصح منه كما في مسألة النزاع فلا يحل التمسك به بإجماع من يعتد به من أهل العلم وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور في الباب من قال إن المتوفى عنها لا تستحق السكنى والنفقة والكسوة قال الشافعي‏: ‏ حفظت عمن أرضى به من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها زوجها وكسوتها حولاً منسوختان بآية الميراث ولم أعلم مخالفاً في نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة أو أقل من سنة ثم قال ما معناه‏: ‏ إنه يحتمل أن يكون حكم السكنى حكمهما لكونها مذكورة معهما ويحتمل أنها تجب لها السكنى وقال الشافعي أيضاً في كتاب العدد‏: ‏ الاختيار لورثة الميت إن يسكنوها لأن قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في حديث فريعة امكثي في بيتك وقد ذكرت أنه لا بيت لزوجها يدل على وجوب سكناها في بيت زوجها إذا كان له بيت بالطريق الأولى وأجيب الاستدلال بحديث ابن عباس بأن نسخ بعض المدة إنما يستلزم نسخ نفقة المنسوخ وكسوته وسكناه دون ما لم ينسخ وهو أربعة أشهر وعشر وأجيب عن الاستدلال بحديث فريعة بأنه مخالف للقياس لأنها قالت‏: ‏ وليس المسكن له ولم يدع نفقة ولا مالاً فأمرها بالوقوف فيما لا يملكه زوجها وملك الغير لا يستحق غيره الوقوف فيه فيكون ذلك قضية عين موقوفة‏. ‏ وقد حكى في البحر القول بوجوب نفقة المتوفى عنها عن ابن عمر والهادي والقاسم والناصر والحسن بن صالح وعدم الوجوب عند الشافعية والحنفية ومالك والوجوب للحامل لا الحائل عن مولانا علي رضي اللّه عنه وابن مسعود وأبي هريرة وشريح وابن أبي ليلى‏. ‏ وحكي أيضاً القول بوجوب السكنى عن ابن عمر وأم سلمة ومالك والإمام يحيى والشافعي وعدمه عن مولانا علي رضي اللّه عنه وعمر وابن مسعود وعثمان وعائشة وأبي حنيفة وأصحابه‏. ‏ وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ ‏(‏إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة‏)‏ وفي لفظ آخر‏: ‏ ‏(‏إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى‏)‏ وسيأتي هذا الحديث في باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية وهو نص في محل النزاع والقرآن والسنة إنما دلا على أنه يجب على المتوفى عنها لزومها لبيتها وذلك تكليف لها‏. ‏ وحديث الفريعة إنما دل على هذا فهو واضح في أن السكنى والنفقة ليستا من تكليف الزوج ويؤيد هذا أن الذي في القرآن في سورة الطلاق هو إيجاب النفقة لذات الحمل لا غير وفي البقرة إيجابها للمطلقات وقد خرج من عمومهن البائنة بحديث فاطمة بنت قيس إلا أن تكون حاملاً لذكر ذلك في حديثها كما سيأتي وخرجت أيضاً المطلقة قبل الدخول بآية الأحزاب فخرجت المتوفى عنها من ذلك وكذلك لا سكنى لها لأن قوله تعالى ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن‏}‏ وقوله ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم‏}‏ في الرجعيات لظاهر السياق كما سيأتي تحقيق ذلك‏. ‏ إذا تقرر هذا علمت أنه لم يكن في القرآن ما يدل على وجوب النفقة والسكنى للمتوفى عنها كما علمت أن السنة قاضية بعدم الوجوب‏. ‏ وأما حديث الفريعة وحديث ابن عباس فقد استدل بهما من قال بعدم الوجوب كما استدل بهما من قال بالوجوب لما فيهما من الاحتمال والمحتمل لا تقوم به الحجة وقد أطال صاحب الهدى الكلام في هذه المسألة وحرر فيها المذاهب تحريراً نفيساً فمن رام الوقوف على تفاصيلها فليراجعه ة
٨:٤١ ص



١٩ باب ما جاء في نفقة المبتوتة وسكناها‏‏ عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في المطلقة ثلاثاً قال‏: ‏ ليس لها سكنى ولا نفقة‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم‏. ‏ وفي رواية عنها قالت‏: ‏ ‏(‏طلقني زوجي ثلاثاً فلم يجعل لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم سكنى ولا نفقة‏)‏ رواه الجماعة إلا البخاري‏. ‏ وفي رواية عنها أيضاً قالت‏: ‏ ‏(‏طلقني زوجي ثلاثاً فأذن لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أعتد في أهلي‏)‏ رواه مسلم‏. ‏ وعن عروة بن الزبير أنه قال لعائشة‏: ‏ ‏(‏ألم تري إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت فقالت‏: ‏ بئسما صنعت فقال‏: ‏ ألم تسمعي إلى قول فاطمة فقالت‏: ‏ أما إنه لا خير لها في ذلك‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏أن عائشة عابت ذلك أشد العيب وقالت‏: ‏ إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه‏. ‏ عن فاطمة بنت قيس قالت‏: ‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه زوجي طلقني ثلاثاً وأخاف أن يقتحم عليَّ فأمرها فتحولت‏)‏‏. ‏ رواه مسلم والنسائي‏. ‏ وعن الشعبي أنه حدث بحديث فاطمة بنت قيس‏: ‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة فأخذ الأسود بن يزيد كفاً من حصى فحصبه به وقال‏: ‏ ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر‏: ‏ لا نترك كتاب اللّه وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت‏)‏‏. ‏ رواه مسلم‏. ‏ وعن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة قال‏: ‏ ‏(‏أرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة فسألها فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة وكان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمَّر الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه على بعض اليمن فخرج معه زوجها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها وأمر عياش ابن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا‏: ‏ واللّه ما لها نفقة إلا أن تكون حاملاً فأتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏: ‏ لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً واستأذنته في الانتقال فأذن لها فقالت‏: ‏ أين أنتقل يا رسول اللّه فقال‏: ‏ عند أم مكتوم وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أسامة فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره ذلك فقال مروان‏: ‏ لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها ذلك‏: ‏ بيني وبينكم كتاب اللّه قال اللّه‏: ‏ ‏{‏فطلقوهن لعدتهن‏}‏ حتى قال‏: ‏ ‏{‏لا ندري لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمراً‏}‏ فأي أمر يحدث بعد الثلاث‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود والنسائي ومسلم بمعناه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ألم تري إلى فلانة بنت الحكم‏)‏ اسمها عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم فهي بنت أخي مروان بن الحكم ونسبها عروة في هذه الرواية إلى جدها‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏بئسما صنعت‏)‏ في رواية للبخاري‏: ‏ ‏(‏بئسما صنع‏)‏ أي زوجها في تمكينها من ذلك أو أبوها في موافقتها‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أما إنه لا خير لها في ذلك‏)‏ كأنها تشير إلى أن سبب الإذن في انتقال فاطمة ما في الرواية الثانية المذكورة من أنها كانت في مكان وحش أو إلي ما وقع في رواية لأبي داود إنما كان ذلك من سوء الخلق‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وحش‏)‏ بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة أي مكان لا أنيس به‏. ‏ وقد استدل بأحاديث الباب من قال إن المطلقة بائناً لا تستحق على زوجها شيئاً من النفقة والسكنى وقد ذهب إلى ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم وحكاه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والإمامية والقاسم وذهب الجمهور كما حكى ذلك صاحب الفتح عنهم إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم‏}‏ ولإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى ‏{‏وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن‏}‏ فإن مفهومه أن غير الحامل لا نفقة لها وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة‏. ‏ وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة من الحنفية وغيرهم والناصر والإمام يحيى إلى وجوب النفقة والسكنى واستدلوا بقوله تعالى ‏{‏يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا اللّه ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن‏}‏ فإن آخر الآية وهو النهي عن إخراجهن يدل على وجوب النفقة والسكنى ويؤيده قوله تعالى ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم‏}‏ الآية وذهب الهادي والمؤيد باللّه وحكاه في البحر عن أحمد بن حنبل إلى أنها تستحق النفقة دون السكنى واستدلوا على وجوب النفقة بقوله تعالى ‏{‏وللمطلقات متاع بالمعروف‏}‏ الآية وبقوله تعالى ‏{‏لا تضاروهن‏}‏ وبأن الزوجة المطلقة بائناً محبوسة بسبب الزوج واستدلوا على عدم وجوب السكنى بقوله تعالى ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم‏}‏ فإنه أوجب أن تكون حيث الزوج وذلك لا يكون في البائنة وأرجح هذه الأقوال الأول لما في الباب من النص الصحيح الصريح وأما ما قيل من أنه مخالف للقرآن فوهم فإن الذي فهمه السلف من قوله تعالى ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن‏}‏ هو ما فهمته فاطمة من كونه في الرجعية لقوله في آخر الآية ‏{‏لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمراً‏}‏ لأن الأمر الذي يرجى إحداثه هو الرجعة لا سواه وهو الذي حكاه الطبري عن قتادة والحسن والسدي والضحاك ولم يحكِ عن أحد غيرهم خلافه‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ وحكى غيره أن المراد بالأمر ما يأتي من قبل اللّه تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر انتهى‏. ‏ ولو سلم العموم في الآية لكان حديث فاطمة المذكور مخصصاً له وبذلك يظهر أن العمل به ليس يترك للكتاب العزيز كما قال عمر فيما أخرجه عنه مسلم لما أخبر بقول فاطمة المذكور لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أم نسيت‏. ‏ فإن قلت إن قوله وسنة نبينا يدل على أنه قد حفظ في ذلك شيئاً من السنة يخالف قول فاطمة لما تقرر إن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع قلت صرح الأئمة بأنه لم يثبت شيء من السنة يخالف قول فاطمة وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال‏: ‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ لها السكنى والنفقة‏)‏ فقد قال الإمام أحمد لا يصح ذلك عن عمر وقال الدارقطني‏: ‏ السنة بيد فاطمة قطعاً وأيضاً تلك الرواية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد موت عمر بسنتين قال العلامة ابن القيم‏: ‏ ونحن نشهد باللّه شهادة نسئل عنها إذا لقيناه أن هذا كذب على عمر وكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وينبغي أن لا يحمل الإنسان فرط الانتصار للمذاهب والتعصب على معارضة السنن النبوية الصريحة الصحيحة بالكذب البحت فلو يكون هذا عند عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لخرست فاطمة وذووها ولم ينبزوا بكلمة ولا دعت فاطمة إلى المناظرة انتهى‏. ‏ فإن قلت أن ذلك القول من عمر يتضمن الطعن على رواية فاطمة لقوله لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت قلت هذا مطعن باطل بإجماع المسلمين للقطع بأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر المرأة لكونها امرأة فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة ولم ينقل أيضاً عن أحد من المسلمين أنه يرد الخبر بمجرد تجويز نسيان ناقله ولو كان ذلك مما يقدح به لم يبقى حديث من الأحاديث النبوية إلا وكان مقدوحاً فيه لأن تجويز النسيان لا يسلم منه أحد فيكون ذلك مفضياً إلى تعطيل السنن بأسرها مع كون فاطمة المذكورة من المشهورات بالحفظ كما يدل على ذلك حديثها الطويل في شأن الدجال ولم تسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا مرة واحدة يخطب به على المنبر فوعته جميعه فكيف يظن بها أن تحفظ مثل هذا وتنسى أمراً متعلقاً بها مقترناً بفراق زوجها وخروجها من بيته واحتمال النسيان أمر مشترك بينها وبين من اعترض عليها فإن عمر قد نسي تيمم الجنب وذكره عمارة فلم يذكر ونسي قوله تعالى ‏{‏وآتيتم إحداهن قنطاراً‏}‏ حتى ذكرته امرأة ونسي ‏{‏إنك ميت وإنهم ميتون‏}‏ حتى سمع أبا بكر يتلوها وهكذا يقال في إنكار عائشة وهكذا قول مروان سنأخذ بالعصمة وهكذا إنكار الأسود بن يزيد على الشعبي لما سمعه يحدث بذلك ولم يقل أحد منهم أن فاطمة كذبت في خبرها وأما دعوى أن سبب خروجها كان لفحش في لسانها كما قال مروان لما حدث بحديثها إن كان بكم شر فحسبكم ما بين هذين من الشر يعني أن خروج فاطمة كان لشر في لسانها فمع كون مروان ليس من أهل الانتقاد على أجلاء الصحابة والطعن فيهم فقد أعاذ اللّه فاطمة عن ذلك الفحش الذي رماها به فإنها من خيرة نساء الصحابة فضلاً وعلماً ومن المهاجرات الأولات ولهذا ارتضاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لحبه وابن حبه أسامة وممن لا يحملها رقة الدين على فحش اللسان الموجب لإخراجها من دارها ولو صح شيء من ذلك لكان أحق الناس بإنكار ذلك عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً‏)‏ فيه دليل على وجوب النفقة للمطلقة بائناً إذا كانت حاملاً ويدل بمفهومه على أنها لا تجب لغيرها ممن كان على صفتها في البينونة فلا يرد ما قيل أنه يدخل تحت هذا المفهوم المطلقة الرجعية إذا تكن حاملاً ولو سلم الدخول لكان الإجماع على وجوب نفقة الرجعية مطلقاً مخصصاً لعموم ذلك المفهوم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏واستأذنته في الانتقال فأذن لها‏)‏ فيه دليل على أنه يجوز للمطلقة بائناً الانتقال من المنزل الذي وقع عليها الطلاق البائن وهى فيه فيكون مخصصاً لعموم قوله تعالى ‏{‏ولا يخرجن‏}‏ كما خصص ذلك حديث جابر المتقدم في باب ما تجتنب الحادة ولا يعارض هذا حديث الفريعة المتقدم لأنه في عدة الوفاة وقد قدمنا الخلاف في جواز الخروج وعدمه للمطلقة بائناً ة
٨:٤١ ص



٢٠ باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية عن فاطمة بنت قيس قالت‏: ‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت إن زوجي فلاناً أرسل إليَّ بطلاق وإني سألت أهله النفقة والسكنى فأبوا علي قالوا يا رسول اللّه إنه أرسل إليها بثلاث تطليقات قالت‏: ‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والنسائي وفي لفظ‏: ‏ ‏(‏إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم تكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى‏)‏ رواه أحمد‏. ‏ الحديث تفرد برفعه مجالد بن سعيد وهو ضعيف كما بينه الخطيب في المدرج وقد تابعه في رفعه بعض الرواة قال في الفتح‏: ‏ ولكنه أضعف من مجالد وهو في أكثر الروايات موقوف عليها والرفع زيادة يتعين قبولها كما بيناه في غير موضع ورواية الضعيف مع الضعيف توجب الارتفاع عن درجة السقوط إلى درجة الاعتبار‏. ‏ والحديث يدل بمنطوقه على وجوب النفقة والسكنى على الزوج للمطلقة رجعياً وهو مجمع عليه بمفهومه على عدم وجوبهما لمن عداها إلا إذا كانت حاملاً لما تقدم في الباب الأول وقد قدمنا تحقيق ذلك فلا نعيده ة
٨:٤٢ ص



٢١ باب استبراء الأمة إذا ملكت عن أبي سعيد‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في سبي أوطاس‏: ‏ لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ وعن أبي الدرداء‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه أتى على امرأة مجح على باب فسطاط فقال‏: ‏ لعله يريد أن يلم بها فقالوا‏: ‏ نعم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له ‏كيف يستخدمه وهو لا يحل له‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أبو داود الطيالسي وقال‏: ‏ ‏(‏كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يسترقه وهو لا يحل له‏)‏ والمجح هي المرأة الحامل المقرب‏. ‏ حديث أبي سعيد أخرجه أيضاً الحاكم وصححه وإسناده حسن وهو عند الدارقطني من حديث ابن عباس وأعل بالإرسال‏. ‏ وعند الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف‏. ‏ وأخرج الترمذي من حديث العرباض بن سارية‏: ‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن‏)‏ وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة من حديث علي بلفظ‏: ‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إن توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة‏)‏ وفي إسناده ضعف وانقطاع‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أوطاس‏)‏ هو واد في ديار هوازن قال القاضي عياض‏: ‏ وهو موضع الحرب بحنين وبه قال بعض أهل السير‏. ‏ قال الحافظ‏: ‏ والراجح أن وادي أوطاس غير وادي حنين وهو ظاهر كلام ابن إسحاق في السيرة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏مجح‏)‏ بضم الميم ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة وهي الحامل التي قد قاربت الولادة على ما فسره المصنف‏. ‏ والحديثان يدلان على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حاملاً حتى تضع حملها‏. ‏ والحديث الأول منهما يدل أيضاً على أنه يحرم على الرجل أن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حائلاً حتى تستبرأ بحيضة وقد ذهب إلى ذلك العترة والشافعية والحنفية والثوري والنخعي ومالك‏. ‏ وظاهر قوله ولا غير حامل أنه يجب الاستبراء للبكر ويؤيده القياس على العدة فإنها تجب مع العلم ببراءة الرحم‏. ‏ وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الاستبراء إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه قال‏: ‏ إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء وهو في صحيح البخاري عنه وسيأتي ويؤيد هذا حديث رويفع الآتي فإن قوله فيه فلا ينكحن ثيباً من السبايا حتى تحيض يرشد إلى ذلك ويؤيده أيضاً حديث علي الأتي قريباً فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله ولا غير حامل أو مقيداً له‏. ‏ وقد روي ذلك عن مالك قال المازري من المالكية‏: ‏ القول الجامع في ذلك أن كل أمة أمن عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء وكل من غلب على الظن أنها حامل أو شك في حملها أو تردد فيه فالاستبراء لازم فيها وكل من غلب على الظن براءة رحمها لكنه يجوز حصوله فإن المذهب فيه على وجهين في ثبوت الاستبراء وسقوطه ومن القائلين بأن الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب وحيث لا يعلم ولا يظن يجب أبو العباس ابن سريج وأبو العباس ابن تيمية وابن القيم ورجحه جماعة من المتأخرين منهم الجلال والمقبلي والمغربي والأمير وهو الحق لأن العلة معقولة فإذا لم توجد المئنة كالحمل ولا المظنة كالمرأة المزوجة فلا وجه لإيجاب الاستبراء والقول بأن الاستبراء تعبدي وأنه يجب في حق الصغيرة وكذا في حق البكر والآيسة ليس عليه دليل‏. ‏ وعن أبي هريرة قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وعن رويفع بن ثابت‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره‏)‏‏. ‏ - رواه أحمد والترمذي وأبو داود وزاد‏: ‏ ‏(‏من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها‏)‏‏. ‏ وفي لفظ‏: ‏ ‏(‏من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا ينكحن ثيباً من السبايا حتى تحيض‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومفهومه أن البكر لا تستبرأ‏. ‏ وقال ابن عمر‏: ‏ إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة ولا تستبرأ العذراء حكاه البخاري في صحيحه وقد جاء في حديث عن علي رضي اللّه عنه ما الظاهر حمله على مثل ذلك فروى بريدة قال‏: ‏ ‏(‏بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم علياً إلى خالد يعني إلى اليمن ليقبض الخمس فاصطفى علي منه سبية فأصبح وقد اغتسل فقلت لخالد‏: ‏ ألا ترى إلى هذا وكنت أبغض علياً فلما قدمنا على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ذكرت له ذلك فقال‏: ‏ يا بريدة أتبغض علياً فقلت‏: ‏ نعم فقال‏: ‏ لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك‏. ‏ رواه أحمد والبخاري‏. ‏ وفي رواية‏: ‏ ‏(‏قال‏: ‏ أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً وأحببت رجلاً من قريش لم أحببه إلا على بغضه علياً قال‏: ‏ فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته فأصبنا سبايا قال‏: ‏ فكتب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ ابعث إلينا من يخمسه قال‏: ‏ فبعث إلينا علياً وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبي قال‏: ‏ فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلنا‏: ‏ يا أبا الحسن ما هذا قال‏: ‏ ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم صارت في آل علي ووقعت بها قال‏: ‏ فكتب الرجل إلى نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت‏: ‏ ابعثني فبعثني مصدقاً فجعلت أقرأ الكتاب وأقول صدق فأمسك يدي والكتاب وقال‏: ‏ أتبغض علياً قلت‏: ‏ نعم قال‏: ‏ فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حباً فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة قال‏: ‏ فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أحب إليَّ من علي‏)‏ رواه أحمد وفيه بيان أن بعض الشركاء يصح توكيله في قسمة مال الشركة والمراد بآل علي علي رضي اللّه عنه نفسه‏. ‏ حديث أبي هريرة أخرجه أيضاً الطبراني وإسناده ضعيف كما تقدمت الإشارة إلى ذلك‏. ‏ قال في مجمع الزوائد‏: ‏ في إسناده بقية والحجاج بن أرطأة وكلاهما مدلس اهـ‏. ‏ ولكنه يشهد لصحته حديث رويفع المذكور بعده والأحاديث المذكورة قبله‏. ‏ وحديث رويفع أخرجه أيضاً ابن أبي شيبة والدارمي والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وابن حبان وصححه والبزار وحسنه واللفظ الآخر أخرجه أيضاً الطحاوي‏. ‏ - وفي الباب - عن ابن عباس عند الحاكم‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم قال‏: ‏ لا تسق ماءك زرع غيرك‏)‏ وأصله في النسائي‏. ‏ وعن رجل من الأنصار عند أبي داود قال‏: ‏ تزوجت امرأة بكراً في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى فذكر الحديث قال‏: ‏ ففرق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما وقد استدل من قال بوجوب الاستبراء للمسبية إذا كانت حاملاً أو حائلاً يجوز عليها الحمل فقط لا مع عدم التجويز كالبكر والصغيرة بحديث أبي هريرة ورويفع المذكورين وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل بالأثر المذكور عن ابن عمر من قال بوجوب الاستبراء على واهب الأمة وبائعها وقد حكى ذلك في البحر عن الهادي والناصر والنخعي والثوري ومالك ولم يفرقوا بين أن يكون البائع أو الواهب رجلاً أو امرأة وبين كون المبيعة بكراً أو ثيباً صغيرة أو كبيرة وقال الشافعي والمؤيد باللّه وزيد بن علي والإمام يحيى‏: ‏ لا يجب وقال أبو حنيفة‏: ‏ يستحب فقط‏. ‏ استدل القائلون بالوجوب بالقياس على عدة الزوجة بجامع ملك الوطء فلا يملكه غيره إلا بعد الاستبراء وأجيب بالفرق بين الأصل والفرع بوجوه‏: ‏ أحدها أن العدة إنما تكون بعد الطلاق وهذا الاستبراء قبل البيع ومنها تنافي أحكام الملك والنكاح وإلا لزم أن لا يصح الجمع بين الأختين في الملك قياساً على عدم صحة النكاح‏. ‏ ومنها أن العدة تجب على المرأة لا على الزوج‏. ‏ ومنها أن العدة تجب على الزوجة بعد الدخول أو الخلوة ويجب الاستبراء عندهم في الأمة مطلقاً فالحق أن مثل هذا القياس المبني على غير أساس لا يصلح لإثبات تكليف شرعي على جميع الناس وكما أنه لا وجه للإيجاب لا وجه للاستحباب لأن كل واحد منهما حكم شرعي والبراءة الأصلية مستصحبة حتى ينقل عنها ناقل صحيح وليس في كلام ابن عمر المذكور ما يدل على أن الاستبراء على البائع ونحوه بل ظاهره أنه على المشتري ولو سلم فليس في كلامه حجة على أحد واختلف في وجوب الاستبراء على المشتري والمهب ونحوهما فذهب الجمهور إلى الوجوب واحتجوا بالقياس على المسبية بجامع تجدد الملك في الأصل والفرع وذهب داود والبتي إلى أنه لا يجب الاستبراء في غير السبي أما داود فلأنه لا يقول بثبوت الحكم الشرعي بمجرد القياس وأما البتي فلأنه جعل تجدد الملك بالشراء والهبة كابتداء النكاح وهو لا يجب على من تزوج امرأة أن يستبرئها بعد العقد ورد بالفرق بين النكاح والملك فإن النكاح لا يقتضي ملك الرقبة كذا في البحر ولا يخفى أن ملك الرقبة مما لا دخل له في محل النزاع فلا يقدح به في القياس واستدل في البحر للجمهور بقول علي رضي اللّه عنه من اشترى جارية فلا يقربها حتى تستبرأ بحيضة قال‏: ‏ ولم يظهر خلافه وقد عرفناك غير مرة أن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يدل على الموافقة لعدم وجوب الإنكار فيها على المخالف والأولى التعويل في الاستدلال للموجبين على عموم حديث رويفع وأبي هريرة فإن ظاهرهما شامل للمسبية والمستبرأة ونحوهما والتصريح في آخر الحديث بقوله فلا ينكحن ثيباً من السبايا ليس من باب التقييد للمطلق أو التخصيص للعام بل من التنصيص على بعض أفراد العام ويمكن أن يقال إن قوله في الحديث من السبايا مفهوم صفة فلا يكون من التنصيص المذكور إلا عند من لم يعمل به وأوضح من ذلك حديث أبي سعيد المتقدم فإن قوله لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة يشمل المستبرأة ونحوها وكون السبب في ذلك سبايا أوطاس لا يدل على قصر اللفظ العام عليهن لما تقرر أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيكون ذلك عاماً لكل من لم تجوز خلو رحمها لا من كان رحمها خالياً بيقين كالصغيرة والبكر كما تقدم تحقيق ذلك وظاهر حديث رويفع وما قبله أنه لا فرق بين الحامل من زنا وغيرها فيجب استبراء الأمة التي كانت قبل ثبوت الملك عليها تزني إن كانت حاملاً فبالوضع وإن كانت غير حامل فبحيضة ويؤيد هذا حديث الرجل من الأنصار الذي ذكرناه في أول الباب‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فاصطفى علي منه سبية‏)‏ الخ يمكن حمل هذا على أن السبية التي أصابها كانت بكراً أو صغيرة أو كان قد مضى عليها من بعد السبي مقدار مدة الاستبراء لأنها قد دخلت في ملك المسلمين من وقت السبي والمصير إلى مثل هذا متعين للجمع بينه وبين الأحاديث المذكورة في الباب وظاهر هذا الحديث وسائر أحاديث الباب أنه لا يشترط في جواز وطء المسبية الإسلام ولو كان شرطاً لبينه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولم يبينه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك وقتها ولا سيما وفي المسلمين في يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالإسلام يخفى عليهم مثل هذا الحكم وتجويز حصول الإسلام من جميع السبايا وهي في غاية الكثرة بعيد جداً فإن إسلام مثل عدد المسبيات في أوطاس دفعة واحدة من غير إكراه لا يقول بأنه يصح تجويزه عاقل ومن أعظم المؤيدات لبقاء المسبيات على دينهن ما ثبت من رده صلى اللّه عليه وآله وسلم لهن بعد أن جاء إليه جماعة من هوازن وسألوه إن يرد إليهم ما أخذ عليهم من الغنيمة فرد إليهم السبي فقط وقد ذهب إلى جواز وطء المسبيات الكافرات بعد الاستبراء المشروع جماعة منهم طاوس وهو الظاهر لما سلف وفي الحديث الآخر منقبة ظاهرة لعلي رضي اللّه عنه ومنقبة لبريدة لمصير علي أحب الناس إليه وقد صح أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق كما في صحيح مسلم وغيره‏. ‏ .



اخر كاب والاباحة للزوج الاول ⁦⁩⁦⁩⁦⁩⁦⁩⁦⁩⁦⁩⁦⁩⁦⁩⁦⁩⁦⁩⁦
٨:٤٥ ص



كتاب التطببببب

 

  

 

 ١ باب إباحة التداوي وتركه عن أسامة بن شريك قال‏: ‏ ‏(‏جاء أعرابي فقال‏: ‏ يا رسول اللّه أنتداوى قال‏: ‏ نعم فإن اللّه لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وفي لفظ‏: ‏ ‏(‏قالت الأعراب يا رسول اللّه ألا نتداوى قال‏: ‏ نعم عباد اللّه تداووا فإن اللّه لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داءًا واحدًا قالوا‏: ‏ يا رسول اللّه وما هو قال‏: ‏ الهرم‏)‏ رواه ابن ماجه وأبو داود والترمذي وصححه‏. ‏ وعن جابر‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن اللّه تعالى‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم‏. ‏ وعن ابن مسعود قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ إن اللّه لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وعن أبي هريرة‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ ما أنزل اللّه من داء إلا أنزل له شفاء‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والبخاري وابن ماجه‏. ‏ وعن أبي خزامة قال‏: ‏ ‏(‏قلت يا رسول اللّه أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر اللّه شيئًا قال‏: ‏ هي من قدر اللّه‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن ولا يعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون‏)‏‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن امرأة سوداء أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت‏: ‏ إني أصرع وإني أتكشف فادع اللّه لي قال‏: ‏ إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت اللّه أن يعافيك فقالت‏: ‏ أصبر وقالت‏: ‏ إني أتكشف فادع اللّه أن لا أتكشف فدعا لها‏)‏‏. ‏ متفق عليهما‏. ‏ حديث أسامة أخرجه أيضًا النسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه أيضًا ابن خزيمة والحاكم‏. ‏ وحديث ابن مسعود أخرجه أيضًا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم‏. ‏ وحديث أبي خزامة وهو بمعجمة مكسورة وزاي خفيفة أخرجه أيضًا الترمذي من طريقين إحداهما عن ابن أبي عمر عن سفيان عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه والثانية عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان عن الزهري عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال‏: ‏ وقد روي عن ابن عيينة كلتا الروايتين وقال بعضهم عن أبي خزامة عن أبيه وقال بعضهم عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال وقد روى هذا الحديث غير ابن عيينة عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه وهذا أصح ولا يعرف لأبي خزامة عن أبيه غير هذا الحديث اهـ كلامه وقد صرح بأنه حديث حسن وهو كما قال‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فإن اللّه لم ينزل داء‏)‏ المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مثلًا أو المراد به التقدير‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏عباد اللّه تداووا‏)‏ لفظ الترمذي قال نعم يا عباد اللّه تداووا والداء والدواء كلاهما بفتح الدال المهملة بالمد وحكى كسر دال الدواء‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏والهرم‏)‏ استثناه لكونه شبيهًا بالموت والجامع بينهما تقضي الصحة أو لقربه من الموت أو إفضائه إليه ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاُ والتقدير لكن الهرم لا دواء له وفي لفظ‏: ‏ إلا السام بمهملة مخففًا وهو الموت ولعل التقدير إلا داء السام أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏علمه من علمه‏)‏ فيه إشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمه كل واحد‏. ‏ ـ وفي أحاديث الباب ـ كلها إثبات الأسباب وأن ذلك لا ينافي التوكل على اللّه لمن اعتقد أنها بإذن اللّه وبتقديره وأنها لا تنجع بذواتها بل بما قدره اللّه فيها وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر اللّه ذلك وإليه الإشارة في حديث جابر حيث قال بإذن اللّه فمدار ذلك كله على تقدير اللّه وإرادته والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بالعافية ودفع المضار وغير ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وجهله من جهله‏)‏ فيه دليل على أنه لا بأس بالتداوي لمن كان به داء قد اعترف الأطباء بأنه لا دواء له وأقروا بالعجز عنه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏رقى نسترقيها‏)‏ الخ سيأتي الكلام على الرقية‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وتقاة نتقيها‏)‏ أي ما نتقي به ما يرد علينا من الأمور التي لا نريد وقوعها بنا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏قال هي من قدر اللّه‏)‏ أي لا مخالفة بينهما لأن اللّه هو الذي خلق تلك الأسباب وجعل لها خاصية في الشفاء‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏لا يسترقون‏)‏ الخ سيأتي الكلام على الرقية والكي‏. ‏ وأما التطير فهو من الطيرة بكسر الطاء المهملة وفتح المثناة التحتية وقد تسكن وهي التشاؤم بالشي وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه ـ والأحاديث ـ في الطيرة متعارضة وقد وضعت فيها رسالة مستقلة‏. ‏ وقد استدل بهذا الحديث والذي بعده على أنه يكره التداوي وأجيب عن ذلك بأجوبة قال النووي‏: ‏ لا مخالفة بل المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار والرقى المجهولة والتي بغير العربية وما لا يعرف معناه فهذه مذمومة لاحتمال أن معناه كفر أو قريب منه أو مكروه وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين أن الواردة في ترك الرقى للأفضلية وبيان التوكل وفي فعل الرقى لبيان الجواز مع أن تركها أفضل وبهذا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات وأذكار اللّه تبارك وتعالى‏. ‏ قال المازري‏: ‏ جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب اللّه أو بذكره ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية أو بما لا يدرى معناه لجواز أن يكون فيه كفر وقال الطبري والمازري وطائفة‏: ‏ إنه محمول على من يعتقد أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون‏. ‏ قال عياض‏: ‏ الحديث يدل على أن للسبعين ألفًا مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن يشاركهم في أصل الفضل والديانة ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقى أهل الجاهلية ونحوها فليس مسلمًا فلم يسلم هذا الجواب وأجاب الداودي وطائفة أن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء فلا‏. ‏ وأجاب الحليمي بأنه يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام باللّه والرضا بقضائه فهم غافلون عن طب الأطباء ورقى الرقاة ولا يخشون من ذلك شيئًا وأجاب الخطابي ومن تبعه بأن المراد بترك الرقى والكي الاعتماد على اللّه في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك وثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة‏. ‏ وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب‏. ‏ قال ابن الأثير‏: ‏ هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها وهؤلاء هم خواص الأولياء ولا يرد عليه وقوع مثل ذلك من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فعلًا وأمرًا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ومع ذلك فلا ينقص من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينًا فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئًا بخلاف غيره ولو كان كثير التوكل فكان من ترك الأسباب وفوض وأخلص أرفع مقامًا قال الطبري‏: ‏ قيل لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي ولا يسعى في طلب رزقه ولا في مداواة ألم‏. ‏ والحق من وثق باللّه وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب إتباعًا لسنته وسنة رسوله فقد ظاهر صلى اللّه عليه وآله وسلم بين درعين ولبس على رأسه المغفر وأقعد الرماة على فم الشعب وخندق حول المدينة وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وادخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك وقال للذي سأله أيعقل ناقته أو يتوكل اعقلها وتوكل فأشار إلى أن الاحتراز لا يدفع التوكل‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقالت إني أصرع‏)‏ الصرع نعوذ باللّه منه علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن استعمالها منعًا غير تام وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة وقد يكون الصرع من الجن ويقع من النفوس الخبيثة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به والأول هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه والثاني يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاج إلا بجذب الأرواح الخيرة العلوية لدفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطيل أفعالها وممن نص على ذلك بقراط فقال بعد ذكر علاج المصروع إنما ينفع في الذي سببه أخلاط وأما الذي يكون من الأرواح فلا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وإني أتكشف‏)‏ بمثناة من فوق وتشديد الشين المعجمة من التكشف وبالنون الساكنة المخففة من الانكشاف والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر‏. ‏ وفيه أن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة وفيه دليل على جواز ترك التداوي وأن التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى اللّه أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ولكن إنما ينجع بأمرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد والآخر من جهة المداوي وهو توجه قلبه إلى اللّه وقوته بالتقوى والتوكل على اللّه تعالى



٢ باب ما جاء بالتداوي بالمحرمات عن وائل بن حجر‏: ‏ ‏(‏أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الخمر فنهاه عنها فقال‏: ‏ إنما أصنعها للدواء قال‏: ‏ إنه ليس بدواء ولكنه داء‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه‏. ‏ وعن أبي الدرداء قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ إن اللّه أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود وقال ابن مسعود في المسكر‏: ‏ ‏(‏إن اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم‏)‏ ذكره البخاري‏. ‏ وعن أبي هريرة قال‏: ‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الدواء الخبيث يعني السم‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي‏. ‏ وقال الزهري في أبوال الإبل‏: ‏ ‏(‏قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بها بأسًا‏)‏ رواه البخاري‏. ‏ حديث أبي الدرداء في إسناده إسماعيل بن عياش قال المنذري‏: ‏ وفيه مقال انتهى‏. ‏ وقد عرفت غير مرة أنه إذا حدث عن أهل الشام فهو ثقة وإنما يضعف في الحجازيين وهو ههنا حدث عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي وهو شامي ذكره ابن حبان في الثقات عن أبي عمران الأنصاري مولى أم الدرداء وقائدها وهو أيضًا شامي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ليس بدواء ولكنه داء‏)‏ فيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء فيحرم التداوي بها كما يحرم شربها وكذلك سائر الأمور النجسة أو المحرمة وإليه ذهب الجمهور‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ولا تتداووا بحرام‏)‏ أي لا يجوز التداوي بما حرمه اللّه من النجاسات وغيرها مما حرمه اللّه ولو لم يكن نجسًا‏. ‏ قال ابن رسلان في شرح السنن‏: ‏ والصحيح من مذهبنا يعني الشافعية جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر لحديث العرنيين في الصحيحين حيث أمرهم صلى اللّه عليه وآله وسلم بالشراب من أبوال الإبل للتداوي قال ـ وحديث الباب ـ محمول على عدم الحاجة بأن يكون هناك دواء غيره يغني عنه ويقوم مقامه من الطاهرات‏. ‏ قال البيهقي‏: ‏ هذان الحديثان إن صحا محمولان على النهي عن التداوي بالمسكر والتداوي بالحرام من غير ضرورة ليجمع بينهما وبين حديث العرنيين انتهى‏. ‏ ولا يخفى ما في هذا الجمع من التعسف فإن أبوال الإبل الخصم يمنع اتصافها بكونها حرامًا أو نجسًا وعلى فرض التسليم فالواجب الجمع بين العام وهو تحريم التداوي بالحرام وبين الخاص وهو الإذن بالتداوي بأبوال الإبل بأن يقال يحرم التداوي بكل حرام إلا أبوال الإبل هذا هو القانون الأصولي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏عن الدواء الخبيث‏)‏ ظاهره تحريم التداوي بكل خبيث والتفسير بالسم مدرج لا حجة فيه ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان‏. ‏ قال الماوردي وغيره‏: ‏ السموم على أربع أضرب منها ما يقتل كثيره وقليله فأكله حرام للتداوي ولغيره لقوله تعالى ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ ومنها ما يقتل كثيره دون قليله فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي جاز أكله تداويًا ومنها ما يقتل في الأغلب وقد يجوز أن لا يقتل فحكمه كما قبله ومنها ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله وفي موضع تحريم أكله فجعله بعض أصحابه على حالين فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي 



٣ باب ما جاء في الكي عن جابر قال‏: ‏ ‏(‏بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع منه عرقًا ثم كواه‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم‏. ‏ وعن جابر أيضًا‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين‏)‏‏. ‏ رواه ابن ماجه ومسلم بمعناه‏. ‏ وعن أنس‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة‏)‏‏. ‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏. ‏ وعن المغيرة بن شعبة‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال‏: ‏ من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والبخاري وابن ماجه‏. ‏ وعن عمران بن حصين‏: ‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن الكي فاكتوينا فما أفلحن ولا نجعن‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وقال فما أفلحنا ولا أنجعنا‏. ‏ حديث أنس أخرجه الترمذي من طريق حميد بن مسعدة حدثنا بريدة بن زريع أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس وإسناده حسن كما قال‏. ‏ وحديث المغيرة صححه أيضًا ابن حبان والحاكم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقطع منه عرقًا‏)‏ استدل بذلك على أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده قال ابن رسلان‏: ‏ وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه فمتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق‏. ‏ وقد روى ابن عدي في الكامل من حديث عبد اللّه بن جواد قطع العروق مسقمة كما في الترمذي وابن ماجه ترك العشاء مهرمة وإنما كواه بعد القطع لينقطع الدم الخارج من العرق المقطوع‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏كوى سعد بن معاذ‏)‏ الكي هو أن يحمي حديد ويوضع على عضو معلول ليحرق ويحبس دمه ولا يخرج أو لينقطع العرق الذي خرج منه الدم‏. ‏ وقد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو اللّه تعالى ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش وهذان نوعان من أنواع الكي الأربعة وهما النهي عن الفعل وجوازه والثالث الثناء على من تركه كحديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة وقد تقدم والرابع عدم محبته كحديث الصحيحين‏: ‏ ‏(‏وما أحب أن أكتوى‏)‏ فعدم محبته يدل على أن الأولى عدم فعله والثناء على تركه يدل على أن تركه أولى فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة‏. ‏ قال الشيخ أبو محمد بن حمزة‏: ‏ علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعًا وأن فيه مضرة فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب وقريب منه إخبار اللّه تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع انتهى ملخصًا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏من الشوكة‏)‏ هي داء معروف كما في القاموس‏. ‏ قال في النهاية‏: ‏ هي حمرة تعلو الوجه والجسد يقال منه شيك فهو مشوك وكذلك إذا دخل في جسمه شوكة ومنه الحديث إذا شيك فلا انتقش أي إذا شاكته فلا يقدر على انتقاشها وهو إخراجها بالنقاش‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فقد برئ من التوكل‏)‏ قال في الهدى‏: ‏ أحاديث الكي التي في هذا الباب قد تضمنت أربعة أشياء أحدها فعله‏. ‏ ثانيها عدم محبته‏. ‏ ثالثها الثناء على من تركه‏. ‏ رابعها النهي عنه‏. ‏ ولا تعارض فيها بحمد اللّه فإن فعله يدل على جوازه وعدم محبته لا يدل على المنع منه والثناء على تاركيه يدل على أن تركه أفضل والنهي عنه إما على سبيل الاختيار من دون علة أو عن النوع الذي يحتاج معه إلى كي انتهى‏. ‏ وقيل الجمع بين هذه الأحاديث أن المنهي عنه هو الاكتواء ابتداء قبل حدوث العلة كما يفعله الأعاجم والمباح هو الاكتواء بعد حدوث العلة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏في شرطة محجم‏)‏ بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أو شربة عسل‏)‏ قال في الفتح‏: ‏ العسل يذكر ويؤنث وأسماؤه تزيد على المائة وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي وغيره فقالوا يجلي الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات ويغسل المعدة ويسخنها تسخينًا معتدلًا ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلى والمثانة وفيه تحليل للرطوبات أكلًا وطلاء وتغذية وفيه حفظ للمعجونات وإذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة وتنقية للكبد والصدر وإدرار البول والطمس وينفع للسعال الكائن من البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء ثم هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلوًا من الحلاوات وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات ومن منافعه أنه إذا شرب حارًا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر وكذا الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك وإذا لطخ به البدن للقمل قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه ونعمه وإن اكتحل به جلا ظلمة البصر وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها وهو عجيب في حفظ جثة الموتى فلا يسرع إليها البلا وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلًا‏. ‏ وقد أخرج أبو نعيم في الطب النبوي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجه بسند ضعيف من حديث جابر رفعه‏: ‏ ‏(‏من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء‏)‏‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وأنهى أمتي عن الكي‏)‏ قال النووي‏: ‏ هذا الحديث من بديع الطب عند أهله لأن الأمراض الامتلائية دموية أو صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال بالمسهل اللائق بكل خلط منها فكأنه نبه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالعسل على المسهلات وبالحجامة على إخراج الدم بها وبالفصد ووضع العلق وما في معناها وذكر الكي لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها فآخر الطب الكي والنهي عنه إشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏نهى عن الكي فاكتويتا‏)‏ قال ابن رسلان‏: ‏ هذه الرواية فيها إشارة إلى أنه يباح عند الضرورة بالابتلاء بالأمراض المزمنة التي لا ينجع فيها إلا الكي ويخاف الهلاك عند تركه ألا تراه كوى سعدًا لما لم ينقطع الدم من جرحه وخاف عليه الهلاك من كثرة خروجه كما يكوى من تقطع يده أو رجله ونهى عمران بن حصين عن الكي لأنه كان به باسور وكان موضعه خطرًا فنهاه عن كيه فتعين أن يكون خاصًا بمن به مرض مخوف ولأن العرب كانوا يرون أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكي ويعتقدون أن من لم يكتو هلك فنهاهم عنه لأجل هذه النية فإن اللّه تعالى هو الشافي‏. ‏ قال ابن قتيبة‏: ‏ الكي جنسان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه والثاني كي الجرح إذا لم ينقطع دمه بإحراق ولا غيره والعضو إذا قطع ففي هذا الشفاء بتقدير اللّه وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب‏. ‏ وقد تضمنت ‏(‏أحاديث الكي‏)‏ أربعة أنواع كما تقدم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فما أفلحن ولا أنجحن‏)‏ هكذا الرواية الصحيحة بنون الإناث فيهما يعني تلك الكيات التي اكتويناهن وخالفنا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في فعلهن وكيف يفلح أو ينجح شيء خولف فيه صاحب الشريعة وعلى هذا فالتقدير فاكتوينا كيات لأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن وهو أولى من أن يكون المحذوف الفاعل على تقدير فما أفلحن الكيات ولا أنجحن لأن حذف المفعول الذي هو فضلة أقوى من حذف الفاعل الذي هو عمدة ورواية الترمذي كما ذكره المصنف رحمه اللّه فيكون الفلاح والنجاح مسندًا فيها إلى المتكلم ومن معه‏. ‏ وفي رواية لابن ماجه‏: ‏ ‏(‏فما أفلحت ولا أنجحت‏)‏ بسكون تاء التأنيث بعد الحاء المفتوحة

٤ باب ما جاء في الحجامة وأوقاتها عن جابر قال‏: ‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة نار توافق الداء وما أحب أن أكتوى‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وعن قتادة عن أنس قال‏: ‏ ‏(‏كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين‏)‏‏. ‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏. ‏ وعن أبي هريرة قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود‏. ‏ وعن ابن عباس‏: ‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين‏)‏‏. ‏ رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏. ‏ وعن أبي بكرة‏: ‏ ‏(‏أنه كان ينهى أهله عن الحجامة يوم الثلاثاء ويزعم عن رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود‏. ‏ وروي عن معقل بن يسار قال‏: ‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏: ‏ الجحامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء السنة‏)‏‏. ‏ رواه حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد وليس إسناده بذاك‏. ‏ وروى الزهري‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ من احتجم يوم السبت أو يوم الأربعاء فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه‏)‏‏. ‏ ذكره أحمد واحتج به‏. ‏ قال أبو داود‏: ‏ وقد أسند ولا يصح وكره إسحاق بن راهويه الحجامة يوم الجمعة والأربعاء والثلاثاء إلا إذا كان يوم الثلاثاء سبع عشرة من الشهر أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين‏. ‏ حديث أنس أخرجه أيضًا ابن ماجه من وجه آخر وسنده ضعيف‏. ‏ والطريق التي رواها الترمذي منها هي ما في سننه قال حدثنا عبد القدوس بن محمد حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام وجرير بن حازم قالا حدثنا قتادة عن أنس فذكره وقال النووي عند الكلام على هذا الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وصححه الحاكم أيضًا ولكن ليس في حديث أبي داود المذكور الزيادة وهي قوله وكان يحتجم لسبع عشرة الخ‏. ‏ وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن بن عوف الجمحي عن سهيل بن أبي صالح وسعيد وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه وله شاهد مذكور في الباب بعده‏. ‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا أحمد قال الحافظ‏: ‏ ورجاله ثقات لكنه معلول انتهى‏. ‏ وإسناده في سنن الترمذي هكذا حدثنا عبد بن حميد أخبره النضر بن شميل حدثنا عباد بن منصور قال سمعت عكرمة فذكره‏. ‏ وحديث أبي بكرة في إسناده أبو بكرة بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة قال يحيى بن معين‏: ‏ ضعيف ليس حديثه بشيء‏. ‏ وقال ابن عدي‏: ‏ أرجو أنه لا بأس به وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم‏. ‏ وحديث معقل بن يسار أشار إليه الترمذي وقد ضعف المصنف إسناده ولكن شهد له ما قبله وقد أخرجه أيضًا رزين ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند ابن ماجه رفعه في أثناء حديث وفيه ‏(‏فاحتجموا على بركة اللّه يوم الخميس واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد‏)‏ أخرجه من طريقين ضعيفتين وله طريق ثالثة ضعيفة أيضًا عند الدارقطني في الأفراد وأخرجه بسند جيد عن ابن عمر موقوفًا‏. ‏ ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت‏. ‏ وحكى أن رجلًا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث قال في الفتح‏: ‏ ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء قال حنبل بن إسحاق كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت‏. ‏ ـ ومن أحاديث الباب ـ في الحجامة حديث أبي هريرة‏: ‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏: ‏ إن كان في شيء مما تداويتم به خير فالحجامة‏)‏ أخرجه أبو داود وابن ماجه‏. ‏ وعن سلمى خادمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قالت‏: ‏ ‏(‏ما كان أحد يشتكي إلى رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وجعًا في رأسه إلا قال‏: ‏ احتجم ولا وجعًا في رجليه إلا قال‏: ‏ اخضبهما‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حديث غريب إنما يعرف من حديث قائد‏. ‏ وقائد هذا هو مولى عبيد اللّه بن علي بن أبي رافع وثقه يحيى بن معين وقال أحمد وأبو حاتم الرازي‏: ‏ لا بأس به وفي إسناده أيضًا عبيد اللّه بن علي بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏. ‏ قال ابن معين‏: ‏ لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي‏: ‏ لا يحتج بحديثه وقد أخرجه الترمذي من حديث علي بن عبيد اللّه عن جدته وقال وعبيد اللّه بن علي أصح وقال غيره‏: ‏ علي بن عبيد اللّه بن أبي رافع لا يعرف بحال ولم يذكره أحد من الأئمة في كتاب وذكر بعده حديث عبيد اللّه بن علي بن أبي رافع هذا الذي ذكرناه وقال فانظر في اختلاف إسناده وتغير لفظه هل يجوز لمن يدعي السنة أو ينسب إلى العلم أن يحتج بهذا الحديث على هذا الحال ويتخذه سنة وحجة في خضاب اليد والرجل‏. ‏ وعن جابر‏: ‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم احتجم على وركيه من وثء كان به‏)‏ أخرجه أبو داود والنسائي والوثء بالمثلثة الوجع‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أو لذعة بنار‏)‏ بذال معجمة ساكنة وعين مهملة‏. ‏ اللذع هو الخفيف من حرق النار‏. ‏ وأما اللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة فهو ضرب أو عض ذات السم‏. ‏ وقد تقدم الكلام على حديث جابر هذا قريبًا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏في الأخدعين‏)‏ قال أهل اللغة‏: ‏ الأخدعان عرقان في جانبي العنق بحجم منه والكاهل ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر‏. ‏ قال ابن القيم في الهدى‏: ‏ الحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف إذا كان حدوث ذلك من كثرة الدم أو فساده أو منهما جميعًا قال‏: ‏ والحجامة لأهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجة إلى سطح الجسد واجتماعها في نواحي الجلد ولأن مسام أبدانهم واسعة ففي الفصد لهم خطر‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏كان شفاء من كل داء‏)‏ هذا من العام المراد به الخصوص والمراد كان شفاء من كل داء سببه غلبة الدم‏. ‏ وهذا الحديث موافق لما أجمعت عليه الأطباء أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر أنفع مما قبله وفي الربع الرابع أنفع مما قبله‏. ‏ قال صاحب القانون‏: ‏ أوقاتها في النهار الساعة الثانية أو الثالثة وتكره عندهم الحجامة على الشبع فربما أورثت سددًا وأمراضًا رديئة لا سيما إذا كان الغذاء رديئًا غليظًا والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء واختيار هذه الأوقات للحجامة فيما إذا كانت على سبيل الاحتراز من الأذى وحفظًا للصحة وأما في مداواة الأمراض فحيثما وجد الاحتياج إليها وجب استعمالها‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أن يوم الثلاثاء يوم الدم‏)‏ أي يوم يكثر فيه الدم في الجسم‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وفيه ساعة لا يرقأ‏)‏ بهمز آخره أي لا ينقطع فيها دم من احتجم أو افتصد أو لا يسكن وربما يهلك الإنسان فيها بسبب عدم انقطاع الدم وأخفيت هذه الساعة لتترك الحجامة في هذه اليوم خوفًا من مصادفة تلك الساعة كما أخفيت ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر ليجتهد المتعبد في جميع أوتاره ليصادف ليلة القدر وكما أخفيت ساعة الإجابة في يوم الجمعة‏. ‏ وفي رواية رواها رزين‏: ‏ ‏(‏لا تفتحوا الدم في سلطانه ولا تستعملوا الحديد في يوم سلطانه‏)‏ وزاد أيضًا‏: ‏ ‏(‏إذا صادف يوم سبع عشرة يوم الثلاثاء كان دواء السنة لمن احتجم‏)‏ فيه وفي الحجامة منافع‏. ‏ قال في الفتح‏: ‏ والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب عن فصد الباسليق والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس والحجامة على القدم تنوب عن فصد الصافن وهو عرق تحت الكعب وتنفع من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الأنثيين والحجامة في أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه والحجامة على المعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض انتهى‏. ‏ قال أهل العلم بالفصد فصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويًا ولا سيما إن كان قد فسد وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد وفصد الودجين لوجع الطحال والربو‏. ‏ قال أهل المعرفة‏: ‏ إن المخاطب بأحاديث الحجامة غير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم‏. ‏ وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال‏: ‏ إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم قال الطبري‏: ‏ وذلك لأنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوة جسده فلا ينبغي أن يزيده وهنًا بإخراج الدم انتهى‏. ‏ وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتده وقد قال ابن سينا في أرجوزته‏: ‏ ومن يكن تعود الفصادة ** فلا يكن يقطع تلك العاده ثم أشار إلى أنه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين‏. ‏ وقال ابن سينا في أبيات أخرى‏: ‏ ووفر على الجسم الدماء فإنها ** لصحة جسم من أجل الدعائم قال الموفق البغدادي بعد أن ذكر أن الحجامة في نصف الشهر الآخر ثم في ربعه الرابع أنفع من أوله وآخره وذلك أن الأخلاط في أول الشهر وفي آخره تسكن فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه‏. ‏ ـ والحاصل ـ أن أحاديث التوقيت وإن لم يكن شيء منها على شرط الصحيح إلا أن المحكوم عليه بعدم الصحة إنما هو في ظاهر الأمر لا في الواقع فيمكن أن يكون الصحيح ضعيفًا والضعيف صحيحًا لأن الكذوب قد يصدق والصدوق قد يكذب فاجتناب ما أرشد الحديث الضعيف إلى اجتنابه وإتباع ما أرشد إلى إتباعه من مثل هذه الأمور ينبغي لكل عارف وإنما الممنوع إثبات الأحكام التكليفية أو الوضعية أو نفيها بما هو كذلك



٥ الشرق كان رقم ٤ وهذا r رقم ٥ باب ما جاء في الرقى والتمائم عن ابن مسعود قال‏: ‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ إن الرقى والتمائم والتولة شرك‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏. ‏ والتولة ضرب من السحر‏. ‏ قال الأصمعي‏: ‏ هو تحبيب المرأة إلى زوجها‏. ‏ وعن عقبة بن عامر قال‏: ‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ من تعلق تميمة فلا أتم اللّه له ومن تعلق ودعة فلا ودع اللّه له‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وعن عبد اللّه بن عمرو قال‏: ‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ ما أبالي ما ركبت أو ما أتيت إذا أنا شربت ترياقًا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود وقال هذا كان للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خاصة وقد رخص فيه قوم يعني الترياق‏. ‏ وعن أنس قال‏: ‏ ‏(‏رخص رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه‏. ‏ والنملة قروح تخرج في الجنب‏. ‏ وعن الشفا بنت عبد اللّه قالت‏: ‏ ‏(‏دخل علي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وأنا عند حفصة فقال لي ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ وهو دليل على جواز تعليم النساء الكتابة‏. ‏ وعن عوف بن مالك قال‏: ‏ ‏(‏كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول اللّه كيف ترى في ذلك فقال‏: ‏ اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك‏)‏‏. ‏ رواه مسلم وأبو داود‏. ‏ وعن جابر قال‏: ‏ ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الرقى فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا يا رسول اللّه إنها كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب وإنك نهيت عن الرقى قال فعرضوها عليه فقال‏: ‏ ما أرى بأسًا فمن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل‏)‏‏. ‏ رواه مسلم‏. ‏ وعن عائشة قالت‏: ‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها أعظم بركة من يدي‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ حديث ابن مسعود أخرجه أيضًا الحاكم وصححه‏. ‏ وصححه أيضًا ابن حبان وهو من رواية ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عنها عن ابن مسعود‏. ‏ قال المنذري‏: ‏ والراوي عن زينب مجهول‏. ‏ وحديث عقبة بن عامر قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجالهم ثقات انتهى‏. ‏ وحديث عبد اللّه بن عمرو في إسناده عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي أفريقية قال البخاري‏: ‏ في حديثه مناكير‏. ‏ وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه نحو هذا‏. ‏ وحديث الشفا سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا إبراهيم بن مهدي البغدادي المصيصي وهو ثقة‏. ‏ وقد أخرجه النسائي عن إبراهيم بن يعقوب عن علي بن المدني عن محمد بن بشر ثم بإسناد أبي داود‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏إن الرقى‏)‏ بضم الراء وتخفيف القاف مع القصر جمع رقية كدمى جمع دمية‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏والتمائم‏)‏ جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يمنعون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏والتولة‏)‏ بكسر التاء المثناة فوق وبفتح الواو المخففة‏. ‏ قال الخليل‏: ‏ التولة بكسر التاء وضمها شبيه بالسحر‏. ‏ وقد جاء تفسير التولة عن ابن مسعود كما أخرجه الحاكم وابن حبان وصححاه أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود فجذبه فقطعه ثم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏: ‏ إن الرقى والتمائم والتولة شرك قالوا يا أبا عبد اللّه هذه التمائم والرقى عرفناها فما التولة قال‏: ‏ شيء يصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن يعني من السحر‏. ‏ قيل هي خيط يقرأ فيه السحر أو قرطاس يكتب فيه شيء منه يتحبب به النساء إلى قلوب الرجال أو الرجال إلى قلوب النساء فأما ما تحبب به المرأة إلى زوجها من كلام مباح كما يسمى الغنج وكما تلبسه للزينة أو تطعمه من عقار مباح أكله أو أجزاء حيوان مأكول مما يعتقد أنه سبب إلى محبة زوجها لما أودع اللّه تعالى فيه من الخصيصة بتقدير اللّه لا أنه يفعل ذلك بذاته‏. ‏ قال ابن رسلان‏: ‏ فالظاهر أن هذا جائز لا أعرف الآن ما يمنعه في الشرع‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏شرك‏)‏ جعل هذه الثلاثة من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر بنفسه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فلا أتم اللّه له‏)‏ فيه الدعاء على من اعتقد في التمائم وعلقها على نفسه بضد قصده وهو عدم التمام لما قصده من التعليق‏. ‏ وكذلك قوله‏: ‏ ‏(‏فلا ودع اللّه له‏)‏ فإنه دعاء على من فعل ذلك‏. ‏ وودع ماضي يدع مثل وذر ماضي يذر‏. ‏ قوله ‏(‏أو ما أتيت‏)‏ بفتح الهمزة والتاء الأولى أي لا أكترث بشيء من أمر ديني ولا أهتم بما فعلته إن أنا فعلت هذه الثلاثة أو شيئًا منها وهذه مبالغة عظيمة وتهديد شديد في فعل شيء من هذه الثلاثة أي من فعل شيئًا منها فهو غير مكترث بما يفعله ولا يبالي به هل هو حرام أو حلال وهذا وإن أضافه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى نفسه فالمراد به إعلام غيره بالحكم‏. ‏ وقد سئل عن تعليق التمائم فقال ذلك شرك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ترياقًا‏)‏ بالتاء أو الدال أو الطاء في أوله مكسورات أو مضمومات فهذه ست لغات أرجحهن بمثناة مكسورة رومي معرب‏. ‏ والمراد به هنا ما كان مختلطًا بلحوم الأفاعي يطرح منها رأسها وأذنابها ويستعمل أوساطها في الترياق وهو محرم لأنه نجس وإن اتخذ الترياق من أشياء طاهرة فهو طاهر لا بأس بأكله وشربه ورخص مالك فيما فيه شيء من لحوم الأفاعي لأنه يرى إباحة لحوم الحيات وأما إذا كان الترياق نباتًا أو حجرًا فلا مانع منه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏أو قلت الشعر من قبل نفسي‏)‏ أي من جهة نفسي فخرج به ما قاله لا عن نفسه بل حاكيًا له عن غيره كما في الصحيح‏: ‏ ‏(‏خير كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد‏)‏ ويخرج منه أيضًا ما قاله لا على قصد الشعر فجاء موزونًا‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏كان للنبي خاصة‏)‏ يعني وأما في حق الأمة فالتمائم وإنشاء الشعر غير حرام‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏في الرقية من العين‏)‏ أي من إصابة العين‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏والحمة‏)‏ بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة وأصلها حمو أو حمى بوزن صرد والهاء فيه عوض من الواو المحذوفة أو الياء مثل سمة من الوسم وهذا على تخفيف الميم أما من شدد فالأصل عنده حممة ثم أدغم كما في الحديث‏: ‏ ‏(‏العالم مثل الحمة‏)‏ وهي عين ماء حار ببلاد الشام يستشفي بها المرضى وأنكر الأزهري تشديد الميم والمراد بالحمة السم من ذوات السموم وقد تسمى إبرة العقرب والزنبور ونحوهما حمة لأن السم يخرج منها فهو من المجاز والعلاقة المجاورة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏ألا تعلمين‏)‏ بضم أوله وتشديد اللام المكسورة هذه يعني حفصة رقية النملة بفتح النون وكسر الميم وهي قروح تخرج من الجنب أو الجنبين ورقية النملة كلام كانت نساء العرب تستعمله يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع‏. ‏ ورقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس تحتفل وتختضب وتكتحل وكل شيء يفتعل غير أن لا تعصي الرجل فأراد صلى اللّه عليه وآله وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة والتأديب لها تعريضًا لأنه ألقى إليها سرًا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى ‏{‏وإذا أسر النبي إلى بعض‏}‏ الآية‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏كما علمتها الكتابة‏)‏ فيه دليل على جواز تعلم النساء الكتابة وأما حديث‏: ‏ ‏(‏لا تعلموهن الكتابة ولا تسكنوهن الغرف وعلموهن سورة النور‏)‏ فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد‏. ‏ قوله‏: ‏ لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شيء من الشرك المحرم وفيه دليل على جواز الرقى والتطيب بما لا ضرر فيه ولا منع من جهة الشرع وإن كان بغير أسماء اللّه وكلامه لكن إذا كان مفهومًا لأن ما لا يفهم لا يؤمن أن يكون فيه شيء من الشرك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل‏)‏ قد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها لكن دل حديث عوف أنه يمنع ما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمنع احتياطًا وقال قوم لا تجوز الرقية إلا من العين والحمة كما في حديث عمران بن حصين لا رقية إلا من عين أو حمة وأجيب بأن معنى الحصر فيه أنهما أصل كل محتاج إلى الرقية فيلحق بالعين جواز رقية من به مس أو نحوه لاشتراك ذلك في كون كل واحد ينشأ عن أحوال شيطانية من أنسي أو جني ويلتحق بالسم كل ما عرض للبدن من قرح ونحوه من المواد السمية وقد وقع عند أبي داود في حديث أنس مثل حديث عمران وزاد أو دم وكذلك حديث أنس المذكور في الباب زاد فيه النملة‏. ‏ وقال قوم‏: ‏ المنهي عنه من الرقى ما يكون قبل وقوع البلاء والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه ذكره ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما وفيه نظر وكأنه مأخوذ من الخبر الذي قرنت فيه التمائم بالرقى كما في حديث ابن مسعود المذكور في الباب‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏نفث‏)‏ النفث نفخ لطيف بلا ريق وفيه استحباب النفث في الرقية‏. ‏ قال النووي‏: ‏ وقد أجمعوا على جوازه واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‏. ‏ قال القاضي‏: ‏ وأنكر جماعة النفث في الرقى وأجازوا فيها النفخ بلا ريق قال وهذا هو المذهب قال وقد اختلف في النفث والتفل فقيل هما بمعنى ولا يكون إلا بريق وقال أبو عبيد‏: ‏ يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث وقيل عكسه قال وسئلت عائشة عن نفث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الرقية فقالت كما ينفث آكل الزبيب لا ريق معه ولا اعتبار بما يخرج عليه من بلة ولا يقصد ذلك وقد جاء في حديث الذي رقى بفاتحة الكتاب فجعل يجمع بزاقه ويتفل‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏بالمعوذات‏)‏ قال ابن التين‏: ‏ الرقى بالمعوذات وغيرها من أسماء اللّه تعالى هو الطب الروحاني إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشفاء بإذن اللّه فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم وغيره ممن ادعى تسخير الجن له يأتي بأمور مشبهة مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر اللّه وأسمائه ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بمردتهم ويقال إن الحية لعداوتها للإنسان بالطبع تصادق الشياطين لكونهم أعداء بني آدم فإذا عزم على الحية بأسماء الشياطين أجابت وخرجت فلذلك كره من الرقى ما لم يكن بذكر اللّه وأسمائه خاصة وباللسان العربي الذي يعرف معناه ليكون بريئًا من شوب الشرك وعلى كراهة الرقى بغير كتاب اللّه علماء الأمة‏. ‏ وقال القرطبي‏: ‏ الرقى ثلاثة أقسام أحدها ما كان يرقى به في الجاهلية ما لا يعقل معناه فيجب اجتنابه لئلا يكون فيه شرك أو يؤدي إلى الشرك‏. ‏ الثاني ما كان بكلام اللّه أو بأسمائه فيجوز فإن كان مأثورًا فيستحب‏. ‏ الثالث ما كان بأسماء غير اللّه من ملك أو صالح أو معظم من المخلوقات كالعرش قال فهذا ليس من الواجب اجتنابه ولا من المشروع الذي يتضمن الالتجاء إلى اللّه والتبرك بأسمائه فيكون تركه أولى إلا أن يتضمن تعظيم المرقى به فينبغي أن يجتنب كالحلف بغير اللّه قال الربيع‏: ‏ سألت الشافعي عن الرقية فقال لا بأس أن ترقى بكتاب اللّه وبما تعرف من ذكر اللّه قلت‏: ‏ أيرقي أهل الكتاب المسلمين قال نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب اللّه وبذكر اللّه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وأمسحه بيد نفسه‏)‏ في رواية وأمسح بيده نفسه‏. 


٦
باب الرقية من العين والاستغسال منها
عن عائشة قالت‏:
‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأمرني أن أسترقي من العين‏)‏‏.
‏ متفق عليه‏.
‏ وعن أسماء بنت عميس أنها قالت‏:
‏ ‏(‏يا رسول اللّه إن بني جعفر تصيبهم العين أفنسترقي لهم قال‏:
‏ نعم فلو كان شيء سبق القدر لسبقته العين‏)‏‏.
‏ رواه أحمد والترمذي وصححه‏.
‏ وعن ابن عباس‏:
‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:
‏ العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا‏)‏‏.
‏ رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه‏.
‏ وعن عائشة قالت‏:
‏ ‏(‏كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين‏)‏‏.
‏ رواه أبو داود‏.
‏ وعن سهل بن حنيف‏:
‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلًا أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال‏:
‏ ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط سهل فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقيل يا رسول اللّه هل لك في سهل واللّه ما يرفع رأسه قال هل تتهمون فيه من أحد قالوا نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عامرًا فتغيظ عليه وقال‏:
‏ على ما يقتل أحدكم أخاه هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت ثم قال له اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه ثم يكفأ القدح وراءه ففعل به ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس‏)‏‏.
‏ رواه أحمد‏.
‏ حديث أسماء بنت عميس أخرجه أيضًا النسائي ويشهد له حديث جابر المتقدم في الباب الأول‏.
‏ وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات لأنه عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عنها‏.
‏ وحديث سهل أخرجه أيضًا في الموطأ والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه ووقع في رواية ابن ماجه من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فذكر الحديث‏.
‏ قوله‏:
‏ ‏(‏يأمرني أن أسترقي من العين‏)‏ أي من الإصابة بالعين قال المازري‏:
‏ أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى لأن كل شيء ليس محالًا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل فهو من مجوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به في الآخرة من الأمور‏.
‏ قوله‏:
‏ ‏(‏فلو كان شيء سبق القدر لسبقته العين‏)‏ فيه رد على من زعم من المتصوفة أن قوله العين حق يريد به القدر أي العين التي تجري منها الأحكام فإن عين الشيء حقيقته والمعنى أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر إنما هو بقدر اللّه السابق لا شيء يحدثه الناظر في المنظور ووجه الرد أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب إما بما جعل اللّه تعالى فيها من ذلك وأودعه إياها وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر إذ القدر عبارة عن سابق علم اللّه وهو لا راد لأمره أشار إلى ذلك القرطبي وحاصله لو فرض أن شيئًا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها وقد أخرج البزار من حديث جابر بسند حسن عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:
‏ ‏(‏أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء اللّه وقدره بالأنفس‏)‏ قال الراوي يعني بالعين‏.
‏ قوله‏:
‏ ‏(‏العين حق‏)‏ أي شيء ثابت موجود من جملة ما تحقق كونه‏.
‏ قوله‏:
‏ ‏(‏وإذا استغسلتم فاغسلوا‏)‏ أي إذا طلبتم للاغتسال فاغسلوا أطرافكم عند طلب المعيون ذلك من العائن وهذا كان أمرًا معلومًا عندهم فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم وأدنى ما في ذلك رفع الوهم وظاهر الأمر الوجوب وحكى المازري فيه خلافًا وصحح الوجوب وقال‏:
‏ متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء فيه فإنه يتعين وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى ولم يبين في حديث ابن عباس صفة الاغتسال‏.
‏ قوله‏:
‏ ‏(‏بشعب الخرار‏)‏ بمعجمة ثم مهملتين قال في القاموس‏:
‏ هو موضع قرب الجحفة‏.
‏ قوله‏:
‏ ‏(‏فلبط‏)‏ بضم اللام وكسر الموحدة لبط الرجل فهو ملبوط أي صرع وسقط إلى الأرض‏.
‏ قوله‏:
‏ ‏(‏وداخلة إزاره‏)‏ يحتمل أن يريد بذلك الفرج ويحتمل أن يريد طرف الإزار الذي يلي جسده من الجانب الأيمن وقد اختلف في ذلك على قولين ذكرهما في الهدى وقد بين في هذا الحديث صفة الغسل‏.
‏ قوله‏:
‏ ‏(‏ثم يكفأ القدح وراءه‏)‏ زاد في رواية على الأرض‏.
‏ قال المازري‏:
‏ هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه‏.
‏ وقال ابن العربي‏:
‏ إن توقف فيه متشرع قلنا له اللّه ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة‏.
‏ قال ابن القيم‏:
‏ هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربًا غير معتقد وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما يفعل بالخاصة فما الذي ينكر جهلتهم من الخواص الشرعية هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن فكأن أثر تلك العين شعلة نار وقعت على جسد المعيون ففي الاغتسال إطفاء لتلك العلة ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شيء أرق من العين فكان في غسلها إبطال لعملها ولا سيما للأرواح الشيطانية في تلك المواضع‏.
‏ وفيه أيضًا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذًا فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الغسل المأمور به ينفع بعد استحكام النظرة فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة‏:
‏ ‏(‏ألا بركت عليه‏)‏ وفي رواية ابن ماجه فليدع بالبركة ومثله عند ابن السني من حديث عامر بن ربيعة‏.
‏ وأخرج البزار وابن السني من حديث أنس رفعه من رأى شيئًا فأعجبه فقال ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه لم يضره وقد اختلف في القصاص بذلك فقال القرطبي‏:
‏ لو أتلف العائن شيئًا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر‏.
‏ قال الحافظ‏:
‏ ولم تتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه وقالوا إنه لا يقتل غالبًا ولا يعد مهلكًا‏.
‏ وقال النووي في الروضة‏:
‏ ولا دية فيه ولا كفارة لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصلًا وإنما غايته حسد وثمن لزوال نعمة وأيضًا فالذي ينشأ عن الإصابة حصول مكروه لذلك الشخص ولا يتعين المكروه في زوال الحياة فقد يحصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين‏.
‏ ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته فإن كان فقيرًا رزقه ما يقوم به فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر بمنعه من مخالطة الناس وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله من حضور الجماعة‏.
‏ قال النووي‏:
‏ هذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه‏




مسلسل قيامة عثمان الحلقة 28 كاملة مترجمة HD شاشة كاملة
قيامة عثمان الحلقة 28 مسلسل قيامة عثمان الحلقة 28 قيامة عثمان الحلقة 28 كاملة مترجمة مسلسل قيامة عثمان الحلقة 28 كاملة مترجمة مسلسل قيامة عثمان الحلقة 28 كام...
youtube.com

https://youtu.be/jCz7SNDYudM


معاني الاشراك بالله عياذا بالله الواحد@11@111@.pdf


باب ذكر أنكحة الكفار وإقرارهم عليها

 

 

 عن عروة ‏(‏أن عائشة أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر كان الرجل يقول لأمرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع‏. ‏ ونكاح آخر يجتمع الرهط فيه دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم فيصيبونها فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان فتسمي من أحبت باسمه فيلفحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا ينصبن على أبوابهن الرايات وتكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت جمعوا لها ودعوا لها الفاقة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وآله وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم‏)‏‏. ‏ رواه البخاري وأبو داود‏. ‏ قوله ‏(‏أربعة أنحاء‏)‏ جمع نحو أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق النحو أيضا على الجهة والنوع وعلى العلم المعروف اصطلاحا قال الداودي وغيره بقي عليها أنحاء لم تذكرها الأول نكاح الخدن وهو قوله تعالى ‏{‏ولا متخذات أخدان‏}‏ كانوا يقولون ما استثر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم‏. ‏ الثاني نكاح المتعة قد تقدم الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزلي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وإسناده ضعيف جدا قال الحافظ الأول لا يرد لأنها أرادت ذكر بيان نكاح من لا زوج لها أو من أذن لها زوجها في ذلك والثاني يحتمل أن لا يرد لأن الممنوع منه كونه مقدرا بوقت لا أن عدم الولي فيه شرط وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع انتهى‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وليته أو ابنته‏)‏ التخيير للتنويع لا للشك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فيصدقها‏)‏ بضم أوله ثم ينكحها أي يعين صداقها ويسمى مقداره ثم يعقد عليها‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏من طمثها‏)‏ بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها وكأن السر في ذلك أن يسرع علوقها منه‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فاستبضعي منه‏)‏ بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع‏. ‏ ووقع في رواية الدارقطني استرضعي براء بدل الباء الموحدة قال محمد بن إسحاق الصغاني الأول هو الصواب والمعنى اطلبي الجماع منه لتحملي والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏في نجابة الولد‏)‏ لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فهو ابنك يا فلان‏)‏ هذا إذا كان الولد ذكرا أو تقول هي ابنتك إذا كانت انثى قال في الفتح لكن يحتمل أن لا يفعل ذلك إلا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان منهم من يقتل ابنته التي يتحقق أنها ابنته فضلا عمن يكون بمثل هذه الصفة‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏علما‏)‏ بفتح اللام أي علامة‏. ‏ وأخرج الفاكهي من طريق ابن أبي مليكة قال تبرز عمر باجياد فدعا بماء فأتته أم مهزول وهي من البغايا التسع اللاتي كن في الجاهلية فقالت هذا ماء ولكنه في إناء لم يدبغ فقال هلم فإن اللّه جعل الماء طهورا‏. ‏ وروى الدارقطني أيضا من طريق مجاهد قال في قوله تعالى ‏{‏الزاني لا ينكح إلا زانية‏}‏ هن بغاياكن في الجاهلية معلومات لهن رايات يعرفن بها‏. ‏ ومن طريق عاصم بن المنذر عن عروة مثله وزاد كرايات البيطار‏. ‏ وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب المثالب أسامى صواحبات الرايات في الجاهلية فسمى منهن أكثر من عشرة نسوة مشهورات‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏القافة‏)‏ بقاف ثم فاء جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏فالتاط به‏)‏ بالمثناة الفوقية بعدها طاء مهملة أي استلحقه‏. ‏ واصل اللوط بفتح اللام اللصوق‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏الا نكاح الناس اليوم‏)‏ أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل فتزوجه وقد احتج بهذا الحديث على اشتراط الولي وتعقب بأن عائشة وهي الراوية كانت تجيز النكاح بغير ولي ويجاب بأن فعلها ليس بحجة


2 باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال ‏(‏أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أطلق أحداهما‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة إلا النسائي‏. ‏ وفي لفظ الترمذي ‏(‏اختر أيتهما شئت‏)‏‏. ‏ وعن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال ‏(‏أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يختار منهن أربعا‏)‏ رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وزاد أحمد في رواية ‏(‏فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال أني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع وسمع موتك فقذفه في نفسك ولعلك لا تمكث إلا قليلا وأيم اللّه لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال‏)‏‏. ‏ قوله ‏(‏لتراجعن نساءك‏)‏ دليل على أنه كان رجعيا وهو يدل على أن الرجعية ترث وإن انقضت عدتها في المرض وإلا فنفس الطلاق الرجعي لا يقطع ليتخذ حيلة في المرض‏. ‏ حديث الضحاك أخرجه أيضا الشافعي وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي وحسنه الترمذي وأعله والعقيلي‏. ‏ ـ وفي الباب ـ عن أم حبيبة عند الشيخين ‏(‏أنها عرضت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن ينكح أختها فقال لا تحل لي‏)‏ وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري بإسناده المذكور وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه قال البزرا جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن فأرسله‏. ‏ وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال هذا الحديث غير محفوظ‏. ‏ قال البخاري وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لتراجعن نساءك أولا رجمنك وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح‏. ‏ وحكى الحاكم عن مسلم إن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة قال فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة‏. ‏ وقد أخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر الحكم فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه قال الحافظ ولا يفيد ذلك شيئا فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا بالبصرة وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها فديثه الذي حدث به في غير بلد مضطرب لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها اتفق على ذلك أهل العلم كابن المديني والبخاري وابن أبي حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح والعمل عليه وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده‏. ‏ وقال ابن عبد البر طرقه كلها معلولة‏. ‏ وقد أطال الدارقطني في العلل تخريج طرقه‏. ‏ ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلا ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك وقد وافق علىوصله بحر كنيز السقاء عن الزهري ولكنه ضعيف وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك ويحيى ضعيف وأما الزيادة التي رواها أحمد عن عمر فأخرجها أيضا النسائي والدارقطني قال الحافظ وإسناده ثقات وهذا الموقوف على عمر هو الذي حكم البخاري بصحته‏. ‏ ـ وفي الباب ـ عن قيس بن الحرث أو الحرث بن قيس وقد تقدم في باب العدد المباح للحر تقدم الكلام في تحريم الزيادة على الأربع هنالك فليرجع إليه‏. ‏ وحديث الضحاك استدل به تحريم الجمع بين الأختين ولا أعرف في ذلك خلافا وهو نص القرآن قال اللّه تعالى ‏{‏وان تجمعوا بين الأختين الاماقد سلف‏}‏ فإذا أسلم كافر وعنده أختان أجبر على تطليق إحداهما وفي ترك استفصاله عن المتقدمة منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وان لم توافق الإسلام فإذا أسلموا أجرينا عليهم في الأنكحة أحكام المسلمين‏. ‏ وقد ذهب إلى هذا مالك والشافعي وأحمد وداود‏. ‏ وذهبت العترة وأبوحنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي والزهري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا يقر من أنكحة الكفار إلا ما وافق الإسلام فيقولون إذا أسلم الكافر وتحته أختان وجب عليه إرسال من تأخر عقدها وكذلك إذا كان تحته أكثر من خمس أمسك من تقدم العقد عليها منهن وأرسل من تأخر عقدها إذا كانت خامسة أو نحو ذلك وإذا وقع العقد على الأختين أو على أكثر من أربع مرة واحدة بطل وأمسك من شاء من الأختين وأرسل من شاء وأمسك أربعا من الزوجات يختارهن ويرسل الباقيات والظاهر ما قاله الأولون لتركه صلى اللّه عليه وآله وسلم للاستفصال في حديث الضحاك وحديث غيلان ولما في قوله ‏(‏أختر أيتهما‏)‏ وفي قوله ‏(‏أختر أربعا‏)‏ من الإطلاق‏. ‏ قوله ‏(‏قبر أبي رغال‏)‏ بكسر الراء المهملة بعدها غين معجمة‏. ‏ قال في القاموس في فصل الراء من باب اللام وأبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث وقول الجوهري كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير معتد به وكذا قول ابن سيده كان عبدا لشعيب وكان عشارا جائرا انتهى‏. ‏ قوله ‏(‏لتراجعن نساءك‏)‏ يمكن أن يكون المراد بهذه المراجعة المراجعة اللغوية أعني أرجاعهن إلى نكاحه وعدم الاعتداد بذلك الطلاق الواقع كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم فيمن طلق زوجته أو زوجاته مريدا لإبطال ميراثهن منه أنه لا يقع الطلاق ولا يصح وقد جعل ذلك أئمة الأصول قسما من أقسام المناسب وجعلوا هذا الصورة مثالا له والمصنف رحمه اللّه لما فهم أن الرجعة هي الاصطلاحية أعني الواقعة بعد طلاق رجعي معتد به جعل ذلك الطلاق والواقع منه رجعيا ثم ذكر أن الرجعية ترث وإن أنقضت عدتها فأردف الإشكال بإشكال



$3 باب الزوجين الكافرين يسلم أحدهما قبل الأخر عن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رد ابنته زينب على زوجها أبي العاص ابن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئا‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ وفي لفظ ‏(‏رد ابنته زينب على أبي العاص زوجها بنكاحها الأول بعد سنتين ولم يحديث صداقا‏)‏ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏. ‏ وفي لفظ ‏(‏رد ابنته زينب على أبي العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقا‏)‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ وكذلك الترمذي وقال فيه ‏(‏لم يحدث نكاحا‏)‏ وقال هذا حديث ليس بإسناده بأس‏. ‏ وقد روى بإسناد ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد‏)‏‏. ‏ قال الترمذي في إسناده مقال وقال أحمد هذا حديث ضعيف‏. ‏ والحديث الصحيح الذي روي أنه أقرهما على النكاح الأول‏. ‏ وقال الدارقطني هذا حديث لا يثبت والصواب حديث ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ردها بالنكاح الأول‏)‏‏. ‏ وعن ابن شهاب ‏(‏أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أمانا وشهد حنيفا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة فلم يفرق صلى اللّه عليه وآله وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح قال ابن شهاب وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر‏)‏ مختصر من الموطأ لمالك‏. ‏ وعن ابن شهاب ‏(‏أن أم حكيم ابنة الحرث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فأرتحلت أم حكيم حتى قدمت على زوجها باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك قال ابن شهاب ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى اللّه وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها‏)‏‏. ‏ رواه عنه مالك في الموطأ‏. ‏ حديث ابن عباس صححه الحاكم وقال الخطابي هو أصح من حديث عمرو بن شعيب وكذا قال البخاري‏. ‏ قال ابن كثير في الارشاد هو حديث جيد قوي وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انتهى‏. ‏ الا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه وقد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وابن إسحاق فيه مقال معروف وحديث عمرو بن شعيب أخرجه ايضا ابن ماجه وفي إسناده حجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس وأيضا لم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبوعبيدة وإنما حمله عن العرزمي وهو ضعيف وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم قد تقدم ذكر بعضهم وحديث ابن شهاب الأول هو مرسل وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات وحديثه الثاني مرسل ايضا وأخرجه ابن سعد في الطبقات أيضا‏. ‏ ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند البخاري قال ‏(‏كان المشركون على منزلتين من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ومن المؤمنين كانوا مشركي أهل حرب يقالتهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح وإن جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه‏)‏ وروى البيهقي عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد مثلهم ‏(‏ان أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة ومكة يومئذ دار حرب وكذلك حكيم بن حزم ثم أسلم المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم النكاح‏)‏‏. ‏ قوله ‏(‏بعد سنتين‏)‏ وفي الرواية الثانية ‏(‏بست سنين‏)‏ ووقع في رواية ‏(‏بعد ثلاث سنين‏)‏ وأشار في الفتح إلى الجمع فقال المراد بالست ما بين هجرة زينب واسلامه وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى ‏{‏لاهن حل لهم‏}‏ وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين وأشهرا‏. ‏ قال الترمذي في حديث ابن عباس أنه لا يعرف وجهه قال الحافظ وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة قال ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما فقد أخرجه ابن أبي شيبة عن علي وإبراهيم النخعي بطرق قوية وأفتى به حماد شيخ أبي حنيفة‏. ‏ وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن وإن لم تجربه عادة في الغالب ولا سيما إن كان المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض قد يبطئ عن ذات الاقراء لعارض وبمثل هذا أجاب البيهقي قال الحافظ وهو أولى ما يعتمد في ذلك‏. ‏ وقال السهيلي في شرح السيرة ان حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه العمل وأن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء لأن الإسلام قد كان فرق بينهما قال اللّه تعالى ‏{‏لاهن حل لهم ولاهم يحلون لهن‏}‏ ومن جمع بين الحديثين‏. ‏ قال معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الأول في الصداق والحباء ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره انتهى‏. ‏ وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البر وقيل أن زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر فلما نزل قوله تعالى ‏{‏لاهن حل لهم‏}‏ الآية أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن تعتد فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة فقررها النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بالنكاح الأول فيندفع الإشكال قال ابن عبد البر وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري‏. ‏ قال الحافظ وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك وأغرب ابن حزم فقال إن قوله ردها إليه بعد كذا مراده جمع بينهما وإلا فاسلام أبي العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم‏. ‏ قال الحافظ وهومخالف لما أطبق عليه أهل المغازي ان اسلامه كان بعد نزول آية التحريم‏. ‏ وقال ابن القيم في الهدى ما محصله إن اعتبار العدة لم يعرف في شيء من الأحاديث ولا كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا ولوكان الإسلام بمجرده فرقة لكانت طاقة بائنة ولا رجعة فيها فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم وقد دل حكمه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإن انقضت عدتها فإنها أن تنكح من شاءت وإن أحبت انتظرته وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح قال ولا نعلم أحدا جدد بعد الإسلام نكاحه البتة بل كان الواقع أحد الأمرين أما افتراقهما ونكاحها غيره واما بقاؤها على النكاح الأول إذا أسلم الزوج وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة فلم يعلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة قال وهذا اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم‏. ‏ قال ابن حزم وهو قول عمر بن الخطاب وجابر بن عبد اللّه وابن عباس هم عد آخرين وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر وإليه جنح البخاري وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الإسلام في تلك المدة فيمتنع إن كانا معا في دار الإسلام‏. ‏ وقد روى عن أحمد أن الفرقة تقع بمجرد الإسلام من غير توقف على مضى العدة كسائر أسباب الفرقة من رضاع أو خلع أو طلاق وقال في البحر مسألة المذهب والشافعي ومالك وأبو يوسف والفرقة بإسلام أحدهما فسخ لإطلاق إذ العلة اختلاف الدين كالردة‏. ‏ وقال أبو العباس وأبو حنيفة ومحمد بل طلاق حيث أسلمت وأبي الزوج إذ امتناعه كالطلاق قلنا بل كالردة انتهى‏. ‏ قوله‏: ‏ ‏(‏وكان إسلامها‏)‏ الخ المراد بإسلامها هنا هجرتها وإلا فهي لم تزل مسلمة منذ بعثه اللّه تعالى كسائر بناته صلى اللّه عليه وآله وسلم هجرتها بعد بدر بقليل وبدر في رمضان من السنة الثانية وتحريم المسلمات على الكفار في الحديبية سنة ست في ذي القعدة فيكون مكثها بعد ذلك نحوا من سنتين هكذا قيل وفيه بعض مخالفة لما تقدم


4 باب المرأة تسبى وزوجها بدار الشرك عن أبي سعيد ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقى عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم واصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل اللّه تعالى في ذلك والمحصنات من النساء إلا ماملكت أيمانكم أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن‏)‏‏. ‏ رواه مسلم والنسائي وأبو داود وكذلك وأحمد وليس عنده الزيادة في آخره بعد الآية والترمذي مختصرا ولفظه ‏(‏أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فنزلت ‏{‏والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم‏}‏‏)‏‏. ‏ وعن عرباض بن سارية ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والترمذي وهو عام في ذوات الأزواج وغيرهن‏. ‏ حديث العرباض رجال إسناده ثقات وقد أخرج الترمذي نحوه من حديث وريفع بن ثابت ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره‏)‏ وحسنه الترمذي وأخرجه أيضا أبو داود وسيأتي في باب استبراء الأمة إذا ملكت من كتاب العدة ولأبي داود من حديث ‏(‏لا يحل لامرئ يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها‏)‏ وسيأتي أيضا في ذلك الباب من حديث أبي سعيد في سبى أوطاس بلفظ ‏(‏لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة‏)‏ وسيأتي أيضا هنالك من حديث أبي الدرداء المنع من وطء الحامل والكلام على هذه الأحايث يأتي هنالك مستوفي إن شاء اللّه تعالى وإنما ذكر المصنف رحمه اللّه ما ذكره في هذا الباب للاستدلال به على أن البغايا حلال من غير فرق بين ذوات الأزواج وغيرهن وذلك مما لاخلاف فيه فيما أعلم ولكن بعد مضي العدة المعتبرة شرعا قال الزمخشري في تفسير الآية المذكورة ‏{‏إلا ماملكت أيمانكم‏}‏ يريد ماملكت أيمانكم من اللاتي سببن ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين وإن كن محصنات وفي معناه قول الفرزدق وذات حليل أنكحتها رماحنا ** حلال لمن يبني بها لم تطلق


5 أبواب الربا 

 

 5
أبواب الربا
قال الزمخشري في الكشاف كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع‏.
‏ وقال في الفتح الربا مقصور وحكى مده وهو شاذ وهو من ربا يربو فيكتب بالألف ولكن وقع في خط المصاحف بالواو اه قال الفراء إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربو فعلموهم الخط على صورة لغتهم قال وكذا قرأه أبو سماك العدوي بالواو وقراه حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء وقرأه الباقون بالتفخيم لفتحة الباء قال ويجوز كتبه بالألف والواو والياء اه‏.
‏ وتثنيته ربو أن وأجاز الكوفيون كتابة تثنيته بالياء بسبب الكسر في أوله وغلطهم البصريون‏.
‏ قال في الفتح وأصل الزيادة إما في نفس الشيء كقوله تعالى ‏{‏اهتزت وربت‏}‏ وأما في مقابلة كدرهم بدرهمين فقيل هو درهمين فقيل هو حقيقة فيهما‏.
‏ وقيل حقيقة في الأول مجازو في الثاني حقيقة شرعية ويطلق الربا على كل مبيع محرم اه ولا خلاف بين المسلمين في تحريم الربا وإن اختلفوا في تفاصيله


1 باب التشديد فيه عن ابن مسعود ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة وصححه الترمذي غير أن لفظ النسائي ‏(‏آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم القيامة‏)‏‏. ‏ وعن عبد اللّه بن حنطلة عسيل الملائكة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ حديث ابن مسعود أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه مسلم من حديث جابر بلفظ ‏(‏إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه هم سواء‏)‏ وفي الباب عن علي عليه السلام عند النسائي وعن أبي جحفة تقدم في أول البيع وحديث عبد اللّه بن حنظلة وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح ويشهد له حديث البراء عند ابن جرير بلفظ ‏(‏الربا إثنان وستون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه‏)‏ وحديث أبي هريرة عند البيهقي بلفظ ‏(‏الربا سبعون بابا أدناها الذي يقع على أمه‏)‏ وأخرج عنه جرير نحوه وكذلك أخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد اللّه بن مسعود عند الحاكم وصححه بلفظ ‏(‏الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح أمه وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم‏)‏ قوله ‏(‏آكل الربا‏)‏ بمد الهمزة ومؤكله بسكون الهمزة بعد الميم ويجوز إبدالها واوا أي ولعن مطعمه غيره وسمي آخذ المال آكلا ودافعه مؤكلا لأن المقصود منه الأكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلاف أكثر الأشياء‏: ‏ قوله ‏(‏وشاهديه‏)‏ رواية أبي داود بالافراد والبيهقي وشاهديه أو شاهده‏: ‏ قوله وكاتبه فيه دليل على تحريم كتابة الربا إذا علم ذلك وكذلك الشاهد لا يحرم عليه الشهادة إلا مع العلم فأما من كتب أو شهد غير عالم فلا يدخل في الوعيد ـ ومن جملة ـ ما يدل على تحريم كتابة الربا وشهادته وتحليل الشهادة والكتابة في غيره قوله تعالى ‏{‏إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏واشهدوا إذا تبايعتم‏}‏ فأمر بالكتابة والإشهاد فيما أحله وفهم منه تحريمهما فيما حرمه‏: ‏ قوله ‏(‏أشد من ست وثلاثين‏)‏ الخ يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها لا شك أنها تجاوزت الحد في القبح وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعلها الشارع أربى الربا وبعد الرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة ولا تزيد في ماله ولا جاهه فيكون أثمه عند اللّه أشد من إثم من زنا ست وثلاثين زنية هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل نسأل اللّه تعالى السلامة آمين آمين


2 باب ما يجري فيه الربا عن أبي سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وفي لفظ ‏(‏الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه سواء‏)‏ رواه أحمد والبخاري‏. ‏ وفي لفظ ‏(‏لاتبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء‏)‏ رواه أحمد ومسلم‏. ‏ وعن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل‏)‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏. ‏ وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه‏)‏ رواه مسلم‏. ‏ وعن فضالة بن عبيد عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن‏)‏ رواه مسلم والنسائي وأبو داود‏. ‏ قوله ‏(‏الذهب بالذهب‏)‏ يدخل في الذهب جميع أنواعه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش‏. ‏ وقد نقل النووي وغيره الاجماع على ذلك‏. ‏ قول ‏(‏إلا مثل بمثل‏)‏ هو مصدر في موضع الحال أي الذهب يباع بالذهب موزونا بموزون أو مصدر مؤكد أي يوزن وزنا بوزن‏. ‏ وقد جمع بين المثل والوزن في رواية مسلم المذكورة‏: ‏ قوله ‏(‏ولا تشفوا‏)‏ بضم أوله وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء رباعي من أشف والشف بالكسر الزيادة ويطلق على النقص والمراد هنا لا تفضلوا قوله ‏(‏بناجز‏)‏ بالنون والجيم والزاي أي لا تبيعوا مؤجلا بحال‏. ‏ ويحتمل أن يراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا مؤجلا كان أو حالا والناجز الحاضر‏: ‏ قوله ‏(‏والفضة بالفضة‏)‏ يدخل في ذلك جميع أنواع الفضة كما سلف في الذهب‏: ‏ قوله ‏(‏والبر بالبر‏)‏ بضم الباء وهو الحنطة والشعير بفتح أوله ويجوز الكسر وهو معروف وفيه رد على من قال أن الحنطة والشعير صنف واحد وهو مالك والليث والأوزاعي وتمسكوا بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏الطعام بالطعام‏)‏ كما سيأتي ويأتي الكلام على ذلك‏: ‏ قوله ‏(‏فمن زاد‏)‏ الخ فيه التصريح بتحريم ربا الفضل وهو مذهب الجمهور للأحاديث الكثيرة في الباب وغيرها فإنها قاضية بتحريم بيع هذه الأجناس بعضها بعض متفاضلا‏. ‏ وروى عن ابن عمر أنه يجوز ربا الفضل ثم رجع عن ذلك‏. ‏ وكذلك روى عن ابن عباس واختلف في رجوعه فروى الحاكم انه رجع عن ذلك لما ذكر له أبو سعيد حديثه الذي في باب واستغفر اللّه وكان ينهي عنه أشد النهي‏. ‏ وروى مثل قولهما عن أسامة ابن زيد وابن الزبير وزيد بن أرقم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير واستدلوا على جواز ربا الفضل بحديث أسامة عند الشيخين وغيرهما بلفظ ‏(‏إنما الربا في النسيئة‏)‏ زاد مسلم في رواية عن ابن عباس ‏(‏لا ربا فيما كان يدا بيد‏)‏ وأخرج الشيخان والنسائي عن أبي المنهال قال سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فقالا نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا‏. ‏ وأخرج مسلم عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن الصرف فقال إلا يدا بيد قلت نعم قال فلا بأس فأخبرت ابا سعيد فقال أو قال ذلك انا سنكتب إليه فلا يفتيكموه وله من وجه آخر عن أبي نضرة سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا وأني لقاعد عند أبي سعيد فسألته عن الصرف فقال مازاد فهو ربا فأنكرت ذلك لقولهما فذكر الحديث قال فحدثني أبو صهبا أنه سأل ابن عباس عنه فكرهه‏. ‏ قال في الفتح واتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد‏. ‏ فقيل أن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال‏. ‏ وقيل المعنى في قوله ‏(‏لا ربا‏)‏ الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفى الأكمل الأصل وأيضا نفى تحريم ربى الفضل من حديث أسامة إنما هو المفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة عام لأنه يدل على نفي ربا الفضل عن كل شيء سواء كان من الأجناس المذكورة في أحاديث الباب أم لا فهو أعم منها مطلقا‏. ‏ فيخصص هذا المفهوم بمنطوقها‏. ‏ وأما ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه لا ربا فيما كان يدا بيد كما تقدم فليس ذلك مرويا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى تكون دلالته على نفي ربا الفضل منطوقه ولو كان مرفوعا لما رجع ابن عباس واستغفر لما حدثه أبو سعيد بذلك كما تقدم وقد روى الحازمي رجوع ابن عباس واستغفاره عند ان سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد اللّه يحدثان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل وقال حفظتما من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما لم أحفظ وروى عنه الحازمي أيضا أنه قال كان ذلك برأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فتركت رأيي إلى حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلى تسليم أن ذلك الذي قاله ابن عباس مرفوع فهو عام مخصص بأحاديث الباب لأنها أخص منها مطلقا‏. ‏ وأيضا الأحاديث القاضية بتحريم ربا الفضل ثابتة عن جماعة من الصثحابة في الصحيحين وغيرهما قال الترمذي بعد أن ذكر حديث أبي سعيد وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وهشام بن عامر والبراء وزيد بن أرقم وفضالة بن عبيد وأبي بكرة وابن عمر وأبي الدرداء وبلال اه‏. ‏ وقد ذكر المصنف بعض ذلك في كتابه هذا وخرج الحافظ في التلخيص بعضها فلو فرض معارضة حديث أسامة لها من جميع الوجوه وعدم إمكان الجمع أو الترجيح بما سلف لكان الثابت عن الجماعة أرجح من الثابت عن الواحد‏: ‏ قوله ‏(‏ولا الورق بالورق‏)‏ بفتح الواو وكير الراء وبإسكانها على المشهور ويجوز فتحهما كذا في الفتح وهو الفضة وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال‏. ‏ والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة وغير مضروبة‏: ‏ قوله ‏(‏إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء‏)‏ الجمع بين هذه الألفاظ لقصد التأكيد أو للمبالغة‏. ‏ قوله ‏(‏إلا ما اختلفت ألوانه‏)‏ المراد أنه ما اختلفا في اللون اختلافا يصير به كل واحد منهما جنسا غير جنس مقابله فمعناه معنى ما سيأتي من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم‏)‏ وسنذر إن شاء اللّه ما يستفاد منه‏. ‏ وعن أبي بكرة قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب والأسواء بسواء وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا‏)‏ أخرجاه وفيه دليل على جواز الذهب بالفضة مجازفة‏. ‏ وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏الذهب بالورق ربا الاهاء وهاء والبر بالبر ربا الاهاء وهاء والشعير بالشعير ربا الاهاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم‏. ‏ وللنسائي وابن ماجه وأبو داود نحوه في آخره ‏(‏وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا‏)‏ وهو صريح في كون البر والشعير جنسين‏. ‏ وعن معمر بن عبد اللّه قال ‏(‏كنت أسمع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثلا وكان طعامنا يومئذ الشعير‏)‏‏. ‏ رواه أحمد ومسلم‏. ‏ وعن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به‏)‏‏. ‏ رواه الدارقطني‏. ‏ حديث أنس وعبادة أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم عليه وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره وضعفه جماعة‏. ‏ وقد أخرج هذا الحديث البزار أيضا ويشهد لصحته حديث عبادة المذكور أولا وغيره من الأحاديث‏: ‏ قوله ‏(‏كيف شئنا‏)‏ هذا الإطلاق مقيد بما في حديث عبادة من قوله ‏(‏إن كان يدا بيد‏)‏ فلا يد في بيع الربويات ببعض من التقابض ولا سيما في الصرف وهو بيع الدارهم بالذهب وعكسه فإنه متفق على اشتراطه‏. ‏ وظاهر هذا الإطلاق والتفويض إلى المشيئة انه يجوز بيع الذهب بالفضة والعكس وكذلك سائر الأجناس الربوية إذا بيع بعضها ببعض من غير تقييد بصفة من الصفات غير صفة القبض ويدخل في ذلك بيع الجزاف وغيره‏: ‏ قوله ‏(‏إلا هاء وهاء‏)‏ بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون وحكى القصر بغير همز وخطأها الخطابي ورد عليه النووي وقال هي صحيحة لكن قليلة‏. ‏ والمعنى خذ وهات وحكى بزيادة كاف مكسورة ويقال هاء يكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ‏. ‏ وقال ابن الأثير هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء فيعطيه ما في يده وقيل معناهما خذ وأعط قال وغير الخطابي يجيز فيه السكون‏. ‏ وقال ابن مالك هاء اسم فعل بمعنى خذ‏. ‏ وقال الخليل هاء كلمة تستعمل عند المناولة والمقصود من قوله هاء وهاء أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس قال فالتقدير لا تبيعوا الذهب بالورق الا مقولا بين المتعاقدين هاء وهاء‏: ‏ قوله ‏(‏فإذا اختلفت هذه الأصناف‏)‏ الخ ظاهر هذا انه لا يجوز بيع جنس ربوي بجنس آخر الا مع القبض ولا يجوز مؤجلا ولو اختلفا في الجنس والتقدير كالحنطة والشعير بالذهب والفضة وقيل يجوز مع الأختلاف المذكور وإنما يشترط التقابض في الشيئين المختلفين جنسا المتفقين تقديرا كالفضة بالذهب والبر بالشعير إذ لا يعقل التفاضل والاستواء الا فيما كان كذلك ويجاب بأن مثل هذا لا يصلح لتخصيص النصوص وتقييدها وكون التفاضل والاستواء لا يعقل في المختلفين جنسا وتقديرا ممنوع والسند أن التفاضل معقول لو كان الطعام يوزن أو النقود تكال ولو في بعض الأزمان والبلد ان ثم انه قد يبلغ ثمن الطعام إلى مقدار من الدراهم كثير عند شدة الغلاء بحيث يعقل أن يقال الطعام أكثر من الدراهم وما المانع من ذلك وأما الاستدلال على جواز ذلك بحديث عائشة عند البخاري ومسلم وغيرهما قالت ‏(‏اشترى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من يهودي طعاما بنسيئة وأعطاه درعا له رهنا‏)‏ فلا يخفى أن غاية ما فيه أن يكون مخصصا للنص المذكور لصورة الرهن فيجوز في هذه الصورة لا في غيرها لعدم صحة الحاق مالا عوض فيه عن الثمن بما فيه عوض عنه وهو الرهن نعم ان صح الإجماع الذي حكاه المغربي في شرح بلوغ المرام فإنه قال واجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلا أو مؤجلا كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل اهـ كان ذلك هو الدليل على الجواز عند من كان يرى حجية الإجماع وأما إذا كان الربوي يشارك مقابله في العلة فإن كان بيع الذهب بالفضة أو العكس فقد تقدم أنه يشترط التقابض إجماعا إن كان في غير ذلك من الأجناس كبيع البر بالشعير أو بالتمر أو العكس فظاهر الحديث عدم الجواز وإليه ذهب الجمهور‏. ‏ وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن علية لا يشترط والحديث يرد عليه‏. ‏ وقد تمسك مالك بقوله ‏(‏إلا يدا بيد‏)‏ وبقوله الذهب بالورق وبالا هاء وهاء على أنه يشترط القبض في الصرف عند الإيجاب بالكلام ولا يجوز التراخي ولو كان في المجلس‏. ‏ وقال الشافعي وأبو حنيفة والجمهور ان المعتبر التقابض في المجلس وان التراخي عن الإيجاب والظاهر الأول ولكنه أخرج عبد الرزاق وأحمد وابن ماجه عن ابن عمر ‏(‏أنه سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال اشتر الذهب بالفضة فإذا أخذت واحدا منهما فلا تفارق صاحبك وبينكما لبس‏)‏ فيمكن أن يقال أن هذه الرواية تدل على اعتبار المجلس‏: ‏ قوله ‏(‏ان يبيع البر بالشعير‏)‏ الخ فيه كما قال المصنف تصريح بان البر والشعير جنسان وهو مذهب الجمهور وحكى عن مالك والليث والأوزاعي كما تقدم أنما جنس واحد وبه قال معظم علماء المدينة وهو محكي عن عمر وسعد وغيرهما من السلف وتمسكوا بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم الطعام بالطعام كما في حديث معمر بن عبد اللّه المذكور ويجاب عنه بما في آخر الحديث من قوله ‏(‏وكان طعامنا يومئذ الشعير‏)‏ فإنه في حكم التقييد لهذا المطلق وأيضا التصريح بجواز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا كما في حديث عبادة وكذلك عطف أحدهما على الآخر كما في غيره من أحاديث الباب مما لا يبقي معه ارتياب في انهما جنسان ـ واعلم ـ أنه قد اختلف هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة في الأحاديث غيرها فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء مع الأتفاق في الجنس وتحريم النساء فقط مع الأختلاف في الجنس والاتفاق في العلة فقالت الظاهرية إنه لا يلحق بها غيرها في ذلك‏. ‏ وذهب من عداهم من العلماء إلى أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة ثم اختلفوا في العلة ماهي فقال الشافعي هي الاتفاق في الجنس والطعم فيما عدا النقدين وأماهما فلا يلحق بهما غيرهما من الموزونات واستدل على اعتبار الطعم بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏الطعام بالطعام‏)‏ وقال مالك في النقدين كقول الشافعي وفي غيرهما العلة الجنس والتقدير والاقتيات وقال ربيعة بل اتفاق الجنس ووجوب الزكاة‏. ‏ وقالت العترة جميعا بل العلة في جميعها اتفاق الجنس والتقدير بالكيل والوزن واستدلوا على ذلك بذكره صلى اللّه عليه وآله وسلم للكيل والوزن في أحاديث الباب ويدل على ذلك أيضا حديث أنس المذكور فإنه حكم فيه على كل موزون مع اتحاد نوعه وعلى كل مكيل كذلك بأنه مثل بمثل فاشعر بان الأتفاق في أحدهما مع اتحاد النوع موجب لتحريم التفاضل بعموم النص لا بالقياس وبه يرد على الظاهرية لأنهم إنما منعوا من الألحاق لنفيهم للقياس‏. ‏ ومما يؤيد ذلك ما سيأتي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في الميزان مثل ماقال في المكيل على ما سيبينه المصنف إن شاء اللّه تعالى وإلى مثل ما ذهبت إليه العترة ذهب أبو حنيفة وأصحابه كما حكى ذلك عن المهدي في البحر وحكى عنه أنه يقول العلة في الذهب الوزن وفي الأربعة الباقية كونها مطعومة موزونة أو مكيلة ـ والحاصل ـ أنه قد وقع الاتفاق بين من عدا الظاهرية بأن جزء العلة الأتفاق في الجنس واختلفوا في تعيين الجزء الآخر على تلك الأقوال ولم يعتبر أحد منهم العدد جزأ من العلة مع اعتبار الشارع له كما في رواية من حديث أبي سعيد ‏(‏ولادرهمين بدرهم‏)‏ وفي حديث عثمان عند مسلم ‏(‏لاتبيعوا الدينار بالدينارين‏)‏‏. ‏ وعن أبي سعيد وأبي هريرة ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال أكل تمر خيبر هكذا قال انا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا وقال في الميزان مثل ذلك‏)‏‏. ‏ رواه البخاري‏. ‏ الحديث أخرجه أيضا مسلم‏. ‏ قوله ‏(‏رجلا‏)‏ صرح أبو عوانة والدارقطني ان اسمه سواد بن غزية بمعجمة فزاي فياء مشددة كعطية‏: ‏ قوله ‏(‏جنيب‏)‏ بفتح الجيم وكسر النون وسكون التحتية وآخره موحدة اختلف في تفسيره فقيل هو الطيب وقيل الصلب‏. ‏ وقيل ما أخرج منه حشفه وريئه وقبل مالا يختلط بغيره‏. ‏ وقال في القاموس ان الجنيب تمر جيد‏. ‏ قوله ‏(‏بع الجمع‏)‏ بفتح الجيم وسكون الميم قال في الفتح هو التمر المختلط بغيره‏. ‏ وقال في القاموس هو الدقل أو صنف من التمر ـ والحديث ـ يدل على أنه لا يجوز بيع ردئ الجنس بجيده متفاضلا وهذا أمر مجمع عليه لاخلاف بين أهل العلم فيه وأما سكوت الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع أما ذهولا وإما اكتفاء بان ذلك معلوم‏. ‏ وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال هذا هو الربا فرده كما بنه على ذلك في الفتح وقد استدل أيضا بهذا الحديث على جواز بيع العينة لان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمره أن يشتري بثمن الجمع جنيبا ويمكن أن يكون بائع الجنيب منه هو الذي اشترى منه الجمع فيكون قد عادت إليه الدراهم التي هي عين ماله لأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لم يأمره بأن يشتري الجنيب من غير من باع منه الجمع وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم‏. ‏ قال في الفتح وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل فإذا عمل به في صورة سقط الأحتجاج به في غيرها فلا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باع منه تلك السلعة بعينها انتهى‏. ‏ وسيأتي الكلام على بيع العينة‏. ‏ قوله ‏(‏وقال في الميزان مثل ذلك‏)‏ أي مثل ما قال في المكيل من أنه لا يجوز بيع بعض الجنس منه ببعضه متفاضلا وان اختلفا في الجودة والرداءة بل يباع رديئه بالدراهم ثم يشتري بهذا الجيد والمراد بالميزان هنا الموزون‏. ‏ قال المصنف رحمه اللّه وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها لان قوله في الميزان أي في الموزون وإلا فنفس الميزان ليست من أموال الربا انتهى



3 باب في ان الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل عن جابر قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها باليكل المسمى من التمر‏)‏‏. ‏ رواه مسلم والنسائي وهو يدل بمفهومه على انه لو باعها بجنس غير التمر لجاز‏. ‏ قوله ‏(‏الصبرة‏)‏ قال في القاموس والصبرة بالضم ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن انتهى‏. ‏ قوله ‏(‏لا يعلم كيلها‏)‏ صفة كاشفة للصبرة لأنه لا يقال لها صبرة إلا إذا كانت مجهولة الكيل ـ والحديث ـ فيه دليل على أنه لا يجوز أن يباع جنس بجنسه وأحدهما مجهول المقدار لأن العلم بالتساوي مع الأتفاق في الجنس شرط لا يجوزالبيع بدونه ولا شك أن الجهل بكلا البدلين أو بأحدهما فقط مظنة للزيادة والنقصان وما كان مظنة للحرام وجب تجنبه وتجنب هذه المظنة إنما يكون بكيل المكيل ووزن الموزون من كل واحد من البدلين



4 باب من باع ذهبا وغيره بذهب عن فضالة بن عبيد قال اشتريت قلادة يوم خيبر بأثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتاه فوجدت فيها أكثر من أثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال ‏(‏لا يباع حتى يفصل‏)‏‏. ‏ رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه‏. ‏ وفي لفط ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أتى بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا حتى تميز بينه وبينه فقال إنما أردت الحجارة فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا حتى تميز بينهما قال فرده حتى ميز بينهما‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود‏. ‏ الحديث قال في التلخيص له عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جدا في بعضها قلادة فيها خرز وذهب‏. ‏ وفي بعضها ذهب وجوهر‏. ‏ وفي بعضها خرز وذهب‏. ‏ وفي بعضها حرز معلقة بذهب وفي بعضها بأثني عشر دينارا‏. ‏ وفي بعضها بتسعة دنانير‏. ‏ وفي أخرى بسبعة دنانير‏. ‏ وأجاب البيهقي عن هذا الاختلاف بأنها كانت بيوعا شهدها فضالة‏. ‏ قال الحافظ والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفا بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه وهو النهي عن بيع مالم يفصل وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به بهذه الحال ما يوجب الحكم بالاضطراب وحينئذ ينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم فيكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة انتهى‏. ‏ وبعض هذه الروايات التي ذكرها الطبراني في صحيح مسلم وسنن أبي داود‏: ‏ قوله ‏(‏ففصلتها‏)‏ بتشديد الصاد ـ الحديث ـ استدل به على أنه لا يجوز بيع الذهب مع غيره بذهب حتى يفصل من ذلك الغير ويميز عنه ليعرف مقدار الذهب المتصل بغيره ومثله الفضة مع غيرها بفضة وكذلك سائر الأجناس الربوية لاتحادها في العلة وهي تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلا‏. ‏ ومما يرشد إلى استواء الأجناس الربوية في هذا ماتقدم من النهي عن بيع الصبرة من التمر بالكيل المسمى من التمر‏. ‏ وكذلك نهيه عن بيع التمر بالرطب حرصا لعدم التمكن من معرفة التساوي على التحقيق وكذلك في مثل مسألة القلادة يتعذر الوقوف على التساوي من دون فصل ولا يكفي مجرد الفصل بل لابد من معرفة مقدار المفصول والمقابل له من جنسه‏. ‏ وإلى العمل بظاهر الحديث ذهب عمر بن الخطاب وجماعة من السلف والشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحكم المالكي وقالت الحنفية والثوري والحسن بن صالح والعترة أنه لا يجوز إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذي في القلادة ونحوها لامثله ولا دونه‏. ‏ وقال مالك يجوز إذا كان الذهب تابعا لغيره بأن يكون الثلث فما دون‏. ‏ وقال حماد بن أبي سليمان أنه يجوز بيع الذهب مع غيره بالذهب مطلقا سواء كان المنفصل مثل المتصل أو أقل أو أكثر وأعتذرت الحنفية ومن قال بقولهم عن الحديث بأن الذهب كان أكثر من المنفصل واستدلوا بقوله ففصلتها فوجدت فيها أكثرمن أثني عشر دينار والثمن إما سبعة أو تسعة وأكثر ما روي أنه أثنا عشر‏. ‏ وأجيب عن ذلك ماتقدم عن البيهقي من أن القصة التي شهدها فضالة كانت متعددة فلا يصح التمسك بما وقع في بعضها واهدار البعض الآخر وأجيب أيضا بأن العلة هي عدم الفصل وظاهر ذلك عدم الفرق بين المساوي والأقل والأكثر والغنيمة وغيرها وبهذا يجاب عن الخطابي حيث قال أن سبب النهي كون تلك القلادة كانت من الغنائم مخافة أن يقع المسلمون في بيعها وقد أجاب الطحاوي عن الحديث بأنه مضطرب‏. ‏ قال السبكي وليس ذلك باضطراب قادح ولا ترد الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك انتهى‏. ‏ وقد عرفت مماتقدم أنه لا اضطراب في محل الحجة والاضطراب في غيره لا يقدح فيه وبهذا يجاب أيضا على ما قاله مالك‏. ‏ وأما ما ذهب إليه حماد بن أبي سليمان فمردود في الحديث على جميع التقادير ولعله يتعذر عنه بمثل ما قال الخطابي أو لم يبلغه‏. ‏ قوله ‏(‏حتى تميز‏)‏ بضم تاء المخاطب في أوله وتشديد الياء المكسورة بعد الميم‏. ‏ قوله ‏(‏إنما أردت الحجارة‏)‏ يعني الخرز الذي في القلادة ولم أرد الذهب



5 باب مرد الكيل والوزن عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة‏)‏‏. ‏ رواه أبو داود والنسائي‏. ‏ الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا البزار وصححه ابن حبان والدارقطني وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس مكان ابن عمر‏. ‏ قوله ‏(‏المكيال مكيال أهل المدينة‏)‏ الخ فيه دليل على أنه يرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة‏. ‏ أما مقدار ميزان مكة فقال ابن حزم بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فوجدت كلا يقول أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير والدرهم سبعة أعشار المثقال فوزن الدرهم سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور وأما مكيال المدينة فقد قدمنا تحقيقه في الفطرة‏. ‏ ووقع في رواية لأبي داود من طريق الوليد بن مسلم عن حنظلة ابن أبي سفيان الجمحي قال وزن المدينة ومكيال مكة والرواية المذكورة في الباب من طريق سفيان الثوري عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر وهي أصح‏. ‏ وأما الرواية التي ذكرها أبو داود عن ابن عباس فرواها أيضا الدارقطني من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس ورواه من طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طاوس عن ابن عباس قال الدارقطني أخطأ أبو أحمد فيه


6 باب النهي عن بيع كل رطب من حب أو تمر بيابسه عن ابن عمر قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن المزابنة أن يبيع الرجل تمر حائطه إن كان بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبب كيلا وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله‏)‏ متفق عليه‏. ‏ ولمسلم في رواية ‏(‏وعن كل ثمر بخرصه‏)‏ وعن سعد بن أبي وقاص قال ‏(‏سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال لمن حوله أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهى عن ذلك‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة وصححه الترمذي‏. ‏ حديث سعد أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه أيضا ابن المديني وأخرجه الدارقطني والبيهقي وقد أعله جماعة منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق بان في إسناده زيد أبا عياش وهو مجهول‏. ‏ قال في التلخيص والجواب ان الدارقطني قال أنه ثقة ثبت‏. ‏ وقال المنذري وقد روى عنه ثقات واعتمده مالك مع شدة نقده وقال الحاكم لا أعلم أحدا طعن فيه‏: ‏ قوله ‏(‏عن المزابنة‏)‏ قد تقدم ضبطها في باب النهي عن بيع التمر قبل بدو صلاحه‏: ‏ قوله ‏(‏ثمر حائطه‏)‏ بالمثلثة وفتح الميم قال في الفتح المراد به الرطب خاصة‏. ‏ قوله ‏(‏بتمر كيلا‏)‏ بالمثناة من فوق وسكون الميم والمراد بالكرم العنب قال في الفتح وهذا أهل المزابنة وألحق الجمهور بذلك كل بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يجري فيه الربا‏. ‏ قال فأما من قال اضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا مثلا فما زاد فلي ومانقص فعلي فهو من القمار وليس من المزابنة وتعقبه الحافظ بأنه قد ثبت في البخاري عن ابن عمر تفسير المزابنة ببيع التمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي قال فثبت أن من صور المزابنة هذه الصورة من القمار ولا يلزم من كونها قمارا أن لا تسمى مزابنة‏. ‏ قال ومن صور المزابنة بيع الزرع بالحنطة بما أخرجه مسلم في تفسير المزابنة عن نافع بلفظ المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب وبيع الزرع بالحنطة كيلا‏. ‏ وقد أخرج هذا الحديث البخاري كما ذكره المصنف ههنا ولم ينفرد به مسلم وقد قدمنا مثل هذا في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه وقدمنا أيضا ما فسر به مالك المزابنة قوله ‏(‏أينقص‏)‏ الاستفهام ههنا ليس المراد به حقيقته أعني طلب الفهم لأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم كان عالما بأنه ينقص إذا يبس بل المراد تنبيه السامع بأن هذا الوصف الذي وقع عنه الأستفهام هو علة النهي ومن المشعرات بذلك الفاء في قوله فنهى عن ذلك ويستفاد من هذا عدم جواز بيع الرطب بالرطب لأن نقص كل واحد منهما لا يحصل العلم بأنه نقص الآخر وما كان كذلك فهو مظنة للربا‏. ‏ وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وجمهور أصحابه وعبد الملك بن الماجشون وأبو حفص العكبري من الحنابلة وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه والمزني والروياني من أصحاب الشافعي إلى أنه يجوز‏. ‏ قال ابن المنذر إن العلماء اتفقوا على جواز ذلك ألا الشافعي ويدل على عدم الجواز أن الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري روى حديث ابن عمر بلفظ ‏(‏نهى صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الثمرة بالثمرة‏)‏ وذلك يشمل بيع الرطب بالرطب



7 باب الرخصة في بيع العرايا عن رافع بن خديج وسهل ابن أبي حثمة ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر الا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والبخاري والترمذي وزاد فيه ‏(‏وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه‏)‏‏. ‏ وعن سهل بن أبي حثمة قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا أن يشتري بخرصها يأكلها أهلها رطبا‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وفي لفظ ‏(‏عن بيع الثمر بالتمر وقال ذلك الربا تلك المزابنة الا أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا‏)‏ متفق عليه‏. ‏ وعن جابر قال ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول حين أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وعن زيد بن ثابت ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها كيلا‏)‏‏. ‏ رواه أحمد والبخاري‏. ‏ وفي لفظ ‏(‏رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا‏)‏ متفق عليه‏. ‏ وفي لفظ آخر ‏(‏رخص في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك‏)‏ أخرجاه ‏. ‏ وفي لفظ ‏(‏بالتمر وبالطب‏)‏ رواه أبو داود‏. ‏ حديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وصححه ان خزيمة وابن حبان والحاكم ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند الشيخين ‏(‏إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق‏)‏ قوله ‏: ‏ ‏(‏بيع الثمر بالتمر‏)‏ الأول بالمثلثة وفتح الميم والثاني بالمثناة الفوقية وسكون الميم والمراد بالأول ثمر النخلة وقد صرح بذلك مسلم في رواية فقال ‏(‏ثم النخلة‏)‏ وليس المراد الثمر من غير النخل لأنه يجوز بيعه بالتمر بالمثناة والسكون‏: ‏ قوله ‏(‏الا أصحاب العرايا‏)‏ جمع عرية قال في الفتح وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة كانت العرب في الجدب تتطوع بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الأبل بالمنيحة وهي عطية اللبن الرقبة ويقال عريت النخلة بفتح العين وكسر الراء تعرى إذا افردت عن حكم اخواتها بأن أعطاها المالك فقيرا قال مالك العرية أن يعري الرجل الرجل الخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه ويرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمر يابس هكذا علقه البخاري عن مالك ووصله ابن عبد البر من رواية ابن وهب‏. ‏ وروى الطحاوي عن مالك ان العرية النخلة للرجل في حائط غيره فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك بخرص نخلة تمرا فيرخص له في ذلك فشرط العرية عند مالك أن يكون لأجل التضرر من المالك بدخول غيره إلى حائطه أو لدفع الضررعن الآخر لقيام صاحب النخل بما يحتاج إليه‏. ‏ وقال الشافعي في الأم وحكاه عنه البيهقي ان العرايا ان يشتري الرجل ثمر النخلة بخرصه من التمر بشرط التقابض في الحال واشترط مالك أن يكون التمر مؤجلا‏. ‏ وقال ابن إسحاق في حديثه عن ابن عمر عند أبي داود والبخاري تعليقا ان يعري الرجل الرجل أي يهب له في ماله النخلة والنخلتين فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها‏. ‏ وأخرج الإمام أحمد عن سفيان بن حسين ان العريا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطعيون أن ينتظروا بها فرخص لهم أن يبيعوها بما شاؤا من التمر‏. ‏ وقال يحيى بن سعيد الأنصاري العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبا بخرصها تمرا قال القرطبي كأن الشافعي اعتمد في تفسير العرية على قول يحيى بن سعيد‏. ‏ وأخرج أبو داود عن عبد ربه ابن سعيد الأنصاري وهو أخو يحيى المذكور أنه قال العرية الرجل يعري الرجل النخلة أو الرجل يستثني من ماله النخلة يأكلها رطبا فيبيعها تمرا‏. ‏ وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع قال سمعنا في تفسير العرية إنها النخلة يعريها الرجل للرجل ويشتريها في بستان الرجل‏. ‏ وقال في القاموس وأعراه النخلة وهبه ثمرة علمها والعرية النخلة المعراة والتي أكل ما عليها‏. ‏ وقال الجوهري هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا بأن يجعل له ثمرها عاما من عراه إذا قصده قال في الفتح صور العرية كثيرة‏. ‏ منها أن يقول رجل لصاحب النخل يعني ثمر نخلات باعيانها بخرصها من التمر فيخرصها ويبيعها ويقبض منه التمر ويسلم له النخلات بالتخلية فينتفع برطبها‏. ‏ ومنها أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها ويشتري رطبها بقدر خرصه بتمر معجل‏. ‏ ومنها أن يهبه اياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا ولا يحب أكلها ربا لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذه معجلا‏. ‏ ومنها أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهي التي عفى له خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنا أعريت عن أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لانقدلهم وعنده فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمير من رطب تلك النخلات بخرصها ومما يطلق عليه اسم العرية أن يعري رجلا ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذ هبة محضة‏. ‏ ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لابيع فيهما وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية‏. ‏ وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع وأراد به رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشترونه لتجارة ولا ادخار ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة ويه أن يعري الرجل الرجل ثمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك ثم يبدو له أن يرتجع تلك الهبة فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب يخرصه تمرا وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع الثمر بالتمر وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في الأحاديث قال ابن المنذر الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة‏. ‏ قال ونظير ذلك الأذن في السلم مع قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا تبع ماليس عندك‏)‏ قال ولو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون الا في شيء ممنوع والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأنها قيدت بخمسة أوسق والهبة التتقيد‏. ‏ وقد احتج أبي حنيفة لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية ولا حجة في شيء منه‏. ‏ لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق شرعا على صور أخرى‏. ‏ وقالت الهادوية وهو وجه في مذهب الشافعي أن رخصة العرايا مختصلة بالمحاويج الذين لا يجدون رطبا فيجوز لهم أن يشتروا منه بخرصه تمرا واستدلوا بما أخرجه الشافعي في مختلف الحديث عن زيد بن ثابت أنه سمي رجالا محاجين من الأنصارى شكوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبا ويأكلون مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر ويجاب عن دعوى اختصاص العرايا بهذه الصورة أما أولا فبالقدح في هذا الحديث فإنه انكره محمد بن داود الظاهري على الشافعي وقال ابن حزم لم يذكر الشافعي له إسنادا فبطل‏. ‏ وأم ثانيا فعلى تسليم صحته لا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على أن العرية أعم من الصورة التي اشتمل عليها ـ والحاصل ـ أن كل صورة من سور العرايا ورد بها حديث صحيح أو ثبتت عن أهل الشرع أو أهل اللغة فهي جائزة لدخولها تحت مطلق الأذن والتنصيص في بعض الأحاديث على بعض الصور لا ينافي ما ثبت في غيره‏: ‏ قوله ـ بخرصه ـ بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها وجزم ابن العربي بالكسر وانكر الفتح وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر قال ومعناه بقدر مافيه إذا صار تمرا فمن فتح قال هو اسم الفعل ومن كسر قال هو اسم للشيء المخروص قال في الفتح والخرص هو التخمين والحدس‏: ‏ قوله ‏(‏يقول الوسق والوسقين‏)‏ الخ استدل بهذا من قال أنه لا يجوز في بيع العرايا الا دون خمسة أوسق وهو الشافعية والحنابلة وأهل الظاهر قالوا لأن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ بما يتحقق فيه الجواز ويلقي ما وقع فيه الشك ولكن مقتضى الاستدلال بهذا الحديث أن لا يجوز مجاوزة الأربعة الأوسق مع أنهم يجوزونها إلى دون الخمسة بمقدار يسير‏. ‏ والذي يدل على ما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة الذي ذكرناه لقوله فيه دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق فيلقي الشك وهو الخمسة ويعمل بالمتيقن وهو ما دونها وقد حكى هذا القول صاحب البحر عن أبي حنيفة ومالك والقاسم وأبي العباس وقد عرفت ما سلف من تحقيق مذهب أبي حنيفة في العرايا وحكى في الفتح أن الراحج عند المالكية الجواز في الخمسة عملا برواية الشك واحتج لهم بقول سهل ابن أبي حثمة إن العرية ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة قال في الفتح ولا حجة فيه لأنه موقوف وحكى الماوردي عن ابن المنذر أنه ذهب إلى تحديد ذلك بالأربعة الأوسق وتعقبه الحافظ بأن ذلك لم يوجد في شيء من كتب ابن المنذر‏. ‏ وقد حكى هذا المذهب ابن عبد البر عن قوم وهو ذهاب إلى ما فيه حديث جابر من الأقتصار على الأربعة وقد ترجم ابن حبان الاحتياط لا يزيد على أربعة أوسق‏. ‏ قال الحافظ وهذا الذي قاله يتعين المصير إليه وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح اه وذلك لان دون الخمسة المذكورة في حديث أبي هريرة يقضي بجواز الزيادة على الأربعة الا أن يجعل الدون مجملا مبينا بالأربعة كان واضحا ولكنه لا يخفى أنه لا إجمال في قوله ‏(‏دون خمسة أوسق‏)‏ لأنها تتناول ما صدق عليه الدون لغة وتما كان كذلك لا يقال له مجمل ومفهوم العدد في الأربعة لا يعارض المنطوق الدال على جواز الزيادة عليها‏: ‏ قوله ‏(‏ولم يرخص في غير ذلك‏)‏ فيه دليل على أنه لا يجوز شراء الرطب على رؤوس النخل بغير التمر والرطب‏. ‏ وفيه أيضا دليل على جواز الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص على الأرض وهو رأي بعض الشافعية منهم ابن خيران‏. ‏ وقيل لا يجوز وهو رأي الاصطخري منهم وصححه جماعة وقيل إن كانا نوعا واحدا لم يجز إذ لا حاجة إليه وإن كانا نوعين جاز وهو رأي أبي إسحاق وصححه ابن أبي عصرون‏. ‏ وهذا كله فيما إذا كان أحدهما على النخل والآخر على الأرض وأما في غير ذلك فقد قدمنا الكلام عليه في الباب قبل هذا‏. ‏



8 باب بيع اللحم بالحيوان عن سعيد بن المسيب ‏(‏إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان‏)‏ رواه مالك في الموطأ‏. ‏ الحديث أخرجه أيضا الشافعي مرسلا من حديث سعيد وأبو داود في المراسيل ووصله الدارقطني في الغريب عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد وحكم بضعفه وصوب الرواية المرسلة المذكورة وتبعه ابن عبد البر وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار في إسناده ثابت بن زهير وهو ضعيف‏. ‏ وأخرجه أيضا من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضا وأبو أمية ضعيف وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة عند الحاكم والبيهقي وابن خزيمة وقد اختلف في صحة سماعه منه وروى الشافعي عن ابن عباس ان جزورا نحرت على عهد أبي بكر فجاء رجل بعناق فقال أعطوني منها فقال أبو بكر لا يصلح هذا وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف ولا يخفى إن الحديث ينتهض للاحتجاج بمجموع طرقه فيدل على عدم جواز بيع اللحم بالحيوان وإلى ذلك ذهبت العترة والشافعي إذا كان الحيوان مأكولا وإن كان غير مأكول جاز عند العترة ومالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه لاختلاف الجنس‏. ‏ وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجوز لعموم النهي‏. ‏ وقال أبو حنيفة يجوز مطلقا واستدل على ذلك بعموم قوله تعالى ‏{‏وأحل اللّه البيع‏}‏ وقال محمد بن الحسن الشيباني إن غلب اللحم جاز ليقابل الزائد منه الجلد



9 باب جواز التفاضل والنسيئة في غير المكيل والموزون عن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اشترى عبدا بعبدين‏)‏ رواه الخمسة وصححه الترمذي ولمسلم معناه‏. ‏ وعن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي‏)‏ رواه أحمد ومسلم وابن ماجه‏. ‏ قوله ـ ولمسلم معناه ـ ولفظه عن جابر قال ‏(‏جاء عبد فبايع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد فجاء سيده يريده فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعنيه واشتراه بعدبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بع حتى يسأله أعبد هو‏)‏ وفي الحديثين دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد وهذا مما خلاف فيه وإنما الخلاف في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وسيأتي‏. ‏ وقصة صفية أشار إليها البخاري في البيع وذكرها في غزوة خيبر‏. ‏ وعن عبد اللّه بن عمرو قال ‏(‏أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أبعث جيشا على إبل كانت عندي قال فحملت الناس عليها حتى نفدت الأبل وبقيت بقية من الناس قال فقلت يا رسول اللّه الأبل قد نقدت وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم فقال بي ابتع علينا ابلا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا البعث قال وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه‏. ‏ وعن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ‏(‏أنه باع جملا يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل‏)‏ رواه مالك في الموطأ والشافعي في مسنده‏. ‏ وعن الحسن عن سمرة قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة‏)‏‏. ‏ رواه الخمسة وصححه الترمذي‏. ‏ وروى عبد اللّه بن أحمد مثله من رواية جابر بن سمرة‏. ‏ حديث ابن عمرو في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقوى الحافظ في الفتح إسناده وقال الخطابي في إسناده مقال ولعله يعني من أجل محمد بن إسحاق ولكن قد رواه البيهقي في سننه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏. ‏ وأثر علي عليه السلام هو م طريق الحسن بن محمد بن علي عن علي عليه السلام وفيه انقطاع بين الحسن وعلي‏. ‏ وقد روى عنه ما يعارض هذا فأخرج عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عنه أنه كره بعيرا ببعيرين نسيئة‏. ‏ وروى ابن أبي شيبة عنه نحوه وحديث سمرة صححه ابن الجارود ورجاله ثقات كما قال في الفتح الا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة‏. ‏ وقال الشافعي هو غير ثابت عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏. ‏ وحديث جابر بن سمرة عزاه صاحب الفتح إلى زيادات المسند لعبد اللّه بن أحمد كما فعل المصنف وسكت عنه ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند البزار والطحاوي وابن حبان والدارقطني بنحو حديث سمرة قال في الفتح ورجاله ثقات الا انه اختلف في وصله وإرساله فرجح البخاري وغير واحد إرساله انتهى‏. ‏ قال البخاري حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة من طريق عكرمة عن ابن عباس رواه الثقات عن ابن عباس موقوفا‏. ‏ وعن عكرمة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلا ـ وفي الباب ـ أيضا عن ابن عمر عند الطحاوي والطبراني وعنه أيضا عند مالك في الموطأ والشافعي أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة‏. ‏ وذكره البخاري تعليقا وعنه أيضا عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة إنه سئل عن بعير بيعيرين فكرهه‏. ‏ وروى البخاري تعليقا عن ابن عباس ووصله الشافعي أنه قال قد يكون خيرا من البعيرين‏. ‏ وروى البخاري تعليقا أيضا عن رافع بن خديج ووصله عبد الرزاق أنه اشترى بعيرا ببعيرين فأعطه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا‏. ‏ وروى البخاري أيضا عن مالك وابن أبي شيبة عن ابن المسيب أنه أنه قال لا ربا في الحيوان‏. ‏ وروى البخاري أيضا وعبد الرزاق عن ابن سيرين أنه قال لا بأس ببعيرين‏. ‏ قوله ‏(‏حتى نفدت الأبل‏)‏ بفتح النون وكسر الفاء وفتح الدال المهملة وآخره تاء التأنيث‏. ‏ قوله ‏(‏بقلائص‏)‏ قال ابن رسلان جمع قلوص وهي الناقة الشابة‏: ‏ قوله ‏(‏حتى نفدت ذلك البعث‏)‏ بفتح النون وتشديد الفاء بعدها دال معجمة ثم تاء المتكلم أي حتى تجهز ذلك الجيش وذهب إلى مقصده والأحاديث والآثار المذكورة في الباب متعارضة كما ترى فذهب الجمهور إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلا مطلقا وشرط مالك أن يختلف الجنس ومنع من ذلك مطلقا مع النسيئة أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والهادوية وتمسك الأولون بحديث ابن عمرو وما ورد في معناه من الآثار وأجابوا عن حديث سمرة بما فيه من المقال‏. ‏ وقال الشافعي المراد به النسيئة من الطرفين لأن اللفظ يحتمل ذلك كما يحتمل النسيئة من طرف وإذ كانت النسيئة من الطرفين فهي من بيع الكاليء بالكاليء وهو لا يصح عند الجميع واحتج المانعون بحديث سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وما في معناها من الآثار وأجابوا عن حديث ابن عمرو بأنه منسوخ ولا يخفى ان النسخ لا يثبت الا بعد نقرر تأخر الناسخ ولم ينقل ذلك فلم يبق ههنا إلا الطلب لطريق الجمع إن أمكن ذلك أو المصير إلى التعارض قيل وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة على بيع المعدوم بالمعدوم فإن ثبت ذلك في لغة العرب أو في اصطلاح الشرع فذاك وإلا فلا شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال لكنها ثبتت من طريق ثلاثة من الصحابة سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وبعضها يقوي بعضا فهي أرجح من حديث واحد غير خال عن المقال وهو حديث عبد اللّه بن عمرو ولا سيما وقد صحح الترمذي وابن الجارود حديث سمرة فإن ذلك مرجح آخر‏. ‏ وأيضا قد تقرر في الأصول إن دليل التحريم أرجح من دليل الإباحة وهذا أيضا مرجح ثالث‏. ‏ وأما الآثار الواردة عن الصحابة فلا حجة فيها وعلى فرض ذلك فهي مختلفة كما عرفت



10 باب أن من باع سلعة بنسيئة لا يشتريها أقل مما باعها عن ابن إسحاق السبيعي عن امرأته ‏(‏أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما شريت إن جهاده مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب‏)‏ رواه الدارقطني‏. ‏ الحديث في إسناده الغالية بنت أيفع وقد روى عن الشافعي أنه لا يصح وقرر كلامه ابن كثير في إسناده وفيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمن نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدا قبل قبض الثمن الأول إما إذا كان المقصود التحيل لأخذ النقد في الحال ورد أكثر منه بعد أيام فلا شك إن ذلك من الربا المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة وسيأتي الخلاف في بيع العينة في الباب الذي بعد هذا‏. ‏ والصورة المذكورة هي صورة بيع العينة وليس في حديث الباب ما يدل على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن هذا البيع ولكن تصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص من الشارع إما على جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة أو على جهة الخصوص كحديث العينة الآتي ولا ينبغي أن يظن بها أنها قالت هذه المقالة من دون أن تعلم بدليل على التحريم لأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا تكون من جهة الموجبات للإحباط



11 باب ما جاء في بيع العينة عن ابن عمر‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل اللّه أنزل اللّه بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم‏)‏‏. ‏ رواه أحمد وأبو داود‏. ‏ ولفظه ‏(‏إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط اللّه عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم‏)‏‏. ‏ الحديث أخرجه أيضا الطبراني وابن القطان وصححه‏. ‏ قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات‏. ‏ وقال في التلخيص وعندي إن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء وعطاء يحتمل أن يكون عطاء الخراساني فيكون فيه تدليس التسوية باسقاط نافع بين عطاء وابن عمر انتهى‏. ‏ وإنما قال هكذا لأن الحديث رواه أحمد والطبراني من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء عن ابن عمر ورواه أحمد وأبو داود من طريق عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر‏. ‏ وقال المنذري في مختصر السنن مالفظه في إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبد الرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه وفيه أيضا عطاء الخراساني وفيه مقال انتهى‏. ‏ قال الذهبي فيل الميزان إن هذا الحديث مناكيره وقد ورد النهي عن العينة من طرق عقد لها البيهقي في سننه بابا ساق فيه جميع ما ورد في ذلك وذكر عللّه‏. ‏ وقال روى حديث العينة من وجهين ضعيفين عن عطاء بن أبي رياح عن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب قال ورورى عن ابن عمر موقوفا أنه كره ذلك‏. ‏ قال ابن كثير وروى من وجه ضعيف أيضا عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص مرفوعا وبعضده حديث عائشة يعني المتقدم في الباب الذي قبل هذا وهذه الطرق يشد بعضها بعضا‏: ‏ قوله ‏(‏بالعينة‏)‏ بكسر العين المهملة ثم ياء تحتية ساكنة ثم نون‏. ‏ قال الجوهري العينة بالكسر السلف‏. ‏ وقال في القاموس وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها قال والتاجر باع سلعته بثمن لي أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى‏. ‏ قال الرافعي وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نفد أقل من ذلك القدر انتهى‏. ‏ قال ابن رسلان في شرح السنن وسميت هذا المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة لأن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصورده اه‏. ‏ وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وجوز ذلك الشافعي وأصحابه مستدلين على الجواز بما وقع من ألفاظ البيع التي لا يراد بها حصول مضمونه وطرحوا الأحاديث المذكورة في الباب واستدل ابن القيم على عدم جواز العينة بما روى عن الأوزاعي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع قال وهذا الحديث وإن كان مرسلا فإنه صالح للاعتضاد به بالأتفاق وله من المسندات ما يشهد له وهي الأحاديث الدالة على تحريم العينة فإنه من المعلوم إن العينة عند من يستعملها إنما يسميها بيعا وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد ثم غير اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة وإنما هو حيلة ومكر وخديعة للّه تعال فمن أسهل الحيل على من أراد فعله أن يعطيه مثلا ألفا الا درهما باسم القرض ويبيعه خرقة تساوي درهما بخمسمائة درهم‏: ‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏ أصل في إبطال الحيل فإن من أراد أن يعامله معاملة يعطيه فيها ألفا بألف وخمسمائة أنما نوى بالأقراض تحصيل الربح الزائد الذي أظهر أنه ثمن الثوب فهو في الحقيقة أعطاه الفا حالة بالف وخمسمائة مؤجلة وجعل صورة القرض وصورة البيع محللا لهذا المحرم ومعلوم إن هذا لا يرفع التحريم ولا يرفع المفسدة التي حرم الربا لاجلها بل يزيدها قوة وتأكيدا من وجوه عديدة منها أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج من جهة السلطان والحكام اقداما لا يفعله المربى لأنه واثق بصورة العقد الذي تحيل به‏. ‏ هذا معنى كلام ابن القيم‏. ‏ قوله ‏(‏واتبعوا أذناب البقر‏)‏ المراد الاشتغال بالحرث‏. ‏ وفي الرواية الأخرى ‏(‏وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع‏)‏ وقد حمل هذا على الأشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد‏. ‏ قوله ‏(‏وتركوا الجهاد‏)‏ أي المتعين فعله‏. ‏ وقد روى الترمذي بإسند صحيح عن ابن عمر كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم فصاح المسلمون وقالوا سبحان اللّه يلقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب فقال يا أيها الناس إنكم لتأولون هذا التأويل وإنما نزلت هذه الآية لما أعز اللّه الكلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سرا أن أموالنا قد ضاعت وإن اللّه قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منا فأنزل اللّه على نبيه ما يرد علينا فقال ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ فكانت التهلكة الأموال واصلاحها وترك الغزو‏: ‏ قوله ‏(‏ذلا‏)‏ بضم الذال المعجمة وكسرها أي صغارا ومسكنة‏. ‏ ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض وسبب هذا الذل واللّه أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل اللّه الذي فيه عز الاسلام وإظهاره على كل دين عاملهم اللّه بنقيضه وهو انزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان‏: ‏ قوله ‏(‏حتى ترجعوا إلى دينكم‏)‏ فيه زجر بليغ لأنه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين وبذلك تمسك من قال بتحريم العينة وقيل إن دلالة الحديث على تحريم غير واضحة لأنه قرن العينة بالأخذ بأذناب البقر والأشتغال بالزرع وذلك غير محرم وتوعد عليه بالذل وهو لا يدل على التحريم ولكنه لا يخفى ما في دلالة الاقتران من التضعف ولانسلم إن الوعد بالذل لا يدل على التحريم لان طلب أسباب العزة الدينية وتجنب أسباب الذلة المنافية للدين واجبان على كل مؤمن وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء وهو لا يكون إلا لذنب شديد وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتد على عقبه وصرحت عائشة بأنه من المحبطات للجهاد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كما في الحديث السالف وذلك إنما هو شأن الكبائر




12 باب ما جاء في الشبهات عن النعمان بن بشير أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما يشتبه عليه من الأثم كان لما استبان أترك وم أجترأ على ما يشك فيه من الأثم أو شك أو يواقع ما استبان والمعاصي حمي اللّه من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ قوله ‏(‏الحلال بين‏)‏ الخ فيه تقسم للأحكام إلى ثلاثة أشياء وهو تقسيم صحيح لان الشيء إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله أو لانيص على واحد منهما‏. ‏ فالأول الحلال البين‏. ‏ والثاني الحرام البين‏. ‏ والثالث المشتبه لخفائه فلا يدري احلال هو أم حرام وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لانه إن كان في نفس الأمر حراما فقد برئ من التبعة وإن كان حلالا فقد استحق الأجر على الترك لهذا القصد لأن الأصل مختلف فيه حظرا وإباحة‏. ‏ وهذا التقسيم قد وافق قول من قال ممن سيأتي إن المباح والمكروه من المشبهات ولكنه يشكل عليه المندوب فإنه لا يدخل في قسم الحلال البين على ما زعمه صاحب هذا التقسيم والمراد بكون كل واحد من القسمين الأولين بينا أنه مما لا يحتاج إلى بيان أو مما يشترك في معرفته كل أحد وقد يرد أن جميعا أي ما يدل على الحل والحرمة فإن علم المتأخر منهما فذاك وإلا كان ما ورد فيه القسم الثالث‏: ‏ قوله ‏(‏أمور مشتبهة‏)‏ أي شبهت بغيرها مما لم يتبين فحكمه على التعيين زاد في رواية للبخاري ‏(‏لا يعلمها كثير من الناس‏)‏ أي لا يعلم حكمها وجاء واضحا في رواية للترمذي ولفظه ‏(‏لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام‏)‏ ومفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين‏. ‏ قوله ‏(‏والمعاصي حمى اللّه‏)‏ في رواية للبخاري وغيره ‏(‏ألا أن حمى اللّه تعالى في أرضه محارمه‏)‏ والمراد بالمحارم والمعاصي فعل المنهى المحرم أوترك المأمور الواجب والحمي المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول‏. ‏ وفي اختصاص التمثيل بالحمى نكتة وهي إن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مخصبة يتوعدون من رعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة فمثل لهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بما هو مشهور عندهم فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن يقع الخصب في الحمى فال يملك نفسه أن يقع فيه فاللّه سبحانه هو الملك حقا وحماه محارمه ـ وقد اختلف ـ في حكم الشبهات فقيل التحريم وهو مردود وقيل الكراهة‏. ‏ وقيل الوقف وهو كالخلاف فيما قبل الشرع واختلف العلماء أيضا في تفسير الشبهات‏. ‏ فمنهم من قال إنها ما تعارضت فيه الأدلة‏. ‏ ومنهم من قال إنها ما اختلف فيه العلماء وهو منتزع من التفسير الأول‏. ‏ ومنهم من قال إن المراد بها قسم المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك ومنهم من قال هي المباح ونقل ابن المنير عن بعض مشايخه أنه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر من تطرق إلى المكروه‏. ‏ ويؤيد هذا ما وقع في رواية لابن حبان من الزيادة بلفظ ‏(‏اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه‏)‏ قال في الفتح بعد أن ذكر التفاسير للمشتبهات التي قدمناها ما لفظه والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول قال ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا ويختلف ذلك باختلاف الناس فالعالم الفطن عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح أو المكروه ومن دونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جراءة على ارتكاب المنهي في الجملة أو يحمله اعتياده لارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم أو يكون ذلك لسر فيه وهو أن من تعاطي مانهى عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه ولهذا قال صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم‏)‏ الخ‏. ‏ ـ وأعلم أن العلماء ـ قد عظموا أمر هذا الحديث فعدوه رابع أربعة تدور عليها الأحكام كما نقل عن أبي داود وغيره وقد جمعها من قال‏. ‏ عمدة الدين عندنا كلمات مسندات من قول خير البرية اترك الشبهات وازهد ودع ما ليس بعينيك واعملن بنية والإشارة بقوله ازهد إلى حديث ‏(‏ازهد فيما في أيدي الناس‏)‏ أخرجه ابن ماجه وحسن إسناده الحافظ وصححه الحاكم عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ ‏(‏ازهد في الدنيا يحبك اللّه وازهد فيما عند الناس يحبك الناس‏)‏ وله شاهد عند أبي نعيم من حديث أنس ورجاله ثقات‏. ‏ والمشهور عن أبي داود عد حديث ‏(‏ما نهيتكم عنه فاجتنبوه‏)‏ مكان حديث ‏(‏ازهد‏)‏ المذكور‏. ‏ وعد حديث الباب بعضهم ثالث ثلاثة وحذف الثاني وأشار ابن العربي أنه يمكن أن ينزع منه وحده جميع الأحكام قال القرطبي لأنه اشتمل على التفصيل بين الحلال وغيره وعلى تعلق جميع الأعمال بالقلب فمن هناك يمكن أن ترد جميع الأحكام إليه‏. ‏ وقد ادعى أبو عمر الداني أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غير النعمان بن بشير فمن أراد من وجهه صحيح فمسلم وان أراد على الإطلاق فمردود فإنه في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر وعمار وفي الكبير له من حديث ابن عباس وفي الترغيب للأصبهاني من حديث وائلة وفي أسانيدها مقال كما قال الحافظ‏. ‏ وعن عطية السعدي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس‏)‏‏. ‏ رواه الترمذي‏. ‏ وعن أنس قال ‏(‏أن كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليصيب التمرة فيقول لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها‏)‏‏. ‏ متفق عليه‏. ‏ وعن أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه وإن سقاه شربا من شرابه فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه‏)‏‏. ‏ رواه أحمد‏. ‏ وعن أنس بن مالك قال ‏(‏إذا دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه واشرب من شرابه‏)‏‏. ‏ ذكره البخاري في صحيحه‏. ‏ حديث عطية السعدي حسنه الترمذي وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي الدرداء نحوه ولفظه ‏(‏تمام التقوى أن يتقي اللّه حتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما‏)‏‏. ‏ وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي ضعفه الجمهور وقد وثق قال في مجمع الزوائد وبقية رجال أحمد رجال الصحيح‏. ‏ هذه الأحاديث ذكرها المصنف رحمه اللّه للإشارة إلى ما فيه شبهة كحديث أنس وإلى ما لا شبهة فيه كحديث أبي هريرة وقد ذكر البخاري في تفسير الشبهات حديث عقبة بن الحرث في الرضاع لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏كيف وقد قيل‏)‏ وحديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏واحتجبي منه يا سودة‏)‏ فإن الظاهر أن الأمر بالمفارقة في الحديث الأول والاحتجاب في الثاني لأجل الاحتياط وتوقي الشبهات وفي ذلك نزاع يأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى‏. ‏ قال الخطابي ما شككت فيه فالورع اجتنابه وهو على ثلاثة أقسام واجب ومستحب ومكروه فالواجب اجتناب ما يستلزم ارتكاب المحرم والمندوب اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام والمكروه اجتناب الرخص المشروعة اهـ‏. ‏ وقد أرشد الشارع إلى اجتناب ما لا يتيقن المرء حله بقوله ما يريبك غل ىما لا يريبك واخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن علي رضي اللّه عنهما ـ وفي الباب ـ عن أنس عند أحمد‏. ‏ وعن ابن عمر عند الطبراني وعن أبي هريرة ووائلة بن الأسقع‏. ‏ ومن قول ابن عمر وابن مسعود وغيرهما‏. ‏ وروى البخاري وأحمد وأبو نعيم عن حسان بن أبي سنان البصري أحد العباد في زمن التابعين أنه إذا شككت في امر فاتركه‏. ‏ ولأبي نعيم من وجه آخر أنه اجتمع يونس ابن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس ما عالجت شيئا أهون علي منه قال كيف قال حسان تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت‏. ‏ قال الغزالي الورع أقسام ورع الصديقين وهو ترك ما لم يكن عليه ببنية واضحة‏. ‏ وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام‏. ‏ وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع فإن لم يكن فهو روع الموسوسين‏. ‏ قال ووراء ذلك ورع الشهود وهو ترك ما يسقط الشهادة أي أعم من أن يكون ذلك متروك حراما أم لا اهـ‏. ‏ وقد أشار البخاري إلى أن الوساوس ونحوها ليست من الشبهات‏. ‏ فقال باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات‏. ‏ قال في الفتح هذه الترجمة معقودة لبيان ما يكره من التنطيع في الورع‏  

 



1 اللؤلؤ والمرجان 

 

 

تحريم طلاق الحائض بغير رضاها وأنه لو خالف وقع الطلاق ويؤمر برجعتها 936- حديث ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْه فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ؛ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». [أخرجه البخاري في: 68 كتاب الطلاق: 1 باب قول الله تعالى: {يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة}]. ✯✯✯✯✯ 937- حديث ابْنِ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ؛ فَقَالَ طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَ مِنْ قُبُلِ عِدَّتِهَا؛ قُلْتُ: فَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ قَالَ: «أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ». [أخرجه البخاري في: 68 كتاب الطلاق: 45 باب مراجعة الحائض]. 



٢ وجوب الكفارة على من حرّم امرأته ولم ينو الطلاق 938- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي الْحَرَامِ يُكَفِّرُ؛ وَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. [أخرجه البخاري في: 65 كتاب التفسير: 66 سورة التحريم: 1 باب: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}]. ✯✯✯✯✯ 939- حديث عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذلِكَ؛ فَقَالَ: «لاَ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ». فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} إِلَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ} لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً». [أخرجه البخاري في: 68 كتاب الطلاق: 8 باب لم تحرم ما أحل الله لك]. ✯✯✯✯✯ 940- حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لِي، أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ أَنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِي: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: لاَ فَقُولِي لَهُ: مَا هذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ: سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكَ، وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاك. قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا، قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: «لاَ». قَالَتْ: فَمَا هذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ». فَقَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ، قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ؛ فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟! قَالَ: «لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ». قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ؛ قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي. [أخرجه البخاري في: 68 كتاب الطلاق: 8 باب لم تحرم ما أحل الله لك]. ✯✯✯✯

 

✯ ٣ بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إِلا بالنية 941- حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَ بِي؛ فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ، قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأَمُرَانِي بِفِرَاقِهِ». قَالَتْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الله جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إِلَى: {أَجْرًا عَظِيمًا} قَالَتْ: فَقُلْتُ فَفِي أَيِّ هذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ الله وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ؛ قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ. [أخرجه البخاري في: 65 كتاب التفسير: 33 سورة الأحزاب: 5 باب قوله: {إن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة}]. ✯✯✯✯

 

✯ 942- حديث عَائِشَةَ عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فَقُلْتُ لَهَا مَا كُنْتِ تَقُولِينَ قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ لَهُ: إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ فَإِنِّي لاَ أُرِيدُ، يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أَحَدًا. [أخرجه البخاري في: 65 كتاب التفسير: 33 سورة الأحزاب: 7 باب قوله: {ترجي من تشاء منهن}]. ✯✯✯✯

 

✯ 943- حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَرْنَا الله وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا. [أخرجه البخاري في: 68 كتاب الطلاق: 5 باب من خير نساءه]. ✯✯✯✯✯

٤ في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن وقوله تعالى {وإِن تظاهرا عليه}

 

 944- حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ؛ حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ، وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ؛ مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ به قَالَ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلَيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ، وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ؛ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ، إِذْ قَالَتْ امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذا قَالَ فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ وَلِمَا هَاهُنَا، فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ؛ فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا بُنَيَّةُ لاَ يَغُرَّنَّكَ هذِهِ الَّتي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا (يُريدُ عَائِشَةَ). قَالَ، ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمَّ سَلَمَةَ، لِقَرَابَتِي مِنْهَا، فَكَلَّمْتُهَا؛ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ فَأَخَذَتْنِي، وَاللهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا. وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ، إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ؛ وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسيرَ إِلَيْنَا، فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ فَإِذَا صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ؛ فَقَالَ: افْتَحْ افْتَحْ فَقُلْتُ: جَاءَ الْغَسَّانِيُّ فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، اعْتَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ؛ فَقُلْتُ: رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعائِشَةَ فَأَخَذْتُ ثَوْبِي فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغُلاَمٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ؛ فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ هذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَذِنَ لِي قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذَا الْحَدِيثَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ؛ فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ، فَبَكَيْتُ؛ فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ كِسْرى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيا وَلَنَا الآخِرَةُ؟!». [أخرجه البخاري في: 65 كتاب التفسير: 66 سورة التحريم: 2 باب: {تبتغي مرضاة أزواجك}]. 

 

945- حديث عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللهُ تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ، فَتَبَرَّزَ، ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ؛ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانَ قَالَ اللهُ تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَة ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ؛ وَكُنَّا، مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، نَغْلِبُ النِّسَاءَ؛ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ الأَنْصَارِ؛ فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي؛ قَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ، فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ، وَقُلْتُ لَهَا: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ؛ فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ قَالَتْ: نَعَمْ فَقُلْتُ: قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ، أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَهْلِكِي لاَ تَسْتَكْثِرِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلاَ تَهْجُرِيهِ، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلاَ يَغُرَّنَّكَ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُرِيدُ عَائِشَةَ). قَالَ عُمَرُ: وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً، فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا؛ وَقَالَ: أَثَمَّ هُوَ فَفَزِعْتُ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ؛ فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هُوَ، أَجَاءَ غَسَّان قَالَ: لاَ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ، طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ؛ فَقُلْتُ: خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْرُبَةً لَهُ، فَاعْتَزَلَ فِيهَا، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي؛ فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هذَا أَطَلَّقَكنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ، يَبْكِي بَعْضُهُمْ؛ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ، اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ؛ فَدَخَلَ الْغُلاَمُ، فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: كَلَّمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ؛ فَانْصَرَفْتُ، حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ فَقْلتُ لِلْغُلاَمِ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ؛ فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ؛ فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلاَمَ، فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ؛ فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ؛ فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا (قَالَ) إِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي فَقَالَ: قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مَتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ؛ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ، وَأَنَا قَائِمٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ، فَقَالَ: «لاَ». فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قُلْتُ، وَأَنَا قَائِمٌ: أَسْتَأْنِسُ، يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيْتَنِي، وَكُنَّا- مَعْشَرَ قُرَيْشٍ- نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ؛ فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيْتَنِي، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُرِيدُ عَائِشَةَ) فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسُّمَةً أُخْرَى؛ فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ، فَواللهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاَثَةٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ اللهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسًا وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ، وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللهَ. فَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَقَالَ: «أَوَفِي هذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ إِنَّ أُولئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا». فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَغْفِرْ لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ الْحَدِيثِ، حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ، تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ قَالَ: مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ، حِينَ عَاتَبَهُ اللهُ. فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّمَا أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا فَقَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». فَكَانَ ذلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى آيَةَ التَّخَيُّرِ، فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ فَاخْتَرْتُهُ ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ، فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. [أخرجه البخاري في: 67 كتاب النكاح: 83 باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها]. ✯✯



٥ المطلقة ثلاثا لا نفقة لها 946- حديث عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ أَلاَ تَتَّقِي اللهَ، يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لاَ سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةَ. [أخرجه البخاري في:68 كتاب الطلاق: 41 باب قصة فاطمة بنت قيس]. ✯✯✯✯✯ 947- حديث عَائِشَةَ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْنَ إِلَى فُلاَنَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ، طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ فَخَرَجَتْ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هذَا الْحَدِيثِ. [أخرجه البخاري في: 68 كتاب الطلاق: 41 باب قصة فاطمة بنت قيس]. ✯✯✯✯✯


٦ انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها وغيرها بوضع الحمل 948- حديث سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحارِثِ: أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهِيَ حَامِلٌ، فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ؛ فَقَالَ لَهَا: مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ، فَإِنَّكِ، وَاللهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ، وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي، وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي. [أخرجه البخاري في: 64 كتاب المغازي: 10 باب حدثني عبد الله بن محمد الجعفي]. ✯✯

 

✯ 949- حديث أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ قُلْتُ أَنَا: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي (يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ) فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلاَمَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ، وَهِيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ، فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا. [أخرجه البخاري في: 65 كتاب التفسير: 65 سورة الطلاق: 2 باب: {وأولات الأحمال}]. ✯✯


٧ وجوب الإحداد في عدة الوفاة، وتحريمه في غير ذلك إِلا ثلاثة أيام

 

 950- حديث أُمِّ حَبِيبَة زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزْيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَزَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ: قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا، أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ، خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجِةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». قَالَتْ زَيْنَبُ: فَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا وَاللهِ مَالِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمَ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ لَيَالٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». قَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنُهَا، أَفَتَكْحُلُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلَيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ علَى رَأْسِ الْحَوْلِ». قَالَ حُمَيْدٌ (الرَّاوِي عَنْ زَيْنَبَ) فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ، حِمَارٍ، أَوْ شَاةٍ، أَوْ طَائِرٍ، فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلاَّ مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. سُئِلَ مَالِكٌ (أَحَدُ رِجَالِ السَّنَدِ) مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا. [أخرجه البخاري في: 68 كتاب الطلاق: 46 باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا]. ✯✯

 

 

✯✯✯ 951- حديث أُمِّ عَطِيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ نَكْتَحِلَ وَلاَ نَتَطَيَّبَ، وَلاَ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ، وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ، إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ. [أخرجه البخاري في: 6 كتاب الحيض: 12 باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض]. ✯✯


٨


مباشرة الحائض فوق الإِزار الحيض.

 

 168- حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا، فَأَرادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا، أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِك إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ. [أخرجه البخاري في: 6 كتاب الحيض: 5 باب مباشرة الحائض]. ✯✯✯✯✯ 169- حديث مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ. [أخرجه البخاري في: 6 كتاب الحيض: 5 باب مباشرة الحائض]. ✯✯



٢ الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد 170- حديث أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيلَةٍ، حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضَتِي؛ فَقَالَ: «أَنُفِسْتِ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ. [أخرجه البخاري في: 6 كتاب الحيض: 22 باب من اتخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر]. ✯✯✯✯✯ 171- حديث أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الْجَنَابَةِ. [أخرجه البخاري في: 6 كتاب الحيض: 21 باب النوم مع الحائض وهي في ثيابها]. 



٣. جواز غسل الحائض رأس روجها وترجيله

 

 172- حديث عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْخِلُ عَلَىَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا. [أخرجه البخاري في: 33 كتاب الاعتكاف: 3 باب لا يدخل البيت إلا لحاجة]. 

 

✯✯✯✯✯ 173- حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. [أخرجه البخاري في: 33 كتاب الاعتكاف: 4 باب غسل المعتكف]. ✯✯✯✯✯ 174- حديث عَائِشَةَ، حَدَّثَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَّك… قراءة المزيد
٧:٤٥ م



٤ المذي 175- حديثُ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ؛ فَقَالَ: «فِيهِ الْوُضُوءُ». [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 34 باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين]. ✯



٥
✯✯✯✯✯
٥
  جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له
176- حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ.
[أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 27 باب الجنب يتوضأ ثم ينام].

✯✯✯✯✯

177- حديث ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ».
[أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 26 باب نوم الجنب].

✯✯✯✯✯

178- حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخطَّابِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ».
[أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 27 باب الجنب يتوضأ ثم ينام].

✯✯✯✯✯

179- حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ.
[أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 34 باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره].


٦ وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها 180- حديث أُمِّ سَلَمَةَ؛ قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، إنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ». فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ- تَعْنِي- وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: يَا رَسولَ اللهِ، وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا». [أخرجه البخاري في: 3 كتاب العلم: 50 باب الحياء في العلم]. 



٧ صفة غسل الجنابة 181- حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيخَلِّلُ بهَا أُصُولَ شَعَرِه، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ. [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 1 باب الوضوء قبل الغسل]. ✯✯✯✯✯ 182- حديث مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلاً، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ، فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ، فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ، فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا. [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 7 باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة]. ✯✯✯✯✯ 183- حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلاَبِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ. [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 6 باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل]. ✯✯✯



٨ القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة 184- حديث عَائِشَة، قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقالُ لَهُ الْفَرَق. [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 2 باب غسل الرجل مع امرأته]. ✯✯✯

 

✯✯ 185- حديث عَائِشَة سَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوٍ مِنْ صَاعٍ، فَاغْتَسَلَتْ وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا؛ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ (قَوْلَ أَبِي سَلَمَةَ). [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 3 باب الغسل بالصاع ونحوه]. ✯✯✯✯✯ 186- حديث أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ. [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 47 باب الوضوء بالمد]. ✯✯✯✯✯



٩ استحباب إِفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثا 187- حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا». وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ، كِلْتَيْهِمَا. [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 4 باب من أفاض على رأسه ثلاثًا]. ✯✯✯✯✯ 188- حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ هُوَ وَأَبُوهُ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الْغُسْلِ، فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِينِي؛ فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا، وَخَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ. [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 3 باب الغسل بالصاع ونحوه]. ✯✯



١٠ استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم 189- حديث عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ: «خُذِي فِرْصَةَ مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا». قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا؟ قَالَ: «تَطَهَّرِي بِهَا». قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: «سُبْحانَ اللهِ تَطَهَّرِي بِهَا». فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ، فَقُلْتُ: تَتَبَعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. [أخرجه البخاري في: 6 كتاب الحيض: 13 باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض]. ✯✯✯✯✯


١١ . المستحاضة وغسلها وصلاتها 190- حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ، فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ». [أخرجه البخاري في: كتاب الوضوء: 63 باب غسل الدم]. 

✯✯✯✯✯ 191- حديث عَائَشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَقَالَ: «هذَا عِرْقٌ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ». [أخرجه البخاري في: 6 كتاب الحيض: 26 باب عرق الاستحاضة]. ✯✯✯


١٣. وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة 192- حديث عَائِشَةَ، أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهَا: أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلاَتَهَا إِذَا طَهُرَتْ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ يَأْمُرُنَا بِهِ، أَو قَالَتْ: فَلاَ نَفْعَلُهُ. [أخرجه البخاري في: 6 كتاب الحيض: 20 باب لا تقضي الحائض الصلاة]. ✯



١٣ تستر المغتسل بثوب ونحوه 193- حديث أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبِ، قَالَتْ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، قَالَتْ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: مَنْ هذِهِ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبي طَالِبٍ؛ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنَ بْنَ هُبَيْرَةَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ». قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى. [أخرجه البخاري في: 8 كتاب الصلاة: 4 باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به]. ✯✯



١٤ جواز الاغتسال عريانًا في الخلوة 194- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ؛ فَقَالُوا وَاللهِ مَا يَمْنَعُ مُوسى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلاَّ أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائيلَ إِلَى مُوسى، فَقَالُوا وَاللهِ مَا بِمُوسى مِنْ بَأْسٍ؛ وَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا». فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ. [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 20 باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة]. ✯✯


١٥ الاعتناء بحفظ العورة 195- حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ؛ فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوْ حَللْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ؛ فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذلِكَ عُرْيانًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه البخاري في: 8 كتاب الصلاة: 8 باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها]. ✯✯



١٦ إِنما الماء من الماء 196- حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ». فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قُحِطْتَ فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ». [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 34 باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين]. ✯✯✯✯✯ 197- حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ: «يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي». [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 29 باب غسل ما يصيب من فرج المرأة]. ✯✯✯✯✯ 198- حديث عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ، قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 34 باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين]. ✯✯



١٧ نسخ (الماء من الماء) ووجوب الغسل بالتقاء الختانين 199- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل». [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 28 باب إذا التقى الختانان]. ✯✯



١٨ نسخ الوضوء مما مست النار 200- حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 50 باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق]. ✯✯✯✯✯ 201- حديث عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَلْقَى السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 50 باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق]. ✯✯✯✯✯ 202- حديث مَيْمُونَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَّضَّأْ. [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 51 باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ]. ✯✯✯✯✯ 203- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا». [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 52 باب هل يمضمض من اللبن]. ✯✯✯



١٩ الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته 204- حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «لاَ يَنْفَتِلْ أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا». [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 4 باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن]. ✯✯✯



٢٠ طهارة جلود الميتة بالدباغ 205- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَولاَةٌ لمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا». قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا». [أخرجه البخاري في: 24 كتاب الزكاة: 61 باب الصدقة على موالي أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]. ✯



٢١. التيمم 206- ✯✯✯✯
٢١.
  التيمم
206- حديث عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْض أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ، أَوْ، بِذَاتِ الْجَيْشِ، انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي؛ فَأَقَام رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ؛ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى إِلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَعاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقولَ، وَجَعَلَ يطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فَتَيمَّمُوا؛ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبي بَكْرِ قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.
[أخرجه البخاري في: كتاب التيمم: 1 باب حدثنا عبد الله بن يوسف].

✯✯✯✯✯

207- حديث عَمَّارٍ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسى لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءَ أَنْ يَتَيَمَّموا الصَّعِيدَ قُلْتُ: وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هذَا لِذَا قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ أَبُو مُوسى: أَلَمْ تَسْمَع قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَر: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَما تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هكَذَا»؛ فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شَمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا وَجْهَه.
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.
[أخرجه البخاري في: 7 كتاب التيمم: 8 باب التيمم ضربة].

✯✯✯✯✯

208- حديثُ عَمَّارٍ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ؛ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هكَذَا»، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ.
[أخرجه البخاري في: 7 كتاب التيمم: 4 باب المتيمم هل ينفخ فيهما].

✯✯✯✯✯

209- حديث أَبِي الْجُهَيْمِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحرِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ: أَقْبَلَ النَبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ.
[أخرجه البخاري في: 7 كتاب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء].

✯✯✯✯



٢٣ الدليل على أن المسلم لا ينجس 210- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ مِنْهُ وَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ؛ فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟» فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ». [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 24 باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره]. ✯✯✯



٢٤ الدليل على أن المسلم لا ينجس 210- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ فأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ مِنْهُ وَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ قَاعِدٌ؛ فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟» فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ يَا أَبَا هِرٍّ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ». [أخرجه البخاري في: 5 كتاب الغسل: 24 باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره]. ✯✯



٢٣ ما يقول إِذا أراد دخول الخلاء 211- حديث أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ، قَالَ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ». [أخرجه البخاري في: 4 كتاب الوضوء: 9 باب ما يقول عند الخلاء]. ✯



٢٤ الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوُضوء 212- حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاجِي رَجُلاً فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ. [أخرجه البخاري في: 10 كتاب الأذان: 27 باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة]. ✯✯



٢٥ نهاية .... 

لم يتبق من تشريع سوري البقرة غير الثلاث خيضات والخلع وتقيد العدد بثلاث طلقات والتراجع بعد نكاح والامساك ضرارا ومتعة النكاح ورد نصف المهر لمن لم يدخل بها 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق